جلسة 17 من يونيه سنة 1972
برئاسة السيد الأستاذ المستشار يوسف إبراهيم الشناوي، رئيس المحكمة. وعضوية السادة الأساتذة حسين عوض بريقي ومحمد صلاح الدين السعيد ويحيى توفيق الجارحي وأبو بكر محمد عطيه، المستشارين.
--------------------------
(82)
القضية رقم 46 لسنة 14 القضائية
عقد إداري "تنفيذه. نظرية الظروف الطارئة".
يلزم لأعمال نظرية الظروف الطارئة أن تختل اقتصاديات العقد اختلالاً جسيماً - يجب لتقدير ذلك النظر إلى مجموع عناصر العقد وكامل مدته - بيان ذلك ومثال.
--------------------------
إن نظرية الظروف الطارئة تقوم على فكرة العدالة المجردة التي هي قوام القانون الإداري كما أن هدفها تحقيق المصلحة العامة فرائد الجهة الإدارية هو كفالة حسن سير المرافق العامة باستمرار وانتظام وحسن أداء الأعمال والخدمات المطلوبة وسرعة إنجازها كما أن هدف المتعاقد مع الإدارة هو المعاونة في سبيل المصلحة العامة وذلك بأن يؤدي التزامه بأمانة وكفاية لقاء ربح مجز وأجر عادل وهذا يقتضي من الطرفين التساند والمشاركة للتغلب على ما يعترض تنفيذ العقد من صعوبات وما يصادفه من عقبات. فمفاد نظرية الظروف الطارئة أنه إذا طرأت أثناء تنفيذ العقد الإداري ظروف أو أحداث لم تكن متوقعة عند إبرام العقد فقلبت اقتصادياته وإذا كان من شأن هذه الظروف أو الأحداث أنها لم تجعل تنفيذ العقد مستحيلاً بل أثقل عبئاً وأكثر كلفة مما قدره المتعاقدان التقدير المعقول وكانت الخسارة الناشئة عن ذلك تجاوز الخسارة المألوفة العادية التي يحتملها أي متعاقد إلى خسارة فادحة استثنائياً وغير عادية فإن من حق المتعاقد المضار أن يطلب من الطرف الأخر مشاركته في هذه الخسارة التي تحملها فيعوضه عنها تعويضاً جزئياً، وبذلك يضيف إلى التزامات المتعاقد معه التزاماً جديداً لم يكن محل اتفاق بينهما ومؤدى ذلك أن يفرض على الدائن التزام ينشأ من العقد الإداري، هذا الالتزام هو أن يدفع الدائن للمدين تعويضاً لكفالة تنفيذ العقد تنفيذاً صحيحاً متى كان من شأن الظروف أو الأحداث غير المتوقعة أن تثقل كاهل هذا المدين بخسارة يمكن اعتبارها قلباً لاقتصاديات العقد، على أن التعويض الذي يدفعه الدائن يكون تعويضاً جزئياً عن الخسارة المحققة التي لحقت المدين، ولما كان التعويض الذي يدفع طبقاً لهذه النظرية لا يشمل الخسارة كلها ولا يغطي إلا جزءاً من الأضرار التي تصيب المتعاقد فإن المتعاقد فإن المدين ليس له أن يطالب بالتعويض بدعوى أن أرباحه قد نقصت أو لفوات كسب ضاع عليه كما أنه يجب أن تكون الخسارة واضحة متميزة، ومن ثم يجب لتقدير انقلاب اقتصاديات العقد واعتبارها قائمة أن يدخل في الحساب جميع عناصر العقد التي تؤثر في اقتصادياته واعتبار العقد في ذلك وحده ويفحص في مجموعة لا أن ينظر إلى أحد عناصره فقط بل يكون ذلك بمراعاة جميع العناصر التي يتألف منها، إذ قد يكون بعض هذه العناصر مجزياً ومعوضاً عن العناصر الأخرى التي أدت إلى الخسارة، ومن ثم فإن انقلاب اقتصاديات العقد مسألة لا تظهر ولا يمكن التحقق من وجودها إلا بعد إنجاز جميع الأعمال المتعلقة بالعقد.
ومن حيث إنه إذا كان الثابت أن مدة العقد ثلاث سنوات بإيجار قدره 7727 جنيهاً سنوياً تدفع على أربعة أقساط كل قسط عن فترة ثلاثة أشهر من السنة، وبذلك تكون جميع الأقساط الواجب دفعها عن مدة العقد اثني عشر قسطاً، فإذا كان الأمر كذلك فإنه حتى على فرض أن انتشار دودة القطن في صيف سنة 1961 كانت من الفداحة بحيث يمكن اعتبارها من قبيل الحوادث الاستثنائية العامة غير المتوقعة فإن ضرر هذه الآفة لم يتجاوز أثره بالنسبة للطاعن ثلاثة أشهر كما قال في صحيفة طعنه وهي يونيه ويوليه وأغسطس سنة 1961 والتي استحق عنها قسط واحد هو القسط الحادي عشر وإصابة الطاعن بخسارة في هذه الأشهر الثلاث على فرض صحته ليس من شأنه قلب اقتصاديات العقد لأن هذه الخسارة لم تلحق الطاعن إلا بالنسبة لفترة يستحق عنها قسط واحد من الاثني عشر قسطاً التي تمثل جميع عناصر العقد ولم يقدم الطاعن دليلاً على أنه أصيب بخسارة أخرى غير التي زعم أنها لحقته بل إن الطاعن نفسه يقرر في صحيفة طعنه وفي المذكرات المقدمة منه أمام هذه المحكمة أن مجلس مدينة طنطا عندما أدار السوق في الفترة التي كانت متبقية من عقد الالتزام من 26/ 11/ 1961 إلى 25/ 2/ 1962 وهي لمدة ثلاثة أشهر حقق إيراداً قدره 2900 جنيه وأن قيمة القسط الذي يستحق عنها هو مبلغ 800 مليماً و1931 جنيهاً فيكون صافي الربح 200 مليماً و968 جنيهاً، وفي ذلك اعتراف من الطاعن أن هناك في كل سنة من سنى الالتزام فترات مريحة تدر إيراداً صافياً قدره الطاعن نفسه بحوالي ألف جنيه كل ثلاث أشهر، ومن ثم فإنه ليس من دليل في الأوراق على أن الطاعن قد أصيب بخسارة فادحة من شأنها قلب اقتصاديات العقد بالنسبة لمدة التعاقد كاملة وتبعاً لذلك فلا وجه لأعمال نظرية الظروف الطارئة في هذه المنازعة لعدم تحقيق شروطها.
"المحكمة"
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يخلص من أوراق الطعن في أن المدعي أقام الدعوى رقم 21 لسنة 16 القضائية ضد (1) وزارة الإسكان والمرافق (2) مراقبة الشئون البلدية والقروية بمحافظة الغربية بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 8 من أكتوبر سنة 1961 طلب فيها الحكم بصفة مستعجلة بإيقاف تنفيذ الأمر الإداري الصادر من مراقبة الشئون البلدية والقروية في 19/ 9/ 1961 برقم 15131، وفي الموضوع بأحقية المدعي في احتساب التأمين المدفوع منه وقدره 3090 جنيهاً و800 مليم من الإيجار المستحق عليه عن المدة التي تبدأ في 26 من أغسطس سنة 1961 وتنتهي في 25 من فبراير مع إلزام المعلن إليهما بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة ثم قدم المدعي مذكرة بجلسة 14 من يناير سنة 1962 أثناء نظر الدعوى في الشق المستعجل منها عدل بها طلباته بأن جعل الطلب المستعجل ينصرف إلى وقف تنفيذ جميع الإجراءات التي اتخذتها وزارة الإسكان والمرافق ضده الخاصة بسحب الالتزام، وبجلسة 28 من يناير حكمت المحكمة برفض الدفع بعدم قبول الطلب المستعجل المبدى من الحكومة، وفي شأن هذا الطلب برفضه وإلزام المدعي مصروفاته، وبجلسة 2 من يونيه سنة 1963 أضاف المدعي طلباً جديداً وهو الحكم بإلزام جهة الإدارة المدعى عليها بأن تدفع له على سبيل التعويض مبلغ 800 جنيه نتيجة سحب عملية استغلال السوق موضوع النزاع قبل انتهاء المدة المتعاقد عليها، وبصحيفة معلنة بتاريخ 24 من إبريل سنة 1965 قام المدعي بإدخال مجلس مدينة طنطا في الدعوى ليحكم عليه مع باقي المدعى عليهم بطريق التضامن بأن يدفعوا له أولاً مبلغ 1159 جنيه قيمة الباقي من التأمين المدفوع من المدعي بعد خصم كامل القسط الحادي عشر وقدره 1931 جنيهاً و800 مليم الذي استحق على المدعي ثانياً الحكم بإلزام المدعى عليهم بطريق التضامن بأن يدفعوا له مبلغ 800 جنيه على سبيل التعويض عن سحب التزام استغلال سوق طنطا العمومي قبل انتهاء المدة المتعاقد عليها ثالثاً إلزام المدعى عليهم متضامنين بالمصاريف والأتعاب.
ومن حيث إن أسانيد هذه الدعوى تتحصل حسبما أبداه المدعي في صحيفة دعواه ومذكراته الشارحة في أنه بتاريخ 4 من ديسمبر سنة 1958 أرسيت على المدعي عملية استغلال سوق طنطا العمومي بإيجار سنوي قدره 7727 جنيهاً تدفع على أربعة أقساط سنوية وكان أولها يستحق دفعه في 29 من ديسمبر سنة 1958 كما دفع المدعي تأميناً نهائياً قدره 3090 جنيهاً و800 مليم وقد ظل يدفع الإيجار المستحق عليه في المواعيد المتفق عليها رغم أنه كان ولا يزال يتكبد خسائر فادحة لارتفاع قيمة الإيجار إذ يبلغ أسبوعياً 154 جنيه إلا إنه عندما حل ميعاد القسط الحادي عشر عجز عن دفعه لأن الظروف الاقتصادية التي صاحبت هذه المدة لم تسعف المدعي في الحصول على الإيرادات التي تغطي سداد هذا القسط ذلك أن سوق طنطا العمومي يقوم أصلاً على تردد الزراع عليه وعرض المواشي التي ترد إلى السوق للبيع أو الشراء إلا أن المزارعين كانوا في هذه الفترة مشغولين بمقاومة دودة القطن التي استشرى خطرها فقل عدد المترددين على السوق، الأمر الذي أدى إلى هبوط إيراده إلى الحد الذي أصبح غير كاف لتغطية مرتبات الموظفين والعمال، ولقد كان الواجب على الجهة الإدارية أن تقدر هذا الظرف القاهر الذي ألم بالمدعي وتيسر عليه كما يسرت الدولة على المزارعين إلا أنها لم تفعل، بل أرسلت إليه خطاباً تهدده فيه بسحب الالتزام إذا لم يدفع القسط الحادي عشر وهو القسط الذي صاحبته هذه الظروف التي هي من قبيل القوة القاهرة والتي اعترفت الحكومة بها، ولقد طلب المدعي من مراقبة الشئون البلدية في طنطا أن يحتسب التأمين المدفوع منه وقدره 3090 جنيهاً و800 مليم من قيمة الأقساط المستحقة عليه حتى نهاية أجل الالتزام مع استعداده إلى سداد كل ما لم يف به هذا التأمين، إلا إن الجهة الإدارية رفضت هذا العرض وأصرت على سحب الالتزام ثم استطرد المدعي قائلاً أنه استناداً منه إلى نظرية القوة القاهرة فإنه يحق له طلب خصم التأمين المذكور من إيجار المدة الباقية من عقد الالتزام وانتهى المدعي إلى طلباته السالفة الذكر.
ومن حيث إن الجهة الإدارية دفعت الدعوى بقولها أنه رسا مزاد سوق طنطا الحكومي على المدعي بمبلغ 7727 جنيه سنوياً بجلسة 4/ 12/ 1958 لاستغلاله لمدة ثلاث سنوات وعقب أخطاره بقبول عطائه قام بسداد التأمين النهائي وقدره 3090 جنيهاً و800 مليم ويتم سداد المقابل على ثلاثة أقساط سنوية تدفع مقدماً قيمة كل قسط 1931 جنيهاً و750 مليماً وطبقاً للمادة 16 من عقد الالتزام يجب الوفاء بقيمة القسط خلال الخمسة عشر يوماً التالية لتاريخ الاستحقاق وإلا تحتسب فوائد سنوية بواقع 5% من تاريخ الاستحقاق حتى تمام الوفاء وعلى الملتزم سداد قيمة القسط خلال أسبوع من تكليف الإدارة له بذلك بموجب كتاب موصى عليه وإلا جاز للجهة الإدارية سحب الالتزام ومصادرة التأمين النهائي، ولما حل ميعاد الوفاء بالقسط الثالث من السنة الثالثة في 26/ 8/ 1961 ومقداره 1931 جنيهاً و750 مليماً لم يقم المدعي بالوفاء به رغم الكتابة إليه في 17/ 8/ 1961 بسداد قيمة هذا القسط، الأمر الذي حدا بالإدارة إلى أن تبعث إليه بالخطاب رقم 15131 في 19/ 9/ 1961 تطالبه بسرعة السداد في بحر ثلاثة أيام من ذلك التاريخ وإلا اتخذت ضده الإجراءات المنصوص عليها في المادة 16 من عقد الالتزام إلا أنه لم يقم بالوفاء بل بادر إلى رفع الدعوى الراهنة، وبتاريخ 30/ 10/ 1961 وتنفيذاً لنص المادة 29 من شروط الالتزام وافق السيد وزير الإسكان والمرافق على سحب الالتزام ومصادرة التأمين وقد أبلغ المدعي بذلك في 25/ 11/ 1961 ثم استطردت الجهة الإدارية قائلة أن التأمين النهائي هو ضمان لدى الإدارة لتنفيذ كافة شروط الالتزام وأنه يتعين أن يبقى كاملاً لديها حتى ينتهي تنفيذ العقد وأنه لا يجوز للمدعي أن يطالب بخصم القسط الذي تأخر في دفعة من هذا التأمين، كما أنه بعد أن ثبت تقصير المدعي في القيام بالالتزام الذي فرضه عليه العقد فإنه من حق الجهة الإدارية أعمالاً لنص المادتين 16، 29 من شروط العقد أن توقع عليه الجزاء الإداري المنصوص عليه فيهما وهو سحب الالتزام ومصادرة التأمين استهدافاً لحسن سير المرافق العامة وأنه بناء على ذلك تم سحب الالتزام ومصادرة التأمين، أما القول بأن انشغال الفلاحين في مقاومة دودة القطن يعتبر من قبيل القوة القاهرة فهو قول لا سند له من القانون لأن القوة القاهرة التي تعفي من الالتزام هي تلك الأحداث العامة التي لا يمكن توقعها من أشد الناس يقظة ولا يمكن اعتبار انشغال الفلاحين بمقاومة دودة القطن من الأحداث التي لا يمكن توقعها.
وقد قدم المدعي مذكرة بجلسة 7/ 4/ 1963 عدل فيها عن الاستناد إلى نظرية القوة القاهرة وجعل الأساس القانوني لدفاعه الظروف الطارئة التي حلت بالبلاد سنة 1961 نتيجة لكارثة انتشار دودة القطن بشكل لم يسبق له مثيل وانتهى المدعي إلى أن نص المادة 147 في فقرتها الثانية من القانون المدني هي الواجبة التطبيق في هذا النزاع وانتهى إلى طلباته السالفة الذكر. وقد عقبت إدارة قضايا الحكومة على مذكرة المدعي بمذكرة قدمت لجلسة 9/ 11/ 1963 تناولت فيها شروط تطبيق نظرية الظروف الطارئة في مجال العقود الإدارية وخلصت إلى أن انتشار دودة القطن لا تعد ظرفاً طارئاً لأنها من الأمور المتوقعة وانتهت إلى طلب رفض الدعوى وإلزام المدعي المصروفات.
ومن حيث إن المحكمة قضت بجلسة 16 من إبريل سنة 1967 برفض طلبات المدعي وألزمته المصروفات وأقامت قضاءها على أن المدعي دأب على التأخر في سداد الأقساط فلم يقم بسداد أي قسط إلا بعد تكرار المطالبات والإنذارات وأنه لم يسدد أي قسط في ميعاده المحدد في العقد وعندما حل القسط الحادي عشر لم يقم بسداد وبدلاً من ذلك أقام هذه الدعوى ثم استطردت المحكمة قائلة أنه لا صحة لما أثاره المدعي في دفاعه إذ أنه كان يتعين على المدعي بحسب شروط العقد أن يسدد الأقساط في مواعيدها وأن أي تقصير من جانبه في هذا الشأن يسوغ للإدارة اتخاذ الإجراءات التي كفلتها شروط العقد. أما عن طلب خصم قيمة الأقساط الباقية على المدعي من قيمة التأمين المدفوع منه فإنه طلب لا سند له من القانون لأن التأمين بحسب شروط العقد يجب أن يبقى حتى نهاية العقد وتسليم السوق ولا يرد للمتعاقد إلا إذا ثبت أنه ليست هناك مستحقات للجهة الإدارية تخصم من هذا التأمين هذا فضلاً عن أن القضاء الإداري قد استقر على أن الغرض من التأمين الذي يقدمه من يتعاقد مع الإدارة هو ضمان تنفيذ التزاماته طبقاً لشروط العقد وفي المواعيد المحددة بحيث إذا قصر في ذلك كان لجهة الإدارة مصادرة التأمين بغض النظر عن مدى الأضرار التي تكون قد لحقت بها من جراء تخلفه عن التنفيذ. أما عن القوة القاهرة التي يتخذها المدعي كسند لتبرير تخلفه عن سداد القسطين الأخيرين من السنة الأخيرة من سنى الالتزام فأنه سبب لا وجه للأخذ به في المنازعة المطروحة ذلك أنه يجب لقيام حالة القوة القاهرة توافر ثلاثة شروط أولها أن يكون ثمة أمر غير متوقع حتى من أشد الناس يقظة وبصراً بالأمور وثانيهما ألا يمكن دفعه وثالثها أن يصبح الالتزام مستحيلاً لا بالنسبة للمدين فقط بل لأي شخص يوضع في مركزه ويبين من تطبيق هذه الشروط أن تفشى دودة القطن بزراعات المواطنين ليس بالأمر غير المتوقع حتى من أقل الناس فطنة بل أنها أصبحت من المسائل المألوفة لذلك فإن ما ذهب إليه المدعي من توافر شروط القوة القاهرة في هذه المنازعة لا سند له من الواقع أو القانون، أما عن طلب المدعي بإلزام الجهة الإدارية بتعويض قدره 800 جنيه فإنه لما كان المدعي قد أخل بشروط المادتين 14 و16 من شروط الالتزام، الأمر الذي يخول جهة الإدارة سحب العملية منه تطبيقاً لنص المادة 29 من الشروط ومصادرة التأمين، ومن ثم فلا وجه لما يطالب به المدعي من تعويض إذ ليس هناك ثمة خطأ تكون جهة الإدارة قد ارتكبته في اتخاذها تلك الإجراءات وبالتالي فلا محل للتعويض لأن أساس التعويض أن يكون هناك خطأ في إصدار القرارات الإدارية وأن يترتب على هذا الخطأ ضرر يصيب صاحب الشأن وأن تكون هناك علاقة سببية بين الخطأ والضرر، وطالما أنه تخلف ركن الخطأ فلا مسئولية على جهة الإدارة وينتفي حق المدعي في اقتضاء تعويض ما عن سحب الالتزام، ثم تطرقت المحكمة إلى دفاع المدعي الذي يستند فيه إلى نظرية الظروف الطارئة في طلب التعويض فقالت أنه من المبادئ المستقرة في القضاء الإداري أن الظرف الذي يفرض على الدائن التزاماً بدفع تعويض للمدين لكفالة تنفيذ العقد تنفيذاً صحيحاً متى كان من شأنه أن يثقل كاهل المدين بخسارة يمكن اعتبارها قلباً لاقتصاديات العقد وأنه يتعين لتحقق هذا الظرف توافر ثلاثة شروط وهي أن يكون الظرف أجنبياً أي مستقلاً عن إرادة المتعاقدين وأنه مما لا يمكن توقعه عادة كما يؤدي إلى قلب اقتصاديات العقد أي أنه يجعل تنفيذ الالتزام مرهقاً كل ذلك بشرط أن يقوم المتعاقد بتنفيذ التزامه على النحو الصحيح: فإذا امتنع عن التنفيذ بحجة قيام هذا الظرف فلا وجه لمشاركة الدائن له في تحمل أعبائه الجديدة، فإذا كان الثابت أن المدعي قد تخلف عن تنفيذ شروط الالتزام وذلك بامتناعه عن سداد باقي الأقساط فلا مجال لأعمال أحكام نظرية الظروف الطارئة هذه كما أنه كما سبق القول لا يمكن اعتبار تفشي دودة القطن في أراضي الزراع من الأمور غير المتوقعة بل هي أمر مألوف تعد له الجهات المختصة عدتها قبل حلول موسمها من كل سنة وبالتالي فإن ركن وقوع حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها منتف في هذه الحالة وبذلك لا يمكن تطبيق هذه النظرية، أما ما يقول به المدعي من إساءة الجهة الإدارية لسلطتها فلا محل له لأن جميع الإجراءات التي اتخذتها في حدود القانون، وانتهت المحكمة إلى حكمها السالف الإشارة إليه.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تأويله وتطبيقه ذلك أن الطاعن يستند في دعواه إلى نظرية الظروف الطارئة وليس إلى نظرية القوة القاهرة التي كان قد ذكرها خطأ في صحيفة دعواه كما أنه يستند على نظرية سوء استعمال الحق، فبالنسبة للنظرية الأولى فإن الكارثة التي حلت بالبلاد عام 1961 بسبب انتشار دودة القطن وانشغال جميع المزارعين في مقاومة هذه الآفة ترتب عليه امتناع المزارعين من ارتياد هذه الأسواق في أشهر المقاومة التي بدأت من شهر يونيه سنة 1961 واستمرت إلى أخر أغسطس سنة 1961 وهو الوقت الذي حل فيه سداد القسط الحادي عشر ولهذا عجز الطالب عن سداد هذا القسط وعلى هذا فإن ما حل بالطاعن يندرج تحت حكم المادة 147 مدني في فقرتها الثانية ولا نزاع في أن آفة دودة القطن التي حلت بالبلاد عام 1961 تعتبر من قبيل الحوادث الاستثنائية العامة وقد اعتبرتها الدولة فأجلت للمزارعين جميع الديون المطلوبة منهم لبنك التسليف أو للأموال الأميرية وقسطتها على ثلاث سنوات بلا فوائد كما أن هذه الكارثة لم يكن في استطاعة أحد أن يتوقع حدوثها وقد ترتب على ذلك أن أصبح الالتزام بالنسبة للطاعن مرهقاً، وخلص الطاعن إلى توافر شروط نظرية الظروف الطارئة بالنسبة لعقد الالتزام وأنه كان على الجهة الإدارية أن تشاركه في تحمل الخسارة التي ألمت به. وإلى جانب ذلك فقد فرض عليه بعض مفتشي الأسواق بمنطقة طنطا دفع إتاوة أسبوعية لهم في مقابل تغاضيهم عن تأخر الطاعن في سداد الأقساط في مواعيدها فلما امتنع عن دفعها لهم كادوا له وهذا ثابت من التحقيقات التي أجرتها النيابة العامة في هذا الخصوص. أما عن إساءة جهة الإدارة لاستعمال حقها فلا نزاع أن المطعون ضدها الأولى لا يمكنها أن تحتمي وراء الحقوق التي خولها لها عقد الالتزام والتي تعطي لها سحب الالتزام ومصادرة التأمين في حالة تأخر الطاعن عن سداد القسط المستحق عليه إذ أن ما وقع من الطاعن من تأخره في سداد القسط الحادي عشر لا يستأهل مثل هذا الجزاء القاسي المتمثل في سحب الالتزام، ومن ثم فإن قرار الجهة الإدارية بسحب الالتزام يتسم بعيب إساءة استعمال السلطة، ثم تناول الطاعن طبيعة التأمين النهائي المدفوع منه فقال أن حقيقة هذا التأمين أنه تعويض اتفاقي يخضع لحكم المادة 224 من القانون المدني فلا يكون هذا التعويض مستحقاً إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر كما يجوز للقاضي أن يخفض هذا التعويض إذا ثبت أن التقدير كان مبالغاً فيه أو أن الالتزام الأصلي قد نفذ في جزء منه ولما كانت طبيعة التأمين الذي يدفع في مثل هذه الحالة هو أن يكون ضماناً لتنفيذ الملتزم ما تعهد بدفعه في مقابل استغلال السوق: كما أنه ضماناً لتسليم السوق كاملاً دون نقص، وقد تم استلام السوق فعلاً للجهة الإدارية كاملاً كما هو ثابت من محضر الاستلام المؤرخ في 26/ 11/ 1961 وبالتالي فإنه يحق للطاعن استرداد هذا التأمين بعد أن يخصم منه قيمة القسط الحادي عشر فيكون الباقي بعد ذلك هو مبلغ 1159 جنيهاً وهو ما يطالب الطاعن الحكم بإلزام المطعون ضدهم يدفعه له، أما عن التعويض فإن الفترة التي كانت باقية من عقد الالتزام بعد سحبه منه وهي ثلاثة أشهر تبدأ في 26/ 11/ 1961 وتنتهي في 25/ 2/ 1962 وقد قام مجلس مدينة طنطا بإدارة السوق في هذه الفترة وحقق ربحاً صافياً قدره 2900 جنيه وهذا الربح هو من حق الطاعن لأنه عن فترة تدخل في مدة عقد الالتزام المبرم بينه وبين الجهة الإدارية ويخصم القسط الثاني عشر والأخير وقدره 1931 جنيهاً و800 مليم من هذا المبلغ يكون الربح الصافي الذي ضاع على الطاعن هو مبلغ 968 جنيه و200 مليم وقد اكتفى الطاعن بالمطالبة بمبلغ 800 جنيه كتعويض عما فاته من ربح عن سحب الالتزام قبل نهاية مدته، وخلص الطاعن إلى المطالبة بالحكم له بطلباته التي سبق بيانها.
ومن حيث إنه بتاريخ 4/ 12/ 1958 أجريت مزايدة لتأجير سوق طنطا العمومي وقد رسا العطاء على المدعي بمبلغ 7727 جنيه سبعة آلاف وسبعمائة وسبعة وعشرون جنيهاً للسنة الواحدة، وفي أول يناير سنة 1959 أخطر برسو العطاء عليه فقام بتكملة التأمين النهائي البالغ قدره 3090 جنيه و800 مليم بتاريخ 14 من يناير سنة 1959 وقام بالتوقيع على العقد في 9 من فبراير سنة 1959 ونصت المادة الأولى من العقد على أن تمنح الوزارة الطرف الثاني (وهو المدعي) الذي قبل ذلك الالتزام حق استغلال سوق طنطا وفقاً للشروط المرافقة لهذا العقد، ونصت المادة الثانية منه على أن مدة هذا الالتزام تبتدئ من 26/ 2/ 1959 وتنتهي في 25/ 2/ 1962 ثم نصت المادة الثالثة على أن مقابل الاستغلال الذي التزم الطرف الثاني بأدائه هو مبلغ 7727 جنيه سنوياً على أن يؤدي في المواعيد وطبقاً للأحكام المنصوص عليها في الشروط المرافقة لهذا العقد ثم تناولت الشروط المشار إليها في هذه المواد القواعد التي تحكم العلاقة بين الطرفين المتعاقدين فقضت المادة 16 منها على أن يؤدي مقابل الاستغلال السنوي لحساب الإدارة العامة لشئون البلديات على أربعة أقساط متساوية كل ثلاثة شهور ويجب أداء الأقساط خلال الخمسة عشر يوماً التالية لاستحقاق كل منها على الأكثر ويستحق القسط الأول في تاريخ إبرام العقد وكل مبلغ يحصل تأخير في أدائه تحسب عليه حتماً فوائد بواقع 5% سنوياً من تاريخ الاستحقاق حتى تمام الأداء، ويجب على الملتزم أن يؤدي المقابل المتأخر عليه في خلال أسبوع من تكليف الإدارة له بذلك بموجب كتاب موصى عليه وإلا جاز لوزير الشئون البلدية أن يسحب الالتزام ويصادر التأمين بالكيفية المبينة في المادة 29 كما نص في المادة 29 على أن لوزير الشئون البلدية والقروية الحق في سحب الالتزام إذا أخل المرخص له بشرط من الشروط التي تتضمنها المواد 8، 11، 12، 14، 16، 17، 27 ويكون ذلك بكتاب موصى عليه يرسله وزير الشئون البلدية والقروية أو من ينوب عنه إلى الملتزم بغير حاجة لاتخاذ أية إجراءات قضائية من أي نوع كان ثم تناولت المادة 30 ما يترتب على سحب الالتزام فنصت على أنه في جميع الأحوال التي يسحب فيها الالتزام طبقاً لهذه الشروط ما عدا حالة الوفاة طبقاً لشروط المادة 27 يصادر التأمين النهائي بأكمله وتستولي الإدارة على السوق بالطريق الإداري وبدون اتخاذ أية إجراءات قضائية من أي نوع كان وذلك مع عدم الإخلال بحق الإدارة في مطالبة الملتزم بما قد يكون مستحقاً عليه مقابل الاستغلال أو الغرامات أو غيرها.
ومن حيث إنه يبين من مطالعة الأوراق أن المدعي قد أخل بشروط المادة 16 سالفة الذكر فلم يقم بسداد أي قسط في ميعاده المحدد في العقد رغم الإخطارات والإنذارات التي كانت توجهها إليه الإدارة في كل مرة فلما حل ميعاد سداد القسط الحادي عشر (الثالث من السنة الأخيرة) في 26/ 8/ 1961 لم يقم المدعي بسداده وقد أنذرته الإدارة في 19/ 9/ 1961 بسحب الالتزام إذا لم يقم بسداد هذا القسط: ولكنه لم يسدد شيئاً الأمر الذي حدا بالإدارة على سحب الالتزام ومصادرة التأمين النهائي إعمالاً لنصوص المواد 16، 29، 30 من شروط العقد وقد أخطر بذلك في 25/ 11/ 1961 وكان المدعي قد رفع الدعوى الراهنة في 8 من أكتوبر سنة 1961.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض طلبات المدعي وإلزامه المصروفات قد أصاب وجه الحق في قضائه للأسباب التي بني عليها والتي تأخذ بها هذه المحكمة.
ومن حيث إن نظرية الظروف الطارئة تقوم على فكرة العدالة المجردة التي هي قوام القانون الإداري كما أن هدفها تحقيق المصلحة العامة فرائد الجهة الإدارية هو كفالة حسن سير المرافق العامة باستمرار وانتظام وحسن أداء الأعمال والخدمات المطلوبة وسرعة إنجازها كما أن هدف المتعاقد مع الإدارة هو المعاونة في سبيل المصلحة العامة وذلك بأن يؤدي التزامه بأمانه وكافية لقاء ربح مجز وأجر عادل وهذا يقتضي من الطرفين التساند والمشاركة للتغلب على ما يعترض تنفيذ العقد من صعوبات وما يصادفه من عقبات. فمفاد نظرية الظروف الطارئة أنه إذا طرأت أثناء تنفيذ العقد الإداري ظروف أو أحداث لم تكن متوقعة عند إبرام العقد فقلبت اقتصادياته وإذا كان من شأن هذه الظروف أو الأحداث أنها لم تجعل تنفيذ العقد مستحيلاً بل أثقل عبئاً وأكثر كلفة مما قدره المتعاقدان التقدير المعقول وكانت الخسارة الناشئة عن ذلك تجاوز الخسارة المألوفة العادية التي يحتملها أي متعاقد إلى خسارة فادحة استثنائياً وغير عادية فإن من حق المتعاقد المضار أن يطلب من الطرف الأخر مشاركته في هذه الخسارة التي تحملها فيعوضه عنها تعويضاً جزئياً، وبذلك يضيف إلى التزامات المتعاقد معه التزاماً جديداً لم يكن محل اتفاق بينهما ومؤدى ذلك أن يفرض على الدائن التزام ينشأ من العقد الإداري: هذا الالتزام هو أن يدفع الدائن للمدين تعويضاً لكفالة تنفيذ العقد تنفيذاً صحيحاً متى كان من شأن الظروف أو الأحداث غير المتوقعة أن تثقل كاهل هذا المدين بخسارة يمكن اعتبارها قلباً لاقتصاديات العقد، على أن التعويض الذي يدفعه الدائن يكون تعويضاً جزئياً عن الخسارة المحققة التي لحقت المدين، ولما كان التعويض الذي يدفع طبقاً لهذه النظرية لا يشمل الخسارة كلها ولا يغطي إلا جزءاً من الأضرار التي تصيب المتعاقد فإن المتعاقد فإن المدين ليس له أن يطالب بالتعويض بدعوى أن أرباحه قد نقصت أو لفوات كسب ضاع عليه كما أنه يجب أن تكون الخسارة واضحة متميزة، ومن ثم يجب لتقدير انقلاب اقتصاديات العقد واعتبارها قائمة أن يدخل في الحساب جميع عناصر العقد التي تؤثر في اقتصادياته واعتبار العقد في ذلك وحده ويفحص في مجموعة لا أن ينظر إلى أحد عناصره فقط بل يكون ذلك بمراعاة جميع العناصر التي يتألف منها، إذ قد يكون بعض هذه العناصر مجزياً ومعوضاً عن العناصر الأخرى التي أدت إلى الخسارة، ومن ثم فإن انقلاب اقتصاديات العقد مسألة لا تظهر ولا يمكن التحقق من وجودها إلا بعد إنجاز جميع الأعمال المتعلقة بالعقد.
ومن حيث إنه إذا كان الثابت أن مدة العقد ثلاث سنوات بإيجاز قدره 7727 جنيهاً سنوياً تدفع على أربعة أقساط كل قسط عن فترة ثلاثة أشهر من السنة، وبذلك تكون جميع الأقساط الواجب دفعها عن مدة العقد اثني عشر قسطاً، فإذا كان الأمر كذلك فإنه حتى على فرض أن انتشار دودة القطن في صيف سنة 1961 كانت من الفداحة بحيث يمكن اعتبارها من قبيل الحوادث الاستثنائية العامة غير المتوقعة فإن ضرر هذه الآفة لم يتجاوز أثره بالنسبة للطاعن ثلاثة أشهر كما قال في صحيفة طعنه وهي يونيه ويوليه وأغسطس سنة 1961 والتي استحق عنها قسط واحد هو القسط الحادي عشر وإصابة الطاعن بخسارة في هذه الأشهر الثلاث على فرض صحته ليس من شأنه قلب اقتصاديات العقد لأن هذه الخسارة لم تلحق الطاعن إلا بالنسبة لفترة يستحق عنها قسط واحد من الاثني عشر قسطاً التي تمثل جميع عناصر العقد ولم يقدم الطاعن دليلاً على أنه أصيب بخسارة أخرى غير التي زعم أنها لحقته بل إن الطاعن نفسه يقرر في صحيفة طعنه وفي المذكرات المقدمة منه أمام هذه المحكمة أن مجلس مدينة طنطا عندما أدار السوق في الفترة التي كانت متبقية من عقد الالتزام من 26/ 11/ 1961 إلى 25/ 2/ 1962 وهي لمدة ثلاثة أشهر وكان يستحق عليها القسط الأخير وهو القسط الثاني عشر حقق المجلس المذكور إيراداً قدره 2900 جنيه وأن قيمة القسط الذي يستحق عنها هو مبلغ 1931 جنيهاً و800 مليم فيكون صافي الربح 968 جنيهاً و200 مليم, وفي ذلك اعتراف من الطاعن أن هناك في كل سنة من سنى الالتزام فترات مربحة تدر إيراداً صافياً قدره الطاعن نفسه بحوالي ألف جنيه كل ثلاث أشهر، ومن ثم فإنه ليس من دليل في الأوراق على أن الطاعن قد أصيب بخسارة فادحة من شأنها قلب اقتصاديات العقد بالنسبة لمدة التعاقد كاملة وتبعاً لذلك فلا وجه لإعمال نظرية الظروف الطارئة في هذه المنازعة لعدم تحقق شروطها.
ومن حيث إن الجهة الإدارية عندما قامت بسحب الالتزام من المدعي ومصادرة التأمين النهائي بالتطبيق لأحكام المادتين 29، 30 من شروط الالتزام إنما كان ذلك بسبب إخلال المدعي بشروط التعاقد المنصوص عليها في المادة 16 منه كما سبق القول فمصادرة التأمين في هذه الحالة إنما هو جزاء من قبيل الجزاءات التي تملك جهة الإدارة توقيعها على المتعاقد معها عند إخلاله بالتزاماته، ولما كانت هذه الجزاءات لا تستهدف في الواقع من الأمر تقويم اعوجاج في تنفيذ الالتزامات التعاقدية بقدر ما تتوخى تأمين سير المرافق العامة فإن هذا الجزاء المالي - وهو عبارة عن تعويض جزئي مقدر سلفاً باتفاق الطرفين توقعه جهة الإدارة بنفسها دون انتظار لحكم القضاء وبغير حاجة إلى إلزامها بإثبات أن ضرراً ما قد لحقها من جراء إخلال المتعاقد معها بالتزاماته وبهذا يتميز التعويض المذكور عن التعويض الاتفاقي المنصوص عليه في القانون المدني، وبالتالي فالقول بأن هذا التعويض لا يكون مستحقاً إذا ثبت أن جهة الإدارة لم يلحقها أي ضرر هو قول بعيد عن الصواب في مجال تطبيق القانون الإداري.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد قام على أساس سليم من القانون ويكون الطعن على غير أساس، ويتعين لذلك القضاء بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً: وإلزام الطاعن المصروفات.
"فلهذه الأسباب"
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً، وألزمت الطاعن بالمصروفات.