الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 3 نوفمبر 2020

الطعن 19721 لسنة 86 ق جلسة 28 / 12 / 2016 مكتب فني 67 ق 120 ص 961

 جلسة 28 من ديسمبر سنة 2016

برئاسة السيد القاضي / عبد الرحمن هيكل نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / أبو بكر البسيوني ، محسن البكري وعلي سليمان نواب رئيس المحكمة ومحمد أبو السعود .
----------

(120)

الطعن رقم 19721 لسنة 86 القضائية

(1) حكم " بيانات التسبيب " " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .

بيان الحكم واقعة الدعوى بما تتوافر به الأركان القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وإيراده مؤدى أدلة الإدانة . لا قصور . المادة 310 إجراءات .

مثال .

(2) موظفون عموميون . قانون " تفسيره " " تطبيقه " .

جميع فئات العاملين بالحكومة والجهات التابعة لها فعلاً أو الملحقة بها حكماً . موظفون عموميون في حكم المادة 119 مكرراً عقوبات . علة وأساس ذلك ؟

مأمور التحصيل بشركة مياه الشرب والصرف الصحي التابعة للشركة القابضة لمياه الشرب. يدخل في عداد الموظفين العموميين . ولو كان عقده مؤقتاً أو غير مؤقت.

(3) إجراءات " إجراءات التحقيق " . بطلان .

عدم سؤال المتهم بالتحقيقات . لا يحول دون رفع الدعوى الجنائية . علة ذلك ؟

(4) إثبات " خبرة " . بطلان .

أداء الخبير مأموريته في غيبة الخصوم . جائز . أساس ذلك ؟

(5) إجراءات " إجراءات التحقيق " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .

تعييب الإجراءات السابقة على المحاكمة . لا يصح أن يكون سبباً للطعن على الحكم .

مثال .

(6) إثبات " بوجه عام " " شهود " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .

 لمحكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه . ما دام له مأخذه الصحيح من الأوراق .

العبرة في المحاكمات الجنائية باقتناع القاضي بناءً على الأدلة المطروحة عليه .

وزن أقوال الشهود وتقديرها . موضوعي .

مفاد أخذ المحكمة بأقوال الشاهد ؟

قضاء المحكمة بناءً على عقيدة استقرت في وجدانها عن جزم ويقين لا على الفرض والاحتمال . لا قصور .

الجدل الموضوعي حول سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة وتقدير أدلتها واستنباط معتقدها . غير جائز أمام النقض .

(7) إثبات " بوجه عام " . نقض " المصلحة في الطعن " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " .

عدم التزام المحكمة بالتحدث في حكمها إلَّا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها .

النعي بالقصور والتناقض في تقارير اللجان المشكلة لفحص أعمال الطاعن . غير مجد . ما دام الحكم لم يستند إليها في قضائه بالإدانة .

(8) نقض " المصلحة في الطعن " .

النعي بعدم إقامة الدعوى الجنائية قبل متهمين آخرين وإنزال العقاب بهم . علة ذلك ؟

(9) إثبات " شهود " . إجراءات " إجراءات المحاكمة " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .

للمحكمة الاستغناء عن سماع شهود الإثبات بقبول المتهم أو المدافع عنه صراحة أو ضمناً .      

النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها أو الرد على دفاع لم يثر
أمامها . غير جائز .

مثال .

(10) محاماة . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .

 النعي على الحكم بقالة أن المحامي المنتدب لم يوفق في الدفاع عن المتهم . غير مقبول . علة ذلك ؟

(11) دفوع " الدفع بنفي التهمة " " الدفع بتلفيق التهمة " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .

الدفع بنفي التهمة وكيدية الاتهام وتلفيقه . موضوعي . لا يستوجب رداً . استفادة الرد عليه من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم .

(12) اختلاس أموال أميرية . عقوبة " تطبيقها " . محكمة النقض " سلطتها " . نقض" حالات الطعن . الخطأ في تطبيق القانون " " عدم جواز مضارة الطاعن بطعنه " .

إدانة المحكمة الطاعن بالجريمة المؤثمة بالفقرة الثانية من المادة 112 عقوبات بعد إعمالها مقتضى المادة 17 من ذات القانون . معاقبته بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة . خطأ في تطبيق القانون . لا تملك محكمة النقض تصحيحه . أساس وعلة ذلك ؟

(13) اختلاس أموال أميرية . عزل . عقوبة " العقوبة التكميلية " . نقض " حالات الطعن . الخطأ في تطبيق القانون " . محكمة النقض " سلطتها " .

معاملة الطاعن بالرأفة ومعاقبته بالحبس في جناية اختلاس مال عام وعزله من وظيفته دون تأقيت مدة العقوبة الأخيرة . خطأ في تطبيق القانون . يوجب النقض والتصحيح . أساس ذلك ؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 1- لمَّا كَان الحُكم المطعون فيه بَيَّن واقعة الدعوى في قوله : " إن الشاهد الأول / .... - مفتش مالي وإداري - بمُحَافظة .... ، من أنه ترأس لجنة بعضوية الشاهدين الثاني والثالث بموجب قرار من النيابة العامة لفحص أعمال المُتَهم حال كونه يعمل مُحصل بشركة المياه - وقد أسفرت أعمال الفحص عن اختلاس المُتَهم لمبلغ .... جنيه ، مملوك لجهة عمله ، ومُسلمين إليه بسبب وظيفته ، وقيامه بتغيير الحقيقة في عدد 283 فاتورة منسوبين لجهة عمله ، واستعمل تلك الإيصالات للتستُر على الاختلاس " . وساق الحُكم على ثبوت الواقعة لديه - على هذه الصورة في حق الطاعن - أدلة استقاها من أقوال شهود الإثبــات ، وأورد مُؤداها في بيان واف ، وهو دليل سائغ من شأنه أن يُؤدي إلى ما رَتَّبه الحُكم عليه ، وكَان مجموع ما أورده الحُكم بيانًا لواقعة الدعوى ، وأدلة ثبوتها - على النحو السالف بسطه - تَتَوافر به كَافة الأركَان القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها ، وينبأ لفحوى أدلتها ، ويُحقق مُراد الشارع الذي استوجبه في المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية من بيان مُؤدى الأدلة التي يستند إليها الحُكم الصَادر بالإدانة ، فإن ذلك يكون مُحققًا لحُكم القانون ، ويكون ما يثيره الطاعن في هذا المنحى في غير محله .

 2- لمَّا كَان الشارع في المادة 119 مُكرراً من قانون العقوبات المُتضمن للمادة 112 منه ، المُنطبقة على واقعة الدعوى ، أراد مُعَاقبة جميع فئات العاملين بالحكومة ، والجهات التابعة لها فعلاً، أو المُلحقة بها حُكمًا ، مهما تنوعت أشكالها ، وهو ما أكدته الفقرة الثانية من المادة 119 مُكرراً من قانون العقوبات بادية الذكر بقولها : " ويستــــوي أن تكون الوظيفة ، أو الخدمة دائمة ، أو مُؤقتة بأجر ، أو بغير أجر طواعية ، أو جبرًا ، وأيًا كَانت درجة الموظف العام ، أو من في حُكمه ، وأيًا كَان نوع العمل المُكلَّف به ، أو مُدته ، مُؤقتًا كَان ، أم غير مُؤقت ، بأجر أم بغير أجر ، طواعية أو جبرًا " . وإذ كَان الطاعن يعمـــــــل مأمور تحصيل بشركة مياه الشرب والصرف الصحي التابعة للشركة القابضة لمياه الشُرب ، التابعة لوزارة الإسكان والمجتمعات العمرانية ، وهي إحدى وحدات القطاع العام المملوك للدولة ، فإنه يَدخُل في عداد الموظفين العاميين ، ولو كَان يعمل بعقد مُؤقت أو غير مُؤقت ، ويكون ما يثيره في هذا الوجه من الطعن غير قويم .

3- من المُقرَّر أن عدم سؤال المُتَهم بالتحقيقات ، لا يَترتَّب عليه بُطلان الإجراءات إذ لا مانع في القانون من رفع الدعوى الجنائية بدون استجواب المُتَهم ، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن على الحُكم في هذا الخصوص يكون غير مقبول .

4- لمَّا كَان نص المادة 85 من قانون الإجراءات الجنائية صريح في إجازة أداء الخبير لمأموريته في غير حضور الخصوم ، فإن ما يثيره الطاعن من بُطلان تقرير لجنة الفحص لأدائها مأموريتها في غيبته ، يكون على غير أساس .

5- لمَّا كَان البيِّن من محاضر جلسات المُحَاكمة أن الطاعن لم يثر شيئًا عمَّا يدعيه من انتفاء صفة الموظف العام في حقه ، أو عدم سؤاله بالتحقيقات ، أو بُطلان تقرير لجنة الفحص ، ولم يَطلُب إلى المحكمة تدَارُك هذه الأمور ، ومن ثم فلا يحل له - من بعد - أن يثير شيئًا من ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض ، إذ إنه لا يعدو أن يكون تعييبًا للإجراءات والتحقيقات السابقة على المُحَاكمة ، مما لا يصح أن يكون سببًا للطعن على الحُكم ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصَدد يكون لا محل له .

6- من المُقرَّر أن لمحكمة الموضوع أن تَستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه ، طالما أن هذا الدليل له مأخذه الصحيح من أوراق الدعوى ، وأن العبرة في المُحَاكمات الجنائية هي باقتناع قاضي الموضوع بناءً على الأدلة المطروحة عليه ، ولمحكمة الموضوع أن تزن أقوال الشهود ، وتُقدّرها التَقدير الذي تَطمئن إليه ، بغير مُعقب ، ومتى أخذت بأقوال الشاهد ، فإن ذلك يفيد اطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، وكَانت محكمة الموضوع قد أقامت قضاءها على ما اقتنعت به من أدلة - لا يُنَازع الطاعن في أنها ترتد إلى أصل صحيح في الأوراق - واستخلصت منها في منطق سائغ - صحة إسناد الاتهام إلى الطاعن - وكَان قضاؤها في هذا الشأن مبنيًا على عقيدة استقرت في وجدانها عن جزم ويقين ، ولم يَكُن حُكمها مُؤسسًا على الفرض والاحتمال ، وإذ اطمأنت المحكمة إلى أقوال شهود الإثبات ، فإن كُل ما يثيره الطاعن من مُنَازعة في أقوال شهود الإثبات - على نحو ما ذهب إليه في أسباب طعنه ينحل - جميعه - إلى جدل موضوعي في حق محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة ، وتَقدير أدلتها واستنباط مُعتقدها منها ، وهذا من إطلاقاتها ولا يجوز مُصادرتها فيه أمام محكمة النقض .

7- من المُقرَّر أن المحكمة غير مُلزمة بالتَحدُّث في حُكمها إلَّا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها ، وكَان الحُكم المطعون فيه لم يتساند في قضائها بالإدانة إلى تقارير لجان أعمال الفحص ، واللجان المُنتدَبة ، ولجنة التفتيش المالي والإداري بمُحَافظة .... ، والمُشكَّلة لفحص أعمال الطاعن ، وإنما عَوَّل في ذلك على أقوال شهود الإثبات ، فإن ما ينعاه الطاعن من تنَاقُض تلك التقارير مع بعضها البعض ومع أقوال شهود الإثبات ، وقصوره في سرد وتَمحيص تلك التقارير ، واطلاعه عليها يكون غير مُجد .

8- لمَّا كَان لا يجدي الطاعن النعي بعدم إقامة الدعوى الجنائية قِبَل مُتَهمين آخرين وعدم إنزال العقاب بهم ، ما دام أنه بفرض إسهامهم في الجريمة ، لم يَكُن ذلك ليحول دون مُساءلته عنها - وهو الحال في الدعوى الماثلة - فإن النعي في هذا الصَدد يكون غير مقبول .

9- من المُقرَّر أن للمحكمة أن تَستغني عن سماع شهود الإثبات إذا قَبل المُتَهم أو المُدَافع عنه ذلك صراحة أو ضمنًا ، ولمَّا كَان الثابت من الاطلاع على محاضر جلسات المُحَاكمة أن المُدَافع عن الطاعن ترافع في موضوع الدعوى ، وانتهى إلى طلب البراءة ولم يَطلُب سماع شهود الإثبات - على خلاف ما ذهب إليه الطاعن في أسباب طعنه - بل اكتفى صراحة بأقوالهم في التحقيقات ، وأمرت المحكمة بتلاوتها ، وتُليت ، ولم يثبت أن الطاعن اعترض على ذلك ، فليس له من بعد أن ينعي عليها قعودها عن سماعهم . لمَّا كَان ذلك ، وكَان لا يَبين من محاضر جلسات المُحَاكمة أن الطاعن طَلب إلى المحكمة سماع شهود الإثبات ، أو ندب خبير حسابي لمراجعة أعمال اللّجان المُشكَّلة لفحص أعماله أو إجراء تحقيق ما بسؤال المُختصين بالإدارة التي يعمل بها ، فلا يكون له النعي عليها قعودها عن إجراء تَحقيق لم يُطلَب منها أو الرد على دفاع لم يثر أمامها ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصَدد يكون غير سديد .

10- من المُقرَّر أن استعـداد المُدافع عن المُتَهم أو عدم استعداده أمر موكولُ إلى تقديره هو حسبما يُوحي به ضميره واجتهاده وتقاليد مهنته ، ومن ثم فإن ما ينعى به الطاعن على الحُكم من قالة الإخلال بحق الدفاع لعدم توفيق المُحَامي المُنتدب للدفاع عنه لا يكون مقبولاً .

11- لمَّا كَان الدفع بكيدية الاتهام ، وإنكاره ، وتلفيقه - كُل أولئك - من أوجه الدفوع الموضوعية التي لا تستلزم من المحكمة ردًا خاصًا ، اكتفاءً بما تُورده من أدلة الثبوت التي أوردها الحُكم - كما هو الحال في الدعوى - ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصَدد يكون في غير محله .

12- لمَّا كَانت المحكمة قد دانت الطاعن بموجب الفقرة الثانية من المادة 112 من قانون العقوبات بندي 1، 2 وعاملته طبقًا للمادة 17 من ذات القانون - دون الإشارة إليها - ومع ذلك أوقعت عليه عقوبة الحبس مع الشُغل لمُدة سنة واحدة ، فإنها تكون قد أخطأت في تَطبيق القــانون ، إذ كَان عليها أن تنزل بعقوبة السجن المُؤبَّد إلى عقوبتي السجن المُشدَّد أو السجن فقط ، فإن حُكمها المطعون فيه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون ، إلَّا أنه لمَّا كَانت النيابة العامة لم تطعن في هذا الحُكم بطريق النقض ، بل طعن فيه المحكوم عليه وحده ، فإنه لا سبيل إلى تصحيح هذا الخطأ الذي وقع فيه الحُكم ، حتى لا يُضار الطاعن بطعنه ، طبقًا للأصل المُقرَّرة في المادة 43 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض .

13- لمَّا كَان الثابت أن الحُكم المطعون فيه عامل الطاعن بالرأفة وقضى بمُعَاقبته بالحبس مع الشُغل لمُدة سنة واحدة ، فقد كَان من المُتعيّن عليه - عملاً بنص المادة 27 من قانون العقوبات - أن يؤقت عقوبة العزل بأن يقضي بعزله مُدة لا تنقص عن ضعف مُدة الحبس المحكوم بها عليه وذلك إعمالاً لنص المادة سالفة الذكر ، وكَانت الفقرة الثانية من المادة 35 من القانون رقم 57 لسنة 1959 تجيز للمحكمة - محكمة النقض - أن تنقض الحُكم لمصلحة المُتَهم من تلقاء نفسها ، إذا تَبيَّن أنه بني على عيب الخطأ في تطبيق القانون بالنسبة لعقوبة العزل أما هو لم يفعل ، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون خطأ يستوجب نقضه نقضًا جُزئيًا وتصحيحه طبقًا للقانون بتوقيت عقوبة العزل وبجعلها لمُدة سنتين .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الوقائـع

اتهمت النيابـة العامـة الطاعن بأنه :

1- بصفته موظفًا عامًا ومن مأموري التحصيل - مُحصل بشركة مياه الشرب والصرف الصحي إحدى الشركات التابعة للشركة القابضة لمياه الشرب التابعة لوزارة الإسكَان والمجتمعات العمرانية - اختلس المبلغ النقدي المُبيَّن وصفًا وقيمة لوزارة الإسكَان والمرافق والمجتمعات العمرانية اختلس المبلغ النقدي وقدره .... جُنيه والمملوك لجهة عمله سالفة البيان والمُسلَّم إليه بسبب وظيفته وصفته آنفي البيان وذلك على النحو المُبيَّن بالتحقيقات ، وقد ارتبطت هذه الجناية بجنايتي التزوير في مُحرَّرات رسمية لجهة عمله واستعمالها فيما زوِّرت من أجله ارتباطًا لا يَقبل التجزئة ، ذلك أنه في ذات الزمان والمكَان سالفي الذكر وبصفته آنفة البيان :

 أ - ارتكب تزويرًا في عدد 283 فاتورة استهلاك مياه وصرف صحي والمُبيَّنة وصفًا بالتحقيقات بأن اصطنعهم على غرار المُحرَّرات الصحيحة الصَادرة من جهة عمله وأثبت بهم بيانات وأسماء مُشتركين ومبالغ على خلاف الحقيقة ، على النحو المُبيَّن بالتحقيقات.

ب - استعمل المُحرَّرات المُزوَّرة سالفة البيان فيما زوِّرت من أجله ، بأن قَدَّمهم للمُختصين بجهة عمله مُحتجًا بصحة ما دوّن بهم زورًا مع علمه بتزويرهم لإعمال آثارهم في ستر اختلاسه .

2- بصفته آنفة البيان استولى بغير حق وبنية التَملُّك على أوراق مملوكة لجهة عمله وكَان ذلك حيلة بأن غافل المُختصين بمركز الحاسب الآلي وإصدار فواتير الاستهلاك بجهة عمله مسبوق الإشارة إليها واستولى على عدد 283 فاتورة غير مُتضمنين أي بيانات بنية التَملُّك .

وأحالته إلى محكمة جنايات .... لمُحَاكمته وفقًا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .

والمحكمة قَضت عملاً بالمادتين 112/1 بندي أ ، ب ، 113 مُكرراً/1 من قانون العقوبات أولاً : بمُعَاقبته بالحبس مع الشُغل سنة واحدة ، وعزله من الوظيفة ، وإلزامه برد المبلغ محل الاختلاس ، وتغريمه بغرامة مُسَاوية لقيمة المبلغ المُختلس عمَّا أُسند إليه بالنسبة للتُهمَة الأولى . ثانيًا : ببراءته مما أُسند إليه بالنسبة للتُهمَتين بندي أ ، ب والبند (2) ، ومُصَادرة المُحرَّرات المُزوَّرة المضبوطة .

فطعن المحكوم عليه في هذا الحُكم بطريق النقض .... إلخ .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المحكمـة

من حيث إن الطاعن ينعي على الحُكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة اختلاس مال عام قد شابه القصور والتنَاقُض في التسبيب ، والفساد في الاستدلال ، وران عليه البُطلان ، وانطوى على إخلال بحق الدفاع ، ذلك بأنه لم يُورد بيانًا كَافيًا لواقعة الدعوى ، وأدلة ثبوتها تتوافر به أركان الجريمة التي دانه بها ، كما أن الطاعن يعمل بعقد عمل مؤقت مما ينفي عنه صفة الموظف العام ، وأنه لم يتم سؤاله بمحضر جمع الاستدلالات وتحقيقات النيابة العامة ، وأن لجنة الفحص باشرت مأموريتها في غيبته ولم يعرض لدفاعه في هذا الشأن ، فضلاً عن أن الأوراق قد خلت من دليل لإدانته ، وتساند الحُكم إلى أقوال شهود الإثبات دون بيان الدليل منها على ارتكاب الطاعن للجريمة المُسندة إليه ، مما ينم عن أن الحُكم المطعون فيه قد بُني على الفرض والاحتمال ، وعَوَّل في قضائه على تقارير لجان أعمال الفحص ، واللّجان المُنتدبة ، ولجنة التفتيش المالي والإداري بمُحَافظة .... رغم تنَاقُضها مع بعضها البعض ، ومع أقوال شهود الإثبات ، ودون سرد وتَمحيص كَافٍ ، وخلت الأوراق مما يفيد اطلاع المحكمة على تقارير تلك اللجان ، بدلالة أنها أسفرت عن وجود مُتَهمين آخرين لم يتم إقامة الدعوى الجنائية قِبَلهم ، وإنزال العقاب بهم ، وأعرض الحُكم عن طلبه بسماع شهود الإثبات ، وندب خبير حسابي لمراجعة أعمال اللجنة الفنية المُشكَّلة لفحص أعماله ، أو سؤال المختصين بالإدارة التي يعمل بها ، وأن دفاعه لم يَكُن على درجة من الكفاءة والأمانة حيث اقتصرت مرافعته على دفوع هزيلة أودت به إلى غياهب السجون ، وأخيرًا فقد ضرب صفحًا عن دفوعه بكيدية الاتهام وإنكاره وتلفيقه ، وكُل ذلك مما يعيب الحُكم ويستوجب نقضه .

ومن حيث إن الحُكم المطعون فيه بَيَّن واقعة الدعوى في قوله : " إن الشاهد الأول/ .... - مفتش مالي وإداري - بمُحَافظة .... ، من أنه ترأس لجنة بعضوية الشاهدين الثاني والثالث بموجب قرار من النيابة العامة لفحص أعمال المُتَهم حال كونه يعمل مُحصل بشركة المياه ، وقد أسفرت أعمال الفحص عن اختلاس المُتَهم لمبلغ .... جنيه ، مملوك لجهة عمله ، ومُسلمين إليه بسبب وظيفة ، وقيامه بتغيير الحقيقة في عدد 283 فاتورة منسوبين لجهة عمله ، واستعمل تلك الإيصالات للتستُر على الاختلاس " . وساق الحُكم على ثبوت الواقعة لديه - على هذه الصورة في حق الطاعن - أدلة استقاها من أقوال شهود الإثبـات ، وأورد مُؤداها في بيان واف ، وهو دليل سائغ من شأنه أن يُؤدي إلى ما رَتَّبه الحُكم عليه ، وكَان مجموع ما أورده الحُكم بيانًا لواقعة الدعوى ، وأدلة ثبوتها - على النحو السالف بسطه - تَتَوافر به كَافة الأركَان القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها ، وينبأ لفحوى أدلتها ، ويُحقق مُراد الشارع الذي استوجبه في المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية من بيان مُؤدى الأدلة التي يستند إليها الحُكم الصَادر بالإدانة ، فإن ذلك يكون مُحققًا لحُكم القانون ، ويكون ما يثيره الطاعن في هذا المنحى في غير محله . لمَّا كَان ذلك ، وكَان الشارع في المادة 119 مُكرراً من قانون العقوبات المُتضمن للمادة 112 منه ، المُنطبقة على واقعة الدعوى ، أراد مُعَاقبة جميع فئات العاملين بالحكومة ، والجهات التابعة لها فعلاً ، أو المُلحقة بها حُكمًا ، مهما تنوعت أشكالها ، وهو ما أكدته الفقرة الثانية من المادة 119 مُكرر من قانون العقوبات بادية الذكر بقولها : " ويستــــوي أن تكون الوظيفة ، أو الخدمة دائمة ، أو مُؤقتة بأجر ، أو بغير أجر طواعية ، أو جبرًا ، وأيًا كَانت درجة الموظف العام ، أو من في حُكمه ، وأيًا كَان نوع العمل المُكلَّف به ، أو مُدته ، مُؤقتًا كَان ، أم غير مُؤقت ، بأجر أم بغير أجر ، طواعية أو جبرًا " . وإذ كَان الطاعن يعمـــــــل مأمور تحصيل بشركة مياه الشرب والصرف الصحي التابعة للشركة القابضة لمياه الشُرب ، التابعة لوزارة الإسكَان ، والمُجتمعات العمرانية ، وهي إحدى وحدات القطاع العام المملوك للدولة ، فإنه يَدخُل في عداد الموظفين العاميين ، ولو كَان يعمل بعقد مُؤقت ، أو غير مُؤقت ، ويكون ما يثيره في هذا الوجه من الطعن غير قويم . لمَّا كَان ذلك ، وكَان من المُقرَّر أن عدم سؤال المُتَهم بالتحقيقات ، لا يَترتَّب عليه بُطلان الإجراءات إذ لا مانع في القانون من رفع الدعوى الجنائية بدون استجواب المُتَهم ، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن على الحُكم في هذا الخصوص يكون غير مقبول . لمَّا كَان ذلك ، وكَان نص المادة 85 من قانون الإجراءات الجنائية صريح في إجازة أداء الخبير لمأموريته في غير حضور الخصوم ، فإن ما يثيره الطاعن من بُطلان تقرير لجنة الفحص لأدائها مأموريتها في غيبته ، يكون على غير أساس . لمَّا كَان ذلك ، وكَان البيِّن من محاضر جلسات المُحَاكمة أن الطاعن لم يثر شيئًا عمَّا يدعيه من انتفاء صفة الموظف العام في حقه ، أو عدم سؤاله بالتحقيقات ، أو بُطلان تقرير لجنة الفحص ، ولم يَطلُب إلى المحكمة تدَارُك هذه الأمور، ومن ثم فلا يحل له - من بعد - أن يثير شيئًا من ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض ، إذ إنه لا يعدو أن يكون تعييبًا للإجراءات والتحقيقات السابقة على المُحَاكمة ، مما لا يصح أن يكون سببًا للطعن على الحُكم ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصَدد يكون لا محل له . لمَّا كَان ذلك ، وكَان من المُقرَّر أن لمحكمة الموضوع أن تَستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه ، طالما أن هذا الدليل له مأخذه الصحيح من أوراق الدعوى ، وأن العبرة في المُحَاكمات الجنائية هي باقتناع قاضي الموضوع بناءً على الأدلة المطروحة عليه ، ولمحكمة الموضوع أن تزن أقوال الشهود، وتُقدّرها التَقدير الذي تَطمئن إليه ، بغير مُعقب ، ومتى أخذت بأقوال الشاهد ، فإن ذلك يفيد اطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، وكَانت محكمة الموضوع قد أقامت قضاءها على ما اقتنعت به من أدلة - لا يُنَازع الطاعن في أنها ترتد إلى أصل صحيح في الأوراق - واستخلصت منها في منطق سائغ - صحة إسناد الاتهام إلى الطاعن ، وكَان قضاؤها في هذا الشأن مبنيًا على عقيدة استقرت في وجدانها عن جزم ويقين ، ولم يَكُن حُكمها مُؤسسًا على الفرض والاحتمال ، وإذ اطمأنت المحكمة إلى أقوال شهود الإثبات ، فإن كُل ما يثيره الطاعن من مُنَازعة في أقوال شهود الإثبات - على نحو ما ذهب إليه في أسباب طعنه - ينحل - جميعه - إلى جدل موضوعي في حق محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة ، وتَقدير أدلتها واستنباط مُعتقدها منها ، وهذا من إطلاقاتها ولا يجوز مُصادرتها فيه أمام محكمة النقض . لمَّا كَان ذلك ، وكَان من المُقرَّر أن المحكمة غير مُلزمة بالتَحدُّث في حُكمها إلَّا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها ، وكَان الحُكم المطعون فيه لم يتساند في قضائه بالإدانة إلى تقارير لجان أعمال الفحص ، واللجان المُنتدَبة ، ولجنة التفتيش المالي والإداري بمُحَافظة .... ، والمُشكَّلة لفحص أعمال الطاعن ، وإنما عَوَّل في ذلك على أقوال شهود الإثبات ، فإن ما ينعاه الطاعن من تنَاقُض تلك التقارير مع بعضها البعض ومع أقوال شهود الإثبات ، وقصوره في سرد وتَمحيص تلك التقارير ، واطلاعه عليها يكون غير مُجد . لمَّا كَان ذلك ، وكَان لا يجدي الطاعن النعي بعدم إقامة الدعوى الجنائية قِبَل مُتَهمين آخرين ، وعدم إنزال العقاب بهم ، ما دام أنه بفرض إسهامهم في الجريمة ، لم يَكُن ذلك ليحول دون مُساءلته عنها - وهو الحال في الدعوى الماثلة - فإن النعي في هذا الصَدد يكون غير مقبول . لمَّا كَان ذلك ، وكَان للمحكمة أن تَستغني عن سماع شهود الإثبات إذا قَبل المُتَهم أو المُدَافع عنه ذلك صراحة أو ضمنًا ، ولمَّا كَان الثابت من الاطلاع على محاضر جلسات المُحَاكمة أن المُدَافع عن الطاعن ترافع في موضع الدعوى ، وانتهى إلى طلب البراءة ولم يَطلُب سماع شهود الإثبات – على خلاف ما ذهب إليه الطاعن في أسباب طعنه - بل اكتفى صراحة بأقوالهم في التحقيقات ، وأمرت المحكمة بتلاوتها ، وتُليت ، ولم يثبت أن الطاعن اعترض على ذلك ، فليس له من بعد أن ينعى عليها قعودها عن سماعهم . لمَّا كَان ذلك ، وكَان لا يَبين من محاضر جلسات المُحَاكمة أن الطاعن طَلب إلى المحكمة سماع شهود الإثبات ، أو ندب خبير حسابي لمراجعة أعمال اللّجان المُشكَّلة لفحص أعماله ، أو إجراء تحقيق ما بسؤال المُختصين بالإدارة التي يعمل بها ، فلا يكون له النعي عليها قعودها عن إجراء تَحقيق لم يُطلَب منها ، أو الرد على دفاع لم يثر أمامها ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصَدد يكون غير سديد . لمَّا كَان ذلك ، وكَان من المُقرَّر أن استعـداد المُدافع عن المُتَهم ، أو عدم استعداده أمر موكولُ إلى تقديره هو حسبما يُوحي به ضميره واجتهاده ، وتقاليد مهنته ، ومن ثم فإن ما ينعى به الطاعن على الحُكم من قالة الإخلال بحق الدفاع لعدم توفيق المُحَامي المُنتدب للدفاع عنه لا يكون مقبولاً . لمَّا كَان ذلك ، وكَان الدفع بكيدية الاتهام ، وإنكاره ، وتلفيقه - كُل أولئك - من أوجه الدفوع الموضوعية التي لا تستلزم من المحكمة ردًا خاصًا ، اكتفاءً بما تُورده من أدلة الثبوت التي أوردها الحُكم - كما هو الحال في الدعوى - ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصَدد يكون في غير محله . لمَّا كَان ذلك ، وكَانت المحكمة قد دانت الطاعن بموجب الفقرة الثانية من المادة 112 من قانون العقوبات بندي 1، 2 وعاملته طبقًا للمادة 17 من ذات القانون - دون الإشارة إليها - ومع ذلك أوقعت عليه عقوبة الحبس مع الشُغل لمُدة سنة واحدة ، فإنها تكون قد أخطأت في تَطبيق القــــانون ، إذ كَان عليها أن تنزل بعقوبة السجن المُؤبَّد إلى عقوبتي السجن المُشدَّد أو السجن فقط ، فإن حُكمها المطعون فيه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون ، إلَّا أنه لمَّا كَانت النيابة العامة لم تطعن في هذا الحُكم بطريق النقـــض بل طعن فيه المحكوم عليه وحده ، فإنه لا سبيل إلى تصحيح هذا الخطأ الذي وقع فيه الحُكم حتى لا يُضار الطاعن بطعنه ، طبقًا للأصل المُقرَّرة في المادة 43 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض . لمَّا كَان ذلك ، وكَان الثابت أن الحُكم المطعون فيه عامل الطاعن بالرأفة وقضى بمُعَاقبته بالحبس مع الشُغل لمُدة سنة واحدة ، فقد كَان من المُتعيّن عليه - عملاً بنص المادة 27 من قانون العقوبات - أن يؤقت عقوبة العزل بأن يقضي بعزله مُدة لا تنقص عن ضعف مُدة الحبس المحكوم بها عليه وذلك إعمالاً لنص المادة سالفة الذكر ، وكَانت الفقرة الثانية من المادة 35 من القانون رقم 57 لسنة 1959 تجيز للمحكمة - محكمة النقض - أن تنقض الحُكم لمصلحة المُتَهم من تلقاء نفسها ، إذا تَبيَّن أنه بني على عيب الخطأ في تطبيق القانون بالنسبة لعقوبة العزل ، أما هو لم يفعل ، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون خطأ يستوجب نقضه نقضًا جُزئيًا وتصحيحه طبقًا للقانون بتوقيت عقوبة العزل وبجعلها لمُدة سنتين ، ورفض الطعن فيما عدا ذلك .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الطعن 3029 لسنة 85 ق جلسة 5 / 1 / 2016 مكتب فني 67 ق 4 ص 39

 جلسة 5 من يناير سنة 2016

برئاسة السيد القاضي / محمد محمد سعيد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / محمد متولي عامر ، أحمد أحمد محمد خليل ، سامح عبد الله عبد الرحيم ومحمود عبد الرحمن نواب رئيس المحكمة .
----------

(4)

الطعن رقم 3029 لسنة 85 القضائية

(1) نقض " أسباب الطعن . توقيعها " .

 خلو مذكرات أسباب الطعن من توقيع محام في أصلها وصورها حتى فوات ميعاد الطعن . أثره: عدم قبول الطعن شكلاً . توقيعها بالآلة الكاتبة . لا يغير من ذلك . علة ذلك ؟

(2) تجمهر . إثبات " شهود " . حكم " بيانات حكم الإدانة " " تسبيبه . تسبيب معيب " . جريمة " أركانها " . مسئولية جنائية . نقض " أسباب الطعن . ما يقبل منها " .

حكم الإدانة . بياناته ؟

عبارة بيان الواقعة الواردة بالمادة 310 إجراءات . المقصود بها ؟

قيام جريمة التجمهر المؤثمة بالمادتين الثانية والثالثة من القانون 10 لسنة 1914 . شروطه ؟

المسئولية عن الجريمة التي تقع بقصد تنفيذ الغرض من التجمهر . لا يتحملها جنائياً إلَّا الأشخاص الذين يتألف منهم التجمهر وقت ارتكابها .

عدم تدليل الحكم على توافر أركان الجريمة واكتفائه بإيراد مؤدى أقوال شاهدين بصورة مبهمة . قصور .

(3) إثبات " بوجه عام " " شهود " " قرائن " . استدلالات . محكمة الموضوع " سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى " " سلطتها في تقدير الدليل " . حكم " بيانات التسبيب " " تسبيبه . تسبيب معيب " " بطلانه " .

استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى . موضوعي . شرط ذلك ؟

الأحكام الجنائية . وجوب أن تبنى على الأدلة التي يقتنع بها القاضي بإدانة المتهم أو ببراءته بناءً على عقيدة يحصِّلها بنفسه دون سواه .

للمحكمة أن تعوِّل علي التحريات باعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة . عدم صلاحيتها بمجردها كدليل أو قرينة مستقلة على ثبوت الاتهام . مخالفة الحكم المطعون فيه هذا النظر واستناده للتحريات بصفة أصلية . قصور . لا يغير من ذلك تعويله على أقوال شاهد لم ير الطاعنين يرتكبوا الجرائم المسندة إليهم .

(4) استدلالات . تفتيش " إذن التفتيش . إصداره" . دفوع " الدفع ببطلان التحريات " " الدفع ببطلان إذن التفتيش لعدم جدية التحريات" . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير جدية التحريات". حكم " تسبيبه . تسبيب معيب " . نقض " أسباب الطعن . ما يقبل منها " " أثر الطعن ".

إذن التفتيش . ماهيته وشروط إصداره ؟

 تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بالتفتيش . موكول لسلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع .

الدفع ببطلان التحريات . جوهري . أثر ذلك ؟

اكتفاء الحكم في اطراح الدفع ببطلان إذن التفتيش لعدم جدية التحريات بإبداء عبارة قاصرة دون إبداء المحكمة رأيها في عناصر التحريات أو كفايتها . قصور وفساد. يوجبان نقضه والإعادة للطاعنين جميعاً ومنهم من لم يقبل طعنه شكلاً دون المحكوم عليهما غيابياً . علة ذلك ؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- لما كانت مذكرات أسباب الطعن - الأربعة - المقدمة بتاريخ .... وإن كانت تحمل ما يشير إلى صدورها من مكتب المحاميين/ .... و.... إلَّا أنه لم يوقع عليهم في أصلهم أو في صورهم حتى فوات مواعيد الطعن ، وهو ما لا يغني عنه توقيعهم بالآلة الكاتبة لأنه لا يوفر الشكل الذي يتطلبه القانون للتوقيع على أسباب الطعن ، ومن ثم فإن الطعن المقدم من الطاعنين الثاني والثالث يكون مفصحاً عن عدم قبوله شكلاً .

2- من المقرر أن القانون قد أوجب في كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بيانا تتحقق به أركان الجريمة ، والظروف التي وقعت فيها ، والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها من المتهم ، وأن تلتزم بإيراد مؤدى الأدلة التي استخلصت منها الإدانة ، حتى يتضح وجه استدلالها بها وسلامة مأخذها وإلَّا كان الحكم قاصراً ، وكان المقصود بعبارة بيان الواقعة الواردة بالمادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية هو أن يثبت قاضي الموضوع في حكمه كل الأفعال والمقاصد التي تتكون منها أركان الجريمة . لما كـــــــان ذلك ، وكان يشترط لقيام جريمة التجمهر المؤثمة بالمادتين الثانية والثالثة من القانون رقم 10 لسنة 1914 اتجاه غرض المتجمهرين الذين يزيد عددهم على خمسة أشخاص إلى مقارفة الجرائم التي وقعت تنفيذا لهذا الغرض ، وأن تكون نية الاعتداء قد جمعتهم وظلت تصاحبهم حتى نفذوا غرضهم المذكور ، وأن تكون الجرائم التي ارتكبت قد وقعت نتيجة نشاط إجرامي من طبيعة واحدة ، ولم تكن جرائم استقل بها أحد المتجمهرين لحسابه دون أن يؤدي إليها السير الطبيعي للأمور وقد وقعت جميعها حال التجمهر . لما كان ما تقدم ، وكان الحكم المطعون فيه لم يدلل على توافر هذه العناصر الجوهرية في حق الطاعنين ، كما أن مسئولية الجريمة التي تقع بقصد تنفيذ الغرض المقصود من التجمهر لا يتحملها جنائياً إلَّا الأشخاص الذين يتألف منهم التجمهر وقت ارتكابها ، وكان الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنين فقد أورد مؤدى أقوال شاهد الواقعة ، والشاهد الثاني - مجري التحريات - على صورة يشوبها الغموض الذي لا يبين منه وجه الحق ، وكان ما أورده في مجموعه لا يكشف عن توافرها، فإنه يكون مشوباً بالقصور مما يعيبه ويوجب نقضه بالنسبة لهم.

3- لما كان من حق محكمة الموضوع أن تستخلص واقعة الدعوى من أدلتها وسائر عناصرها ، إلَّا أن ذلك مشروط بأن يكون استخلاصها سائغاً وأن يكون الدليل الذي تعوِّل عليه مؤدياً إلى ما رتبه من نتائج من غير تعسف في الاستنتاج ولا تنافر مع حكم العقل والمنطق ، وكان من المقرر أن الأحكام يجب أن تبنى على الأدلة التي يقتنع منها القاضي بإدانة المتهم أو ببراءته صادراً في ذلك عن عقيدة يحصِّلها هو مما يجريه من تحقيق مستقلاً في تحصيل هذه العقيدة بنفسه لا يشاركه فيها غيره ، ولا يصح في القانون أن يدخل في تكوين عقيدته بصحة الواقعة التي أقام عليها قضاءه أو بعدم صحتها حكماً لسواه ، وكان من المقرر كذلك أنه وإن كان يجوز للمحكمة أن تعوِّل في تكوين عقيدتها على التحريات بحسبانها قرينة تعزز ما ساقته من أدلة إلَّا أنها لا تصلح بمجردها أن تكون دليلاً كافياً بذاته أو قرينة مستقلة على ثبوت الاتهام ، وهي من بعد لا تعدو أن تكون مجرد رأي لصاحبها يخضع لاحتمالات الصحة والبطلان والصدق والكذب إلَّا أن يعرف مصدرها ويتحدد حتى يتحقق القاضي بنفسه من هذا المصدر ويستطيع أن يبسط رقابته على الدليل وتقدير قيمته القانونية في الإثبات . لما كان ذلك ، وكان البيِّن من مدونات الحكم المطعون فيه أن المحكمة قد اتخذت من تحريات الشاهد الثاني ضابط قطاع الأمن الوطني وأقواله بشأنها دليلاً أساسياً في ثبوت الاتهام دون أن تورد من الأدلة والقرائن ما يساندها ، كما أنها لم تشر في حكمها إلى مصدر التحريات للتحقيق من صدق ما نقل عنه ، فإن حكمها يكون قد تعيب بالفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب بما يبطله ، ولا يعصم الحكم من هذا البطلان أن يكون قد عوَّل في الإدانة على ما ورد بأقوال الشاهد الأول ، لما هو مقرر من أن ما ورد بأقوال الشاهد الأول وكما حصَّلها الحكم قد خلت مما يفيد رؤيته للطاعنين وهم يرتكبوا الفعل المادي للجرائم المسندة إليهم ، ومن ثم فإن استناد الحكم إلى أقوال الشاهد الأول سالف الذكر لا يغير من حقيقة كونه اعتمد بصفته أساسية على التحريات وهي لا تصلح دليلاً منفرداً في هذا المجال .

4- لما كان الحكم المطعون فيه رد على الدفع ببطلان إذن التفتيش لابتنائه على تحريات غير جدية بقوله : " وحيث إنه عن الدفع بعدم جدية التحريات فمردود بأن تقدير جدية التحريات هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع ولما كانت هذه المحكمة تطمئن إلى صحة التحريات التي أجريت وترتاح إليها لأنها تحريات صريحة وواضحة وهي تصدق من أجراها ويقطع بأنها أجريت فعلاً بمعرفة مجريها وحوت بيانات كافية تمكن من خلالها تحديد شخصية المتهمين وهو الأمر المحقق في واقعة الدعوى الأمر الذي لم ينازع فيه المتهم ودفاعه مما يكون منعى الدفاع في هذا الصدد غير سديد " . لما كان ذلك ، وكان الأصل في القانون أن الإذن بالتفتيش هو إجراء من إجراءات التحقيق لا يصح إصداره إلَّا لضبط جريمة " جناية أو جنحة " واقعة بالفعل وترجحت نسبتها إلى متهم معين ، وأن هناك من الدلائل ما يكفي للتصدي لحرمة مسكنه أو لحريته الشخصية ، وكان من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لتسويغ إصدار الإذن بالتفتيش وإن كان موكولاً إلى سلطة التحقيق التي أصدرته تحت رقابة محكمة الموضوع ، إلَّا أنه إذا كان المتهم قد دفع ببطلان هذا الإجراء ، فإنه يتعين على المحكمة أن تعرض لهذا الدفع الجوهري وأن تقول كلمتها فيه بأسباب سائغة وكافية . لما كان ذلك ، وكان الحكم قد اكتفى بالرد على الدفع ببطلان إذن التفتيش بالعبارة - المار سردها - وهي عبارة قاصرة لا يستطاع معها الوقوف على مسوغات ما قضى به الحكم في هذا الشأن ، إذ لم تبد المحكمة رأيها في عناصر التحريات السابقة على الإذن بالتفتيش أو تقل كلمتها في كفايتها لتسويغ إصدار الإذن من سلطة التحقيق ، وماهية الجريمة التي وقعت وصحة نسبتها إلى الطاعنين ، فإن حكمها يكون معيباً بالقصور والفساد في الاستدلال بما يوجب نقضه والإعادة بالنسبة للطاعنين والطاعنين الثاني والثالث الذين لم يقبل طعنهما شكلاً لاتصال الوجه الذي بني عليه نقض الحكم به ، دون أن يمتد أثر النقض إلى المحكوم عليهما الآخرين الذين صدر الحكـم غيابياً بالنسبة لهم .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الوقائـع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخرين بأنهم :

المتهمون وآخرون سبق محاكمتهم :

1- اشتركوا وآخرون مجهولون في تجمهر مؤلف من أكثر من خمسة أشخاص من شأنه أن يجعل السلم العام في خطر وكان الغرض منه ارتكاب جرائم الاعتداء على الأرواح والممتلكات العامة والخاصة والتأثير على رجال السلطة العامة في أداء عملهم بالقوة والعنف على النحو المبيَّن بالتحقيقات .

2- قاوموا بالقوة والعنف مأموري الضبط القضائي والقائمين على تنفيذ أحكام الجرائم المضرة بأمن الحكومة من جهة الداخل لمنعهم بغير حق عن أداء عملهم ، بأن قاموا بإلقاء الحجارة عليهم لمنعهم من ضبطهم ومنعهم من الاشتباك مع الأهالي على النحو المبين بالتحقيقات .

3- أتلفوا عمداً المباني والأملاك المعدة للنفع العام ، وكان ذلك تنفيذا لغرضهم على النحو المبين بالتحقيقات .

وأحالتهم إلى محكمة جنايات .... لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .

ومحكمة الجنايات قضت حضورياً لكلٍ من المتهمين / .... ، .... ، .... ، .... ، .... ، .... ، .... ، .... ، .... ، .... ، .... ، .... ، .... عملاً بنصوص المواد 1 ، 2 ، 3 ، 3 مكرراً ، 4 من القانون رقم 10 لسنة 1914 المعدل ، والمــواد 32 ، 86 ، 86 مكرراً 4،3،1 ، 86 مكرراً/ أ ، 88 مكرراً/1 ، 162، 167 من قانون العقوبات ، مع إعمال المادة 32 من القانون ذاته بمعاقبتهم بالسجن المشدد لمدة ثلاث سنوات ، وباعتبار الحكم الغيابي مازال قائماً لكلٍ من .... ، ....

فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المحكمـة

أولاً : شكل الطعن بالنسبة للطاعنين الثاني / .... والثالث / .... :

من حيث إن مذكرات أسباب الطعن - الأربعة - المقدمة بتاريخ .... وإن كانت تحمل ما يشير إلى صدورها من مكتب المحاميين / .... و .... إلَّا أنه لم يوقع عليهم في أصلهم أو في صورهم حتى فوات مواعيد الطعن ، وهو ما لا يغني عنه توقيعهم بالآلة الكاتبة لأنه لا يوفر الشكل الذي يتطلبه القانون للتوقيع على أسباب الطعن ، ومن ثم فإن الطعن المقدم من الطاعنين الثاني والثالث يكون مفصحاً عن عدم قبوله شكلاً .

ثانياً : من حيث إن الطعن المقدم من باقي الطاعنين استوفى الشكل المقرر في القانون :

ومن حيث إن مما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهم بجرائم الاشتراك في تجمهر مؤلف من أكثر من خمسة أشخاص الغرض منه ارتكاب جرائم الاعتداء على الأرواح والممتلكات العامة والتأثير على رجال السلطة العامة في أداء عملهم بالقوة والعنف واستعمالها مع موظفين عموميين من رجال الضبط لحملهم بغير حق عن الامتناع عن أداء عمل من أعمال وظيفتهم بضبط مرتكبي تلك الجرائم مع بلوغ القصد والإتلاف العمدي لمبان معدة للنفع العام ، قد شابه القصور في التسبيب ، والفساد في الاستدلال ، والإخلال بحق الدفاع ، ذلك بأنه لم يبيِّن الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً تتحقق به أركان الجرائم التي دانهم بها ، وجاء في عبارات عامة مبهمة مجملة ، ولم يدلل تدليلاً سائغاً على توافر أركان جريمة التجمهر والعلم به ، وعوَّل في قضائه بالإدانة على تحريات الشرطة دون أن تكون معززة بدليل آخر ، ورد بما لا يصلح رداً على الدفع بعدم جدية التحريات بدلالة أنها مكتبية وأجريت في فترة وجيزة وشملت العديد من الأشخاص ، مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه .

وحيث إنه من المقرر أن القانون قد أوجب في كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بيانا تتحقق به أركان الجريمة ، والظروف التي وقعت فيها ، والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها من المتهم ، وأن تلتزم بإيراد مؤدى الأدلة التي استخلصت منها الإدانة ، حتى يتضح وجه استدلالها بها وسلامة مأخذها وإلا كان الحكم قاصراً ، وكان المقصود بعبارة بيان الواقعة الواردة بالمادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية هو أن يثبت قاضي الموضوع في حكمه كل الأفعال والمقاصد التي تتكون منها أركان الجريمة . لما كان ذلك ، وكان يشترط لقيام جريمة التجمهر المؤثمة بالمادتين الثانية والثالثة من القانون رقم 10 لسنة 1914 اتجاه غرض المتجمهرين الذين يزيد عددهم على خمسة أشخاص إلى مقارفة الجرائم التي وقعت تنفيذا لهذا الغرض ، وأن تكون نية الاعتداء قد جمعتهم وظلت تصاحبهم حتى نفذوا غرضهم المذكور ، وأن تكون الجرائم التي ارتكبت قد وقعت نتيجة نشاط إجرامي من طبيعة واحدة ، ولم تكن جرائم استقل بها أحد المتجمهرين لحسابه دون أن يؤدي إليها السير الطبيعي للأمور وقد وقعت جميعها حال التجمهر . لما كان ما تقدم ، وكان الحكم المطعون فيه لم يدلل على توافر هذه العناصر الجوهرية في حق الطاعنين ، كما أن مسئولية الجريمة التي تقع بقصد تنفيذ الغرض المقصود من التجمهر لا يتحملها جنائياً إلَّا الأشخاص الذين يتألف منهم التجمهر وقت ارتكابها ، وكان الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنين فقد أورد مؤدى أقوال شاهد الواقعة ، والشاهد الثاني- مجري التحريات - على صورة يشوبها الغموض الذي لا يبين منه وجه الحق ، وكان ما أورده في مجموعه لا يكشف عن توافرها ، فإنه يكون مشوباً بالقصور مما يعيبه ويوجب نقضه بالنسبة لهم . لما كان ذلك ، ولئن كان من حق محكمة الموضوع أن تستخلص واقعة الدعوى من أدلتها وسائر عناصرها ، إلَّا أن ذلك مشروط بأن يكون استخلاصها سائغاً وأن يكون الدليل الذي تعوِّل عليه مؤدياً إلى ما رتبه من نتائج من غير تعسف في الاستنتاج ولا تنافر مع حكم العقل والمنطق ، وكان من المقرر أن الأحكام يجب أن تبنى على الأدلة التي يقتنع منها القاضي بإدانة المتهم أو ببراءته صادراً في ذلك عن عقيدة يحصِّلها هو مما يجريه من تحقيق مستقلاً في تحصيل هذه العقيدة بنفسه لا يشاركه فيها غيره ، ولا يصح في القانون أن يدخل في تكوين عقيدته بصحة الواقعة التي أقام عليها قضاءه أو بعدم صحتها حكماً لسواه ، وكان من المقرر كذلك أنه وإن كان يجوز للمحكمة أن تعوِّل في تكوين عقيدتها على التحريات بحسبانها قرينة تعزز ما ساقته من أدلة إلَّا أنها لا تصلح بمجردها أن تكون دليلاً كافياً بذاته أو قرينة مستقلة على ثبوت الاتهام ، وهي من بعد لا تعدو أن تكون مجرد رأي لصاحبها يخضع لاحتمالات الصحة والبطلان والصدق والكذب إلَّا أن يعرف مصدرها ويتحـدد حتى يتحقق القاضي بنفسه من هذا المصدر ويستطيع أن يبسط رقابته على الدليل وتقدير قيمته القانونية في الإثبات . لما كان ذلك ، وكان البيِّن من مدونات الحكم المطعون فيه أن المحكمة قد اتخذت من تحريات الشاهد الثاني ضابط قطاع الأمن الوطني وأقواله بشأنها دليلاً أساسياً في ثبوت الاتهام دون أن تورد من الأدلة والقرائن ما يساندها ، كما أنها لم تشر في حكمها إلى مصدر التحريات للتحقيق من صدق ما نقل عنه ، فإن حكمها يكون قد تعيب بالفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب بما يبطله ، ولا يعصم الحكم من هذا البطلان أن يكون قد عوَّل في الإدانة على ما ورد بأقوال الشاهد الأول ، لما هو مقرر من أن ما ورد بأقوال الشاهد الأول وكما حصَّلها الحكم قد خلت مما يفيد رؤيته للطاعنين وهم يرتكبون الفعل المادي للجرائم المسندة إليهم ، ومن ثم فإن استناد الحكم إلى أقوال الشاهد الأول سالف الذكر لا يغير من حقيقة كونه اعتمد بصفته أساسية على التحريات وهي لا تصلح دليلاً منفرداً في هذا المجال . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه رد على الدفع ببطلان إذن التفتيش لابتنائه على تحريات غير جدية بقوله : " وحيث إنه عن الدفع بعدم جدية التحريات فمردود بأن تقدير جدية التحريات هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع ولما كانت هذه المحكمة تطمئن إلى صحة التحريات التي أجريت وترتاح إليها لأنها تحريات صريحة وواضحة وهي تصدق من أجراها ويقطع بأنها أجريت فعلاً بمعرفة مجريها وحوت بيانات كافية تمكن من خلالها تحديد شخصية المتهمين وهو الأمر المحقق في واقعة الدعوى الأمر الذي لم ينازع فيه المتهم ودفاعه مما يكون منعى الدفاع في هذا الصدد غير سديد " . لما كان ذلك ، وكان الأصل في القانون أن الإذن بالتفتيش هو إجراء من إجراءات التحقيق لا يصح إصداره إلَّا لضبط جريمة " جناية أو جنحة " واقعة بالفعل وترجحت نسبتها إلى متهم معين ، وأن هناك من الدلائل ما يكفي للتصدي لحرمة مسكنه أو لحريته الشخصية ، وكان من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لتسويغ إصدار الإذن بالتفتيش وإن كان موكولاً إلى سلطة التحقيق التي أصدرته تحت رقابة محكمة الموضوع ، إلَّا أنه إذا كان المتهم قد دفع ببطلان هذا الإجراء ، فإنه يتعين على المحكمة أن تعرض لهذا الدفع الجوهري وأن تقول كلمتها فيه بأسباب سائغة وكافية . لما كان ذلك ، وكان الحكم قد اكتفى بالرد على الدفع ببطلان إذن التفتيش بالعبارة - المار سردها - وهي عبارة قاصرة لا يستطاع معها الوقوف على مسوغات ما قضى به الحكم في هذا الشأن ، إذ لم تبد المحكمة رأيها في عناصر التحريات السابقة على الإذن بالتفتيش أو تقل كلمتها في كفايتها لتسويغ إصدار الإذن من سلطة التحقيق ، وماهية الجريمة التي وقعت وصحة نسبتها إلى الطاعنين ، فإن حكمها يكون معيباً بالقصور والفساد في الاستدلال بما يوجب نقضه والإعادة بالنسبة للطاعنين والطاعنين الثاني والثالث الذين لم يقبل طعنهما شكلاً لاتصال الوجه الذي بني عليه نقض الحكم به ، دون أن يمتد أثر النقض إلى المحكوم عليهما الآخرين الذين صدر الحكم غيابياً بالنسبة لهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الطعن 26565 لسنة 83 ق جلسة 3 / 1 / 2016 مكتب فني 67 ق 3 ص 30

 جلسة 3 من يناير سنة 2016

برئاسة السيد القاضي / عاصم عبد الجبار نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / صفوت عبد المجيد ، محمد قنديل وأيمن الجمال نواب رئيس المحكمة ومصطفى الدخميسى .
----------

(3)

الطعن رقم 26565 لسنة 83 القضائية

(1) قتل عمد . سبق إصرار . ظروف مشددة . عقوبة " العقوبة المبررة " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " . نقض " المصلحة في الطعن " .

سبق الإصرار . حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني . استخلاصها من الوقائع والظروف الخارجية . مادام سائغاً .

تدليل الحكم على توافر ظرف سبق الإصرار . كفايته .

انتفاء مصلحة الطاعن في النعي على الحكم بشأن ظرف سبق الإصرار . ما دام عاقبه بعقوبة تدخل في الحدود المقررة للقتل العمد مجرداً من أي ظرف مشدد . لا يغير من ذلك أخذه بالرأفة . أساس وعلة ذلك ؟

مثال .

 (2) إثبات " بوجه عام ". محكمة الموضوع " سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها ".

استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى . موضوعي . مادام سائغاً .

المنازعة في الصورة التي اعتنقتها المحكمة للواقعة والجدل الموضوعي في سلطتها في استخلاصها أمام النقض . غير جائز .

مثال .

(3) إثبات " شهود " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير أقوال الشهود " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .

وزن أقوال الشهود وتقديرها . موضوعي .

أخذ محكمة الموضوع بشهادة الشهود . مفادها ؟

تناقض الشاهد وتضاربه في أقواله أو مع غيره . لا يعيب الحكم . شرط ذلك ؟

(4) إثبات " بوجه عام " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .

تقدير الأدلة بالنسبة لكل متهم . موضوعي .

اطمئنان المحكمة للأدلة بالنسبة لمتهم دون آخر . لا تناقض . علة ذلك ؟

مثال .

(5) أسباب الإباحة وموانع العقاب " الدفاع الشرعي " . دفوع " الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " . سبق إصرار .

الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي . موضوعي . إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض . غير جائزة . حد ذلك ؟

إثبات الحكم توافر ظرف سبق الإصرار لدى الطاعن . ينتفي بموجبه الدفاع الشرعي .

مثال .

(6) دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " . دفوع " الدفع بنفي التهمة " .

الدفع بنفي التهمة . موضوعي . لا يستأهل رداً . استفادة الرد عليه من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم .

مثال .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- لما كان الحكم المطعون فيه حصَّل واقعة الدعوى في قوله : " أنه بتاريخ سابق على .... التقت إرادة المتهم الماثل/ .... وآخرون مجهولون على قتل المجنى عليه .... عمداً مع سبق الإصرار، لخلافات سابقة بينها فأعدوا لذلك سيارة أجرة ، ودراجة نارية وجهزوا أسلحة نارية لتنفيذ جريمتهم، وانتقلوا يوم .... حوالى الساعة .... إلى شارع .... دائرة قسم .... بوسيلتي الانتقال سالفتي الذكر في المكان المحدد الذي اتفق المتهم الماثل مع المجنى عليه على مقابلته فيه أمام إحدى المقاهي ، وما أن ظفروا به حتى اعتدى عليه المتهم .... بالضرب بمؤخرة سلاح ناري " فرد خرطوش " كان يحمله وقام بإدخاله في السيارة الأجرة التي كانت تقل باقي المتهمين ، وإذ تمكن المجنى عليه من الهبوط منها عقب سيرها ببرهة وأسرع بالعدو محاولاً الهروب فقد عاجله المتهم الماثل بإطلاق أعيرة نارية متعددة من سلاحه الناري من مسافة قريبة قاصداً قتله ، وتبعه باقي المتهمين المجهولين بإطلاق أعيرة نارية من أسلحتهم النارية " الخرطوش " قاصدين من ذلك قتله فأحدثوا به إصابات في ظهره وأماكن متفرقة من جسده ، وأردوه قتيلاً ، ثم لاذوا بالفرار ، وقد ثبت بتقرير الطب الشرعي أن وفاة المجنى عليه تعزى إلى الإصابات النارية الرشية الموصوفة بالمذكور وما أحدثته من تهتك بالقلب والرئة اليسرى والحجاب الحاجز وكسور بالعظام ونزيـف دموي إصابي وهبوط بالدورة الدموية التنفسية والجائزة الحدوث وفق تصوير النيابة العامة في مذكرتها ... " وساق الحكم على صحة الواقعة وإسنادها إلى الطاعن أدلة استقاها من أقوال شهود الإثبات ومن تقرير الطب الشرعي ومناظرة النيابة العامة لجثة المجنى عليه . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني قد لا يكون له في الخارج أثر محسوس يدل عليه مباشرة وإنما يستفاد من وقائع وظروف خارجية يستخلصها القاضي منها استخلاصاً ، مادام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج ، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد كشف عن توافر ظرف سبق الإصرار في حق الطاعن وقد ساق لإثباته قبله من الأدلة والقرائن ما يكفى لتحقيقه قانوناً ، ومن ثم فإن نعى الطاعن في هذا الخصوص يكون غير سديد ، هذا فضلاً عن أنه لا مصلحة للطاعن في النعي على الحكم بشأن ظرف سبق الإصرار لأن العقوبة المقضي بها عليه وهى السجن المؤبد تدخل في حدود العقوبة المقررة لجناية القتل العمد مجردة من أي ظرف من الظروف المشددة ، ولا يغير من هذا النظر القول بأن المحكمة أخذت الطاعن بالرأفة وأنها كانت عند تقدير العقوبة تحت تأثير الوصف الذي أعطته للواقعة ، إذ إن تقدير العقوبة مداره ذات الواقعة الجنائية التي قارفها الجاني لا الوصف القانوني الذي تكيفه المحكمة وهى إذ تعمل حقها الاختياري في استعمال الرأفة وذلك بتطبيق المادة 17 من قانون العقوبات ، فإنما تقدر العقوبة التي تتناسب مع الواقعة وما أحاط بها من ظروف .

2- لما كان لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ، مادام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى صورة الواقعة حسبما وردت بأقوال شهود الإثبات المؤيد بتقرير الطب الشرعي ومناظرة النيابة العامة ، فإن ما يثيره الطاعن من استحالة حدوث الواقعة وفق تصوير شهود الإثبات وقوله بأن الواقعة مجرد مشاجرة وضرب لا يعدو أن يكون منازعة في الصورة التي اعتنقتها المحكمة للواقعة وجدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدانها مما تستقل بالفصل فيه بغير معقب ويعدو منعاه في هذا الخصوص لا سند له .

3- لما كان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها الشهادة متروكا لتقدير محكمة الموضوع ، ومتي أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، وكان تناقض الشاهد وتضاربه في أقواله أو مع غيره لا يعيب الحكم ، مادامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من تلك الأقوال استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه ـــــ كما هو الحال في الدعوى المطروحة ـــــ فإن ما ينعاه الطاعن بشأن تعويل الحكم على أقوال شهود الإثبات لا يكون صائباً .

4- من المقرر أن تقدير الأدلة بالنسبة إلى كل متهم هو من شأن محكمة الموضوع وحدها ، وهى حرة في تكوين اعتقادها حسب تقديرها تلك الأدلة واطمئنانها إليها بالنسبة إلى متهم وعدم اطمئنانها إليها نفسها بالنسبة إلى متهم آخر دون أن يكون هذا تناقضاً يعيب حكمها ، مادام تقدير الدليل موكولاً إلى اقتناعها وحدها ، وإذ كان الحكم قد دلل تدليلاً سائغاً على إدانة الطاعن لما نسب إليه فإن قضاء الحكم ببراءة المتهم الثاني .... استناداً إلى عدم اطمئنان المحكمة لأقوال الشهود وتحريات الشرطة لا يتناقض مع ما انتهى إليه الحكم من إدانة الطاعن أخذاً من أقوال شهود الإثبات وتحريات الشرطة التي اطمأنت إليها المحكمة والتي تأيدت بأدلة أخرى أثبتها الحكم ووثق بها وهى تقرير الطب الشرعي ومناظرة النيابة العامة لجثة المجنى عليه ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الشأن يكون لا محل له .

5- من المقرر أن الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي من الدفوع الموضوعية التي يجب التمسك بها لدى محكمة الموضوع ، ولا تجوز إثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض إلَّا إذا كانت الوقائع الثابتة بالحكم دالة بذاتها على تحقق حالة الدفاع الشرعي كما هي معرفة به في القانون أو ترشح لقيامها ، وكان البيِّن من محضر جلسة المحاكمة أن الدفاع عن الطاعن لم يشر البتة إلى قيام هذه الحالة ، بل إن المحكمة على العكس أثبتت أن الطاعن توافر في حقه سبق الإصرار في الاعتداء على المجنى عليه وأنه والمجهولين هم الذين بادروا المجنى عليه بالاعتداء وإطلاق الأعيرة النارية التي أودت بحياته ، ومن ثم ينتفى موجب الدفاع الشرعي ، ويكون منعى الطاعن بإغفال المحكمة بحث دلالة أقواله بالتحقيقات من أن المجنى عليه أحدث إصابته برأسه وهو ما أكده تقرير الطب الشرعي من إثبات تلك الإصابة وهو ما يلمح إلى توافر حالة الدفاع الشرعي يكون على غير أساس .

6- لما كان الدفع بقيام الطاعن بتسليم نفسه لقسم الشرطة لثقته بأنه لم يرتكب الواقعة ، مردوداً بأن نفى التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً ، طالما كان الرد عليها مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن يكون لا محل .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الوقائـع

اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخر قضي ببراءته بأنهما :

(1) قتلا وآخرون مجهولون .... عمداً مع سبق الإصرار والترصد بأن بيتوا النية وعقدوا العزم على قتله وأعدوا لهذا الغرض أسلحة نارية ـــــ فرد خرطوش ـــــ ونفاذاً لمخططهم استدرجوه إلى محل الواقعة زاعمين رغبتهم في إنهاء الخلافات بينه وبين المتهم الأول وما أن ظفروا به حتى اقتاده المتهمان الأول والثاني عنوة إلى إحدى السيارات المعدة آنفاً لذلك لإقصائه عن أعين العامة وما أن حاول المجنى الفرار حتى أطلقوا صوبه عدة أعيرة نارية قاصدين من ذلك قتله فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية المرفق والتي أودت بحياته على النحو المبين بالتحقيقات .

(2) أحرزا بغير ترخيص سلاحين ناريين غير مششخنين ـــــ فرد خرطوش ـــــ على النحو المبين بالتحقيقات .

(3) أحرزا ذخائر مما تستعمل في السلاح الناري آنف البيان دون أن يكون مرخصاً لهما بحيازتها أو إحرازها .

وأحالتهما إلى محكمة جنايات .... لمعاقبتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة.

وادعت مدنياً قبلهما والدة المجنى عليه .... بمبلغ عشرة آلاف وجنيه واحد على سبيل التعويض المدني المؤقت .

ومحكمة الجنايات قضت حضورياً عملاً بالمواد 230، 231 من قانون العقوبات ، 1/1، 6 ، 26/5،1 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونين رقمي 26 لسنة 1978، 165 لسنة 1981 والجدول رقم 2 الملحق بالقانون الأول ، بعد تطبيق وإعمال المادتين 17 ، 32 عقوبات ، بمعاقبته بالسجن المؤبد عما أسند إليه وبإلزامه بأن يؤدى للمدعى بالحق المدني مبلغ عشرة آلاف وجنيه واحد على سبيل التعويض المدني المؤقت .

فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المحكمـة

حيث إن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار وإحراز سلاح ناري غير مششخن وذخائره بغير ترخيص قد شابه القصور والتناقض في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع ، ذلك بأنه لم يدلل سائغاً على توافر ظرف سبق الإصرار في حقه ، معوِّلاً في إدانته على أقوال شهود الإثبات التي جاءت متناقضة وجاء تصويرهم للواقعة لا يتفق مع العقل والمنطق إذ هي لا تعدو أن تكون مشاجرة أعقبت مشادة كلامية واطمأن لتلك الأقوال وتحريات الشرطة في إدانته واطرحها في شأن المتهم الثاني .... ، والتفتت المحكمة عن دلالة أقوال الطاعن بالتحقيقات من أن المجنى عليه أحدث إصابته برأسه وهو ما تأيد بتقرير الطب الشرعي من إثبات تلك الإصابة وكونه بادر بتسليم نفسه لديوان قسم الشرطة ثقة منه بعدم ارتكاب الواقعة ، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .

وحيث إن الحكم المطعون فيه حصَّل واقعة الدعوى في قوله : " أنه بتاريخ سابق على .... التقت إرادة المتهم الماثل/ .... وآخرون مجهولون على قتل المجنى عليه .... عمداً مع سبق الإصرار ، لخلافات سابقة بينها فأعدوا لذلك سيارة أجرة ، ودراجة نارية وجهزوا أسلحة نارية لتنفيذ جريمتهم ، وانتقلوا يوم .... حوالى الساعة .... إلى شارع .... دائرة قسم .... بوسيلتي الانتقال سالفتي الذكر في المكان المحدد الذي اتفق المتهم الماثل مع المجنى عليه على مقابلته فيه أمام إحدى المقاهي ، وما أن ظفروا به حتى اعتدى عليه المتهم .... بالضرب بمؤخرة سلاح ناري " فرد خرطوش " كان يحمله وقام بإدخاله في السيارة الأجرة التي كانت تقل باقي المتهمين ، وإذ تمكن المجنى عليه من الهبوط منها عقب سيرها ببرهة وأسرع بالعدو محاولاً الهروب فقد عاجله المتهم الماثل بإطلاق أعيرة نارية متعددة من سلاحه الناري من مسافة قريبة قاصداً قتله ، وتبعه باقي المتهمين المجهولين بإطلاق أعيرة نارية من أسلحتهم النارية " الخرطوش " قاصدين من ذلك قتله فأحدثوا به إصابات في ظهره وأماكن متفرقة من جسده ، وأردوه قتيلاً ، ثم لاذوا بالفرار ، وقد ثبت بتقرير الطب الشرعي أن وفاة المجنى عليه تعزى إلى الإصابات النارية الرشية الموصوفة بالمذكور وما أحدثته من تهتك بالقلب والرئة اليسرى والحجاب الحاجز وكسور بالعظام ونزيـف دموي إصابي وهبوط بالدورة الدموية التنفسية والجائزة الحدوث وفق تصوير النيابة العامة في مذكرتها ... " وساق الحكم على صحة الواقعة وإسنادها إلى الطاعن أدلة استقاها من أقوال شهود الإثبات ومن تقرير الطب الشرعي ومناظرة النيابة العامة لجثة المجنى عليه . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني قد لا يكون له في الخارج أثر محسوس يدل عليه مباشرة وإنما يستفاد من وقائع وظروف خارجية يستخلصها القاضي منها استخلاصاً ، مادام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج ، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد كشف عن توافر ظرف سبق الإصرار في حق الطاعن وقد ساق لإثباته قبله من الأدلة والقرائن ما يكفى لتحقيقه قانوناً ، ومن ثم فإن نعى الطاعن في هذا الخصوص يكون غير سديد ، هذا فضلاً عن أنه لا مصلحة للطاعن في النعي على الحكم بشأن ظرف سبق الإصرار لأن العقوبة المقضي بها عليه وهي السجن المؤبد تدخل في حدود العقوبة المقررة لجناية القتل العمد مجردة من أي ظرف من الظروف المشددة ، ولا يغير من هذا النظر القول بأن المحكمة أخذت الطاعن بالرأفة وأنها كانت عند تقدير العقوبة تحت تأثير الوصف الذي أعطته للواقعة ، إذ إن تقدير العقوبة مداره ذات الواقعة الجنائية التي قارفها الجاني لا الوصف القانوني الذي تكيفه المحكمة وهى إذ تعمل حقها الاختياري في استعمال الرأفة وذلك بتطبيق المادة 17 من قانون العقوبات ، فإنما تقدر العقوبة التي تتناسب مع الواقعة وما أحاط بها من ظروف . لما كان ذلك ، وكان لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ، مادام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى صورة الواقعة حسبما وردت بأقوال شهود الإثبات المؤيد بتقرير الطب الشرعي ومناظرة النيابة العامة ، فإن ما يثيره الطاعن من استحالة حدوث الواقعة وفق تصوير شهود الإثبات وقوله بأن الواقعة مجرد مشاجرة وضرب لا يعدو أن يكون منازعة في الصورة التي اعتنقتها المحكمة للواقعة وجدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدانها مما تستقل بالفصل فيه بغير معقب ويعدو منعاه في هذا الخصوص لا سند له . لما كان ذلك ، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها الشهادة متروكا لتقدير محكمة الموضوع ، ومتي أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، وكان تناقض الشاهد وتضاربه في أقواله أو مع غيره لا يعيب الحكم ، مادامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من تلك الأقوال استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه ـــــ كما هو الحال في الدعوى المطروحة ـــــ فإن ما ينعاه الطاعن بشأن تعويل الحكم على أقوال شهود الإثبات لا يكون صائباً. لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن تقدير الأدلة بالنسبة إلى كل متهم هو من شأن محكمة الموضوع وحدها ، وهى حرة في تكوين اعتقادها حسب تقديرها تلك الأدلة واطمئنانها إليها بالنسبة إلى متهم وعدم اطمئنانها إليها نفسها بالنسبة إلى متهم آخر دون أن يكون هذا تناقضاً يعيب حكمها ، مادام تقدير الدليل موكولاً إلى اقتناعها وحدها ، وإذ كان الحكم قد دلل تدليلاً سائغاً على إدانة الطاعن لما نسب إليه فإن قضاء الحكم ببراءة المتهم الثاني .... استناداً إلى عدم اطمئنان المحكمة لأقوال الشهود وتحريات الشرطة لا يتناقض مع ما انتهى إليه الحكم من إدانة الطاعن أخذاً من أقوال شهود الإثبات وتحريات الشرطة التي اطمأنت إليها المحكمة والتي تأيدت بأدلة أخرى أثبتها الحكم ووثق بها وهى تقرير الطب الشرعي ومناظرة النيابة العامة لجثة المجنى عليه ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الشأن يكون لا محل له . لما كان ذلك ، وكان المقرر أن الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي من الدفوع الموضوعية التي يجب التمسك بها لدى محكمة الموضوع ، ولا تجوز إثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض إلَّا إذا كانت الوقائع الثابتة بالحكم دالة بذاتها على تحقق حالة الدفاع الشرعي كما هي معرفة به في القانون أو ترشح لقيامها ، وكان البيِّن من محضر جلسة المحاكمة أن الدفاع عن الطاعن لم يشر البتة إلى قيام هذه الحالة، بل إن المحكمة على العكس أثبتت أن الطاعن توافر في حقه سبق الإصرار في الاعتداء على المجنى عليه وأنه والمجهولين هم الذين بادروا المجنى عليه بالاعتداء وإطلاق الأعيرة النارية التي أودت بحياته ، ومن ثم ينتفى موجب الدفاع الشرعي ، ويكون منعى الطاعن بإغفال المحكمة بحث دلالة أقواله بالتحقيقات من أن المجنى عليه أحدث إصابته برأسه وهو ما أكده تقرير الطب الشرعي من إثبات تلك الإصابة وهو ما يلمح إلى توافر حالة الدفاع الشرعي يكون على غير أساس . لما كان ذلك ، وكان الدفع بقيام الطاعن بتسليم نفسه لقسم الشرطة لثقته بأنه لم يرتكب الواقعة ، مردوداً بأن نفى التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً ، طالما كان الرد عليها مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن يكون لا محل . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون علي غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ