الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 8 يوليو 2020

الطعن 104 لسنة 33 ق جلسة 31 / 12 / 1963 مكتب فني 14 ج 3 ق 189 ص 1033


جلسة 31 من ديسمبر سنة 1963
برياسة السيد/ محمد متولي عتلم نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: مختار رضوان، ومحمد صبري، ومحمد محمد محفوظ، عبد المنعم حمزاوي.
--------------
(189)
الطعن رقم 104 لسنة 33 القضائية

(أ) بلاغ كاذب. قصد جنائي. محكمة الموضوع. جريمة.
القصد الجنائي في جريمة البلاغ الكاذب. شروط توافره: إقدام المبلغ على التبليغ مع علمه بكذب الوقائع المبلغ عنها وبراءة المبلغ ضده مما ينسبه إليه، وأن يكون ذلك بنية الإضرار به. تقدير توافر هذا الركن من شأن محكمة الموضوع.
(ب) توكيل. محكمة الموضوع.
تفسير سند التوكيل وتعرف حدوده وحقيقة معناه. من سلطة محكمة الموضوع.
(ج، د، هـ) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(ج) الدليل في المواد الجنائية. لا يشترط أن يكون صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها. يكفى أن يكون استخلاص ثبوتها منه عن طريق الاستنتاج.
(د) إيراد الحكم الاستئنافي أسباباً جديدة لقضائه وتقريره الأخذ بأسباب الحكم المستأنف كأسباب مكملة لحكمه. مفاده. أنه يأخذ بها فيما لا يتعارض مع الأسباب التي أنشأها لنفسه.
(هـ) البيان المعمول عليه في الحكم هو ذلك الجزء الذي يبدو فيه اقتناع القاضي دون غيره من الأجزاء الخارجة عن سياق هذا الاقتناع.

--------------
1 - يجب لتوفر القصد الجنائي في جريمة البلاغ الكاذب أن يكون المبلغ قد أقدم على التبليغ مع علمه بأن الوقائع التي أبلغ عنها مكذوبة وأن الشخص المبلغ في حقه برئ مما نسب إليه وأن يكون ذلك بنية الإضرار به، وتقدير توافر هذا الركن من شأن محكمة الموضوع التي لها الحق المطلق في استظهاره من الوقائع المعروضة عليها.
2 - تفسير سند التوكيل وتعرف حدوده وحقيقة معناه من سلطة محكمة الموضوع ولا معقب عليها فيه ما دامت عبارته وسائر ما استعانت به المحكمة في تفسيرها له وما كونت به اقتناعها يؤدى إلى ما انتهت إليه وله مأخذ صحيح من الأوراق.
3 - لا يشترط في الدليل في المواد الجنائية أن يكون صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها بل يكفى أن يكون استخلاص ثبوتها منه عن طريق الاستنتاج مما تكشف من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات.
4 - من المقرر أنه إذا كان الحكم الاستئنافي قد أورد أسباباً جديدة لقضائه فإنه إذ قرر بعد ذلك أن يأخذ بأسباب الحكم المستأنف كأسباب مكملة لحكمه فإن ذلك يكون مفاده أنه يأخذ بها فيما لا يتعارض مع الأسباب التي أنشأها لنفسه.
5 - البيان المعول عليه في الحكم هو ذلك الجزء الذي يبدو فيه اقتناع القاضي دون غيره من الأجزاء الخارجة عن سياق هذا الاقتناع.


الوقائع
أقام المدعى بالحق المدني الدعوى بالطريق المباشر أمام محكمة السيدة زينب الجزئية ضد الطاعن بصحيفة قال فيها إنه بتاريخ 12، 14 نوفمبر سنة 1960 بدائرة قسم السيدة زينب ارتكب الطاعن الأفعال الواردة بعريضة الدعوى (هي واقعتي القذف والبلاغ الكاذب) وطلبت عقابه بالمواد 171، 302، 303، 305 من قانون العقوبات وإلزامه بأن يدفع له مبلغ قرش صاغ واحد تعويضاً مؤقتاً. وأثناء نظر الدعوى أمام المحكمة المذكورة قدم المتهم طلباً بتوجيه تهمة الجنحة المباشرة إلى المدعى لأنه قذف في حقه وسبه علناً وطلب إلزامه بدفع مبلغ 51 ج على سبيل التعويض المؤقت. كما دفع الحاضر مع المدعى المدني (أولاً) بعدم قبول حضور محامى المتهم في الجلسة بدلاً عنه. (ثانياً) بعدم قبول دفاع محامى المتهم لأنه لم يحصل على تصريح من النقابة، ثم قضت بتاريخ 12 يونيه سنة 1961 حضورياً اعتبارياً عملاً بمواد الاتهام: أولاً - عدم قبول الدعوى المقامة من المتهم ضد المدعى المدني لرفعها بغير الطريق القانوني. وثانياً - عدم قبول كل من الأستاذين صفى الدين سالم وصلاح عبد السلام المحاميين محاميين في الدعوى. وثالثاً - حبس المتهم ثلاثة شهور مع الشغل وكفالة خمسة جنيهات للإيقاف وألزمته بأن يدفع للمدعى بالحق المدني مبلغ قرش صاغ واحد مؤقتاً والمصروفات وخمسة جنيهات أتعاب محاماة. فاستأنف المتهم هذا الحكم. ومحكمة القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بتاريخ 20 يناير سنة 1961 عملاً بالمواد 302، 303، 305، 308 من قانون العقوبات بقبول الاستئناف شكلاً وفى الموضوع: أولاً - ببراءة المتهم من تهمة القذف المسندة إليه ورفض الدعوى المدنية عنها. ثانياً - بتعديل الحكم المستأنف عن تهمة البلاغ الكاذب وتغريم المتهم 50 ج عنها. وثالثاً - بتأييد الحكم المستأنف بالنسبة للدعوى المدنية عنها وإلزام المتهم المصاريف الاستئنافية المدنية. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.

المحكمة
حيث إن مبنى الوجه الأول من الطعن هو القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون ذلك أن الحكم المطعون فيه دان الطاعن بأنه أبلغ كذبا ضد المطعون ضده بأنه باشر قضاياً باسمه دون علمه وبغير تكليف منه واستند في إثبات علم الطاعن بكذب البلاغ إلى أن ثمة توكيلاً صادراً منه إلى المطعون ضده يبيح له ذلك وأن هذا التوكيل ظل معمولاً به ولم يلغ بوجه رسمي فضلاً عن عدم اعتراضه على حضور المطعون ضده في تلك القضاياً حتى سنة 1960 مع علمه بها وهو ما يستفاد من إعلانه بها مخاطبا مع أهل بيته وفقاً للقانون مع أن هذين السببين لا يؤديان إلى ما رتبه الحكم عليهما من ثبوت علم الطاعن بكذب البلاغ ذلك أن التوكيل الصادر منه للمطعون ضده لم يكن سوى توكيل خاص بقضية معينة صدر في سنة 1953 وانقضى بانتهاء تلك القضية. وهذا التوكيل خلافاً للتوكيل العام لا يتطلب إجراءاً رسمياً من الطاعن لإلغائه لأنه غير مشهر ولا أصل له في مصلحة الشهر العقاري، وقد تمسك الطاعن بذلك في جميع مراحل الدعوى وقدم إلى المحكمة شهادة رسمية من مصلحة الشهر العقاري تفيد أنه لا يوجد توكيل رسمي بالرقم الذي يحمله هذا التوكيل. ولكن المحكمة أخذت بقول المطعون ضده من أن هذا التوكيل هو توكيل عام. دون أن تحقق دفاع الطاعن أو تثبت اطلاعها على التوكيل لتتعرف حقيقته. كما أن افتراض علم الطاعن بقيام هذه الدعاوى من مجرد إعلانه بها في غيبته مخاطباً مع أهل بيته طبقاً لأحكام قانون المرافعات يخالف قواعد الإثبات في القانون الجنائي حيث يتعين ثبوت هذا العلم على وجه اليقين.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله "إن المدعى بالحق المدني (المطعون ضده) أقامها بصحيفة مباشرة تضمنت أن الطاعن شقيقه كانت تربطهما علاقة المودة والقربى إلا أنه قد أخذ يغتال أموال الأسرة كلها ويفتأت على حقوق شقيقاته إلى أن استقر النزاع في المحاكم فلما أن تدخل منصفاً شقيقاته وأدلى بشهادة لصالحهم في 2/ 11/ 1960 أغضبه ذلك فسارع بتاريخ 14/ 11/ 1960 فأرسل برقية في حقه إلى النائب العام بين فيها أنه استغل اسمه في رفع دعاوى كيدية ضد إحدى الراقصات بغير علمه وبأنه قد زور عليه عقداً وأن هذه الشكوى قد حققت بواسطة النيابة العامة وثبت كذبها فحفظتها إلا أن المتهم (الطاعن) سار في تبليغه وغيه بأن استأنف أمر الحفظ هذا الذي أيدته غرفة الاتهام وأنه لما كان تبليغه هذا كان عن فعل يستوجب معاقبته جنائياً وقد ثبت كذبه مما يجعله قد اقترف تهمة البلاغ الكاذب كما اقترف واقعة السب في حقه فقد أقام هذه الدعوى ضده..." واستند الحكم في إدانة الطاعن بجريمة البلاغ الكاذب إلى صور التحقيقات المقدمة في الدعوى وإلى صورة أمر الحفظ الصادر من النيابة العامة والقرار الصادر من غرفة الاتهام بتأييد الأمر المذكور. وبعد أن عرض الحكم إلى دفاع كل من الطرفين قال "إنه بالترتيب على ما تقدم. ولما كان المتهم قد قام بالإبلاغ في حق المدعى المدني بأنه قد حضر عنه في عديد من القضايا دون توكيل وكان هذا الإبلاغ غير صحيح وقد ثبت كذبه لدى هذه المحكمة كما ثبت كذبه من قبل لدى غرفة الاتهام بما ثبت من قيام توكيل للمدعى المدني يبيح له الحضور عنه ولم يثبت المتهم إلغاؤه فإن جريمة البلاغ عن أمر كاذب تقوم في حقه ولا يعفى من العقوبة كون البلاغ لم يثبت كذبه إلا في هذه الواقعة دون غيرها من وقائع متعلقة بالاتهام بالتزوير، ذلك أن جريمة البلاغ الكاذب تقوم بثبوت كذب بعض الوقائع التي يتضمنها البلاغ متى توافرت الأركان الأخرى للجريمة كما أنه لا يشترط في جريمة البلاغ الكاذب أن يكون كله مكذوباً بل يكفى أن تمسخ فيه الوقائع كلها أو بعضها مسخاً يؤدى إلى الإيقاع بالمبلغ ضده....." ثم تبنى الحكم المطعون فيه ما أورده الحكم المستأنف عن كذب البلاغ بما قاله عن صدور هذا التوكيل للمطعون ضده وأنه كان قائماً حتى تاريخ الشكوى وأن الطاعن كان على علم يقيني بتلك الدعاوى التي باشرها المطعون ضده بمقتضى حقه الذي خوله له التوكيل وأنه ليس أدل على هذا العلم من أنه أعلن أكثر من مرة وفى أكثر من دعوى. كما هو ثابت من المستندات بمسكنه مخاطباً مع زوجته ثم مع ابنه وهما يقيمان معه. لما كان ذلك، وكان الثابت مما تقدم أن الحكم المطعون فيه بما أنشأه لنفسه من أسباب وما أخذ به من أسباب حكم محكمة أول درجة قد استند في إثبات كذب الواقعة التي حصل التبليغ من الطاعن عنها. إلى أن ثمة توكيلاً عاماً صدر من الطاعن إلى المطعون ضده يخوله حق رفع القضاياً المنوه عنها في البلاغ والحضور فيها وأن هذا التوكيل ظل قائماً منتجاً لآثاره حتى تقديم تلك الشكوى. وكان يبين من الاطلاع على هذا التوكيل المرفق بالطعن رقم 2193 سنة 32 ق المنظور مع هذا الطعن بين نفس الخصوم وقرار غرفة الاتهام المطعون عليه فيه والمتضمن تأييده لأمر الحفظ الصادر من النيابة في شكوى الطاعن ضد المطعون ضده في هذا الصدد أن الغرفة انتهت بحق بعد اطلاعها على هذا التوكيل أنه توكيل عام وليس توكيلاً خاصاً بقضية معينة خلافاً لما ذهب إليه الطاعن وكان البحث في كذب البلاغ وتفسير سند التوكيل وتعرف حدوده وحقيقة معناه من سلطة محكمة الموضوع ولا معقب عليها فيه ما دامت عبارته وسائر ما استعانت به المحكمة في تفسيرها له وما كونت به اقتناعها يؤدى إلى ما انتهت إليه وله مأخذ صحيح من الأوراق لما كان ذلك، وكان اتخاذ الحكم من إعلان الطاعن مخاطباً مع أهل بيته المقيمين معه قرينة على علمه بالدعاوى المرفوعة باسمه سائغاً في استخلاص هذا العلم. لما هو مقرر من أنه لا يشترط في الدليل في المواد الجنائية أن يكون صريحاً ودالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها بل يكفى أن يكون استخلاص ثبوتها منه عن طريق الاستنتاج مما تكشف من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات وكان الحكم لم يقتصر على هذه القرينة في استخلاص علم الطاعن بالدعاوى المرفوعة باسمه بل عززها بما قاله عن تقديم المطعون ضده مستندات خاصة بهذه القضايا وأنها ما كانت تصل إلى يده إلا عن طريق الطاعن وهو ما لم يجحده الأخير. لما كان ذلك، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الوجه يكون في غير محله.
وحيث إن مبنى الوجه الثاني من الطعن هو الخطأ في الإسناد والقصور في التسبيب ذلك أن الحكم استند في إثبات ركن القصد الجنائي لجريمة البلاغ الكاذب بعنصرية وهما العلم بكذب البلاغ وسوء القصد إلى أن الطاعن كان راضياً عن حضور المدعى المدني في قضاياه ولم يلجأ إلى الإبلاغ ضده إلا بعد حصول النزاع بينهما وبعد أن أدلى المدعى المدني بالشهادة ضده لمصلحة شقيقاته في دعوى الحجر المرفوعة منه ضد والدته مع أن الثابت من الأوراق أن دعوى الحجر لم ترفع من الطاعن بل رفعت من شقيقاته كما أن إبلاغ الطاعن كان في يوم 12/ 11/ 1960 الذي تمت فيه الشهادة في تلك الدعوى بنيابة المنصورة للأحوال الشخصية ولم يكن تالياً لهذه الشهادة وقد تمسك بذلك في مذكرته المقدمة للمحكمة الاستئنافية رداً على ما أورده المدعى بالحق المدني في مذكرته من أن البلاغ كان في يوم 14/ 11/ 1960 بعد تأدية هذه الشهادة في طلب الحجر وقال الطاعن إن مقطع النزاع في هذا الأمر هو أصل البرقية المرسلة منه والمرفقة بالشكوى ولكن المحكمة أخذت بادعاء المدعى المدني من أن البلاغ كان تالياً على الشهادة دون أن تبين تاريخ البلاغ وتاريخ الشهادة ودون الرد على دفاع الطاعن في هذا الصدد مع أنه دفاع جوهري.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً للطعن وعلى أصل البرقية ثم على الصورة الرسمية لمحضر تحقيق نيابة المنصورة في القضية 8 ب سنة 1956 عن طلب الحجر المرفوع من شقيقات الطاعن ضد والدتهن والمقدمة من المطعون ضده أن الطاعن أرسل شكواه إلى النائب العام بالبرقية رقم 198 من مكتب تلغراف مجلس الأمة بتاريخ 12/ 11/ 1960 في الساعة الثامنة وخمس دقائق مساء وتبين من الختم الثابت على البرقية أنها صدرت في يوم 13/ 11/ 1960 ثم تأشر عليها في 14/ 11/ 1960 بإرسالها إلى نيابة جنوب القاهرة وقد سئل المطعون ضده في تحقيق طلب الحجر في يوم 12/ 11/ 1960 كما يبين من الحكم الابتدائي أنه إذ دلل على توافر القصد الجنائي لدى الطاعن قال "إن المتهم حين أبلغ ضد المدعى بالحق المدني كان يعلم مقدماً بكذب البلاغ وعدم صحة الوقائع التي أبلغ عنها بدليل التوكيل الصادر منه للمدعى بالحق المدني وما ثبت من علمه بجميع القضايا التي باشرها المدعى بالحق المدني نيابة عنه وقد قصد الإساءة إليه والتشهير به فقد ثبت أن المدعى شهد ضد المتهم في 12/ 11/ 1960 وأنه أبلغ ضده بتاريخ 14/11/ 1960 مما يدل دلالة قاطعة على أن هذا الإبلاغ كان انتقاماً للشهادة سالفة الذكر". وقد أخذ الحكم المطعون فيه بهذه الأسباب وعرض بدوره إلى صدور التوكيل العام من الطاعن وعلمه بالقضايا المرفوعة باسمه وكذب الوقائع التي أبلغ عنها وأضاف إلى أسباب الحكم الابتدائي "أن المتهم كان راضياً عن حضور المدعى المدني عنه ولم يبلغ ضده إلا بعد أن استمر أوار النزاع بينهما بعد أن أدلى بالشهادة ضده لمصلحة إخوته في دعوى الحجر...." ثم استطرد فقال "إن سوء قصد المتهم قائم من تبليغه بعد حفظ الشكوى من النيابة بإقامة استئناف عن قرار الحفظ وللأسباب التي سردها الحكم الابتدائي في خصوص قيام أركان الجريمة". ولما كان يجب لتوفر القصد الجنائي في جريمة البلاغ الكاذب أن يكون المبلغ قد أقدم على التبليغ مع علمه بأن الوقائع التي بلغ عنها مكذوبة وأن الشخص المبلغ في حقه برئ مما نسب إليه وأن يكون ذلك بنية الإضرار بالمبلغ ضده وتقدير توافر هذا الركن من شأن محكمة الموضوع التي لها الحق المطلق في استظهاره من الوقائع المعروضة عليها. وكان من المقرر أنه إذا كان الحكم الاستئنافي قد أورد أسباباً جديدة لقضائه فإنه إذا قرر بعد ذلك أن يأخذ بأسباب الحكم المستأنف كأسباب مكملة لحكمه فإن ذلك يكون مفاده أنه يأخذ بها فيما لا يتعارض مع الأسباب التي أنشأها لنفسه. لما كان ذلك، وكان الجزء المعول عليه في الحكم هو ذلك الجزء الذي يبدو فيه اقتناع القاضي دون غيره من الأجزاء الخارجة عن سياق هذا الاقتناع. ومتى كان الحكم المطعون فيه قد بنى اقتناعه بتوافر القصد الجنائي لدى الطاعن على ما تبينه من الوقائع المطروحة على بساط البحث مع علمه بكذب الوقائع التي أبلغ عنها لرضائه عن الدعاوى المرفوعة باسمه ومن إقدامه على التبليغ وهو عالم بكذب تلك الوقائع إثر قيام النزاع بينه وبين المطعون ضده وأن هذا التبليغ كان تالياً لشهادة الأخير لصالح شقيقاته في دعوى الحجز فإنه لا يعيب الحكم ما استطرد إليه سهوا نقلاً عن أقوال المطعون ضده من أن تاريخ البرقية هو 14/ 11/ 1960 متأثراً بتاريخ إرسالها للنيابة المختصة ولا جدوى للطاعن من إثارة هذا الجدل الموضوعي ما دام أن ما استقر في عقيدة المحكمة وعولت عليه في قضائها هو أن الطاعن قد أرسل تلك البرقية بعد إدلاء المطعون ضده بالشهادة في طلب الحجر وهو ما له مأخذ صحيح من الأوراق. لما كان ذلك، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الوجه لا يكون مقبولاً.
وحيث إنه مما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.

الطعن 792 لسنة 33 ق جلسة 4 / 11 / 1963 مكتب فني 14 ج 3 ق 134 ص 747


جلسة 4 من نوفمبر سنة 1963
برياسة السيد/ محمد متولي عتلم نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: مختار رضوان، ومحمد صبري، ومحمد محمد محفوظ، ومحمد عبد المنعم حمزاوي.
--------------
(134)
الطعن رقم 792 لسنة 33 القضائية

(أ، ب، جـ، د) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". "ما لا يعيب الحكم في نطاق التدليل". إثبات. "شهود". محكمة الموضوع.
(أ) إغفال الحكم بيان مدى العاهة. لا يؤثر في سلامته، طالما أن المتهم لا يجادل فيما نقله الحكم عن التقرير الطبي من تخلف عاهة بالمجني عليه.
(ب) تناقض الشهود. لا يعيب الحكم. ما دام قد أورد أقوالهم بما لا تناقض فيه.
(جـ) وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها الشهادة وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن. مرجعه إلى محكمة الموضوع. تقدره التقدير الذي تطمئن إليه. أخذها بشهادة شاهد يفيد إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها. مثال.
(د) عدم التزام محكمة الموضوع بأن تبين نوع الآلة التي استعملت في الاعتداء. ما دامت قد استيقنت أن المتهم هو الذي أحدث إصابات المجني عليه. مثال.

----------------
1 - لا يؤثر في سلامة الحكم إغفاله بيان مدى العاهة طالما أن المتهم لا يجادل فيما نقله الحكم عن التقرير الطبي من تخلف عاهة مستديمة بالمجني عليه.
2 - لا يعيب الحكم تناقض الشهود، ما دام قد أورد أقوالهم بما لا تناقض فيه.
3 - وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها الشهادة وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن، مرجعه إلى محكمة الموضوع، تقدره التقدير الذي تطمئن إليه. ومتى أخذت المحكمة بشهادة شاهد فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها. ومن ثم فلا تثريب على المحكمة إذا ما عولت في قضائها على أقوال المجني عليه وبعض أقاربه من شهود الواقعة ما دامت قد اطمأنت إليها، ولا إلزام عليها بالرد على دفاع الطاعن الموضوعي بهذا الشأن ما دام الرد مستفاداً دلالة من أدلة الثبوت السائغة التي أوردتها.
4 - محكمة الموضوع غير ملزمة بأن تبين نوع الآلة التي استعملت في الاعتداء ما دامت قد استيقنت أن المتهم هو الذي أحدث إصابات المجني عليه. ومن ثم فإن النعي على الحكم بالقصور في التسبيب - لإغفاله الإشارة إلى الآلة المستعملة في إحداث الإصابة - لا يكون له محل.


الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخر بأنهما في يوم 7 يوليه سنة 1959 بدائرة مركز الزقازيق محافظة الشرقية: أولاً - المتهم الأول - ضرب منير محمد عبد المطلب بفأس على رأسه فأحدث بها الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي والتي نشأ عنها عاهة مستديمة يستحيل برؤها هي فقد عظمى بالجدارية اليسرى في مساحة 3 × 4 سم وفقد إبصار العين اليمنى. وثانياً: المتهم الثاني - أحدث عمداً بعبد الله عبد المطلب الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي والتي تقرر لعلاجها مدة لا تزيد على العشرين يوماً. وطلبت من غرفة الاتهام إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما بالمادتين 240/ 1 و242/ 1 من قانون العقوبات. فقررت الغرفة ذلك. وادعى منير محمد عبد المطلب مدنياً بمبلغ 300 جنيه على سبيل التعويض قبل المتهم الأول. ومحكمة جنايات الزقازيق قضت حضورياً بتاريخ 6 يناير سنة 1962 عملاً بمادتي الاتهام: أولاً - بمعاقبة المتهم الأول (الطاعن) بالسجن ثلاث سنين وإلزامه بأن يدفع للمدعى بالحق المدني مبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض مع المصروفات المدنية. ثانياً - بمعاقبة المتهم الثاني بغرامة قدرها عشرة جنيهات فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.

المحكمة
حيث إن مبنى الوجهين الأول والثاني من الطعن هو أن الحكم المطعون فيه شابه بطلان في الإجراءات أثر في الحكم وبطلان في الحكم، ذلك أن محضر الجلسة وديباجة الحكم تضمنا وصفاً للتهمة المسندة إلى الطاعن بأنه ضرب المجني عليه بفأس على رأسه فأحدث به الإصابات المبينة بالتقرير الطبي الشرعي والتي نشأت عنها عاهة مستديمة يستحيل برؤها هي فقد عظمى بالجدارية اليسرى في مساحة 3 × 4 سم وفقد إبصار العين اليمنى وهذا الوصف يختلف تماماً عن وصف الاتهام الثابت بأمر الإحالة إذ لم يتضمن أمر الإحالة فقد إبصار هذه العين ومن ثم كان لزاماً على المحكمة أن تنبه الطاعن والدفاع إلى هذه الإضافة في الوصف ولا يصحح هذا البطلان ما أوردته المحكمة في نهاية حكمها خاصاً بوصف التهمة من أنه ثبت لديها في حق الطاعن أنه أحدث عمداً بالمجني عليه الإصابة الموصوفة بالتقريرين الطبيين والتي نشأ عنها عاهة مستديمة يستحيل برؤها هي فقد عظمى بالجداري الأيسر للمجني عليه دون أن تذكر شيئاً عن فقد إبصار العين اليمنى. ثم إن الحكم لم يورد النسبة المئوية للعاهة سواء في وصف التهمة الوارد بمحضر الجلسة أو ديباجة الحكم أو أسبابه في حين أن الثابت في أمر الإحالة أن نسبة العاهة 15% في الماية ولو كانت المحكمة أثبتت هذه النسبة في حكمها لأمكن تصور تغيير وجه الرأي سواء بالنسبة للثبوت أو العقوبة، كما أن في عدم إيراد النسبة المئوية للعاهة ما يدل على عدم اطلاع المحكمة على أمر الإحالة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما مفاده أنه في حوالي السابعة الرابعة والنصف من بعد ظهر يوم 7/ 7/ 1959 شجرت منازعة بين منير محمد عبد المطلب - المجني عليه - وشقيقه عبد الله محمد عبد المطلب من جانب وبين عبد العظيم أحمد منصور - الطاعن - وعبد الحميد السيد العياط من جانب آخر بشأن الخلاف على ري أرض من ساقية يملك حق الانتفاع بها الأخوان مشاركة مع الطاعن ولما فرغ الأخير من ري أرضه، وقبل أن يباشر الأخوان ري أرضهما لاحظا أن مياه الساقية تجرى في أرض عبد الحميد السيد العياط الذي لا يحق له استخدام الساقية ونشب الخلاف لهذا السبب ووقف كل من الطرفين عند رأيه وأدى الخلاف إلى تضارب الفريقين وأسفر التضارب عن إصابة المجني عليه منير محمد عبد المطلب في رأسه إصابة اقتضت إجراء عملية تربنه وتخلف عنها آخر الأمر عاهة رفعت الدعوى بها بعد التحقيق ضد الطاعن بوصفه محدثها، وعن إصابة عبد الله محمد عبد المطلب بإصابات اقتضى علاجه منها مدة لا تزيد عن عشرين يوماً رفعت الدعوى بها ضد المتهم الثاني عبد الحميد السيد العياط. واستند الحكم في إدانة الطاعن إلى أقوال المجني عليه وشقيقه وزوجته وإلى أقوال أحمد محمد عبد النبي وإلى التقريرين الطبيين الموقعين على المجني عليه، وبعد أن أورد الحكم أقوال شهود الواقعة، حصل التقريرين الطبيين في قوله "وتضمن تقرير الكشف الواقع على منير محمد عبد المطلب أنه نقل إلى المستشفى الأميري في بلبيس مصاباً بجرح رضي بالجداري والصدغية اليسرى طوله 4 سم وباستكشاف الجرح وجد تحته كسر منخسف مضاعف بعظم الجداري الصدغية اليسرى وأجريت له عملية تربنه ورفع من العظام في موضع الجرح ما مساحته 3 × 4 سم والإصابة جائزة من أي جسم صلب راض كالعصا أو ما يشبهها ولم ير الطبيب الشرعي حالة هذا المصاب نهائية إلا يوم كشف عليه في 11/ 12/ 1960 إذ خلص يومها إلى أن إصابة رأسه أسفرت بأنه تخلف عنها عاهة مستديمة نتيجة للفقد العظمى الكامل من عظام الجدارية اليسرى في مساحة دائرة تقريباً قطرها 4 × 4 سم لا ينتظر أن تملأ بالعظام بل بنسيج ليفي بما يترتب عليه من مضاعفات خطيرة محتملة لا يمكن تقدير مداها إلا تقريباً للأذهان بنحو 15%" وخلص الحكم إلى إدانة الطاعن بالمادة 240/ 1 من قانون العقوبات وبوصف أنه "أحدث عمداً بمنير محمد عبد المطلب الإصابة الموصوفة بالتقريرين الطبيين الابتدائي والشرعي والتي نشأت عنها عاهة مستديمة يستحيل برؤها هي فقد عظمى بالجداري الأيسر للمجني عليه". لما كان ذلك، وكان يبين من محضر الجلسة وديباجة الحكم أنه أثبت وصف التهمة المسندة للطاعن بأنه "ضرب منير محمد عبد المطلب بفأس على رأسه فأحدث به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي والتي نشأت عنها عاهة مستديمة يستحيل برؤها هي فقد عظمى بالجدارية اليسرى في مساحة 3 × 4 سم وفقد إبصار العين اليمنى" لما كان ذلك، وكانت أسباب الحكم المطعون فيه قد خلت - في جميع أجزائها - من الإشارة إلى إصابة المجني عليه في عينه اليمنى أو إلى فقد إبصارها وكان وصف التهمة التي دان الحكم الطاعن بها وأوقع عليه عقوبتها يتفق مع الوصف الثابت بأمر الإحالة وفقاً لما أورده الطاعن في وجه الطعن مما يشير بوضوح إلى أن ما أدرج بنهاية وصف التهمة في محضر جلسة المحاكمة وديباجة الحكم من فقد إبصار العين اليمنى لا يعدو أن يكون خطأ مادياً في التحرير غير مقصود من المحكمة ولم يترتب عليه أي أثر في الحكم الأمر الذي لا يصح معه القول بأنه حصل تعديل في وصف التهمة يستلزم تنبيه الطاعن أو المدافع عنه. لما كان ذلك، وكان إغفال الحكم بيان مدى العاهة لا يؤثر في سلامته طالما أن الطاعن لا يجادل فيما نقله الحكم عن التقرير الطبي من تخلف عاهة مستديمة بالمجني عليه هي فقد جزء من عظام الجدارية اليسرى ومع ذلك فقد أورد الحكم بيان النسبة المئوية المقدرة للعاهة فيما حصله من التقرير الطبي الشرعي أما القول بأن المحكمة لم تطلع على قرار الإحالة فمردود بما هو ثابت بديباجة الحكم من سماع المحكمة لأمر الإحالة ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذين الوجهين لا يكون له محل.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه في الوجه الثالث من الطعن القصور في التسبيب، ذلك أن المحكمة لم ترد في أسباب حكمها على دفاع الطاعن الثابت بمحضر جلسة المحاكمة من تجريح للمجني عليه ولشهود الإثبات وهم من أقاربه ومن تضاربهم في أقوالهم وتناقضهم في تحديد الآلة المستعملة في الاعتداء مكتفية بقولها إنها لا تلتفت إلى إنكار المتهم مما يعيب الحكم.
وحيث عن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة إحداث عاهة بالمجني عليه التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من أقوال الشهود والتقريرين الطبيين الموقعين على المجني عليه، وهى أدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها الشهادة وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع تقدره التقدير الذي تطمئن إليه. ومتى أخذت المحكمة بشهادة شاهد فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ومن ثم فلا تثريب على المحكمة إذا ما عولت في قضائها على أقوال المجني عليه وبعض أقاربه من شهود الواقعة ما دامت قد اطمأنت إليها، ولا إلزام عليها بالرد على دفاع الطاعن الموضوعي بهذا الشأن إذ الرد مستفاد دلاله من أدلة الثبوت السائغة التي أوردتها، أما ما يثيره الطاعن بشأن تناقض الشهود فإنه - بفرض وقوعه - لا يعيب الحكم ما دام قد أورد أقوالهم بما لا تناقض فيه، ومن ثم فإن ما يعيبه الطاعن على الحكم في هذا الوجه لا يكون سديداً.
وحيث إن مبنى الوجهين الرابع والخامس من الطعن هو التناقض والقصور في التسبيب، ذلك أنه يبين من سرد المحكمة لواقعة الدعوى على لسان المجني عليه أن التعدي إنما وقع أصلاً من المجني عليه على المتهم الآخر بمحاولته حل الدابة التي كانت معلقة بالساقية ومع ذلك استخلص الحكم منها إدانة الطاعن. كما أن الحكم لم يشر في أسبابه إلى الآلة المستعملة في إحداث الإصابة رغم تضارب الشهود بشأنها.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى حصل أقوال المجني عليه في قوله "شهد منير محمد عبد المطلب بأنه وأخاه عبد الله يشاركان المتهم الأول في ملكية ساقية وكان المذكور يديرها يروى بها أرضه وظل هو وأخوه في انتظار الفراغ من ذلك ليأتي دورهما لكنهما فوجئا بعد ظهر يوم الحادث بالماء يتحول - والساقية مداره - إلى أرض من لا حق له وهو المتهم الثاني الذي يربطه بالأول صلة مصاهرة. وإذ كان هذا تحيفاً من حقهما فقدهما بأن يجعلا بهيمتهما تعلق بالساقية مع فك بهيمة المتهم الأول تمهيداً لأن يرويا أرضهما ولم يرق ذاك المتهمان فبادر المتهم الأول بضربه بفأس في رأسه حال تشاغله مع ابن المتهم الثاني في تماسك ومن ثم سقط على الأرض متأثراً بإصابته" لما كان ذلك، وكان مفاد ما حصله الحكم من أقوال المجني عليه أنه هم مع شقيقه بحل الدابة من الساقية بعد أن فرغ الطاعن من ري أرضه وبعد أن شاهد مياه الساقية تتحول إلى أرض المتهم الآخر الذي لا يحق له الانتفاع بها فاعتدى الطاعن على المجني عليه بالضرب على رأسه بفأس وهو ما يتفق وما استخلصه الحكم منها من نسبة التعدي إلى الطاعن وما لا يتعارض مع ما أورده الحكم عن واقعة الدعوى مما ينفى عن الحكم قالة التناقض في التسبيب. لما كان ذلك، وكانت محكمة الموضوع غير ملزمة بأن تبين نوع الآلة التي استعملت في الاعتداء ما دامت قد استيقنت أن الطاعن هو الذي أحدث إصابات المجني عليه، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يكون له محل. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه.

الطعن 13 لسنة 33 ق جلسة 4 / 1 / 1967 مكتب فني 18 ج 1 ق 11 ص 54

جلسة 4 من يناير سنة 1967
برياسة السيد المستشار أحمد زكى محمد نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد ممتاز نصار، وإبراهيم عمر هندي، وصبري أحمد فرحات، ومحمد شبل عبد المقصود.
--------------
(11)
الطعن رقم 13 لسنة 33 القضائية
(أ، ب، ج، د) إثبات. "طرق الإثبات". "البينة". نسب.
الشهادة بالتسامع. أحوالها. شروطها.
(هـ) إثبات. "طرق الإثبات". "البينة". نسب. إرث.
الشهادة على الإرث. شرطها. بيان الأسباب المورثة للميت.
(و) إثبات. "طرق الإثبات". "الإثبات بالكتابة". "حجية الأوراق العرفية". إرث. محكمة الموضوع. مجالس ملية.
المجالس الملية. إعلامات الوفاة والوراثة حجيتها.
-------------------
1  - أجاز الحنفية الشهادة بالتسامع في مواضع منها النسب واختلفوا في تفسيره وتحمل الشهادة به، فعن أبى حنيفة لا يشهد حتى يسمع ذلك من جماعة لا يتصور تواطؤهم على الكذب ويشتهر ويستفيض وتتواتر به الأخبار وعلى هذا إذا "أخبره" رجلان أو رجل وامرأتان لا تحل له الشهادة ما لم يدخل في حد التواتر ويقع في قلبه صدق الخبر، وعن الصاحبين إذا أخبره بذلك رجلان عدلان أو رجل وامرأتان عدول يكفى وتحل له الشهادة، والفتوى على قولهما، واشترطوا في الإخبار - هنا وعن العدلين - أن يكون بلفظ "أشهد" وبمعنى أن يشهدا عنده بلفظ الشهادة. والمتون قاطبة - والنقول المعتبرة - أطلقت القول بأن الشاهد إذا فسر للقاضي ردت شهادته ولا تقبل في جميع المواضع التي يجوز للشاهد الشهادة فيها بالتسامع، ومن الفقهاء من استثنى الوقف والموت فتقبل ولو فسر القاضي أنه أخبره به من يثق به لأن الشاهد ربما يكون عمره عشرين سنة وتاريخ الوقف أو الموت مائة سنة فيتيقن القاضي أنه يشهد بالتسامع فكان الإفصاح كالسكوت. واختلفوا في معنى التفسير للقاضي أنه يشهد بالتسامع: فلو شهدا وفسرا وقالا شهدنا بذلك لأنا سمعنا من الناس لا تقبل. ولو قالا سمعنا من قوم لا يتصور اجتماعهم على الكذب لا تقبل وقيل تقبل، ولو قالا أخبرنا بذلك من نثق به فمنهم من قال أنه من التسامع ومنهم من قال أنه ليس منه وجعله الراجح، والظاهر أنه حيث أجيز للشاهد أن يشهد بالتسامع في المواضع التي بينوها وجب أن يقضى بشهادته وإن فسر وإلا كان في المقام ما يشبه التناقض إذ كل ما في الأمر أنهم يريدون تحميل الشاهد عبء ما يشهد به ولا يحملون القاضي ذلك.
2 - الطريق إلى تحمل الشهادة بالتسامع وحدها هو أن لا يشهد الشاهد حتى يسمع ذلك من جماعة لا يتصور تواطؤهم على الكذب ويشتهر ويستفيض وتتواتر به الأخبار ويقع في قلبه صدقها أو أن يخبره بذلك رجلان أو رجل وامرأتان يحصل له به نوع من العلم الميسر في حق المشهود به وأنهم أوجبوا على الشاهد أن يطلق أداء الشهادة ولا يفسر للقاضي أنه يشهد بناء على ما سمع من الناس - وإذ كان ذلك فإن تعييب الحكم بأنه لم يبين أنه توافرت في أقوال الشهود شروط قبول الشهادة بالتسامع يكون في غير محله إذ هي أمور تتصل بتحمل الشهادة وحليتها للشاهد، وكذلك تعييبه لأن أحدا منهم لم يشهد بواقعة معاصرة للواقعة المطلوب إثباتها ولا بما شهد به لديه عدلان ولم يدع الحكم أن ما شهدوا به تحققت فيه شروط التواتر إذ هي أمور تتصل بأداء الشهادة وحكاية ما تحمله الشاهد منها والشهادة بالتسامع -عند الأداء - يضرها الإفصاح ويصححها السكوت وإن يكن سكوتا كالإفصاح.
3 - الأصل في الشهادة أنه لا يجوز للشاهد أن يشهد بشيء لم يعاينه - بالعين أو بالسماع - بنفسه، واستثنى الفقهاء من ذلك مسائل منها ما هو بإجماع كالنسب ومنها ما هو على الصحيح أو على أرجح الأقوال أو على أحد قولين مصححين أو على قول مرجوح أجازوا فيها الشهادة بالتسامع مع الناس وإن لم يعاينها بنفسه، وهى ضرورة بعد ضرورة دعت إليها رعاية المصالح والحاجة الشديدة أو هي استحسان مرده والوجه فيه أنها أمور يختص بمعاينة أسبابها خواص من الناس لا يطلع عليها إلا هم وقد تتعلق بها أحكام تبقى على انقضاء القرون وأنها يقترن بها في العادة ما تشتهر به فنزلت الشهرة في كل منها منزلة العيان والناس يعتمدون فيها على الخبر فكان الخبر مسوغا للشهادة ولو لم تقبل أدى ذلك إلى الحرج وتعطيل الأحكام والحرج مدفوع شرعا. وهم مع ذلك لم يجوزوا للشاهد أن يشهد بالتسامع إلا إذا كان ما يشهد به أمرا متواترا سمعه من جماعة لا يتصور تواطؤهم على الكذب واشتهر واستفاض وتواترت به الأخبار عنده ووقع في قلبه صدقها لأن الثابت بالتواتر والمحسوس سواء، أو يخبره به - وبدون استشهاد - رجلان عدلان أو رجل وامرأتان عدول فيحصل له نوع من العلم الميسر في حق المشهود به وهي مراتب منها ما يفيد العلم كشهادة التواتر ومنها ما يفيد ظنا قويا يقترب من القطع كشهادة الاستفاضة، ومنها ما يفيد ظنا دون شهادة الاستفاضة بأن يقولوا سمعنا سماعا فاشيا أو لم نزل نسمع من الثقات، والفقهاء وقد أوجبوا على الشاهد أن لا "يفسر" للقاضي إنما أرادوا بذلك تحميل الشاهد عبء ما شهد به لا تحميل القاضي هذا العبء.
4 - الشهادة بالتسامع في فقه الشريعة الإسلامية لا هي شهادة برأي ولا هي شهادة على شهادة ومن الدرجة الثانية، وإنما هي شهادة أصيلة ومتميزة بضوابطها ودواعيها، لها قوتها في الإثبات، ويحمل الشاهد فيها عبء ما شهد به وهى بذلك لا تدخل من باب شهادة السماع ولا من باب الشهادة بالشهرة العامة في فقه القانون الفرنسي ولا تجري مجراها وبالتالي مما تستقل به محكمة الموضوع بما لا رقابة لمحكمة النقض عليها فيه ما لم تخرج بها إلى ما لا تؤدي إليه.
5 - فقه الحنفية على أنه لقبول الشهادة على الإرث لا بد من ذكر سببه وطريقه فاذا شهدوا أنه أخوه أو ابن عمه لا تقبل حتى يبينوا طريق الأخوة والعمومة بأن يبينوا الأسباب المورثة للميت "وينسبوا الميت والوارث حتى يلتقيا إلى أب واحد".
6 - إعلامات الوفاة والوراثة التي تعارفت المجالس الملية لمختلف الطوائف على ضبطها لا تخلو من حجية، سواء اعتبرت أوراقا رسمية أو عرفية، والجدل فيما انطوت عليه دلالتها من وفيات أو غيرها هو جدل موضوعي فيما يملكه قاضي الدعوى لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع -على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن ثابت مينا حنا المطعون عليه الأول أقام الدعوى رقم 885 سنة 1959 القاهرة الابتدائية للأحوال الشخصية ضد الدكتورة ماري ميرهم الطاعنة يطلب الحكم له عليها بوفاة المرحوم جورج ميرهم وانحصار إرثه في ورثته واستحقاقه قيراطا وجزءا من أحد عشر جزء من قيراط من أصل أربعة وعشرين قيراطا تنقسم إليها تركته وأمرها بتسليمه هذا النصيب وعدم التعرض له فيه مع إلزامها بالمصاريف والأتعاب وشمول الحكم بالنفاذ المعجل وبلا كفالة، وقال شرحا لدعواه أنه في 6 مايو سنة 1959 توفى المرحوم جورج ميرهم وترك مما يورث عنه شرعا المنزل رقم 1 بميدان مستشفى كتشنر قسم شبرا وانحصر إرثه في أخته الشقيقة ماري ميرهم وفى عصبته النسبية (1) ثابت بن مينا بن حنا بن تادرس بن داود بن يوحنا ميرهم (2) حنا بن داود بن حنا بن تادرس بن داود بن يوحنا ميرهم (3) رزق الله بن تادرس بن حنا بن تادرس بن داود بن يوحنا ميرهم (4) نسيم بن صرايا مون بن داود بن تادرس بن داود بن يوحنا ميرهم (5) داود بن إسحق بن داود بن تادرس بن داود بن يوحنا ميرهم (6) صليب بن حنا بن بطرس بن يوسف بن بطرس بن يوحنا ميرهم (7) مكارى بن حنا بن بطرس بن يوسف بن بطرس بن يوحنا ميرهم (8) بطرس بن حنا ابن بطرس بن يوسف بن بطرس بن حنا ميرهم (9) جرجس بن حنا بن بطرس ابن يوسف بن بطرس بن يوحنا ميرهم (10) حبيب بن حنا بن بطرس ابن يوسف بن بطرس بن يوحنا ميرهم (11) مسيحه بن حنا بن بطرس ابن يوسف بن بطرس بن يوحنا ميرهم، وإذ تستحق أخته السيدة ماري نصف تركته فرضا وتستحق عصبته النصف الآخر ويخص المدعى فيها قيراطا وجزءا من أحد عشر جزء من قيراط من أربعة وعشرين قيراطا تنقسم إليها التركة وقد حصلت المدعى عليها على إشهاد شرعي بوفاته وانحصار إرثه فيها وحدها متجاهلة عصبته ووضعت يدها عليها وامتنعت عن إعطائه نصيبه فيها فقد انتهى إلى طلب الحكم له بطلباته كذلك أقام نسيم صرايامون داود ميرهم المطعون عليه الثاني الدعوى رقم 266 سنة 1960 القاهرة الابتدائية للأحوال الشخصية ضد السيدة ماري يطلب الحكم له عليها بمثل هذا النصيب. وأنكرت السيدة ماري على كل من المدعيين دعواه وطلبت رفضهما. وقررت المحكمة ضم الدعويين، وبتاريخ 19 ديسمبر سنة 1960 حكمت حضوريا برفضهما وألزمت كل مدع بمصروفات دعواه. واستأنف المدعيان هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة طالبين إلغاءه والحكم لهما بطلباتهما وقيد هذا الاستئناف برقم 9 سنة 78 قضائية. وبتاريخ 30 ديسمبر سنة 1961 حكمت المحكمة بقبول الاستئناف شكلا وقبل الفصل في الموضوع بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت كل من المستأنفين بكافة طرق الإثبات بما فيها البينة رابطة النسب التي تربطه بالمتوفى وبالجد الجامع لهما وللمستأنف عليها النفي بذات الطرق. وبعد سماع أقوال الشهود عادت وبتاريخ 20 يناير سنة 1963 فحكمت (أولا) ببطلان الحكم المستأنف (ثانيا)... (ثالثا) وفى الموضوع بثبوت وفاة جورج ميرهم بتاريخ 6 مايو سنة 1959 وأن ثابت مينا حنا ونسيم صرايامون داود المستأنفين من ورثته بصفتهما من عصبته ويستحق كل منهما في تركته قيراطا وجزءا من أحد عشر جزء من قيراط من أربعة وعشرين قيراطا تنقسم إليها تركته وألزمت المستأنف عليها بتسليم هذا النصيب إليهما مع إلزامها بالمصروفات عن الدرجتين وبمبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة عنهما. وطعنت السيدة ماري في هذا الحكم بطريق النقض للأسباب الواردة بالتقرير، وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون وقررت إحالته إلى هذه الدائرة حيث صممت الطاعنة على طلب نقض الحكم وطلب المطعون عليهما الأول والثاني رفض الطعن وقدمت النيابة العامة مذكرة أحالت فيها إلى مذكرتها الأولى وطلبت رفض الطعن.
وحيث إن حاصل الأسباب الثلاثة الأولى أن الحكم المطعون فيه عول في قضائه بالنسب على شهادة بالتسامع، وهو خطأ ومخالفة للراجح في مذهب أبى حنيفة وقصور وفساد في التسبيب من وجوه (أولها) أن المدعيين حين عجزا عن الإثبات وعجزت الأوراق التي قدماها عن أن تسند دعواهما، طلبا من محكمة أول درجة إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات مدعاهم بالبينة - بإطلاق وبغير بيان لنوع الشهادة التي يطلبان الإثبات بها - ورفضت المحكمة طلبهما لاستحالة أن يكون أحد من الشهود حيا من حوالى 175 سنة وقالت أن "طلب إحالة الدعوى إلى التحقيق غير مجد في مثل هذه الدعوى ولا محل لإجابته"، ولما استأنفا هذا الحكم طلبا إحالة الدعوى إلى التحقيق وصرحا في صحيفة الاستئناف وفى مذكرتهما أمام محكمة الاستئناف بأن الشهادة التي يطلبان إثبات الدعوى بها هى شهادة التسامع وهى جائزة شرعا في إثبات النسب، وفى 30/ 12/ 1961 حكمت المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق وقالت "أنه ليس بلازم في دعوى النسب أن يكون هؤلاء الشهود أحياء أو معاصرين لما يشهدون إنما يكفى في شهادتهم التسامع" ونفذ حكم التحقيق وأدلى شهود المطعون عليهما وهم يوسف ميخائيل شنودة وشفيق منقريوس حنا وعازر رزق الله تادرس ومتري مرقص وحنا موسى وجورج تادرس بشهادتهم على أنها شهادة تسامع وبين كل منهم وفسر أن أساس علمه ليس هو المشاهدة أو المعاينة أو المعاصرة وإنما النقل والعنعنة والرواية والسمعة، ثم جاء الحكم المطعون فيه وصرح بأنه يأخذ بأقوال هؤلاء الشهود على أنهم شهود سماع وقال "أن شهادة التسامع سائغة مقبولة في هذه الدعوى على النحو الذى بينته المحكمة في حكمها السابق الذى قضى بإحالة الدعوى إلى التحقيق" وهو بذلك يكون قد خالف الراجح في مذهب أبى حنيفة، إذ عول في قضائه على بينة كشفها وكشفت نفسها له على أنها بينة تسامع في حين أن النص الشرعي يوجب رفضها ويمنع التعويل عليها متى انكشفت للقاضي حقيقتها وأنها بينة تسامع تقوم على شهادة عدلين أو على التواتر وهو خبر جماعة يقع العلم بخبرهم ولا يتصور اتفاقهم على الكذب، ولذلك أوجبوا على الشاهد أن لا يفسر للقاضي ويكشف له عن أن أساس شهادته هو التسامع أو الشهرة وأوجبوا على القاضي أن يرد شهادته، ولا يعول عليها (وثانيها) أن الفقهاء يذكرون تحت "التسامع" ثلاثة أحوال هي أن يشهد الشاهد عن معاينة ومشاهدة لواقعة معاصرة وقريبة يستفاد منها العلم بالواقعة الأصلية المطلوب إثباتها أو يشهد على ما أشهده عليه عدلان بلفظ "أشهد" أو يقرر أمرا معلوما بالتواتر يخبر به جماعة يقع العلم بخبرهم ولا تكون بينهم صلة تجعل من الجائز عقلا تواطؤهم على الكذب، ولم يقل أحد أن التسامع هو القالة أو الشائعات، والحكم المطعون فيه جاء قاصرا في هذا الخصوص لأنه عول على أقوال شهود الإثبات دون أن يبين أنه توافرت فيها شروط قبول الشهادة بالتسامع ولو فعل لما أمكن أن يردهم إلى حالة من هذه الحالات إذ لم يشهد أى منهم على واقعة معاصرة ومجاورة وقريبة للوقائع المطلوب الشهادة عليها ولم يشهد أحد منهم بأنه يشهد بما شهد به لديه عدلان بلفظ "أشهد" ولم يدع الحكم أن ما شهدوا به تحققت فيه شروط التواتر، هذا فضلا عن أن محضر التحقيق ثابت فيه أن هؤلاء الشهود تربطهم بالمطعون عليهما وزملائهما من مدعى الميراث صلات القرابة والنسب فالتواطؤ بينهم متصور بل هو الراجح، والوقائع التي شهدوا بها مما لا يحرص الناس عادة على معرفته ولا على حفظه وروايته (وثالثها) أن شهادة التسامع شهادة برأي تخضع لرقابة محكمة النقض ولا نعطيها حرية قاضى الموضوع في تقدير الأدلة والتعويل عليها يجعل الحكم مفتقرا إلى الأساس القانوني، "فالتسامع" عند الفقهاء يختلف عنه في القانون، وهم يقصدون به تلك الأحوال الثلاثة التي لا يخرج عن إزاحة محل الإثبات والشهادة على الشهادة والتواتر، أما في القانون فهو ترديد لرأى شائع في الجماهير لا يحمل عنه الشاهد - حين يدلى به أمام القاضي - أية مسئولية وهذا المفهوم يتعارض مع جوهر الشهادة في الشريعة - وشراح القانون الفرنسي على أن شهادة التسامع خارجة عن حدود فكرة نقل محل الإثبات، لأنها ليست شهادة بواقعة ولكن شهادة برأي، والرأي فرديا كان أو جماعيا - فيما عدا رأى الخبير والقاضي والأحوال التي وردت في القانون على سبيل الحصر - لا يصلح للإثبات، والإثبات بالتسامع أو الشهرة أخطر أنواع الإثبات وأشدها إبهاما لأن الشهود على الشهرة يقولون للقاضي شائعات وأقاويل يجهلون أصلها وليس لها في الغالب أي أساس لأن الرأي العام يضخم ويشوه الوقائع، وهى تفترق عن الشهادة العادية والشهادة على الشهادة في أنها لا تحمل أية قوة في الإثبات ومجردة من التعلق والإنتاج وغير متروكة لتقدير قاضى الموضوع، وهذه سمة حاسمة من سماتها، لأن حرية قاضى الموضوع وسلطته التقديرية في وزن الدليل أساسها نظام الإثبات القضائي وكون الدليل منتجا وقابلا للفحص والمراجعة وحريته هذه تقتضى رفض شهادة التسامع لأنها ليست دليلا بهذا المعنى، والقانون حين يفرض على القاضي الأخذ بها لا يوسع من حريته في الاقتناع بل يضع عليها قيدا وعلى ضميره عبئا إذ يلزمه بأن يحكم بما لا تطمئن إليه نفسه ولا يرتاح إليه ضميره بناء على القالة والشائعات التي يقدمها إليه المدعى على ألسنة شهوده، فهي من القانون الضيق واستثناء وقيد على حق القاضي في أن لا يقبل إلا الدليل القضائي الذى يرضى ضميره ولذلك لا تغطيها سلطة قاضى الموضوع التقديرية وكل ما يرد على حكمه بشأنها يخضع لرقابة محكمة النقض، إذ لا يتصور في نظام قانوني تشرف عليه هذه المحكمة أن يترك الأخذ بالشهرة والتسامع بمعناها هذا وفي مجالات واسعة خطيرة كالنسب والزواج لسلطة قضاة الموضوع التقديرية، كما لا يتصور أن يرجع فيها إلى كلام فقهاء الشريعة والراجح في مذهب أبى حنيفة - وإذن فمن حق الطاعنة أن تعيد على محكمة النقض اعتراضاتها على أقوال شهود الإثبات ومن حق هذه المحكمة أن تطرح أقوالهم: فهؤلاء الشهود ما كانوا ليصلحوا شهودا في إعلام أو إشهاد أوجبوا في شهوده أن يكونوا مقيمين بالجهة التي حدثت فيها الواقعة وأوجبوا على الموثق الذى يضبطه أن يثبت فيه أنهم كانوا معاصرين للواقعة التي يشهدون عليها ويثبت أعمارهم، والشهود الذين عول عليهم الحكم لم يكونوا مقيمين بالجهة ولا معاصرين للوقائع التي يزعمون العلم بها وأعمارهم تنفى هذه المعاصرة ويستحيل معها وفى العقل أن تكون لهم معرفة شخصية بالوقائع التي أدلوا بها وهى معقدة ومتراكبة تعصى على التداول والاشتهار والتسامع، وكيف يسوغ في العقل أن يجرى الاشتهار والتسامع بتسلسل وارتباط بين 73 متوفى وردت أسماؤهم في الشجرة التي قدمها المطعون عليهما وهى أسماء متشابهة ومتكررة لعدد من الأشخاص مدعى بأنهم ماتوا خلال قرنين من الزمان ولا تسمح أذهان البشر بتتبع أخبارهم على نحو تتعقب فيه صلات أفرادها وتحريها وربط اسم هذا الميت بذاك مع ما يقتضيه التفريق بين الشقيق وغير الشقيق من معرفة الأمهات والبنات صعودا وهبوطا عديد المرات في عديد الأجيال - والحكم المطعون فيه وقد قبل شهادة التسامع يكون قد قبل المستحيل عقلا ووقع بهذا وحده تحت رقابة محكمة النقض لأن القاضي في مثل هذه الحالة لا يكون حيال سماع شهود وإنما حيال امتحان في التسميع والحفظ يفوز فيه الشاهد الذى يحفظ من الأسماء أكثر من غيره ويصل بها إلى الجد الجامع.
وحيث إن هذا النعي مردود في الوجه (الأول) منه ذلك أن الحنفية أجازوا الشهادة "بالتسامع" في مواضع منها النسب واختلفوا في تفسيره وتحمل الشهادة به: فعن أبى حنيفة لا يشهد حتى يسمع ذلك من جماع لا يتصور تواطؤهم على الكذب ويشتهر ويستفيض وتتواتر به الأخبار وعلى هذا إذا "أخبره" رجلان أو رجل وامرأتان لا تحل له الشهادة ما لم يدخل في حد التواتر ويقع في قلبه صدق الخبر، وعن الصاحبين إذا أخبره بذلك رجلان عدلان أو رجل وامرأتان عدول يكفى وتحل له الشهادة، والفتوى على قولهما، واشترطوا في الإخبار - هنا وعن العدلين - أن يكون بلفظ "أشهد" وبمعنى أن يشهدا عنده بلفظ الشهادة. والمتون قاطبة - والنقول المعتبرة - أطلقت القول بأن الشاهد إذا فسر للقاضي ردت شهادته ولا تقبل في جميع المواضع التي يجوز للشاهد الشهادة فيها بالتسامع، ومن الفقهاء من استثنى الوقف والموت فتقبل ولو فسر للقاضي أنه أخبره به من يثق به لأن الشاهد ربما يكون عمره عشرين سنة وتاريخ الوقف - أو الموت - مائة سنة فيتيقن القاضي أنه يشهد بالتسامع فكان الإفصاح كالسكوت. واختلفوا في معنى التفسير للقاضي أنه يشهد بالتسامع: فلو شهدا وفسرا وقالا شهدنا بذلك لأنا سمعنا من الناس لا تقبل. ولو قالا سمعنا من قوم لا يتصور اجتماعهم على الكذب لا تقبل وقيل تقبل، ولو قالا أخبرنا بذلك من نثق به فمنهم من قال أنه من التسامع ومنهم من قال أنه ليس منه وجعله الراجح، والظاهر أنه حيث أجيز للشاهد أن يشهد بالتسامع في المواضع التي بينوها وجب أن يقضى بشهادته وإن فسر وإلا كان في المقام ما يشبه التناقض إذ كل ما في الأمر أنهم يريدون تحميل الشاهد عبء ما يشهد به ولا يحملون القاضي ذلك - وإذ كان الثابت من محاضر التحقيق أن "متى مرقص" عندما سئل كيف علم بسلسلة النسب التى ذكرها مورثه يوحنا؟ قال "قرابتي التي تربطني بهم من عدة نواحي" ثم قال "إن أبونا موسى ابن ميرهم كان زميل سيدى القمص مرقص ومكثوا مدة كبيرة مع بعض وميرهم توفى سنة 1903" وأنه عندما سئل "رزق الله تادرس" كيف عرف أن موسى بطرس وداود غبريال إخوة أشقاء؟ قال "لأنها عائلتنا وأعرف ذلك لأنى من العائلة" وعندما سئل كيف عرف أن داود لم يرزق إلا بتادرس؟ قال "لأنه من عصبتى" وعندما سئل كيف عرف سلسلة توريث ابن ابن ابن ابن ابن أخ جد جد أبوه؟ قال "لأنهم من صلب عصبتي" وأن "شفيق منقريوس حنا" عندما سئل كيف عرف أن مرقص الذى توفى من 100 سنة ابن مرقص حبشي؟ قال "ألا نعرف جدودنا وجدتي من الفرع نفسه" وعندما سئل ما هو مصدر علمه؟ قال "لأنهم جدودي فكيف لا أعرفهم" وأن "حنا موسى" عندما سئل كيف عرف أن الحاج بطرس داود وغبريال أخوة أشقاء؟ قال "هذه حاجة نعلمها عندما كنا في مقتبل العمر نحب نتفاخر بجدودنا وأنسابنا ونعرف احنا أولاد مين"، وأن "جورج حنا تادرس" عندما سئل كيف عرف تسلسل الوفيات على النحو الذى ذكره؟ قال "والدى من عائلة المراهمين وكذلك والدتي وجدي تادرس وجدي داود كان عمدة حصة مليج" وأقوالهم هذه لا تنبئ عن معنى التفسير ولا تكشف للقاضي أنهم شهدوا بما شهدوا به لأنهم سمعوه من الناس - إذ كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد عول على شهادتهم - وشهادة غيرهم - فإنه لا يكون قد خالف فقه الحنفية والراجح في المذهب في هذا الخصوص. ومردود في الوجه (الثاني) بما سبق بيانه من أن الطريق إلى تحمل الشهادة بالتسامع وحدها هو أن لا يشهد حتى يسمع ذلك من جماعة لا يتصور تواطؤهم على الكذب ويشتهر ويستفيض وتتواتر به الأخبار ويقع في قلبه صدقها أو أن يخبره بذلك رجلان أو رجل وامرأتان يحصل له به نوع من العلم الميسر في حق المشهود به وأنهم أوجبوا على الشاهد أن يطلق أداء الشهادة ولا يفسر للقاضي أنه يشهد بناء على ما سمع من الناس - وإذ كان ذلك فإن تعييب الحكم لأنه لم يبين أنه توافرت في أقوال شهود الإثبات شروط قبول الشهادة بالتسامع يكون في غير محله إذ هي أمور تتصل بتحمل الشهادة وحليتها للشاهد، وكذلك تعييبه لأنه أحدا منهم لم يشهد بواقعة معاصرة للواقعة المطلوب إثباتها ولا بما شهد به لديه عدلان ولم يدع الحكم أن ما شهدوا به تحققت فيه شروط التواتر إذ هي أمور تتصل بأداء الشهادة وحكاية ما تحمله الشاهد منها، والشهادة بالتسامع - عند الأداء - يضرها الإفصاح ويصححها السكوت وإن يكن سكوتا كالإفصاح وعن مفهوم، أما أن هؤلاء الشهود تربطهم بالمطعون عليهما صلات القرابة والتواطؤ بينهم متصور والوقائع التي شهدوا بها مما لا يحرص الناس على معرفته فهو قول مجهل قاصر البيان. ومردود في الوجه (الثالث) بأن الأصل في الشهادة أنه لا يجوز للشاهد أن يشهد بشي لم يعاينه - بالعين أو بالسماع - بنفسه، واستثنى الفقهاء من ذلك مسائل منها ما هو بإجماع - كالنسب - ومنها ما هو على الصحيح أو على أرجح الأقوال أو على أحد قولين مصححين أو على قول مرجوح أجازوا فيها الشهادة بالتسامع من الناس وإن لم يعاينها بنفسه وهى ضرورة بعد ضرورة دعت إليها رعاية المصالح والحاجة الشديدة، أو هي استحسان مرده والوجه فيه أنها أمور يختص بمعاينة أسبابها خواص من الناس لا يطلع عليها إلا هم وقد تتعلق بها أحكام تبقى على انقضاء القرون، وأنها يقترن بها في العادة ما تشتهر به فنزلت الشهرة في كل منها منزلة العيان والناس يعتمدون فيها على الخبر فكان الخبر مسوغا للشهادة، ولو لم تقبل أدى ذلك إلى الحرج وتعطيل الأحكام والحرج مدفوع شرعا - وهم مع ذلك لم يجوزوا للشاهد أن يشهد بالتسامع إلا إذا كان ما يشهد به أمرا متواترا سمعه من جماعة لا يتصور تواطؤهم على الكذب واشتهر واستفاض وتواترت به الأخبار عنده ووقع في قلبه صدقها لأن الثابت بالتواتر والمحسوس سواء، أو يخبره به - وبدون استشهاد - رجلان عدلان أو رجل وامرأتان عدول فيحصل له نوع من العلم الميسر في حق المشهر به، وهى مراتب منها ما يفيد العلم كشهادة التواتر ومنها ما يفيد ظنا قويا يقترب من القطع كشهادة الاستفاضة، ومنها ما يفيد ظنا دون شهادة الاستفاضة بأن يقولوا سمعنا سماعا فاشيا أو لم نزل نسمع من الثقات، والفقهاء وقد أوجبوا على الشاهد أن "لا يفسر" للقاضي إنما أرادوا بذلك تحميل الشاهد عبء ما شهد به لا تحميل القاضي هذا العبء - وفي ضوء هذه الاعتبارات يبين أن "الشهادة بالتسامع" في فقه الشريعة لا هي شهادة برأي ولا هي شهادة على شهادة ومن الدرجة الثانية، وإنما هي شهادة أصيلة ومتميزة بضوابطها ودواعيها، لها قوتها في الإثبات، ويحمل الشاهد فيها عبء ما شهد به وهي بذلك لا تدخل من باب شهادة التسامع ولا من باب الشهادة بالشهرة العامة في فقه القانون الفرنسي ولا تجري مجراها وبالتالي مما تستقل به محكمة الموضوع بما لا رقابة لمحكمة النقض عليها فيه ما لم تخرج بها إلى ما لا تؤدي إليه - هذا ولا وجه لإقحام الفقه الفرنسي فيما يحكمه فقه الشريعة.
وحيث إن حاصل السبب الخامس أنه يجب لقبول الشهادة على الوراثة بسبب العصوبة أن يذكر الشاهد نسب كل من المتوفى والوارث إلى الجد الجامع حتى يتحقق التقاء الوارث والمورث في جد واحد ولكي يتحقق ذلك يجب أن يذكر الجد الجامع باسمه واسم أبيه وجده ولا يكفى ذكره باسمه واسم أبيه وصناعته لأن الانتساب إلى الجد الجامع شهادة وتحميل للنسب عليه فلا بد من تعريفه بذكر اسمه واسم أبيه واسم جده وإلا كانت الشهادة مردودة شرعا، وشهود الدعوى لم يذكروا الجد الجامع ولم ينسبوه إلى جده وكانت شهادتهم بذلك غير مثبتة للعصوبة وبناء الحكم عليها غير صحيح، ومع تمسك الطاعنة بهذا الدفاع فإن المحكمة لم تلتفت إليه فجمع حكمها بذلك إلى جانب مخالفة القانون عيب القصور.
وحيث إن هذا السبب في غير محله ذلك أن فقه الحنفية على أنه لقبول الشهادة على الإرث لا بد من ذكر سببه وطريقه، فإذا شهدوا أنه أخوه أو عمه أو ابن عمه لا تقبل حتى يبينوا طريق الأخوة والعمومة وبأن يبينوا الأسباب المورثة للميت "وينسبوا الميت والوارث حتى يلتقيا إلى أب واحد" فالمعتبر التعريف، وإذ كان ذلك وكان الثابت من التحقيق - وعلى ما سبق بيانه - أن شهود الدعوى قد نسبوا الميت والمطعون عليهما إلى أب واحد هو الجد الجامع (يوحنا ميرهم)، وعول الحكم المطعون فيه على شهادتهم فإنه لا يكون قد خالف فقه الحنفية في هذا الخصوص أو خطأ في تطبيقه.
وحيث إن حاصل الأسباب الرابع والسادس والسابع أن الحكم المطعون فيه بنى على ما لا يصلح دليلا ولا حجة شرعا وجاء مشوبا بالقصور والتخاذل من جوه (أولها) أنه اتخذ الإعلامات الصادرة من المجالس الملية حجة في إثبات الوفاة والوراثة والنسب في حين أن هذه المجالس لا اختصاص لها بإصدار هذه الإعلامات وهى ليست إلا أوراقا عرفية لا حجية لها إلا على من وقعها - فعن فرع "موسى" استدل الحكم بإعلام الوفاة والوراثة الصادر من مجلس ملى فرع الإسكندرية في 5/ 4/ 1917 على ما تضمنه من وفيات ووراثة وأنه يؤيد ما في الشجرة من أن بطرس أخ لموسى جد مرقص في حين أنه لم يرد به أن لبطرس أخا يدعى موسى، وبالإعلام الآخر الصادر منه في نفس التاريخ على أن حبشي ابن اسحق حبشي الوارد في الشجرة وجعله دليلا على وفاة ورثة آخرين لم يورثهم الإعلام ورتب على ذلك أن من يدعى حبشي بن موسى بن يوحنا الجد الجامع رزق بثلاث بنين هم حبشي ومرقص واسحق وأن حبشي رزق بالقمص موسى ومرقص رزق بميخائيل والقمص حبشي واسحق رزق بحبشي، وبالإعلام الصادر من مجلس فرعى شبين الكوم على وفاة ووراثات لا يصلح حجة في إثباتها، وانتهى إلى أن ما ورد بالشجرة خاصا بهذا الفرع صحيح وهى نتيجة لا تفيد الإعلامات ولا الشجرة في إثباتها خصوصا وأن الشجرة من وضع المطعون عليهما ولم تعترف بها الطاعنة ولم تقدم على أنها مستند وليست أصلا ترد إليه دلالة الأوراق الأخرى وما ذكر فيها لا يمثل الواقع بل يمثل ادعاء المطعون عليهما - وعن فرع "غبريال" عول الحكم على الشجرة وقرر أنه يتضح منها أن ليس في هذا الفرع من يعد من طبقة المطعون عليهما إلا ميخائيل وفرج ومسيحة أولاد تادرس بن حنا بن تادرس ابن غبريال يوحنا ميرهم مع أن وفاة هؤلاء لا تعد دليلا على عدم وجود غيرهم ممن هم في طبقتهم أو أعلى منهم، واستدل على وفاة مسيحة بشهادة إدارية صادرة من عمدة ومشايخ حصة مليج وهى لا تصلح حجة أمام القضاء والاستدلال بها باطل، وانتهى إلى أنه لا يوجد في هذا الفرع وارث وهى نتيجة لم يقم عليها دليل صحيح رتب عليها أنه لا حاجة إلى الشجرة في إثبات أن غبريال من أولاد الجد الجامع مع أن المطعون عليهما قالا أنه منهم وهذا يستوجب استيعاب ذريته التي وجدت ليثبت أنه لا يوجد فيها وارث لم يذكر بالشجرة - وعن فرع "بطرس" قرر الحكم أن ما ورد عنه بالشجرة صحيح، واستدل بالإشهاد الصادر من مجلس ملى فرع شبين الكوم في 3/ 9/ 1937 على ما جاء به من وفيات واتخذه دليلا على وفاة أشخاص آخرين وهو لا يصلح حجة لذلك، كما استدل بصور فوتوغرافية لوريقات عرفية ثلاث جعلها مجلدا خطيا قديما قال المطعون عليهما أنه يخص يوحنا بطرس يوسف بطرس يوحنا ميرهم وكتب سنة 1605 قبطية وكان عليه أن يبين كيف ساغ له أن يستند إليه مع إنكار الطاعنة له ومع أنه ليس عليه توقيع لأحد من الخصوم وإسناده لمن ذكر أنه كاتبه من زعم المطعون عليهما، واستند إلى إشهاد صادر من محكمة الإسكندرية في 9/ 7/ 1960 - وأثناء نظر الدعوى - بوفاة جليلة حنا وقد ذكرت فيه اسم جليلة حنا بطرس يوسف الحاج بطرس يوحنا ميرهم مع أنه لا يعهد في العرف تداول اسم بهذا الطول وقد توفيت سنة 1958 ولم يتقدم أحد لإثبات وفاتها إلا سنة 1960 واسم والدها الوارد بالإعلام الخاص به هو حنا بطرس يوسف فقط وهو دليل قاطع على أن الإشهاد استصدر خدمة للقضية والإشهاد الصادر أثناء قيام الخصومة في دعاوى النسب لا يجوز الاحتجاج به، كما استند إلى أن المطعون عليهما أشركا غيرهما من هذا الفرع في الميراث ولو كانا مبطلين لقصرا الميراث عليهما وهو استدلال فاسد لأن الإشراك بسبب ما عرف من قرابة بينهم يستوجب ذلك والمطعون عليهما في حاجة إلى المعونة للحصول على المستندات والعديد من الشهود للنجاح في القضية - وعن فرع "داود" قرر الحكم أن المطعون عليهما منه، وقدما من المستندات ما يدل على صحة الشجرة انتسابهما إلى داود بن الجد الجامع يوحنا ميرهم وأخي موسى جد المتوفى جورج ووفاة من عداهما من طبقتهم ومن الطبقات الأعلى قبل وفاة جورج ولم يبين هذه المستندات التي تدل على صحة الشجرة وإنما استند إلى كشف رسمي من واقع مكلفة حصة مليج جاء فيه أن اسم المالك في المدة سنة 1888 إلى سنة 1898 هو تادرس داود وهو لا يصلح دليلا على أن تادرس داود هذا هو الموصوف في الدعوى بأنه من نسل داود يوحنا ميرهم وجاء فيه اسم صرايامون داود وجرجس داود واسحق داود تادرس بصفتهم واضعي اليد وهو لا يصلح دليلا على أن وضع يد من وردت أسماؤهم فيه هو بالميراث عن تادرس داود وورود هذه الأسماء بالكشف لا يثبت أنها هي الواردة بالشجرة ولا يدل على اتحاد المسميات واستدلال الحكم به وبالشجرة باطل، وما تعلل به من أن استقرار الأوضاع بين الناس يقتضى أن يكون النسب المذكور بأوراد المال وشهادات الميلاد والوفاة وسائر المحررات صحيحا إلى أن يثبت خلافه مردود بأن استقرار المعاملات بهذه الأوراق يقوم على الاشتهار لا على صحة النسب فضلا عن أن الأسماء الواردة بكشوف المكلفة ليس فيها اسم يوحنا ميرهم، كما استند إلى عقد لا يدل إلا على مبايعة بين من يدعى تادرس داود تادرس وولده يوحنا وليس فيه ما يفيد أنهما الواردان بالدعوى وأن بينهما وبين من وردت أسماؤهم في كشف المكلفة صلة وأن تادرس داود تادرس هو عم نسيم، واستند إلى الإعلامات الصادرة من مجلس ملى فرعى شبين الكوم في 6/ 2/ 1952 و18/ 7/ 1924 و3/ 5/ 1940 و3/ 2/ 1939 و24/ 10/ 1929 و12/ 4/ 1954 في وفاة من ذكرت أسماؤهم بها وهى لا تصلح حجة على ذلك ولا على انتساب من ذكرت أسماؤهم بها إلى من انتسب إليه منهم لأن هذه الأسماء ذكرت عن طريق الإملاء ودون تحقيق، واستند إلى أوراد المال عن سنتي 1939 و1956 باسم حنا داود ثابت مينا حنا وهى لا تصلح حجة لذلك - وهكذا انتهى الحكم إلى أن نسب المطعون عليه الثاني هو نسيم بن صرايامون بن داود بن تادرس بن داود بن يوحنا ميرهم الجد الجامع وأخو موسى جد المتوفى كما ورد بالشجرة وهو مصادرة على المطلوب إذ المطلوب إثبات صحة ما جاء بالشجرة لا أن يرجع إليها في إثبات غيرها والرجوع إليها قاطع في عدم كفاية الإعلامات، وأن تادرس بن داود رزق بأولاد ثلاثة هم داود وجرجس ويوحنا وليس في الأوراق ما يثبت ذلك، وأن نسب المطعون عليه الأول هو ثابت بن مينا بن يوحنا بن تادرس بن داود وليس في الأوراق ما يصلح حجة على هذا النسب وأن ما ورد بالشجرة عن هذا الفرع من الأسماء صحيح وليس في الأوراق ما يفيد إثبات جميع ما فيها، وأن ما ورد بها ممن هم في طبقة أعلى من المطعون عليهما توفوا وما استدل به الحكم على ذلك من إعلامات ملية لا يصلح دليلا (وثانيها) إن الطاعنة قدمت عقد قسمة محرر أمام محكمة المنوفية الشرعية سنة 1299 هجرية ذكر فيه نسب ستة من زاعمي الوراثة من فرع بطرس هم صليب وإخوته وهذا النسب ينتهى إلى بطرس بن يوسف لا إلى بطرس بن يوحنا ميرهم وهو نسب آخر بعيد عن التلفيق ومخالف لما يدعيه المطعون عليهما وشهد به شهود التسامع، وما جرى عليه من أن استقرار الأوضاع بين الناس يقتضي أن يكون النسب المدون بأوراد المال وشهادات الوفاة والميلاد وسائر المحررات صحيحا إلى أن يثبت عكسها، يحتم عليه الأخذ بما حوته هذه الحجة من نسب وأن يرد شهادة التسامع التي قامت على خلافه ويرفض الدعوى، وإذ لم يتحدث الحكم عن هذه الحجة ودفاع الطاعنة المؤسس عليها فإنه يكون قد عابه قصور يبطله -كذلك دفعت الطاعنة الدعوى بأن نسيم صرايامون تقدم بطلب إلى محكمة شبرا أقر فيه بأن ورثة المتوفى جورج على طبقتين إحداهما أعلى من الأخرى وأنه من الطبقة الأنزل وهذا الإقرار يجعله غير وارث يترتب عليه ثبوت الحق لهؤلاء الورثة الأعلى في زعمه كما يترتب عليه عدم توجيه دعواه إلى الطاعنة لأن كل إقرار بثبوت حق للغير لا يجوز العدول عنه باتفاق بين الفقهاء والحكم لم يتعرض لهذا الدفاع مع أنه لو صح لتغير وجه الرأي في الدعوى - كذلك أهمل الحكم بينة النفي التي قدمتها الطاعنة، بحجة أن بينة الإثبات مقدمة عليها شرعا وهذا النظر وإن كان مقررا في الفقه الحنفي إلا أن قانون المرافعات جعل للمدعى عليه أن يتقدم ببينة تنفى ما يدعيه المدعى ويثبته شهوده وكان واجبا على الحكم أن يوازن بين البينتين موازنة تقتضيه الترجيح بين كل منها، وأن بينة المطعون عليهما تؤيدها المستندات في حين أنها ليست حجة ولا تصلح أن تكون مؤيدة وذكر الحكم أنه لم يعول عليها، وهذا منه قصور يعيبه ويبطله (وثالثها) أن الحكم المطعون فيه تخاذلت أسبابه لأنه جرى فيها على أن دعوى المطعون عليهما قائمة على أساس من الواقع الذى تؤيده الأدلة والمستندات ولكن تعوزها البينة التى تربط بين هذه الفروع وتؤيد انحصار الإرث في الأشخاص الواردة أسماؤهم في الدعوى - ومن ثم أحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق، وهذا صريح في أنه أخذ بدلالة الأوراق إلا أنه عاد مع ذلك وفى معرض رده على المطاعن التى وجهتها الطاعنة إلى هذه الأوراق فقال إن ما ذكرته الطاعنة عن الشجرة وعن شهادات البطريركية "لا غناء فيه بعد أن تبين أن المحكمة لم تركن إليها في إثبات الدعوى" وهو تهرب من الرد على دفاع الطاعنة وتخاذل لا يعرف معه على أى الأمرين أقامت المحكمة قضاءها لأنه حين قال أن الدعوى قامت على تلك الأوراق دل على أنها لا تستقيم بدونها وحين قال أنه لا غناء فيها دل على أنها لم تكن أساسا لقضائه وبين الأمرين تعارض واضح - ثم هو يقرر أن طعن الطاعنة على أوراد المال والمحررات الأخرى لم يتناول ما تضمنته من نسب بينما يعود وفى موضع آخر فيذكر ما طعنت به من أن أوراد المال وشهادات الوفاة والميلاد وغيرها ليست حجة فيما ورد بها من نسب، وهذا ضرب من التخاذل يعيبه.
وحيث إن هذا النعي مر دود في الوجه "الأول" منه بأن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه بالنسب على أقوال شهود الدعوى وذلك بقوله إن المطعون عليهما "أحضرا شهودا سمعت شهادتهم فقرر الشاهد يوسف ميخائيل شنودة أن جورج ميرهم توفى بتاريخ أوائل مايو سنة 1959 وانحصر ميراثه في شقيقته الدكتورة ماري ميرهم وفى أقاربه من العصب وهم صليب ومكارى وبطرس وجرجس وحبيب ومسيحة أولاد حنا بطرس وفى نسيم صرايامون (أحد المستأنفين) وداود اسحق ورزق الله تادرس وحنا داود وثابت مينا (المستأنف الثاني) فقط وليس له ورثة آخرون وأضاف أن جد الجد لأبى المتوفى وجد الجد للورثة أخوة لأن الجد الأكبر للعائلة ميرهم له ابن اسمه يوحنا ويوحنا هذا أنجب أربعة ذكور هم موسى وبطرس وداود وغبريال والمتوفى من فرع موسى فهو جورج بن ميرهم بن موسى بن حبشي بن حبشي بن موسى بن يوحنا ميرهم. وصليب وإخوته مكارى وبطرس وجرجس وحبيب ومسيحة أولاد حنا بن بطرس بن يوسف ابن بطرس بن يوحنا بن ميرهم. ونسيم بن صرايامون بن داود بن يوحنا ميرهم وداود بن إسحق بن داود بن تادرس بن داود بن يوحنا ميرهم وحنا بن داود ابن تادرس بن داود بن يوحنا ميرهم. وثابت بن مينا بن حنا بن تادرس ابن يوحنا بن ميرهم وأن هؤلاء هم الورثة لجورج ميرهم فقط. وقال الشاهد إن الورثة من فرع بطرس أخواله. كما قرر الشاهد شفيق منقريوس حنا أن والد جورج خال لوالده وشهد بمثل ذلك. كما شهد بذلك أيضا عازر رزق الله تادرس وقال إنه عازر رزق الله تادرس جرجس تادرس داود يوحنا ميرهم ثم قال أن والده رزق الله توفى سنة 1937 (ووالده من طبقة المستأنفين ولو كان موجودا عند وفاة جورج لكان من ورثته ولما صحت شهادة عازر لأنه كان حينئذ يشهد لوالده) وزاد أن نسب حنا الذى هو من الورثة هو حنا داود حنا تادرس داود يوحنا ميرهم ووافقه في هذه الشهادة شهود الإثبات الآخرون وهم متى مرقص مرقص الذى قال إن والد جورج ابن عم والدته وأن أربعة من الورثة أخواله وكذلك قرر الشاهد جورج حنا تادرس داود وأن المتوفى والورثة أقارب أبيه وأمه وكذلك الشاهد حنا موسى إبراهيم الذى قرر أن أم والدته اسمها جميانه بنت مرقص حبشي (من فرع المتوفى) وإن جده أبا والدته هو حنا بطرس وأن الورثة من فرع بطرس أخواله وقد نسبوا الميت والوارث حتى التقيا إلى أب واحد هو "يوحنا ميرهم" الجد الجامع، والنسب يثبت بالبينة وتكفى لحمله وقد خلص الحكم من سياقها إلى أن الطاعنة "لم تطعن عليها بطعن مقبول" كما أقام قضاءه بصحة انتساب المطعون عليهما إلى "داود" ابن الجد الجامع وأخو موسى جد المتوفى، على كشف رسمى مستخرج من الأموال المقررة من واقع مكلفة حصة مليج من سنة 1888 إلى 1937 وقد ورد به أن "اسم المالك في المدة من 1888 إلى سنة 1898 هو تادرس داود وفى صحيفة 348019 أن واضع اليد هو اسحق داود بالصحيفة 248020 وضع يد صرايامون داود وفى الصحفية نفسها وضع يد جرجس داود بالميراث" "وهذا المستند يدل على أن تادرس بن داود كان مالكا لما بين قرين اسمه ثم انتقل ملكه إلى أحفاده المذكورين بطريق الميراث" وعلى "عقد بيع مسجل برقم 1761 سنة 1924 مؤرخ 13/ 8/ 1924 بين تادرس داود تادرس وبين ولده حنا" وعلى "أوراد المال المربوطة عن سنتي 1939 و1956 باسم حنا داود حنا تادرس وثابت مينا حنا تادرس" وهى قرينة على صحة الدعوى، وإعلامات الوفاة والوراثة التي تعارفت المجالس الملية لمختلف الطوائف على ضبطها وعول عليها الحكم في وفيات فروع العصبة النسبية وتسلسلها - وسواء اعتبرت أوراقا رسمية أو عرفية - لا تخلوا من حجية وكان يسع الطاعنة أن تنفيها وتثبت عكسها وقد مكنت من هذا الإثبات وعجزت، والجدل فيما انطوت عليه دلالتها من وفيات - أو غيرها - هو جدل موضوعي فيما يملكه قاضى الدعوى ولا تجوز إثارته أمام محكمة النقض - ومردود في (الوجه الثاني): بأن الحكم المطعون فيه عرض لدفاع الطاعنة وما طعنت به من أن ما ورد بالشجرة ليس حجة ولا دليلا يركن إليه، وأن شهادات البطريركية بنسب المطعون عليهما وبعض الورثة لا قيمة لها لأنها أماكن عبادة واستقت النسب من شهادة آخرين لهم مصلحة في النزاع، وشهادات الوفاة والوراثة لا تدل على جد جامع للمتوفى سوى حبشي حبشي وليس في هذا الفرع ولا في الأسرة من يدعى ميرهم وإنما تدل على وفيات جزئية غير مرتبطة ببعضها وبعضها مفتعل لخدمة القضية كإشهاد الوراثة الصادر من محكمة الإسكندرية سنة 1960 بإثبات وفاة جليلة حنا بطرس حيث ذكر اسمها على خلاف العادة أنها جليلة بت حنا بن بطرس بن يوسف بطرس حنا ميرهم بينما لم يذكر في إشهاد وفاة والدها سوى أنه بطرس يوسف والمجلد المقدم ليس حجة في نسب حنا بطرس، كما أن أوراد المال وشهادات الوفاه والميلاد ليس حجة فيما ورد بها من أسماء ولا يثبت بها نسب - عرض الحكم لهذا الدفاع ورد عليه بأن ما ذكرته "عن الشجرة وإشهادات البطريركية لا غناء فيه بعد أن تبين فيما سبق أن المحكمة لم تركن إليها في إثبات الدعوى وإنما تقدم الشجرة لتفهم الدعوى فقط" وما ذكرته "عن إشهادات الوراثة المقدمة غير صحيح وقد بينت المحكمة دلالة تلك الإشهادات على صحة الدعوى في الحدود التي ذكرت من قبل" "أما دلالة أوراد المال وشهادات الميلاد والوفاة وسائر المحررات على النسب على النحو الذى ورد بتلك الأوراق فإن المستأنف ضدها لم تطعن على النسب الذى ورد بتلك الأوراق ولم تذكر لأصحابها نسبا غيره ولا شك أن استقرار الأوضاع بين الناس وضمان تصرفاتهم فيما بينهم وبعض يقتضى أن يكون النسب المدون بتلك الأوراق صحيحا إلى أن يثبت عكسها وأوراد المال المقدمة وشهادات الميلاد والوفاه والمحررات المقدمة دليلا في هذه الدعوى قائمة منذ كثير من الزمن ومعروفة بين الناس فيسوغ للمحكمة إذن أن تتخذها دليلا على صحة ما ورد بها من نسب ويكون دفاع المستأنفة في هذا الصدد قائما على غير أساس طالما أنها لم تطعن في هذه المستندات طعنا جديا وطالما هي لم تبين لأصحابها نسبا آخر يكون دفعا للدعوى" وهى تقريرات موضوعية سائغة ومن سلطة قاضى الدعوى التامة في بحث الدلائل والمستندات المقدمة له وموازنة بعضها بالبعض الآخر وترجيح ما تطمئن نفسه إلى ترجيحه منها واستخلاص ما يرى أنه واقع الدعوى دون أن يكون لمحكمة النقض رقابة عليه في ذلك، وبحسبه أن يبين الحقيقة التي اقتنع بها وأن يذكر دليلها وما عليه أن يتتبع الخصوم في مختلف مناحي أقوالهم وحججهم ويرد استقلالا على كل حجة أو قول أثاروه في مرافعتهم ما دام قيام الحقيقة التي اقتنع بها وأورد دليلها فيه التعليل الضمني المسقط لتلك الأقوال والحجج. والقول بأن الحكم أهمل بينة النفي التي قدمتها الطاعنة بحجة أن بينة الإثبات مقدمة عليها شرعا وتؤيدها المستندات وكان واجبا أن يوازن بين البينتين ويرجح بينهما، مردود بأن ما أورده الحكم في هذا الخصوص إنما كان في صدد الموازنة بين بينة الإثبات وبينة النفي وقد انتهى إلى ترجيح الأولى بقوله "أن إثبات المستأنفين قائم على أنهم من عصبة المتوفى وأنهما يستحقون الباقي من تركته بعد أخته صاحبة الفرض بينما إثبات شهادة شهود المستأنف ضدها قائم على أساس أنه لا توجد للمتوفى عصبة وأن أخته تستحق تركته جميعها فرضا وردا، وترجح بينة العصوبة على بينة نفيها ولو كانت كلتا البينتين صحيحة فما بالنا وبينة المستأنف عليها بشهود النفي غير صحيحة بدلالة المستندات" وهو بذلك وفى جوهره لم يرجح بينة الإثبات على بينة النفي لمجرد أنها مقدمة عليها شرعا ولكن لدلالة المستندات على أن بينة النفي "غير صحيحة" ومن باب تعضيد الظاهر - ومردود في الوجه (الثالث) بأن الحكم المطعون فيه لم يعول في قضائه على بيانات الشجرة وإشهادات البطريركية ولكن استعان بها على فهم الواقع في الدعوى وقد رد على دفاع الطاعنة بخصوص أوراد المال والمحررات الأخرى وعدم حجيتها بأنها قائمة منذ كثير من الزمن ومعروفة ولم تذكر الطاعنة لأصحابها نسبا آخر يصلح دفعا للدعوى، وهو بذلك لم تتخاذل أسبابه.

الثلاثاء، 7 يوليو 2020

الطعن 378 لسنة 30 ق جلسة 8 / 4 / 1965 مكتب فني 16 ج 2 ق 75 ص 468

جلسة 8 من إبريل سنة 1965
برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: حافظ محمد بدوي، ومحمد صادق الرشيدي، والسيد عبد المنعم الصراف، وعباس حلمي عبد الجواد.
---------------
(75)
الطعن رقم 378 لسنة 30 القضائية
حكم. "عيوب التدليل". "قصور". "ما يعد كذلك". علامة تجارية. "التشابه بين علامتين".
اكتفاء محكمة الاستئناف بتأييد رأي محكمة الدرجة الأولى في أمر يقوم على التقدير الشخصي دون إعمال رقابتها الموضوعية كدرجة ثانية. قصور. مثال في "التشابه بين علامتين تجاريتين".
-------------
متى كان الطاعن قد تمسك أمام محكمة الاستئناف بأن رأي محكمة الدرجة الأولى في وجود التشابه بين العلامات التجارية غير سديد، فقد كان على محكمة الاستئناف أن تقوم بإجراء المضاهاة بين علامة كل من الطاعن والمطعون ضده وتقول كلمتها في ذلك إلا إنها إذ نفضت يدها من تلك المضاهاة واكتفت بتأييد رأي محكمة الدرجة الأولى في أمر يقوم على التقدير الشخصي دون أن تعمل هي رقابتها الموضوعية بوصفها درجة ثانية على محكمة الدرجة الأولى في هذا الخصوص فإن حكمها يكون مشوباً بالقصور بما يستوجب نقضه.
---------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع تتحصل - كما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - في أنه بتاريخ 25 من يناير سنة 1950 تقدم الطاعن إلى إدارة العلامات التجارية بالطلبين رقمي 21008، 21010 طالباً تسجيل علامتين تجاريتين للروائح العطرية التي ينتجها على أساس أن تلك الروائح من المنتجات التي تندرج تحت البند 3 من الملحق رقم 1 للقرار الوزاري رقم 239 لسنة 1939 وتتمثل العلامة الأولى موضوع الطلب رقم 21008 في رسم زخرفي ذي إطار ذهبي ومبطن باللون الأحمر وبداخله رسم نصفي لسيدة باللون الأخضر تشم زهرة وهذا الرسم بدوره يقع داخل إطار صغير مذهب مكتوب أسفله عبارة "رائحة دلال الحب - مصطفى يوسف الحناوي" أما العلامة الثانية موضوع الطلب رقم 21010 فتتمثل في رسم نصفي لسيدة ترتدي رداء أحمر اللون وتمسك بيدها زهرة تشمها وهي بداخل مستطيل طوله ستة سنتيمترات وعرضه ثلاثة سنتيمترات ذي إطار ذهبي والجزء العلوي من المستطيل ملون باللون الأزرق ومكتوب بداخله عبارة Lotion caprice d'amour ويقوم رسم السيدة أسفل تلك العبارة بداخل مستطيل أصغر من المستطيل الأصلي والضلع العلوي من المستطيل الصغير مقوس وذو إطار ذهبي أيضاً - وأسفل رسم السيدة مستطيل صغير ملون باللون الأحمر كتب بداخله Parfumerie Moustafa El Hennaoui وقد قامت إدارة العلامات التجارية بفحص هذين الطلبين وقررت قبولهما والإشهار عنهما بالعدد رقم 139 من جريدة العلامات التجارية الصادرة في 7 من مارس سنة 1952 لكن المطعون ضده الأول عارض في هذين الطلبين بتاريخ 28 من مايو سنة 1952 بانياً معارضته على وجود تشابه كبير بين علامتي الطاعن والعلامات الثلاثة السابق تسجيلها باسمه تحت أرقام 2858، 3264، 3265 في سنتي 1943، 1944 وتتمثل العلامة الأولى في رسم نصفي لفتاة تمسك بمجموعة من الزهور بداخل مربع ويحيط بالرسم شكل زخرفي تحيط به بعض الزهور وأعلا الرسم كلمة Parfum وأسفله عبارة Jitnet el holl وتتمثل العلامة الثانية في مستطيل ذهبي بداخله عبارة Caprice وتحتها عبارة "شبراويشي بمصر" - "صنع بمصر" باللغة الأجنبية أما العلامة الثالثة فهي عبارة عن مستطيل ذهبي طول ضلعه العلوي أكبر من طول ضلعه السفلي وبداخله رسم بارز لرأس سيدة وعنقها تمسك بيدها زهرة تشمها وفوق الرسم كتبت عبارة Mo caprice وتحت الرسم عبارة "شبراويشي بمصر" - "وصنع بمصر" باللغة الأجنبية والعبارات المذكورة مكتوبة بلون أخضر وبتاريخ 24 من نوفمبر سنة 1952 أخطرت إدارة العلامات التجارية الطاعن بقرارين تضمنا رفض طلبي التسجيل المقدمين منه - طعن الطاعن في هذين القرارين أمام محكمة القاهرة الابتدائية وذلك بالدعويين رقمي 51، 52 سنة 1953 طالباً إلغاءهما ومحكمة القاهرة الابتدائية بعد أن ضمت الدعويين قضت في 27 من يونيه سنة 1959 بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد القرارين المطعون فيهما بانية قضاءها على ما أثارته من وجود تشابه في المظهر العام بين علامة الطاعن موضوع الطلب رقم 21008 وعلامة المطعون ضده الأول المسجلة تحت رقم 2858 وبين علامة الطاعن موضوع الطلب رقم 21010 وعلامة المطعون ضده الأول والمسجلة تحت رقم 3265 - رفع الطاعن استئنافاً عن هذا الحكم قيد برقم 401 سنة 76 قضائية ومحكمة استئناف القاهرة قضت في 21 من يونيه سنة 1960 بتأييد الحكم المستأنف طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة طلبت فيها رفض الطعن وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون فقررت إحالته إلى هذه الدائرة وبالجلسة المحددة لنظره صممت النيابة على رأيها السابق.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب ذلك أن محكمة الدرجة الأولى انتهت في قضائها إلى وجود تشابه بين علامتي كل من الطاعن والمطعون ضده الأول من حيث المظهر العام فاستأنف الطاعن هذا القضاء وبنى استئنافه على وجود خلاف بين العلامات المشار إليها مما كان يتعين معه على محكمة الاستئناف أن تقوم بمعاودة إجراء المقارنة بين كل من علامتي الطاعن والمطعون ضده الأول لكنها اكتفت بالقول بأن الأسباب التي أثارها إن هي إلا ترديد لما سبق أن أثاره أمام محكمة الدرجة الأولى وردت عليه بأسباب حكمها بما فيه الكفاية منتهية إلى نتيجة تقرها عليها هذه المحكمة لنفس الأسباب الواردة بالحكم المستأنف والتي تجعلها أسباباً لها - وبذلك أغفلت محكمة الاستئناف تحقيق دفاعه وحجبت نفسها عن إبداء الرأي فيه فجاء حكمها مشوباً بالقصور.

وحيث إن هذا النعي صحيح ذلك أنه يبين من الحكم المطعون فيه أن الطاعن تمسك في السبب الثالث من أسباب الاستئناف بخطأ محكمة الدرجة الأولى فيما قررته من وجود تشابه بين علامتي الطاعن وعلامتي المطعون ضده الأول مع أن هذا التشابه غير قائم وقد اكتفى الحكم في الرد على أسباب الاستئناف ومن بينها هذا السبب بقوله "وحيث إن الأسباب التي أثارها المستأنف لم يأت فيها بجديد بل سبق إثارتها جميعها أمام محكمة أول درجة التي ردت عليها بأسباب حكمها بما فيه الكفاية وقد انتهت إلى نتيجة تقرها عليها هذه المحكمة لنفس الأسباب الواردة بالحكم المستأنف والتي تجعلها أسباباً لها" ولما كان على محكمة الاستئناف - وقد تمسك الطاعن أمامها بأن رأي محكمة الدرجة الأولى في وجود التشابه بين العلامات غير سديد - أن تقوم بإجراء المضاهاة بين علامتي كل من الطاعن والمطعون ضده الأول وتقول كلمتها في ذلك إلا أنها إذ نفضت يدها من تلك المضاهاة واكتفت بتأييد رأي محكمة الدرجة الأولى في أمر يقوم على التقدير الشخصي دون أن تعمل هي رقابتها الموضوعية بوصفها درجة ثانية على محكمة الدرجة الأولى في هذا الخصوص فإن حكمها يكون مشوباً بالقصور بما يستوجب نقضه