إدارة الفتوى والتشريع بمجلس الدولة
رقم الملف 58/1/379
اطلعنا على كتاب السيد الأستاذ المستشار/ رئيس محكمة استئناف المنصورة
المؤشر عليه من سيادتكم بتاريخ 22/12/2014 بالإحالة إلى الجمعية العمومية لقسمي
الفتوى والتشريع، والمتضمن طلب الإفادة بالرأي حول مدى خضوع رؤساء وأعضاء الجهات
والهيئات القضائية لأحكام قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم (63) لعام 2014، ومدى
شمول الحد الأقصى الذي حدده هذا القرار بقانون لبعض المبالغ التي يتم صرفها لهم
حال خضوعهم لأحكامه.
وحاصل الوقائع - حسبما يبين من الأوراق - أنه بمناسبة البدء في تنفيذ
قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم (63) لعام 2014 بشأن الحد الأقصى للدخول
للعاملين بأجر لدى أجهزة الدولة فقد ثار التساؤل حول مدى خضوع أعضاء الجهات
والهيئات القضائية لأحكام القرار بقانون المذكور، كما ثار التساؤل حول بعض المبالغ
التي يتقاضاها هؤلاء الأعضاء من حيث اندراجها ضمن صافي الدخل الواجب عدم تجاوزه حال
الخضوع للحد الأقصى مثل بدل الدواء، وبدل الانتقال، ومقابل التنازل عن الإجازة
الصيفية، ومكافأة الإشراف على الانتخابات، وإزاء ذلك طلب الإفادة بالرأي.
وفي معرض استيفاء عناصر الموضوع، فقد تمت مخاطبة السيد الأستاذ
المستشار/ رئيس محكمة النقض رئيس مجلس القضاء الأعلى بموجب كتاب السيد الأستاذ
المستشار/ النائب الأول لرئيس مجلس الدولة رئيس الجمعية العمومية لقسمي الفتوى
والتشريع رقم (18) المؤرخ في 5/1/2015، لبيان ما إذا كان مشروع القانون المذكور قد
عرض على مجلس القضاء الأعلى لأخذ رأيه فيه قبل إصداره عملا بحكم المادة (185) من
الدستور النافذ، كما تمت مخاطبة السيد الأستاذ المستشار/ نائب رئيس مجلس الدولة
رئيس قسم التشريع بمجلس الدولة لبيان ما إذا كان مشروع القانون ذاته قد عرض على
قسم التشريع لمراجعته وصياغته قبل إصداره عملا بحكم المادة (190) من الدستور.
حيث ورد كتاب السيد الأستاذ المستشار رئيس محكمة النقض رئيس مجلس
القضاء الأعلى رقم (6) المؤرخ في 12/1/2015 متضمنا أن القانون المذكور لم يعرض
مشروعه على مجلس القضاء الأعلى قبل إصداره، كما ورد كتاب السيد الأستاذ المستشار/
نائب رئيس مجلس الدولة رئيس قسم التشريع رقم (6) المؤرخ في 5/1/2015 متضمنا عدم
عرض مشروع القانون قبل إصداره على قسم التشريع.
ونفيد: أن الموضوع عرض على الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع
بجلستها المنعقدة في 18 من مارس عام 2015م، الموافق 27 من جمادى الأولى عام
1436هـ، فاستبان لها أن المادة (5) من دستور جمهورية مصر العربية تنص على أنه:
"يقوم النظام السياسي على أساس التعددية السياسية والحزبية، والتداول السلمي
للسلطة، والفصل بين السلطات والتوازن بينها ..."، وأن المادة (27) منه تنص
على أن: "... ويلتزم النظام الاقتصادي اجتماعيا بضمان تكافؤ الفرص والتوزيع
العادل لعوائد التنمية وتقليل الفوارق بين الدخول والالتزام بحد أدنى للأجور
والمعاشات يضمن الحياة الكريمة وبحد أقصى في أجهزة الدولة لكل من يعمل بأجر، وفقا
للقانون"، وأن المادة (94) منه تنص: "سيادة القانون أساس الحكم في
الدولة. وتخضع الدولة للقانون، واستقلال القضاء، وحصانته، وحيدته، ضمانات أساسية
لحماية الحقوق والحريات"، وأن المادة (139) منه تنص على أن: "رئيس
الجمهورية هو رئيس الدولة، ورئيس السلطة التنفيذية ..."، وأن المادة (170)
منه تنص على أن: "يصدر رئيس مجلس الوزراء اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين
بما ليس فيه تعطيل أو تعديل أو إعفاء من تنفيذها، وله أن يفوض غيره في إصدارها،
إلا إذا حدد القانون من يصدر اللوائح اللازمة لتنفيذه"، وأن المادة (184) تنص
على أن: "السلطة القضائية مستقلة، تتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها
ودرجاتها، وتصدر أحكامها وفقا للقانون، ويبين القانون صلاحياتها، والتدخل في شئون
العدالة أو القضايا، جريمة لا تسقط بالتقادم"، وأن المادة (185) منه تنص على
أن: "تقوم كل جهة أو هيئة قضائية على شئونها ..... ويؤخذ رأيها في مشروعات
القوانين المنظمة لشئونها"، وأن المادة (186) تنص على أن: "القضاة مستقلون
غير قابلين للعزل، لا سلطان عليهم في عملهم لغير القانون ...."، وأن المادة
(189) تنص على أن: "النيابة العامة جزء لا يتجزأ من القضاء ..."، وأن
المادة (190) تنص على أن: "مجلس الدولة جهة قضائية مستقلة ...، ويتولى وحده
...، ومراجعة وصياغة مشروعات القوانين والقرارات ذات الصفة التشريعية ..."،
وأن المادة (195) تنص على أن: "تنشر في الجريدة الرسمية الأحكام والقرارات
الصادرة من المحكمة الدستورية العليا، وهي ملزمة للكافة وجميع سلطات الدولة
..."، وأن المادة (227) تنص على أن: "يشكل الدستور بديباجته وجميع نصوصه
نسيجا مترابطا، وكلا لا يتجزأ، وتتكامل أحكامه في وحدة عضوية متماسكة"، كما
تبين لها أن المادة (66) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم (47) لسنة 1972
تنص على أن: "تختص الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بإبداء الرأي
مسببا في المسائل والموضوعات الآتية:
(أ) المسائل الدولية والدستورية والتشريعية وغيرها من المسائل
القانونية التي تحال إليها بسبب أهميتها من رئيس الجمهورية أو من رئيس الهيئة
التشريعية أو من رئيس مجلس الوزراء أو من أحد الوزراء أو من رئيس مجلس الدولة
..."، وأن المادة الأولى من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم (63) لعام 2014
بشأن الحد الأقصى للدخول للعاملين بأجر لدى أجهزة الدولة تنص على أن: "لا
يجوز أن يزيد على خمسة وثلاثين مثل الحد الأدنى وبما لا يجاوز اثنين وأربعين ألف
جنيه شهريا صافي الدخل الذي يتقاضاه من أموال الدولة أو من أموال الهيئات والشركات
التابعة لها أو الشركات التي تساهم هذه الجهات في رأسمالها أي شخص من العاملين
بالجهاز الإداري للدولة ووحدات الإدارة المحلية والأجهزة التي لها موازنات خاصة
بها والهيئات العامة والقومية الاقتصادية والخدمية وغيرها من الأشخاص الاعتبارية
العامة والعاملين الذين تنظم شئون توظفهم قوانين أو كادرات خاصة وذلك سواء كان
العامل شاغلا لوظيفة دائمة أو مؤقتة أو مستشارا أو خبيرا وطنيا أو بأي صفة أخرى،
وسواء كان ما يتقاضاه من جهة عمله الأصلي أو من أية جهة أخرى بصفة مرتب أو أجر أو
مكافأة لأي سبب كان أو حافز أو أجر إضافي أو جهود غير عادية أو بدل أو مقابل حضور
جلسات مجالس إدارة أو لجان، ولا يسري ذلك على المبالغ التي تصرف مقابل نفقات فعلية
مؤداة في صورة بدل سفر أو مصاريف انتقال أو إقامة متى كان صرفها في حدود القواعد
والنظم المعمول بها.
ولا يسري الحد الأقصى المشار إليه بالفقرة الأولى على العاملين بهيئات
التمثيل الدبلوماسي والقنصلي والتجاري وغيرهم ممن يمثلون جمهورية مصر العربية
أثناء مدة عملهم في الخارج".
وأن المادة الثالثة منه تنص على أن: "يصدر رئيس مجلس الوزراء
القواعد اللازمة لتنفيذ أحكام هذا القرار بقانون خلال خمسة عشر يوما من تاريخ
العمل به".
وتبين لها أن المادة الأولى من قرار رئيس مجلس الوزراء رقم (1265)
لعام 2014 بالقواعد التنفيذية لأحكام القرار بقانون رقم (63) لعام 2014 تنص على
أن: "يتحدد صافي الدخل الشهري المنصوص عليه في القرار بقانون رقم (63) لسنة
2014 بمجموع ما يتقاضاه العامل خلال العام الميلادي مقسوما على اثني عشر شهرا.
ويدخل في مفهوم صافي الدخل ما يتقاضاه أي شخص من العاملين في إحدى الجهات المنصوص
عليها في المادة الثانية من هذا القرار من أموال الدولة أو الهيئات والشركات
التابعة لها أو الشركات التي تساهم هذه الجهات في رأسمالها تحت مسمى أجر أو مرتب
أو مكافأة أو حافز أو أجر إضافي أو جهود غير عادية أو بدل أو مقابل حضور جلسات
مجالس إدارة أو لجان سواء في جهة عمله الأصلي أو في أية جهة أخرى. ولا يسري حكم
الفقرتين السابقتين على بدلات السفر ومصاريف الانتقال والإقامة المقررة لمهام
محددة متى كان صرفها في حدود القواعد والنظم المعمول بها"، وأن المادة
الثانية من القرار ذاته تنص على أن: "تسري أحكام القرار بقانون رقم (63) لسنة
2014 المشار إليه على الفئات الآتية:- ... العاملين الذين تنظم شئون توظفهم قوانين
أو كادرات خاصة ويشمل ذلك: أعضاء ورجال الجهات والهيئات القضائية ...".
واستظهرت الجمعية العمومية مما تقدم أن الاختصاص الإفتائي المعهود به
إليها بموجب حكم المادة (66) من قانون مجلس الدولة، هو اختصاص ولائي بموجبه استوت
الجمعية العمومية على قمة أجهزة الفتيا، فهي أعلى جهة إفتاء قانوني بجمهورية مصر
العربية، وتتمتع بموجب اختصاصها وبحكم تشكيلها العالي وما يرتبط به من أمانات
بسلطات استظهار وجه الرأي وصائب حكم القانون فيما يعرض عليها من مسائل تشكل على
جهة الإدارة، فالفتوى التي تصدر عن الجمعية العمومية بنظرها المستقل تتضمن بيانا
لحكم القانون وتكشف عن مقاصده ومعانيه بعد الفحص والتأمل من ذوي الخبرة والتخصص في
مجال الإفتاء والقضاء، والحاصل أن الفتوى تستمد الإلزام بتطبيقها من واجب الالتزام
بالقانون ذاته فالأمر في تقدير دلالة الأحكام إنما تتناوله الجهات المختصة
والمتخصصة والتي ناط بها النظام القانوني للدولة بيان وجه الصواب في هذا المجال،
ولذلك - وقد تبين القامة العالية للجمعية العمومية وقيمة الرأي الصادر عنها - كان
من اللازم أن يرد الطلب إليها ممن حددهم نص المادة (66) من قانون مجلس الدولة على
سبيل الحصر، ولا يكتفي بذلك وإنما لابد وأن يكون من وجه الطلب يمثل جهة قادرة على
تنفيذ ما تنتهي إليه الجمعية العمومية صاحبة اختصاص بشأنه، ففتوى الجمعية العمومية
ليست بحثا نظريا.
وحيث إنه هديا بما تقدم وكان الثابت بالأوراق أن طلب الرأي الماثل ورد
إلى مكتب السيد الأستاذ المستشار الدكتور رئيس مجلس الدولة من السيد الأستاذ
المستشار رئيس محكمة استئناف المنصورة كما ورد إلى مكتب سيادته كتاب السيد الأستاذ
المستشار رئيس محكمة النقض رئيس مجلس القضاء الأعلى ردا على كتاب السيد الأستاذ
المستشار النائب الأول لرئيس مجلس الدولة رئيس الجمعية العمومية بعد أن أحيط
سيادته علما بالطلب الماثل، وكان السيد الأستاذ المستشار رئيس محكمة النقض رئيس
مجلس القضاء الأعلى هو الذي يمثل مجلس القضاء الأعلى القائم - طبقا لحكم المادة
(185) من الدستور وطبقا لأحكام قانون السلطة القضائية الصادر بالقانون رقم (46)
لسنة 1972 - على شئون جهة القضاء العادي، لذا فإن بحث الجمعية العمومية للطلب
الماثل سيقتصر فقط على مدى خضوع القضاة وأعضاء النيابة العامة - التي تعد جزءا لا
يتجزأ من القضاء طبقا لحكم المادة (189) من الدستور - لقرار رئيس الجمهورية
بالقانون رقم (63) لعام 2014 المشار إليه، وتحديد المبالغ التي تندرج في مفهوم
صافي الدخل في حالة الخضوع للحد الأقصى دون أن يتعدى البحث لباقي الجهات والهيئات
القضائية، والتي لا يملك السيد الأستاذ المستشار رئيس محكمة النقض رئيس مجلس القضاء
الأعلى إنفاذ رأي الجمعية العمومية بالنسبة لها.
وحيث إن المنوط به إنفاذ الفتوى في خصوص القضاة وأعضاء النيابة العامة
- على نحو ما تقدم - هو السيد الأستاذ المستشار رئيس محكمة النقض رئيس مجلس القضاء
الأعلى، وهو الأمر الذي قدرت معه الجمعية العمومية - في خصوصية الموضوع المعروض -
توجيه أصل التبليغ الماثل إلى السيد الأستاذ المستشار/ رئيس محكمة النقض رئيس مجلس
القضاء الأعلى حتى يتسنى لسيادته وضعه موضع التنفيذ إعمالا لسلطته.
واستظهرت الجمعية العمومية أيضا أن الدستور هو القانون الأساسي الأسمى
الذي يرسي القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الدولة، ويقرر الحريات والحقوق
العامة، ويرتب الضمانات الأساسية لحمايتها، ويحدد لكل سلطة من السلطات التشريعية
والتنفيذية والقضائية وظائفها وصلاحياتها ويضع الحدود والقيود الضابطة لنشاط كل
منها بما يحول دون تدخل أي منها في أعمال السلطة الأخرى أو مزاحمتها في ممارسة
اختصاصاتها، وقد اختص الدستور السلطة التشريعية في المادة (101) منه بسلطة
التشريع، وإقرار السياسة العامة للدولة، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية
والاجتماعية والموازنة العامة للدولة والرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، واختص
في المادة (167) منه الحكومة - وهي الذراع الثاني بعد رئيس الجمهورية من أذرع
السلطة التنفيذية - بسلطة تنفيذ القانون كأحد أهم اختصاصاتها، وعرفها في المادة
(263) منه بأنها الهيئة التنفيذية والإدارية العليا للدولة.
وعهد الدستور إلى السلطة القضائية الفصل في المنازعات والخصومات تبعا
لاختصاصها، فنص في المادة (184) على أن السلطة القضائية مستقلة وتتولاها المحاكم
على اختلاف أنواعها ودرجاتها، واختص القضاء العادي في المادة (188) بالفصل في كافة
المنازعات والجرائم عدا ما تختص به جهة قضائية أخرى.
وعد الدستور في المادة (94) منه استقلال القضاء أحد الضمانات الأساسية
لحماية الحقوق والحريات فاستقلال القضاء كسلطة أمر لازم لضمان الخضوع للقانون وهو
ما أكده في المادة (184) على نحو ما تقدم ولم يكتف الدستور باستقلال السلطة
القضائية ذاتها، وإنما نص في المادة (186) على أن القضاة هم أيضا مستقلون، فالقضاء
والقضاة سلطة وولاية يتمتعان بالاستقلال، وبذلك تختلف السلطة القضائية عن السلطة
التنفيذية المسئولة عن تنفيذ القانون بالقوة المشروعة، فاختصاص السلطة التنفيذية
يقوم على إعمال القوانين وإحكام تنفيذها، في حين أن السلطة القضائية تفصل في
المنازعات بالقانون ولا تسأل عن تنفيذه ماديا، فوظيفتها موضوعية.
واستقلال السلطة القضائية يعني أن تعمل بعيدا عن أشكال التأثير
الخارجي التي توهن من عزائم أعضائها فيميلون معها عن الحق إغواء أو إرغاما، ترغيبا
أو ترهيبا، وهذا الاستقلال لازم لضمان موضوعية الخضوع للقانون ولحصول من يلوذون
بالسلطة القضائية على الترضية القضائية التي يطلبونها عند وقوع عدوان على حقوقهم
أو حرياتهم.
وفي ضوء استقلال السلطات الثلاث عضويا وموضوعيا يجب فهم ما نصت عليه
المادة (27) من الدستور من التزام النظام الاقتصادي للدولة بوضع حد أقصى للأجور في
أجهزة الدولة لكل من يعمل بأجر لدى هذه الأجهزة، فعبارة أجهزة الدولة تختلف - في
مبناها على الأقل - عن عبارة سلطات الدولة، وتحتاج إلى تأمل فيما إذا كانا يحملان
المعنى ذاته أم يحملان معنيين مختلفين، وهو الأمر الذي يتعين معه اللجوء لتفسير
هذه العبارة لتحديد مدلولها وحدود تطبيقها، حيث إن من المستقر عليه في إفتاء
الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع أنه لا يلجأ إلى تفسير النص إلا في حالة
غموضه واحتماله أكثر من وجه لفهمه، فإذا وجد وجهان لفهم النص أحدهما: يجعل النص
مشوبا بالتناقض ويؤدي إلى إبطال حكمه، وثانيهما: يحمل النص على الصحة ويؤدي إلى
إعماله تعين الالتزام بالمعنى الذي يحمل النص على الصحة وإعمال مقتضاه ما دامت
عبارته تحتمل هذا الفهم، ذلك أن النصوص لا تفهم معزولا بعضها عن بعض، إنما تأتي
دلالة أي منها في ضوء دلالة النصوص الأخرى في اتصال مفاده بما تفيده الأخريات من
معان شاملة.
وهديا بما تقدم، ولما كانت كلمة (أجهزة) هي جمع كلمة (جهاز) والكلمة
الأخيرة مشتقة لغة من الفعل (جهز) أي (أعد وهيأ) وهو ما يرتبط دوما بالفعل المادي،
ومنه ما عبر عنه رب العباد في محكم التنزيل: "ولما جهزهم بجهازهم"
الآيتان (59، 70) من سورة يوسف، وقد وردت عبارة (أجهزة الدولة) في معجم المعاني
الجامع بمعنى (دواليب الدولة أي مكاتبها ومصالحها)، وبالطبع فإن دواليب أو مكاتب
ومصالح الدولة لا تعني سوى السلطة التنفيذية المسئولة عن تنفيذ القانون وفرضه على
أرض الواقع، ولا تنصرف إلى السلطة القضائية التي تفصل في المنازعات بالقانون ولا
تنفذه ماديا.
هذا من ناحية اللغة، ومن ناحية الاصطلاح، فقد وردت عبارة (أجهزة
الدولة) لأول مرة في النظام الدستوري المصري في دستور عام 2012 - قبل تعديله - في
المواد (14، 55، 186)، أما المادة (14) من دستور عام 2012 فقد تضمنت النص على أن:
"... ويجب ربط الأجر بالإنتاج ...، وضمان حد أدنى للأجور ....، وحد أقصى في
أجهزة الدولة لا يستثني منه إلا بناء على قانون"، وتضمنت الفقرة الأخيرة من
المادة (55) من الدستور ذاته النص على أن: "وتكفل الدولة سلامة الاستفتاءات
والانتخابات وحيدتها ونزاهتها. وتدخل أجهزتها بالتأثير في شيء من ذلك جريمة يعاقب
عليها القانون"، ونصت المادة (186) من الدستور ذاته على أن: "ينظم
القانون تعاون الوحدات المحلية في الأعمال ذات النفع المشترك، ووسائل التعاون
بينها وبين أجهزة الدولة".
وحيث إن من المستقر عليه إنه متى أورد المشرع الدستوري مصطلحا معينا
في نص ما للدلالة على معنى معين، وجب صرفه إلى هذا المعنى في كل نص آخر يردد
المصطلح ذاته، ومن صياغة النصوص الثلاثة يظهر بجلاء أن مقصود المشرع الدستوري من
عبارة أجهزة الدولة هي السلطة التنفيذية، لأنه لا يعقل أن يكون مقصود المشرع
الدستوري أن السلطة القضائية المختصة حالما تقضي في المنازعات المتعلقة
بالانتخابات بما يؤدي في بعض الأحوال لبطلانها برمتها يعد ذلك منها تدخلا مؤثما
جنائيا أو أن يكون مقصود المشرع الدستوري أن القانون ينظم وسائل التعاون بين
الوحدات المحلية والسلطة القضائية، أو أن يكون مقصود المشرع الدستوري تصور وجود
تدخل من جانب السلطة التشريعية في الانتخابات أو الاستفتاءات أو إيجاد سبل تعاون
بين الوحدات المحلية والسلطة التشريعية التي تراقب السلطة التنفيذية.
ولا يمكن أن يقال أن عبارة (أجهزة الدولة) الواردة في المادة (14) من
دستور 2012 تختلف معناها عن العبارة ذاتها الواردة في الوثيقة الدستورية ذاتها
باختلاف المواد.
وحيث أن المادة (27) من الدستور النافذ والتي استخدمت عبارة
"أجهزة الدولة" هي مستمدة بالأساس من المادة (14) من دستور 2012 قبل
تعديله بالدستور النافذ، لذا فإن مفهومها يجب أن يكون هو المفهوم الاصطلاحي ذاته
المشار إليه آنفا، خاصة وأن هذه العبارة لم تتردد في الدستور النافذ - عكس دستور
2012 قبل تعديله بالدستور الحالي - سوى في المادة (27) منه فقط، وإذا قيل أن عبارة
(أجهزة الدولة) الواردة في المادة (27) من الدستور النافذ تشمل جميع سلطات الدولة
ومن بينها بالطبع السلطة التشريعية، فهل يعد أعضاء مجلس النواب في مجال علاقتهم
بمجلس النواب من العاملين لدى هذا المجلس، وهل تعد المكافأة المقررة للعضوية أجرا
حتى يصدق على أعضاء مجلس النواب وصف العاملين بأجر لدى أجهزة الدولة، وإذا كانت
الإجابة بالنفي - وهى كذلك على الأقل في ضوء نصوص الدستور - فسيكون مؤدى ما تقدم
بوضوح أن عبارة (أجهزة الدولة) الواردة بالمادة (27) من الدستور لا يمكن بحال أن
تكون مرادفة لعبارة (سلطات الدولة) كما يتوهم البعض، وإنما لها مدلول آخر يفهم من
اللغة والاصطلاح، وأن هذا المدلول لا ينطبق سوى على إحدى هذه السلطات وهي السلطة
التنفيذية بحكم طبيعة وظيفتها على نحو ما تقدم، ومن ثم فإنه لا يمكن تفسير عبارة
"أجهزة الدولة" الواردة بالمادة (27) من الدستور النافذ بأنها تشمل
السلطة القضائية، لأن ذلك سيؤدي إلى جعل القضاء جهازا إداريا من أجهزة الدولة
مسئولا عن تنفيذ القانون ماديا مثله في ذلك مثل السلطة التنفيذية ويجعله خاضعا
لها، وهو ما يتعارض مع طبيعة وظيفته، ومع أنه سلطة مستقلة تقف على قدم المساواة مع
السلطتين التشريعية والتنفيذية، تلك السلطة التي تستمد وجودها وكيانها من الدستور
ذاته، فالقول بأن القضاء جهاز من أجهزة الدولة من شأنه التأثير على استقلال القضاء
فتختلط وظيفة القضاء الموضوعية بالوظيفة التنفيذية وتخضع السلطة القضائية للسلطة
التنفيذية ولا تخضع للقانون، وهو ما أراد المشرع الدستوري أن يجنب السلطة القضائية
حدوثه حينما قرن في المادة (94) من الدستور استقلال القضاء بسيادة القانون، فهي
سلطة مستقلة لا تخضع إلا للقانون ولا تحكم إلا به، ولهذا كانت وظيفتها موضوعية
لارتباطها فقط بالفصل في المنازعات بالقانون دون تدخل في تنفيذه ماديا، فلا تعد من
أجهزة الدولة المسئولة عن الفعل المادي على نحو ما تقدم، فضلا عن أن هذا الزعم
يؤدي إلى القول بأن المشرع الدستوري ذاته لا يعي الفارق الجوهري بين ولاية القضاء
وبين الوظائف التنفيذية، وكذلك الفارق بين أجهزة الدولة وسلطات الدولة الثلاث، كما
يؤدي هذا الزعم إلى أن تكون عبارة سلطات الدولة لها مفهومان في الوثيقة الدستورية
الواحدة وليس مفهوما واحدا فتارة يعبر عنها المشرع بالسلطة وتارة أخرى يعبر عنها
بالجهاز، وهو ما يتناقض تماما مع نص المادة (227) من الدستور النافذ التي عدت
الدستور بديباجته وجميع نصوصه نسيجا مترابطا فلا يعقل أن يكون هذا النسيج متهاترا
يحمل بين جنباته عدة مضامين مختلفة للعبارة الواحدة، كما يتناقض بالطبع مع الوعي
الظاهر لدى المشرع الدستوري حينما غاير في صياغة نص المادة (11) منه بين التعيين
في الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا في الدولة وبين التعيين في الجهات
القضائية، ولو كانت عبارة أجهزة الدولة تتسع لتشمل الجهات الإدارية التابعة للسلطة
التنفيذية والجهات القضائية التابعة للسلطة القضائية لكان المشرع الدستوري
استخدمها اختصارا، وأنه حينما أراد أن يعبر عن شمول حكم محدد لسلطات الدولة الثلاث
- التشريعية والتنفيذية والقضائية - استخدم العبارة الصحيحة مثلما فعل - على سبيل
المثال - حينما نص في المادة (195) منه على إلزام جميع سلطات الدولة - وليس أجهزة
الدولة - بالأحكام والقرارات الصادرة من المحكمة الدستورية العليا، ولو أراد
المشرع الدستوري شمول الحد الأقصى للأجور السلطة القضائية لأتى نص المادة (27) من
الدستور على النحو التالي "وبحد أقصى في أجهزة - وسلطات - الدولة" إلا
أنه لم يفعل، وقد تأكد بيقين صحة التفسير المتقدم من الاطلاع على الأعمال
التحضيرية للتعديلات الدستورية التي أدخلت على دستور 2012 حيث ناقش أعضاء لجنة
الخمسين في اجتماعهم الثاني والعشرين المؤرخ في 6/11/2013 المقصود من عبارة (أجهزة
الدولة) حيث رد السيد الدكتور المقرر العام للجنة الخمسين (أن المقصود بهذه
الأجهزة دواوين الحكومة مثل الوزارات ...)، ولا يمكن أن يكون القضاء من هذه
الدواوين.
ومن ناحية أخرى فإن المتتبع للنظام القانوني المصري، يجد أن المشرع
العادي استخدم عبارة (أجهزة الدولة) للدلالة على السلطة التنفيذية وحدها أو
للدلالة على الجهات المعنية في هذه السلطة، مثل نصوص المواد (5 و31 و51 مكررا و97)
من قانون ضمانات وحوافز الاستثمار الصادر بالقانون رقم (8) لعام 1997 معدلا
بالقرار بقانون رقم (17) لعام 2015، والمادة الرابعة من القانون رقم (94) لعام
2003 بإنشاء المجلس القومي لحقوق الإنسان، والمادة (12) من قانون حماية المستهلك
الصادر بالقانون رقم (67) لعام 2006، والمادة (13) من القانون رقم (82) لعام 2006
بإنشاء الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد والمادة (14) من القانون رقم
(14) لعام 2012 بشأن التنمية المتكاملة لشبه جزيرة سيناء، والمادة (9) من قانون
الانتخابات الرئاسية الصادر بالقانون رقم (22) لعام 2014، والمادة الأولى من
القانون رقم (32) لعام 2014 بتنظيم بعض إجراءات الطعن على عقود الدولة، والمادة
(9) من قانون مباشرة الحقوق السياسية الصادر بالقانون رقم (45) لعام 2014، والمادة
السادسة من القانون رقم (139) لعام 2014 بإنشاء صندوق (تحيا مصر) وغير هذه
القوانين الكثير، مما يعطي دلالة واضحة على أن النظام القانوني المصري حينما يطلق
عبارة "أجهزة الدولة" لا يقصد بها سوى الأجهزة التابعة للسلطة التنفيذية.
وحيث إن عبارة أجهزة الدولة - على نحو ما تقدم - لا تشمل بحال من
الأحوال السلطة القضائية، لذا فإنه صار من الواجب على المشرع العادي حينما يمارس
سلطته في تنفيذ ما قرره الدستور من وضع حد أقصى للأجور أن يقتصر ذلك الحد على
أجهزة الدولة فقط والتي لا تشمل سوى السلطة التنفيذية بمعناها الدقيق.
كما استظهرت الجمعية العمومية - أنه نزولا على الالتزام الدستوري بوضع
حد أقصى للأجور للعاملين بأجر لدى أجهزة الدولة صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون
رقم (63) لعام 2014 بشأن الحد الأقصى للدخول للعاملين بأجر لدى أجهزة الدولة (وذلك
أيا ما كان الرأي حول مخالفة هذا القرار بقانون للدستور حينما لم يعرض مشروعه قبل
إصداره على قسم التشريع بمجلس الدولة طبقا لحكم المادة (190) من الدستور وذلك على
النحو الثابت بالأوراق) محددا فيه المشرع المخاطبين بأحكامه على سبيل الحصر، وهم
العاملون بالجهاز الإداري للدولة، ووحدات الإدارة المحلية، والأجهزة التي لها
موازنات خاصة بها، والهيئات العامة والقومية الاقتصادية والخدمية، وغيرها من
الأشخاص الاعتبارية العامة، والعاملين الذين تنظم شئون توظفهم قوانين أو كادرات
خاصة كما حدد المشرع في القرار بقانون المذكور بوضوح الجهات التي يحصل من خلالها
المخاطبون بأحكامه على الدخل (وذلك أيا ما كان الرأي حول الظلال الكثيفة التي تحيط
دستورية استبدال المشرع مفهوم الأجر المنصوص عليه في المادة (27) من الدستور
بضوابطه المعروفة بمفهوم الدخل بمعناه الموسع على نحو ما ورد بالقرار بقانون رقم
(63) لعام 2014) وحصر هذه الجهات في الدولة والهيئات والشركات التابعة لها
والشركات التي تساهم هذه الجهات في رأسمالها، وحدد الحد الأقصى لصافي الدخل الذي
لا يجوز أن يتجاوزه المخاطبون بأحكامه من الجهات المشار إليها، وهو خمسة وثلاثون
مثل الحد الأدنى للأجور وبما لا يجاوز اثنين وأربعين ألف جنيه شهريا.
وحيث إن القضاة وأعضاء النيابة العامة لا يندرجون في عداد العاملين
بالسلطة التنفيذية للدولة التي تنصرف إليها عبارة أجهزة الدولة المنصوص عليها في
المادة (27) من الدستور على نحو ما تقدم والتي عدد المشرع في قرار رئيس الجمهورية
بالقانون رقم (63) لعام 2014 بعض ما يندرج في هذه السلطة، حيث إن القضاة وأعضاء
النيابة العامة ليسوا من العاملين بالجهاز الإداري للدولة أو بوحدات الإدارة
المحلية أو بالأجهزة التي لها موازنات خاصة أو بالهيئات العامة أو بالأشخاص الاعتبارية
العامة، ولا ينال من ذلك الزعم أن عبارة العاملين الذين تنظم شئون توظفهم قوانين
أو كادرات خاصة تشمل القضاة وأعضاء النيابة العامة في مجال الخضوع لأحكام القرار
بقانون المذكور، حيث إنه على الرغم من أن القضاة وأعضاء النيابة العامة ينظم
شئونهم قانون السلطة القضائية الذي ينطبق عليه وصف الكادر الخاص، إلا أن القول
بشمولهم ضمن الفئات الخاضعة لأحكام القرار بقانون رقم (63) لسنة 2014 المشار إليه
يوقع نصوص هذا القانون في حمأه المخالفة الدستورية من وجهين أولهما:- مخالفته
للمفهوم الصحيح لعبارة أجهزة الدولة على النحو المفصل آنفا على نحو يدخل فيها
أعضاء السلطة القضائية وهم بعيدون عن مقصود المشرع الدستوري حينما استخدم عبارة
(أجهزة الدولة)، وثانيها:- أن المشرع في القرار بقانون رقم (63) لعام 2014 لو كان
يريد إخضاع أعضاء السلطة القضائية لهذا القرار بقانون لكان من الواجب عليه أن يحصل
مسبقا على رأي المجالس العليا بالجهات والهيئات القضائية قبل إصدار هذا القرار
بقانون طبقا لحكم المادة (185) من الدستور، مما يدل على أنه يعي تماما عدم شمول
القرار بقانون المذكور لأعضاء السلطة القضائية التزاما منه بالتفسير الصحيح لعبارة
أجهزة الدولة الواردة بالدستور.
وحيث إن المستقر عليه في إفتاء الجمعية العمومية لقسمي الفتوى
والتشريع أنه في مجال التفسير ينبغي دوما الالتزام بالمعنى الذي يحمل النص على
الصحة وعدم مخالفة أحكام الدستور ما أمكن لذلك سبيلا، لذا فإنه يتعين تفسير عبارة
"العاملين الذين تنظم شئون توظفهم قوانين وكادرات خاصة" الواردة بالقرار
بقانون رقم (63) لعام 2014 على نحو يحملها على الصحة ولا يخالف أحكام الدستور، ومن
ثم يخرج ممن تشملهم هذه العبارة القضاة وأعضاء النيابة العامة وذلك في مجال الخضوع
لأحكام القرار بقانون رقم (63) لعام 2014 وقد جرى إفتاء الجمعية العمومية - في
مجال تفسير هذه العبارة في إطار أحكام القرار بقانون المذكور - على أن النص على
خضوع الفئات التي ينظم شئون توظفهم قوانين أو كادرات خاصة، هي محاولة من المشرع
لشمول الفئات التي تندرج ضمن العاملين بأجر لدى السلطة التنفيذية ويخضعون لقوانين
أو كادرات خاصة.
ويؤكد هذه النتيجة - يقينا - أن قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم (63) لعام 2014 استحدث الجمع بين حدين في آن واحد في مجال تحديده للحد
الأقصى لصافي الدخل الذي يتقاضاه العاملون بأجهزة الدولة، وهما:- حد نسبي: تم
تحديده بخمسة وثلاثين مثل الحد الأدنى، وحد أقصى رقمي: قدره المشرع بمبلغ لا يجاوز
اثنين وأربعين ألف جنيه شهريا، وقد بينت المذكرة الإيضاحية للقرار بقانون الأسس
التي على هداها تم تحديد الحدين المشار إليهما، وقد ورد بها أن الحد الأدنى تم
تحديده بمبلغ (1200) ألف ومائتين جنيه في ضوء ما قرره مجلس الوزارء بجلسته
المنعقدة بتاريخ 18/9/2013 بشأن الحد الأدنى لإجمالي أجر ودخل العامل - القرار رقم
(9/9/13/9) - وهذا الحد كما هو واضح ينطبق فقط على العاملين بأجهزة الدولة وهم
العاملون بأجر لدى السلطة التنفيذية، ولا يصدق هذا التحديد مطلقا على أعضاء السلطة
القضائية الذي يزيد الحد الأدنى لإجمالي أجر أقل درجة من درجات عضوية هذه السلطة
عن هذا الحد، كما ورد بالمذكرة الإيضاحية المشار إليها أنه على هدى من الحد الأدنى
(1200) ألف ومائتين جنيه مضروبا في خمسة وثلاثين مثل تم تحديد الحد الأقصى بمبلغ
لا يجاوز اثنين وأربعين ألف جنيه فضلا عن التحديد الذي أورده المشرع في القانون
رقم (99) لسنة 1987 معدلا بالقرار بقانون رقم (37) لعام 2014 الذي حدد راتب
ومخصصات رئيس الجمهورية بمبلغ اثنين وأربعين ألف جنيه بوصفه رئيسا للدولة والسلطة
التنفيذية، وما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية للقرار بقانون رقم (63) لعام 2014 على
نحو ما تقدم يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن عبارة "العاملين الذين تنظم شئون
توظفهم قوانين أو كادرات خاصة" لا تشمل بحال من الأحوال أعضاء السلطة
القضائية - في مجال الخضوع لأحكام القرار بقانون رقم (63) لعام 2014 - لأن رئيس
الجمهورية طبقا لحكم المادة (139) من الدستور، هو رئيس السلطة التنفيذية، وليس
رئيسا لكل السلطات في الدولة فهو لا يمثل السلطة القضائية وما كونه رئيسا للدولة
سوى لتمثيلها في علاقتها دون أن يتعدى ذلك لتمثيل السلطتين القضائية والتشريعية
خاصة وأن الدستور الحالي لم يجعل رئيس الجمهورية ممثلا لهذه السلطات، ولم يجعله
حكما بينها، وهو الأمر الذي يؤكد من جميع الوجوه أن أحكام القرار بقانون رقم (63)
لعام 2014، لا تنطبق إلا على العاملين بأجر لدى السلطة التنفيذية فلا يعقل أن يحدد
الحد الأدنى استنادا لما يتقاضاه أقل أفراد هذه السلطة - السلطة التنفيذية - ويحدد
الحد الأقصى استنادا لما يتقاضاه أعلى أفراد هذه السلطة - رئيس الجمهورية - ويزعم
البعض أن القرار بالقانون المذكور حينما أورد عبارة "العاملين الذين تنظم
شئون توظفهم قوانين أو كادرات خاصة" فقد قصد إخضاع أعضاء السلطة القضائية
لأحكامه، فلا يصح أن يساوي بين مختلفين (السلطة القضائية والسلطة التنفيذية)
باعتبار أنهما مقيس ومقيس عليه، حال كون كل منهما يختلف في الطبيعة والتكييف
القانوني الصحيح اختلافا يتنافر مع إعمال حكم القياس.
ولا يجوز التذرع بسلطة المشرع في إخضاع السلطة القضائية للحد الأقصى
للأجور حتى لو لم تكن عبارة أجهزة الدولة تتسع لتشملهم استنادا لقواعد الدستور
المتعلقة بالتزام الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية بين أفراد المجتمع ولتحقيق
المساواة مع العاملين بأجر لدى أجهزة الدولة - طبقا للمفهوم الذي كشف عنه هذا
الإفتاء - حيث إن هذا الزعم مردود بأن الالتزام الذي تفرضه هذه المبادئ الدستورية
لا يعني بحال من الأحوال خروج المشرع عن القيود التي تضمنتها مبادئ الدستور
الأخرى، ومنها استقلال السلطة القضائية، وضمان الحق في العمل وعوائده وصون الملكية
الخاصة وعدم المساس بها إلا على سبيل الاستثناء وفي الحدود وبالقيود التي أوردتها
نصوص الدستور.
واستظهرت الجمعية العمومية أخيرا - وعلى ما استقر عليه إفتاؤها - أن
الدستور ناط برئيس مجلس الوزراء أو من يعينه القانون إصدار اللوائح التنفيذية
للقوانين شريطة ألا تتضمن تعديلا لحكم في القانون أو تعطيلا لمقتضاه أو إعفاء من
تنفيذه ولا أن تتناول بالتنظيم ما لم ينظمه القانون فاللوائح التنفيذية تفصل ما
ورد إجمالا من نصوص وتفسر ما غمض منها وذلك كله بالضوابط المشار إليها، فلا يملك
التشريع اللائحي المفصل أو المفسر تعطيل أو تعديل أو الإعفاء من حكم النص الذي
يسنه المشرع، ومن ثم فإن هذه اللوائح لا تعد تشريعا نافذا إلا بالقدر الذي لا
تنطوي فيه على ما يعد تعديلا أو تعطيلا لأحكام القانون، ويكون لجهة الفتوى ألا
تعتد بما خالفت فيه القانون في مقام تطبيقه.
وترتيبا على ما تقدم فإن ما تضمنته المادة الثانية من قرار رئيس مجلس
الوزراء رقم (1265) لعام 2014 بالقواعد التنفيذية لأحكام القرار بقانون رقم (63)
لعام 2014 المشار إليه من تطبيق أحكام القانون المذكور على أعضاء ورجال الجهات
والهيئات القضائية يعد استحداثا لفئة لم ترد ضمن الفئات التي حددها القرار بقانون
رقم (63) لعام 2014 على التفصيل آنف البيان وهو ما يخالف أحكام الدستور بما يفقد
قرار رئيس مجلس الوزراء المشار إليه في خصوصية ما خالف فيه الدستور والقانون قوته
الإلزامية كتشريع لائحي ويتعين طرحه في هذا الشأن وإعمال حكم الدستور والقانون
الذي لم يدرج ضمن المخاطبين بأحكامه سوى العاملين بأجر لدى أجهزة الدولة بالمعنى
المحدد سلفا، والذي لا يندرج من بينهم أعضاء الجهات والهيئات القضائية.
ومن جماع ما تقدم فإن القضاة وأعضاء النيابة العامة لا يخضعون للقرار
بقانون رقم (63) لعام 2014 المشار إليه.
لذلك
انتهت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع، إلى عدم خضوع القضاة
وأعضاء النيابة العامة لأحكام القرار بقانون رقم (63) لعام 2014 بشأن الحد الأقصى
للدخول للعاملين بأجر لدى أجهزة الدولة، وذلك على النحو المبين بالأسباب.