جلسة 23 من يناير سنة 1993
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد محمود الدكروري - نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأستاذة/ محمد مجدي محمد خليل وعويس عبد الوهاب عويس وعلي عوض صالح وحسني سيد محمد - نواب رئيس مجلس الدولة.
--------------
(60)
الطعن رقم 761 لسنة 37 القضائية
(أ) مجلس الدولة - اختصاصه - ما يدخل في هذا الاختصاص - منازعات العاملين ببنك الاستثمار القومي.
بنك الاستثمار القومي شخص معنوي عام يتبع وزير التخطيط ويتولى الجهاز المركزي للمحاسبات مراجعة حساباته سنوياً - تسري على العاملين به لائحة نظام العاملين بالهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة كما يسري قانون العاملين المدنيين بالدولة فيما لم يرد به نص خاص فيها - أساس ذلك:
القانون رقم 119 لسنة 1980 بإنشاء بنك الاستثمار القومي وقرار رئيس الجمهورية رقم 29 لسنة 1981 - أُنشئ هذا البنك في إطار السلطة العامة ليقوم على تعبئة المدخرات المتولدة لدى الحكومة والهيئات العامة ويتولى تمويل مشروعات الحكومة والقطاع العام وهو بهذه المثابة شخص معنوي عام يدير مرفقاً من المرافق العامة للدولة - أثر ذلك: اعتبار العاملين بالبنك موظفين عموميين والقرارات الصادرة في شأنهم قرارات إدارية تدخل في اختصاص مجلس الدولة - تطبيق.
(ب) بنك الاستثمار القومي - العاملون به - حقوق الموفد لدورة تدريبية بالخارج - بدل السفر المادة (63) من لائحة العاملين ببنك الاستثمار القومي.
جواز التنازل عن بدل السفر المقرر عن الدورة التدريبية بالخارج مقابل استضافة الجهة الموفد إليها المتدرب مع احتفاظه بكامل مرتبه ومكافآته وحوافزه ومقابل الجهود غير العادية - تطبيق.
إجراءات الطعن
في يوم الأربعاء الموافق 5/ 2/ 1986 أودع الأستاذ/ محمود الشربيني المحامي بصفته وكيلاً عن الممثل القانوني لبنك الاستثمار القومي (الطاعن) قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن قيد بجدولها العام تحت رقم 761 لسنة 37 ق. ع في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري دائرة التسويات بجلسة 25/ 12/ 1985 في الدعوى رقم 434 لسنة 38 ق المقامة من المطعون ضدهما ضد الطاعن والذي قضى بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بأحقية المدعيين لبدل السفر المستحق لهما عن مدة إيفادهما في إيطاليا لدورة تدريبية في المدة من 8 مايو سنة 1983 حتى 8 يوليو سنة 1983 وذلك على الوجه المبين بالأسباب وألزمت البنك المدعى عليه بالمصروفات.
وطلب الطاعن في ختام تقرير طعنه وللأسباب الواردة فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع أصلياً ببطلان الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة القضاء الإداري لتفصل فيها دائرة أخرى غير التي أصدرت الحكم المطعون فيه واحتياطياً بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض دعوى المطعون ضدهما مع إلزامهما مصروفاتها ومصروفات الطعن وخلال نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون وأمام المحكمة حضر المطعون ضدهما أكثر من جلسة وقدما بجلسة 9/ 3/ 1992 مذكرة دفاع وحافظة مستندات ومن ثم يكون حضورهما أمام المحكمة قد حل محل إعلانهما قانوناً بتقرير الطعن.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجدداً برفض الدعوى وإلزام المطعون ضدهما المصروفات والأتعاب عن درجتي التقاضي.
وقد تحددت جلسة 25/ 11/ 1991 لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة فتداولت نظره بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها إلى أن قررت بجلسة 8/ 6/ 1992 إحالته إلى هذه المحكمة حيث عينت لنظره جلسة 4/ 7/ 1992 م وتداولت المحكمة نظره بها بالجلسات التالية على النحو الثابت بمحاضر الجلسات إلى أن قررت بجلسة 10/ 10/ 1992 إصدار الحكم بجلسة 5/ 12/ 1992، ثم قررت مد أجل النطق به لجلسة اليوم وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية فإنه يكون مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص حسبما يبين من أوراقها في أن المطعون ضدهما أقاما بتاريخ 29/ 10/ 1983 الدعوى رقم 434 لسنة 38 ق ضد الطاعن بصفته أمام محكمة القضاء الإداري (دائرة التسويات) بطلب الحكم بأن يدفع المدعى عليه مبلغ 3059.325 مليمجـ للمدعي الأول ومبلغ 4052.450 مليمجـ للمدعية الثانية مع الفوائد القانونية المستحقة لكل منهما من تاريخ المطالبة القضائية مع إلزام الجهة المدعى عليها بالمصروفات.
وقالا شرحاً لدعواهما أنهما يعملان بالبنك المدعى عليه في وظيفة باحث بقطاع المعلومات والبحوث وكانا قد اجتازا بتفوق دورة تدريبيه بمركز الحاسب الآلي بجامعة عين شمس واستكمالاً لهذه الدورة كفلهما البنك بحضور دورة تدريبية أخرى في إيطاليا نظمتها الحكومة الإيطالية وهيئة اليونسكو في المدة من 8 مايو سنة 1983 حتى 8 من يوليو سنة 1983 وذلك لدراسة نظم المعلومات والحاسبات الالكترونية وقام المسئولون في البنك باستدعائهما حيث أوضحوا لهما أنه يتعين عليهما أن يوقعا إقراراً بالتنازل عن مستحقاتهما المقررة بلائحة العاملين بالبنك فيما يتعلق ببدل السفر وإلا فإنهما لن يقوما بهذه المهمة التدريبية واستجابة لهذا الطلب وقع المدعيان تعهداً بالتنازل عن مستحقاتهما باللائحة مقابل حصول كل منهما على المرتب والجهود والحوافز للإنفاق على أسرته أثناء السفر.
وبعد وصولهما إلى إيطاليا تبين لهما أن ما يصرف لهما هو خمسة وعشرون دولاراً في اليوم ونظراً لارتفاع نفقات المعيشة فقد اضطرا للاستدانة حتى يمكنهما استكمال الدورة التدريبية وتمكنا من اجتياز الدورة والعودة لأرض الوطن وعقب عودتهما تقدما بعدة تظلمات إلى المسئولين بالبنك أوضحا فيها أن إقرارهما بالتنازل مخالفاً للنظام العام فضلاً عن أنهما وقعاه تحت إكراه أدبي يتمثل في عدم الموافقة على قيامهما بالدورة التدريبية واستطرد المدعيان قائلين أنهما كانا في مهمة رسمية تتعلق بنشاط عملهما في البنك وأنهما بناءً على ذلك يستحقان بدل السفر المقرر لهذه المهمة مع خصم ما تم صرفه لهما طوال فترة التدريب وأنهما المدعيان قدما عريضة دعواهما بطلب الحكم لهما بطلباتهما المنوه عنها آنفاً.
وبجلسة 25/ 12/ 1985 أصدرت المحكمة حكمها محل هذا الطعن وأقامته على أساس أن البنك المدعى عليه أصدر القرار رقم 10 لسنة 1983 بالتصريح بسفر المدعيين إلى إيطاليا في إجازة دراسية مدفوعة الحوافز والجهود لحضور الدورة التدريبية التي نظمها معهد سيزم بإيطاليا في المدة من 9 مايو حتى 8 يوليو سنة 1983 وأنه طبقاً لنص المادة 63 من لائحة العاملين بالهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة المطبقة على العاملين ببنك الاستثمار القومي بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 29 لسنة 1981 م يكون من حق المدعيين أن يصرفا بدل السفر المقرر لهما وفقاً للائحة العاملين بالبنك أثناء فترة إيفادهما إلى الخارج في بعثتهما التدريبية وما دامت الجهة التي أوفدا إليها قد تحملت بنفقات السكن ومصروفات الغذاء فينخفض بدل السفر المستحق لهما بنسبة الربع كما يخصم من هذا البدل أية مبالغ نقدية أخرى تكون تلك الجهة قد دفعتها إليهما.
ولا أثر للتنازل الموقع عليه منهما قبل سفرهما على حق المدعيين في المطالبة لما يكون مستحقاً لهما وفقاً للقانون ولائحة العاملين بالبنك ذلك أن العلاقة التي تربط الموظف بالإدارة ليست علاقة تعاقدية ينظمها العقد إنما هي علاقة تنظيمية تخضع للقوانين واللوائح الصادرة في هذا الشأن ولا يجوز الاتفاق على ما يخالفهما نظراً لتعلقها بالصالح العام.
ومن حيث إن هذا الطعن يقوم على أسباب حاصلها بطلان الحكم ومخالفته للقانون والخطأ في تطبيقه على الوجه الآتي أولاً: الثابت من مطالعة تقرير مفوض الدولة المودع في الدعوى محل الطعن أنه اقتصر على عدم اختصاص محاكم مجلس الدولة ولائياً بنظر الدعوى دون أن يتصدى لموضوعها إلا أن محكمة الموضوع تصدت إبان نظرها لتلك الدعوى لموضوعها وأصدرت الحكم المطعون فيه قاضياً في شقيها الشكلي والموضوعي وبذلك يكون قد شابه البطلان. للفصل في موضوع الدعوى قبل أن تقوم هيئة مفوضي الدولة بتهيئته للمرافعة وتقديم تقريرها في موضوعه.
ثانياً: أن ما تم صرفه للمدعيين سواء داخل الجمهورية من مرتب وحوافز وجهود أو خارجها أثناء تواجدهما في دورتهما التدريبية بإيطاليا فيه إثراء على حساب الدولة نظراً لاستضافتهما استضافة كاملة لمواجهة ظروف المعيشة في البلد الذي تم فيه التدريب أما في الداخل فقد تقدم كل منهما بطلب لإدارة البنك بأن يصرف له مرتبه كاملاً بالإضافة إلى الحوافز والجهود غير العادية والمكافآت الدورية ليتم لهما ولأسرتيهما مواجهة أعباء المعيشة في مصر حيث أجابتهما إدارة البنك لذلك بالرغم من أن الحوافز والجهود غير العادية والمكافآت لا تصرف إلا لمن يكون متواجداً في عمله في مصر ويؤدي أعماله بكفاءة وبصورة مستمرة ومع ذلك وتقديراً لأنهما يتدربان في الخارج صرفت لهما الحوافز والجهود غير العادية والمكافآت مع مرتباتهما كاملة بالإضافة إلى ما يصرف لهما من العملة الأجنبية في إيطاليا وكل هذا في مقابل تنازلهما عن بدل السفر المقرر في اللائحة.
ثالثاً: أن قصور الاعتمادات المالية بالنقد الأجنبي لم يكن يسمح بسفرهما لولا الاتفاقات التي تمت مع المجموعة الأوربية بشأن استضافة المتدربين استضافة كاملة وبناءً على ذلك فإن قرار البنك رقم 10 لسنة 1983 بسفر كل من المطعون ضدهما لم يكن ممكناً تنفيذه وقت صدوره لعدم توافر الاعتماد المالي وأصبح ممكناً تنفيذه بإقرار المطعون ضدهما بالتنازل عن بدل السفر وتحمل المجموعة الأوربية بنفقات الإقامة والإعاشة والمصروفات الأخرى (استضافة كاملة) وأنه لو لم يكن ذلك متاحاً لما أمكن تنفيذ هذا القرار.
رابعاً: أن إيفاد المطعون ضدهما للدورة التدريبية التي نظمها معهد سيزم بجامعة ماديين في موضوع تطبيقات نظم المعلومات في الدول النامية إنما عاد بنفع خاص لهما وليست للبنك الطاعن مصلحة مباشرة تعود عليه بالنفع الخاص الأمر الذي يمتنع معه اعتبار بدل السفر المقرر بهذه اللائحة خاصاً بتلك المهام التدريبية كما أن تنظيم هذه الدورة جاء بالاتفاق بين البنك الطاعن ومعهد CTSM حيث تضمن في عناصره تحميل البنك الطاعن بالنفقات الآتية: 40 دولاراً في اليوم نفقات إقامة ومعيشة 400 دولار بدل كتب ومراجع، 6500 دولاراً تذكرة سفر ذهاب وعودة وكان بإمكان البنك إزاء هذه النفقات الامتناع عن ترشيح المطعون ضدهما وقد سبق ترشيحه لهما ولازمه رغبتهما في السفر ومن أجل ذلك تحرر التنازل المنوه عنه بمحض إرادتهما ومن ثم فقد وقع صحيحاً ومنتجاً لآثاره ويتعين أخذهما به، ولا يجوز لهما بعد ذلك أن ينقضا من جانبهما ما تم صحيحاً على يدهما فضلاً عن أن هذا التنازل إنما كان مراعاة لظروف الاعتماد المالي المخصص بالميزانية بالعملة الصعبة (الدولار) وخلص البنك الطاعن من ذلك إلى أن تنازل المطعون ضدهما عن بدل السفر يعد بمثابة إبراء يرتب انقضاء التزام البنك الطاعن في هذا الشأن.
وأثناء تداول نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة قدم الحاضر عن المطعون ضدهما بجلسة 9/ 7/ 1993 حافظة مستندات ومذكرة دفاع عقب فيها على ما جاء بتقرير الطعن وانتهى إلى طلب رفض الطعن وبجلسة 11/ 5/ 1992 قدم الحاضر عن البنك الطاعن مذكرة دفاع رد فيها على ما جاء بتقرير الطعن وعقب على مذكرة دفاع المطعون ضدهما كما دفع فيها بعدم اختصاص محاكم الدولة ولائياً بنظر الدعوى وطلب إحالتها للقضاء المدني تأسيساً على أن الطبيعة القانونية للبنك الطاعن وفقاً لقانون إنشائه تؤدي إلى أن تكون علاقة العاملين به علاقة تعاقدية خاضعة للقانون الخاص كما قدم حافظة مستندات طويت على صور أحكام وفتاوى.
ومن حيث إنه عن الدفع بعدم اختصاص مجلس الدولة ولائياً بنظر النزاع المطروح فإن المستفاد من نصوص القانون رقم 119 لسنة 1980 بإنشاء بنك الاستثمار القومي (الطاعن) أن هذا البنك شخص معنوي عام إذ يتبع وزير التخطيط ويديره مجلس إدارة برئاسته ويتولى الجهاز المركزي للمحاسبات مراجعة حساباته سنوياً عن طريق مراقبة تنشأ لهذا الغرض وقد صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 29 لسنة 1981 بسريان لائحة نظام العاملين بالهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة على العاملين بالبنك وبأن تسري عليهم أحكام قانون العاملين المدنيين بالدولة فيما لم يرد به نص خاص فيها، ويخلص من ذلك كله أن البنك الطاعن منشأ في إطار السلطة العامة وهو يقوم على تعبئة المدخرات المتولدة لدى الحكومة والهيئات العامة ويتولى تمويل مشروعات الحكومة والقطاع العام ومن ثم فهو يعد شخصاً معنوياً عاماً يدير مرفقاً من المرافق العامة للدولة وبالتالي فإن العاملين فيه تحكمهم به علاقة تنظيمية لائحية ويعتبرون في هذا الإطار موظفين عموميين وتكون القرارات التي تصدرها - سلطات البنك في شأنهم قرارات إدارية كما تكون المنازعات المتعلقة بشئونهم الوظيفية منازعات إدارية تدخل في ولاية واختصاص القضاء الإداري، وبالتالي فإن الدفع بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري ولائياً بنظر الدعوى الماثلة يكون غير سديد ولا أساس له من القانون متعين الرفض.
ومن حيث إنه عن الوجه الأول من أوجه الطعن الخاص ببطلان الحكم المطعون فيه لتصدي المحكمة لموضوع الدعوى والفصل فيه قبل أن تقدم هيئة مفوضي الدولة تقريرها بالرأي القانوني في الموضوع حيث اقتصر النقد المقدم على الشق الخاص بمدى اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى، فإن هذا الوجه مردود بأن قضاء هذه المحكمة استقر على أن هيئة مفوضي الدولة تعتبر أمينة على المنازعة الإدارية وعاملاً أساسياً في تحضيرها وتهيئتها للمرافعة وفي إبداء الرأي القانوني المحايد فيها وقد تضمنت المواد 26، 27، 28 من قانون مجلس الدولة الصادر به القانون رقم 47 لسنة 1972 النص على أن يقوم قلم كتاب المحكمة بإرسال ملف الأوراق إلى هيئة مفوضي الدولة بالمحكمة وتتولى الهيئة المذكورة تحضير الدعوى وتهيئتها للمرافعة ثم بعد إتمام تهيئة الدعوى يودع المفوض تقريراً يحدد فيه وقائع الدعوى والمسائل القانونية التي يثيرها النزاع ويبدي رأيه مسبباً ثم تقوم هيئة مفوضي الدولة بعرض الملف على رئيس المحكمة لتعيين تاريخ الجلسة التي تنظر فيها الدعوى.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن هيئة مفوضي الدولة قامت بتحضير الدعوى وتهيئتها للمرافعة وقدمت تقريراً بالرأي القانوني فيها حددت وقائع الدعوى والمسائل القانونية التي يثيرها النزاع وأبدت رأياً مسبباً في الاختصاص وعرضتها على رئيس المحكمة الذي حدد لها جلسة ومن ثم تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة بعد اتباع الإجراءات التي أشارت إليها المواد سالفة الذكر وبالتالي لا يكون لزاماً على المحكمة بعد ذلك أن تعيد الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لاستيفاء أي جوانب فيها موضوعية كانت هذه الجوانب أو قانونية ولا سند من القانون فيما تمسك به الطاعن من بطلان الحكم المطعون فيه بمقولة أن تقرير هيئة مفوضي الدولة اقتصر على التوصية بعدم اختصاص مجلس الدولة ولائياً بنظر الدعوى دون إبداء الرأي القانوني في موضوعها إذ أن هذا يعد مجرد اجتهاد بالرأي في التقرير لا يؤدي إلى بطلان الحكم حيث لا يوجد ما يوجب قانوناً على المحكمة أن تعيد الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لاستكمال تقريرها بعد أن اتصلت بنظر الدعوى على أساس تسلسل الإجراءات التي أشارت إليها مواد القانون تسلسلاً سليماً. فإذا مرت الدعوى بمراحلها المقررة قانوناً فليس ثمة إلزام من القانون على المحكمة أن تعيد الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لاستيفاء ما تكون قد أغفلته في تحضيرها أو في التقرير الذي أودعته بالرأي القانوني فيها. وبناءً على ما تقدم فإن النعي ببطلان الحكم المطعون فيه لاقتصار تقرير هيئة مفوضي الدولة على رأيها بعم اختصاص مجلس الدولة ولائياً بنظر النزاع الماثل دون إبداء رأيها في الموضوع يكون على غير أساس سليم من القانون متعين الرفض.
ومن حيث إنه عن باقي أوجه الطعن فإن النزاع في الدعوى يدور حول مدى استحقاق المطعون ضدهما لبدل السفر المقرر بالمادة 63 من لائحة العاملين بالبنك وأثر الإقرار بالتنازل عن أحقيتهما في صرف هذا البدل والموقع عليه منهما قبل سفرهما إلى الدورة التدريبية بإيطاليا.
ومن حيث إن المادة 63 من لائحة شئون العاملين بالبنك تنص على أن يصرف للموفدين في بعثات دراسية للتدريب في الخارج بدل السفر المقرر للموفد في مهمة رسمية على أن يخصم من هذا البدل ما قد تتحمل به الجهة الموفد إليها العامل من نفقات ومصاريف وذلك على أساس ربع البدل مقابل كل من السكن ومصروفات الغذاء كما يخصم منه ما قد تدفعه تلك الجهة من مبالغ نقدية للموفد.
ومن حيث إن الماثل بالأوراق أن السيد نائب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لبنك الاستثمار القومي كان قد أصدر بتاريخ 16/ 4/ 1983 القرار رقم 10 لسنة 1983 بالتصريح بسفر المدعيين إلى إيطاليا لحضور الدورة التدريبية التي نظمها معهد سيزم بجامعة بادتين في المدة من 9/ 5/ 1983 حتى 15/ 7/ 1983 وقد منح المدعيان خلال فترة هذه الدورة كامل مرتباتهما ومكافآتهما والحوافز والجهود غير العادية كما لو كانا يؤديان عملهما في البنك وتم صرف هذه المبالغ لهما بناءً على التنازل الموقع عليه منهما بتاريخ 8/ 2/ 1983، 10/ 3/ 1983 وكان ذلك قبل صدور القرار الخاص بالتصريح لهما بالسفر في هذه الدورة والذي روعي في إصداره أثر ومدى التنازل المشار إليه الذي تضمن قبول تنازلهما عما يستحق لهما من بدل السفر عن فترة الدورة مع اشتراطهما للعمل بهذا التنازل أن يمنحا مرتبهما كاملاً شاملاً الحوافز والجهود أثناء التواجد بالخارج "هذا بالإضافة إلى قبولهما مبدأ الاستضافة لدى الجهة الموفد إليها بالخارج أثناء الفترة التدريبية والتي منحتهما مبلغ خمسة وعشرون دولاراً يومياً للسكن مع الإعاشة وذلك طبقاً للاتفاقية المعقودة بين البنك والمجموعة الأوربية المتحملة لقيمة نفقات مثل هذه الدورات وهذا الأمر الذي يجعل عبء تحمل هذه النفقات مرفوعاً عن كاهل البنك فإذا ما تقدم المدعيان بعد ذلك بطلب صرف بدل السفر المستحق لهما طبقاً للمادة 63 من لائحة شئون العاملين بالبنك عن فترة هذه الدورة فإن هذه المطالبة تكون لا سند لها من القانون بناءً على التنازل المشار إليه والذي بمقتضاه قام البنك بصرف مرتبهما كاملاً وملحقاته للإنفاق منه على أسرتيهما أي أن موافقة البنك في هذه الحالة على التصريح لهما بالسفر بالقرار رقم 10 لسنة 1983 وصرف مستحقاتهما بالداخل كاملاً كان استناداً إلى التنازل المقدم منهما عن بدل السفر الأمر الذي يجعل موافقة البنك على هذا السفر مشروطاً بهذا التنازل أمراً سائغاً قانوناً مما يتعين معه أخذ المدعيان به حيث لا يجوز لهما بعد ذلك أن ينقضا من جانبهما ما التزما به وقبلاه ولا يغير من هذا الوضع ما أثاره الحكم المطعون فيه من أن التنازل المشار إليه لا ينتج أثره القانوني لكون علاقة البنك بالمدعيين علاقة لائحية ولا يجوز الاتفاق على ما يخالفها لتعلقها بالصالح العام - ذلك أن بدل السفر مع قبيل الحقوق المالية التي يملك العامل التنازل عن استحقاقه فيها بإرادته طالما يتمثل في هذا التنازل مصلحة له أو يحقق به ميزة يقبلها، طالما كان التنازل في مناسبته له ما يبرره، فإنه لا يوجد ما يحول دون صدوره عن العامل وأخذه به، وهو ما حدث في واقعة النزاع الماثل حيث ارتبط التنازل المتنازع عليه برغبة المدعيين في السفر حيث جاء بالأوراق أن المهمة التي أوفدا إليها هدفها رفع المستوى العلمي لهما في مجال تطبيقات تنظيم المعلومات في الدول النامية ومن أجل هذه الأغراض اتفق على تنظيم هذه الدورات التدريبية كي يفيد منها المدعيان فإذا ما وضع ذلك في الاعتبار انعزلت طبيعة هذه الدراسات التدريبية التي انتفع بها المدعيان عن طبيعة المهام الاعتيادية التي توفد فيها الجهات الإدارية موظفيها في العادة لمصلحة مباشرة تعود عليها بالنفع الخاص مما يمتنع معه القول بعدم جواز التنازل عن المبالغ المستحقة للمدعيين كبدل سفر لهما عن الأيام التي قضيت بإيطاليا في المدة 9/ 5/ 1983 حتى 8/ 7/ 1983 سواء تم ذلك قبل القيام بالمهمة أو بعدها وترتيباً على ذلك تغدو دعوى المدعيين والحال كذلك على غير سند صحيح من القانون خليقة بالرفض وإذ ذهب الحكم المطعون فيه إلى خلافه فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه مما يتعين معه القضاء بإلغائه وبرفض الدعوى وإلزام المدعيين المصروفات عن درجتي التقاضي.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعيين المصروفات.