جلسة 8 من مايو سنة 1995
برئاسة السيد المستشار/ نجاح نصار نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ مقبل شاكر وحسن حمزة وحامد عبد الله نواب رئيس المحكمة ونير عثمان.
-----------------
(126)
الطعن رقم 6375 لسنة 63 القضائية
(1) مواد مخدرة. حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". نقض "نظر الطعن والحكم فيه".
إغفال المحكمة التحدث عن ظروف ضبط المبلغ مع المتهم وتقدير ما إذا كان هو من حصيلة بيع المواد المخدرة من عدمه. يصم حكمها بالقصور.
(2) إجراءات "إجراءات المحاكمة". وكالة. محاماة. دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
المتهم حر في اختيار من يشاء للدفاع عنه. حقه هذا مقدم على حق القاضي في اختيار المدافع عنه.
تعارض حق المتهم في اختيار المدافع عنه مع حق رئيس الجلسة في إدارتها والمحافظة على عدم تعطيل السير في الدعوى. وجوب إقرار رئيس الجلسة في حقه وتخويله الحرية التامة في التصرف. شرط ذلك؟
امتناع محامي المتهم عن المرافعة وانسحابه من الجلسة. ندب المحكمة محام غيره للدفاع عن المتهم دون اعتراض الأخير. لا إخلال بحق الدفاع.
(3) محاماة. وكالة. دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
استعداد المحامي أو عدم استعداده. أمر موكول إلى تقديره حسبما يوحي إليه ضميره واجتهاده وتقاليد مهنته.
(4) مواد مخدرة. جريمة "أركانها". مسئولية جنائية.
مناط المسئولية في جريمة حيازة أو إحراز الجواهر المخدرة: ثبوت اتصال الجاني بالمخدر بالذات أو بالواسطة وبأية صورة عن علم وإرادة.
(5) مواد مخدرة. جريمة "أركانها". قصد جنائي. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
القصد الجنائي في جريمة حيازة أو إحراز المخدر. متى يتحقق؟
تحدث المحكمة استقلالاً عن العلم بالجوهر المخدر. غير لازم. ما دام ما أوردته في حكمها يكفي في الدلالة على قيامه.
(6) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم التزام الحكم بأن يورد من أقوال الشهود إلا ما يقيم عليه قضاءه.
عدم التزام المحكمة بسرد روايات الشهود المتعددة. حسبها أن تورد منها. ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه.
للمحكمة أن تعول على أقوال الشاهد في أية مرحلة من مراحل الدعوى. ما دامت قد اطمأنت إليها.
(7) نقض "أسباب الطعن. تحديدها".
وجه الطعن. يجب لقبوله أن يكون واضحاً محدداً.
(8) إثبات "شهود". حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل".
عدم اتفاق شهود الإثبات في بعض التفصيلات. لا يقدح في سلامة الحكم. ما دام قد حصل أقوالهم بما لا تناقض فيه ولم يورد تلك التفصيلات أو يركن إليها في تكوين عقيدته.
(9) استدلالات. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير جدية التحريات". تفتيش "إذن التفتيش. إصداره". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بالتفتيش. موضوعي.
(10) مواد مخدرة. جريمة "أركانها". قصد جنائي. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
إحراز المخدر بقصد الاتجار. واقعة مادية. الفصل فيها. موضوعي.
مثال لتسبيب سائغ على توافر قصد الاتجار لدى الطاعن في جريمة حيازة المخدر.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه حاز بقصد الاتجار جوهراً مخدراً (حشيش) في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. وأحالته إلى محكمة جنايات دمياط لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 1، 2، 7/ 1، 34/ 1 أ، 42/ 1 من القانون 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون 122 لسنة 1989 والبند 57 من القسم الثاني من الجدول رقم (1) الملحق بالقانون الأخير مع إعمال المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات وتغريمه مائة ألف جنيه ومصادرة المخدر والسيارة المضبوطين.
فطعن كل من المحكوم عليه والنيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.
المحكمة
من حيث إن النيابة الطاعن تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ أدان المطعون ضده بجريمة إحراز جوهر مخدر "حشيش" بقصد الاتجار قد أخطأ تطبيق القانون إذ أغفل القضاء بمصادرة المبلغ المضبوط رغم ثبوت أنه متحصل من الاتجار بالمواد المخدرة وفقاً لما قرره النقيب... والعقيد... مخالفاً بذلك نص المادة 42 من القانون 182/ 1960 في شأن مكافحة المخدرات المعدل بالقانون 122/ 1989. بما يعيب الحكم مما يستوجب نقضه.
ومن حيث إن الطاعن ينعى على الحكم أنه أخل بحق الدفاع إذ ندبت له المحكمة محامياً للدفاع عنه غير المحامي الموكل الذي طلب التأجيل لتقديم مستندات هامة في الدعوى. كما وأن المحامي المنتدب لم يؤد واجبه على نحو كامل. كما لم يدلل الحكم على حيازة الطاعن وسيطرته المادية على المخدر المضبوط ولا كذلك بيان الركن المعنوي في الجريمة التي دانه بها وعول الحكم على أقوال الشاهدين رغم ما بينهما من تناقض وحصل أقوالهما مبتوراً فيها ما ذكراه أمام المحكمة ورد على الدفع ببطلان إذن التفتيش لابتنائه على تحريات غير جدية بما لا يسوغ. كما وأن ما ساقه من توافر قصد الاتجار لدى الطاعن غير كاف وسائغ. الأمر الذي يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إنه في خصوص طعن النيابة العامة. فقد تبين للمحكمة من الاطلاع على مفردات الدعوى أن شهود الإثبات قد قرروا بالتحقيقات أن المبلغ المضبوط مع المحكوم عليه هو من حصيلة بيع المواد المخدرة. مما كان من مقتضاه أن تقدر محكمة الموضوع هذه الظروف وتتحدث عنها بما تراه فيها من أنها تصلح دليلاً لكون هذه الأموال متحصلة من جريمة أو تستظهر بجلاء غير ذلك. أما وأن أغفلتها ولم تقطع برأي فيها ومن ثم تكون قد قضت في الدعوى دون أن تعرض لدليل مطروح أمامها فتمحصه وتنتهي إلى قبوله في شأن الواقعة التي شهد عليها أو لا تقبله. مما يصم حكمها بالقصور والغموض في شأن هذه الواقعة الذي من شأنه أن يعجز محكمة النقض عن مراقبة صحة تطبيق القانون والتقرير برأي فيما تثيره النيابة بوجه طعنها وهو عيب يتسع له وجه الطعن. بما يتعين معه نقض الحكم المطعون فيه في خصوصه والإعادة.
ومن حيث إنه في خصوص طعن المحكوم عليه. لما كان الثابت من الاطلاع على محاضر الجلسات أن الدعوى نظرت ابتداء بجلسة.... وبها حضر الطاعن ومعه الأستاذة/ .... و.... و.... المحامون الذين طلبوا التأجيل لسماع شهادة.... ولحضور الأستاذ/ .... المحامي الذي بيده جميع مستندات الطاعن فأجلت المحكمة الدعوى لجلسة.... وبها حضر الطاعن ومعه المحامون/.... و.... و.... و.... وسمعت المحكمة الشاهد.... وكذلك الشاهد العقيد.... ثم طلب المحامي الأستاذ/ .... أجلاً للمرافعة وتقديم مستندات. وطلبت إليه المحكمة المرافعة فأصر على التأجيل والمحكوم عليه رفض أن يترافع عنه من المحامين إلا الدكتور.... المحامي. وأصر الأخير على التأجيل ثم انسحب. وكذلك انسحب باقي المحامين إذ أصر المتهم على رفض مرافعتهم عنه. وقررت المحكمة التأجيل لجلسة.... مع ندب الأستاذ/ .... المحامي للدفاع عن المتهم. وبجلسة.... أثبتت المحكمة حضور المتهم ومعه الأستاذ/ .... المحامي عن الأستاذ/ .... المحامي الذي قدم مذكرة بخطه بطلب التأجيل لتمكينه من الدفاع وتقديم مستندات وأرفق إيصال بإرسال برقية بذلك إلى هيئة المحكمة التي رفضت التأجيل وطلبت من المحامي المنتدب المرافعة وقام بها على نحو ما هو ثابت بمحضر الجلسة. ثم أصدرت الحكم المطعون فيه. لما كان ذلك وكان من المقرر أنه لا نزاع في أن المتهم حر في اختيار من يشاء للدفاع عنه وحقه في ذلك حق أصيل خاص مقدم على حق القاضي في اختيار المدافع فإن اختار المتهم مدافعاً فليس للقاضي أن يفتأت عليه في ذلك وأن يعين له مدافعاً آخر، ولكن هذا المبدأ إذا تعارض مع ما لرئيس الجلسة من حق إدارتها والمحافظة على عدم تعطيل السير في الدعوى وجب بالبداهة إقرار رئيس الجلسة في حقه وتخويله الحرية التامة في التصرف على شرط واحد هو ألا يترك المتهم بلا دفاع فإذا امتنع محامي المتهم عن المرافعة وانسحب من الجلسة فندبت المحكمة غيره وقام المحامي المندوب بالدفاع عن المتهم - سيما وأن المحكمة أجلت نظر الدعوى بعد انسحاب المحامي الموكل - لكي يتمكن المحامي المندوب من الاطلاع على ملف الدعوى والاستعداد للمرافعة وعلم بذلك المحامي الموكل والذي أعاد طلب التأجيل على لسان من حضر عنه بالجلسة الأخيرة وكان بوسعه أن يحضر للدفاع عن المتهم - أما وقد نكل عن ذلك ولم يعارض في مرافعة المحامي المندوب عنه - فإن ما اتخذته المحكمة من جانبها لا يعد افتئاتاً على حق الدفاع ولا يثير شبهة الإخلال به. ما دام الثابت أن المتهم لم يترك بلا دفاع. لما كان ذلك وكان من المقرر أن استعداد المحامي أو عدم استعداده أمر موكول إلى تقديره هو حسبما يوحي إليه ضميره واجتهاده وتقاليد مهنته. وكان الثابت من محاضر جلسات المحاكمة أن المحامي المندوب قد ترافع في الدعوى وأبدى دفوعاً ودفاعاً ومن ثم يكون ما ينعاه الطاعن في هذا الخصوص غير مقبول. لما كان ما تقدم وكان من المقرر أن مناط المسئولية في حالتي إحراز وحيازة الجواهر المخدرة هو ثبوت اتصال الجاني بالمخدر اتصالاً مباشراً أو بالوساطة وبسط سلطانه عليه بأية صورة عن علم وإرادة إما بحيازة المخدر حيازة مادية أو وضع اليد عليه على سبيل الملك والاختصاص ولو لم تتحقق الحيازة المادية. وكان القصد الجنائي في جريمة حيازة أو إحراز المخدر يتحقق بعلم المحرز أو الحائز أن ما يحوزه أو يحرزه من المواد المخدرة وكانت المحكمة غير مكلفة بالتحدث استقلالاً عن هذا الركن إذا كان ما أوردته في حكمها كافياً في الدلالة على علم المتهم من أن ما يحوزه أو يحرزه مخدراً وإذا كان ذلك وكان البين من محاضر الجلسات أن أياً من الطاعن أو مدافعه لم يدفع بانتفاء هذا العلم وكان ما أورده الحكم المطعون فيه في مدوناته كافياً في الدلالة على حيازة الطاعن للمخدر المضبوط وعلمه بكنهه فإن ما ينعاه في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً. لما كان ذلك وكان من المقرر أن الأحكام لا تلتزم بحسب الأصل أن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاءها وأن المحكمة غير ملزمة بسرد روايات الشهود إن تعددت بل حسبها أن تورد منها ما يطمئن إليه قضاءها وأن تطرح ما عداه، ولها أن تعول على أقوال الشاهد في أية مرحلة من مراحل الدعوى ما دامت قد اطمأنت إليها ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا المقام لا يكون مقبولاً. لما كان ما تقدم وكان من المقرر أنه يتعين لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً محدداً مبيناً به ما يرمي إليه مقدمه حتى يتضح مدى أهميته في الدعوى المطروحة وكونه منتجاً مما تلتزم محكمة الموضوع بالتصدي إيراداً له ورداً عليه. لما كان ذلك وكان الطاعن لم يكشف بأسباب طعنه أوجه التناقض بين أقوال الشاهدين - بل ساق قولاً مرسلاً مجهلاً. لما كان ذلك وكان من المقرر أنه لا يقدح في سلامة الحكم عدم اتفاق شهود الإثبات في بعض التفصيلات ما دام أن الثابت أن الحكم قد حصل أقوال الشهود بما لا تناقض فيه ولم يورد تلك التفصيلات أو يركن إليها في تكوين عقيدته - كما هو الحال في الدعوى المعروضة - ومن ثم فإن النعي في هذا الخصوص يكون غير سديد. لما كان ذلك وكان من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بالتفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع. لما كان ذلك وكانت المحكمة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بني عليها أمر التفتيش وكفايتها لتسويغ إصداره وأقرت النيابة على تصرفها في هذا الشأن فلا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع لا بالقانون. ومن ثم يكون ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص غير سائغ. لما كان ذلك وكان من المقرر أن إحراز المخدر بقصد الاتجار هو واقعة مادية يستقل قاضي الموضوع بالفصل فيها طالما أنه يقيمها على ما ينتجها وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لقصد الاتجار بقوله "لما كانت تحريات الشهود التي تأيدت بالمراقبة الشخصية قد دلت على أن المتهم يتجر بالمواد المخدرة وقد ضبط بعد استئذان النيابة حائزاً لسبع طرب من مخدر الحشيش وزنت 2056.500 جرام فإن ذلك كله قاطع الدلالة على أن حيازة المخدر كانت بقصد الاتجار". لما كان ذلك وكانت المحكمة قد اقتنعت في حدود سلطتها في تقدير الدعوى والتي لا تخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي أن إحراز الطاعن للمخدر كان بقصد الاتجار ودلل على ذلك بأدلة سائغة لها معينها الصحيح من أوراق الدعوى - ولا ينازع الطاعن في ذلك - فإن ما يثره في هذا الخصوص يكون غير مقبول ويكون طعنه برمته على غير أساس بما يتعين معه رفضه.