جلسة 16 من مايو سنة 1993
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل - رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ محمد معروف محمد وعبد القادر هاشم النشار وادوارد غالب سيفين ود. منيب محمد ربيع - المستشارين.
------------------
(122)
الطعن رقم 2381 لسنة 34 القضائية
اختصاص - ما يخرج عن اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري - التكييف القانوني للعقد الإداري - المحكمة الجزئية - ما يدخل في اختصاصها - (مرافعات).
المادة 39 مكرراً من القانون رقم 178 لسنة 1952 بشأن الإصلاح الزراعي المضافة بالقانون رقم 67 لسنة 1975 - المادة 110 من قانون المرافعات المدنية والتجارية.
مناط تحديد اختصاص المحكمة وهو ما حددته حقيقة طلبات الخصوم وفقاً للتكييف السليم والصحيح قانوناً لطلباتهم حسبما تنتهي إليه المحكمة وذلك في ضوء نصوص القانون المحددة للولاية القضائية أو للاختصاص داخل جهات القضاء المختلفة - أساس ذلك: أن العبرة بالمقاصد والمعاني وليس بالألفاظ والمباني - لا يعتبر العقد إدارياً إلا إذا كان أحد طرفيه شخصاً معنوياً عاماً ومتصلاً بإدارة وتسيير مرفق عام ومتضمناً شروطاً غير مألوفة في نطاق القانون الخاص - نتيجة ذلك: إذا تضمن عقد هذه الشروط الثلاثة مجتمعة كان عقداً إدارياً يختص بمنازعاته القضاء الإداري - مجرد صدور قرار من الجهة الإدارية حتى لو كان بحسب التكييف القانوني السديد قراراً إدارياً لا يخلع على عقد غير إداري في جميع الأحوال وبحكم اللازم وصف العقد الإداري - أساس ذلك: إن القرارات الإدارية قد تصدر في المرحلة السابقة على التعاقد الإداري أو اللاحقة له كما أنها قد تصدر سابقة على إبرام عقد مدني بحت أو لاحقة له أو خلال فترة تنفيذه دون أن يغير هذا التصرف من جهة الإدارة منفردة وهي تؤدي وظيفتها التنفيذية من طبيعة العقد المدني - اختصاص المحكمة الجزئية بالفصل في المنازعات الناشئة عن العلاقة الإيجارية من مستأجري الأراضي الزراعية ومالكها - الأثر المترتب على ذلك: عدم اختصاص محاكم مجلس الدولة ولائياً بنظر الدعوى وإحالتها إلى جهة القضاء المدني المختصة - تطبيق.
إجراءات الطعن
في يوم الاثنين الموافق 20/ 6/ 1988 أودعت هيئة قضايا الدولة بصفتها نائبة عن الطاعن قلم كتاب المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها برقم 2381 لسنة 34 ق. ع في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) بجلسة 21/ 4/ 1988 في الدعوى رقم 2219 لسنة 4 ق والقاضي بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وطلب الطاعن - للأسباب الواردة بتقرير الطعن - الحكم بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وفي الموضوع بإلغائه مع إلزام المطعون ضدهم المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقدم السيد الأستاذ المستشار........ مفوض الدولة تقريراً بالرأي القانوني لهيئة مفوضي الدولة في الطعن ارتأى فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة ولائياً بنظر الدعوى، وبإحالتها بحالتها إلى محكمة السويس الجزئية، مع إبقاء الفصل في المصروفات.
وقد تحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة جلسة 4/ 5/ 1992 حيث تم نظر الطعن أمامها بالجلسة المذكورة وتقرر بجلسة 18/ 1/ 1993 إحالة الطعن إلى هذه المحكمة، فنظرته بجلسة 21/ 2/ 1993 وفي عدة جلسات تالية على الوجه المبين بمحاضر الجلسات حتى تقرر إصدار الحكم بجلسة 28/ 3/ 1993 ثم تقرر مد أجل النطق بالحكم لجلسة 25/ 4/ 1993 وبعدها لجلسة اليوم 16/ 5/ 1993 إدارياً، وبهذه الجلسة الأخيرة صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة، وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أن المطعون ضدهم أقاموا الدعوى رقم 2219 لسنة 40 ق بعريضة أودعت قلم كتاب قلم كتاب محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) بتاريخ 16/ 2/ 1986 وطلبوا في ختامها الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه بالاستيلاء على قطعة الأرض موضوع الدعوى، وفي الموضوع بإلغاء هذا القرار مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وذلك على سند من القول أن مورثهم قد استأجر قطعة أرض مساحتها 22 ط 4 ف من الطاعن (المدعى عليه) برقم 2602 حوض رقم (4) غربي الترعة كفر البراجيلي قسم الأربعين محافظة السويس وبموجب عقد إيجار منذ سنة 1932 وقم باستصلاحها وزراعتها، وقام المدعى عليه بالاستيلاء على مساحة 2 فدان بموافقة المدعين من هذه الأرض، ثم فوجئوا بقرار المدعى عليه بالاستيلاء على الأرض المذكورة وفسخ عقد الإيجار الخاص بها بزعم أن الأرض أصبحت غير صالحة للزراعة بعد ردم ترعة المغربي التي هي مصدر الري الوحيد لها، وشرع في إقامة منشآت خاصة بحي الأربعين رغم أنها ما زالت في حيازتهم، ورغم تقدمهم بطلب شراء هذه القطعة باعتبارها أرض بور سبق لمورثهم تحويلها إلى أرض زراعية، إلا أن المدعى عليه عرض هذه الأرض للبيع باعتبارها أرض فضاء.
وبجلسة 21/ 4/ 1988 حكمت المحكمة بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وألزمت الجهة الإدارية بالمصروفات، وشيدت قضاءها على أن منازعة الجهة الإدارية للمدعين في مدى أحقيتهم في التمسك بالأطيان الزراعية المؤجرة لهم وعدم موافقتهم على التعويضات المقدمة إليهم نظير فسخ العقد، هي منازعة مدنية ترتد إلى عقد الإيجار الأصلي وتخضع لأحكام القانون الخاص ولا يكون حسمها إلا بحكم من القضاء المختص ولا يجوز لجهة الإدارة أن تحسمها لصالحها بإرادتها المنفردة بالاستعانة بأسلوب القرار الإداري والتنفيذ المباشر بالطريق الإداري وخلصت المحكمة إلى تحقق ركني الجدية والاستعجال في طلب وقف تنفيذ القرار الصادر بفسخ العقد.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل يقوم على أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون إذ ذهب إلى اعتبار إنذار الجهة الإدارية للمطعون ضدهم بضرورة إخلاء الأرض استئجار مورثهم هو قرار إداري نهائي أثر على المركز القانوني لهم، على الرغم من أن المركز القانوني لهؤلاء قد تحدد بقيام الإدارة بفسخ العقد وهو أمر يتعلق بتنفيذ بنود عقد إيجار الأرض محل المنازعة التي ينعقد الاختصاص بنظرها للمحاكم الجزئية دون سواها عملاً بحكم القانون رقم 67 لسنة 1975، ومن ثم لا يختص القضاء بنظر الدعوى.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن مناط تحديد اختصاص المحكمة هو ما حددته حقيقة طلبات الخصوم وفقاً للتكييف السليم والصحيح قانوناً لطلباتهم حسبما تنتهي إليه المحكمة وذلك فيها بغض النظر عن العبارات المستعملة من الخصوم في تحديد طلباتهم دون اعتساف في تفسيرها أو فهمها وذلك في ضوء نصوص القانون المحددة للولاية القضائية أو للاختصاص داخل جهات القضاء المختلفة فالعبرة بالمقاصد والمعاني وليس بالألفاظ والمباني.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر أيضاً على أن العقد لا يعتبر إدارياً إلا إذا كان أحد طرفيه شخصاً معنوياً عاماً ومتصلاً بإدارة وتسيير مرفق عام ومتضمناً شروطاً غير مألوفة في نطاق القانون الخاص، فإذا تضمن عقد هذه الشروط الثلاثة مجتمعة كان عقداً إدارياً يختص بمنازعاته القضاء الإداري. ومجرد صدور قرار من الجهة الإدارية حتى لو كان بحسب التكييف القانوني السديد قراراً إدارياً لا يخلع على عقد غير إداري في جميع الأحوال وبحكم اللازم وصف العقد الإداري فالقرارات الإدارية قد تصدر في المرحلة السابقة على التعاقد الإداري أو اللاحقة له كما أنها قد تصدر سابقة على إبرام عقد مدني بحت أو لاحقة له أو أثناء خلال فترة تنفيذه دون أن تغير هذا التصرف من جهة الأداء منفردة وهي تؤدي وظيفتها التنفيذية من طبيعة العقد المدني.
ومن حيث إن التكييف القانوني السليم للمنازعة موضوع هذه الدعوى، أنها منازعة تدور في حقيقتها حول حق أو سلطة جهة الإدارة باعتبارها أحد طرفي العلاقة الإيجارية في فسخ عقد الإيجار المبرم بينها والمطعون ضدهم، وهو ما يستلزم بالضرورة تحديد طبيعة هذا العقد وما إذا كان عقداً إدارياً تختص محاكم مجلس الدولة بنظر المنازعات الناشئة عنه، أم أنه من عقود القانون الخاص التي تخضع لولاية القضاء العادي ولا شأن لمحاكم مجلس الدولة بالمنازعات الناشئة عنه.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن مورث المطعون ضدهم كان قد استأجر الأرض الزراعية محل النزاع من مصلحة الأملاك الأميرية بإيجار سنوي قدره 4.800 مليمجـ للفدان الواحد، ثم أخطر جهاز حماية أملاك الدولة الطاعنين بالكتاب المؤرخ 22/ 3/ 1986، بفسخ العقد بسبب انقطاع مصدر الري الدائم للأرض بردم الترعة التي كانت ترويها، وإذ ينبئ ذلك بوضوح أن تعاقد جهة الإدارة مع المطعون ضدهم لم يكن بصفتها سلطة عامة وبمناسبة إدارة وتسيير مرفق عام وإنما كشخص من أشخاص القانون الخاص، فقد استهدفت جهة الإدارة من إبرام العقد استغلال بعض أملاكها الخاص للحصول على ريعها وسلكت في ذلك مسلك الأفراد العاديين في إبرام وتنفيذ هذا التعاقد ومن ثم تكون منازعة المطعون ضدهم في فسخ جهة الإدارة للعقد موضوع الدعوى هي منازعة ناشئة ومترتبة على عقد من عقود القانون الخاص، وبالتالي يتخلف في شأنه - حتى يعتبر عقداً إدارياً - شرط أن يكون متضمناً شروطاً غير مألوفة في عقود القانون الخاص رغم أن أحد طرفي التعاقد يعتبر من أشخاص القانون العام، وينحصر الاختصاص بشأنه لذلك عن القضاء الإداري.
ومن حيث إن المادة (39) مكرراً من القانون رقم 178 لسنة 1952 بشأن الإصلاح الزراعي المضافة بالقانون رقم 67 لسنة 1975 تنص على أن "تختص المحكمة الجزئية أياً كانت قيمة الدعوى - بنظر المنازعات المتعلقة بالأراضي الزراعية وما في حكمها من الأراضي البور والصحراوية والقابلة للزراعة الواقعة في دائرة اختصاصها والمبينة فيما يلي: -
1) المنازعات الناشئة عن العلاقة الايجارية من مستأجري الأراضي الزراعية ومالكها.
2) .........
وبناء على هذا النص فإن الاختصاص بشأن العقد محل النزاع ينعقد لجهة القضاء المدني المختصة، وهي محكمة السويس الجزئية بحسبان أن هذه الأرض تقع في مدينة السويس مما يتعين معه إحالة النزاع إليها للفصل فيه إعمالاً لحكم المادة (110) من قانون المرافعات مع إبقاء الفصل في المصروفات، وإذ قضى الحكم المطعون فيه بغير ذلك فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون، ويتعين بالتالي إلغاؤه.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة ولائياً بنظر الدعوى، وأمرت بإحالتها بحالتها إلى محكمة السويس الجزئية للاختصاص وأبقت الفصل في المصروفات.