الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 10 أكتوبر 2020

الطعن 1302 لسنة 37 ق جلسة 27 / 11 / 1967 مكتب فني 18 ج 3 ق 243 ص 1158

جلسة 27 من نوفمبر سنة 1967

برياسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد محفوظ، وحسين سامح، ومحمود العمراوي، ومحمود عطيفة.

----------------

(243)
الطعن رقم 1302 لسنة 37 القضائية

(أ) جريمة. "أركانها". اختلاس. "اختلاس أموال أميرية". موظف عام. مستخدم عام.
إعمال نص المادة 112 من قانون العقوبات. يوجب أن يكون المتهم موظفاً أو مستخدماً عمومياً.
(ب، ج) اختلاس. "اختلاس أموال أميرية". موظف عام. حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره". عقوبة. "عقوبة الرد".
(ب) تمسك الموظف المتهم في جريمة اختلاس أموال أميرية بانحسار صفة الوظيفة عنه في تاريخ معين. يعد دفاعاً جوهرياً بالنسبة لما تلا هذا التاريخ من وقائع أسندت إليه. على المحكمة عند قيام التضارب بالأوراق في هذا الشأن أن تجري تحقيقاً تستجلي به حقيقة الأمر.
)ج) وجوب إقامة أحكام الإدانة في المواد الجنائية على الجزم واليقين.

-------------
1 - يجب لإعمال نص المادة 112 من قانون العقوبات أن يكون المتهم موظفاً أو مستخدماً عمومياً.
2 - تمسك الطاعن في دفاعه الثابت بمحضر جلسة المحاكمة من أن صفة الموظف العام قد انحسرت عنه اعتباراً من يوم 17 مايو سنة 1955، وإصراره أن الأمر لم يقتصر على مجرد وقفه عن العمل بل تعداه إلى فصله من وظيفته منذ ذلك التاريخ، يعد دفاعاً جوهرياً في خصوص تهمة اختلاس الأموال الأميرية المسندة إليه، لمساسه بصحة التكييف القانوني للوقائع التي أسند إليه ارتكابها في تاريخ لاحق للتاريخ المذكور، ويوجب على المحكمة إجراء تحقيق من جانبها تستجيلي به حقيقة الأمر، ما دام التضارب قد قام في الأوراق في هذا الشأن. وإلا كان حكمها قاصراً.
3 - الأحكام في المواد الجنائية يجب أن تبنى على الجزم واليقين لا على الظن والاحتمال، ومن ثم فإن قضاء الحكم بالإدانة عن الوقائع السابقة على 17 مايو سنة 1959 تاريخ انحسار صفة الموظف عن المتهم، كما تمسك هو بذلك في دفاعه. يشوبه بالفساد في الاستدلال طالما أن عقوبة الرد التي أوقعها تشمل الوقائع اللاحقة للتاريخ المذكور.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في خلال الفترة بين شهري مارس ويونيه سنة 1959 بدائرة قسم كرموز محافظة الإسكندرية: وهو موظف عمومي وبصفته من مأموري التحصيل "محصل بقسم الإيرادات ببلدية الإسكندرية" اختلس مبلغ 112ج و383 م المسلم إليه بسبب وظيفته وبالصفة المذكورة من بشاي حبيش بشاي وآخرين وهو قيمة المستحق عليهم من عوائد أملاكهم. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته طبقاً للمادتين 112/ 1 و118 من قانون العقوبات. فصدر قراره بذلك. ومحكمة جنايات الإسكندرية قضت حضورياً عملاً بمادتي الاتهام مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة ثلاث سنين وبتغريمه 500 ج خمسمائة جنيه وبعزله من وظيفته وإلزامه برد المبلغ المختلس وقدره 112 ج و383 م "مائة واثنا عشر جنيهاً وثلاثمائة وثمانون مليماً". فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... الخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن أن الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة اختلاس أموال مسلمة إليه بسبب وظيفته بصفته من مأموري التحصيل، قد أخطأ في تطبيق القانون، وشابه فساد في الاستدلال، ذلك بان الطاعن دفع أمام المحكمة بأن ما أسند إليه من وقائع لاحقة على يوم 17 مايو سنة 1959 - وهو تاريخ فصله من الخدمة - لا يكون جناية الاختلاس وقد جاءت تحقيقات النيابة الإدارية المنضمة لأوراق الدعوى مؤيدة لهذا الدفع بما أثبتته من أن الطاعن ترك الخدمة في هذا التاريخ. غير أن المحكمة أطرحت هذا الدفع استناداً إلى أنه قد ثبت من مذكرة المفتش فائق رزق أن خدمة الطاعن تنتهي في 30 يونيه سنة 1959 وأن وقفه عن العمل في 17 مايو سنة 1959 لم يكن لينفي عنه صفة الموظف العام، في حين أن تلك المذكرة إنما تضمنت أن مدة خدمة الطاعن باعتباره موظفاً مؤقتاً كانت تنتهي في 30 يونيه سنة 1959 طبقاً لعقده أما نهاية عمله الفعلية فقد كانت في 17 مايو سنة 1959 حيث فصل لعدم تقديمه شهادة المعاملة، وقد أدى هذا الخلط من جانب المحكمة إلى خطئها في تطبيق القانون.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مؤداه أن المتهم....... (الطاعن) المحصل بقسم الإيرادات ببلدية الإسكندرية والذي كان من مهام وظيفته تحصيل قيمة العوائد المطلوبة عن العقارات الكائنة بغيط العنب بدائرة قسم كرموز محافظة الإسكندرية قام في الفترة من مارس سنة 1959 إلى يونيه سنة 1959 باستلام قيمة العوائد المستحقة على بعض الممولين ولكنه لم يوردها لخزانة المحافظة واختلسها لنفسه وقد بلغت جملتها 112 ج 383 م. وبعد أن أورد الحكم الأدلة التي استند إليها في قضائه بالإدانة - مستمدة من أقوال الممولين سالفي الذكر ومن تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير بشأن الورقة التي سلمها الطاعن إلى أحدهم وما أثبته الاطلاع على دفاتر المحافظة من عدم توريده المبالغ التي تسلمها - عرض لدفاع الطاعن الذي يردده في وجه طعنه، وأطرحه بقوله: "وحيث إن ما أثاره الدفاع بشأن أن المتهم قد أوقف عن عمله من 17/ 5/ 1959 مردود بما جاء بمذكرة التفتيش فائق رزق بأن مدة خدمة المتهم تنتهي في 30/ 6/ 1959 وما قيل بشأن وقف المتهم عن عمله اعتباراً من 17/ 5/ 1959 بسبب عدم تقديم شهادة المعاملة لا ينفي أن المتهم ما زال موظفاً عمومياً وإذا كان قد حصل نقوداً من بعض المستحق عليهم رسوم عوائد خلال المدة من 17/ 5/ 1959 إلى آخر يونيه سنة 1959 ولا يدري أحد منهم إن كان موقوفاً أم لا فقد حصلها بصفته محصلاً بالبلدية وكان يتعين عليه تسليم هذه المبالغ إلى الجهة التي حصلها لحسابها وإذ احتفظ بها لنفسه فإنه يعتبر مختلساً لها" وانتهى الحكم في قضائه إلى إدانة الطاعن ومعاقبته وفقاً لنص المادتين 112 و118 من قانون العقوبات. لما كان ذلك، وكان ما تمسك به الطاعن في دفاعه الثابت بمحضر جلسة المحاكمة من أن صفة الموظف العام قد انحسرت عنه اعتباراً من يوم 17 مايو سنة 1959 - وإصراره أن الأمر لم يقتصر على مجرد وقفه عن العمل بل تعداه إلى فصله من وظيفته منذ ذلك التاريخ - مما يعد في خصوصية الدعوى المطروحة دفاعاً جوهرياً لمساسه بصحة التكييف القانوني للوقائع التي أسند إليه ارتكابها في تاريخ لاحق، وكانت أوراق الدعوى - على ما يبين من الاطلاع على المفردات المضمومة تحقيقاً لوجه الطعن - لا تعين على تحديد طبيعة الإجراء الإداري الذي اتخذ حيال الطاعن في التاريخ سالف الذكر، ولا يستطاع من واقعها الجزم بما إذا كان الطاعن قد أوقف عن عمله في ذلك التاريخ - مع استبقائه في وظيفته - أم أنه فصل من عمله في التاريخ المشار إليه ورفعت عنه بهذا الفصل صفة الموظف، مما يختلف أثره في مجال تطبيق المادة 112 من قانون العقوبات - المطبقة على واقعة الدعوى - والتي يجب لإعمال نصها أن يكون المتهم موظفاً أو مستخدماً عمومياً - أو ممن يعد في حكم الموظف - ذلك بأن الأوراق إن تضمنت كتاباً مؤرخاً 10/ 8/ 1959 صادراً من قلم مراقبة التحصيل بقسم الإيرادات ببلدية الإسكندرية إلى رئيس نيابة الإسكندرية جاء به أن الطاعن أوقف عن عمله ابتداء من 17/ 5/ 1959 - إلا أنه قد جاء بأقوال محمد محمود فؤاد رئيس قلم مراقبة التحصيل سالف الذكر - في تحقيق النيابة الإدارية أن الطاعن قد فصل من الخدمة في 17/ 5/ 1959 لعدم تقديمه شهادة المعاملة وهو ما رددته مذكرة تلك النيابة واستندت إليه في القرار الذي أصدرته في التحقيقات التي أجرتها مع الطاعن. كما أن مذكرة المفتش فائق رزق المؤرخة 21/ 6/ 1959 والمرفوعة إلى مراقب التحصيل (وهي المذكرة التي أشار إليها الحكم)، وإن تضمنت أن مدة خدمة الطاعن بالبلدية تنتهي في 30/ 6/ 1959 إلا أنها أشارت أيضاً إلى أنه أوقف عن عمله لاستحضار شهادة المعاملة - وقد جاء بالكتاب الصادر من المدير العام لإدارة التفتيش والشئون القانونية ببلدية الإسكندرية إلى رئيس نيابة الإسكندرية بتاريخ 14/ 7/ 1959 أن الطاعن قد فصل من الخدمة لعدم تقديمه شهادة المعاملة. لما كان ذلك، وكانت المحكمة على الرغم من هذا التضارب القائم في الأوراق قد انتهت إلى مساءلة الطاعن وفقاً للمادة 112 من قانون العقوبات عن الوقائع التي ارتكبت خلال المدة من مارس سنة 1959 إلى يونيه سنة 1959 سواء ما تقدم منها على يوم 17 مايو سنة 1959 وما تأخر عنه - استناداً منها إلى تلك الأسباب القاصرة المشار إليها فيما تقدم، دون أن تجري من جانبها تحقيقاً تستجلي به حقيقة الأمر، فإن حكمها فوق قصوره يكون مشوباً بالفساد في الاستدلال، ذلك بأن الأحكام في المواد الجنائية يجب أن تبنى على الجزم واليقين لا على الظن والاحتمال ولا يغني في ذلك قضاء الحكم بالإدانة عن الوقائع السابقة على يوم 17 مايو سنة 1959 طالما أن عقوبة الرد التي أوقعها الحكم تشمل كذلك الوقائع اللاحقة على هذا التاريخ. لما كان ما تقدم، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه والإحالة بغير حاجة إلى بحث سائر ما يثيره الطاعن في طعنه.

الطعن 1367 لسنة 37 ق جلسة 28 / 11 / 1967 مكتب فني 18 ج 3 ق 252 ص 1196

جلسة 28 من نوفمبر سنة 1967

برياسة السيد المستشار/ عادل يونس رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد صبري، ومحمد عبد المنعم حمزاوي، ونصر الدين عزام، وأنور أحمد خلف.

-----------------

(252)
الطعن رقم 1367 لسنة 37 القضائية

(أ، ب) رشوة. موظف عمومي. مكلف بخدمة عامة.
(أ) واجب الموظف أو المكلف بخدمة عامة في الإبلاغ عن الجرائم التي علم بها أثناء تأدية عمله أو بسببه المنصوص عليه في المادة 26 إجراءات؟ امتناع أيهما عن أداء هذا الواجب يعتبر إخلالاً خطيراً بواجبات الوظيفة أو الخدمة العامة يستوي في القانون مع امتناع الموظف أو المستخدم العام عن أداء عمل من أعمال وظيفته تطبيقاً لنص المادة 104 عقوبات المعدلة التي عددت صورة الرشوة. استهداف المشرع من النص على مخالفة واجبات الوظيفة كصورة من صور الرشوة التي عددتها المادة الأخيرة مدلولاً أوسع من أعمال الوظيفة التي تنص عليها القوانين واللوائح والتعليمات بحيث تشمل أمانة الوظيفة ذاتها التي تفرض على المستخدم في مصلحة حكومية ألا يتدخل في عمل رئيسه وأن ينأى عن السعي لديه للامتناع عن أداء واجب التبليغ الذي يلزمه به القانون. مثال.
(ب) لا شأن لعدم الاختصاص المكاني بالإخلال بالواجب العام بالتبليغ عن الجرائم.
(ج، د، هـ) مسئولية جنائية. "سقوطها". أسباب الإباحة وموانع العقاب. "حالة الضرورة". رشوة. نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
(ج) حالة الضرورة التي تسقط المسئولية. ماهيتها؟
(د) ليس للمرء أن يرتكب أمراً محرماً ثم يقارف جريمة في سبيل النجاة مما ارتكبه.
(هـ) الدفع بأن المتهم كان في حالة ضرورة ألجأته إلى ارتكاب الجريمة. عدم جواز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.

----------------
1 - أوجبت المادة 26 من قانون الإجراءات الجنائية على كل موظف أو مكلف بخدمة عامة علم أثناء تأدية عمله أو بسبب تأديته بوقوع جريمة من الجرائم التي يجوز للنيابة العامة رفع الدعوى عنها بغير شكوى أو طلب أن يبلغ عنها فوراً النيابة العامة أو أقرب مأمور من مأموري الضبط القضائي. وامتناع الموظف أو المكلف بخدمة عامة عن أداء واجب التبليغ عن جريمة يعتبر إخلالاً خطيراً بواجبات الوظيفة أو الخدمة العامة يستوي في القانون مع امتناع الموظف أو المستخدم العام عن أداء عمل من أعمال وظيفته تطبيقاً لنص المادة 104 من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 69 لسنة 1953 التي عددت صور الرشوة وجاء نصها في ذلك مطلقاً من كل قيد بحيث يتسع مدلوله لاستيعاب كل عبث يمس الأعمال التي يقوم بها الموظف وكل تصرف أو سلوك ينتسب إلى هذه الأعمال ويعد من واجبات أدائها على الوجه السوي الذي يكفل دائماً أن تجري على سنن قويم. وقد استهدف المشرع من النص على مخالفة واجبات الوظيفة كصورة من صور الرشوة التي عددتها المادة 104 معدلة من قانون العقوبات مدلولاً أوسع من أعمال الوظيفة التي تنص عليها القوانين واللوائح أو التعليمات بحيث تشمل أمانة الوظيفة ذاتها. وإذ كانت أمانة الوظيفة تفرض على المستخدم في مصلحة حكومية ألا يتدخل في عمل رئيسه وأن ينأى عن السعي لديه للامتناع عن أداء واجب التبليغ الذي يلزمه به القانون، لما قد يؤدي إليه تدخله من إفلات مجرم من المسئولية الجنائية وهو أمر تتأذى منه العدالة وتسقط عنده ذمة الموظف، فإذا وقع منه فإنه يعد إخلالاً بواجبات وظيفته التي تفرض عليه أن يبادر بالتبليغ عن الجرائم فور علمه بها. ولما كان الحكم قد أثبت أن رئيس مجلس المدينة (وهو مكلف بخدمة عامة) وسائق سيارته (وهو مستخدم في الدرجة التاسعة بمحافظة الشرقية) علماً بسبب تأدية عملهما بارتكاب الطاعن جريمة نقل فول سوداني من محافظة الشرقية بدون ترخيص وهي جريمة تموينية يجوز للنيابة العامة رفع الدعوى الجنائية عنها بغير شكوى أو طلب، فإن عرض جعل على أحدهما للإخلال بواجبات الوظيفة أو الخدمة العامة بالامتناع عن أداء واجب التبليغ عن تلك الجريمة التموينية يعد في صحيح القانون عرضاً للرشوة. وإذ كان الحكم قد أثبت في حقل الطاعن أنه عرض جعلاً على السائق حتى يتوسط لدى رئيسه لكي يمتنع عن إبلاغ الشرطة بالمخالفة التموينية واستخلصت من هذه الواقعة أن الغرض من عرض الجعل على السائق ينطوي فضلاً عن الوساطة لدى - رئيسه أن يمتنع من جانبه عن التبليغ عن تلك الجريمة لأن قبول الوساطة يقتضي حتماً وبطريق اللزوم العقلي الامتناع عن التبليغ وهو استخلاص سديد وسائغ، ذلك بأن واجب التبليغ عن الجرائم يفرض على رئيس مجلس المدينة وعلى سائق سيارته على السواء بالمبادرة إلى التبليغ عن المخالفة التموينية التي علم بها كل منهما بسبب تأدية عمله.
2 - عدم الاختصاص المكاني لا شأن له بالإخلال بالواجب العام بالتبليغ عن الجرائم.
3 - الأصل في القانون أن حالة الضرورة التي تسقط المسئولية هي التي تحيط بشخص وتدفعه إلى الجريمة ضرورة وقاية نفسه أو غيره من خطر جسيم على النفس على وشك الوقوع به أو بغيره ولم يكن لإرادته دخل في حلوله.
4 - الأصل أنه ليس للمرء أن يرتكب أمراً محرماً ثم يقارف جريمة في سبيل النجاة مما ارتكبه.
5 - ليس للطاعن أن يثير لأول مرة أمام محكمة النقض بأنه كان في حالة ضرورة ألجأته إلى عرض الرشوة تخلصاً من خطر القبض عليه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 5 من أكتوبر سنة 1965 بدائرة مركز الخانكة محافظة القليوبية: عرض رشوة على مستخدم عمومي للإخلال بواجبات وظيفته بأن قدم لإبراهيم أحمد علي أبو طالب مبلغ خمسة عشر جنيهاً على سبيل الرشوة مقابل العمل على عدم تبليغ الشرطة بواقعة ضبطه ينقل فولاً سودانياً خارج حدود المحافظة دون ترخيص من الجهة المختصة ولكن المستخدم العمومي لم يقبل الرشوة منه. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمواد 104 و109 مكرراً و110 و111 من قانون العقوبات. فقرر بذلك. ومحكمة جنايات بنها قضت في الدعوى حضورياً بتاريخ 12 مارس سنة 1967 عملاً بمواد الاتهام بمعاقبة المتهم بالسجن ثلاث سنوات وتغريمه خمسمائة جنيه ومصادرة مبلغ الرشوة المضبوط. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض..... الخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة عرض رشوة قد أخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأنه بفرض أن الطاعن قد عرض مبلغاً من المال على سائق سيارة رئيس مجلس مدينة بلبيس حتى يتوسط لدى رئيسه في إخلاء سبيل الطاعن وعدم التبليغ عن اقترافه جريمة تموينية فإنه إنما قصد بفعله أن يتفادى عملاً ظالماً لأن ما اتخذه رئيس مجلس المدينة من إيقافه السيارة النقل والقبض على سائقها وعلى الطاعن وسحب الرخص والبطاقات منهما هي جميعها إجراءات باطلة غير مشروعة إذ أن رئيس جلس المدينة فضلاً عن كونه من غير رجال الضبط القضائي فإن محل الحادث يقع بدائرة محافظة القليوبية خارج حدود مركز عمله. ومن ناحية أخرى فإنه يجب لقيام جريمة عرض رشوة أن يكون العرض على موظف مختص بالعمل الذي يطلب منه أداؤه أو الامتناع عنه، وما دام قد تحقق أن الجعل قد عرض على ميكانيكي انتدب لقيادة سيارة رئيس مجلس مدينة بلبيس وهو لا يختص - لا هو ولا رئيسه - بضبط جرائم تقع بدائرة محافظة القليوبية، وكان واجب التبليغ عن الجرائم لا يعتبر عملاً وظيفياً يجعل عرض مبلغ النقود في حكم الرشوة، فإن الحكم إذا انتهى إلى إدانة الطاعن بجريمة عرض رشوة يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله: "إنه نحو الساعة الواحدة من صباح يوم 5 من أكتوبر سنة 1965 بينما كان العقيد أحمد أنيس دياب رئيس مجلس مدينة بلبيس يستقل سيارته الحكومية يرافقه إبراهيم أحمد علي أبو طالب الميكانيكي محافظة الشرقية - والمنتدب بمجلس مدينة بلبيس لقيادة تلك السيارة - في الطريق إلى القاهرة لأداء عمل من أعمال وظيفته أبصر إحدى سيارات النقل تسير بسرعة فائقة - فاشتبه في أن تكون محملة بمحصول الفول السوداني الممنوع نقله من محافظة الشرقية بغير ترخيص فحاول اللحاق بها ولكنه لاحظ أن قائدها أبطأ في السير ثم وقف بها في الطريق وأطفأ مصابيحها وإذ عاد إليها علم من قائدها سمير عباس محمد ومن ............... (الطاعن) الذي كان يجلس إلى جواره بأنهما ينقلان بهذه السيارة كمية من الفول السوداني خاصة بثانيهما - المتهم - وأنهما نقلاها من بلدة الصالحية التابعة لمحافظة الشرقية بغير ترخيص فكلف قائد سيارته إبراهيم أحمد علي أبو طالب بأن يرافقهما في سيارة النقل للتحفظ عليهما وعلى حمولتها من الفول السوداني وأمر بأن يتبعوه بهذه السيارة إلى نقطة شرطة أبي زعبل وفي الطريق إلى تلك النقطة قدم المتهم إلى إبراهيم أحمد علي أبو طالب مبلغ خمسة عشر جنيهاً وطلب منه التوسط لدى رئيسه - رئيس مجلس المدينة - للإفراج عن السيارة وما تحمله من الفول السوداني وعدم إبلاغ الأمر للشرطة ولكنه - أي قائد سيارة رئيس مجلس المدينة - لم يقبل الرشوة وأخبر بالأمر رئيسه الذي أبلغ الشرطة بالحادث" وساق الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة أدلة مستمدة من شهادة العقيد أحمد أنيس دياب وإبراهيم أحمد علي أبو طالب وقائد السيارة النقل سمير عباس محمد. لما كان ذلك، وكان لا يبين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن أثار أنه كان في حالة ضرورة ألجأته إلى عرض الرشوة تخلصاً من خطر القبض عليه، ومن ثم فإنه لا يقبل منه إثارة هذا الدفع لأول مرة أمام محكمة النقض. هذا فضلاً عن أن الأصل في القانون أن حالة الضرورة التي تسقط المسئولية هي التي تحيط بشخص وتدفعه إلى الجريمة ضرورة وقاية نفسه أو غيره من خطر جسيم على النفس على وشك الوقوع به أو بغيره ولم يكن لإرادته دخل في حلوله. والأصل أنه ليس للمرء أن يرتكب أمراً محرماً ثم يقارف جريمة في سبيل النجاة مما ارتكبه. ولما كان الثابت من الحكم المطعون فيه أن الطاعن إنما عرض الرشوة ليتخلص من الجريمة التموينية التي اقترفها والمؤثمة قانوناً بقرار وزير التموين رقم 238 لسنة 1963 الصادر في 21 من أكتوبر سنة 1963 الخاص بحظر نقل الفول السوداني الخام المقشور أو غير المقشور من محافظة إلى أخرى المنشور بالعدد رقم 82 مكرراً من الوقائع المصرية بتاريخ 21 من أكتوبر سنة 1963 فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد في القانون. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على توافر أركان جريمة عرض الرشوة في حق الطاعن في قوله: "حيث إن العمل الذي طلب من الموظف - الشاهد الثاني - أداؤه مقابل المبلغ الذي أعطى له وهو الوساطة لدى رئيسه الشاهد الأول - للإفراج عن حمولة سيارة النقل من الفول السوداني وعدم إبلاغ الشرطة عن نقلها من محافظة الشرقية بغير ترخيص ينطوي في الواقع على أمرين تتحقق بكل منهما صورة من صور المخالفة لواجبات الوظيفة (الأول) مخالفة أمانة الوظيفة، ذلك أن أمانة وظيفة ذلك الموظف تفرض عليه ألا يتدخل في أعمال رئيسه ولو بالوساطة لديه وعلى الأخص لتحقيق أمر مخالف للقانون (والثاني) إخلال الموظف بواجب التبليغ عن جريمة اتصلت بعمله بسبب تأدية وظيفته مما يعتبر إخلالاً خطيراً بواجبات وظيفته، ذلك أن قبوله الوساطة يقتضي حتماً ولزوماً الامتناع من جانبه عن التبليغ عن تلك المخالفة التموينية... ومتى كان ذلك جميعه فإن جريمة الرشوة تكون قد وقعت من المتهم وكان الغرض منها أن يؤدي ذلك الموظف عملاً ينطوي على إخلال بواجبات وظيفته". لما كان ذلك،
وكانت المادة 26 من قانون الإجراءات الجنائية قد أوجبت على كل موظف أو مكلف بخدمة عامة علم أثناء تأدية عمله أو بسبب تأديته بوقوع جريمة من الجرائم التي يجوز للنيابة العامة رفع الدعوى عنها بغير شكوى أو طلب أن يبلغ عنها فوراً النيابة العامة أو أقرب مأمور من مأموري الضبط القضائي. وكان امتناع الموظف أو المكلف بخدمة عامة عن أداء واجب التبليغ عن جريمة يعتبر إخلالاً خطيراً بواجبات الوظيفة أو الخدمة العامة يستوي في القانون مع امتنع الموظف أو المستخدم العام عن أداء عمل من أعمال وظيفته تطبيقاً لنص المادة 104 من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 69 لسنة 1953 التي عددت صور الرشوة وجاء نصها في ذلك مطلقاً من كل قيد بحيث يتسع مدلوله لاستيعاب كل عبث يمس الأعمال التي يقوم بها الموظف وكل تصرف أو سلوك ينتسب إلى هذه الأعمال ويعد من واجبات أدائها على الوجه السوي الذي يكفل دائماً أن تجري على سنن قويم. ولما كان المشرع قد استهدف من النص على مخالفة واجبات الوظيفة كصورة من صور الرشوة التي عددتها المادة 104 معدلة من قانون العقوبات مدلولاً أوسع من أعمال الوظيفة التي تنص عليها القوانين واللوائح أو التعليمات بحيث تشمل أمانة الوظيفة ذاتها. وإذ كانت أمانة الوظيفة تفرض على المستخدم في مصلحة حكومية - ألا يتدخل في عمل رئيسه وأن ينأى عن السعي لديه للامتناع عن أداء واجب التبليغ الذي يلزمه به القانون، لما قد يؤدي إليه تدخله من إفلات مجرم من المسئولية الجنائية وهو أمر تتأذى منه العدالة وتسقط عنده ذمة الموظف، فإذا وقع منه يعد إخلالاً بواجبات وظيفته التي تفرض عليه أن يبادر بالتبليغ عن الجرائم فور علمه بها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أثبت أن رئيس مجلس المدينة - وهو مكلف بخدمة عامة - وسائق سيارته - وهو مستخدم في الدرجة التاسعة بمحافظة الشرقية على ما يبين من مراجعة المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً للطعن - علماً بسبب تأدية عملهما بارتكاب الطاعن جريمة نقل فول سوداني من محافظة الشرقية بدون ترخيص وهي جريمة تموينية يجوز للنيابة العامة رفع الدعوى الجنائية عنها بغير شكوى أو طلب، فإن عرض جعل على أحدهما للإخلال بواجبات الوظيفة أو الخدمة العامة بالامتناع عن أداء واجب التبليغ عن تلك الجريمة التموينية يعد في صحيح القانون عرضاً للرشوة. وإذ كان الحكم قد أثبت في حق الطاعن أنه عرض جعلاً على السائق حتى يتوسط لدى رئيسه لكي يمتنع عن إبلاغ الشرطة بالمخالفة التموينية واستخلصت من هذه الواقعة أن الغرض من عرض الجعل على السائق ينطوي - فضلاً عن الوساطة لدى رئيسه بأن يمتنع من جانبه عن التبليغ عن تلك الجريمة لأن قبول الوساطة يقتضي - حتماً وبطريق اللزوم العقلي الامتناع عن التبليغ وهو استخلاص سديد وسائغ ذلك بأن واجب التبليغ عن الجرائم يفرض على رئيس مجلس المدينة وعلى سائق سيارته - على السواء - بالمبادرة إلى التبليغ عن المخالفة التموينية التي علم بها كل منهما بسبب تأدية عمله. ولما كان عرض الطاعن الجعل على السائق مقابل هذا الإخلال لم يقبل منه، فإن الحكم إذ دان الطاعن بالجريمة المنصوص عليها في المادة 109 مكرر من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 120 لسنة 1962 الصادر في 19 يوليه سنة 1962 يكون قد صادف صحيح القانون، ويكون ما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الشأن غير سديد. لما كان ذلك، وكان لا يبين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن قد دفع بعدن الاختصاص المكاني لرئيس مجلس المدينة في ضبط المخالفة التموينية. وكان عدم الاختصاص المكاني لا شأن له بالإخلال بالواجب العام بالتبليغ عن الجرائم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون في غير محله. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.

الطعن 2115 لسنة 37 ق جلسة 25 / 12 / 1967 مكتب فني 18 ج 3 ق 279 ص 1302

جلسة 25 من ديسمبر سنة 1967

برياسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد محفوظ، وحسين سامح، ومحمود العمراوي، ومحمود عطيفة.

---------------------

(279)
الطعن رقم 2115 لسنة 37 القضائية

(أ) جريمة. "أركان الجريمة". عاهة مستديمة. "ضرب". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". رابطة السببية. نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
كفاية ثبوت الفقد الدائم لمنفعة العضو الذي تخلفت به العاهة ولو فقداً جزئياً - مهما كان مقدارها - لتحقق جريمة العاهة المستديمة وتوفر عناصرها.
(ب، ج) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات. "إثبات بوجه عام".
(ب) حق محكمة الموضوع في رد واقعة الدعوى إلى صورتها الصحيحة. لا يقيدها في ذلك دليل.
(ج) التناقض في أقوال الشاهد. لا يعيب الحكم. ما دام قد حصل دليل الإدانة منها بما لا تناقض فيه.
(د) إجراءات المحاكمة.
التنازل عن سماع الشاهد. يخول المحكمة الاستغناء عن سماعه والاكتفاء بأقواله في التحقيقات.
(هـ) دفوع. "الدفع بتلفيق التهمة". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الدفع بتلفيق التهمة. تقديره. موضوعي.

----------------
1 - من المسلم به في صحيح القانون، أن العاهة المستديمة يتحقق وجودها بفقد أحد الأعضاء أو أحد أجزائه وبكل ما من شأنه نقص قوة أحد الأعضاء أو أحد الأجزاء أو بتقليل قوة مقاومته الطبيعية، إذ القانون لم يحدد نسبة معينة للنقص الذي يتطلبه لتكوين العاهة، بل يكفي لتحقيق وجودها أن يثبت أن منفعة العضو الذي تخلفت به قد فقدت بصفة مستديمة ولو فقداً جزئياً مهما كان مقدار هذا الفقد، فإذا كان الحكم قد أثبت العاهة على النحو المتقدم وقدر نسبة العجز بنسبة 2% ودان المتهم على هذا الأساس فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً وأنزل على الواقعة حكم القانون ووفر رابطة السببية بما يوفر عناصر الجريمة التي دانه بها، ومن ثم فإن النعي عليه في هذا الصدد لا يكون مقبولاً.
2 - من حق محكمة الموضوع أن ترد واقعة الدعوى إلى صورتها الصحيحة التي ترتسم في وجدانها من مجموع الأدلة المطروحة عليها دون أن تتقيد في هذا التصوير بدليل بعينه، ومن ثم فلا تثريب عليها إن هي أخذت بشهادة المجني عليها وحدها دون ما عداها من أقوال الشهود، إذ في أخذها بأقوال شاهد الإثبات ما يفيد أنها لم تر في أقوال شهود النفي ما يصح الركون إليه.
3 - لا ينال التناقض في أقوال الشاهد، من سلامة الحكم في استخلاص الإدانة من أقواله، ما دام قد استخلصها استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه.
4 - إذ كان الثابت من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن تنازل صراحة عن سماع شهادة المجني عليها، فإنه يكون من حق المحكمة أن تستغني عن سماعها وتعول على أقوالها في التحقيقات.
5 - لا جناح على محكمة الموضوع إن هي أطرحت دفع المتهم بتلفيق التهمة عليه ركوناً منها إلى ما أوردته في مدونات حكمها من أنه لم يقم دليل من التحقيقات على الدافع الذي يدعو المجني عليها لاتهامه زوراً دون جارتها التي زعم المذكور بأنها المعتدية، لتعلق ذلك بسلطة المحكمة في تقدير أدلة الدعوى واستخلاص ما تؤدي إليه من نتيجة مما تستقل به بغير معقب عليها من محكمة النقض.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 19/ 7/ 1964 بدائرة مركز المنيا محافظة المنيا: أحدث عمداً بسعاد عمر مصطفى الإصابة الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي بأن أمسك بذراعها وقام بثنيه والتي تخلف لديها من جرائها عاهة مستديمة يستحيل برؤها هي إعاقة طفيفة في نهاية حركة بطح الساعد تقلل من قدرتها وكفاءتها عن العمل بنحو 2% وطلبت من مستشار الإحالة إحالته على محكمة الجنايات لمحاكمته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. فقرر بذلك وادعت...... المجني عليها - مدنياً قبل المتهم بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت مع المصاريف والأتعاب. ومحكمة جنايات المنيا قضت حضورياً عملاً بالمادتين 240/ 1 و17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالحبس ثلاثة أشهر مع الشغل وبإلزامه بأن يدفع للمدعية بالحق المدني مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المدني المؤقت ومصاريف الدعوى المدنية ومبلغ ثلاثمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض ..... الخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة إحداث عاهة مستديمة قد أخطأ في الإسناد وشابه فساد في الاستدلال وقصور وتناقض في التسبيب كما عابه خطأ في تطبيق القانون، ذلك بأنه عول على أقوال المجني عليها وأطرح أقوال الشهود الذين سمعوا في تحقيقات النيابة وأيدوا دفاع الطاعن بعلة أنهم من مرؤوسيه مع أن ثلاثة منهم عينهم بأسمائهم لم تتوافر لهم هذه الصفة ثم إن الحكم نفى عن المجني عليها الدافع الذي يدعو إلى تلفيق التهمة ضد الطاعن من أن هذا الدافع قام الدليل عليه في الأوراق كما أنه على الرغم من أن للمجني عليها روايتين في التحقيقات تضمنت الأولى أن الإعتداء عليها كان بسبب اتهامها الطاعن بمحاولة فتح باب شقتها بينما كان سبب الاعتداء في الثانية هو تبليغها الحادث للنقطة فإن المحكمة لم تلتفت إلى هذا الخلاف الجوهري بين هاتين الروايتين وأخذت بالرواية الثانية قضية مسلمة وكان يتعين عليها أن تستحضر المجني عليها وتناقشها في ذلك مما حجب عنها فهم الواقع في الدعوى، كما أن الحكم في إيراده لأقوال المجني عليها لم يضمنها أن الطاعن ثنى ذراعها مع أن التقرير الطبي أرجع العاهة إلى لي الذراع بقوة ولم تتنبه المحكمة إلى ذلك وإلى تعدد روايات المجني عليها في التحقيقات عن كيفية حصول الاعتداء عليها وإلى تراخيها في تقديم أوراق علاجها مدة قاربت السنتين مما يثير الشك في صحة نسبة هذه الأوراق إليها، وكان يجب على المحكمة أن تستجلي هذه الأمور وتستظهر رابطة السببية بين إصابة المجني عليها والعاهة كما أن تقدير الطبيب الشرعي نسبة العجز في إصابة المجني عليها بـ 2% لا يوفر تهمة العاهة المستديمة في حق الطاعن مما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية لجريمة العاهة المستديمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه الأدلة السائغة التي من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها - عرض إلى ما دفع به الطاعن من عدم تعديه على المجني عليها ورد عليه بما مؤداه أن الشهود الذين أيدوا دفاع الطاعن هم من رجال الحفظ المرؤوسين له باعتباره عمدة البلدة، وما أورده الحكم من ذلك كعلة لتبرير إطراحه لأقوال هؤلاء الشهود لا ينال منه قول الطاعن إن بعضاً منهم ليسوا من مرؤوسيه حتى يصح للمحكمة أن تطرح أقوالهم بموجب هذه العلة لأنه وإن صح هذا القول بالنسبة إلى اثنين منهم وهما سنية حسن الظريف ومحمود فخري حنفي يونس - كما هو واضح من المفردات المضمومة - فإن ذلك ليس من شأنه في صورة هذه الدعوى أن يؤثر على ما انتهى إليه الحكم من عدم الأخذ بشهادتهم في مجموعها إذ مرجع الأمر في ذلك إلى اطمئنانها إلى صحة الوقائع التي شهدوا عليها بصرف النظر عن الباعث الذي دعاهم إلى الشهادة، ولأن مؤدى أخذها بأقوال شهود الإثبات أنها لم تر في أقوال شهود النفي ما يصح الركون إليه. ولما كان من حق محكمة الموضوع أن ترد واقعة الدعوى إلى صورتها الصحيحة التي ترتسم في وجدانها من مجموع الأدلة المطروحة عليها دون أن تتقيد في هذا التصوير بدليل بعينه فإنه لا تثريب عليها إن هي أخذت بشهادة المجني عليها وحدها دون ما عداها من أقوال الشهود من التحقيقات. ثم إنه لا جناح عليها أيضاً إن هي أطرحت دفع الطاعن بتلفيق التهمة عليه ركوناً منها إلى ما أوردته في مدونات حكمها من أنه لم يقم دليل من التحقيقات على الدافع الذي يدعو المجني عليها لاتهام الطاعن زوراً دون جارتها التي زعم الطاعن بأنها المعتدية - لتعلق ذلك بسلطة محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى واستخلاص ما تؤدي إليه من نتيجة مما تستقل به بغير معقب ولا يجوز إثارته أمام محكمة النقض، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد بشقيه لا يكون سديداً. لما كان ما تقدم، وكان يبين من الحكم أنه رد الواقعة إلى أن إصابة العاهة المستديمة حدثت من ثني الطاعن لذراع المجني عليها ودلل على ثبوتها في حقه تدليلاً سائغاً لا تناقض فيه اعتماداً منه في ذلك إلى أقوال المجني عليها وإلى ما أورده التقرير الطبي الشرعي وحصل مؤداهما بأن المجني عليها شهدت بتعدي الطاعن عليها وجذبه لذراعها غيظاً من طلب الشرطة له بعد إبلاغها باكتشاف محاولة كسر باب مسكنها وحصل مضمون التقرير الطبي الشرعي بجواز حصول إصابتها على النحو الذي تحدثت به. ولما كان التناقض في أقوال الشاهدة - بفرص صحة ما يقوله الطاعن - لا ينال من سلامة الحكم في استخلاص الإدانة من أقوالها استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه، وكان من حق المحكمة أن تستغني عن سماع المجني عليها وتعول على أقوالها في التحقيقات ما دام الثابت من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن تنازل صراحة عن سماعها وكان للمحكمة أيضاً أن ترد الواقعة إلى الصورة الصحيحة التي استقرت في وجدانها من مجموع الأدلة المطروحة. لما كان ذلك، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً حول سلطة قاضي الموضوع في تقدير أدلة الدعوى مما يستقل به بغير معقب ولا يجوز البحث فيه أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم، وكان الحكم قد أثبت أن المحكمة خلصت في يقين جازم إلى أن الطاعن جذب المجني عليها بقوة من ذراعها فأحدث بها رضاً خفيفاً نجم عنه إعاقة طفيفة في نهاية حركة بطح الساعد مما يقلل من قدرة المجني عليها على العمل بنحو 2% وعولت في حكمها بهذه النتيجة على أقوال المجني عليها التي حصلتها بما لا تناقض فيه وبما يتفق وهذا المعنى كما استند الحكم أيضاً إلى التقرير الطبي الشرعي وحصله بما مؤداه أن تلك الإعاقة في نهاية حركة بطح الساعد تخلفت عن ثني الذراع في تاريخ يتفق وتاريخ الحادث. لما كان ذلك، وكان الطاعن لم يجادل أمام محكمة الموضوع في شيء حول نفي الصلة بين العاهة وفعل الضرب المسند إليه وكان من المسلم به في صحيح القانون أن العاهة المستديمة يتحقق وجودها بفقد أحد الأعضاء أو أحد أجزائه وبكل ما من شأنه نقص قوة أحد الأعضاء أو أحد الأجزاء أو بتقليل قوة مقاومته الطبيعية كما أن القانون لم يحدد نسبة معينة للنقص الذي يتطلبه لتكوين العاهة بل يكفي لتحقيق وجودها أن يثبت أن منفعة العضو الذي تخلفت به قد فقدت بصفة مستديمة ولو فقداً جزئياً مهما يكن مقدار هذا الفقد، وإذ ما كان الحكم قد أثبت تلك العاهة المستديمة على النحو المتقدم البيان وقدر نسبة العجز فيها بنحو 2% ودان الطاعن على هذا الأساس فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً وأنزل على الواقعة حكم القانون ووفر رابطة السببية بما يوفر عناصر الجريمة التي دان الطاعن بها، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون مقبولا. لما كان ما تقدم جميعه، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.


الطعن 67 لسنة 5 ق جلسة 27 / 2 / 1936 مج عمر المدنية ج 1 ق 332 ص 1066

جلسة 27 فبراير سنة 1936

برياسة حضرة محمد لبيب عطية بك وبحضور حضرات: مراد وهبة بك ومحمد فهمى حسين بك وحامد فهمى بك وعلى حيدر حجازي بك المستشارين.

---------------

(332)
القضية رقم 67 سنة 5 القضائية

(أ ) وارث.

صدور سند من المورّث لأحد الورثة. طعن أحد الورثة على هذا السند. اعتباره في هذا الطعن كالأجنبي عن المورّث.
(ب) حكم.

رده على كل حجج الخصوم. لا موجب.

-----------------
1 - إن الشريعة الإسلامية قد جعلت للوارث إبان حياة مورّثة حقا في ماله ينحجر به المورّث عن التصرف بالوصية لوارث آخر. وهذا الحق يكون كامنا ولا يظهر في الوجود ويكون له أثر إلا بعد وفاة المورّث، وعندئذ تبرز بقيام هذا الحق شخصية الوارث منفصلة تمام الانفصال عن شخصية المورّث في كل ما يطعن به على تصرفات المورّث الماسة بحقه، وتنطبق عليه كما تنطبق على الأجنبي عن المورّث أحكام القانون الخاصة بالطعن على تصرفات المورّث، فيحل له إثبات مطاعنه بكل طرق الإثبات. فاذا كان مدار النزاع أن المدعى عليهم في الطعن يطعنون على السند الذى تستمسك به الطاعنة بأنه تصرف إنشائي من المورّث أخرجه في صيغته مخرج تصرف إقراري بقصد إنشاء وصية للطاعنة مع أنها من ورثته الذين لا يصح الإيصاء لهم إلا بإجازة سائر الورثة، وقدّم خصوم الطاعنة وهم من الورثة أمام المحكمة أدلة تفيد أن السند المتنازع عليه هو وصية لم يجزها سائر الورثة، فأخذت بهذه الأدلة وأبطلت السند فلا تثريب عليها في ذلك.
2 - محكمة الموضوع ليست ملزمة بأن ترد على كل تفصيلات الدفاع المقدّم ما دام حكمها قد قام على أساس صحيح من الوقائع، وما دام التوجيه القانوني لما استخلصته من تلك الوقائع استخلاصا صحيحا هو توجيه سليم لا عيبه فيه.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
بما أن الطعن رفع صحيحا في ميعاده عن حكم قابل له واستوفيت الإجراءات القانونية فهو مقبول شكلا.
وبما أن الطعن بنى على وجهين جعل لكل منهما فروع.
فالوجه الأوّل عنون بأنه خطأ في تطبيق القانون وفى تأويله وجعلت فروعه ما يأتي:
(أوّلا) إن محكمة أوّل درجة ومحكمة الاستئناف جعلتا الورثة الذين ينازعون في صحة سند أمضاه مورّثهم من طبقة (الغير) الذين لهم أن يطعنوا في السند بالصورية وبغير الصورية وبأن يطعنوا في تاريخه بحصول تقديم أو تأخير فيه مع أن القاعدة القانونية أن السند المأخوذ على المورّث حجة على ورثته إلا إذا قدّموا ورقة ضدّ صادرة ممن حرر السند لمصلحته، وفى الدعوى الحالية لم يقدّم الورثة شيئا من ذلك.
(ثانيا) إنه على فرض أن الوارث من طبقة (الغير) وأن له الطعن في موضوع السند بالصورية وبالتقديم أو التأخير في تاريخه، فان عبء إقامة الدليل القانوني على ذلك يقع عليه. وفى الدعوى الحالية لم يقدّم الورثة دليلا قانونيا على حصول تقديم في تاريخ السند، ودعواهم بالصورية غير جائز إثباتها بالقرائن.
(ثالثا) أخطأت محكمة الاستئناف في تطبق القانون حين اعتبرت أن إقرار إسكندر جرجس أفندي في السند بأن القيمة وصلته نقدا هو هبة غير مقبوضة لم تتم لعدم نفاذها بالقبض طبقا للمادة 49 من القانون المدني - أخطأت المحكمة في ذلك إذ أن القاعدة المسلم بها أن الهبة المستترة في صورة إقرار بدين تتم بمجرّد تسليم ورقة الإقرار بالدين.
(رابعا) قد قلب الحكم المطعون فيه القاعدة القانونية في مسائل الإثبات إذ حمّل الطاعنة، وفى يدها سند محرّر بخط وإمضاء مدينها، عبء إثبات صحة موضوع السند.
أما الوجه الثاني فقد جعل عنوانه بطلان الحكم ومدّت منه الطاعنة فرعين:
(الأوّل) أن الحكم المطعون فيه (الحكم الاستئنافي) باطل من حيث تناقضه واضطراب أسبابه لأن الحكم الابتدائي بعد أن اعتبر أن إقرار إسكندر جرجس أفندي في السند بأن قيمته وصلته نقدا هو هبة مستترة لم تتم لعدم نفاذها بالقبض عاد وأعلن بأنه يستفاد من القرائن المقدّمة أن دعوى المديونية غير صحيحة وتكون إذن حقيقة السند وصية لوارث لا تصح إلا بأجازة الورثة.
(الثاني) أن الحكم باطل لأنه لم يبين سبب رفض المحكمة ضمنا أوجه الدفاع التي استعرضتها الطاعنة في صحيفة الاستئناف.
لهذا جميعا طلبت الطاعنة نقض الحكم.
وبما أن النزاع الذى تردّد بين طرفي الخصومة أمام المحكمة الابتدائية ثم أمام محكمة الاستئناف ينحصر في أن الطاعنة تمسكت بأن السند الصادر لها من شقيقها إسكندر جرجس أفندي قد حرر في التاريخ المذكور فيه وهو سبتمبر سنة 1929 وأن قيمته وصلت المدين نقدا كما جاء في عبارته. أما خصومها المطعون ضدّهم فانهم تمسكوا بأن السند صوري لمخالفة السبب الوارد به للواقع وهو أنه وصية، وأن حقيقة تاريخ تحرير السند ليس ما دوّن به، بل إنه حرر في الفترة ما بين أوّل أغسطس سنة 1933 تاريخ سفر المتوفى من مصر وبين 9 منه تاريخ وفاته فجأة في أوربا.
وقد استرسل المطعون ضدّهم في بيان أدلتهم على ما استمسكوا به. وناقشت المحكمة الابتدائية هذه الأدلة موازنة إياها بملاحظات الطاعنة، ثم استخلصت من ذلك جميعا وجوها ستة فصلتها في الحكم من حاصل الوقائع والأدلة والقرائن التي طرحت أمامها، وقطعت برأيها في النزاع صائغة ذلك فيما يأتي:
وحيث إنه لجميع ما تقدّم يكون السبب الوارد في الكمبيالة بمبلغ 5000 جنيه موضوع هذه الدعوى وهو أن القيمة وصلت نقدا سببا غير صحيح وأن الواقع أن إسكندر جرجس أفندي لم يصله شيء من هذا المبلغ ويكون السند بغير سببه الظاهر.
وحيث إنه في هذه الحالة يكون إقرار إسكندر جرجس أفندي في هذا السند بأن القيمة وصلته نقدا إنما حقيقته هبة غير مقبوضة لم تتم لعدم نفاذها بالقبض طبقا للمادة 49 من القانون المدني. فاذا أضيف إلى ذلك أن المورّث إسكندر جرجس أفندي كان حريصا في معاملته مع المدّعية وغيرها طالما كان لديه أمل في الحياة كما يستفاد من حرصه على أخذ إيصالات موقع عليها من المدّعية بمبالغ منها ما قيمته جنيه واحد أو خمسين قرشا (راجع الدفتر) فلا تصدر من مثله هذه الهبة للمدّعية بنية تملكها في الحال، بل لا بدّ أن تكون النية منصرفة إلى أن يكون تنفيذها فيما بعد الموت إيثارا لها على أختها الست زاهية جرجس التي كانت تنازعه في حياته وعلى باقي الورثة من العصبات. وهذا الإيثار من جانب المورّث إلى أخته المدّعية بسبب مساكنتها له ومسالمتها له لا يكون إلا في حالة اليأس من الحياة.
وبما أن المدّعية كانت مصاحبة للمتوفى حتى في سفره إلى أوروبا إلى ساعة وفاته، فقد كانت في ظروف تسمح لها بالتأثير عليه والتسلط على إرادته في وقت دنوّ حياته (تريد أجله). وتدل حالة الورقة على أنها كتبت في وقت غير عادى وإلا لو كانت صادرة في سنة 1929 كما هو تاريخها لكان هناك مجال للروية ولتصحيح ما فيها من الأخطاء باستبدالها بورقة مستوفاة جميع الشرائط القانونية.......... إذا أضيف إلى ذلك كله ما يستفاد من القرائن المتقدّمة من أن دعوى المديونية غير صحيحة يكون السند موضوع هذه الدعوى حقيقته وصية لوارث لا تصح إلا بإجازة باقي الورثة تلك الإجازة الغير المتوفرة في هذه الدعوى ومن ثم يتعين الحكم ببطلان هذا السند لكون حقيقته وصية وبالتالي رفض دعوى المطالبة به.
هذا ما جاء في الحكم الابتدائي.
أما الحكم الاستئنافي المطعون فيه فقد استهل بالعبارة الآتية:
ومن حيث إن الحكم المستأنف قد أصاب كبد الحقيقة فيما قضى به من اعتبار مبلغ السند المرفوع بشأنه الدعوى وصية لوارث لا تصح إلا بإجازة باقي الورثة وهم لم يجيزوها. وفى الواقع لم تقدّم المستأنفة (الطاعنة) أي دليل مقنع على أنها سلمت لأخيها في يوم تحرير السند مبلغ 5000 جنيه........
وبعد أن استطرد الحكم في استظهار بعض وقائع موضوعية تؤيد نظر الحكم الابتدائي اختتم بما يأتي:
ومن حيث مما تقدّم ومن أسباب الحكم الابتدائي التي تأخذ بها هذه المحكمة يجب تأييد الحكم المستأنف.
وبما أنه يبين من هذا الذى اقتبس من الحكمين مضافا إلى ما فصّل فيهما أن النظرية التي استمسكت بها الطاعنة في أوّل فروع الوجه الأوّل من وجهى الطعن لا محل لتطبيقها في الدعوى الحالية، إذ مدار النزاع هنا أن المدّعى عليهم في الطعن يطعنون على السند الذى تتمسك به الطاعنة بأنه تصرف إنشائي من المورّث أخرجه في صيغته على صورة تصرف إقراري بقصد إنشاء وصية للطاعنة مع أنها من ورثته الذين لا يصح الإيصاء لهم إلا بإجازة سائر الورثة. وحق خصوم السيدة فيكتوريا في هذا مستمدّ من الشريعة الإسلامية التي قد جعلت للوارث إبان حياة مورّثه حقا في ماله ينحجر به ذلك المورّث عن التصرف بالوصية لوارث، وإن هذا الحق يظل نائما ولا يتمكن في الوجود ويكون له أثر إلا بعد وفاة المورّث وعندئذ تبرز بقيام هذا الحق شخصية الوارث منفصلة تمام الانفصال عن شخصية المورّث في كل ما يطعن به هذا على تصرفات ذاك الماسة بحقه. وليس من شك في أنه في هذه الحالة تجرى أحكام القانون في شأن الأجنبي عن المورّث، ويحل للوارث إثبات مطاعنه بكل طرق الثبوت إذ شخصيته منفصلة تماما عن المورّث الذى مس حقه بتصرفه بالإيصاء لوارث آخر. وهذا هو ما حصل في الدعوى الحالية إذ أثبت خصوم الطاعنة أمام المحكمة بأدلة موضوعية أخذت بها أن السند المتنازع عليه هو وصية لوارث غير نافذة شرعا لعدم إجازتها من سائر الورثة.
وبما أن ما جاء في التفريع الثاني للوجه الأوّل مردود أيضا بما تقدّم وبأن محكمة الموضوع قد اعتبرت ما قدّمه خصوم الطاعنة دليلا كافيا على صحة مطاعنهم واستخلصت من الوقائع التي فصّلها الدليل المقدّم منهم نتيجة متسقة مع مفهومها العقلي فلا رقابة عليها بعد هذا لمحكمة النقض كما لا معنى لمقولة إن الطاعنة هي التي طولبت بالدليل.
أما التفريع الثالث فمردود بنفس عبارة الحكمين إذ قطعا في جلاء بأن السند إن هو إلا وصية ولم يأت ذكر الهبة إلا في الحكم الابتدائي كمقدّمة لاستقراء منطقي انتهى بأنه لا ريبة لدى المحكمة بأن المورّث قصد الإيصاء. أما نفس الحكم المطعون فيه فلم يتحدّث عن الهبة. وإذن فلا وجود للتناقض المدّعى به.
كذلك التفريع الرابع مردود لما تقدّم ذكره عن التفريع الثاني.
وبما أن ما جاء في الشق الأوّل من الوجه الثاني سبق الرد عليه عند الكلام على التفريع الثالث من الوجه الأوّل.
أما الشق الثاني فمردود بأن محكمة الموضوع ليست ملزمة بأن تردّ على كل تفصيلات الدفاع المقدّم ما دام حكمها قد قام على أساس صحيح من الوقائع، وما دام التوجيه القانوني لما استخلصته من تلك الوقائع استخلاص صحيحا هو توجيه سليم لا عيب فيه.


الطعن 70 لسنة 5 ق جلسة 27 / 2 / 1936 مج عمر المدنية ج 1 ق 334 ص 1072

جلسة 27 فبراير سنة 1936

برياسة حضرة محمد لبيب عطية بك وبحضور حضرات: مراد وهبة بك ومحمد فهمى حسين بك وحامد فهمى بك وعلى حيدر حجازي بك المستشارين.

-------------------

(334)
القضية رقم 70 سنة 5 القضائية

إجارة.

تعويض عن مخالفة المستأجر لالتزاماته في العقد. مشاكلة التعويض للأجرة في التقدير والاستحقاق. سقوطه بالتقادم الخمسي. (المادة 211 مدنى)

-----------------
إن القانون المدني إذ نص في المادة 211 على أن المرتبات والفوائد والمعاشات والأجر هي مما يسقط الحق في المطالبة به بمضي خمس سنوات، وإذ عطف على هذه الأنواع قوله: "وبالجملة كافة ما يستحق دفعه سنويا أو بمواعيد أقل من سنة" قد دل بذلك على أن مناط الحكم في هذا النوع من التقادم هو كون الالتزام مما يتكرر ويستحق سنويا أو بمواعيد أقل من سنة ويكون تكراره واستحقاقه دوريا مما ينوء الملتزم بحمله لو ترك بغير مطالبة مدّة تزيد على خمس سنوات. فاذا أقرّ المستأجر في عقد الإيجار أنه إذا زرع أكثر من ثلث الأرض قطنا أو كرر الزراعة القطنية فيما سبقت زراعته قطنا يكون ملزما بمثل الأجرة، وجعل لنظارة الوقف حق خصم ما يجب من ذلك التعويض من كل مبلغ دفعه أو يدفعه المستأجر، ووقع الاتفاق على أن يسرى هذا الحكم ويتكرر في سنى الإيجار، فان الظاهر من هذا العقد أن الطرفين أنزلا التعويض المذكور منزلة الأجرة قدرا واستحقاقا وتكرارا. ومتى قام بالالتزام التعويضي المترتب على مخالفة المستأجر لالتزاماته الأصلية وصف كونه مقدّرا تقدير الأجرة ومستحقا استحقاقها ودائرا معها عن مدّة الإيجار فقد جاز عليه حكم السقوط بالتقادم الخمسي سقوط الأجر.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن رفع صحيحا في الميعاد عن حكم قابل له فهو مقبول شكلا.
وحيث إن أهم ما جاء في الطعن أن الحكم المستأنف أخطأ في تطبيق المادة 211 من القانون المدني الخاصة بالتقادم الخمسي لأن المبلغ المطالب به على افتراض أنه تعويض فهو التزام تبعي للإيجار يأخذ حكمه وتسرى عليه قواعده التي منها سقوط الحق في المطالبة لمضى خمس سنوات. ويقول الطاعن أيضا إن المبلغ المطالب به من المبالغ التي يستحق دفعها سنويا والتي تسقط بالتقادم الخمسي طبقا لنص تلك المادة.
وحيث إن القانون بعد أن نص بالمادة 211 من القانون المدني على أن المرتبات والفوائد والمعاشات والأجر مما يسقط الحق في المطالبة به بمضي خمس سنوات عطف على هذه الأنواع قوله "وبالجملة كافة ما يستحق دفعه سنويا أو بمواعيد أقل من سنة" فدل بذلك على أن مناط الحكم في هذا النوع من التقادم هو كون الالتزام مما يتكرر ويستحق سنويا أو بمواعيد أقل من سنة ويكون تكراره واستحقاقه دوريا مما ينوء الملتزم بحمله لو ترك بغير مطالبة مدّة تزيد على خمس سنوات.
وحيث إنه ظاهر من عقد الإيجار المتقدّم ذكره أن الطرفين أنزلا التعويض عن زراعة الأرض قطنا في أكثر من ثلثها وتكرار الزراعة القطنية فيما سبق زرعه بها قطنا منزلة الأجرة قدرا واستحقاقا وتكرارا، إذ أقرّ المستأجر فيه أنه إذا زرع أكثر من ثلث الأرض قطنا أو كرر الزراعة القطنية فيما سبقت زراعته قطنا يكون ملزما بمثل الأجرة، وجعل فيه كذلك لنظارة الوقف حق خصم ما يجب من ذلك التعويض من كل مبلغ دفعه أو يدفعه المستأجر، ووقع الاتفاق على أن يسرى هذا الحكم ويتكرر في سنى الإيجار. ومتى قام بالالتزام التعويضي المترتب على مخالفة المستأجر لالتزاماته الأصلية وصف كونه مقدّرا تقدير الأجرة ومستحقا استحقاقها ودائرا معها عن مدّة الإيجار فقد جاز عليه حكم السقوط بالتقادم الخمسي سقوط الأجر.
وحيث إنه لذلك تكون محكمة الاستئناف قد أخطأت في عدم تطبيق حكم المادة 211 من القانون المدني على صورة هذه الدعوى. ويتعين لذلك نقض الحكم المطعون فيه والتقرير بسقوط حق الوقف في المطالبة بالتعويض الذى كان مستحق الأداء في سنة 1926 والذى لم ترفع دعوى المطالبة به إلا في سنة 1932.
وحيث إن موضوع الاستئناف صالح للفصل فيه لما سبق ذكره في أسباب هذا الحكم. فلهذا يتعين إلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى المدّعى عليه في الطعن.


الطعن 82 لسنة 5 ق جلسة 2 / 4 / 1936 مج عمر المدنية ج 1 ق 343 ص 1086

جلسة 2 أبريل سنة 1936

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: مراد وهبة بك ومحمد فهمى حسين بك وحامد فهمى بك وعلى حيدر حجازي بك المستشارين.

-----------------

(343)
القضية رقم 82 سنة 5 القضائية

بيع:
)أ) الشرط الفاسخ. ماهيته. الشرط الضمني الفاسخ. لا يلزم القاضي بل يخضع لتقديره.
)المادتان 238 و242 مدنى)
)ب) وجود حق ارتفاق على العين. علم المشترى بهذا الحق قبل التعاقد. إثباته بالقرائن الواقعية. سلطة قاضى الموضوع في ذلك. (المواد 310 - 312 مدنى)

--------------
1 - لا يكون الشرط الفاسخ مقتضيا الفسخ حتما إلا إذا كانت صيغته صريحة دالة على وجوب الفسخ حتما عند تحققه بغير حاجة إلى تنبيه أو إنذار. أما الشرط الضمني الفاسخ (pacte commissoire tacite) فلا يلزم القاضي به بل هو يخضع لتقديره. فللقاضي ألا يحكم بالفسخ وأن يمكن الملتزم بالوفاء بما تعهد به حتى بعد رفع الدعوى عليه بطلب الفسخ. فاذا نص في عقد البيع على أنه إذا ظهر على العين المبيعة ديون مسجلة، خلاف ما ذكر بالعقد، فان البائع يلتزم بتعويض قدره كذا كما يجوز للمشترى أن يفسخ التعاقد بمجرّد إنذار البائع - فهذا الشرط ليس إلا ترديدا لما قرّره فقه القانون من أن عدم قيام أحد طرفي العقد، المتقابل الالتزام، بما التزم به يسمح للطرف الآخر بطلب فسخ العقد، فهو شرط ضمني فاسخ للقاضي أن يهدره إذا استبان له من ظروف الدعوى وخصوصياتها أنه لا مبرر له. ومتى أثبت القاضي في حكمه الاعتبارات المقبولة التي استند إليها في ذلك فلا تثريب عليه.
2 - كل ما تستخلصه محكمة الموضوع استخلاصا معقولا من قرائن واقعية فلا معقب عليه لمحكمة النقض. فاذا قرّر الحكم المطعون فيه أن علم المشترى بوجود حق ارتفاق على العين المبيعة قبل التعاقد يمنعه من طلب الفسخ، ثم أثبت حصول هذا العلم استخلاصا من قرائن واقعية تسمح به، وبناء على ذلك رفض طلب الفسخ فلا تدخل لمحكمة النقض.


الطعن 61 لسنة 5 ق جلسة 23 / 4 / 1936 مج عمر المدنية ج 1 ق 351 ص 1097

جلسة 23 أبريل سنة 1936

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وبحضور حضرات: محمد فهمى حسين بك وحامد فهمى بك وعبد الفتاح السيد بك وعلى حيدر حجازي بك المستشارين.

---------------

(351)
القضية رقم 61 سنة 5 القضائية

( أ) تقادم.

الترك الموجب لعدم سماع الدعوى شرعا. ماهيته.
(ب) وضع اليد

بسبب وقتي معلوم غير أسباب التمليك. لا يكسب الملك. سريان ذلك على الواقف المستحق وعلى الناظر على الوقف. (المادة 79 مدنى)
)حـ) ملكية الوقف.

مجرّد إهمال الدعوى بها لمدّة ثلاث وثلاثين سنة. لا يسقط الدعوى. متى تكتسب ملكية الأرض الموقوفة وكيف؟

-------------------
1 - إن قاعدة الشريعة الإسلامية في الترك الموجب لعدم سماع الدعوى هي ترك الدعوى بالعين مع قيام مقتضاها من غصب الغير للعين وتعدّيه عليها وإنكار حق مالكها فيها.
2 - إن المادة (79) من القانون المدني صريحة في أنه لا سبيل لم وضع يده بسبب وقتي معلوم غير أسباب التمليك المعروفة إلى أن يكسب لا هو ولا ورثته الملك بوضع اليد مهما تسلسل التوريث وطال الزمن. وحكم هذه المادة يسرى على الواقف المستحق وعلى الناظر على الوقف وعلى ورثته من بعده مهما تسلسل توريثهم وطال وضع يدهم، فلا يستطيع أيهم أن يمتلك العين بالمدّة الطويلة إلا بعد أن يغير صفة وضع يده بما يغير به قانونا.
3 - إن ملكية الوقف لا تسقط الدعوى بها بمجرّد الإهمال مدّة ثلاث وثلاثين سنة بل إنها تستمر حاصلة لجهة الوقف ما لم يكسبها أحد بوضع يده وضعا مستوفيا جميع الشرائط المقرّرة قانونا لاكتساب ملكية العقار بوضع اليد

الطعن 1 لسنة 6 ق جلسة 7 / 5 / 1936 مج عمر المدنية ج 1 ق 358 ص 1103

جلسة 7 مايو سنة 1936

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وبحضور حضرات: مراد وهبة بك وزكى برزى بك ومحمد فهمى حسين بك وعلى حيدر حجازي بك المستشارين.

---------------

(358)
القضية رقم 1 سنة 6 القضائية

مدين.

دعوى إبطال تصرفات المدين. لا شأن لقانون التسجيل فيها. (المادة 143 مدنى)

----------------
إذا كانت الدعوى - كما كيفها المدّعى في طلبه الاحتياطي ووافقته المحكمة على هذا التكييف - ليست دعوى مفاضلة بين عقد مشتر أوّل وعقد مشتر ثان، بل هي دعوى دائن بسيط يطلب إبطال تصرفات مدينه الضارة بحقوقه فلا يرجع إلى أحكام قانون التسجيل في هذه الصورة.