الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 2 فبراير 2020

عدم استحقاق معاش الوزير ونائب الوزير لغير من يشغل منصبهما فعليا

الطلب رقم 1 لسنة 41 ق " تفسير تشريعي " جلسة 4 / 1 / 2020
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من يناير سنة 2020م، الموافق التاسع من جمادى الأولى سنة 1441 هـ.
برئاسة السيد المستشار/ سعيد مرعى عمرو   رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر والدكتـور حمدان حسن فهمى والدكتور محمـد عماد النجـار والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان والدكتور طارق عبدالجواد شبل    نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى     رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع        أمين السر
أصدرت القرار الآتى
      في الطلب المقيد بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 1 لسنة 41 قضائية " تفسير تشريعي ".
المقدم من
وزيـر العــدل
الإجراءات
      بتاريخ الحادي والعشرين من يوليو سنة 2019، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا كتاب السيد وزير العدل رقم 1024، المؤرخ 18/7/2019، بطلب تفسير نص المادة (31) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، والمستبدلـة بالقانـون رقم 160 لسنة 2018، لبيان ما إذا كان النص يقتصر، في تطبيقه، على من يشغل، فعليًّا، منصبي الوزير ونائب الوزير، أم يمتد تطبيقه لغيرهم.
   وبعد تحضير الطلب، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
      ونظر الطلب على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار القرار فيه بجلسة اليوم.
المحكمة
      بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
      حيث إن رئيس مجلس الوزراء طلب تفسير المادة (31) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، والمستبدلة بالقانون رقم 160 لسنة 2018؛ فيما تنص عليه من أنه: "يُسوى معاش كل من يشغل فعليًّا، منصب رئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس الوزراء ونوابه، والوزراء ونوابهم، والمحافظين ونوابهم، بواقع جزء من عشرة أجزاء من أجر التسوية عن كل سنة خدمة، قُضيت في المنصب، وذلك بمراعاة الآتى:
1-  يُقصد بأجر التسوية آخر مكافأة لرئيس مجلس النواب أو آخر راتب بالنسبة لباقي الفئات وبما لا يجاوز صافى الحد الأقصى للأجور في تاريخ انتهاء شغل المنصب.
2-  يكون الحد الأقصى للمعاش بواقع (80%) من أجر التسوية المشار إليه بالبند السابق.
3- إذا قل المعاش عن (25%) من أجر التسوية المشار إليه في البند (1) من هذه المادة رُفع إلى هذا القـدر، وإذا انتهى شغـــل المنصب بسبب الوفاة أو الإصابة أو العجز الكلى الإصابي فيكون المعاش بواقع (80%) من أجر التسوية المشار إليه في البند (1) من هذه المادة.
4- يجبر كسر الشهر إلى شهر في حساب المدد المشار إليها.
وفى حالة تكرار الانتفاع بأحكام هذه المادة، يكون الجمع بين المعاشات المستحقة، وفقًا لأحكامها بما لا يجاوز الحد الأقصى للمعاش المشار إليه بالبند (2) من الفقرة السابقة.
وتتحمل الخزانة العامة بالمعاش المستحق، وفقًا لهذه المادة من هذا القانون.
ولا يستفيد من أحكام هذه المادة، من صدر ضده حكم نهائي في جناية أو حكم عليه، في إحدى جرائم الإرهاب، أو في إحدى الجرائم المضرة بأمن الدولة.
وفى جميع الأحوال لا يجوز أن تزيد المعاشات، والزيادات التي تُستحق عليها، والتي تتحملها الخزانة العامة، والمستحقة وفقًا لهذا القانون، أو أي قانون آخر، عن صافى الحد الأقصى للأجور المشار إليه بالقانون رقم 100 لسنة 1987 بتحديد المعاملة المالية لرئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس الوزراء، وأعضاء الحكومة والمحافظين ونوابهم.
ويُلغى كل حكم يخالف أحكام هذه المادة، ويصدر قرار من وزير التأمينات بالقواعد المنظمة لتنفيذ أحكام هذه المادة".

وذلك تأسيسًا على أن هذا النص قد أثار خلافًا في التطبيق، إذ تضاربت في شأنه الآراء؛ فذهبت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة بجلستها المعقودة في 9/1/2019 ملف رقم 86/2/389، إلى انطباق حكم هذه المادة على من لم يشغل فعليًّا منصب وزير أو نائب وزير، من أعضاء الهيئات القضائية، ممن شغلوا درجة رئيس محكمة الاستئناف، ونائب رئيس محكمة النقض، ونائب رئيس محكمة الاستئناف، والدرجات المناظرة لها، وكذا رؤساء الجامعات، بينما اتخذت اللجنة القضائية العليا لضباط القوات المسلحة منحى مغايرًا بما قررته، بجلسة 22/6/2019 في الطعن رقم 523 لسنة 2019 عليا؛ إذ انتهت إلى قصر تطبيق ذلك النص على من يشغل فعليًّا الوظائف الواردة في هذه المادة، حصرًا دون غيرهم.


وأضاف طلب التفسير أن توحيد تفسير ذلك النص، وتحديد الفئات المنطبق عليها، له أهمية بالغة، نظرًا لعظم وجسامة الآثار المالية، التى تقع على عاتق الخزانة العامة للدولة المترتبة على تطبيقه.

وإزاء أهميـة توحيد التفسير، في هذه المسألة، فقد طلب السيد وزير العدل - بناءً على طلب السيد رئيس مجلس الوزراء - عرض الأمر على هذه المحكمة لإصدار تفسير تشريعى لذلك النص؛ عملاً بما تنص عليه المادة (192) من الدستور، والمادتان (26) و(33) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979.

وحيث إن المادة (192) من الدستور تنص على أنه: "تتولى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها الرقابة القضائية على دستورية القوانين، واللوائح، وتفسير النصوص التشريعية، .......". وتنص المادة (195) من الدستور على أنه "تنشر في الجريدة الرسمية الأحكام والقرارات الصادرة من المحكمة الدستورية العليا، وهى ملزمة للكافة وجميع سلطات الدولة، وتكون لها حجية مطلقة بالنسبة لهم، ......".

كما تنص المادة (26) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 على أنه: "تتولى المحكمة الدستورية العليا تفسير نصوص القوانين الصادرة من السلطة التشريعية والقرارات بقوانين الصادرة من رئيس الجمهورية وفقًا لأحكام الدستور وذلك إذا أثارت خلافًا في التطبيق وكان لها من الأهمية ما يقتضى توحيد تفسيرها". وتنص المادة (33) من القانون ذاته على أنه: "يقدم طلب التفسير من وزير العـدل بناءً على طلب رئيس مجلس الوزراء أو رئيس مجلس الشعب (النواب) أو المجلس الأعلى للهيئات القضائية. ويجب أن يبين في طلب التفسير النص التشريعي المطلوب تفسيره، وما أثاره من خلاف في التطبيق ومدى أهميته التي تستدعى تفسيره تحقيقًا لوحدة تطبيقه".
      وحيث إن البين من هذه النصوص، أن إعمال هذه المحكمة لسلطتها، في مجال التفسير التشريعي المنصوص عليه في الدستور، وفى قانونها – على ما جرى به قضاؤها – يخولها تفسير النصوص القانونية، تفسيرًا ملزمًا للناس كافة، نافذًا في شأن السلطات العامة، والجهات والهيئات القضائية على اختلافها، تكشف فيه عن إرادة المشرع، التي صاغ على ضوئها هذه النصوص، وحقيقة ما أراده منها، وتوخاه بها، محددًا لدلالتها تحديدًا، جازمًا، لا تعقيب عليه، ولا رجوع فيه، وقوفًا عند الغاية، التى استهدفها من تقريره إيّاها، بلوغًا إلى حسم ما ثار من خلاف بشأنها، حتى تتحدد، نهائيًّا، المراكز القانونية للمخاطبين بأحكامها، على ضوء هذا التفسير الملزم.

وحيث إن مناط قبول تفسير نصوص القوانين الصادرة من السلطة التشريعية والقرارات بقوانين التى يصدرها رئيس الجمهورية – وفقًا لما اطرد عليه قضاء هذه المحكمة – أن تكون للنص التشريعى، المطلوب تفسيره، أهمية جوهرية، تتحدد بالنظر إلى طبيعة الحقوق التى ينظمها، ووزن المصالح المرتبطة بها، وأن يكون هذا النص – فضلاً عن أهميته - قد أثار، في تطبيقه، خلافًا سواء بالنظر إلى مضمونه، أو الآثار التى يرتبها، ويقتضى ذلك أن يكون الخلاف حوله مستعصيًا على التوفيق، متصلاً بذلك النص، في مجال إنفاذه أو آثاره، نابذًا وحدة القاعدة القانونية في شأن يتعلق بمعناه، ودلالته، مفضيًا إلى تعدد تأويلاته، وتباين المعايير التي ينتقل إليها، من صورته اللفظية، إلى جوانبه التطبيقية، ليؤول، عملاً، إلى التمييز فيما بين المخاطبين بحكمه، فلا يعاملون، جميعهم، وفق مقاييس موحدة، بل تتعدد تطبيقاته، بما يحتم رد هذا النص إلى مضمون موحد، يتحدد على ضوء استصفاء إرادة المشرع منه، ضمانًا لتطبيقه تطبيقًا متكافئًا بين جميع المخاطبين به.

وحيث إن الشرطين اللذين تطلبهما المشرع، لقبول طلب التفسير قد توافرا, في الطلب المعروض، بشأن النص التشريعي المطلوب تفسيره، ذلك أنه قد أثار خلافًا في تطبيقه، بين الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة من ناحية، واللجنة القضائية العليا لضباط القوات المسلحة من ناحية أخرى، إذ رأت الأولى انطباق حكمه على من لم يشغــل فعليًّا منصب وزير أو نائب وزير، من أعضـاء الهيئات القضائية ممن شغلوا درجة رئيس محكمة الاستئناف، ونائب رئيس محكمة النقض، ونائب رئيس محكمة الاستئناف، والدرجات المناظرة لها، وكذا رؤساء الجامعات وذلك على سند من أنه: « لا يجوز التعويل على جملة "يسوى معاش كل من يشغل فعليًّا منصب ..............."، الواردة بنص المادة (31) من قانون التأمين الاجتماعي، بعد استبدالها بموجب القانون رقم (160) لسنة 2018، للقول بحرمان الفئات التي كان المشرع قد قرر، في قوانينهم الخاصة، معاملتها، حكميًّا، بذات المعاملة المعاشية للشاغلين الفعليين لهذه المناصب، من التمتع بذات المزايا المعاشية، الواردة بنص هذه المادة بعد استبدالها، بحسبان هذه الفئات لا تستمد، أصلاً، أحقيتها في التمتع بذات المزايا المعاشية، المقررة لشاغلي هذه المناصب، من قانون التأمين الاجتماعي المشار إليه، وإنما تستمدها بموجب نصوص قوانينها الخاصة، وتدور، وجودًا وعدمًا، مع هذه النصوص، وعلى نحو ما سلف، فإنه لا يجوز للقانون العام نسخ أحكام القوانين الخاصة، وإنما ينصرف أثر استبدال هذه المادة، على مفهوم المساواة المقصودة في هذا الشأن، فهي لم تعد المساواة المطلقة، في مقــــــدار المعاش، بالنظر إلى الأجور المتساوية، التي كانت تتقاضاها هذه الفئات، إذ لم تعد مساواة قيمية، أو رقمية، وإنما أضحت مساواة في المعاملة، بذات المعادلة الحسابية، الواردة بنص المادة (31) المشار إليها بعد استبدالها بموجب القانون رقم (160) لسنة 2018».

      في حين نحت الثانية منحى آخر، مناقضًا، فانتهت إلى قصر تطبيق ذلك النص على من يشغل فعليًّا، الوظائف الواردة في هذه المادة حصرًا، دون غيرهم، وذلك على سند من أنه: « باستقراء نص المادة (31) من القانون رقم 79 لسنة 1975 قبل استبدالها بالقانون رقم 160 لسنة 2018، والتى لم تكن تتضمن عبارة "يشغل فعليًّا"، يتضح أن استفادة أعضاء الجهات، والهيئات القضائية، من نص تلك المادة، كان مرده قرار المحكمة الدستورية العليا، في الطلب رقم 3 لسنة 8 قضائية "تفسير"، الذى اتخذ معيارًا عادلاً، هو الاعتداد بالمرتب الفعلى، كأساس للتماثل بين وظائف الوزراء ونوابهم وبين الوظائف الأخرى، على اعتبار أن معيار المرتب المتماثل، هو المعيار الأعدل الذى يحقق المساواة في المعاملة من حيث المعاش، بين من يتقاضون مرتبات متماثلة، وفقًا لجداول المرتبات التى استعرضها القرار، وأنه وبصدور القانون رقم 28 لسنة 2018، الذى تضمن تحديد مرتب الوزير بصافي الحد الأقصى للأجور، ومرتب نائب الوزير بواقع 90% من هذا الحد، دون وجود جدول محدد لرواتبهم، يكون قد انتفى المعيار، الذى اتخذته المحكمة الدستورية العليا، أساسًا لتطبيق نص المادة (31) من القانون 79 لسنة 1975 على أعضاء الجهات والهيئات القضائية».

وحيث إن النص محل طلب التفسير، إذ يتعلق بممارسة بعض الحقوق الدستورية الأساسية، وهي الحق في المعاش، والحق في المساواة، فضلاً عن أن هذا الخلاف يؤثر - على نحو ما جاء بطلب التفسير - على استقرار أوضاع الخزانة العامة للدولة، بما يرتبه من آثار مالية جسيمة على عاتقها، فإن طلب تفسيره يكون مقبولاً.
وحيث إن من المقرر، في قضاء المحكمة الدستورية العليا، أن اختصاصها بتفسير النصوص التشريعية، لا يجوز أن ينزلق إلى الفصل في دستوريتها؛ ذلك أن المادة (26) من قانونها، لا تخولها سوى استقصاء إرادة المشرع، من خلال استخلاصها، دون تقييم لها، وعلى أساس أن النصوص التشريعية، إنما ترد، دومًا، إلى هذه الإرادة، وتُحمل عليها حملاً، سواء كان المشرع، حين صاغها، مجانبًا الحق، أم منصفًا، وسواء كان مضمونها ملتئمًا مع أحكام الدستور، أم كان منافيًا لها، ولا يُتصور – تبعًا لذلك – أن يكون طلب تفسير تلك النصوص تفسيرًا تشريعيًّا، متضمنًا، أو مستنهضًا الفصل في دستوريتها، لتقرير صحتها، أو بطلانها، على ضوء أحكام الدستور.


وحيث إن قرارات التفسير الصادرة من المحكمة الدستورية العليا قد تواترت على أنها قد خُولت سلطة تفسير النصوص التشريعية – بمعناها الشامل لقرارات رئيس الجمهورية بقوانين – تفسيرًا تشريعيًّا ملزمًا؛ محددًا مضمونهـا، لتوضيح ما أُبهم من ألفاظها، مزيلاً ما يعتريها من تناقض، قد يبدو من الظاهر بينها، مستصفيًا إرادة المشرع، تحريًّا لمقاصده منها، ووقوفًا عند الغاية التى استهدفها من تقريره إيّاها، بلا زيادة أو ابتسار، مما مؤداه أن هذه المحكمة تحدد مضامين النصوص التشريعية، حملاً على المعنى المقصود منها ابتداءً؛ ضمانًا لوحدة تطبيقها، ودون إقحام لعناصر جديدة على القاعدة القانونية التي تفسرها، بما يغيّر من محتواها الحق، أو يُلبسها غير الصورة التي أفرغها المشرع فيها، أو يردها إلى غير الدائرة التي قصد أن تعمل في نطاقها، بل يكون قرارها بتفسير تلك النصوص كاشفًا عن حقيقتها، معتصمًا بجوهرها، مندمجًا فيها، وتستعين المحكمة، في سبيل ذلك، بالتطور التشريعي للنص المطلوب تفسيره، وبأعماله التحضيرية الممهدة له.


وحيث إنه باستعراض التطور التشريعي للنص محل طلب التفسير المعروض؛ فإنه يتبين، من الأعمال التحضيرية لذلك النص، وما جرى بشأنه من مناقشات، حال وروده في بادئ الأمر، ضمن نصوص القانون رقم 28 لسنة 2018 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 100 لسنة 1987 بشأن تحديد مرتبات نائب رئيس الجمهورية، ورئيسي مجلسي الشعب والشورى، ورئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء، أنه تم النص على عبارة "من شغل فعليًّا"، وقيل إيضاحًا لمعناها، أثناء مناقشة مشروع ذلك القانون، على لسان رئيس مجلس النواب، أنه يُقصد بها من باشر العمل في المنصب فعلاً، وليس من هم في درجة وزير. ثم أعيد النص على كلمة "فعليًّا"، حال إقرار تعديل نص المادة (31) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 بموجب القانون رقم 160 لسنة 2018. ومن ثم والحال هذه، يضحى ما ورد في مضابط مناقشة القانون رقم 28 لسنة 2018، على نحو ما قرر رئيس مجلس النواب، منسحبًا، بحكم الضرورة، على القصد من التعديل، الذي أدخل على المادة (31) المعنية، فالتداخل الزمنى بين القانونين، إنما يفيد بالقطع أن ما قُصد، في تعديل المادة (31)، هو القصد ذاته المصرح به، عند سن القانون رقم 28 لسنة 2018، بما مؤداه أن مفهوم هذه العبارة يظل ملازمًا لهما أيضًا، أينما وردت من بعد، باعتبار أن هذا المفهوم، هو ما كشفت عنه مناقشات مجلس النواب من قبل، وفى شأن نص مماثل.

يضاف إلى هذا، ما ورد بتقرير اللجنة المشتركة من لجنة القوى العاملة، ومكتب لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، عن مشروع القانون رقـم 160 لسنة 2018، تسبيبًا لهذا التعديل، من أنه « مضي على نص المادة (31) من قانون التأمين الاجتماعي، الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، أكثر من 40 سنة، دون تعديل، مما أدى إلى تدنى قيم المعاشات، التي تستحق للسادة الوزراء، والمحافظين ونوابهم، لذلك تم وضع قواعد جديدة لحساب معاشاتهم». وهو ما دلالته انصراف قواعد حساب المعاش الواردة بالنص المطلوب تفسيره، إلى من يشغل "فعليًّا" المناصب الواردة به، دون غيرهم.

وحيث إن نص المادة (31) من قانون التأمين الاجتماعي، قبل استبداله بالقانون رقم 160 لسنة 2018، كان يجرى على أن "يسوى معاش المؤمن عليه الذي شغل منصب وزير أو نائب وزير على أساس...،"، ثم جاءت صياغته بعد الاستبدال بالقانون المشار إليه، على أن "يسوى معاش كل من يشغل فعليًّا منصب رئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس الوزراء، ونوابه، والوزراء ونوابهم، والمحافظين ونوابهم بواقع جزء .......".

وحيث إنه لا يجوز صرف عبارة النص محل التفسير عن معناها الظاهر، وتفسيرها قسرًا واعتسافًا، على نحو يؤدى إلى شمول حكمها، لما ليس منها؛ وإلا كان تأويلاً له غير مقبول.

وحيث إن المشرع قد استحدث بالنص محل التفسير بعد استبداله، حكمًا مغايرًا، لما جرى عليه سابقه، إذ أورد عبارة "يشغل فعليًّا"، والمعروف أن كلمة "فعليًّا"، لغة من فَعَلَ، تفَعل، فَعْلاً وفعالاً وفعاليَةً. وفعل الشئ: عمله، وصنعه: كائنًا موجودًا، واقعًا، لا محالة، وقال تعالى، في قصة موسى عليه السلام، "وفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ التى فَعَلْتَ". وفعلىِ: اسم منسوب إلى فعل: حقيقىّ، واقعىّ، موجود فعلاً. والفعل، في الاصطلاح، هو العمل – وهو مشتمل على ثلاثة عناصر: أولها الحدوث، وثانيها الزمـان، وثالثها النسبة إلى الفاعـل. ومـن ثم فـإن "الفعلي" هو الحقيقي والواقعي، وهو الموجود فعلاً، وهو عكس " الحكمي". وإذ عدد النص، المناصب التي يسري عليها حكمه، تعدادًا حصريًّا، فدل بذلك على أن حكمه مقصور، على شاغلي تلك المناصب، شغلاً فعليًّا، لا حكميًّا.

كما استحدث أيضًا، ذلك النص، قواعد جديدة، لتسوية معاش من شغل "فعليًّا"، منصبًا من المناصب الواردة به، تختلف كلية، عن قواعد التسوية، التي كان معمولاً بها، قبل استبدال هذا النص، فأصبحت التسوية، تتم بواقع جزء من عشرة أجزاء من أجر التسوية، عن كل سنة، قضيت في المنصب. ويقصد بأجر التسوية: آخر مكافأة لرئيس مجلس النواب، وآخر راتب بالنسبة لباقي الفئات. ولما كان المشرع قد سبق أن قرر راتبًا واحدًا لكل فئة من الفئات الواردة بهذا النص، وذلك بموجب القانون رقم 28 لسنة 2018 المشار إليه، ولم يعد شاغلو هذه المناصب يحصلون على راتب أساسي، وآخر متغير، وأصبح أجر التسوية، هو ما يحصل عليه الوزير من راتب فقط، فإن ذلك يؤكد، أن ما أتى به التعديل، الذى أُدخل على المادة (31)، إنما استحدث منظومة متكاملة، تتوافق مع أوضاع شاغلي "المناصب الفعلية" للوزراء ونوابهم، ولا تصلح لأن تُمد إلى غيرهم ممن في حكمهم، ذلك أن غير شاغلي تلك المناصب، ممن هم في درجة وزير، أو نائب وزير، ومنهم بعض أعضاء الجهات، والهيئـات القضائية، ورؤساء الجامعـات وغيرهم، لا يشغلون فعليًّا تلك المناصب، كما لا تسوى معاشاتهم على أساس أجر تسوية، وإنما تسوى معاشاتهم عن الأجر الأساسي، والأجر المتغير، وفقًا لجداول المرتبات، الملحقة بقوانينهم الخاصة. وعليه تصير قواعد التسوية، التي أوردها النص المطلوب تفسيره، عصية على التطبيق، في شأن تسوية معاش، أي فئات أخرى غير الفئات، الواردة في النص المشار إليه، لا سيما بعد أن انتفى معيار التماثل، بين مرتبات بعض شاغلي الوظائف، ممن هم في درجة وزير أو نائب الوزير، وبين الوزراء الفعليين، الذى كان مناط حصول الأولين على معاش الوزير، وكان متكأً لقرار التفسير الصادر عن هذه المحكمة في الطلب رقم 3 لسنة 8 قضائية.

ولا وجه للقول بأن ذلك مؤداه أن تضحى النصوص، الواردة في التشريعات المنظمة لشئون المعاملين بكادرات خاصة، دائرة في الفراغ، مجردة من قوة نفاذها، وأن التشريعات التأمينية، تغدو خلوًا من نصوص، تبين كيفية تسوية معاشات شاغلي المناصب الأخرى، ممن هم في درجة الوزير أو نائب الوزير. فذلك مردود بأن المستقــر في قضاء هذه المحكمة أن قراراتها في شأن تفسير النصوص التشريعية، سواء في ذلك تلك التي أقرتها السلطة التشريعية، أو التي أصدرها رئيس الجمهورية في شكل قرار بقانون، وفقًا لأحكام الدستور، لا تنفصل عن النصوص التي تقوم بتفسيرها، بل تندمج فيها، باعتبارها كاشفة عن المعنى المقصود منها، ومحددة، من ثمّ، لمضامينها، وبالتالي تأخذ حكمها، وتكـون لها قوتها، منذ إقرارها أو إصدارها، ولا تمتد إلى غير من شملتهم تلك النصوص، ومن ثم يتقيد الكافة بمقتضاه، وتنزل عليه كل سلطة في الدولة.

وحيث إنه سبق لهذه المحكمة أن انتهت، بقرار التفسير الصادر بجلسة 3 مارس سنة 1990 في الطلب رقم 3 لسنة 8 قضائية "تفسير"، إلى أنه:
« في تطبيق أحكام المادة (31) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 ، يعتبر نائب رئيس محكمة النقض، ومن في درجته من أعضاء الهيئات القضائية، في حكم درجة الوزير، ويعامل معاملته، من حيث المعاش المستحق عن الأجر الأساسي، والمعاش المستحق عن الأجر المتغير، وذلك منذ بلوغه المرتب المقرر لرئيس محكمة النقض، كما يعتبر نائب رئيس محكمة الاستئناف ومن في درجته من أعضاء الهيئات القضائية، في حكم درجة نائب الوزير، ويعامل معاملته، من حيث المعاش المستحق، عن الأجر الأساسي، والمعاش المستحق عن الأجر المتغير، وذلك منذ بلوغه المرتب المقرر لنائب الوزير، ولو كان بلوغ العضو المرتب المماثل في الحالتين إعمالاً لنص الفقرة الأخيرة من قواعد تطبيق جداول المرتبات المضافة بالقانون رقم 17 لسنة1976 بتعديل بعض أحكام قوانين الهيئات القضائية ».

وإذ نصت المادة الثالثة من القانون رقم 148 لسنة 2019 بإصدار قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات على أنه: " لا يترتب على تطبيق أحكام القانون المرافق الإخلال بما تتضمنه أحكام القوانين المنظمة للشئون الوظيفية للعاملين بالكادرات الخاصة، ويستمر العمل بالمزايا المقررة في هذه القوانين والأنظمة الوظيفية، وتتحمل الخزانة العامة، فروق التكلفة المترتبة على ذلك، طبقًا لأحكام القانون المرافق ".

وجاءت المادة (27) من مواد ذلك القانون تكرارًا لنص المادة (31) المطلوب تفسيرها، إلا أنها قد أضافت عبارة " لا يسرى حكم هذه المادة على من هم في درجة وزير" في البند (5) منها، الأمر الذى يستلزم أن تستمر معاملة أعضاء الجهات والهيئات القضائية، ممن شغلوا درجة نائب رئيس محكمة النقض، ورئيس محكمة الاستئناف، ونائب رئيس محكمة الاستئناف، والدرجات المناظرة لها، وغيرهم من ذوى المناصب التى تعامل معاملة الوزير أو نائب الوزير دون أن تشغل فعليًّا هذا المنصب، بالأسس والقواعد ذاتها التى كانوا يعاملون بها في ظل المادة (31) من قانون التأمينات الاجتماعية، قبل استبدالها بالقانون رقم 160 لسنة 2018، وذلك في ضوء الحجية الملزمة لقرار التفسير الصادر في الطلب رقم 3 لسنة 8 قضائية "تفسير"، سالف الذكر.

يؤكد ذلك أن المشرع كان يهدف من النص المراد تفسيره، وعلى (ما ورد بتقرير اللجنة المشتركة من لجنة القـوى العاملة ومكتب لجنة الخطة والموازنة) – سالف الذكر – معالجة « تدنى قيم المعاشات، التي تستحق للسادة الوزراء، والمحافظين ونوابهم، لذلك تم وضع قواعد جديدة لحساب معاشاتهم»، قاصدًا منه تمييز تلك الفئة بنظام خاص لحساب معاشاتهم، دون أن يهدف، من ذلك، الانتقاص من الحقوق التأمينية، والمعاشية المكتسبة لشاغلى المناصب الأخرى، ممن هم في درجة الوزير، أو نائب الوزير، ولم يشغلوا فعليًّا هذا المنصب، التى تحددت بموجب قرار التفسير، الصادر من المحكمة الدستورية العليا المشار إليه.
فلهــــذه الأسبــاب
      وبعد الاطلاع على نص المادة (31) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، والمستبدلة بالقانون رقم 160 لسنة 2018.
قررت المحكمة :
إن نص المادة (31) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، بعد استبداله بالقانون رقم 160 لسنة 2018، لا يسري إلا على من يشغل فعليًّا أحد المناصب الواردة به حصرًا، دون غيرهم.

عدم اختصاص الدائرة الجنائية بمحكمة النقض بالمنازعات الانتخابية لأعضاء مجلس نقابة الصحفيين

الدعوى رقم 38 لسنة 40 ق " دستورية " جلسة 4 / 1 / 2020
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من يناير سنة 2020م، الموافق التاسع من جمادى الأولى سنة 1441 هـ.
برئاسة السيد المستشار/ سعيد مرعى عمرو     رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمي إسكندر والدكتور محمــد عمـاد النجـار والدكتور عبدالعزيـز محمـد سالمان والدكتور طارق عبد الجواد شبل وطارق عبد العليم أبو العطا   نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى   رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع     أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
      في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 38 لسنة 40 قضائية " دستورية "، بعد أن أحالت محكمة القضاء الإداري بالقاهرة (الدائرة الثانية) بحكمها الصادر بجلسة 23/4/2016، ملف الدعوى رقم 45409 لسنة 69 قضائية.
المقامة من
هشام محمد محمد يونس
ضــــد
1 – رئيس لجنة انتخابات نقابة الصحفيين "خصم مدخل"
2 – نقيب الصحفيين
الإجـراءات
بتاريخ الثالث من مارس سنة 2018، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الدعوى رقم 45409 لسنة 69 قضائية، بعد أن قضت محكمة القضاء الإداري بالقاهرة (الدائرة الثانية) بجلسة 23/4/2016، بوقف الدعوى تعليقًا، وإحالتها بغير رسوم إلى المحكمة الدستورية العليا، للفصل في دستوريــة نص الفقرة الثالثة من المادة (62) من القانون رقم 76 لسنة 1970 بإنشاء نقابة الصحفيين.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمــــة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
      حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق – في أن المدعى كان قد تقدم بالترشيح لانتخابات التجديد النصفي لنقابة الصحفيين التي أجريت بتاريخ 20/3/2015، وتضمنت النتيجة التي أعلنتها اللجنة المنظمة للعملية الانتخابية فوزه بمقعد عضوية المجلس، إلا أنه فوجئ بقيام اللجنة بإعادة الفرز مرة أخرى، مع خلط الأوراق في صندوق واحد، بما أدى إلى تساويه مع المنافس اللاحق له في ترتيب الأصوات، وإعلان فوز الأخير بمقعد مجلس النقابة، مما دعاه إلى إقامة الدعوى رقم 45409 لسنة 69 قضائية، أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة (الدائرة الثانية)، ضد نقيب الصحفيين، طالبًا بصفة مستعجلـة وقف تنفيذ قرار اللجنة بإعـادة الفــــرز وما يترتب على ذلك من آثار، أخصها إعلان فوزه بمقعد النقابة، وفى الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه. وبجلسة 23/4/2016، قضت المحكمة بوقف الدعوى، وإحالتها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية نص الفقرة الثالثة من المادة (62) من القانون رقم 76 لسنة 1970 بإنشاء نقابة الصحفيين، لما ارتأته من أن إسناد الفصل في المنازعة الانتخابية لأعضاء مجلس نقابة الصحفيين إلى الدائرة الجنائية بمحكمة النقض، بالرغم من طبيعتها الإدارية، إنما يقع مخالفًا لنص المادة (190) من دستور سنة 2014، الذى خص مجلس الدولة دون غيره الاختصاص بالفصل في جميع المنازعات الإدارية.
      وحيث إن المادة (62) من القانون رقم 76 لسنة 1970 بشأن إنشاء نقابة الصحفيين وبإلغاء القانون رقم 185 لسنة 1955 بتنظيم نقابة الصحفيين، قد نصت على أنه "لوزير الإرشاد القومي أن يطعن في تشكيل الجمعية العمومية وتشكيل مجلس النقابة، وله كذلك حق الطعن في القرارات الصادرة من الجمعية العمومية.
      ولخمس الأعضاء الذين حضروا اجتماع الجمعية العمومية حق الطعن في صحة انعقادها، وفى تشكيل مجلس النقابة.
      ويتم الطعن بتقرير في قلم كتاب محكمة النقض (الدائرة الجنائية) خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ انعقاد الجمعية العمومية بالنسبة لأعضائها، ومن تاريخ الإبلاغ بالنسبة لوزير الإرشاد القومي (النص المحال). ويجب أن يكون الطعن مسببًا.
وتفصل المحكمة في الطعن على وجه الاستعجال بعد سماع أقوال النيابة العامة، والنقيب أو من ينوب عنه، ووكيل الطاعنين، في جلسة سرية".

وحيث إن المصلحة في الدعوى الدستوريـة، وهـى شرط لقبولهـــا، مناطها - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحـة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطـة بها والمطروحة على محكمة الموضـوع، ويستوى في شأن توافر المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو عن طريق الإحالة، والمحكمة الدستورية العليا هي وحدها التي تتحـرى توافر شرط المصلحة في الدعوى الدستورية للتثبت من شروط قبولهـا. ومؤدى ذلك أن الإحالة من محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا لا تفيد بذاتها توافر المصلحة، بل لازمه أن هذه الدعوى لا تكون مقبولة إلا بقدر انعكاس النص التشريعي المحال على النزاع الموضوعي، فيكون الحكم في المطاعن الدستورية لازمًا للفصل في ذلك النزاع. كما جرى قضاء هذه المحكمة على أن المصلحة في الدعوى الدستورية قوامها أن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في مسألة كلية أو فرعية تدور حولها الخصومة بأكملها أو في شق منها في الدعوى الموضوعية. متى كان ذلك، وكان النزاع المردد أمام محكمة الموضوع يدور حول وقف تنفيذ وإلغاء قرار لجنة انتخابات نقابة الصحفيين، بإعادة فرز أوراق التصويت في الانتخابات التى أجريت بتاريخ 20/3/2015، وما يترتب على ذلك من آثار أخصها إعلان فوز المدعى في الدعوى الموضوعية بمقعد مجلس النقابة. وكان الفصل في اختصاص محكمة الموضوع بنظر الطعن في القرار المشار إليه هو من الأمور المتعلقة بالنظام العام، بحكم اتصاله بولاية تلك المحكمة في نظر النزاع والفصل فيه، ومن أجل ذلك كان التصدي له سابق بالضرورة على البحث في موضوعه. وإذ كان النص المحال قد أسند الاختصاص بالفصل في هذا الطعن إلى محكمة النقض (الدائرة الجنائية). ومن ثم، فإن المصلحة تكون متحققة بالنسبة لهذا النص فيما تضمنه من منح الاختصاص لمحكمة النقض (الدائرة الجنائية) بالفصل في الطعن على تشكيل الجمعية العمومية للنقابة، وتشكيل مجلس النقابة، والقرارات الصادرة من الجمعية العمومية للنقابة، باعتبارها قسائم متساوية في شأن اختصاص الدائرة الجنائية بمحكمة النقض بالفصل في الطعون المقامة عنها، بحسبان الفصل في دستوريته سيكون له أثره وانعكاسه على حسم مسألة اختصاص محكمة القضاء الإداري التي تنظر الدعوى الموضوعية بالفصل فيها. وإذ نصت الفقـرة الأخيرة من النص المحال على أن "وتفصـل المحكمة في الطعن ... في جلسة سرية"، وكان هذا الحكـم يرتبط بالنص المحال ارتباطًا لا يقبل الفصل أو التجزئة، الأمر الذى يكون معه مطروحًا حكمًا على هذه المحكمة.


      وحيث إن حكم الإحالة ينعى على النص المحال مخالفته نص المادة (190) من دستور سنة 2014، التي قضت بأن مجلس الدولة جهة قضائية مستقلة، تختص، دون غيرهــا، من جهـات القضاء بالفصل في كافة المنازعات الإدارية ....، وأن النقابات المهنية من أشخاص القانون العام، وتقوم على إدارة مرفق عام، ومن ثمَّ، فإن ما يصدر عنها من قرارات تكون من طبيعة إدارية، مما ينعقد الاختصاص بنظرها لمجلس الدولة. ومن ثم، فلا يجوز للمشرع أن ينتزعها من مجلس الدولة ليسند الاختصاص بنظرها إلى جهة قضائية أخرى.
   وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المشرع الدستوري، بدءًا من دستور سنة 1971 قد حرص على دعم مجلس الدولة، الذي أصبح منذ تنظيمه بنص المادة (172) منه جهة قضـاء قائمة بذاتها، محصنة ضد أي عدوان عليها أو على اختصاصها المقرر دستوريًّا عن طريق المشرع العادي، وهو ما أكده الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 30/3/2011، الذى أورد الحكم ذاته في المادة (48) منه، وكذلك المادة (174) من الدستور الصادر بتاريخ 25/12/2012، وأخيرًا المادة (190) من الدستور الحالي التي تنص على أن "مجلس الدولة جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل في المنازعات الإدارية ......". ولم يقف دعم المشرع الدستوري لمجلس الدولة عند هذا الحد، بل جاوزه إلى إلغاء القيود التي كانت تقف حائلاً بينه وبين ممارسته لاختصاصاته، فاستحدث بالمادة (68) من دستور سنة 1971 نصًّا يقضى بأن التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة، وأن لكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، وتكفل الدولة تقريب جهات القضاء من المتقاضين وسرعة الفصل في القضايا، ويحظر النص في القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء، وهو ما انتهجه نص المادة (21) من الإعلان الدستوري الصادر في 30/3/2011، ونص المادة (75) من الدستور الصادر في 25/12/2012، وقد سار الدستور الحالي على النهج ذاته في المادة (97) منه، وبذلك سقطت جميع النصوص القانونية التي كانت تحظر الطعن في القرارات الإدارية، وأزيلت جميع العوائق التي كانت تحول بين المواطنين والالتجاء إلى مجلس الدولة بوصفه القاضي الطبيعي للمنازعات الإدارية. وإذ كان المشرع الدستوري بنصه في عجز المادة (97) من الدستور الحالي على أن" ولا يحاكم شخص إلا أمام قاضيه الطبيعي"، فقد دل على أن هذا الحق في أصل شرعته هو حق للناس كافة تتكافأ فيه مراكزهم القانونية في سعيهم لرد العدوان على حقوقهم والدفاع عن مصالحهم الذاتية، وأن الناس جميعًا لا يتمايزون فيما بينهم في مجال حقهم في النفاذ إلى قاضيهم الطبيعي، ولا في نطاق القواعد الإجرائية أو الموضوعية التي تحكم الخصومة القضائية، ولا في مجال التداعي بشأن الحقوق المدعى بها وفق مقاييس موحدة عند توافر شروطها، إذ ينبغي دائمًا أن يكون للخصومة الواحدة قواعد موحدة، سواء في مجال اقتضائها أو الدفاع عنها أو الطعن في الأحكام التى تصدر فيها. وكان مجلس الدولة قد غدا في ضوء الأحكام المتقدمة قاضى القانون العام، وصاحب الولاية العامة، دون غيره من جهات القضاء، في الفصل في كافة المنازعات الإدارية، عدا ما استثناه الدستور ذاته بنصوص صريحة ضمنها وثيقته.

      وحيث إن الدستور الحالي قد نص في مادته (76) على أن "إنشاء النقابات والاتحادات على أساس ديمقراطي حق يكفله القانون، وتكون لها الشخصية الاعتبارية، وتمارس نشاطها بحرية، وتسهم في رفع مستوى الكفاءة بين أعضائها والدفاع عن حقوقهم، وحماية مصالحهم". كما نص في المادة (77) منه على أن "ينظم القانون إنشاء النقابات المهنية وإدارتها على أساس ديمقراطي، ويكفل استقلالها ويحدد مواردها، وطريقة قيد أعضائها، ومساءلتهم عن سلوكهم في ممارسة نشاطهم المهني، وفقًا لمواثيق الشرف الأخلاقية والمهنية.....".
      وحيث إنه باستعراض أحكام القانون رقم 76 لسنة 1970 المشار إليه يتبين أنه أنشأ نقابة للصحفيين في البلاد مقرها القاهرة، تتوافر لها جميع مقومات النقابات المهنية، ومنحها الشخصية الاعتبارية، وأجاز إنشاء فروع لها في المحافظات، وحدد كيفية تشكيلها، وعضويتها، وأهدافها، وجداول القيد وشروط العضوية، مبينًا ما للصحفى من حقوق، وما عليه من واجبات والتزامات يخضع لها في أدائه لعمله.



      وحيث إنه لما كان ذلك، وكانت نقابة الصحفيين تعتبر من أشخاص القانون العام، وهي مرفق عام مهني، وقد منحها قانون إنشائها قدرًا من السلطة العامة في مجال مباشرتها لأعمالها، فإن الطعن في تشكيل الجمعية العمومية، والانتخابات المتعلقة بتشكيل مجلس النقابة، التي تتصل في حقيقتها ببنيان النقابة، والأجهزة القائمة على تسيير شئونها، وكـذا الطعـون في القرارات الصـادرة من الجمعية العمومية، تُعد جميعها بهذا الوصف منازعـات إدارية بطبيعتها. ومن ثم، ينعقد الاختصاص بنظرها حصرًا لمجلس الدولة، بهيئة قضاء إداري، إعمالاً لنص المادة (190) من الدستور، والمادة العاشرة من قانون مجلس الدولة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 47 لسنة 1972.

وحيث إنه لما كان ذلك، وكان نص الفقرة الثالثة من المادة (62) من القانون رقم 76 لسنة 1970 المشار إليه، قد عهد بالاختصاص بالفصل في الطعن في تشكيل الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين وتشكيل مجلس النقابة، والقرارات الصادرة من الجمعية العمومية إلى الدائرة الجنائية بمحكمة النقض، على الرغم من أن هذه المنازعة تدخل في عداد المنازعات الإدارية بطبيعتها، لتعلقها بمرفق عام مهني يتمتع بقدر من السلطة العامة، فإن مسلك المشرع على هذا النحو يكون مصادمًا لأحكام الدستور، الذى أضحى بمقتضاه مجلس الدولة، دون غيره، هو صاحب الولاية في المنازعات الإدارية، وقاضيها الطبيعي. ومن ثم، يمثل هذا النص اعتداءً على استقلال القضاء، وانتقاصًا من اختصاص مجلس الدولة، فوق كونه يمثل خروجًا من المشرع عن نطاق التزامه الدستوري المقرر بمقتضى نص المادة (92/2) من الدستور، التي وضعت قيدًا عامًا على سلطة المشرع في مجال تنظيم ممارسة الحقوق والحريات، بألا يمس التنظيم الذى يقره أصل الحق أو الحرية وجوهر، بما يوقع هذا النص في حومة مخالفة نصوص المواد (92، 94 و97 و184 و190) من الدستور.


وحيث إن المادة (187) من الدستور تنص على أن "جلسات المحاكم علنية، إلا إذا قررت المحكمة سريتها مراعاة للنظام العام أو الآداب، وفى جميع الأحوال يكون النطق بالحكم في جلسة علنية"، بما لازمه أن الأصل في نظر الدعوى أمام المحكمة المختصة يكون في جلسة علنية"، واستثناءً من ذلك الأصل، أجاز المشرع الدستوري نظر الدعوى في جلسة سرية، استجابة لاعتبارات النظام العام أو الآداب، وجعل تقدير ذلك للمحكمة المختصة. إلا أنه قد استوجب، وفى جميع الأحوال، النطق بالحكم في جلسة علنية. لما كان ذلك، وكان عجز الفقرة الأخيرة من النص المحال قد جعل فصل المحكمة في الطعن في جلسة سرية، وجاء هذا الحكم عامًا مطلقًا ليشمل نظر الدعوى والفصل فيها، دون التزام الضوابط التي قررها الدستور في هذا الشأن، فإنه يكون مصادمًا لنص المادة (187) من الدستور، متعينًا معه القضاء بعدم دستورية عبارة "في جلسة سرية" الواردة بعجز هذا النص.

وحيث إن النيابة العامـة طبقًا لنص المادة (189) من الدستور تُعد جزءًا لا يتجزأ من القضاء العادي، وإذ انتهت المحكمة فيما تقدم إلى القضاء بعدم دستورية النص المحال فيما تضمنه من منح الاختصاص لمحكمة النقض بالفصل في نظر الطعون المشار إليها في حدود النطاق المار ذكره، الأمر الذي يستتبع سقوط عبارة "بعد سماع أقوال النيابة العامة" الواردة بعجز الفقرة الأخيرة من النص المحال، لارتباطهــا بالنص المقضي بعـدم دستوريته، ارتباطًا لا يقبـل الفصل أو التجزئة.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية الفقرة الثالثة من المادة (62) من القانون رقم 76 لسنة 1970 بإنشاء نقابة الصحفيين فيما نصت عليه من أن "ويتم الطعن بتقرير في قلم كتاب محكمة النقض (الدائرة الجنائية)"، وعبارة "في جلسة سرية" الواردة بعجز الفقرة الأخيرة من هذا النص، وسقوط عبارة "بعد سماع أقوال النيابة العامة" الواردة في الفقرة الأخيرة من نص المادة المشار إليه.


عدم دستورية قواعد صرف حافز المناطق النائية للكادر الخاص من أعضاء المهن الطبية

الدعوى رقم 126 لسنة 38 ق " دستورية " جلسة 4 / 1 / 2020

 باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من يناير سنة 2020م، الموافق التاسع من جمادى الأولى سنة 1441 هـ.
برئاسة السيد المستشار/ سعيد مرعى عمرو   رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر والدكتور محمد عماد النجار والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان وطارق عبدالعليم أبو العطا            نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى  رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع           أمين السر

أصدرت الحكم الآتى

في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 126 لسنة 38 قضائية " دستورية ".

المقامة من
أسماء زكريا أبو الوفا حسنين
ضد
1 – رئيس مجلس الوزراء
2 – وزير الصحة
3 – محافظ أسوان
4 – مدير عام مديرية الشئون الصحية بأسوان


الإجراءات
      بتاريخ الثاني عشر من ديسمبر سنة 2016، أودعت المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طلبًا للحكم بعدم دستورية: أولاً: نص المادة (12) من قانون تنظيم شئون أعضاء المهن الطبية العاملين بالجهات التابعة لوزارة الصحة والسكان من غير المخاطبين بقوانين أو لوائح خاصة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 14 لسنة 2014. ثانيًا: المادة رقم (1) من قرار وزير الصحة والسكان رقم 575 لسنة 2014 بشأن صرف حافز مناطق نائية للمخاطبين بأحكام قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 14 لسنة 2014.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.

      وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
      ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمـة
      بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن المدعية كانت قد أقامت، بتاريخ 30/4/2015، الدعوى رقم 6649 لسنة 2 قضائية، أمام المحكمة الإدارية بأسوان، طالبة الحكم بأحقيتها في صرف حافز المناطق النائية المنصوص عليه بقرار وزير الصحة والسكان رقم 575 لسنة 2014، بواقع 400% من الأجر الأساسي شهريًّا، اعتبارًا من 1/1/2014، مع ما يترتب على ذلك من آثار، قولاً منها؛ بأنها من خريجي كليات العلوم، وتقيم بمركز إدفو محافظة أسوان، وتعمل أخصائي تحاليل بالإدارة الصحية بإدفو، ولم يُصرف لها حافز المناطق النائية، على الرغم من أنها من الفئات المخاطبة بأحكام القرار بقانون رقم 14 لسنة 2014 المشار إليه. وإبان تحضير الدعوى أمام هيئة مفوضي الدولة بمجلس الدولة، دفعت المدعية بعدم دستورية المادة (12) من ذلك القرار بقانون، والمادة الأولى من قرار وزير الصحة والسكان رقم 575 لسنة 2014. وإذ تدوولت الدعوى أمام المحكمة الإدارية بأسوان فقد صرحت بجلسة 22/11/2016 للمدعية بإقامة الدعوى الدستورية طعنًا على قرار وزير الصحة والسكان رقم 575 لسنة 2014، والمادة (12) من قانون تنظيم شئون أعضاء المهن الطبية العاملين بالجهات التابعة لوزارة الصحة والسكان من غير المخاطبين بقوانين أو لوائح خاصة الصادر بالقرار بقانون رقم 14 لسنة 2014، فأقامت المدعية دعواها الدستورية المعروضة.



وحيث إن المادة رقم (1) من قانون تنظيم شئون أعضاء المهن الطبية العاملين بالجهـات التابعـــة لوزارة الصحة والسكان من غير المخاطبين بقوانين أو لوائح خاصة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 14 لسنة 2014 تنص على أن "تسري أحكام هذا القانون على الأطباء البشريين وأطباء الأسنان والأطباء البيطريين والصيادلة وممارسي وأخصائيى العلاج الطبيعي والتمريض العالي وخريجي كليات العلوم من الكيميائيين والفيزيقيين وهيئات التمريض الفنية والفنيين الصحيين الخاضعين لأحكام قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978، العاملين بالجهات الداخلة في الموازنة العامة للدولة وهى:
* ديوان عام وزارة الصحة والسكان.
* مستشفيات الصحة النفسية.
* المراكز الطبية المتخصصة.
* مديريات الشئون الصحية بالمحافظات والمستشفيات والوحدات الطبية التابعة لها.
* الهيئة العامة للمستشفيات والمعاهد التعليمية والمستشفيات التابعة لها.
* الهيئة القومية للرقابة والبحوث الدوائية.
* الهيئة القومية للبحوث والرقابة على المستحضرات الحيوية.
* مرافق الإسعاف التى لم تضم إلى هيئة الإسعاف المصرية.
وذلك من غير المخاطبين بقوانين أو لوائح خاصة".



      وحيث إن المادة رقم (12) من القرار بقانون المشار إليه تنص على أن "يصرف حافز مناطق نائية بنسبة تتراوح بين (200%) إلى (600%) من الأجر الأساسى للأطباء البشريين وأطباء الأسنان والصيادلة وممارسى وأخصائيى العلاج الطبيعى والتمريض العالى وفنيى التمريض والفنيين الصحيين المغتربين العاملين بالمستشفيات ووحدات الرعاية الصحية التى تقدم خدمة علاجية بمحافظات مطروح والوادى الجديد وأسوان وشمال وجنوب سيناء والبحر الأحمر ومناطق القنطرة شرق بمحافظة الإسماعيلية ومنطقة الواحات البحرية بمحافظة الجيزة، وغيرها من المناطق التى يصدر بشأنها قرار من رئيس مجلس الوزراء باعتبارها منطقة نائية.
      ويُصرف هذا الحافز لغير المغتربين من العاملين المشار إليهم حال بعد مقر عملهم عن عواصم تلك المحافظات، وذلك وفقًا للضوابط التى تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون.
      وتحدد اللائحة التنفيذية قواعد وشروط صرف هذا الحافز، وكذلك ضوابط الاغتراب بين المحافظات.
      ولا يخل صرف الحافز المنصوص عليه في الفقرة الأولى من هذه المادة بما قد يصرف من مزايا لهؤلاء العاملين، من موازنة المحافظة للغرض ذاته في تاريخ العمل بهذا القانون".



      وحيث إن المادة (15) من قرار وزارة الصحة والسكان رقم 236 لسنة 2014، بإصدار اللائحة التنفيذية للقانون رقم 14 لسنة 2014 بتنظيم شئون أعضاء المهن الطبية، تنص على أنه "مع عدم الإخلال بأحكام المادة (12) من القانون، يصرف حافز مناطق نائية للمغتربين من الفئات المنصوص عليها في المادة المذكورة، للعاملين بالمحافظات المحددة بتلك المادة، وما يصدر بشأنه قرار من رئيس مجلس الوزراء باعتبارها منطقة نائية.
      كما يصرف هذا الحافز لغير المغتربين العاملين بهذه المحافظات، إذا كان مقر عملهم يقع على بعد 40 كيلو مترًا على الأقل من عاصمة المحافظة.
      ويصدر بتحديد نسبة الحافز المستحق قرار من وزير الصحة والسكان بناءً على عرض من القطاع العلاجى، يتضمن الحدين الأدنى والأقصى للحافز بالنسبة لكل محافظة على حده في ضوء ما نصت عليه المادة (12) من القانون، وكذلك تدرج الاستحقاق فيما بين الحدين، سواء بالنسبة للمغتربين أو غير المغتربين".



      وحيث إن المادة (1) من قرار وزير الصحة والسكان رقم 575 لسنة 2014 بشأن حافز مناطق نائية للمخاطبين بأحكام قرار رئيس الجمهورية بقانون رقم 14 لسنة 2014، تنص على: "يصرف حافز مناطق نائية لأعضاء المهن الطبية المنصوص عليهم بالمادة (12) من قرار رئيس الجمهورية بقانون رقم 14 لسنة 2014، المغتربين وغير المغتربين، العاملين بالمستشفيات ووحدات الرعاية الصحية التى تقدم خدمة علاجية بالمحافظات والمناطق النائية على النحو الوارد بالجدول المرافق لهذا القرار على أن يصرف الحافز لغير المغتربين حال بعد مقر عملهم عن عواصم تلك المحافظات بمسافة لا تقل عن 50 كيلو متر".



      وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة تُعد شرطًا لقبول الدعوى الدستورية، ومناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات المرتبطة بها المطروحة أمام محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكانت المدعية قد أقامت دعواها الموضوعية بطلب أحقيتها في صرف حافز المناطق النائية المقررة للفئات المخاطبة بأحكام قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 14 لسنة 2014 المشار إليه، وكانت المادة (12) منه بفقرتيها الأولى والثانية، والمادة رقم (1) من قرار وزير الصحة والسكان رقم 575 لسنة 2014 السابق بيانه، قد حالت بينها وبين صرف ذلك الحافز، ومن ثم فإن المصلحة الشخصية والمباشرة للمدعية يتحدد نطاقها في نصى الفقرتين الأولى والثانية من المادة (12) من قانون تنظيم شئون أعضاء المهن الطبية العاملين بالجهات التابعة لوزارة الصحة والسكان من غير المخاطبيـــــن بقوانين أو لوائح خاصـــــة الصادر بقـــــرار رئيس الجمهورية بالقانـــــون رقـــــم 14 لسنة 2014، والمادة رقم (1) من قرار وزير الصحة والسكان رقم 575 لسنة 2014 بشأن صرف حافز مناطق نائية للمخاطبين بأحكام قرار رئيس الجمهورية بقانون رقم 14 لسنة 2014 والجدول المرافق له.



      وحيث إن المدعية تنعى على نص المادة (12) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون المشار إليه أنه مايز بين الكيميائيين والفيزيقيين والأطباء البيطريين، وبين باقى الفئات المخاطبة بنص المادة (1) من القرار بالقانون ذاته، بأن حرمهم من حافز المناطق النائية، كما أقام النص المطعون فيه، ومعه نص المادة (1) من قرار وزير الصحة والسكان رقم 575 لسنة 2014 والجدول المرافق له، تفرقة غير مبررة في نسبة الحافز بين المغتربين وغير المغتربين العاملين بالمحافظات والمناطق النائية، بالمخالفة لنصوص المواد (8، 14، 18، 53) من دستور 2014.



      وحيث إن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن الاستيثاق من توافر الأوضاع الشكلية التى يتطلبها الدستور في قانون ما يعتبر سابقًا بالضرورة على الخوض في أمر اتفاقهما أو تعارضهما مع الأحكام الموضوعية للدستور.



      وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن "الأوضاع الشكلية للنصوص التشريعية المتصلة باقتراحها أو إقرارها أو إصدارها، إنما يتحدد على ضوء ما قررته في شأنها أحكام الدستور المعمول به حين صدورها.



      وحيث إن قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 14 لسنة 2014 بتنظيم شئون أعضاء المهن الطبية العاملين بالجهات التابعة لوزارة الصحة والسكان من غير المخاطبين بقوانين أو لوائح خاصة، عُمل به اعتبارًا من 9/2/2014، ومن ثم فـــــإن أوضاعه الشكلية تحكمها المادة (156) من الدستور الحالـــــى الصـــــادر في 18 يناير 2014.



      وحيث إن المادة (156) من الدستور تنص على أنه "إذا حدث في غير دور انعقاد مجلس النواب ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، يدعو رئيس الجمهورية المجلس لانعقاد طارئ لعرض الأمر عليه. وإذا كان مجلس النواب غير قائم، يجوز لرئيس الجمهورية إصدار قرارات بقوانين، على أن يتم عرضها ومناقشتها والموافقة عليها خلال خمسة عشر يومًا من انعقاد المجلس الجديد، فإذا لم تعرض وتناقش أو إذا عرضت ولم يقرها المجلس، زال بأثر رجعى ما كان لها من قوة القانون، دون حاجة إلى إصدار قرار بذلك، إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها في الفترة السابقة، أو تسوية ما ترتب عليها من آثار".



      وحيث إن مفاد نص المادة (156) من دستور 2014 أنه وإن جعل لرئيس الجمهورية اختصاصًا في إصدار قرارات تكون لها قوة القانون إذا كان مجلس النواب غير قائم، فقد رسم لهذا الاختصاص الاستثنائى حدودًا ضيقة تفرضها طبيعته الاستثنائية، منها ما يتعلق بشروط ممارسته، ومنها ما يتصل بمآل ما قد يصدر من قرارات استنادًا إليه. فأوجب لإعمال سلطة التشريع الاستثنائية أن يكون مجلس النواب غير قائم، وأن تطرأ خلال هذه الغيبة ظروف تتوافر معها حالة الضرورة التى تسوغ لرئيس الجمهورية سرعة مواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير إلى حين انعقاد مجلس النواب، باعتبار أن تلك الظروف هى مناط هذه السلطة وعلة تقريرها. وإذ كان الدستور يتطلب هذين الشرطين لممارسة ذلك الاختصاص التشريعى الاستثنائى، فقد تغيا بهما ألا يتحول هذا الاختصاص إلى سلطة تشريعية كاملة مطلقة لا قيد عليها.



      وحيث إن حالة الضرورة التى يجوز بمقتضاها لرئيس الجمهورية إصدار قرارات بقوانين – طبقًا للشطر الثانى من المادة (156) من الدستور - إنما ينضبط مفهومها بالتماهى مع الاحتياجات التى يوجبها صون مقومات المجتمع الأساسية، وتتقيد حدودها بالمسائل التى ترتبط بمسئولية الدولة قِبَل مواطنيها، وتلتزم تخومها بضمان سير المرافق العامة على نحو يتوخى الصالح العام، ويقارنها حتمًا الاستجابة لما تمليه الاستحقاقات الدستورية في الدولة المدنية، وذلك كله بمراعاة أن تتخذ التشريعات الصادرة في ظل حالة الضرورة من كفالة الحقوق والحريات العامة سياجًا لأهدافها، ومن سيادة القانون ملاذًا يعصمهـا من الخروج على مقتضيـــات الشرعية الدستورية. ولا يعزب عن نظر أن تَحَقُّقَ حالة الضرورة تلك، مع لزوم ما تقدم من ضماناتها، رهن بوجود واقع دستورى مؤقت، ينشأ عن كون السلطة التشريعية الأصلية غير قائمة – مهمــــا كان سبب ذلك أو مدته -، فلا يكتمل في غيبتها البناء الدستورى لنظام الحكم، بالمفهوم الموافق لأحكام الباب الخامس من الدستور، مما يستنهـض تدخلاً استثنائيًّا من رئيس الجمهورية، بإصدار قرارات بقوانين، تلازمها شرعية دستورية مؤقتة، حتى تخضع لرقابة مجلس النواب الجديد، في المواعيد وبالإجراءات المقـــــــــــررة في نص المادة (156) من الدستور، ولا يحول إقرارها منه، دون خضوعها لرقابة قضائية على دستورية الأوضاع الشكلية، والأحكام الموضوعية للقرارات بالقوانين المشار إليها، التى تباشرها المحكمة الدستورية العليا، دون غيرها، طبقًا للأوضاع المقررة في قانونها، وليغدو التنظيم الدستورى لإصدار رئيس الجمهورية قرارات بقوانين – وفق السياق الفائت بيانه – محققًا الفصل بين سلطات الدولة، مقيمًا التوازن بينها، ضامنًا قوامًا ديمقراطيًّا لنظام الدولة ، وذلك على ما تجرى به أحكام المادتين (1، 5) من الدستور ذاته.



      وحيث إن البين من مطالعة تقرير لجنة الشئون الصحية والبيئية لمجلس النواب، المعقودة في 13 من يناير سنة 2016 - المنوط بها مناقشة القرار بالقانون المشار إليه - أن فلسفته وأهدافه قوامها رعاية مصالح المخاطبين بأحكامه، وقد أورد التقرير في هذا السياق ما نصه "إن بعض المهن الطبية، وعلى الأخص المهن المعاونة لها، لم تصدر بشأنها قرارات تنظيم الشئون الوظيفية لمزاولتها، كما أن الأجور والمزايا المالية التى يتلقاها أعضاء هذه المهن لا تتناسب مع أعباء مسئوليتهم، خاصة إذا ما قورنت بالأجور والمزايا المالية التى يحصل عليها أقرانهم بالقطاع الخاص أو الجهات التى ينظم شئونها قوانين ولوائح خاصة، في الوقت الذى تتضاءل فيه القيمة السوقية للأجور التى يحصلون عليها، وتزداد إغراءات العمل بالقطاع غير الحكومى سواء كان المحلى أو الخارجى، مما يقتضى إعادة النظر في المعاملة المالية لهذا القطاع من قطاعات الدولة، مما يشجع على استمرار العاملين به في البقاء بمواقعهم وعدم الاستجابة للإغراءات التى يلوح بها القطاع الخاص، لا سيما وأن السياسة العامة للدولة تتجه إلى تطوير القطاع الصحى وتحسين الخدمات الطبية المقدمة للمواطنين، ولن ينهض هذا القطاع إلا بتوفير الرعاية المادية والمعنوية المناسبة للعاملين الذين هم العمود الفقرى لتقديم خدمة صحية ذات جودة وفاعلية". متى كان ذلك، وكان ثبوت تدنى المعاملة المالية لأعضاء المهن الطبية العاملين بالجهات التابعة لوزارة الصحة والسكان من غير المخاطبين بقوانين أو لوائح خاصة، قبل صدور القرار بالقانون المشار إليه، في ظل عدم اكتمال البنيان الدستورى للدولة وقتئذ، وفى غيبة رئيس جمهورية منتخب، وعدم وجود حياة نيابية، لعدم انتخاب مجلس النواب القائم على شئون السلطة التشريعية الأصلية، فقد كان من شأن اجتماع هذه الظروف الاستثنائية التى ألمت بالبلاد ما أوجب على رئيس الجمهورية المؤقت الإسراع في إصدار القرار بالقانون المشار إليه، إيقانًا بحلول خطر جسيم هدد سير المرافق الصحية الحكومية، على نحو كان معه التراخى في مواجهته، يُعد إخلالاً من الدولة بالتزامها الدستورى بالرعاية الصحية المتكاملة للمواطنين، وتحقيق العدالة الاجتماعية لقطاع منهم بما يضمن حياة كريمة لهم. ومن ثم يكون إصدار رئيس الجمهورية المؤقت القرار بالقانون رقم 14 لسنة 2014 المشار إليه، قد التزم ضوابط حالة الضرورة المعدودة قيدًا أوليًّا على مباشـــــــــرة رئيس الجمهورية اختصاصــــــــــــــــــــــه الاستثنائى بإصدار قرارات بقوانين. إذ كان ذلك، وكان البين أن مجلس النواب التالى في انتخابه لصدور القرار بالقانون المشار إليه، قد تمت دعوته للانعقاد للدور العادى السنوى الأول بتاريخ 10/1/2016، وذلك طبقًا لقرار رئيس الجمهورية المنتخب رقم 561 لسنة 2015، وكان هذا المجلس قد أحال بجلسته المعقودة في 12/1/2016 ذلك القرار بالقانون إلى لجنة الشئون الصحية والبيئية به، وكان المجلس ذاته قد وافق عليه بجلسته المعقودة في 19/1/2016، بما يكون معه قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 14 لسنة 2014 المشار إليه، وقد تم عرضه ومناقشته والموافقة عليه خلال خمسة عشر يومًا من انعقاد المجلس الجديد، جاء مستوفيًا للأوضاع الشكلية التالية لصدوره، على النحو الذى انتظمته أحكام المادة (156) من الدستور القائم.



      وحيث إنه عن مدى توافق النصوص التشريعية التى تحدد فيها نطاق الدعوى المعروضة، مع الضوابط الموضوعية التى حواها الدستور، فقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن "الأصل في السلطة التى يملكها المشرع في مجال تنظيمه الحقوق هو إطلاقها ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة، منها أن هذا التنظيم ينبغى ألا يؤدى إلى إجراء تمييز تحكمى فيما بين أصحاب المراكز القانونية المتكافئة بلا أساس موضوعى يبرره".



      وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن "المراكز القانونية التى يتعلق بها تطبيق مبدأ المســــــــــــاواة أمام القانون وفقًا لنص المادة (40) من دستور 1971 - المقابلة للمادة 53 من الدستور الحالى - هى تلك التى تتحدد في العناصر التى تكون كلاً منها – لا باعتبارها عناصر واقعية – بل بوصفها عناصر أدخلها المشرع في اعتباره مرتبًا عليها أثرًا قانونيًّا، فلا يكون ترابطها إلا منشئًا لذلك المركز القانونى الذى يضمها".



     



      وحيث استقر قضاء المحكمة الدستورية العليا على أن الدستور وإن قرن العدل بكثير من النصوص التى تضمنها، فنصت عليه المواد (4، 8، 27، 38، 177) منه، وخلا في الوقت ذاته من كل تحديد لمعناه، فإن مفهوم العدل – سواء بمبناه أو أبعاده – يتعين أن يكون محددًا من منظور اجتماعى، باعتبار أن العدل يتغيا التعبير عن تلك القيم الاجتماعية التى لا تنفصل عن الجماعة في حركتها، والتى تتبلور مقاييسها في شأن ما يعتبر حقًا لديها، فلا يكون العدل مفهومًا مطلقًا باطراد بل مرنًا متغيرًا وفقًا لمعايير الضمير الاجتمـــــــــــــــــاعى ومستوياتها، وهو بذلك لا يعدو أن يكون نهجًا متواصلاً منبسطًا على أشكال من الحياة تتعدد ألوانها، وازنًا بالقسط تلك الأعباء التى يفرضها المشرع على المواطنين، فلا تكون وطأتها على بعضهم عدوانًا، بل تطبيقها بينهم إنصافًا، وإلا كان القانون منهيًّا للتوافق في مجال تنفيذه وغدا إلغاؤه لازمًا".



      وحيث اطرد قضـــــــــــــــــــاء المحكمـــــــــــة الدستورية العليا على أن "عدالة الأجر لا تنفصل عن الأعمال التى يؤديها العامل، ســـــــــــــــواء في نوعها أو كمها، فلا عمل بلا أجر، ولا يكون الأجر مقابلاً للعمل إلا بشرطين، أولهما: أن يكون متناسبًا مع الأعمال التى أداها العامل، مُقدرًا بمراعاة أهميتها وصعوبتها وتعقدها وزمن إنجازها وغير ذلك من العناصر الواقعية التى يتحدد على ضوئها نطاقها ووزنها. ثانيهما: أن يكون ضابط التقدير موحدًا، فلا تتعدد معايير هذا التقدير بما يباعد بينها وبين الأسس الموضوعية لتحديد الأجر، وهو ما يعنى بالضرورة ألا يكون مقدار الأجر محددًا التواءً أو انحرافًا، فلا يمتاز بعض العمال عن بعض إلا بالنظر إلى طبيعة الأعمال التى يؤدونها وأهميتها، فإذا كان عملهم واحدًا، فإن الأجر المقرر لجميعهم ينبغى أن يكون متماثلاً، بما مؤداه أن قاعدة التماثل في الأجر للأعمال ذاتها تفرضها وتقتضيها موضوعية الشروط التى يتحدد الأجر في نطاقها".



      وحيث إن "ضمان الدستور للحق في الملكية – وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - لا يقتصر على صون ما يكون قائمًا منها فعلاً، وإنما تمتد حمايته إلى فرص كسبها، والأصل فيها الإطلاق، فلا يجوز تقييدها دون ما ضرورة تقتضيها مصلحة مشروعة.



      وحيث إن الدستور نص في المادة (18) على أن "تلتزم الدولة بتحسين أوضاع الأطباء وهيئات التمريض والعاملين في القطاع الصحى"، وعُنى بضمان توفير الرعاية الصحية لكل مواطن، وفقًا لمعايير الجودة، بحسبانها العمود الفقرى للحياة الكريمة للإنسان، فأقر ذلك حقًا لكل مواطن، يستوجب التزام الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى على الصحة لا يقل عن 3% من إجمالى الناتج القومى، يتصاعد تدريجيًّا حتى تتفق مع المعدلات العالمية. وإذ كان ذلك محور اهتمام الدستور ومبتغاه، فقد أفصح الدستور عن المفترض الرئيسى لضمان بلوغ هذا الهدف، بإلقائه التزامًا على الدولة لتحسين أوضاع سائر العاملين في القطاع الصحى، قاصدًا من ذلك توفير الدعائم الأساسية لتحقيق هذا الهدف. وهكذا فقد بات تحسين أوضاعهم أحد التزامات الدولة التى ألقاها الدستور على عاتق المشرع، وسائر أجهزة الدولة، كلّ في حدود اختصاصه.



      متى كان ما تقدم، وكان نصا الفقرتين الأولى والثانية من المادة (12) من قانون تنظيم شئون أعضاء المهن الطبية العاملين بالجهات التابعة لوزارة الصحة والسكان من غير المخاطبين بقوانين أو لوائح خاصة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 14 لسنة 2014، قد قصرا صرف حافز المناطق النائية على المغتربين وغير المغتربين من الفئات المبينة بنص تلك المادة، دون الأطباء البيطريين وخريجى كليات العلوم من الكيميائيين والفيزيقيين المخاطبين بأحكام القرار بالقانون ذاته، على ما جرى به نص المادة الأولى منه، فإن النصين المطعون عليهما يكونان قد أقاما تمييزًا تحكميًّا منهيًّا عنه بين أصحــــــاب مراكز قانونية ذات عناصر متكافئة، في خصوص سبب استحقـاق الحافـــز الفائت بيانــــــه، ومن ثم يغدو هذان النصان قد أخلا بمبدأى المساواة والعدل، وجاءا مصادمين للحق في العمل، ومفتئتين على حق الملكية الخاصة، مهدرين التزامًا على الدولة بتحسين أوضاع العاملين في المجال الصحى، ولازمه مخالفتهما للمواد (4، 8، 12، 18، 35، 53) من دستور سنة 2014.



      وحيث إنه نظرًا للارتباط الذى لا يقبل الفصل أو التجزئة بين نصى الفقرتين الأولى والثانية من المادة (12) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 14 لسنة 2014 المشار إليه، وبين نص المادة (15) من قرار وزارة الصحة والسكان رقم 236 لسنة 2014 بإصدار اللائحة التنفيذية لذلك القرار بقانون، وإذ انتهت المحكمة فيما تقدم إلى عدم دستورية نصى الفقرتين الأولى والثانية من المادة (12) المار بيانهما، فمن ثم يترتب على ذلك سقوط نص المادة (15) من اللائحة التنفيذية المشار إليها في مجال تطبيق النصين المقضى بعدم دستوريتهما.



      وحيث إن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن "إخطار المخاطبين بالقاعدة القانونية بمضمونها يعتبر شرطًا لإنبائهم بمحتواها، وكان نفاذها من ثمَّ يفترض إعلانها من خلال نشرها، وحلول الميعاد المحدد لبدء سريانها، وكان ذلك مؤداه: أن دخول القاعدة القانونية مرحلة التنفيذ مرتبط بواقعتين تجريان معًا وتتكاملان، هما نشرها وانقضاء المدة التى حددها المشرع لبدء العمل بها.



      وحيث استقر قضاء هذه المحكمة على أن "كل قاعدة قانونية لا تكتمل في شأنها الأوضاع الشكلية التى تطلبها الدستور فيها، كتلك المتعلقة باقتراحها أو إقرارها أو إصدارها أو شروط نفادها، إنما تفقد مقوماتها باعتبارها كذلك، فلا يستقيم بنيانها، وكان تطبيقها في شأن المشمولين بحكمها – مع افتقارها لقوالبها الشكلية – لا يلتئم ومفهوم الدولة القانونية التى لا يتصور وجودها ولا مشروعية مباشرتها لسلطاتها، بعيدًا عن خضوعها للقانون وسموه عليها باعتباره قيدًا على كل تصرفاتها وأعمالها".



      وحيث إن قرار وزير الصحة والسكان رقم 575 لسنة 2014 المشار إليه، قد صدر استنادًا إلى نص المادة (12) من قانون تنظيم شئون أعضاء المهن الطبية العاملين بالجهات التابعة لوزارة الصحة والسكان من غير المخاطبين بقوانين أو لوائح خاصة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 14 لسنة 2014، وقرار وزارة الصحة والسكان رقم 236 لسنة 2014 بإصدار اللائحة التنفيذية للقانون المشار إليه، وقد تضمن قواعد عامة مجردة تناولت بالتنظيم الأوضاع الخاصة لصرف حافز المناطق النائية المقرر بنص المادة (12) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 14 لسنة 2014 سالفة البيان، كما تضمن تعديل أحكام المادة (15) من اللائحة التنفيذية لهذا القانون.
وحيث إن الثابت من كتاب الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية المؤرخ 20/7/2017، عدم نشر قرار وزير الصحة والسكان رقم 575 لسنة 2014 المشار إليه بالجريدة الرسمية، فلا يكون له وجود قانونًا، لعدم اكتمال مقومات نفاذه التي اعتبر الدستور توافرها شرطًا لتنظيم الحقوق والحريات، والواجبات المتصلة بها، مما يكون معه القرار المشار إليه مخالفًا لنصى المادتين (94، 225/1) من الدستور.
فلهــذه الأسبــاب
            حكمت المحكمة:
أولاً:    بعدم دستورية نصى الفقرتين الأولى والثانية من المادة (12) من قانون تنظيم شئون أعضاء المهن الطبية العاملين بالجهات التابعة لوزارة الصحة والسكان من غير المخاطبين بقوانين أو لوائح خاصة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 14 لسنة 2014، فيما تضمناه من قصر صرف حافز مناطق نائية على المغتربين وغير المغتربين من الفئات المخاطبة بحكم المادة الأولى من قرار رئيس الجمهوريــة بالقانون المشار إليه دون الأطبـاء البيطريين وخريجي كليات العلوم من الكيميائيين والفيزيقيين.
ثانيًا:    بعدم دستورية قرار وزير الصحة والسكان رقم 575 لسنة 2014 بشأن صرف حافز مناطق نائية للمخاطبين بأحكام قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 14 لسنة 2014 المشار إليه.
ثالثًا:   بسقوط نص المادة (15) من قرار وزارة الصحة والسكان رقم 236 لسنة 2014 بإصدار اللائحة التنفيذية لقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 14 لسنة 2014 بتنظيم شئون أعضاء المهن الطبية، في مجال تطبيق نصى الفقرتين الأولى والثانية من المادة (12) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون المشار إليه.