جلسة 18 من أكتوبر سنة 1954
برئاسة السيد الأستاذ أحمد محمد حسن رئيس المحكمة، وحضور السادة
الأساتذة: إسماعيل مجدي، وحسن داود، ومحمود إسماعيل، ومصطفى كامل المستشارين.
---------------
(28)
القضية
رقم 170 سنة 24 القضائية
تعويض.
حرية المحكمة في تقديره. اشتراط نوع معين من الأدلة لإثبات حصول
العاهة أو الإصابة المطلوب عنها التعويض. خطأ.
--------------
إذا كانت المحكمة قد حجبت
نفسها عن إعمال سلطتها في تقدير التعويض بكامل حريتها في تقدير أدلة الدعوى وتحقيق
تلك الأدلة بمقولة إنه لم يثبت بدليل رسمي أن هناك عاهة أو إصابة، مع أن ذلك
الدليل الذى اشترطت وجوده ليس بلازم قانوناً، فإن حكمها يكون معيباً واجباً نقضه.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه تسبب بغير قصد ولا تعمد في جرح
شكري إسماعيل عبد الرحيم و كان ذلك ناشئاً عن إهماله وعدم احتياطه بأن قاد سيارة
بسرعة زائدة في غير الجزء المخصص لمرور السيارات ولم يستعمل آلة التنبيه فاصطدمت
السيارة بالمجني عليه وأحدثت به الإصابة الموصوفة بالتقرير الطبي. وطلبت عقابه
عملاً بالمادة 244 من قانون العقوبات. ومحكمة بولاق الجزئية قضت فيها غيابياً
عملاً بمادة الاتهام بحبس المتهم شهرين مع الشغل وكفالة 10 جنيهات والمصاريف
الجنائية. عارض المحكوم عليه في هذا الحكم الغيابي، وفى أثناء نظر المعارضة ادعى
شكري إسماعيل بحق مدني قدره 1000 جنيه على سبيل التعويض قبل المتهم. وبعد أن أتمت
المحكمة سماعها قضت بتاريخ 11 من مارس سنة 1953 بقبول المعارضة شكلاً, وبتعديل
الحكم المعارض فيه والاكتفاء بتغريم المتهم عشرة جنيهات بلا مصاريف والزمه بأن
يدفع للمدعى المدني 150 جنيهاً كتعويض والمصاريف و2 جنيه أتعاباً للمحاماة. أستأنف
كل من المتهم والمدعى بالحق المدني. ومحكمة مصر الابتدائية (بهيئة استئنافية) قضت
فيها حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف
بالنسبة للعقوبة التي قضى بها وبالنسبة للدعوى المدنية بتعديل الحكم المستأنف
والاكتفاء بإلزام المتهم بدفع مبلغ خمسين جنيهاً مصرياً للمدعى بالحق المدني
والمصروفات المدنية الاستئنافية و2 جنيه مقابل أتعاب المحاماة ورفضت ماعدا ذلك من
الطلبات, فطعن الطاعن (المدعى بالحق المدني) في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
المحكمة
...
وحيث إنه مما ينعاه
الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه حين قدر التعويض وخفضه من مبلغ 150 جنيهاً
المحكوم به ابتدائياً إلى مبلغ خمسين جنيهاً قد استند في ذلك إلى ما يخالف الثابت
في الأوراق إذ تقدم الطاعن بما يثبت أنه تخلفت عن إصابته عاهة في ساقه اليمنى قدرت
بعشرة في المائة بعد وضعها في الحبس من 26 من مارس سنة 1952 إلى 11 من يونيه سنة
1952 وأنه ظل يتردد بعد ذلك على المستشفى لاستكمال العلاج مدة ثلاث شهور تقريباً.
وأنه نقل بسبب ما أصابه من وظيفة مفتش بمرتب 22 جنيهاً و750 مليماً إلى وظيفة ناظر
بمرتب 16 جنيهاً و500 مليم شهرياً ولكن المحكمة أغفلت هذه المستندات ولم ترد عليها.
وحيث إنه تبين من الاطلاع
على مفردات القضية التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً لوجه الطعن أن الطاعن تقدم
بجلسة المعارضة أمام محكمة أول درجة بصورة شمسيه من تقرير طبي محرر بمعرفة الدكتور
مراد عبد المجيد المستكاوي الطبيب بمستشفى الهلال مؤرخ في 26 من يوليه 1952 جاء
فيه أن الطاعن أصيب من اصطدامه بسيارة بكسر مركب بمنتصف القصبة اليمنى وبجرح رضي
بالحاجب الأيسر ووضعت الساق في جبس وحالته متوسطة وعولج في المدة من 26 من مارس
سنة 1952 إلى 11 من يونيه سنة 1952 وجاء في نتيجة العلاج أن الكسر. ملتئم وفى وضع
جيد مع عرج خفيف بالرجل اليمنى نتيجة التصاقات حول مفصل الركبة والقدم وأن درجة
العجز عشرة في المائة كما تبين أن بين الأوراق شهادة صادرة من مدير شركة أتوبيس
إخوان مقار تفيد أن الطاعن التحق بالشركة بوظيفة مفتش وظل يعمل بها حتى أصيب بكسر
في ساقه فاضطرت الشركة إلى إلحاقه بوظيفة ناظر لعجزه عن القيام بوظيفته الأولى بعد
أن استمر علاجه من 26 من مارس سنة 1952 إلى 11 أغسطس سنة 1953, ولما كان حكم محكمة
أول درجة حين تعرض لطلب التعويض قال إن المجني عليه ادعى مدنياً قبل المتهم
مطالباً بتعويض عن الأضرار والإصابات التي حدثت به والتي نجمت عن خطأ المتهم والمحكمة
ترى إجابته إلى طلب التعويض نظراً لما ثبت لها من أن الحادث وقع نتيجة خطأ المتهم
واستهتاره ورعونته, وترى تقدير ذلك التعويض بالنظر إلى ما أصيب به المجني عليه من
كسر بالساق نتج عنه عرج يقلل من مقدرته على العمل ب 10 % وإلى طبيعة عمل المجني
عليه التي تحتاج إلى مجهود جسماني يعتمد فيه على ساقيه وقد نقص ذلك المجهود نتيجة هذه
الإصابة. ترى المحكمة إزاء هذه الظروف والملابسات أن تقضى بإلزام المتهم بأن يدفع
للمجنى عليه مبلغ 150 جنيهاً كتعويض, لما كان ذلك, وكان الحكم المطعون فيه إذ قضى
بتخفيض المبلغ المحكوم بة قد قال في ذلك إنه لم يثبت بدليل رسمي أن هناك عاهة
بالمدعى المدني أو أية إصابة تؤثر عليه في مستقبله في العمل. ومن ثم ترى الاكتفاء
بتقدير مبلغ 50 جنيهاً له تعويضاً عن الضرر الذى لحقه بجميع أنواعه ولما كان هذا
من الحكم الاستئنافي قولاً مرسلاً لا يصلح سبباً يستند إليه قضاء لأن القانون لا
يشترط نوعاً معيناً من الأدلة لإثبات حصول العاهة أو الإصابة التي تحدث عنها الحكم
ولذا فقد كان يتعين على المحكمة أن تتحدث عن المستندات المقدمة من الطاعن وتبدى
رأيها فيها. أما وهى قد حجبت نفسها عن إعمال سلطاتها في تقدير التعويض بكامل حريتها
في تقدير أدلة الدعوى وتحقيق تلك الأدلة بمقولة إنه لم يثبت بدليل رسمي أن هناك
عاهة أو إصابة مع أن ذلك الدليل الذى اشترطت وجوده ليس بلازم قانوناً فإن حكمها
يكون معيباً واجباً نقضه. وحيث إنه لما تقدم يتعين نقض الحكم المطعون فيه دون حاجه
لبحث باقي أوجه الطعن.