جلسة 12 من إبريل سنة 1994
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ حنا ناشد مينا حنا - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة: علي فكري حسن صالح، وعلي رضا عبد الرحمن رضا، وعبد السميع عبد الحميد بريك، والصغير محمد محمود بدران - نواب رئيس مجلس الدولة.
------------------
(121)
الطعن رقم 2672 لسنة 38 القضائية
(أ) مجلس الدولة - اختصاصه - ما يدخل في اختصاصه - إلغاء قرار وزير الخارجية بإنهاء خدمة بعض العاملين المصريين بجامعة الدول العربية.
تمخض عن مؤتمري بغداد في نوفمبر 1978 ومارس 1979 عدة قرارات من بينها تجميد عضوية جمهورية مصر العربية ونقل مقر جامعة الدول العربية من القاهرة إلى تونس - لمواجهة هذه الإجراءات صدر القانون رقم 107 لسنة 1980 بالتحفظ على أموال جامعة الدول العربية ومنظماتها - صدر كذلك قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 21 لسنة 1983 الذي ناط بوزير الخارجية الاختصاصات المالية والفنية والإدارية المقررة للأمين العام لجامعة الدول العربية وللأمناء والرؤساء التنفيذيين للمنظمات العربية المتخصصة - استمرت العلاقة الوظيفية مع العاملين المصريين وصرفت مرتباتهم من الأرصدة النقدية والحسابات الجارية والودائع طبقاً للاختصاص المنوط بوزير الخارجية في هذا الشأن - في 11/ 3/ 1990 صدر قرار مجلس الجامعة العربية بعودة مقر الجامعة إلى القاهرة في دور انعقاد سبتمبر سنة 1990 - أثر ذلك: انحسار العمل بالقانونين رقمي 107 لسنة 1980 و21 لسنة 1983 المشار إليهما - ليس الغرض من هذه الإجراءات إسباغ الصفة الدولية على سلطة إدارية داخلية - المفهوم الصحيح أن المشرع أقام سلطة وطنية داخلية عهد إليها ببعض اختصاصات الأمين العام للجامعة العربية وأمناء رؤساء المنظمات العربية التنفيذية لمواجهة الوضع الاستثنائي الناتج عن مؤتمري بغداد المشار إليهما - أثر ذلك: أن ما يتخذه وزير الخارجية في هذا الشأن من قرارات يجب خضوعه لرقابة القضاء الوطني باعتبارها صادرة من سلطة إدارية وطنية - القول بغير ذلك يجرد القرارات من كل رقابة قضائية ويتعارض مع الأصول التي تقضي بخضوع الدولة الحديثة للقانون وما يتفرع عن ذلك من وجوب خضوع ما تصدره من قرارات إدارية للرقابة القضائية - تطبيق.
(ب) قرار وزير الخارجية بإنهاء العاملين المذكورين صدر بعد إلغاء عضوية مصر بجامعة الدول العربية
- وينطوي هذا القرار على غصب سلطة أمين عام الجامعة - أثر ذلك: اعتبار القرار منعدماً لا تلحقه حصانة ولا يتقيد الطعن عليه بمواعيد وإجراءات دعوى الإلغاء ليس من شأن ذلك إلزام وزير الخارجية المصري بإصدار قرار بإعادة المطعون ضدهم إلى وظائفهم بالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم التابعة للجامعة التي كانوا يعملون بها عند نقل المقر من القاهرة - أساس ذلك: أن هذا الأمر يخرج من نطاق اختصاصه لأن من لا يملك إنهاء الخدمة لا يملك الإعادة إليها وفقدان الولاية يشمل الأمرين معاً - تطبيق.
(جـ) مسئولية إدارية - تعويض - أركان المسئولية.
مناط مسئولية الإدارة عن القرارات الإدارية التي تصدرها هو توافر الخطأ في جانبها وأن يترتب على ذلك ضرر وأن تقوم علاقة السببية بين الخطأ والضرر - انتقاء الضرر مؤداه انتقاء المسئولية بانهيار ركن من أركانها - تطبيق.
إجراءات الطعن
في يوم الاثنين الموافق 29/ 6/ 1992 أودعت هيئة قضايا الدولة نيابة عن الطاعنين بصفتيها سكرتارية المحكمة تقرير طعن - قيد بسجلاتها برقم 2672 لسنة 38 ق. عليا في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري - دائرة الجزاءات بجلسة 18/ 5/ 1992 في الدعوى رقم 1126 لسنة 45 ق التي أقامها المطعون ضدهم ضد الطاعنين لإلغاء قرار وزير الخارجية رقم 34 لسنة 1990 بإنهاء خدمتهم وتعويضهم عما أصابهم من أضرر مادية وأدبية بسبب هذا القرار - والذي قضى أولاً - برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى. ثانياً - برفض الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة بالنسبة لوزير الخارجية. ثالثاً - بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من إنهاء خدمة المدعين وما يترتب على ذلك من آثار وأحقية المدعين في تعويض يعادل مرتبهم الأصلي على النحو الموضح بالأسباب وألزمت الجهة الإدارية المصروفات، وبتاريخ 9/ 7/ 1992. تم إعلان تقرير الطعن للمطعون ضدهم على النحو المبين بالأوراق.
وبجلسة 16/ 6/ 1993 قضت دائرة فحص الطعون برفض طلب وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وبإحالته إلى هيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير في موضوعه، وبعد تحضير الطعن قدمت الهيئة - تقريراً مسبباً - بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة بنظر الدعوى وإلزام المطعون ضدهم المصروفات.
وبجلسة 19/ 1/ 1994 قررت دائرة فحص الطعون إحالة الطعن إلى الحكمة الإدارية العليا - الدائرة الثالثة لنظره بجلسة 1/ 2/ 1994 وفيها نظرت المحكمة الطعن وحضرت هيئة قضايا الدولة عن الطاعنين وحضر الأستاذ/...... المحامي عن المطعون ضدهم وطلب الطرفان حجز الطعن للحكم وفي هذه الجلسة قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 29/ 3/ 1994 وفيها قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم إلى جلسة اليوم حيث صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إنه وإن كان الثابت أن تقرير الطعن أعلن للمطعون ضدهم على محلهم المختار أمام محكمة القضاء الإداري إلا أن الثابت أن الأستاذ/....... المحامي قد حضر أمام المحكمة عن المطعون ضدهم بتوكيلات عامة ثابتة وطلب حجز الطعن للحكم.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - تتلخص - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق المرفقة بالطعن - أن المطعون ضدهم أقاموا الدعوى رقم 1127 لسنة 45 ق أمام محكمة القضاء الإداري - دائرة الجزاءات - طلبوا فيها الحكم بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع - أصلياً - بإلغاء القرار رقم 34 لسنة 1990 الصادر من وزير الخارجية فيما تضمنه من إنهاء خدمتهم وبأحقيتهم في تعويض الأضرار المادية والأدبية التي لحقتهم من القرار المطعون فيه، واحتياطياً - تعويضهم تعويضاً عادلاً طبقاً للأسس والقواعد الواردة بجدول إنهاء خدمة موظفي الأمانة العامة بالقاهرة وتونس حسب وظيفة كل منهم باعتبارهم جميعاً ذوي مراكز قانونية واحدة وشملتهم قاعدة ضرورة تعويضهم تعويضاً مجزياً الصادر به قرار وزراء الخارجية العرب.
وقال المطعون ضدهم، في شرح دعواهم إنهم يعملون كموظفين بالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم التابعة لجامعة الدول العربية، وعلى أثر اتفاقية كامب ديفيد اتفقت غالبية الدول العربية على نقل مقر الجامعة العربية إلى تونس وتعليق عضوية جمهورية مصر العربية بها وقد بقي المطعون ضدهم بالقاهرة استجابة لقرار رئيس الجمهورية بعدم مشروعية قرارات دول الرفض في مؤتمر بغداد مع التحفظ على أموال الجامعة حفاظاً على حقوق المصريين بها ثم صدر قرار جمهوري بتكليف وزير الخارجية المصري بإدارتها وبذلك ظل العاملون المصريون يباشرون عملهم تحت الإشراف المباشر للحكومة المصرية وظل الحال كذلك حتى صدر قرار مجلس جامعة الدول العربية في شهر مارس 1990 بإعادة مصر إلى عضوية الجامعة وإعادة مقر الجامعة الدائم إلى القاهرة طبقاً لميثاق الجامعة، إلا أنه بتاريخ 30/ 8/ 1990 أصدر نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية القرار رقم 34 لسنة 1990 بإنهاء خدمة المدعين - اعتباراً من 1/ 9/ 1990 مع تحديد مكافأة نهاية الخدمة، انتهى المدعون (المطعون ضدهم) إلى طلب إلغاء هذا القرار لمخالفة القانون ولصدوره من غير مختص وفاقداً لركن السبب المبرر لإصداره.
وقدمت الجهة الإدارية مذكرة بدفاعها طلبت فيها الحكم أصلياً - بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى - استناداً إلى أن مناط اختصاص محاكم مجلس الدولة، أن يكون القرار صادراً من سلطة وطنية ويتعلق بشئون موظفي الدولة بها، واحتياطاً - بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة لزوال صفة مصدر القرار بعد عودة مصر إلى جامعة الدول العربية اعتباراً من أول سبتمبر سنة 1990 ومن ثم لا تكون له صفة تبرر اختصاصه.
وبجلسة 18/ 5/ 1992 قضت المحكمة برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى وباختصاصها.
ثانياً: برفض الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة بالنسبة لوزير الخارجية.
ثالثاً: بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من إنهاء خدمة المدعين وما يترتب على ذلك من آثار وأحقية كل من المدعين في تعويض يعادل مرتبه الأصلي على النحو المبين بالأسباب وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.
وأسست المحكمة قضاءها برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى وباختصاص على أن الثابت أن المدعين يعملون بإحدى المنظمات المنبثقة عن جامعة الدول العربية وأنه عقب إبرام حكومة جمهورية مصر العربية اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام عقد مؤتمر بغداد في مارس سنة 1979 وفيه اتخذت الدول العربية المجتمعة عدة قرارات من بينها تجميد عضوية مصر في جامعة الدول العربية ونقل مقر الجامعة وجميع المنظمات والمكاتب التابعة لها من القاهرة إلى تونس ونقل تبعاً لذلك العاملين بجامعة الدول العربية ومنظماتها من غير المصريين أما بعض العاملين بالجامعة ممن يحملون جنسية جمهورية مصر العربية ومنهم المدعين فقد آثروا البقاء في القاهرة ورفضوا الانتقال إلى مقر الجامعة الجديد في تونس واستمروا يباشرون أعمالهم بالقاهرة، وبتاريخ 6 من أكتوبر سنة 1980 أصدر رئيس الجمهورية القرار رقم 533/ 1980 بإنشاء الجمعية التأسيسية لجامعة الشعوب العربية الإسلامية ونصت المادة السابعة منه على أن يتولى الأمين العام لجامعة الشعوب الإسلامية والعربية الإشراف على جامعة الدول العربية السابقة ومنظماتها بالقاهرة وقد استبدلت تلك المادة بالقرار الجمهوري رقم 558 لسنة 1980 بما يستفاد منه أن موظفي جامعة الدول العربية السابقة يباشرون أعمال وظائفهم تحت الإشراف المباشر للأمين العام لجامعة الشعوب الإسلامية والعربية آنذاك، كما صدر بعد ذلك قرار رئيس الجمهورية رقم 613/ 1980 بتولي نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الاختصاصات المالية والإدارية والفنية المقررة للأمين العام للجامعة - وصدر القرار الجمهوري رقم 245/ 1981 بتعيين أمين عام لجامعة الدول العربية ثم صدر القانون رقم 21 لسنة 1983 بأن يتولى وزير الخارجية الاختصاصات المالية والفنية والإدارية المقررة للأمين العام للجامعة وللأمناء والرؤساء التنفيذيين للمنظمات العربية المتخصصة في نطاق جامعة الدول العربية ومن ثم تكون حكومة جمهورية مصر العربية بهذا القرار قد أقامت جهازاً إدارياً يقوم على شئون الجامعة العربية في مصر يضم ما بقي فيها من موظفيها - وعينت لها إدارة مصرية بصفة شخصية تحت إشراف ورئاسة نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية وذلك نتيجة للظروف التي أحاطت بها بتجميد عضوية مصر بجامعة الدول العربية - ونقف مقر الجامعة ومنظماتها المتخصصة إلى تونس وبالتالي فلم يعد للجامعة وجود دولي في مصر بالمعنى القانوني الدولي وأن بقاء مبنى الجامعة في مصر ومنظماتها بالفعل لا يسبغ عليها الصفة الدولية التي زالت عنها بصدور قرارات الدول العربية في مؤتمر بغداد ونقل مقر الجامعة إلى تونس ولذلك فإن القول بإعمال اتفاقية حصانات وامتيازات الجامعة العربية على موظفي الجامعة السابقة الموجودين في مصر لا يجد له سنداً من القانون الدولي بعد تجميد عضوية مصر بها ونقل مقر الجامعة منها إلى تونس، وأشارت المحكمة في حكمها إلى حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعنين رقمي 3502/ 29 ق عليا و1362/ 30 ق عليا الصادر بجلسة 16/ 2/ 1988. وأضافت المحكمة أن الثابت من القرار رقم 34 لسنة 1990 المطعون فيه صدر من نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية استناداً إلى أحكام القرار الجمهوري بالقانون رقم 21 لسنة 1983 الذي ناط بوزير الخارجية بعض الاختصاصات المقررة للأمين العام للجامعة وللمنظمات المتخصصة في نطاق جامعة الدول العربية ومن ثم يكون القرار المطعون فيه صادراً من سلطة وطنية استناداً إلى أحكام التشريعات المصرية، بما يجعله قراراً إدارياً في مفهوم أحكام قانون مجلس الدولة ومن ثم ينعقد الاختصاص بنظر الطعن فيه لمحاكم مجلس الدولة صاحب الرقابة على مشروعية كافة القرارات الإدارية عدا المتعلقة فيها بإعمال السيادة وهو أي القرار المطعون ليس من بينها ومن ثم يكون الدفع المبدى بعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة ولائياً بنظر الدعوى غير قائم على سند صحيح من القانون مستوجباً رفضه، والحكم باختصاص الحكمة بنظر الدعوى.
وعن الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة بالنسبة لوزير الخارجية لزوال صفته بعد عودة مصر إلى جامعة الدول العربية اعتباراً من أول سبتمبر 1990، قالت المحكمة رداً على هذا الدفع أن الثابت أن وزير الخارجية هو مصدر القرار المطعون فيه فمن ثم تكون له الصفة التي تبرر اختصاصه في الدعوى بما يجعل الدفع المبدى في هذا الشأن غير مستند على أساس صحيح من القانون مستوجباً الرفض.
وفي موضوع الدعوى - استعرضت المحكمة القرارات الجمهورية التي صدرت من السلطات المصرية عقب مؤتمر بغداد والتي سبقت الإشارة إليها وكان آخرها صدور القرار الجمهوري رقم 21 لسنة 1983 وقضت بإلغاء القرار المطعون فيه مؤسسة قضاءها على أن ما أصدرته جمهورية مصر العربية من قرارات لها قوة القانون على النحو المتقدم كان في حدود تأمين استقرار الجامعة العربية ومنظماتها في أداء أعمالها على النحو الذي كشفت عنه صراحة ديباجة كل منها وذلك لمواجهة حالة الضرورة الناشئة عن قرارات مؤتمر بغداد في نوفمبر 1978 ومارس 1979 بتجميد عضوية مصر في جامعة الدول العربية ونقل مقر الجامعة من القاهرة إلى تونس ومن ثم فإن هذه القرارات موقوتة بطبيعتها ومرتبطة بحالة الضرورة التي اقتضتها وجوداً وعدماً ودون أن يبتعد أثارها إلى أبعد من ذلك ومن ثم فلا يجوز الاستناد إليها بعد زوال مبرراتها، وأضافت المحكمة أن الثابت أنه بتاريخ 5/ 7/ 1988 وفي اجتماع المجلس التنفيذي للمنظمة العربية للتربية والثقافة والتعليم في دورته الرابعة والأربعين - في الفترة من 2 - 7 يوليو سنة 1988 بتونس تقرر إلغاء القرار السابق صدوره في أبريل 1979 بتعليق عضوية مصر في المنظمة وإعادتها عضواً فعالاً من هذا التاريخ، وبتاريخ 11/ 3/ 1990 أصدر وزراء الخارجية العرب القرار رقم 4983 بعودة مقر جامعة الدول العربية إلى القاهرة في دورة سبتمبر 1990 وتضمن البند "4" منه تسوية أوضاع الموظفين والعاملين الذين لا يمكنهم الانتقال إلى القاهرة تسوية مجزية، وتضمن البند (5) تسوية أوضاع الموظفين والعاملين
في المقر الدائم لجامعة الدول العربية في القاهرة في حالة فقدانهم لوظائفهم عند عودة الجامعة إلى القاهرة تسوية مجزية، كما تضمن البند (6) بتكليف لجنة مكونة من وزير خارجية كل من العراق ومصر وتونس والمغرب وسلطته عمان بالإضافة إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية بدراسة التدابير الكفيلة بتنفيذ بنود هذا القرار ورفع تقريرها في هذا الشأن إلى مجلس الجامعة في دور انعقاده في سبتمبر - أيلول 1990 بتونس - وفي ضوء ما تقدم فإنه وقد تقرر إلغاء تعليق عضوية مصر في الجامعة وتقرير عودة مقرها إلى القاهرة وتكليف لجنة من بينها أمين عام الجامعة لدراسة شئون موظفيها وعمالهم على النحو الذي تضمنه هذا القرار فإنه يعود للجامعة العربية وضعها القانوني كمنظمة دولية تمارس وظائفها القانونية عن طريق أجهزتها الخاصة بها وبذلك تنتهي حالة الضرورة التي استلزمت مواجهتها بتشريعات داخلية - ويترتب على ذلك أن أي قرار يصدر من أي سلطة غير أجهزة الجامعة نفسها من العاملين بها يعتبر صادراً من سلطة غير مختصة بإصداره مشوباً بغصب السلطة مما يؤدي به إلى الانعدام.
واستطردت المحكمة قائلة إن الثابت أن القرار المطعون فيه صدر من وزير الخارجية المصرية بوصفة متولياً اختصاصات أمين عام الجامعة والمنظمات التابعة لها بتاريخ 26/ 8/ 1990 أي بعد إلغاء تعليق عضوية مصر بالجامعة العربية وبعد الإعلان عن عودة مقر الجامعة إلى القاهرة وتشكيل لجنة خاصة تبحث شئون العاملين على النحو المتقدم الإيضاح فإن هذه القرار يكون مشوباً بغصب السلطة مما يجعله بمثابة العقبة المادية التي يتعين إزالتها بحيث لا تلحقه حصانة ولا يتقيد بإجراءات ومواعيد دعوى الإلغاء ولذلك تكون الدعوى مقبولة شكلاً وفي الموضوع يكون القرار المطعون فيه مستوجباً الإلغاء مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وبالنسبة للتعويض أسست المحكمة حكمها بأحقية المطعون ضدهم في التعويض على أن أساس مسئولية الإدارة عن القرارات الصادرة منها هو خطأ في جانبها بأن يكون القرار غير مشروع لعيب من العيوب المنصوص عليها في قانون مجلس الدولة وأن يحقق لصاحب الشأن ضرر وتقوم علاقة السببية بين الخطأ وبين الضرر، وأنه قد تبين من العرض السابق عدم مشروعية قرارها بإنهاء خدمة المدعين وأنه ترتب على هذا القرار حرمان المدعين من راتبهم فمن ثم تتوافر أركان المسئولية التقصيرية الثلاثة وهي الخطأ والضرر وعلاقة السببية بينهما لجبر الضرر الذي أصابهم والذي تقدره المحكمة بما يعادل المرتب الأصلي - خلال فترة إبعادهم عن العمل نتيجة صدور القرار المطعون فيه - دون غيره من بدلات وتعويضات أخرى إذ أن البدلات والتعويضات إنما ترتبط بالأداء الفعلي للعمل ولمواجهة متطلباته فإذا لم يقم العامل بالعمل فعلاً فإنه لا يستحق تلك البدلات والتعويضات ويقتصر التعويض على المرتب الأصلي باعتباره العذر المتيقن في حقه والذي خسره من جراء قرار إنهاء الخدمة غير المشروع وعلى أن يخصم منه ما يكون قد صرف للمدعين من تعويضات ومكافأة نهاية الخدمة المنصوص عليها بذات القرار المطعون فيه.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أساس مخالفة الحكم المطعون فيه لأحكام القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله على النحو التالي:
أولاً: وبصفة أصلية، عدم اختصاص القضاء المصري ولائياً بنظر الدعوى، ذلك أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ برفضه الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى، لأن المطعون ضدهم كانواً يعملون بإحدى المنظمات التابعة لجامعة الدول العربية، وهي منظمات لها الشخصية الدولية كمنظمة دولة لا اختصاص للقضاء المصري بمنازعات موظفيها، هذا فضلاً عن أن القرار المطعون فيه صدر من وزير الخارجية المصري بصفته أميناً عاماً لجامعة الدول العربية وفقاً للقانون رقم 21 لسنة 1983 الذي نص في المادة الأولى منه على أن "يتولى وزير الخارجية الاختصاصات المالية والفنية والإدارية المقررة للأمين العام لجامعة الدول العربية وللأمناء والرؤساء التنفيذيين للمنظمات العربية المتخصصة في نطاق جامعة الدول العربية......" كما أن القرار صدر في شأن من شئون الجامعة وإعمالاً لتوصيات مجلسها وبذلك فإن القرار لم يصدر في شأن موظف مصري ولم يصدر في شأن يتعلق بالسلطة التنفيذية المصرية ولا يغير من صفتهم كموظفين دوليين في نظر الحكومة المصرية بقاؤهم في مصر وعدم انتقالهم إلى المقار الجديدة للمنظمات العربية التابعة للجامعة - فكل هذا لا يجعل منهم موظفين تابعين للحكومة المصرية... يضاف إلى ذلك أن القرار المطعون فيه صدر من وزير الخارجية المصري بصفته عضواً في اللجنة المشكلة بقرار مجلس الجامعة العربية رقم 4983 الصادر في 11/ 3/ 19990 التي كانت من بين اختصاصاتها تسوية أوضاع الموظفين العاملين في المقر الدائم لجامعة الدول العربية في القاهرة في حالة فقدانهم لوظائفهم عند عودة الجامعة إلى مصر تسوية مجزية وبالتالي فإنه يخرج عن اختصاص المحاكم المصرية فحص مشروعيته.
ثانياً - وبصفة احتياطية - أخطأ الحكم برفضه الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة بالنسبة لوزير الخارجية بصفته - ذلك أن القرار المطعون فيه لم يصدر من وزير الخارجية المصري بصفته هذه بل صدر عنه بصفته عضواً في اللجنة المشكلة بقرار مجلس الجامعة رقم 4983 في 11/ 3/ 1990 وكذلك بصفته أمين عام للجامعة العربية التي منحت له بالقانون رقم 21 لسنة 1983 السابق ذكره، وأن صفته هذه زالت بعد صدور قرار مجلس الجامعة بتعيين أمين عام لها بعد تنفيذ قرار إعادة الجامعة إلى مقرها بالقاهرة - وبذلك أصبح وزير الخارجية المصري لا صفة له في تمثيل جامعة الدول العربية أمام القضاء.
ثالثاً - ومن باب الاحتياط الكلي: رفض الدعوى، ذلك أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ حين بني قضاءه على أساس أن وزير الخارجية اغتصب سلطة أمين عام جامعة الدول العربية حين أصدر القرار المطعون فيه وذلك للأسباب الآتية:
1 - أن عيب غصب السلطة كعيب من عيوب القرار الإداري لا يجوز للقضاء المصري القول به طعناً على قرار وزير الخارجية المصري لأن المقصود من الرقابة القانونية للقرارات الإدارية هو منع العدوان من سلطة على اختصاصات سلطة أخرى داخلية ولا يمتد في حالة الزعم باغتصاب وزير الخارجية سلطة أمين عام جامعة الدول العربية لأن هذا الزعم يتعلق بعلاقة مصر بالمنظمة الدولية عما يخرج عن رقابة القضاء المصري.
2 - أن وزير الخارجية المصري استخدم سلطاته كأمين عام للجامعة بالقانون رقم 21 لسنة 1983 الذي ظل قائماً عندما أصدر ولم يعين مجلس الجامعة أمنياً عاماً جديداً إلا بعد أن تم تنفيذ قرار عودة المقر إلى مصر فضلاً عن أنه كان عضواً في اللجنة المشكلة بالقرار رقم 4983 في 11/ 3/ 1990 والتي اختصت ببحث أوضاع الموظفين العاملين بمقر الجامعة بالقاهرة وانتهت إلى إنهاء خدمة بعضهم وتعويضهم عن ذلك في 23/ 8/ 1990 الأمر الذي حدا بوزير الخارجية المصري بصفته عضواً بهذه اللجنة إلى إصدار القرار المطعون فيه قد أشير إلى ذلك في ديباجة القرار رقم 34 لسنة 1990. وبذلك لا يعدو هذا القرار أن يكون مجرد قراراً تنفيذياً كاشفاً للمركز القانوني للمطعون ضدهم في نظر الجامعة العربية وهو انتهاء خدمتهم بالمنظمة الدولية وصدر في شأن المنظمة ولم يستحدث مركزاً جديداً من وجهة نظر جامعة الدول العربية واستهدف تصفية أوضاعهم وحفظ حقوقهم المترتبة على انتهاء خدمتهم ولا شك أن النزاع حول هذه الحقوق يدخل في اختصاص المحكمة الإدارية لجامعة الدول العربية.
ومن حيث إنه قد استبان لهذه المحكمة من الأوراق أنه عقب إبرام حكومة جمهورية مصر العربية لاتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام مع إسرائيل، عقد في نوفمبر سنة 1978 ومارس 1979 مؤتمري بغداد اتخذت فيهما الدول العربية، عدة قرارات في غيبة جمهورية مصر العربية، من بينها تجميد عضوية مصر في جامعة الدول العربية وغيرها من المنظمات العربية التابعة للجامعة ونقل مقر الجامعة من القاهرة إلى تونس، وكذلك نقل مقار المنظمات العربية الأخرى إلى بعض عواصم الدول العربية وذلك بالمخالفة لأحكام المادة (10) من ميثاق جامعة الدول العربية التي نصت على أن تكون القاهرة المقر الدائم لجامعة الدول العربية مما مقتضاه أن تغيير المقر الدائم للجامعة العربية بتطلب تعديلاً في الميثاق ذاته.
ومن حيث إن جمهورية مصر العربية رفضت الاعتراف بقرارات مؤتمري بغداد المشار إليهما فأصدرت بتاريخ 3 من أبريل 1979 بياناً بعدم الاعتداد بتلك القرارات واتخذت مجموعة من الإجراءات لكافة تأمين استمرار الجامعة ومنظماتها في أداء أعمالها في القاهرة فأصدرت القانون رقم 107 لسنة 1980 بالتحفظ على أموال جامعة الدول العربية ومنظماتها، كما صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 533 لسنة 1980 بإنشاء الجمعية التأسيسية لجامعة الشعوب العربية والإسلامية الذي نص في المادة السابقة منه على أن "يتولى الأمين العام للجمعية التأسيسية لجامعة الشعوب العربية الإسلامية الإشراف على جامعة الدول العربية ومنظماتها بالقاهرة وأصدرت مجموعة من القرارات بتحديد من يتولى الاختصاصات المالية والإدارية والفنية للأمين العام لجامعة الدول العربية كان أخرها قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 21 لسنة 1983 الذي أشار في ديباجة إلى بيان حكومة جمهورية مصر العربية الصادر في 3/ 4/ 1979 بشأن الجامعة العربية ومنظماتها وعدم الاعتداد بالقرارات غير الشرعية التي صدرت من الدول العربية في مؤتمري بغداد في نوفمبر سنة 1978 ومارس سنة 1979 واتخاذ الإجراءات الكفيلة بتأمين استمرار الجامعة ومنظماتها في أداء أعمالها ثم نصت المادة الأولى من هذا القانون على أن يتولى وزير الخارجية الاختصاصات المالية والفنية والإدارية المقررة للأمين العام لجامعة الدول العربية وللأمناء والرؤساء التنفيذيين للمنظمات العربية المتخصصة وكذلك بالنسبة للأرصدة التقديرية والحسابات الجارية والودائع وجميع الحقوق أياً كانت قبل البنوك وجميع الهيئات وكافة الأشخاص الطبيعيين وغير الطبيعيين.
ومن حيث إنه في نطاق الإجراءات المشار إليها فقد استمر وزير خارجية جمهورية مصر العربية بصفته متولياً للاختصاصات المالية والفنية والإدارية المقررة للأمين العام لجامعة الدول العربية وللأمناء والرؤساء التنفيذيين للمنظمات العربية المتخصصة التابعة، في معاملة العاملين بالجامعة ومنظماتها من المصريين باعتبار أن علاقتهم الوظيفية مستمرة مع استمرار صرف مرتباتهم مما تحت يده من أرصدة نقدية وحسابات جارية وودائع وفقاً لأحكام القوانين المشار إليها.
ومن حيث إنه صدر بعد ذلك قرار مجلس الجامعة العربية رقم 4983 في 11/ 3/ 1990 بالإعلان عن عودة مقر جامعة الدول العربية إلى القاهرة في دور انعقاد سبتمبر سنة 1990 وتضمن هذا الإعلان تسوية أوضاع الموظفين العاملين في المقر الدائم للجامعة بالقاهرة في حالة فقدانهم لوظائفهم عند عودة الجامعة إلى القاهرة تسوية مجزية - وتكليف لجنة لتنفيذ بنود القرار ومن بينها بند تسوية أوضاع الموظفين المشار إليه، على أن ترفع تقريرها في هذا الشأن إلى مجلس الجامعة في دور انعقاده في سبتمبر سنة 1990.
وبتاريخ 10/ 6/ 1990 تقدم وزير الخارجية المصري بمذكرة إلى مجلس الوزراء بشأن أوضاع الجامعة العربية ومنظماتها بالقاهرة في ضوء العودة إلى القاهرة أوضح فيها ما يلي:
1 - ترتب على انتقال مقر الجامعة ومنظماتها إلى تونس أن قامت حالة ضرورة اضطرت معها الحكومة المصرية إلى استصدار القوانين والقرارات اللازمة للحفاظ على الكيان الشرعي للجامعة العربية ومنظماتها واستمرارها في تأدية واجباتها من القاهرة.
2 - إزاء صدور قرار عودة مقر الأمانة العامة إلى القاهرة، أصبحنا الآن أمام ضرورة اتخاذ قرارات تستوجب موافقة مجلس الوزراء وهي تتعلق بالأمانة العامة للجامعة العربية والمنظمات بصفة عامة والعاملين بالمنظمات بصفة خاصة وذلك قبل انتهاء تفويض وزير الخارجية في إدارة شئون الجامعة العربية ومنظماتها بالقاهرة على ضوء انحسار العمل بالقانونين رقمي 107 لسنة 1981، 21 لسنة 1983 من ناحية وحتى لا تترك مصالح هؤلاء الموظفين في أيد مصرية من ناحية أخرى.
3 - تم دراسة وبحث هذا الموضوع من كافة جوانبه القانونية والإدارية والمالية وقد أسفرت هذه الدارسة والمشتملة على كافة المقترحات الواجب اتخاذها مع المذكرة المرفقة، عن ضرورة استصدار القرارات الآتية:
1 - إنهاء خدمة الموظفين بالمنظمات الموجودة بالقاهرة وذلك اعتباراً من 1/ 6/ 1990.
2 - إجراء اتصال مع مدير فرع البنك العربي المحدود بالقاهرة لسرعة تحويل مبلغ 8.5 مليون دولار أمريكي من حساب الصندوق العربي للمعونة الفنية لتغطية العجز المطلوب لتسوية مكافآت نهاية خدمة هؤلاء الموظفين.
3 - تسوية الأوضاع الوظيفية واستحقاقات العاملين بالأمانة العامة والصندوق العربي للمعونة الفنية بالقاهرة وذلك اعتباراً من 1/ 6/ 1990.
4 -........
كما أصدر وزير الخارجية بتاريخ 26/ 8/ 1990 القرار رقم 34 لسنة 1990 أشار فيه إلى أن قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 21 لسنة 1983 بتولي وزير الخارجية الاختصاصات المالية والفنية والإدارية المقررة للأمين العام لجامعة الدول العربية، ونص في المادة الأولى منه على أن "تنتهي خدمة الموظفين العاملين بالمنظمات العربية المتخصصة بالقاهرة والموضحة أسماؤهم بالكشف المرفق اعتباراً من أول سبتمبر سنة 1990، ونصت المادة الثانية منه على أنه تسوى مكافأة نهاية خدمة الموظفين المشار إليهم في المادة الأولى على أساس جدول الرواتب لموظفي الأمانة العامة المطبق في المقر المؤقت للجامعة بتونس، ونصت المادة الثانية على أن "تصرف تعويضات انتهاء الخدمة والإجازات المتراكمة للموظفين المذكورين على أساس النظم والمرتبات الحالية، ونصت المادة الرابعة على أن "تصرف للموظفين المشار إليهم بعاليه فروق العلاوات والتسويات السابق تجميدها بقرار الأمين العام بالنيابة للجامعة رقم 70 لسنة 1979 وقرار نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية رقم 34 لسنة 1983 ونصت المادة الخامسة، على أن يكون للموظفين الذين أنهيت خدمتهم وفقاً لأحكام هذا القرار الأولوية في الترشيح للتعيين بالأمانة العامة للجامعة والمنظمات العربية المتخصصة العاملة في نطاقها، وقد كان المطعون ضدهم من بين ممن شملهم الكشوف المرفقة بالقرار المشار إليه.
ومن حيث إنه عن الدفع بعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة ولائياً بنظر الطعن في القرار المشار إليه إلغاء وتعويضاً فإن الثابت مما تقدم أن القانون رقم 21 لسنة 1983 الذي أصدر القرار المطعون فيه استناداً إلى أحكامه لم يقضي بتنصيب وزير الخارجية لجمهورية مصر العربية أمنياً عاماً لجامعة الدول العربية وذلك باعتبار أن القانون الوطني يقصر أن يمتد إلى حد تعيين أمين عام لجامعة الدول العربية الذي يعين وفقاً لحكم المادة 12 من ميثاق الجامعة العامة العربية بقرار من مجلس الجامعة بأكثرية ثلثي دول الجامعة ومن ثم فإن غاية ما يمكن القول به أن حكومة جمهورية مصر العربية بعد أن قررت بالقانون رقم 107 لسنة 1980 التحفظ على أموال الجامعة العربية ومنظماتها، ناط القانون رقم 21 لسنة 1983 بوزير الخارجية الاختصاصات المالية والفنية والإدارية المقررة للأمين العام لجامعة الدول العربية وللأمناء والرؤساء التنفيذيين للمنظمات العربية المتخصصة وكذلك بالنسبة للأرصدة النقدية والحسابات الجارية والودائع وجميع الحقوق أياً كانت قبل البنوك وجميع الهيئات وكافة الأشخاص الطبيعيين وغير الطبيعيين كل ذلك لمواجهة حالة الضرورة التي نشأت نتيجة للقرارات التي صدرت في نوفمبر سنة 1978 ومارس سنة 1979 والتي اعتبرتها حكومة جمهورية مصر العربية غير شرعية، وإذا كان القانون الداخلي وعلى ما سلف إيضاحه يقصر أن يمتد إلى إسباغ الصفة الدولية على سلطة إدارية داخلية أقامها لمواجهة ظروف استثنائية وناط بها اختصاصات محددة لإبطال آثار قرارات صادرة من جامعة الدول العربية ومنظماتها، اعتبرتها الحكومة المصرية غير شرعية فإن المفهوم الصحيح لهذا القانون أنه أقام سلطة وطنية داخلية عهد إليها ببعض الاختصاصات المقررة للأمين العام للجامعة العربية وأمناء ورؤساء المنظمات العربية التنفيذية لمواجهة هذا الوضع الاستثنائي وبالتالي فإن ما تتخذه هذه السلطة من قرارات وإجراءات يجب أن تكون خاضعة لرقابة القضاء الوطني باعتبارها صادرة عن سلطة إدارية وطنية والقول بغير ذلك من شأنه أن يجرد هذه القرارات من كل رقابة قضائية على خلاف الأصول العامة التي تقضي بخضوع الدولة المدنية الحديثة للقانون بما يتفرع عنه من وجوب خضوع ما تصدره من قرارات إدارية للرقابة القضائية، ذلك أن هذه القرارات وبحكم صدورها من سلطة أقامها القانون الوطني ومن غير إحدى سلطات الجامعة العربية أو منظماتها فإن جامعة الدول العربية وما ينبثق عنها من هيئات قضائية سوف تعاملها على هذا الأساس وبالتالي فإن الطعن فيها يخرج بالضرورة عن الولاية القضائية للمحكمة الإدارية لجامعة الدول العربية وهو ما قضت به تلك المحكمة في دور انعقادها العادي لسنة 1992 في الدعاوى التي أقامها المطعون ضدهم وزملاؤهم طعناً في قرار وزير الخارجية المشار إليه حيث قضت بعدم اختصاصها ولائياً بنظر تلك الدعوى.
ومن حيث إنه على ضوء ما تقدم فإن الحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى اختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر الدعوى باعتبارها طعناًً في قرار إداري نهائي صادر من سلطة وطنية إنما يكون قد صادف صحيح حكم القانون ويكون الطعن عليه في هذا الشق منه لا أساس له من القانون متعيناً رفضه.
ومن حيث عن الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة فإن الثابت مما تقدم أن القرار المطعون فيه صدر من وزير الخارجية المصري باعتباره السلطة التي ناط بها القانون رقم 21 لسنة 1983 الاختصاصات المالية والإدارية والفنية المقررة للأمين العام لجامعة الدول العربية وللأمناء والرؤساء التنفيذيين للمنظمات العربية الأخرى وإذا كانت صفته المشار إليها قد زالت منذ إلغاء تعليق عضوية جمهورية مصر العربية بالجامعة وعودة مقر الجامعة العربية إلى القاهرة فإنه لا محيص من الإبقاء له على هذه الصفة فيما يقام من طعون بالنسبة للقرارات التي أصدرها من قبل بهذه الصفة والتي تعلق حق أصحاب الشأن بالطعن عليها أمام القضاء الإداري باعتبارها صادرة عن سلطة وطنية إلى أن يصدر حكم نهائي فيما يقام من منازعات عن تلك القرارات أمام القضاء الوطني وبالتالي يكون الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة ولا أساس له من القانون متعيناً رفضه.
ومن حيث إنه بالنسبة للموضوع فإن الثابت مما تقدم أن القرار المطعون فيه صدر من وزير الخارجية المصري بوصفه متولياً اختصاصات أمين عام الجامعة والمنظمات التابعة وفقاً للقانون رقم 21 لسنة 1983 المشار إليه وذلك بتاريخ 30/ 8/ 1990 أي بعد إلغاء تعليق عضوية مصر بالجامعة وبعد الإعلان عن عودة مقر الجامعة إلى القاهرة وتشكيل لحنة خاصة تختص ببحث أوضاع الموظفين المصريين على النحو السابق بيانه، وكان الثابت وفق ما تقدم أن القانون رقم 21 لسنة 1983 إنما قصد به مواجهة وضع استثنائي مؤقت ترتب على ما اتخذته مجموعة الدول العربية في مؤتمري بغداد المشار إليهما - بتعليق عضوية مصر في جامعة الدول العربية، مما مقتضاه انتهاء العمل بأحكامه بعد زوال هذا الوضع المؤقت الذي صدر لمواجهته فإن محكمة القضاء الإداري وقد قضت بانعدام هذا القرار باعتباره متضمناً غصباً لسلطة أمين عام جامعة الدول العربية ينحدر به إلى الانعدام وبهذه المثابة لا تلحقه حصانة ولا يتقيد الطعن عليه بمواعيد وإجراءات دعوى الإلغاء، وقضت على هذا الأساس بإلغائه فيما تضمنه من إنهاء خدمة المطعون ضدهم وما يترتب على ذلك من آثار فإنها تكون قد طبقت القانون تطبيقاً سلمياً.
ومن حيث إنه وإن كان مقتضى الحكم المشار هو إزالة القرار المطعون فيه باعتباره عقبة في سبيل استعمال المطعون ضدهم لمراكزهم القانونية السابقة على صدور القرار المطعون فيه والذي أعدمه الحكم المطعون فيه وهو حكم نهائي وحائز لقوة الأمر المقضي به الثابت بمقتضى الحكم في الطعن الماثل، فإن ذلك ليس من شأنه إلزام وزير الخارجية المصري بإصدار قرار بإعادة المطعون ضدهم إلى وظائفهم بالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم التابعة للجامعة العربية التي كانوا يعملون بها عند نقل مقر الجامعة ومنظماتها من القاهرة باعتبار أن هذا الأمر مما يخرج من اختصاصه إذ أن من لا يملك إنهاء الخدمة لا يملك الإعادة إلى الخدمة وفقدان الولاية يشمل الأمرين جميعاً.
ويفصل بما تقدم أنه لا يكون للمطعون ضدهم مطالبة وزير الخارجية بصفته بأية حقوق تتعلق بمرتباتهم وفي المقابل فإنه لا يجوز للطاعن بصفته أن يسترد ما صرف لهم طبقاً للبنود 2، 3، 4 من القرار.
ومن حيث إنه عن طلب التعويض فإن مناط مسئولية السلطة الإدارية عن القرارات الإدارية التي تصدرها هو توافر الخطأ في جانبها وأن ترتب على قراراتها الخاطئة ضرر وأن تقوم علاقة السببية بين الخطأ والضرر.
ومن حيث إن المحكمة لم تتبين أن ثمة ضرر لحق بالمطعون ضدهم نتيجة صدور القرار المطعون فيه، ذلك أنه منذ عودة الجامعة العربية إلى القاهرة وإلغاء تعليق عضوية مصر بها وما يترتب على ذلك من إنهاء الوضع الاستثنائي الذي واجهته الدولة بالقانون رقم 107 لسنة 1980 بالتحفظ على أموال الجامعة ومنظماتها والقانون رقم 21 لسنة 1983 السابق الإشارة إليه، فإن مظلة الحماية الوطنية للمطعون ضدهم استناداً إلى ذلك القانون الأخير قد انطوت، وبالتالي فإنه حتى ولو لم يصدر القرار المطعون فيه، فإنه ما كان يجوز قانوناً للسلطة الوطنية الاستمرار في أداء مرتباتهم بعد أن زالت ولايتها بالنسبة لهم وبالنسبة لأموال الجامعة وحقوقها. كما أنه وعلى ما سلف إيضاحه فإن هذه السلطة ما كانت تملك شيئاً بالنسبة لمراكزهم القانونية الثابتة لهم قبل الجامعة ومنظماتها، فإذا ما أضيف إلى ما تقدم أن القرار المطعون فيه بحكم صدوره من سلطة وطنية في شأن من شئون الجامعة ومنظماتها فإنه يقصر عن ترتيب أية آثار قانونية بالنسبة للمراكز القانونية للمطعون ضدهم في علاقتهم بالجامعة ومنظماتها لأنه بهذه الصفة ليس له قوة النفاذ قبل الجامعة ومنظماتها، وقد كان للجامعة العربية ومنظماتها أن تمنحهم تلك المراكز دون التوقف طويلاً أمام القرار المطعون فيه وكل تعلل قد تكون استندت إليه في هذا الشأن ساقط ولا ينفي أن أية أضرار تكون قد لحقت بالمطعون ضدهم إنما تكون ناشئة عن قرارات وتصرفات صادرة عنها وعن منظماتها إيجاباً أو سلباً وتكون علاقة السببية بين تلك الأضرار إن وجدت وبين القرار المطعون فيه منتفية فليس صحيحاً أن القرار المطعون فيه قد رتب أية آثار بالنسبة للمراكز القانونية للمطعون ضدهم في علاقتهم بالجامعة العربية أو منظماتها. كما أنه لا وجه للقول بأن القرار قد فوت عليهم فرصة تسوية حالتهم تسوية مجزية بأكثر مما قرره ذلك القرار بالنسبة لمكافآت نهاية الخدمة والتعويضات الأخرى المرتبطة بها، إذ فضلاً عما سلف إيضاحه فإن هذا القرار وبحكم صدوره من سلطة وطنية أجنبية بالنسبة للجامعة ومنظماتها. فإنه ما كان يحول بين الجامعة ومنظماتها من منح المطعون ضدهم لحقوقهم والتي تكون ثابتة لهم وفقاً لقرارات تنظيمية صدرت عنها في هذا الشأن كما أن الباب لا زال مفتوحاً أمامهم للمطالبة بما عسى أن يكون ثابتاً لهم من الحقوق فالطريق الودي أو الطريق القضائي أمام المحكمة الإدارية لجامعة الدول العربية باعتبار أن حقوقهم إنما يستمدونها في هذا الشأن من قواعد ولوائح وضعتها الجامعة ومنظماتها وبمراعاة ما عسى أن يكون ثابتاً لهم من مراكز قانونية في علاقتهم بالجامعة أو المنظمة التي كانوا يعملون بها قبل إلغاء القرار وبعده لأن هذا الطريق لم يستغلق عليهم وخاصة بعد إلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من إنهاء خدمتهم بحكم من محكمة القضاء الإداري حائزاً لقوة الأمر المقضى به والذي أبدته هذه المحكمة في هذا الشق منه، وغني عن البيان أن الأحكام التي أصدرتها المحكمة الإدارية لجامعة الدول العربية بعدم اختصاصها بنظر طلب إلغاء وزير الخارجية المطعون فيه لا يجوز حجية الأمر المقضي به بالنسبة للطلب المكمل لما صرف لهم من مكافآت نهاية الخدمة والتعويضات الأخرى المرتبطة بها وفقاً لما عسى أن يكون قد صدر عن الجامعة أو منظماتها من قواعد أو قرارات في هذا الشأن أو بعد صدور القرار المطعون فيه وذلك لاختلاف المحل في الدعويين الأمر الذي تنتفي معه مظنة أن يكون القرار المطعون فيه قد فوت على المطعون ضدهم أية فرصة فيما تقدم.
ومن حيث إنه وقد ثبت مما تقدم انتفاء علاقة السببية بين الأضرار التي يقول بها المطعون ضدهم والقرار المطعون فيه فإن طلب التعويض عن ذلك القرار بكل صوره الواردة في عريضة الدعوى يكون لا أساس له من القانون، متعيناً رفضه وإذا ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب وقضى للمطعون ضدهم بتعويض عن ذلك القرار يعادل مرتباتهم الأصلية خلال فترة إبعادهم عن العمل نتيجة القرار المطعون فيه وفقاً لمنطوقه المحمول على أسبابه فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله الأمر الذي يتعين معه القضاء بإلغائه في هذا الشق منه ورفض طلب التعويض.
ومن حيث إن الحكومة معفاة من الرسوم القضائية.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المطعون عليه ليكون بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من إنهاء خدمة المطعون ضدهم على النحو المبين بالأسباب وبرفض طلب التعويض وألزمت المطعون ضدهم نصف المصروفات.