الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 15 يونيو 2017

عدم دستورية اغفال ضوابط وأسس نظام التحري عن القيمة الحقيقية للأراضي المعدة للبناء

الطعن 109 لسنة 33 ق " دستورية" المحكمة الدستورية العليا جلسة 6 / 5 /2017
منشور في الجريدة الرسمية العدد 19 مكرر أ في 15/ 5/ 2017 ص 38
باسم الشعب 
المحكمة الدستورية العليا 
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السادس من مايو سنة 2017م، الموافق التاسع من شعبان سنة 1438هـ
برئاسة السيد المستشار/ عبدالوهاب عبدالرازق رئيس المحكمة 
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيري طه النجار والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمي اسكندر ومحمود محمد غنيم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان نواب رئيس المحكمة وحضور السيد المستشار الدكتور/ طارق عبدالجواد شبل رئيس هيئة المفوضين 
وحضور السيد/ محمد ناجي عبدالسميع أمين السر 
أصدرت الحكم الآتي 
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 109 لسنة 33 قضائية "دستورية"
-------------
الوقائع
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن المدعي كان قد أقام التظلم رقم 3694 لسنة 2006 مدني كلي، أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية، بطلب الحكم بعدم الاعتداد بأمر تقدير الرسوم القضائية ورسم الخدمات الصادر بالمطالبة رقم 3875 لسنة 2004-2005، من قلم كتاب محكمة الإسكندرية الابتدائية، بتقدير مبلغ 458673.50 جنيها رسوم نسبية، ومبلغ 229318.75 جنيها رسم خدمات، المستحقة عن الدعوى رقم 2823 لسنة 2000 مدني كلي الإسكندرية، قولا منه أن هذين الرسمين قدرا نفاذا للحكم الصادر في هذه الدعوى بإلزامه بالمصروفات، وهي دعوى رد حيازة لقطعة أرض فضاء معدة للبناء، لم تربط عليها ضريبة، وأن أمر التقدير أستند إلى تقدير قيمة الأرض المتنازع عليها دون بيان الأسس التي قام عليها هذا التقدير. وأثناء نظر التظلم، دفع المدعي بعدم دستورية نص المادة (1)، والبند (ج) من ثانيا من المادة (75) من القانون رقم 90 لسنة 1944، بالرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية، والمادة الأولى من القانون رقم 7 لسنة 1985 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 36 لسنة 1975 المشار إليه، والفقرة الثانية من المادة (184) من قانون المرافعات، والبند أولا من المادة (25) والمادتين (26، 27) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، فصرحت له تلك المحكمة بإقامة الدعوى الدستورية قبل نص المادة (1)، والبند (ج) من ثانيا من المادة (75) من القانون رقم 90 لسنة 1944، ونص المادة الأولى من القانون رقم 7 لسنة 1985 المشار إليهما، فأقام الدعوى الدستورية المعروضة
بتاريخ التاسع والعشرين من مايو سنة 2011، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبا الحكم بعدم دستورية المادة (1)، والبند (ج) من ثانيا من المادة (75) من القانون رقم 90 لسنة 1944، بالرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية وتعديلاته، والمادة واحد مكرر من القانون رقم 36 لسنة 1975، بإنشاء صندوق للخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية، المضافة بالمادة الأولى من القانون رقم 7 لسنة 1985، والفقرة الثانية من المادة (184) من قانون المرافعات المدنية والتجارية. كما أودع رفق صحيفة دعواه مذكرة أضاف فيها إلى طلباته الختامية الواردة بالصحيفة طلبا بعدم دستورية كامل المادة (1)، والفقرة الثانية من المادة (14) من القانون رقم 90 لسنة 1944 المشار إليه، والقانون رقم 96 لسنة 1980، بفرض رسم أضافي لدور المحاكم وتعديلاته، وقانون ضريبة الدمغة الصادر بالقانون 111 لسنة 1980 وتعديلاته، وعجز الفقرتين الأولى والثانية من المادة (184) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968 وتعديلاته، ونص البند أولا من المادة (25) والمادتين (26 و27) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
---------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن المدعي كان قد أقام التظلم رقم 3694 لسنة 2006 مدني كلي، أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية، بطلب الحكم بعدم الاعتداد بأمر تقدير الرسوم القضائية ورسم الخدمات الصادر بالمطالبة رقم 3875 لسنة 2004-2005، من قلم كتاب محكمة الإسكندرية الابتدائية، بتقدير مبلغ 458673.50 جنيها رسوم نسبية، ومبلغ 229318.75 جنيها رسم خدمات، المستحقة عن الدعوى رقم 2823 لسنة 2000 مدني كلي الإسكندرية، قولا منه أن هذين الرسمين قدرا نفاذا للحكم الصادر في هذه الدعوى بإلزامه بالمصروفات، وهي دعوى رد حيازة لقطعة أرض فضاء معدة للبناء، لم تربط عليها ضريبة، وأن أمر التقدير أستند إلى تقدير قيمة الأرض المتنازع عليها دون بيان الأسس التي قام عليها هذا التقدير. وأثناء نظر التظلم، دفع المدعي بعدم دستورية نص المادة (1)، والبند (ج) من ثانيا من المادة (75) من القانون رقم 90 لسنة 1944، بالرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية، والمادة الأولى من القانون رقم 7 لسنة 1985 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 36 لسنة 1975 المشار إليه، والفقرة الثانية من المادة (184) من قانون المرافعات، والبند أولا من المادة (25) والمادتين (26، 27) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، فصرحت له تلك المحكمة بإقامة الدعوى الدستورية قبل نص المادة (1)، والبند (ج) من ثانيا من المادة (75) من القانون رقم 90 لسنة 1944، ونص المادة الأولى من القانون رقم 7 لسنة 1985 المشار إليهما، فأقام الدعوى الدستورية المعروضة
وحيث إن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن ولايتها في الدعاوى الدستورية لا تقوم إلا باتصالها بالدعوى اتصالا مطابقا للأوضاع المقررة في المادة (29) من قانونها، وذلك إما بإحالة الأوراق إليها من إحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي للفصل في المسألة الدستورية، وأما برفعها من أحد الخصوم بمناسبة دعوى موضوعية دفع فيها الخصم بعدم دستورية نص تشريعي، وقدرت محكمة الموضوع جدية دفعه فرخصت له في رفع الدعوى بذلك أمام المحكمة الدستورية العليا، وهذه الأوضاع الإجرائية – سواء ما اتصل منها بطريقة رفع الدعوى الدستورية أو بميعاد رفعها – تتعلق بالنظام العام باعتبارها شكلا جوهريا في التقاضي تغيا به المشرع مصلحة عامة حتى ينتظم التداعي في المسائل الدستورية. لما كان ذلك، وكان الثابت أن الدفع بعدم الدستورية المبدى من المدعى أمام محكمة الموضوع لم يشمل نص الفقرة الثانية من المادة (14) من القانون رقم 90 لسنة 1944 المشار إليه وتعديلاته، والقانون رقم 96 لسنة 1980 بفرض رسم أضافي لدور المحاكم، وقانون ضريبة الدمغة الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1980 وتعديلاته، والفقرة الأولى من المادة (184) من قانون المرافعات. كما أنصب تقدير محكمة الموضوع لجدية الدفع المبدى من المدعى بعدم الدستورية، وتصريحها برفع الدعوى الدستورية، على نص المادة (1) مكرر من القانون رقم 36 لسنة 1975 المشار إليه المضافة بالقانون رقم 7 لسنة 1985، والمادة (1)، والبند (ج) من ثانيا من المادة (75) من القانون رقم 90 لسنة 1944 المشار إليه، الأمر الذي تنحل معه دعواه بالنسبة للنصوص التي لم يشملها الدفع بعدم الدستورية، أو التي لم ينصب عليها تقدير محكمة الموضوع لجدية هذا الدفع، وتصريحها برفع الدعوى الدستورية، إلى دعوى دستورية أصلية أقيمت بالمخالفة لنص المادة (29/ب) من قانون المحكمة الدستورية العليا، مما يتعين معه الحكم بعدم قبولها بالنسبة لهذه النصوص
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن مناط المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية – وهي شرط لقبولها – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية مؤثرا في الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع
متى کان ذلك، وکانت رحي النزاع الموضوعي تدور حول ما ارتآه المدعي من مغالاة قلم الكتاب في تقدير الرسوم القضائية النسبية، وكان المدعي قد طعن بعدم دستورية نص المادة (1) من القانون رقم 90 لسنة 1944 بالرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية، وأقام دعواه – وحسب طلباته الختامية - عن كامل هذه المادة، والتي يجري نص فقرتها الأولى على أن
يفرض في الدعاوى، معلومة القيمة، رسم نسبي حسب الفئات الآتية
2% لغاية 250 جنيها
3% فيما زاد على 250 جنيها حتى 2000 جنيه
4% فيما زاد على 2000 جنيه لغاية 4000 جنيه
5% فيما زاد على 4000 جنيه". 
كما تنص فقرتها الثانية على أن: "ويفرض في الدعاوى مجهولة القيمة رسم ثابت كالآتي
عشرة جنيهات في المنازعات التي تطرح على القضاء المستعجل
- خمسة جنيهات في الدعاوى الجزئية
خمسة عشر جنيها في الدعاوى الكلية الابتدائية
خمسون جنيها في دعاوى شهر الإفلاس أو طلب الصلح الواقي من الإفلاس، ويشمل هذا الرسم الإجراءات القضائية حتى إنهاء التفليسة أو إجراءات الصلح الواقي من الإفلاس، ولا يدخل ضمن هذه الرسوم مصاريف النشر في الصحف واللصق عن حكم الإفلاس والإجراءات الأخرى في التفليسة، ويكون تقدير الرسم في الحالتين طبقا للقواعد المبينة في المادتين (75، 76) من هذا القانون". 
متى كان ذلك، وكان الثابت أن المنازعة الموضوعية تدور رحاها حول التظلم من قيمة الرسوم النسبية المقدرة على الدعوى رقم 2823 لسنة 2000 مدني كلي الإسكندرية، بشأن إلزام المدعى وآخرين برد حيازة قطعة أرض فضاء لم تربط عليها ضريبة، وهي من الدعاوى مقدرة القيمة ويسري في شأن تقدير الرسوم القضائية المستحقة عليها نص الفقرة الأولى من المادة (1) من القانون رقم 90 لسنة 1944 المشار إليه، دون نص الفقرة الثانية من تلك المادة المتعلقة بالرسم الثابت المقرر على الدعاوى مجهولة القيمة، ومن ثم تتحقق مصلحة المدعي في الطعن على نص الفقرة الأولى من المادة الأولى وحدها، بينما تنتفي مصلحته في الطعن على نص الفقرة الثانية من المادة (1) المتعلقة بتقدير الرسم الثابت على الدعاوى مجهولة القيمة، إذ لا يكون للقضاء في مدى دستوريتها أثر أو انعكاس على الدعوى الموضوعية، والطلبات المطروحة بها، وقضاء محكمة الموضوع فيها، مما يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى بالنسبة لهذا الشق من الدعوى
متى كان ذلك، وكانت المسألة الدستورية المتعلقة بنص الفقرة الأولى من المادة (1) من القانون رقم 90 لسنة 1944 بشأن الرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية، قد سبق أن حسمتها المحكمة الدستورية العليا بموجب حكمها الصادر في القضية رقم 33 لسنة 22 قضائية "دستورية"، بجلسة 9-6-2002، والذي قضى برفض الدعوى؛ وقد نشر هذا الحكم بالجريدة الرسمية في العدد رقم (25 تابع)، بتاريخ 20-6-2002
وحيث إنه فيما يتعلق بالطعن على نص المادة (1) مكرر من القانون رقم 36 لسنة 1975 بإنشاء صندوق للخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية، المضافة بالقانون رقم 7 لسنة 1985، فيما نصت عليه من أنه يفرض رسم خاص أمام المحاكم ومجلس الدولة يعادل نصف الرسوم القضائية الأصلية المقررة في جميع الأحوال، ويكون له حكمها، وتؤول حصيلته إلى صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية ........"، فقد سبق للمحكمة الدستورية العليا أن تناولت بحث مدى دستورية ذلك النص في القضية رقم 152 لسنة 2000 قضائية "دستورية"، وتراءى لها توافقه وأحكام الدستور، قضت بجلسة 3-6-2000 برفض الدعوى. وقد نشر هذا الحكم بالعدد رقم (24) من الجريدة الرسمية بتاريخ 17-6-2000
وحيث أن مقتضى نص المادة (195) من الدستور والمادتين (48، 49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن للأحكام والقرارات الصادرة من المحكمة الدستورية العليا، حجية مطلقة في مواجهة الكافة، وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة، باعتبارها قولا فصلا في المسألة المقضي فيها، وهي حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيها أو إعادة طرحها عليها من جديد لمراجعته، ومن ثم تغدو الدعوى المعروضة غير مقبولة بالنسبة لهذا الشق منها
وحيث إن المادة (75) من القانون رقم 90 لسنة 1944 بالرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية تنص على أن "يكون أساس تقدير الرسوم النسبية على الوجه الآتي
(أولا): .................................... 
(ثانيا): على قيم العقارات أو المنقولات المتنازع فيها، وفقا للأسس الآتية
(أ) .................................... 
(ب) ................................... 
(ج) بالنسبة للأراضي الزراعية الكائنة في ضواحي المدن، والأراضي الزراعية التي لم تفرض عليها ضريبة، والأراضي المعدة للبناء، والمباني المستحدثة التي لم تحدد قيمتها الإيجارية بعد، والمنقولات، يقدر الرسم مبدئيا على القيمة التي يوضحها الطالب، وبعد تحري قلم الكتاب عن القيمة الحقيقية، يحصل الرسم عن الزيادة
ويجوز لصاحب الشأن قبل انتهاء التقدير بمعرفة الخبير أن يتفق مع قلم الكتاب على القيمة، وتصدق النيابة على ما يتم الاتفاق عليه". 
متى كان ذلك، وكان المدعى قد تظلم في الدعوى الموضوعية من فرض الرسم النسبي التكميلي عليه استنادا لنص البند (ج) من ( ثانيا) من المادة (75) من القانون رقم 90 لسنة 1944 بالرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية، وفقا لنظام التحري عن القيمة الحقيقية لأرض النزاع في دعوى رد الحيازة، وهي أرض فضاء معدة للبناء في ضواحي المدن، وقدر عليها رسم نسبي عن الزيادة التي ظهرت في قيمتها، استنادا إلى التحريات التي أجرتها جهة الإدارة عن القيمة الحقيقية لها، ومن ثم تتوافر للمدعي المصلحة الشخصية المباشرة في الطعن على نص البند (ج) المشار إليه. فيما تضمنه من الأخذ بنظام التحري في تقدير قيمة الأراضي المعدة للبناء كأساس لتقدير الرسوم النسبية
وحيث إن المدعي ينعى على نظام التحري الذي أخذ به النص المطعون عليه – في النطاق المحدد سلفا – إخلاله بمبدأ العدالة الضريبية، وإرهاقه للحق في التقاضي التي حرص دستور سنة 1971 في المواد (38، 68، 119) منه على توكيدهما، فضلا عن إهداره الحماية التي كفلها ذلك الدستور للملكية الخاصة، بمقتضي نصي المادتين (32، 34) منه، بمداهمته الأموال لأسباب تفتقر لمبرراتها، ويسوغ تحصيل رسوم تكميلية لم يتوقعها المكلف
وحيث إن الرقابة القضائية على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، بحسبانه مستودع القيم التي ينبغي أن تقوم عليها الجماعة، وتعبيرا عن إرادة الشعب منذ صدوره، ذلك أن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلا صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، إذ إن نصوص هذا الدستور تمثل دائما القواعد والأصول التي يقوم عليها النظام العام في المجتمع، وتشكل أسمى القواعد الأمرة التي تعلو على ما دونها من تشريعات، ومن ثم يتعين التزامها، ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من تشريعات – أيا كان تاريخ العمل بها – لضمان اتساقها والمفاهيم التي أتى بها، فلا تتفرق هذه القواعد في مضامينها بين نظم مختلفة يناقض بعضها البعض بما يحول دون جريانها وفق المقاييس الموضوعية ذاتها التي تطلبها الدستور القائم كشرط لمشروعيتها الدستورية، ومن ثم، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون عليه، الذي ما زال قائما ومعمولا به، في ضوء أحكام الدستور الحالي الصادر سنة 2014
وحيث إن مؤدى نص البند (ج) من (ثانيا) من المادة (75) من قانون الرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية، أن الرسوم النسبية – في الأحوال التي تقدر فيها على أساس قيمة العقار – إنما تقدر مبدئيا بالنسبة للأراضي المعدة للبناء في ضواحي المدن وفق القيمة التي يوضحها الطالب، وأن إجراء التقدير على هذا النحو لا يعني أن يصير نهائيا، بل يجوز إعادة النظر فيه من قبل قلم كتاب المحكمة، الذي له أن يتحرى عن القيمة الحقيقية للأراضي المشار إليها، بما مؤداه أن القيمة التي يوضحها الطالب، إنما تمثل حدا أدنى لقيمة العقار التي تحصل الرسوم النسبية على مقتضاها، وهي بعد قيمة يجوز تكملتها بما قد يظهر من زيادة فيها، لتنسب تلك الرسوم إليها
وحيث إن الحماية التي فرضها الدستور للملكية الخاصة – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – تمتد إلى كل أشكالها، وتقيم توازنا دقيقا بين الحقوق المتفرعة عنها، والقيود التي يجوز فرضها عليها، فلا ترهق هذه القيود تلك الحقوق، بما ينال من محتواها، أو يقلص دائرتها، لتغدو الملكية في واقعها شكلا مجردا من المضمون، وإطارا رمزيا لحقوق لا قيمة لها عملا، فلا تخلص لصاحبها، ولا يعود عليه ما يرجوه منها إنصافا، بل تثقلها تلك القيود لتنوء بها، مما يخرجها عن دورها كقاعدة للثروة القومية التي لا يجوز استنزافها من خلال فرض قيود لا تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، وهو ما يعنى أن الملكية ينبغي أن توفر لها من الحماية ما يعينها على أداء دورها، ويكفل اجتناء ثمارها ومنتجاتها وملحقاتها، وبما يقيها تعرض الأغيار لها، سواء بنقضها أو بانتقاصها من أطرافها. ولم يعد جائزا بالتالي أن ينال المشرع من عناصرها، ولا أن يغير من طبيعتها، أو يجردها من لوازمها، ولا أن يفصلها عن بعض أجزائها، أو يدمر أصلها، أو يقيد من مباشرة الحقوق التي تتفرع عنها في غير ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية. ودون ذلك تفقد الملكية ضماناتها الجوهرية، ويكون العدوان عليها غصبا، أدخل إلى مصادرتها
وحيث إن الدستور القائم وإن قرن العدل بكثير من النصوص التي تضمنها، كالمواد (4، 8، 27، 38، 78، 81، 91، 177، 241)، وخلا في الوقت ذاته من تحديد معناه، إلا أن مفهوم العدل يتغيا التعبير عن تلك القيم الاجتماعية التي لا تنفصل الجماعة في حركتها عنها، والتي تبلور مقاييسها في شأن ما يعتبر حقا لديها، فلا يكون العدل مفهوما مطلقا ثابتا باطراد، بل مرنا ومتغيرا وفقا لمعايير الضمير الاجتماعي ومستوياتها، وهو بذلك لا يعدو أن يكون نهجا متواصلا منبسطا على أشكال من الحياة تتعدد ألوانها، وازنا بالقسط تلك الأعباء التي يفرضها المشرع على المواطنين، فلا تكون وطأتها على بعضهم عدوانا، بل تطبيقها فيما بينهم إنصافا، وإلا صار القانون منهيا للتوافق في مجال تنفيذه، وغدا القضاء بعدم دستوريته لازما
وحيث إن الأعباء التي يجوز فرضها على المواطنين بقانون أو في الحدود التي يبينها، وسواء كان بنيانها ضريبة أو رسما أو تكليفا آخر – هي التي نظمها الدستور بنص المادة (38) منه، متطلبا أن تكون العدالة الاجتماعية مضمونا لمحتواها، وغاية يتوخاها، فلا تنفصل عنها النصوص القانونية التي يقيم المشرع عليها النظم الضريبية على اختلافها، إلا أن الضريبة وغيرها من التكاليف العامة التي انتظمتها هذه المادة من الدستور بكل صورها، تمثل في جوهرها عبئا ماليا على المكلفين بها، ويتعين بالتالي – وبالنظر إلى وطأتها – أن يكون العدل من منظور اجتماعي مهيمنا عليها بمختلف صورها، محددا الشروط الموضوعية لاقتضائها، نائيا عن التمييز بينها دون مسوغ، فذلك وحده ضمان خضوعها لشرط الحماية القانونية المتكافئة التي كفلها الدستور للمواطنين جميعا في شأن الحقوق عينها، فلا تحكمها إلا مقاييس موحدة لا تتفرق بها ضوابطها
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الدستور دل بنص المادة (97) منه – على وجوب أن يكون لكل خصومة قضائية قاضيها، ولو كانت الحقوق المتنازع عليها من طبيعة مدنية، وألقى على عاتق الدولة التزاما يقتضيها أن توفر لكل فرد – وطنيا کان أم أجنبيا - نفاذا ميسرا إلى محاكمها، يكفل الضمانات الأساسية اللازمة لإدارة العدالة إدارة فعالة وفقا لمستوياتها في الدول المتحضرة؛ وكانت الحقوق التي تستمد وجودها من النصوص القانونية يلازمها بالضرورة – ومن أجل اقتضائها – طلب الحماية التي يكفلها الدستور أو المشرع لها، باعتبار أن مجرد النفاذ إلى القضاء، لا يعتبر كافيا لضمانها، وإنما يجب أن يقترن هذا النفاذ دوما بإزالة العوائق التي تحول دون تسوية الأوضاع الناشئة عن العدوان عليها، وبوجه خاص ما يتخذ منها صورة الأشكال الإجرائية المعقدة، كي توفر الدولة للخصومة في نهاية مطافها حلا منصفا يقوم على حيدة المحكمة واستقلالها، ويضمن عدم استخدام التنظيم القضائي كأداة للتمييز ضد فئة بذاتها أو للتحامل عليها، وكانت هذه التسوية هي التي يعمد الخصم إلى الحصول عليها بوصفها الترضية القضائية التي يطلبها لمواجهة الإخلال بالحقوق التي يدعيها، فإن هذه الترضية – وبافتراض مشروعيتها، واتساقها مع أحكام الدستور – تندمج في الحق في التقاضي، وتعتبر من متمماته
وحيث إن البند (ج) من المادة (75) المطعون عليه، في النطاق المحدد لم يضع معيارا، تحدد على أساسه قيمة الأراضي المعدة للبناء الكائنة في ضواحي المدن، التي تحصل الرسوم النسبية التكميلية على أساسها، في الأحوال التي لا يقنع قلم الكتاب بالقيمة التي أقر بها المكلف، معتدا فقط بنظام التحري، إذ خول قلم الكتاب تحديد هذه القيمة بناء على ما يقوم به من تحريات عن القيمة الحقيقية للأراضي المشار إليها، تمهيدا لإخضاع ما قد يظهر من زيادة في هذه القيمة لرسوم تكميلية تفرض بعد الحكم في الخصومة القضائية، واستكمال إجراءاتها، دون أن يضع معايير دقيقة تضبط بها أسس التقدير، وتتيح لمن ووجه بها المنازعة فيها للوقوف على أسس هذا التقدير، متوخيا أن يوفر عن طريقها – وعلى غير أسس موضوعية – موارد للدولة تعينها على إشباع جانب من احتياجاتها، وهو ما يعنى ملاحقتها للممولين من أجل استئدائها، تأمينا لمبلغها – بعد أن أدرجها بموازنتها على ضوء توقعها الحصول عليها من خلال الرسوم القضائية، وجنوحها بالتالي إلى المغالاة في تقدير رسومها متخذا من الجباية منهاجا له، فكان طلب تلك الرسوم التكميلية من ذوى الشأن مصادما لتوقعهم المشروع، فلا يكون مقدارها معروفا قبل انعقاد الخصومة القضائية، ولا عبؤها ماثلا في أذهانهم عند التقاضي، فلا يزنون خطاهم على ضوء تقديرهم سلفا لها، ولا يعرفون بالتالي لأقدامهم مواقعها، بل يباغتهم قلم الكتاب بها، ليكون فرضها نوعا من المداهمة التي تفتقر لمبرراتها، وعدوانا على الملكية الخاصة من خلال اقتطاع بعض عناصرها دون مسوغ
وحيث إنه على ضوء ما تقدم، يكون نظام التحري المنصوص عليه في البند (ج) من (ثانيا) من المادة (75) من القانون رقم 90 لسنة 1944 بالرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية، في مجال انطباقه على الأراضي المعدة للبناء الكائنة في ضواحي المدن مخالفا لأحكام المواد (4، 35، 38، 97) من الدستور
فلهذه الأسباب 
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص البند (ج) من (ثانيا) من المادة (75) من القانون رقم 90 لسنة 1944 بالرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية، فيما لم يتضمنه من وضع ضوابط وأسس موضوعية لنظام التحري عن القيمة الحقيقية للأراضي المعدة للبناء الكائنة في ضواحي المدن، وتحصيل رسم عن الزيادة التي تظهر في هذه القيمة، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق