القضية رقم 45 لسنة 28 ق " دستورية جلسة 7 / 6 / 2009
الجريدة الرسمية العدد 25 مكرر في 21 / 6 / 2009 ص 26
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد ، السابع من يونيه سنة 2009 م،
الموافق الرابع عشر من جمادى الآخرة سنة 1430 هـ .
برئاسة السيد المستشار / ماهر عبد الواحد رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين/ ماهر البحيرى وأنور رشاد العاصى والسيد عبد
المنعم حشيش ومحمد خيرى طه وسعيد مرعى عمرو والدكتور عادل عمر شريف
نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور / حمدان حسن فهمى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 45 لسنة 28
قضائية " دستورية
المقامة من
السيدة / ميرفت شحاتة عبد العزيز محمد
ضد
1. السيد رئيس الجمهورية .
2. السيد وزير العدل
ورثة المرحوم / محمود أحمد أبو المجد ، وهم :
3. السيد / مصطفى محمد أحمد أبو المجد
4. السيدة / سومية محمد أحمد أبو المجد
5. السيد / أحمد محمد أحمد أبو المجد
6. السيدة / حنان محمد أحمد أبو المجد
7. السيدة / صفاء محمد أحمد أبو المجد
8. السيدة / إيمان محمد أحمد أبو المجد
9. السيدة / سميرة محمد أحمد أبو المجد
10. السيدة / فريدة أحمد أبو المجد
11. السيدة / فاطمة أحمد أبو المجد
12. السيدة / سنية سالم أبو شوشة
13. السيدة / زينب محمد عبد الحميد خطاب
" الإجراءات "
بتاريخ الخامس والعشرين من مارس سنة 2005، أودعت المدعية قلم كتاب
المحكمة صحيفة هذه الدعوى ، طالبة الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة
(17) من القانون رقم 1 لسنة 2000 بتنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضى فى مسائل
الأحوال الشخصية .
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار
الحكم فيها بجلسة اليوم.
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- تتحصل
فى أن المدعية كانت قد أقامت ضد المدعى عليهم من الثالث إلى الأخيرة الدعوى رقم
1295 لسنة 2003 أحوال شخصية " نفس"، أمام محكمة شبين الكوم الإبتدائية ،
بطلب الحكم بصحة ونفاذ عقد الزواج العرفى المؤرخ 28/12/2001 المبرم بينها وبين
مورث المدعى عليهم، تأسيساً على إقرار الورثة جميعهم بصحة هذا العقد، وأثناء نظر
الدعوى ، أنكرت المدعى عليها الثالثة عشرة زواج المدعية بمورثها، فقضت المحكمة
بتاريخ 21/3/2004 بعدم قبول الدعوى لعدم ثبوت عقد الزواج بوثيقة رسمية . طعنت
المدعية على هذا الحكم بالاستئناف رقم 128 لسنة 37 قضائية ، أمام محكمة استئناف
طنطا "مأمورية شبين الكوم"، وأثناء نظر الاستئناف دفعت بعدم دستورية صدر
الفقرة الثانية من المادة (17) من القانون رقم 1 لسنة 2000 بتنظيم بعض أوضاع
وإجراءات التقاضى فى مسائل الأحوال الشخصية ، وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع وصرحت
لها بإقامة الدعوى الدستورية ، فقد أقامت الدعوى الماثلة .
وحيث إن الفقرة الثانية من المادة (17) من القانون رقم 1 لسنة 2000
بتنظيم بعض أوضاع وإجراءت التقاضى فى مسائل الأحوال الشخصية تنص على أن "ولا
تقبل عند الإنكار الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج - فى الوقائع اللاحقة على أول
أغسطس سنة 1931- ما لم يكن الزواج ثابتاً بوثيقة رسمية ، ومع ذلك تقبل دعوى
التطليق أو الفسخ بحسب الأحوال دون غيرهما إذا كان الزواج ثابتاً بأية كتابة
".
وحيث إن نطاق الدعوى الدستورية التى أتاح المشرع للخصوم إقامتها يتحدد
-وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - بنطاق الدفع المبدى أمام محكمة الموضوع، وفى
الحدود التى تقدر فيها تلك المحكمة جديته، وعلى ضوء الطلبات الختامية التى تضمنتها
صحيفة الدعوى الدستورية . إذ كان ذلك وكانت المدعية قد دفعت أمام محكمة الموضوع
بعدم دستورية صدر الفقرة الثانية من المادة (17) سالفة الذكر، والتى تقضى -عند
الإنكار- بعدم قبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج فى الوقائع اللا حقة على أول
أغسطس سنة 1931، إلا إذا كان الزواج ثابتاً بوثيقة رسمية ، دون أن يمتد هذا الدفع
إلى عجز تلك الفقرة ، وكان البين أن محكمة الموضوع قد قدرت جدية الدفع فى النطاق
المتقدم وحده، وهو ما صرحت بإقامة الدعوى الدستورية طعناً عليه، فإن نطاق الدعوى
الماثلة - يتحدد بما ورد بصدر الفقرة الثانية من المادة (17) آنفة البيان دون
غيرها.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة -وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية -
مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة فى الدعوى الموضوعية المرتبطة بها
والمطروحة أمام محكمة الموضوع، فإذا لم يكن النص التشريعى المطعون عليه قد طبق
أصلاً على المدعى ، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه،
أو كان الإخلال بالحقوق التى يدعيها لا يعود إليه، فإن المصلحة الشخصية المباشرة
تكون منتفية ، ذلك أن إبطال النص فى هذه الصور جميعها لن يحقق للمدعى أية فائدة
عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانونى بعد الفصل فى الدعوى الدستورية ، عما كان
عليه عند رفعها، لما كان ذلك وكانت طلبات المدعية أمام محكمة الموضوع قد تحددت فى
طلب ثبوت عقد زواجها العرفى من مورث المدعى عليهم من الثالث إلى الأخيرة ، وهو ما
يصادم صريح نص صدر الفقرة الثانية من المادة (17) المطعون عليها، التى لا تجيز
قبول هذه الدعوى عند الإنكار، إلا إذا كان الزواج ثابتاً بوثيقة رسمية ، فإن الفصل
فى دستورية النص الطعين -محدداً نطاقاً على نحو ما سلف- يكون لازماً للحكم فى
الطلبات المعروضة فى الدعوى الموضوعية ، ولا يقدح فى ذلك ما قد يثار من أن المدعى
عليها الثالثة عشرة سبق لها الإقرار بعقد زواج المدعية العرفى أكثر من مرة ، ومن
ثم فلا يعتبر عدولها عن هذا الإقرار إنكاراً للزوجية ، ذلك أن الفصل فيما يعد
إقرار قضائياً أو عدولاً عن إقرار، هو من مسائل الواقع التى تختص بالفصل فيه محكمة
الموضوع، ويخرج عن اختصاص هذه المحكمة .
وحيث إن المدعية تنعى على النص المطعون فيه - وفى النطاق المحدد
سلفاً- مخالفته مبادئ الشريعة الإسلامية وإهداره مبدأ الحرية الشخصية ، ذلك أن
تقييد الحق فى الزواج باعتباره مستقر الأنفس وقاعدة أمنها وسكنها، ولا قوام للأسرة
وتراحمها بعيداً عنه، إنما يكشف عن إخلال المشرع بالإلتزام الدستورى بالمحافظة على
القيم الدينية والأخلاقية للمجتمع، كما أنه يخالف ما استقر عليه شرعاً من إباحة
إثبات الزواج بكافة طرق الإثبات، فضلاً عما يتضمنه من تفرقة لا مبرر لها دستورياً
بين إثبات كل من الزواج والطلاق، إذ اشترط النص لإثبات الزواج - عند الإنكار- أن
يكون ذلك بوثيقة رسمية ، بينما اشترط لقبول دعوى الطلاق أن يكون الزواج ثابتاً
بأية كتابة ، وخلافاً للأصل المقرر شرعاً من جواز إثبات أيهما بكافة طرق الإثبات،
الأمر الذى يخالف أحكام المواد (2، 9، 12، 40، 41) من الدستور.
وحيث إن هذا النعى فى جملته مردود، ذلك أن المقرر فى قضاء هذه المحكمة
-أن ما نص عليه الدستور فى مادته الثانية -بعد تعديلها فى سنة 1980- من أن مبادئ
الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، إنما يتمحض عن قيد يجب على السلطة
التشريعية أن تتحراه وتنزل عليه فى تشريعاتها الصادرة بعد هذا التعديل - ومن بينها
أحكام القانون رقم 1 لسنة 2000 بتنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضى فى مسائل
الأحوال الشخصية - فلا يجوز لنص تشريعى أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية فى
ثبوتها ودلالتها، باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هى التى يكون الاجتهاد فيها
ممتنعاً، لأنها تمثل من الشريعة الإسلامية مبادئها الكلية ، وأصولها الثابتة التى
لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً، ومن غير المتصور بالتالى أن يتغير مفهومها تبعاً
لتغير الزمان والمكان، إذ هى عصية على التعديل، ولا يجوز الخروج عليها، أو
الالتواء بها عن معناها، ولا كذلك الأحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها وبدلالتها
أو بهما معاً، ذلك أن دائرة الاجتهاد تنحصر فيها، ولا تمتد لسواها، وهى بطبيعتها
متطورة تتغير بتغير الزمان والمكان، لضمان مرونتها وحيويتها، ولمواجهة النوازل على
اختلافها، تنظيماً لشئون العباد بما يكفل مصالحهم المعتبرة شرعاً، ولا يعطل
بالتالى حركتهم فى الحياة ، على أن يكون الاجتهاد دوماً واقعاً فى إطار الأصول
الكلية للشريعة بما لايجاوزها، ملتزماً ضوابطها الثابتة متحرياً مناهج الاستدلال
على الأحكام العملية ، والقواعد الضابطة لفروعها، كافلاً صون المقاصد العامة
للشريعة بما تقوم عليه من حفاظ على الدين والنفس والعقل والعرض والمال، مستلهماً
فى ذلك كله حقيقة أن المصالح المعتبرة هى تلك التى تكون مناسبة لمقاصد الشريعة
ومتلاقية معها، ومن ثم كان حقاً على ولى الأمر عند الخيار بين أمرين مراعاة
أيسرهما ما لم يكن إثماً.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الحرية الشخصية تعد أصلاً
يهيمن على الحياة بكل أقطارها، لا قوام لها بدونها، إذ هى محورها وقاعدة بنيانها،
ويندرج تحتها بالضرورة تلك الحقوق التى لا تكتمل الحرية الشخصية فى غيبتها، ومن
بينها الحق فى الزواج، وما يتفرع عنه من الحق فى تكوين أسرة وتنشئة أفرادها،
وكلاهما من الحقوق الشخصية التى لا تتجاهل القيم الدينية أو الخلقية أو تقوض
روابطها، ولا تعمل كذلك بعيداً أو انعزالاً عن التقاليد التى تؤمن بها الجماعة
التى يعيش الفرد فى كنفها، بل تعززها وتزكيها وتتعاظم بقيمتها بما يصون حدودها
ويرعى مقوماتها. لما كان ذلك، وكان الزواج -شرعاً- وإن كان هو مستقر الأنفس وقاعدة
أمنها وسكنها، ولا قوام لقوة الأسرة وتراحمها بعيداً عنه، إذا إلتزم طرفاه بإطاره
الشرعى ، وتراضيا على انعقاده، ذلك أن الزواج شرعاً ليس إلا عقداً قولياً يتم لمن
هو أهل للتعاقد بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن إرادتين متطابقتين فى محل
العقد، ويشترط أن تتحقق العلانية فيه من خلال شاهدين تتوافر لهما الحرية والبلوغ
والعقل. وحيث إن تخصيص القضاء بالزمان والمكان والحوادث والأشخاص يعد من القواعد
الشرعية المقررة ، وأنه يجوز لولى الأمر أن يمنع قضاته من سماع بعض الدعاوى ، وأن
يقيد السماع بما يراه من القيود تبعاً لأحوال الزمان وحاجة الناس وصيانة الحقوق من
العبث والضياع، وخاصة فيما يتعلق بدعاوى الزوجية والطلاق والإقرار بها، وأَلِفَ
الناس هذه القيود واطمأنوا إليها بعد أن تبين ما لها من عظيم الأثر فى صيانة حقوق
الأسرة . وقد دلت الحوادث على أن عقد الزواج -وهو أساس رابطة الأسرة - فى حاجة إلى
الصيانة والاحتياط فى أمره، لما له من شرف وقدسية تحمل على ضرورة حمايته من الجحود
والإنكار، والبعد به عن المفاسد، وما يترتب على ذلك من ضياع الحقوق أو العبث بها.
لما كان ذلك، وكانت أحكام الشريعة الإسلامية قد خلت من نص قطعى الثبوت أو الدلالة
، يحول بين ولى الأمر واشتراط إثبات الزواج -عند الإنكار- بوثيقة رسمية فى الوقائع
اللاحقة على أول أغسطس 1931، تحقيقاً للمقاصد آنفة البيان، فإن قالة مخالفة هذا
النص لأحكام الشريعة الإسلامية الغراء، أو إخلاله بمبدأ الحرية الشخصية والحق فى
تكوين الأسرة ، أو تكريس الإخلال بالقيم الدينية والأخلاقية للمجتمع، يكون على غير
أساس خليقاً بالرفض.
وحيث إن ما تنعاه المدعية على النص الطعين من إخلاله بمبدأ المساواة ،
إذ اشترط لقبول دعوى الزوجية - عند الإنكار- أن يكون الزواج ثابتاً بوثيقة رسمية ،
في حين أجاز عجز الفقرة الثانية من المادة (17) ذاتها قبول دعوى التطليق أو الفسخ
بحسب الأحوال، إذا كان الزواج ثابتاً بأية كتابة ، فهو مردود بما هو مقرر -في قضاء
هذه المحكمة - من أنه إذا كان الأصل في كل تنظيم تشريعي ، أن يكون منطوياً على
تقسيم أو تمييز من خلال الأعباء التي يلقيها على البعض، أو عن طريق المزايا أو
الحقوق التى يكفلها لفئة دون غيرها، إلا أن مناط دستورية هذا التنظيم ألا تنفصل
نصوصه عن أهدافها، ليكون اتصال الأغراض التي توخى تحقيقها بالوسائل التي لجأ إليها
منطقياً، وليس واهناً أو واهماً أو منتحلاً، بما يخل بالأسس التي يقوم عليها
التمييز المبرر دستورياً. لما كان ذلك، وكان استثناء قبول دعوى التطليق أو الفسخ
من اشتراط ثبوت الزواج بوثيقة رسمية ، خلافاً لما اشترطه المشرع من ضرورة ثبوت
الزواج ذاته -عند الإنكار - بوثيقة رسمية ، مرجعه-على ما أفصحت عنه المذكرة
الإيضاحية للقانون رقم 1 لسنة 2000- أن يفتح للنساء اللائي وقعن في مشكلة الزواج
العرفي ولا تجدن مخرجاً منه بسبب عدم سماع دعوى الزوجية المستندة إليه، باباً
للرحمة ، فأتاح لهن المشرع سماع دعواهن بطلب التطليق، وواجه بذلك أمراً واقعاً فيه
إعنات للمرأة يتمثل فى تعليقها على ذمة زوج عقد عليها بزواج عرفي ثم هجرها وأهملها
أو غاب عنها إلى حيث لا تعلم، ولا تجد فكاكاً من وصمة مثل هذا الزواج، فأجاز لها
المشرع رفع دعوى طلب التطليق عليه، وتسمع دعواها هذه إذا كان زواجها ثابتاً بأية
كتابة ، وفى هذا الأمر عدل، وفيه تصفية لمثل هذه الأوضاع المجحفة بالمرأة ، ومن ثم
فإن النص الطعين لا يكون قد خالف المادة (40) من الدستور.
وحيث إن النص المطعون فيه لا يخالف حكماً آخر من أحكام الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى ، وبمصادرة الكفالة ، وألزمت المدعية
المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق