جلسة 17 من ديسمبر سنة 1970
برياسة السيد المستشار/ إبراهيم عمر هندي، نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدي، ومحمد صدقي البشبيشي، ومحمد سيد أحمد حماد، وعلي عبد الرحمن.
-------------
(205)
الطعن رقم 231 لسنة 36 القضائية
جمارك. "العجز في البضاعة". محكمة الموضوع.
عدم تقديم الربان البراهين المبررة لنقص البضاعة لمصلحة الجمارك خلال الأربعة أشهر المنصوص عليها في اللائحة الجمركية. حقه في تقديمها بعد هذا الميعاد إلى المحكمة التي تنظر المعارضة في قرار المصلحة الصادر بالغرامة. علة ذلك.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن مصلحة الجمارك أصدرت قرارها رقم 24 سنة 1961، بتغريم الشركة العربية المتحدة للملاحة البحرية ثمانية عشر جنيهاً بسبب اكتشاف عجز قدره 18 صندوقاً تحوي أدوات لأجهزة التلفزيون ضمن شحنة كانت على الباخرة نجمة السويس التابعة لها إثر وصول الباخرة إلى ميناء الإسكندرية في 8 يوليه سنة 1960، فأقامت الشركة العربية المتحدة للملاحة البحرية الدعوى 132 سنة 1961 تجاري كلي الإسكندرية تطلب إلغاء قرار الغرامة كما أقامت مصلحة الجمارك الدعوى 427 سنة 1961 تجاري كلي الإسكندرية بطلب إلزام الشركة بمبلغ 2428 ج و170 م قيمة الرسوم الجمركية المستحقة عن هذا العجز، وتمسكت الشركة بأن الصناديق الناقصة لم تشحن أصلاً ضمن الرسالة وقدمت ما يفيد شحن 14 صندوقاً بالطائرة من جبل طارق إلى القاهرة وأربعة صناديق بالباخرة من جبل طارق إلى الإسكندرية ثابتة في سندي الشحن ومانيفستو الطائرة والباخرة، وبتاريخ 31 ديسمبر سنة 1962 حكمت المحكمة برفض المعارضة موضوعاً وتأييد قرار الغرامة المعارض فيه، كما حكمت في دعوى مصلحة الجمارك بإلزام الشركة المدعى عليها بأن تؤدي للمصلحة قيمة الرسوم الجمركية المطالب بها - واستأنفت الشركة هذا الحكم لدى محكمة استئناف الإسكندرية طالبة إلغاءه فيما تضمنه من إلزامها بالغرامة وقيد هذا الاستئناف برقم 116 سنة 19 قضائية، وبتاريخ 30 مارس سنة 1966 حكمت المحكمة برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف، وطعنت الشركة في هذا الحكم بطريق النقض للأسباب المبينة بالتقرير وقدمت النيابة العامة مذكرة طلبت فيها قبول الطعن وبالجلسة المحددة لنظره أصرت على هذا الرأي.
وحيث إن مما تنعاه الطاعنة في السببين الثاني والثالث أن الحكم المطعون فيه رفض قبول الدليل المستمد من الشهادة الصادرة من سلطات ميناء جبل طارق في 19 نوفمبر سنة 1964 والتي تفيد أنه لم يتم شحن الطرود الناقصة على السفينة نجمة السويس، وكذلك الدليل المستمد من سندي شحن هذه الطرود بطريق الجو والبحر من ذلك الميناء، على أساس أن هذه الأوراق قدمت بعد الآجال المحددة في الفقرة السادسة من المادة 17 من اللائحة الجمركية، وهذا من الحكم خطأ ومخالفة لأحكام اللائحة المذكورة، والتي تسمح بالمعارضة في قرارات مصلحة الجمارك الصادرة بالتغريم، وتوجب إيقاف تحصيل الغرامة لحين الفصل في المعارضة، ومؤدى ذلك أن يباح للناقل، بالضرورة تقديم الأدلة التي تساند طعنه، وإلا كان إعطاؤه حق الطعن مع حرمانه من تقديم الأدلة عبثاً، والصحيح أن ميعاد الأربعة أشهر المنصوص عليه في المادة 17 من اللائحة الجمركية إنما هو مهلة يجوز للمصلحة أن تمنحها للشركة الناقلة تقدم خلالها الدليل الذي تبرر به وجهة نظرها فيما ظهر في الرسائل المنقولة بحراً من اختلاف، وبعد مرورها تستطيع المصلحة أن تستعمل حقها في إصدار قرار الغرامة دون انتظار لتقديم الشركة الناقلة ما لديها من الأدلة، ولما كان منح هذه المهلة جوازياً للمصلحة فإن لها أن تمتنع عن منحها، ولا يترتب على فواتها سقوط حق الشركة الناقلة في تقديم الأدلة، إذ القاعدة أنه لا جزاء بغير نص في القانون، فلا يقوم السقوط أو البطلان، إلا بالنص عليه صراحة، وإذ خلت اللائحة الجمركية من نص يرتب البطلان جزاء على فوات ميعاد الأربعة شهور فإن القول بأن الميعاد المنصوص عليه في المادة 17 من اللائحة الجمركية هو ميعاد سقوط ويسقط بانتهائه حق الشركة الناقلة في تقديم الدليل قول غير سليم، وقد ترتب على هذا النظر الخاطئ أن أطرح الحكم دلالة الشهادة الصادرة من سلطات ميناء جبل طارق والتي تدل على عدم شحن الطرود الناقصة، استناداً إلى تقديمها بعد الميعاد المنصوص عليه بالمادة 17 من اللائحة الجمركية، فتحجب بذلك عن بحث هذه الشهادة واستخلاص ما تدل عليه مما يعيبه بالقصور فضلاً عن مخالفته للقانون.
وحيث إن هذا النعي صحيح، ذلك أن مفاد نص المادتين 17، 37 من اللائحة الجمركية الصادرة في 2 إبريل سنة 1884، والتي تحكم هذه الدعوى أن المشرع - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - قد افترض في حالة وجود نقص في الطرود المفرغة من السفينة عما هو مدرج في قائمة الشحن (المانيفستو) قيام مظنة التهريب، وأجاز للربان دفع هذه المظنة بتقديم البراهين المبررة لهذا النقص، فإذا ادعى أن النقص راجع إلى أن البضائع أو الطرود الناقصة لم تشحن أصلاً من ميناء الشحن أو أنها لم تفرغ في ميناء الوصول أو فرغت في ميناء أخرى، وجب أن يكون البرهان على ذلك بمستندات حقيقية أي كتابية فإذا أمكن الربان تقديم البراهين المبررة للنقص في خلال 24 ساعة من كشفه، فلا يلزم بشيء من الغرامة المقررة في المادة 37 أو من الرسوم الجمركية، وإذا لم يستطع وطلب مهلة لتقديم هذه البراهين جاز لمصلحة الجمارك أن تمنحه مهلة بحيث لا تتجاوز أربعة أشهر. ولما كان قصد المشرع من تحديد هذه المهلة بما لا يجاوز أربعة أشهر هو وضع حد لمماطلة الربان في تقديم البراهين، وتفادي تأخير صدور قرار مصلحة الجمارك بتوقيع الغرامة المقررة، وتحصيل الرسوم الجمركية المستحقة حتى تقدم تلك البراهين، وكان النهي عن مجاوزة المهلة لأربعة أشهر موجهاً في المادة 17 إلى مصلحة الجمارك، فإنه وإن كان يمتنع على هذه المصلحة إمهال الربان لتقديم البراهين المبررة للنقص مدة تزيد على أربعة أشهر، وعليها متى انقضت هذه المدة أن تصدر قرارها بتوقيع الغرامة المقررة وتحصيل الرسوم الجمركية، إلا أنه إذا عارض الربان في هذا القرار أمام المحكمة المختصة عملاً بالحق المخول له في المادة 36، فإن له أن يقدم لهذه المحكمة ما شاء من أوجه الدفاع، والأدلة المؤيدة لها بما في ذلك البراهين المبررة للنقص الذي وجد في شحنة سفينته ولو لم يسبق عرض تلك الأوجه وهذه الأدلة على مصلحة الجمارك إذ ما دام لا يوجد نص في اللائحة يمنع المحكمة من قبول أوجه دفاع أو أدلة جديدة لم يسبق عرضها على مصلحة الجمارك قبل إصدار قرارها أو يقضى بسقوط حق الربان في تقديم البراهين المبررة للنقص بانقضاء ميعاد الأربعة أشهر المنصوص عليه في المادة 17 من اللائحة الجمركية، فإن سلطة المحكمة في قبول تلك الأوجه والأدلة تكون تامة وغير مقيدة إلا بما قد يرد عليها من قيود في قانون المرافعات، وبالتالي يكون للربان تقديم البراهين المبررة للنقص إلى المحكمة، ولو كان قد استعصى عليه تقديمها لمصلحة الجمارك خلال الأربعة أشهر المنصوص عليها في المادة 17 من اللائحة الجمركية لأن هذا التحديد - على ما سلف القول - إنما تتقيد به المصلحة دون المحكمة التي تنظر المعارضة في قرارها، إذ كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وترتب على هذا تحجبه عن بحث مبررات النقص التي قدمتها الشركة الطاعنة، فإنه يكون قد خالف القانون وجاء مشوباً بالقصور بما يستوجب نقضه دون حاجة لبحث باقي أوجه الطعن.
(1) نقض - جلسة 29/ 5/ 1969 - مجموعة المكتب الفني السنة 20 ص 838.