جلسة 4 من ديسمبر سنة 1989
برئاسة السيد المستشار/
نجاح نصار نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ مصطفى طاهر ومقبل شاكر
نائبي رئيس المحكمة وفتحي الصباغ ومصطفى كامل.
----------------
(183)
الطعن رقم 4480 لسنة 58
القضائية
(1) نقض "الصفة في
الطعن". دعوى مدنية. مسئولية مدنية.
عدم جواز الطعن بالنقض من
المدعي بالحقوق المدنية والمسئول عنها. إلا فيما يتعلق بحقوقهما المدنية.
(2)إثبات "اعتراف". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير
الدليل".
الاعتراف في المسائل
الجنائية. من عناصر الاستدلال. تقدير صحته وقيمته في الإثبات. موضوعي.
عدم اطمئنان المحكمة إلى
أدلة الثبوت. يدخل في مطلق سلطتها. بغير معقب عليها من محكمة النقض.
(3) إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه.
تسبيب غير معيب".
كفاية أن يتشكك القاضي في
صحة إسناد التهمة كي يقضي بالبراءة. حد ذلك؟
(4)إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير
الدليل".
حكم "تسبيبه. تسبيب
غير معيب". دفوع "الدفع بنفي التهمة".
عدم التزام المحكمة عند
قضائها بالبراءة بالرد على كل دليل من أدلة الثبوت.
مثال.
(5) إثبات "شهود". محكمة الموضوع
"سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض
"أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
اختلاف أقوال شهود النفي
الذين أخذ الحكم بأقوالهم فيما هو غير مؤثر. لا يعيب الحكم الجدل الموضوعي. إثارته
أمام النقض. غير جائز.
(6)محاماة. حكم "بطلانه". بطلان. دفاع "الإخلال بحق
الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
إتيان المحامي لخصم موكله
فعلاً مما نص عليه في المادة 80 من قانون المحاماة رقم 17 لسنة 1983. مخالفة مهنية
لا يترتب عليها البطلان. ولا يجرد العمل الذي قام به المحامي من آثاره.
مثال لعدم وجود إخلال بحق
الدفاع لقيام محام بالترافع عن خصمين في دعوى واحدة.
-------------------
1 - لما كان الطاعن هو
المدعي بالحقوق المدنية، وكانت الفقرة الثانية من المادة 30 من القانون رقم 57
لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض تنص على أنه لا يجوز الطعن
من المدعي بالحقوق المدنية والمسئول عنها إلا فيما يتعلق بحقوقهما المدنية، وكان
الطاعن لم يدع بحقوق مدنية قبل المطعون ضده الثاني، فإن الطعن بالنسبة للمطعون ضده
المذكور يكون غير جائز.
2 - من المقرر أن
الاعتراف في المسائل الجنائية عنصر من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع
كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات، فلا تثريب عليها إن هي لم تأخذ
باعتراف المتهم، وأخذت بعدوله عنه، وبما شهد به شهود النفي إذ العبرة في ذلك كله
بما تطمئن إلى صحته ويتكون اقتناعها، وكان البين مما أورده الحكم أن المحكمة لم
تطمئن إلى اعتراف المطعون ضده الأول لما قدرته من أنه لا يطابق الحقيقة والواقع
فأطرحته، وأيضاً لم تطمئن إلى باقي أدلة الثبوت التي قدمتها النيابة العامة في
الدعوى ولم تقتنع بها ورأتها غير صالحة للاستدلال بها على ثبوت الاتهام، وهو ما
يدخل في مطلق سلطتها بغير معقب عليها في ذلك من محكمة النقض.
3 - من المقرر أنه يكفي
في المحاكمة الجنائية أن يتشكك القاضي في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكي يقضى له
بالبراءة، إذ مرجع الأمر في ذلك إلى ما يطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام الظاهر
من الحكم أن المحكمة أحاطت بالدعوى وألمت بظروفها عن بصر وبصيرة.
4 - من المقرر أنه لا
يعيب الحكم إن لم يعرض إلى دفاع الطاعن على فرض صحته - بشأن حمل المحكمة على الأخذ
بإقرار المطعون ضده الأول بالتحقيقات بارتكابه الواقعة لما ضمنه حدوث إصابة بقدمه
اليسرى عند مقارفتها والثابتة بتقرير طبي، لأنه دفاع لا يستأهل من الحكم رداً
خاصاً، متى كان قد سلم باستبعاد هذا الإقرار وبعدم جواز التعويل عليه كدليل من
أدلة الثبوت في الدعوى بكل ما تضمنه من وقائع.
5 - من المقرر أنه لا
يعيب الحكم كذلك ما يثيره الطاعن من أن شاهدين من شهود النفي الذين أخذ بأقوالهم
اختلفا في شأن واقعة ثانوية، ما دام الثابت أن الخلاف فيها لم يكن يؤثر في عقيدة
المحكمة التي خلصت إليها. لما كان ما تقدم، فإنه ما يثيره الطاعن في طعنه في شأن
كل ما تقدم ينحل في حقيقته إلى جدل موضوعي مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
6 - لما كان الثابت من
محضر جلسة المحاكمة أنه وإن كان..... قد تولى ابتداء المرافعة عن الطاعن وأخرى
بصفتيهما مدعيين بحقوق مدنية قبل المطعون ضده الأول فقط، وتسنى له أن يبدي ما يعن
له من أوجه الدفاع في نطاق مصلحة موكليه الخاصة دون غيرها، ثم قام بالمدافعة عن
المتهم الآخر دون اعتراض من الطاعن الذي كان حاضراً، وفي مقدوره أن يبدي ما يشاء
من الدفاع حرصاً على مصلحته. الأمر الذي ينتفي معه مظنة الإخلال بحق الطاعن في
الدفاع، ومن ثم يكون منعى الطاعن على الحكم في هذا الشأن غير مقبول. هذا وكانت
المادة 80 من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 إذ نصت على أن
"على المحامي أن يمتنع عن إبداء أية مساعدة ولو من قبيل الشورى لخصم موكله في
النزاع ذاته أو في نزاع مرتبط به إذا كان قد أبدى فيه رأياً للخصم أو سبقت وكالته
عنه ثم تنحى عن وكالته، وبصفة عامة لا يجوز للمحامي أن يمثل مصالح متعارضة، ويسري
هذا الحظر على المحامي وكل من يعمل لديه في نفس المكتب من المحامين بأي صفة
كانت". دون أن ترتب البطلان جزاء على مخالفة هذا النص، فقد دلت بذلك على أن
هذه المخالفة مهنية وإن عرضت المحامي للمساءلة التأديبية، إلا أنها لا تجرد العمل
الذي قام به المحامي لمساعدة خصم موكله - بفرض حصوله - من آثاره المنتجة لدى المحكمة.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة
المطعون ضدهما بأنهما وضعا النار عمداً في المحلين التجاريين الخاصين بـ....
و.... وكان ذلك بأن سكب المتهم الثاني البنزين أسفل بابيهما بينما قام المتهم
الأول بإشعال النيران فيهما وأحالتهما إلى محكمة جنايات المنصورة لمعاقبتهما طبقاً
للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. وادعى كل من المجني عليهما مدنياً قبل المتهم
الأول بمبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. والمحكمة المذكورة قضت
حضورياً ببراءة المتهمين مما أسند إليهما ورفض الدعوى المدنية.
فطعن الأستاذ.....
المحامي نيابة عن المدعي بالحقوق المدنية في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
المحكمة
من حيث إنه لما كان
الطاعن هو المدعي بالحقوق المدنية، وكانت الفقرة الثانية من المادة 30 من القانون
رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض تنص على أنه لا يجوز
الطعن من المدعي بالحقوق المدنية والمسئول عنها إلا فيما يتعلق بحقوقهما المدنية،
وكان الطاعن لم يدع بحقوق مدنية قبل المطعون ضده الثاني، فإن الطعن بالنسبة
للمطعون ضده المذكور يكون غير جائز.
وحيث إن الطاعن ينعى على
الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى ببراءة المطعون ضده الأول من جريمة حريق عمد وبرفض
الدعوى المدنية، قد شابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وإخلال بحق الدفاع،
ذلك بأن أقام قضائه على عدم صحة اعتراف المطعون ضده الأول في حيث أن هذا الاعتراف
لم يكن وليد إكراه ويؤيد صحته ما ثبت من وجود إصابة بقدمه اليسرى قرر أنها حدثت من
جراء الحريق، وأن منازعة تجرى بينه وبين الطاعن على القيمة الإيجارية للمحل
التجاري محل الحادث، وأن شاهدين ممن أيدوا وجود المطعون ضده المذكور في الحقل وقت
وقوع الحادث اختلفا في شأن تشغيل ماكينة الري وقتذاك. فضلاً عن أن محامياً واحداً
قام بالمدافعة عن الطاعن والمطعون ضده الثاني رغم تعارض مصلحتيهما، كل ذلك مما
يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون
فيه بعد أن عرض لواقعة الدعوى كما صورها الاتهام. وأشار إلى أدلته فيها ومن بينها
إقرار المطعون ضده الأول بتحقيقات النيابة بارتكابه الجريمة، قدم لما قضى به من
براءة هذا ومتهم آخر - المطعون ضده الثاني - بقوله "وحيث إنه بتمحيص واقعة
الدعوى يستبين أنه قد اكتنفها الشك الكثير، ذلك أن الثابت بيقين أن المتهم
الثاني..... كان في يوم الحادث داخل وحدته العسكرية على نحو ما ثبت من الشهادة
الرسمية الصادرة عن وحدته العسكرية. وهو ما يعزز إنكار المتهم الأول.... في فجر
التحقيق، ولا يقدح ذلك تقريره في مرحلة من مراحل التحقيق أنه قد اقترف الفعل مع
المتهم الثاني، إذ أن العبرة في الاعتراف الذي يعول عليه، وهو ما صادق الحقيقة ولا
يتعارض مع ماديات الواقعة فقد قرر المتهم الأول في بدء التحقيق أنه وقت وقوع
الحادث كان في حقله منذ الساعة السابعة مساء حتى الساعة الرابعة صباحاً من اليوم
التالي يروي زراعته، وقد أيده في ذلك كل من.... و..... و.... هذا بالإضافة إلى
أن المتهم قد عدل عن هذا الاعتراف في مراحل التحقيق اللاحقة، ثم إن هذا الاعتراف
المزعوم يتعارض مع ما قدمه المتهم الثاني من سند رسمي يدل على تواجده داخل وحدته
العسكرية في تاريخ الحادث، وهو ما يستوجب إهدار أقوال شهود الإثبات، والتعويل على
ما تستخلصه المحكمة من صورة صحيحة لواقعة الدعوى، ويتعين - من ثم - القضاء ببراءة
المتهمين مما أسند إليهما" لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الاعتراف في
المسائل الجنائية عنصر من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في
تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات، فلا تثريب عليها إن هي لم تأخذ باعتراف المتهم،
وأخذت بعدوله عنه، وبما شهد به شهود النفي إذ العبرة في ذلك كله بما تطمئن إلى
صحته ويتكون اقتناعها، وكان البين مما أورده الحكم أن المحكمة لم تطمئن إلى اعتراف
المطعون ضده الأول لما قدرته من أنه لا يطابق الحقيقة والواقع فأطرحته، وأيضاً لم
تطمئن إلى باقي أدلة الثبوت التي قدمتها النيابة العامة في الدعوى ولم تقتنع بها
ورأتها غير صالحة للاستدلال بها على ثبوت الاتهام، وهو ما يدخل في مطلق سلطتها
بغير معقب عليها في ذلك من محكمة النقض. ولما كان يكفي في المحاكمة الجنائية أن
يتشكك القاضي في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكي يقضي له بالبراءة، إذ مرجع الأمر
في ذلك إلى ما يطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام الظاهر من الحكم أن المحكمة أحاطت
بالدعوى وألمت بظروفها عن بصر وبصيرة. وكان لا يعيب الحكم إن لم يعرض إلى دفاع
الطاعن على فرض صحته - بشأن حمل المحكمة على الأخذ بإقرار المطعون ضده الأول
بالتحقيقات بارتكابه الواقعة لما ضمنه حدوث إصابة بقدمه اليسرى عند مقارفتها
والثابتة بتقرير طبي، لأنه دفاع لا يستأهل من الحكم رداً خاصاً، متى كان قد سلم
باستبعاد هذا الإقرار وبعدم جواز التعويل عليه كدليل من أدلة الثبوت في الدعوى بكل
ما تضمنه من وقائع، وكان لا يعيب الحكم كذلك ما يثيره الطاعن من أن شاهدين من شهود
النفي الذين أخذ بأقوالهم اختلفا في شأن واقعة ثانوية، ما دام الثابت أن الخلاف
فيها لم يكن يؤثر في عقيدة المحكمة التي خلصت إليها. لما كان ما تقدم، فإن ما
يثيره الطاعن في طعنه في شأن كل ما تقدم ينحل في حقيقته إلى جدل موضوعي مما لا
تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الثابت من محضر جلسة المحاكمة
أنه وإن كان..... قد تولى ابتداء المرافعة عن الطاعن وأخرى بصفتيهما مدعيين بحقوق
مدنية قبل المطعون ضده الأول فقط، وتسنى له أن يبدي ما يعن له من أوجه الدفاع في
نطاق مصلحة موكليه الخاصة دون غيرها، ثم قام بالمدافعة عن المتهم الآخر دون اعتراض
من الطاعن الذي كان حاضراً، وفي مقدوره أن يبدي ما يشاء من الدفاع حرصاً على
مصلحته. الأمر الذي ينتفي معه مظنة الإخلال بحق الطاعن في الدفاع، ومن ثم يكون
منعى الطاعن على الحكم في هذا الشأن غير مقبول. هذا وكانت المادة 80 من قانون
المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 إذ نصت على أن "على المحامي أن
يمتنع عن إبداء أية مساعدة ولو من قبيل الشورى لخصم موكله في النزاع ذاته أو في
نزاع مرتبط به إذا كان قد أبدى فيه رأياً للخصم أو سبقت وكالته عنه ثم تنحى عن
وكالته، وبصفة عامة لا يجوز للمحامي أن يمثل مصالح متعارضة، ويسري هذا الحظر على
المحامي وكل من يعمل لديه في نفس المكتب من المحامين بأي صفة كانت. دون أن ترتب
البطلان جزاء على مخالفة هذا النص، فقد دلت بذلك على أن هذه المخالفة مهنية وإن
عرضت المحامي للمساءلة التأديبية، إلا أنها لا تجرد العمل الذي قام به المحامي
لمساعدة خصم موكله - بفرض حصوله - من آثاره المنتجة لدى المحكمة. لما كان ما تقدم،
فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً، مع مصادرة الكفالة
وإلزام الطاعن المصروفات.