الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 6 سبتمبر 2024

الطعن 2406 لسنة 90 ق جلسة 13 / 12 / 2022 مكتب فني 73 ق 98 ص 937

جلسة 13 من ديسمبر سنة 2022
برئاسة السيد القاضي / عبد الرسول طنطاوي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / محمد زغلول ، محمد فريد بعث الله وعبد الحميد جابر نواب رئيس المحكمة وأيمن مهران .
----------------
(98)
الطعن رقم 2406 لسنة 90 القضائية
(1) حكم " بيانات التسبيب " " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
بيان الحكم واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وإيراده على ثبوتها في حقه أدلة سائغة تؤدي لما رتبه عليها . لا قصور .
عدم رسم القانون شكلاً خاصاً لصياغة الحكم . متى كان مجموع ما أورده كافياً لتفهم الواقعة بأركانها وظروفها .
إشارة الحكم إلى النصوص التي آخذ الطاعن بها . كفايته بياناً لمواد القانون التي حكم بمقتضاها .
مثال .
(2) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير توافر القصد الجنائي " . تزوير " أوراق رسمية " .
استخلاص القصد الجنائي في جريمة إعطاء بيان مزور بشأن حمل . موضوعي . تحدث الحكم عنه استقلالاً . غير لازم . حد ذلك ؟
(3) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . إثبات " بوجه عام " .
الأصل في المحاكمات الجنائية اقتناع القاضي بناءً على الأدلة المطروحة عليه . له تكوين عقيدته من أي دليل أو قرينة يرتاح إليها . ما لم يقيده القانون بدليل معين ينص عليه .
تساند الأدلة في المواد الجنائية . مؤداه ؟
(4) نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
النعي على الحكم بخلاف الثابت به . غير مقبول .
مثال .
(5) دفوع " الدفع بعدم جدية التحريات " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير جدية التحريات " .
تقدير جدية التحريات . موضوعي .
اطمئنان المحكمة إلى صحة التحريات وجديتها . كفايته لاطراح الدفع بعدم جديتها .
(6) دفوع " الدفع بنفي التهمة " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " . إجراءات " إجراءات المحاكمة " .
الدفع بنفي التهمة . موضوعي . لا يستأهل رداً . استفادته من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم . النعي في هذا الشأن . جدل موضوعي . غير مقبول أمام محكمة النقض .
النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها . غير مقبول .
(7) نقض " أسباب الطعن . تحديدها " .
وجه الطعن . وجوب أن يكون واضحاً محدداً . علة ذلك ؟
مثال .
(8) حكم " حجيته " " تسبيبه . تسبيب غير معيب " . مصادرة .
حجية الشيء المحكوم فيه لا ترد إلا على منطوق الحكم . امتداد أثرها إلى الأسباب . شرطه : أن تكون مكملة للمنطوق .
تحدث الحكم في أسبابه عن مصادرة المحرر المزور . مكمل للمنطوق .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كان الحكم المطعون فيه بيّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ، وأورد مؤداها في بيان واف – خلافاً لما يقول به الطاعن . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، فمتى كان مجموع ما أورده الحكم - كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصته المحكمة – وهو الحال في الدعوى المطروحة – كان ذلك محققاً لحكم القانون كما جرى به نص المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية ، هذا إلى أن الثابت من الحكم المطعون فيه أنه بعد أن حصل الواقعة المستوجبة للعقوبة ومؤدى أدلة الإثبات أشار إلى النصوص التي آخذ الطاعن بها بقوله : ( الأمر الذي يتعين معه القضاء بإدانته طبقاً لنص المادة 304/2 من قانون الإجراءات الجنائية ومعاقبته بالمادة 222/1 من العقوبات مع مصادرة المحرر المزور المضبوط طبقاً لنص المادة 30/1 من قانون العقوبات ) ، فإن هذا حسبه بياناً لمواد القانون التي حكم بمقتضاها بما يحقق حكم القانون ، فإنه تنحسر عن الحكم قالة القصـور في التسبيب ، ويكون منعى الطاعن في هذا الصدد غير سديد .
2- من المقرر أن القصد الجنائي في جريمة التزوير من المسائل المتعلقة بوقائع الدعوى التي تفصل فيها محكمة الموضوع في ضوء الظروف المطروحة عليها ، وليس بلازم أن يتحدث الحكم عنه صراحة وعلى استقلال ما دام قد أورد من الوقائع ما يدل عليه ، وكان ما أثبته الحكم المطعون فيه في مقام التدليل على توافر جريمة إعطاء بيان مزور بشأن حمل وما استدل به على علم الطاعن بالتزوير تتحقق به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دانه بها .
3- من المقرر أن الأصل في المحاكمات الجنائية هو اقتناع القاضي بناءً على الأدلة المطروحة عليه فله أن يكون عقيدته من أي دليل أو قرينة يرتاح إليها إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه ، وإذ كان القانون الجنائي لا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه ، وكان جماع ما أورده الحكم المطعون فيه من أدلة وشواهد سائغاً وكافياً في التدليل على ثبوت جريمة إعطاء بيان مزور بشأن حمل بطريق المجاملة حال كونه طبيب مع علمه بذلك التزوير التي دان الطاعن بها ، فإن هذا حسبه ليبرأ من قالة القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال .
4- لما كان الحكم المطعون فيه لم يحصل في مدوناته أن المتهمين السابق الحكم عليهم أقروا بعلم الطاعن بالتزوير - على خلاف ما يذهب إليه بأسباب طعنه – فإن منعاه في هذا الخصوص يكون لا محل له .
5- من المقرر أن تقدير جدية التحريات من المسائل الموضوعية التي يوكل فيها الأمر لمحكمة الموضوع ، وكان الحكم المطعون فيه قد اطرح الدفع بعدم جدية التحريات استناداً إلى اطمئنان المحكمة إلى صحة الإجراءات التي أجراها الضابط وجديتها وهو ما يعد كافياً للرد على ما أثاره الطاعن في هذا الخصوص ، فإن منعاه في هذا الشأن لا يكون له محل .
6- من المقرر أن الدفع بنفي التهمة دفعاً موضوعياً لا يستأهل بحسب الأصل رداً صريحاً بل يكفي أن يكون الرد عليه مستفاداً من الأدلة التي عولت عليها بما يفيد اطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع عن المتهم لحملها على عدم الأخذ بها دون أن تكون ملزمة ببيان علة اطراحها إياها ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في شأن انقطاع صلته بالواقعة لا يعدو أن يكون من قبيل الجدل الموضوعي لما استقر في عقيدة المحكمة للأسباب السائغة التي أوردتها مما لا تقبل معه معاودة التصدي لها أمام محكمة النقض ، وكان الطاعن لم يطلب إلى المحكمة إجراء تحقيق معين في هذا الخصوص ، فليس له - من بعد - أن ينعى عليها قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها ، فإن منعاه في هذا الشأن لا يكون له محل .
7- من المقرر أنه يجب لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً محدداً مبيناً به ما يرمي إليه مقدمه حتى يتضح مدى أهميته في الدعوى المطروحة وكونه منتجاً فيها ، وكان الطاعن لم يبين في أسباب طعنه أوجه الدفاع الجوهرية التي أبداها والتي قصر الحكم في استظهارها والرد عليها ، فإن ما ينعاه في هذا الخصوص يكون غير مقبول .
8- لما كان لا يفوت المحكمة أن تنوه إلى أن الحكم المطعون فيه وإن خلا منطوقه من القضاء بمصادرة المحرر المزور إلا أن البين من مطالعة أسباب الحكم أنها تضمنت القضاء بمصادرة هذا المحرر المزور ، وكان من المقرر في القانون أن حجية الشيء المحكوم فيه لا ترد إلا على منطوق الحكم ولا يمتد أثرها إلى أسبابه إلا ما كان منها مكملاً للمنطوق ومرتبطاً به ارتباطاً وثيقاً غير متجزئ بحيث لا يكون للمنطوق قواماً إلا به ويصح إذاً أن يرد بعض المقضي به في الأسباب المكملة والمرتبطة بالمنطوق ، ومن ثم فإن ما تحدث به الحكم المطعون فيه في أسبابه عن مصادرة المحرر المزور يكون مكملاً لمنطوقه في هذا الصدد .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه :
- حال كونه طبيب أعطى بطريق المجاملة بياناً بحمل هو إخطار ولادة المتهمة الرابعة لطفل نجل المتهمة الأولى بعيادته مع علمه بتزويره على النحو المبين بالتحقيقات .
وأحالته إلى محكمة جنايات .... لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .
والمحكمة المذكورة قضت غيابياً بمعاقبته بالحبس لمدة سنة واحدة والمصاريف .
وإذ أُعيدت إجراءات المحاكمة ، والمحكمة المذكورة قضت عملاً بالمادة ٢٢٢/1 من قانون العقوبات ، مع إعمال نصوص المواد ١٧ ، ٥٥ ، ٥٦ من ذات القانون ، بمعاقبته بالحبس لمدة سنة عما أسند إليه وأمرت المحكمة بوقف تنفيذ عقوبة الحبس لمدة ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ اليوم وإلزامه بالمصاريف الجنائية .
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض ....إلخ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمة
حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة كونه طبيب أعطى بطريق المجاملة بياناً مزوراً بشأن حمل مع علمه بذلك التزوير ، قد شابه القصور في التسبيب والبطلان والفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت بالأوراق والإخلال بحق الدفاع ، ذلك أن أسبابه جاءت قاصرة ولم يبين واقعة الدعوى بياناً كافياً تتحقق به أركان الجريمة ولم يورد مؤدى الأدلة التي عول عليها في الإدانة ، كما أغفل الإشارة إلى نص القانون الذي حكم بموجبه ، كما التفت عن دفع الطاعن بانتفاء الركن المعنوي بدلالة إقرارات المتهمين السابق الحكم عليهم في تحقيقات النيابة التي تنفي علم الطاعن بالتزوير خلافاً لما حصله الحكم من إقراراتهم ، كما أغفل الرد على الدفع ببطلان التحريات كونها غير جدية ، وبانقطاع صلة الطاعن بالواقعة ولم تعن بتحقيق الدفع الأخير ، كما أعرض عن باقي دفاع الطاعن الجوهري ، وذلك كله مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
وحيث إن الحكم المطعون فيه بيّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ، وأورد مؤداها في بيان واف – خلافاً لما يقول به الطاعن . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، فمتى كان مجموع ما أورده الحكم - كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصته المحكمة – وهو الحال في الدعوى المطروحة – كان ذلك محققاً لحكم القانون كما جرى به نص المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية ، هذا إلى أن الثابت من الحكم المطعون فيه أنه بعد أن حصل الواقعة المستوجبة للعقوبة ومؤدى أدلة الإثبات أشار إلى النصوص التي آخذ الطاعن بها بقوله : ( الأمر الذي يتعين معه القضاء بإدانته طبقاً لنص المادة 304/2 من قانون الإجراءات الجنائية ومعاقبته بالمادة 222 /1 من العقوبات مع مصادرة المحرر المزور المضبوط طبقاً لنص المادة 30/1 من قانون العقوبات ) ، فإن هذا حسبه بياناً لمواد القانون التي حكم بمقتضاها بما يحقق حكم القانون ، فإنه تنحسر عن الحكم قالة القصور في التسبيب ، ويكون منعى الطاعن في هذا الصدد غير سديد . لما كان ذلك ، وكان القصد الجنائي في جريمة التزوير من المسائل المتعلقة بوقائع الدعوى التي تفصل فيها محكمة الموضوع في ضوء الظروف المطروحة عليها ، وليس بلازم أن يتحدث الحكم عنه صراحة وعلى استقلال ما دام قد أورد من الوقائع ما يدل عليه ، وكان ما أثبته الحكم المطعون فيه في مقام التدليل على توافر جريمة إعطاء بيان مزور بشأن حمل وما استدل به على علم الطاعن بالتزوير تتحقق به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دانه بها . لما كان ذلك ، وكان الأصل في المحاكمات الجنائية هو اقتناع القاضي بناءً على الأدلة المطروحة عليه فله أن يكون عقيدته من أي دليل أو قرينة يرتاح إليها إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه ، وإذ كان القانون الجنائي لا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى ، إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه ، وكان جماع ما أورده الحكم المطعون فيه من أدلة وشواهد سائغاً وكافياً في التدليل على ثبوت جريمة إعطاء بيان مزور بشأن حمل بطريق المجاملة حال كونه طبيب مع علمه بذلك التزوير التي دان الطاعن بها ، فإن هذا حسبه ليبرأ من قالة القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه لم يحصل في مدوناته أن المتهمين السابق الحكم عليهم أقروا بعلم الطاعن بالتزوير - على خلاف ما يذهب إليه بأسباب طعنه – فإن منعاه في هذا الخصوص يكون لا محل له . لما كان ذلك ، وكان تقدير جدية التحريات من المسائل الموضوعية التي يوكل فيها الأمر لمحكمة الموضوع ، وكان الحكم المطعون فيه قد اطرح الدفع بعدم جدية التحريات استناداً إلى اطمئنان المحكمة إلى صحة الإجراءات التي أجراها الضابط وجديتها وهو ما يعد كافياً للرد على ما أثاره الطاعن في هذا الخصوص ، فإن منعاه في هذا الشأن لا يكون له محل . لما كان ذلك ، وكان الدفع بنفي التهمة دفعاً موضوعياً لا يستأهل بحسب الأصل رداً صريحاً بل يكفي أن يكون الرد عليه مستفاداً من الأدلة التي عولت عليها بما يفيد اطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع عن المتهم لحملها على عدم الأخذ بها دون أن تكون ملزمة ببيان علة اطراحها إياها ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في شأن انقطاع صلته بالواقعة لا يعدو أن يكون من قبيل الجدل الموضوعي لما استقر في عقيدة المحكمة للأسباب السائغة التي أوردتها مما لا تقبل معه معاودة التصدي لها أمام محكمة النقض ، وكان الطاعن لم يطلب إلى المحكمة إجراء تحقيق معين في هذا الخصوص ، فليس له - من بعد - أن ينعى عليها قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها ، فإن منعاه في هذا الشأن لا يكون له محل . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه يجب لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً محدداً مبيناً به ما يرمي إليه مقدمه حتى يتضح مدى أهميته في الدعوى المطروحة وكونه منتجاً فيها ، وكان الطاعن لم يبين في أسباب طعنه أوجه الدفاع الجوهرية التي أبداها والتي قصر الحكم في استظهارها والرد عليها ، فإن ما ينعاه في هذا الخصوص يكون غير مقبول . لما كان ذلك ، وكان لا يفوت المحكمة أن تنوه إلى أن الحكم المطعون فيه وإن خلا منطوقه من القضاء بمصادرة المحرر المزور إلا أن البين من مطالعة أسباب الحكم أنها تضمنت القضاء بمصادرة هذا المحرر المزور ، وكان من المقرر في القانون أن حجية الشيء المحكوم فيه لا ترد إلا على منطوق الحكم ولا يمتد أثرها إلى أسبابه إلا ما كان منها مكملاً للمنطوق ومرتبطاً به ارتباطاً وثيقاً غير متجزئ بحيث لا يكون للمنطوق قواماً إلا به ويصح إذاً أن يرد بعض المقضي به في الأسباب المكملة والمرتبطة بالمنطوق ، ومن ثم فإن ما تحدث به الحكم المطعون فيه في أسبابه عن مصادرة المحرر المزور يكون مكملاً لمنطوقه في هذا الصدد . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمتـه يكون علـى غيــر أسـاس متعيناً رفضـه موضوعاً .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الطعن 13809 لسنة 90 ق جلسة 13 / 12 / 2022 مكتب فني 73 ق 99 ص 944

جلسة 13 من ديسمبر سنة 2022
برئاسة السيد القاضي / عبد الرسول طنطاوي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / محمد زغلول نائب رئيس المحكمة وأيمن مهران ، إبراهيم الخولي ومصطفى حسن .
----------------
(99)
الطعن رقم 13809 لسنة 90 القضائية
(1) حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
بيان الحكم واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وإيراده على ثبوتها أدلة سائغة تؤدي لما رتبه عليها . لا قصور .
(2) إثبات " خبرة " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .
عدم إيراد الحكم نص تقرير الخبير بكامل فحواه وأجزائه . لا ينال من سلامته .
مثال .
(3) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير آراء الخبراء " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن . موضوعي . المجادلة في هذا الشأن . غير جائزة أمام محكمة النقض .
(4) حريق عمد . قصد جنائي .
القصد الجنائي في جريمة وضع النار عمداً المنصوص عليها في المادة 255/1 عقوبات . تحققه بتعمد الجاني وضع النار في زرع محصود مملوك للغير . إثبات الحكم ذلك . كفايته لاستظهار القصد الجنائي لديه ولو كان لإحراق المكان أو لأي غرض آخر .
(5) محكمة الموضوع " سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . مالا يوفره " .
المنازعة في التكييف القانوني للواقعة . جدل في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورتها .
عدم التزام المحكمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي والرد عليها استقلالاً . قضاؤها بالإدانة لأدلة الثبوت . مفاده : اطراحها .
(6) محكمة الموضوع " سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى " " سلطتها في تقدير أقوال الشهود " . إثبات " شهود " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى . موضوعي . ما دام سائغاً .
وزن أقوال الشهود وتقديرها . موضوعي .
تناقض أقوال الشهود . لا يعيب الحكم . ما دام استخلص الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً .
أخذ المحكمة بأقوال الشهود . مفاده ؟
إيراد النص الكامل لأقوال الشاهد . غير لازم . كفاية إيراد مضمونها . النعي على المحكمة إسقاطها بعض أقواله . غير مقبول . علة ذلك ؟
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
(7) حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .
التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله . ماهيته ؟
(8) استدلالات . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير جدية التحريات " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
للمحكمة التعويل على التحريات باعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة . ترديدها لما أبلغ به المجني عليه . لا ينال من صحتها . علة ذلك ؟
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
(9) إثبات " بوجه عام " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
العبرة في المحاكمات الجنائية باقتناع القاضي بناءً على الأدلة المطروحة عليه . عدم جواز مطالبته بالأخذ بدليل معين إلا في الأحوال التي يقررها القانون . علة ذلك ؟
تساند الأدلة في المواد الجنائية . مؤداه ؟
لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها . كفاية استخلاص ثبوتها عن طريق الاستنتاج من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات . النعي في هذا الشأن . جدل موضوعي . غير مقبول أمام محكمة النقض .
(10) حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
قضاء المحكمة بناءً على عقيدة استقرت في وجدانها عن جزم ويقين لا على الفرض والاحتمال . النعي في هذا الشأن . جدل موضوعي . غير جائز أمام محكمة النقض .
(11) إجراءات " إجراءات التحقيق " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
تعييب التحقيق السابق على المحاكمة . لا يصح سبباً للطعن في الحكم . علة ذلك ؟
مثال .
(12) حريق عمد . إثبات " بوجه عام " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " .
وجود شهود رؤية أو قيام أدلة معينة لثبوت جريمة وضع النار عمداً . غير لازم . للمحكمة تكوين اعتقادها بالإدانة مما تطمئن إليه من ظروف الدعوى وقرائنها .
(13) دفوع " الدفع بنفي التهمة " " الدفع بتلفيق التهمة " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
الدفع بعدم توافر دليل الإسناد وبنفي التهمة وكيدية وتلفيق الاتهام واصطناع الدليل . موضوعي . لا يستأهل رداً . استفادته من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم .
بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه إيراد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم . تعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه . غير لازم . التفاته عنها . مفاده : اطراحها .
(14) دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " . إجراءات " إجراءات المحاكمة " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
نعي الطاعن على المحكمة قعودها عن الرد على دفوع دون الكشف عن أوجهها وإجراء تحقيق لم يطلب منها ولم تر حاجة لإجرائه . غير مقبول . علة ذلك ؟
(15) محكمة الإعادة . قانون " تفسيره " . دعوى مدنية . محكمة النقض " سلطتها " .
نص المادة 395 إجراءات جنائية المعدلة . تضمنه قاعدة موضوعية تقيد محكمة الموضوع عند إعادة الإجراءات بعدم القضاء بعقوبة جديدة وألَّا تزيد بالعقوبة أو بالتعويضات التي تحكم بها عما قضى به الحكم الغيابي .
القضاء حال إعادة الإجراءات بتعويض مدني رغم خلو الحكم الغيابي من هذا الإلزام . مخالف للقانون . لمحكمة النقض تصحيحه بإلغاء ما قضى به بالدعوى المدنية . أساس ذلك ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كان الحكم المطعون فيه بيّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون ، ومن ثمَّ يكون النعي على الحكم بالقصور لا محل له .
2- لما كان الحكم المطعون فيه قد حصل تقرير الأدلة الجنائية لمديرية أمن .... في قوله : ( إن الحريق شب نتيجة إيصال مصدر حراري سريع ذو لهب مكشوف عقب سكب مادة معجلة للاشتعال على منطقة بداية الحريق ) ، وكان فيما حصله الحكم من تقرير الأدلة الجنائية – الذي عول عليه في قضائه - ما يكفي بياناً لمضمون هذا التقرير ، فهذا حسبه كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه ؛ ذلك بأنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراد نص تقرير الخبير بكامل فحواه وأجزائه ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون في غير محله .
3- من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في هذا شأن سائر الأدلة فلها مطلق الحرية في الأخذ بما تطمئن إليها منها والالتفات عما عداه ولا تقبل مصادرة المحكمة في هذا التقدير ، وكانت المحكمة قد اطمأنت في حدود سلطتها التقديرية إلى ما ورد بتقرير المعمل الجنائي ، فإنه لا تجوز مجادلة المحكمة في هذا الشأن ولا مصادرة عقيدتها فيه أمام محكمة النقض .
4- من المقرر أن القصد الجنائي في جريمة الحريق العمد المنصوص عليها في المادة 255 من قانون العقوبات يتحقق في وضع الجاني النار في شيء من الأشياء المذكورة بهذه المادة وكان عالماً بأن هذا الشيء مملوك لغيره ، فمتى ثبت للمحكمة أن الجاني تعمد وضع النار على هذا الوجه وجب تطبيق تلك المادة ، أياً كانت نتيجته أو الباعث عليه سواء كان القصد منه هو إحراق المكان أو كان وضع النار في المكان لتحقيق أي قصد آخر ، ولما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت في حق الطاعن أنه وضع النار عمداً في زرع محصود مملوك للمجني عليهما ودانه بالمادة 255 من قانون العقوبات ، فإن النعي على الحكم بعدم استظهار القصد الجنائي يكون غير سديد .
5- لما كان ما يثيره الطاعن بشأن المنازعة في التكييف القانوني للواقعة بمقولة أن محل الحريق هو أعواد سمسم فارغة من أي محصول لا يعدو أن يكون منازعة في الصورة التي اعتنقتها المحكمة للواقعة وجدلاً في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدانها مما تستقل بالفصل فيه بغير معقب ، كما أن المحكمة غير ملزمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال ، إذ في قضائها بالإدانة استنادا إلى أدلة الثبوت التي أوردتها ما يفيد ضمناً أنها أطرحتها ولم تعول عليها ، ويكون نعى الطاعن في هذا الشأن غير مقبول .
6- من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، وأن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب ، كما أن التناقض بين أقوال الشهود - على فرض حصوله - لا يعيب الحكم ما دام قد استخلص الإدانة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه ، ومتى أخذت المحكمة بأقوال الشهود فإن ذلك يفيد اطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، وأنه لا يلزم قانوناً إيراد النص الكامل لأقوال الشاهد الذي اعتمد عليها الحكم بل يكفي أن يورد مضمونها ولا يقبل النعي على المحكمة إسقاطها بعض أقوال الشاهد ؛ لأن فيما أوردته منها وعولت عليه ما يعني أنها اطرحت ما لم تشر إليه منها ، لما للمحكمة من حرية في تجزئة الدليل والأخذ بما ترتاح إليه والالتفات عما لا ترى الأخذ به ما دام أنها قد أحاطت بأقوال الشاهد ومارست سلطتها في تجزئتها بغير بتر لفحواها أو مسخ لها بما يحيلها عن معناها أو يحرفها عن مواضعها ، وكانت محكمة الموضوع قد أفصحت عن اطمئنانها لحدوث واقعة الدعوى وفق الصورة التي استخلصتها من جماع أدلة الثبوت السائغة التي أوردتها ، فإن النعي على الحكم المطعون فيه بعدم معقولية تصور حدوث الواقعة على هذه الصورة لا يعدو أن يكون جدلاً حول سلطة محكمة الموضوع في استنباط معتقدها عن الواقعة وصورتها من أدلة الثبوت التي اطمأنت إليها وهو ما لا يجوز مجادلتها فيه أمام محكمة النقض .
7- من المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة والذي من شأنه أن يجعل الدليل متهادماً متساقطاً لا شيء فيه باقياً يمكن أن يعتبر قواماً لنتيجة سليمة يصح الاعتماد عليها ، وكان الحكم المطعون فيه قد اعتنق صورة واحدة لواقعة الدعوى ثم ساق أدلة الثبوت التي استمد منها عقيدته وعرض لدفاع الطاعن واطرحه دون تناقض - على النحو المبين بمدوناته - فإن ما يثيره الطاعن من دعوى التناقض في التسبيب يكون غير سديد .
8- من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تعول في قضائها على تحريات الشرطة باعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة ، وأنه لا ينال من صحة التحريات أن تكون ترديداً لما أبلغ به المجني عليه لأن مفاد ذلك أن مجريها قد تحقق من صدق ذلك البلاغ ، وكان الحكم قد كشف عن اطمئنانه إلى أقوال ضابط التحريات - وعلى النحو الذي شهد به - ورد بما يسوغ على الدفع بعدم جديتها ، فإن منازعة الطاعن في ذلك لا تعدو أن تكون جدلاً موضوعياً في تقدير أدلة الدعوى وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ، ولا تجوز مجادلتها في شأنه لدى محكمة النقض .
9- من المقرر أن العبرة في المحاكمة الجنائية هي باقتناع القاضي بناءً على الأدلة المطروحة عليه ولا يصح مطالبته بالأخذ بدليل بعينه فيما عدا الأحوال التي قيده القانون فيها بذلك ، فقد جعل القانون من سلطته أن يزن قوة الإثبات وأن يأخذ من أي بينة أو قرينة يرتاح إليها دليلاً لحكمه ، ولا يلزم أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى ؛ إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه ، كما لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها بل يكفي أن يكون استخلاص ثبوتها عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات ، فإن ما يثيره الطاعن بشأن الأدلة التي عول عليها الحكم في إدانته لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في العناصر التي استنبطت منها المحكمة معتقدها مما لا تقبل معاودة التصدي له أمام محكمة النقض .
10- لما كانت محكمة الموضوع قد أقامت قضاءها على ما اقتنعت به من أدلة ترتد إلى أصل صحيح في الأوراق واستخلصت في منطق سائغ صحة إسناد التهمة إلى الطاعن ، وكان قضاؤها في هذا الشأن مبنياً على عقيدة استقرت في وجدانها عن جزم ويقين ولم يكن حكمها مؤسساً على الفرض والاحتمال - حسبما يذهب إليه الطاعن - فإن ما يثار في هذا الخصوص لا يخرج عن كونه جدلاً موضوعياً لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض .
11- لما كَان البيِّن من مُطَالعة محضر جلسة المُحَاكمة المُؤرَّخ .... أن من بين ما أبداه المُدافع عن الطاعن عدم إجراء النيابة العامة معاينة لمكان الواقعة ، وذلك دون أن يَطلُب من المحكمة اتخاذ إجراء مُعيَّن في هذا الخصوص ، فإن ما أثاره الدفاع فيما سلف لا يعدو أن يكون تعييباً للتحقيق الذي جرى في المرحلة السابقة على المُحَاكمة ، لا يصح أن يكون سبباً للطعن على الحُكم ، إذ إنه من المُقرَّر أن تَعييب التحقيق الذي تجريه النيابة العامة لا تأثير له على سلامة الحُكم ، والأصل أن العبرة عند المُحَاكمة هي بالتحقيق الذي تجريه المحكمة بنفسها ، وطالما لم يَطلُب الدفاع منها استكمال ما قد يكون بالتحقيقات الابتدائية من نقص أو عيب ، فليس له أن يَتخذ من ذلك سبباً لمنعاه ، هذا فضلاً عن أن المحكمة قد عرضت لكل ما يثيره الطاعن في هذا الشأن واطرحته في منطق سائغ .
12- من المقرر أن القانون لا يشترط لثبوت جريمة وضع النار عمداً وجود شهود رؤية أو قيام أدلة معينة ، بل للمحكمة أن تكون اعتقادها بالإدانة في تلك الجريمة من كل ما تطمئن إليها من ظروف الدعوى وقرائنها ، ومتى رأت الإدانة كان لها أن تقضي بالعقوبة المقررة على مرتكب الفعل دون حاجة إلى إقرار منه أو شهادة شاهدين برؤيته حال وقوع الفعل منه أو ضبطه متلبساً بها .
13- من المقرر أن نعي الطاعن بالتفات المحكمة عما ساقه من أوجه تشهد بعدم توافر دليل الإسناد ونفي التهمة وكيدية وتلفيق الاتهام واصطناع الدليل هو من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل ردًا خاصًا طالما كان الرد عليها مستفادًا من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم ، وبحسب الحكم كيما يستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى الطاعن ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه ، لأن مفاد التفاته عنها أنه اطرحها ، فإن منعى الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد .
14- لما كان الطاعن لم يكشف عن أوجه الدفوع والدفاع التي ينعى على المحكمة قعودها عن الرد عليها حتى يتضح مدى أهميتها في الدعوى ، وهل تحوي دفاعًا جوهريًا مما يتعين على المحكمة أن تعرض له وترد عليه ، أم أنه من قبيل الدفاع الموضوعي الذي يكفي القضاء بالإدانة أخذاً بأدلة الثبوت رداً عليه ، بل ساق قوله في هذا الصدد مرسلًا مجهلًا ، فإن هذا الوجه من الطعن لا يكون مقبولاً . وكان لا يبين من محضري جلستي المحاكمة أن الدفاع عن الطاعن طلب تحقيق في هذا الشأن ، فليس له من بعد النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها ولم تر هي من جانبها حاجة لإجرائه .
15- لما كان القانون رقم ١١ لسنة ٢٠١٧ قد صدر بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية وقد نصت المادة الأولى فيه على استبدال الفقرة الأولى من المادة ٣٩٥ من قانون الإجراءات الجنائية بجعلها : ( إذا حضر المحكوم عليه في غيبته ، أو قبض عليه ، أو حضر وكيله الخاص وطلب إعادة المحاكمة قبل سقوط العقوبة بمضي المدة ، يحدد رئيس محكمة الاستئناف أقرب جلسة لإعادة نظر الدعوى ، ويُعرض المقبوض عليه محبوسًا بهذه الجلسة ، وللمحكمة أن تأمر بالإفراج عنه أو حبسه احتياطيًا حتى الانتهاء من نظر الدعوى ، ولا يجوز للمحكمة في هذه الحالة التشديد عما قضى به الحكم الغيابي) ، وكان نص المادة ٣٩٥ المار ذكرها بعد تعديله وإن كان في ظاهره إجرائي إلا أنه يتضمن قاعدة موضوعية تقيد محكمة الموضوع عند إعادة الإجراءات بمحاكمة المحكوم عليه غيابياً ألا تزيد بالعقوبة أو بالتعويضات التي تحكم بها عما قضى به الحكم الغيابي ، ومن ثم فإنه عند إعادة الإجراءات بمحاكمة المحكوم عليه غيابياً لا يجوز الإساءة إليه بتشديد العقوبة المقضي بها عليه غيابياً أو القضاء بعقوبة جديدة كما لا يجوز بالنسبة للتعويضات الحكم بها ابتداءً في إعادة الإجراءات أو بزيادة مقدارها عما قضى به الحكم الغيابي ، وهي قاعدة واجبة الإعمال على واقعة الدعوى طالما لم يفصل فيها بحكم بات أصلح للمتهم وفقاً لنص الفقرة الثانية من المادة الخامسة من قانون العقوبات ، وهو ما أكدته الهيئة العامة للمواد الجنائية لهذه المحكمة - محكمة النقض - في حكمها الصادر بجلسة ٢٢/3/٢٠٢٢ في الطعن رقم ٢٧٩٠ لسنة ٨٩ قضائية . لما كان ذلك ، وكان البين من مطالعة الصورة الرسمية للحكم الغيابي أنه خلا من القضاء بإلزام الطاعن بالتعويض ، فإن الحكم المطعون فيه إذا قضى بمناسبة إعادة إجراءات محاكمته حضورياً بإلزام الطاعن بالتعويض ، فإنه يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تأويله . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن لمحكمة النقض طبقاً لنص المادة ٣٥ من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم ٥٧ لسنة ١٩٥٩ أن تنقض الحكم من تلقاء نفسها لمصلحة المتهم إذا تبين مما هو ثابت فيه أنه مبني على مخالفة القانون أو على خطأ في تطبيقه أو في تأويله ، فإنه يتعين إعمالاً لنص المادة ٣٩ من القانون المذكور القضاء بتصحيح الحكم المطعون فيه وذلك بإلغاء ما قضى به في الدعوى المدنية ورفض الطعن فيما عدا ذلك .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن - وآخر سبق محاكمته - بأنهما :
- وضعا النار عمداً في زرع محصود ( حزم أعواد نبات السمسم الجاف المثمرة ) الموضوعة بأرض المجني عليهما وذلك بأن سكب مادة معجلة للاشتعال وأوصل مصدر حراري ذو لهب مكشوف إليه فامتدت النيران إلى المحصول وأتت على محتوياته على النحو المبين بالتحقيقات .
وأحالته إلى محكمة جنايات .... لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .
وادعى المجني عليهما مدنياً قبل المتهم بمبلغ عشرة آلاف وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت .
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادة ٢٥٥/1 من قانون العقوبات ، بمعاقبته بالسجن المشدد ثلاث سنوات عما أسند إليه وألزمته المصاريف الجنائية وألزمته بأن يؤدي للمدعي بالحق المدني مبلغاً وقدره عشرة آلاف وواحد جنيه تعويضاً مدنياً مؤقتاً وألزمته مصاريف الدعوى المدنية ومائتي جنيه أتعاب محاماة .
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمة
حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة وضع النار عمداً في زرع محصود ، قد شابه القصور والتناقض في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع ، ذلك بأنه لم يحط بواقعة الدعوى عن بصر وبصيرة ، وعول على تقرير الأدلة الجنائية مكتفياً بإيراد نتيجته دون بيان مضمونه ومقدماته فضلاً عن عدم بيانه ماهية المادة المعجلة المسكوبة وخلوه من بيان مصدر النيران ومدى مطابقته للتصوير المطروح ، واطرح بما لا يسوغ دفعه بانتفاء توافر القصد الجنائي والباعث على الجريمة لديه سيما وأن محل الحريق هو أعواد سمسم فارغة من أي محصول ، وتساند في الإدانة على أقوال شهود الإثبات رغم تناقضها والتي جاءت بشكل مبتسر فضلاً عن عدم معقوليتها واصطناعها بدلالة إقامة شاهدي الإثبات الأول والثاني بمكان خارج البلدة ، ومعتنقاً صوراً متعددة متناقضة لواقعة الدعوى ، كما عول على تحريات الشرطة رغم عدم صحتها والتي جاءت ترديداً لأقوال المجني عليه - شاهد الإثبات الأول - وعول في قضائه على أدلة لا يؤدي أي منها إلى ما انتهت إليه إلا بطريق التخمين والافتراض ، وبقصور تحقيقات النيابة العامة لعدم إجرائها معاينة لمكان الواقعة ، وعدم وجود شاهد رؤية للجريمة حال وقوعها ، وأخيراً ضرب الحكم صفحاً عن دفوعه بانتفاء دليل الإسناد ونفي التهمة وبتلفيق الاتهام وكيديته واصطناع الدليل ، والتفت عن كافة دفاعه ودفوعه الأخرى إيراداً ورداً ، ولم تعن المحكمة بالتحقيق في هذا الشأن وصولاً لحقيقة الأمر ، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بيّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون ، ومن ثمَّ يكون النعي على الحكم بالقصور لا محل له . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد حصل تقرير الأدلة الجنائية لمديرية أمن .... في قوله : ( إن الحريق شب نتيجة إيصال مصدر حراري سريع ذو لهب مكشوف عقب سكب مادة معجلة للاشتعال على منطقة بداية الحريق ) ، وكان فيما حصله الحكم من تقرير الأدلة الجنائية – الذي عول عليه في قضائه - ما يكفي بياناً لمضمون هذا التقرير ، فهذا حسبه كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه ؛ ذلك بأنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراد نص تقرير الخبير بكامل فحواه وأجزائه ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون في غير محله . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في هذا شأن سائر الأدلة فلها مطلق الحرية في الأخذ بما تطمئن إليها منها والالتفات عما عداه ولا تقبل مصادرة المحكمة في هذا التقدير، وكانت المحكمة قد اطمأنت في حدود سلطتها التقديرية إلى ما ورد بتقرير المعمل الجنائي ، فإنه لا تجوز مجادلة المحكمة في هذا الشأن ولا مصادرة عقيدتها فيه أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن القصد الجنائي في جريمة الحريق العمد المنصوص عليها في المادة 255 من قانون العقوبات يتحقق في وضع الجاني النار في شيء من الأشياء المذكورة بهذه المادة ، وكان عالماً بأن هذا الشيء مملوك لغيره ، فمتى ثبت للمحكمة أن الجاني تعمد وضع النار على هذا الوجه وجب تطبيق تلك المادة ، أياً كانت نتيجته أو الباعث عليه سواء كان القصد منه هو إحراق المكان أو كان وضع النار في المكان لتحقيق أي قصد آخر ، ولما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت في حق الطاعن أنه وضع النار عمداً في زرع محصود مملوك للمجني عليهما ودانه بالمادة 255 من قانون العقوبات ، فإن النعي على الحكم بعدم استظهار القصد الجنائي يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان ما يثيره الطاعن بشأن المنازعة في التكييف القانوني للواقعة بمقولة أن محل الحريق هو أعواد سمسم فارغة من أي محصول لا يعدو أن يكون منازعة في الصورة التي اعتنقتها المحكمة للواقعة وجدلاً في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدانها مما تستقل بالفصل فيه بغير معقب ، كما أن المحكمة غير ملزمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال إذ في قضائها بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردتها ما يفيد ضمناً أنها اطرحتها ولم تعول عليها ، ويكون نعي الطاعن في هذا الشأن غير مقبول . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، وأن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب ، كما أن التناقض بين أقوال الشهود - على فرض حصوله - لا يعيب الحكم ما دام قد استخلص الإدانة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه ، ومتى أخذت المحكمة بأقوال الشهود ، فإن ذلك يفيد اطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، وأنه لا يلزم قانوناً إيراد النص الكامل لأقوال الشاهد الذي اعتمد عليها الحكم بل يكفي أن يورد مضمونها ، ولا يقبل النعي على المحكمة إسقاطها بعض أقوال الشاهد ؛ لأن فيما أوردته منها وعولت عليه ما يعني أنها اطرحت ما لم تشر إليه منها ، لما للمحكمة من حرية في تجزئة الدليل والأخذ بما ترتاح إليه والالتفات عما لا ترى الأخذ به ما دام أنها قد أحاطت بأقوال الشاهد ومارست سلطتها في تجزئتها بغير بتر لفحواها أو مسخ لها بما يحيلها عن معناها أو يحرفها عن مواضعها ، وكانت محكمة الموضوع قد أفصحت عن اطمئنانها لحدوث واقعة الدعوى وفق الصورة التي استخلصتها من جماع أدلة الثبوت السائغة التي أوردتها ، فإن النعي على الحكم المطعون فيه بعدم معقولية تصور حدوث الواقعة على هذه الصورة لا يعدو أن يكون جدلاً حول سلطة محكمة الموضوع في استنباط معتقدها عن الواقعة وصورتها من أدلة الثبوت التي اطمأنت إليها وهو ما لا يجوز مجادلتها فيه أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة والذي من شأنه أن يجعل الدليل متهادماً متساقطاً لا شيء فيه باقياً يمكن أن يعتبر قواماً لنتيجة سليمة يصح الاعتماد عليها ، وكان الحكم المطعون فيه قد اعتنق صورة واحدة لواقعة الدعوى ثم ساق أدلة الثبوت التي استمد منها عقيدته وعرض لدفاع الطاعن واطرحه دون تناقض - على النحو المبين بمدوناته - فإن ما يثيره الطاعن من دعوى التناقض في التسبيب يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان لمحكمة الموضوع أن تعول في قضائها على تحريات الشرطة باعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة ، وأنه لا ينال من صحة التحريات أن تكون ترديداً لما أبلغ به المجني عليه لأن مفاد ذلك أن مجريها قد تحقق من صدق ذلك البلاغ ، وكان الحكم قد كشف عن اطمئنانه إلى أقوال ضابط التحريات - وعلى النحو الذي شهد به - ورد بما يسوغ على الدفع بعدم جديتها ، فإن منازعة الطاعن في ذلك لا تعدو أن تكون جدلاً موضوعياً في تقدير أدلة الدعوى وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ، ولا تجوز مجادلتها في شأنه لدى محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن العبرة في المحاكمة الجنائية هي باقتناع القاضي بناءً على الأدلة المطروحة عليه ولا يصح مطالبته بالأخذ بدليل بعينه فيما عدا الأحوال التي قيده القانون فيها بذلك ، فقد جعل القانون من سلطته أن يزن قوة الإثبات وأن يأخذ من أي بينة أو قرينة يرتاح إليها دليلاً لحكمه ، ولا يلزم أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى ؛ إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه ، كما لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها بل يكفي أن يكون استخلاص ثبوتها عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات ، فإن ما يثيره الطاعن بشأن الأدلة التي عول عليها الحكم في إدانته لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في العناصر التي استنبطت منها المحكمة معتقدها مما لا تقبل معاودة التصدي له أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكانت محكمة الموضوع قد أقامت قضاءها على ما اقتنعت به من أدلة ترتد إلى أصل صحيح في الأوراق واستخلصت في منطق سائغ صحة إسناد التهمة إلى الطاعن ، وكان قضاؤها في هذا الشأن مبنياً على عقيدة استقرت في وجدانها عن جزم ويقين ولم يكن حكمها مؤسساً على الفرض والاحتمال - حسبما يذهب إليه الطاعن - فإن ما يثار في هذا الخصوص لا يخرج عن كونه جدلاً موضوعياً لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض . لمَّا كَان ذلك ، وكَان البيِّن من مُطَالعة محضر جلسة المُحَاكمة المُؤرَّخ .... أن من بين ما أبداه المُدافع عن الطاعن عدم إجراء النيابة العامة معاينة لمكان الواقعة ، وذلك دون أن يَطلُب من المحكمة اتخاذ إجراء مُعيَّن في هذا الخصوص ، فإن ما أثاره الدفاع فيما سلف لا يعدو أن يكون تعييباً للتحقيق الذي جرى في المرحلة السابقة على المُحَاكمة ، لا يصح أن يكون سبباً للطعن على الحُكم ، إذ إنه من المُقرَّر أن تَعييب التحقيق الذي تجريه النيابة العامة لا تأثير له على سلامة الحُكم ، والأصل أن العبرة عند المُحَاكمة هي بالتحقيق الذي تجريه المحكمة بنفسها ، وطالما لم يَطلُب الدفاع منها استكمال ما قد يكون بالتحقيقات الابتدائية من نقص أو عيب ، فليس له أن يَتخذ من ذلك سبباً لمنعاه ، هذا فضلاً عن أن المحكمة قد عرضت لكل ما يثيره الطاعن في هذا الشأن وأطرحته في منطق سائغ . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن القانون لا يشترط لثبوت جريمة وضع النار عمداً وجود شهود رؤية أو قيام أدلة معينة ، بل للمحكمة أن تكون اعتقادها بالإدانة في تلك الجريمة من كل ما تطمئن إليها من ظروف الدعوى وقرائنها ، ومتى رأت الإدانة كان لها أن تقضي بالعقوبة المقررة على مرتكب الفعل دون حاجة إلى إقرار منه أو شهادة شاهدين برؤيته حال وقوع الفعل منه أو ضبطه متلبساً بها . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن نعي الطاعن بالتفات المحكمة عما ساقه من أوجه تشهد بعدم توافر دليل الإسناد ونفي التهمة وكيدية وتلفيق الاتهام واصطناع الدليل هو من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل ردًا خاصًا طالما كان الرد عليها مستفادًا من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم ، وبحسب الحكم كيما يستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى الطاعن ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه ، لأن مفاد التفاته عنها أنه اطرحها ، فإن منعى الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان الطاعن لم يكشف عن أوجه الدفوع والدفاع التي ينعى على المحكمة قعودها عن الرد عليها حتى يتضح مدى أهميتها في الدعوى ، وهل تحوي دفاعًا جوهريًا مما يتعين على المحكمة أن تعرض له وترد عليه ، أم أنه من قبيل الدفاع الموضوعي الذي يكفي القضاء بالإدانة أخذاً بأدلة الثبوت رداً عليه ، بل ساق قوله في هذا الصدد مرسلًا مجهلًا ، فإن هذا الوجه من الطعن لا يكون مقبولاً . لما كان ذلك ، وكان لا يبين من محضري جلستي المحاكمة أن الدفاع عن الطاعن طلب تحقيق في هذا الشأن ، فليس له من بعد النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها ولم ترهي من جانبها حاجة لإجرائه . لما كان ذلك ، وكان القانون رقم ١١ لسنة ٢٠١٧ قد صدر بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية وقد نصت المادة الأولى فيه على استبدال الفقرة الأولى من المادة ٣٩٥ من قانون الإجراءات الجنائية بجعلها : ( إذا حضر المحكوم عليه في غيبته ، أو قبض عليه ، أو حضر وكيله الخاص وطلب إعادة المحاكمة قبل سقوط العقوبة بمضي المدة ، يحدد رئيس محكمة الاستئناف أقرب جلسة لإعادة نظر الدعوى ، ويُعرض المقبوض عليه محبوسًا بهذه الجلسة ، وللمحكمة أن تأمر بالإفراج عنه أو حبسه احتياطيًا حتى الانتهاء من نظر الدعوى ، ولا يجوز للمحكمة في هذه الحالة التشديد عما قضى به الحكم الغيابي ) وكان نص المادة ٣٩٥ المار ذكرها بعد تعديله وإن كان في ظاهره إجرائي إلا أنه يتضمن قاعدة موضوعية تقيد محكمة الموضوع عند إعادة الإجراءات بمحاكمة المحكوم عليه غيابياً ألا تزيد بالعقوبة أو بالتعويضات التي تحكم بها عما قضى به الحكم الغيابي ، ومن ثم فإنه عند إعادة الإجراءات بمحاكمة المحكوم عليه غيابياً لا يجوز الإساءة إليه بتشديد العقوبة المقضي بها عليه غيابياً أو القضاء بعقوبة جديدة كما لا يجوز بالنسبة للتعويضات الحكم بها ابتداءً في إعادة الإجراءات أو بزيادة مقدارها عما قضى به الحكم الغيابي ، وهي قاعدة واجبة الإعمال على واقعة الدعوى طالما لم يفصل فيها بحكم بات أصلح للمتهم وفقاً لنص الفقرة الثانية من المادة الخامسة من قانون العقوبات ، وهو ما أكدته الهيئة العامة للمواد الجنائية لهذه المحكمة - محكمة النقض - في حكمها الصادر بجلسة ٢٢/3/٢٠٢٢ في الطعن رقم ٢٧٩٠ لسنة ٨٩ قضائية . لما كان ذلك ، وكان البين من مطالعة الصورة الرسمية للحكم الغيابي أنه خلا من القضاء بإلزام الطاعن بالتعويض ، فإن الحكم المطعون فيه إذا قضى بمناسبة إعادة إجراءات محاكمته حضورياً بإلزام الطاعن بالتعويض ، فإنه يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تأويله . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن لمحكمة النقض طبقاً لنص المادة ٣٥ من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم ٥٧ لسنة ١٩٥٩ أن تنقض الحكم من تلقاء نفسها لمصلحة المتهم إذا تبين مما هو ثابت فيه أنه مبني على مخالفة القانون أو على خطأ في تطبيقه أو في تأويله ، فإنه يتعين إعمالاً لنص المادة ٣٩ من القانون المذكور القضاء بتصحيح الحكم المطعون فيه وذلك بإلغاء ما قضى به في الدعوى المدنية ورفض الطعن فيما عدا ذلك .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الطعن 19 لسنة 46 ق جلسة 13 / 12 / 1978 مكتب فني 29 ج 2 ق 369 ص 1912

جلسة 13 من ديسمبر سنة 1978

برئاسة السيد المستشار نائب رئيس المحكمة مصطفى كمال سليم، وعضوية السادة المستشارين/ محمد عبد الخالق البغدادي، سليم عبد الله سليم، محمد عبد العزيز الجندي وأمين طه أبو العلا.

----------------

(369)
الطعن رقم 19 لسنة 46 القضائية

(1 و2) شيوع. شركات. ريع.
(1) الشركاء على الشيوع الذين يملكون ثلاثة أرباع المال الشائع. حقهم في إجراء تغيير فيه. نفاذه في حق باقي الشركاء ما لم تقض المحكمة المختصة بإجاباتهم إلى اعتراضهم على هذا التغيير.
(2) إقامة أغلبية الشركاء بناء على العقار الشائع. أثره. اعتبار باقي الشركاء مالكين له وفيما يغله من ريع منذ إنشائه. عدم توقف ذلك على وفائهم بنصيبهم في النفقات.

-----------------
1- تخول المادة 829 من القانون المدني الشركاء الذين يملوكن على الأقل ثلاثة أرباع المال الشائع أن يقرروا في سبيل تحسين الانتفاع بهذا المال من التغيرات الأساسية والتعديل في الغرض الذي أعد له ما يخرج عن حدود الإدارة المعتادة مما مفاده أن ما تجريه الأغلبية من تغيير أو تعديل يدخل وفقاً لهذه المادة فيما تملك من أعمال الإدارة غير المعتادة وينفذ في حق الأقلية ما لم تقرها المحكمة المختصة على ما قد تثير من اعتراض.
2- إن ما تباشره الأغلبية في المال الشائع من تغيرات أساسية، وتعديل في الغرض يخرجه من أعمال الإدارة المعتادة، إنما تباشره - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أصيلة عن نفسها ونائبة عن غيرها من الشركاء فإن هي شادت من مالها على العقار الشائع بناء كما في الدعوى الماثلة ملكت الأقلية فيه وفيما يغل منذ إنشائه ولو لم تف في حينه بما عليها من نفقاته فذلك حق شخصي للأغلبية تسترده مع الفائدة وقت الإنفاق وفقاً لما يخضع له من أحكام الوكالة ولا ينشأ على وجه التقابل أو التبادل مع حق الأقلية المدينة في التملك وثماره فالحقان يختلفان مصدراً وأثراً ولا يرتبطان بما يجعل أحدهما يزول بقيام الآخر أو يقوم بزواله، وقد تسوغ المقاصة بشروطها بين ما للأقلية من ريع وما عليها من دين الإنفاق وفائدته مما لا يثور في خصوص الدعوى لصيرورة الدين وفوائده أمرا مقضيا بحكم سابق وسداد حاصل.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن المطعون ضدها أقامت الدعوى 1962 سنة 1974 مدني كلي شمال القاهرة طلباً لحكم يلزم الطاعنين أن يؤديا إليها متضامنين خمسمائة جنيه ريع ما تملكه وهو الريع فيما أقاماه من بناء على عقار تشيع بينهم ملكيته وكان الطاعنان قد حصلا في الدعوى 6827 سنة 1972 مدني كلي شمال القاهرة على حكم يلزمها أداء ما يخصها من نفقات البناء وتبلغ سبعمائة جنيه مع الفائدة بسعر أربعة في المائة وقد أدت المطعون ضدها ما حكم به وذلك بمحضر عرض مؤرخ 27 من يوليه سنة 1974. قضت محكمة أول درجة للمطعون ضدها بالريع منذ قيام البناء أول يناير سنة 1966 إلى نهاية أبريل سنة 1974 فاستأنف الطاعنان الحكم بالاستئناف 1078 سنة 92 ق القاهرة وفيه صدر حكم بقبوله شكلاً وبرفضه موضوعاً. طعن الطاعنان على هذا الحكم بطريق النقض وأودعت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وإذ عرض الطعن على المحكمة في غرفة المشورة حددت لنظره جلسة التزمت فيها النيابة رأيها.
وحيث إن الطاعنين ينعيان على الحكم بسبب من خمسة أوجه أولها الخطأ في القانون فيما ذهب إليه من أحقية المطعون ضدها إلى الريع منذ قام حقها في البناء حال أنه لا تلازم أو تعاصر بين الأمرين فمناط استحقاق الريع هو أداء ما عليها من نفقات البناء وثانيها وثالثها مخالفة المادتين 710/ 714 من القانون المدني فيما ترتبان للطاعنين كوكيلين من حق الرجوع على المطعون ضدها فيما يخصها من نفقات البناء مع الفائدة من وقت الإنفاق مما مقتضاه استغراق ما عليها من فائدة ما لها من ريع إلى تاريخ أداء هذه النفقات ورابعها جمع الحكم بما قضى بين البدلين ريع البناء وفائدة الإنفاق مما يخرج على قواعد العدالة فالبائع لا يجمع بين ثمرات المبيع وفوائد الثمن وخامسها اعتداد الحكم بملكية المطعون ضدها حصتها في البناء لا من تاريخ أداء ما عليها من نفقاته بل من تاريخ إنشائه مما هو مخالف للقانون.
وحيث إن النعي على الحكم المطعون فيه بهذا السبب مردود في مختلف وجوهه ذلك بأنه لما كانت المادة 829 من القانون المدني تخول الشركاء الذين يملوكن على الأقل ثلاثة أرباع المال الشائع أن يقرروا في سبيل تحسين الانتفاع بهذا المال من التغيرات الأساسية والتعويل في الغرض الذي أعد له ما يخرج عن حدود الإدارة المعتادة مما مفاده أن ما تجريه الأغلبية من تغيير أو تعديل يدخل وفقاً لهذه المادة فيما تملك من أعمال الإدارة غير المعتادة وينفذ في حق الأقلية ما لم تقرها المحكمة المختصة على ما قد تثير من اعتراض، والأغلبية إذ تباشر هذا الحق إنما تباشره وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة أصيلة عن نفسها ونائبة عن غيرها من الشركاء فإن هي شادت من مالها على العقار الشائع بناء كما في الدعوى الماثلة ملكت الأقلية فيه وفيما يغل منذ إنشائه ولو لم تف في حينه بما عليها من نفقاته فذلك حق شخص للأغلبية تسترده مع الفائدة وقت الإنفاق وفقاً لما يخضع له من أحكام الوكالة ولا ينشأ على وجه التقابل أو التبادل مع حق الأقلية المدينة في التملك وثماره فالحقان يختلفان مصدراً وأثراً ولا يرتبطان بما يجعل أحدهما يزول بقيام الآخر أو يقوم بزواله وقد تسوغ المقاصة بشروطها بين ما للأقلية من يع وما عليها من دين الإنفاق وفائدته مما لا يثور في خصوص الدعوى لصيرورة الدين وفوائده أمرا مقضيا بحكم سابق وسداد حاصل.
لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر واحتسب للأقلية المتمثلة في المطعون ضدها الحق في الريع من وقت إقامة البناء لا من وقت أداء ما عليها من نفقاته فإن الطعن بما قام عليه يبدو غير مبرر بما يوجب رفضه.

الطعن 623 لسنة 46 ق جلسة 6 / 12 / 1978 مكتب فني 29 ج 2 ق 356 ص 1847

جلسة 6 من ديسمبر سنة 1978

برئاسة السيد المستشار نائب رئيس المحكمة مصطفى كمال سليم وعضوية السادة المستشارين/ سليم عبد الله سليم، محمد عبد العزيز الجندي، أمين طه أبو العلا وسامي الكومي.

---------------

(356)
الطعن رقم 623 لسنة 46 القضائية

شركات.
المصنع أداة إنتاج. ليست له شخصية اعتبارية مستقلة عن الشركة التابع لها. إدماجه في شركة أخرى لا يؤدي إلى خلافة الأخيرة للشركة الأولى فيما لها من حقوق وما عليها من التزامات. بقاؤها مسئولة عن خطأ العامل بالمصنع وقت تبعيته لها.

-----------------
المصنع في صحيح الوصف أداة إنتاج تدخل ضمن عناصر الذمة المالية للشركة التي تملكه فلا يتمتع بشخصية اعتبارية ولا تكون له من الحقوق أو الالتزامات ما يتخلف عنه أو يخلف فيه كما لا يستتبع نقله بالضرورة دمج الشركة المنقول منها في الشركة المنقول إليها بما يبرر خلافة الأخيرة للأولى فيما لها من حق وما عليها من التزام بل تبقى الشركة الأولى على حالها قائمة ومسئولة عما أضر الغير بفعل تابعها. المخطئ(1).


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضده بصفته أقام الدعوى .... مدني كلي الجيزة طالبا القضاء بالتعويض عما لحقه من ضرر بخطأ تابع الشركة الطاعنة في قيادة سيارة تملكها. ومحكمة أول درجة حكمت للمطعون ضده ببعض ما طلب فاستأنف حكمها بالاستئناف...... قضائية القاهرة كما استأنفت الشركة الطاعنة الحكم عينه بالاستئناف ..... قضائية القاهرة وندبت المحكمة - بعد ضم الاستئنافين - خبيراً أودع تقريراً انتهى فيه إلى أن مصنع المياه الغازية الملحقة به السيارة وسائقها المخطئ كان يتبع شركة القاهرة لتعبئة الزجاجات عند وقوع الفعل الضار يوم 29 من مارس سنة 1969 وقد سلخ منها وسلم إلى الشركة الطاعنة يوم 7 من فبراير سنة 1967 بقرار من رئيس مجلس إدارة المؤسسة المصرية العامة للصناعات الغذائية وفى ضوء هذا التقرير صدر الحكم في الاستئنافين برفضهما وبتأييد الحكم المستأنف فطعنت الشركة الطاعنة على الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم وعرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فحددت لنظره جلسة وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن محصل السبب المنعى به على الحكم المطعون فيه الخطأ في القانون تأويلاً وتطبيقاً فقد رتب الحكم على "دمج" المصنع الملحق به السائق المخطئ في الشركة الطاعنة خلافتها للشركة التي كان يتبعها المصنع والتي لم تزل بعد قائمة تعمل باسم "شركة القاهرة للخلاصات الغذائية" والحال أن الدمج المستخلف فيه لا يكون إلا لشركة وأن نقل المصنع إلى الشركة الطاعنة لا يؤدى إلى زوال شخصية الشركة المنقول منها ولا يرفع مسئوليتها عما وقع من السائق المخطئ إبان تبعيته لها.
وحيث إن هذا النعي صحيح ذلك أنه لما كان الحكم المطعون فيه قد رد - مسؤولية الشركة الطاعنة فيما قضى على ما نصه: "وحيث إنه من الثابت من تقرير الخبير أن المصنع التابع له السيارة التي ارتكب الحادث قائدها أدمج في الشركة المصرية لتعبئة الزجاجات في 7/ 2/ 1967 وبذلك أصبحت الشركة الأخيرة خلفاً للشركة التي كانت تملك سيارة النقل سالفة الذكر ومن ثم تكون مسئولة عن التزاماتها قبل الغير ومن ذلك حق الغير في التعويض عن حوادث تلك السيارة" وكان المصنع في صحيح الوصف أداة إنتاج تدخل ضمن عناصر الذمة المالية للشركة التي تملكه فلا يتمتع بشخصية اعتبارية ولا تكون له من الحقوق أو الالتزامات ما يتخلف عنه أو يخلف فيه كما لا يستتبع نقله بالضرورة دمج الشركة المنقول منها في الشركة المنقول إليها بما يبرر خلافة الأخيرة للأولى فيما لها من حق وما عليها من التزام بل تبقى الشركة الأولى على حالها قائمة ومسئولة عما أضر الغير بفعل تابعها المخطئ فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه بما يوجب نقضه.
ولما كان الموضوع صالحاً للفصل فيه ولما تقدم يتعين القضاء في استئناف المطعون ضده برفضه وفى استئناف الشركة الطاعنة بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم قبول الدعوى عليها لانتفاء صفتها في الخصومة.


(1) نقض 19/ 4/ 1976 مجموعة المكتب الفني السنة 27 ق صـ 977.

الطعن 15 لسنة 46 ق جلسة 29 / 11 / 1978 مكتب فني 29 ج 2 ق 351 ص 1819

جلسة 29 من نوفمبر سنة 1978

برئاسة السيد المستشار محمد أسعد محمود - نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ محمد الباجوري، محمد طه سنجر، إبراهيم فراج ومحمد أحمد حمدي.

----------------

(351)
الطعن رقم 15 لسنة 46 القضائية

(1) إيجار "إيجار الأماكن". محكمة الموضوع.
للمستأجر المصري المقيم بالخارج تأجير المكان المؤجر له من الباطن مفروشا أو غير مفروش. م 26 ق 52 لسنة 1969 شرطه أن تكون إقامته بالخارج مؤقتة. لمحكمة الموضوع استخلاص الوصف الصحيح للإقامة. انسحاب هذا الوصف على الإقامة من بدايتها.
(2) (3) إيجار "إيجار الأماكن". قانون. نقض.
(2) للمستأجر تأجير المكان المؤجر له من الباطن مفروشاً للأجانب أو لأغراض السياحة. م 26/ 3 ق 52 لسنة 1969. سريانه على عقود الإيجار السارية وقت نفاذ قراري وزير الإسكان رقمي 486 و478 لسنة 1970 وتلك المبرمة بعدها.
(3) حق المستأجر في تأجير العين مفروشة للأجانب أو لأغراض السياحة. القراران 486، 487 لسنة 1970. عدم جواز التمسك به لأول مرة أمام محكمة النقض.

----------------
1- مؤدى الفقرتان الأولى والثانية من المادة 26 من القانون رقم 52 لسنة 1969 في شأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين أن الأصل أنه لا يجوز لغير المالك أن يؤجر المكان مفروشاً وبقيود معينة، وخوله المشرع للمستأجر المصري المقيم بالخارج دون الأجنبي استثناء وللضرورة شريطة أن يكون إقامته بالخارج بصفة مؤقتة فإن كانت إقامته بصفة نهائية فلا يحق له الإفادة من هذه المزية الاستثنائية بتأجيره من الباطن مفروشاً أو غير مفروش، ولما كان النص قد جاء خلواً من تحديد معنى الصفة المؤقتة لإقامة المستأجر المصري بالخارج أو وضع معيار ثابت يفرق بينها وبين الإقامة الدائمة، وكان يبين من المناقشات البرلمانية التي جرت حول هذه المادة ترك هذا التحديد لقرار يصدره وزير الإسكان والمرافق يبين فيه معنى الإقامة الموقوتة ويوضح شروطها، وكان هذا القرار لم يصدر حتى صار إلغاء القانون رقم 52 لسنة 1969 وإحلال القانون رقم 49 لسنة 1977 محله فإن من حق محكمة الموضوع السلطة الكاملة فى استخلاص هذا الوصف من وقائع الدعوى وملابساتها بما لا معقب عليه من محكمة النقض طالما أقامته على أسباب سائغة تكفي لحمله، لما كان ذلك وكان لا ينبغي تحقق شرط الإقامة الدائمة للمواطن المصري الذي يترك أرض الوطن ليقيم بالخارج نهائياً قيامه بزيارات منتظمة للبلاد أو قيامه بما يوجبه القرار بقانون رقم 173 لسنة 1958 بشأن اشتراط الحصول على إذن قبل العمل بالهيئات الأجنبية لأن مناط هذا الإذن هو التمتع بالجنسية المصرية ولا يتعارض بذاته مع إقامة المصري إقامة دائمة بالخارج. لما كان ما تقدم وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه خلص إلى إقامة الطاعن بالخارج لم تكن بصفة مؤقتة تأسيساً على عدة قرائن حاصلها أن الطاعن غادر البلاد بتاريخ 5/ 11/ 1967 مرافقاً زوجته الأجنبية وإنه فصل من عمل كطبيب بوزارة الصحة ولم يستدل على عودته منذ المغادرة وحتى صدور الحكم رغم مضى أربع سنوات على انتهاء مدة دراسته وإن مدة الإقامة بالخارج قد استطالت لأكثر من ثمانية أعوام لم تنقطع، وكانت هذه القرائن تكمل بعضها البعض ومن شأنها أن تؤدى في مجموعها إلى النتيجة التي خلص إليها الحكم فإنه لا يقبل من الطاعن مناقشه كل قرينة على حدة لإثبات عدم كفايتها فى ذاتها، وإذ انتهى الحكم صحيحاً إلى أن إقامة الطاعن بالخارج كانت دائمة فإن هذا الوصف يلحقها منذ بدايتها فلا يستفيد من مزية التأجير من الباطن المقررة بالفقرة الثانية من المادة 26 من القانون رقم 52 لسنة 1969.
2- مفاد نص المادة 26 من القانون 52 لسنة 1969، أنه استثناء من حكم الفقرتين الأولى والثانية من نفس المادة أجاز المشرع التأجير مفروشاً لأغراض استهدفها وبين على سبيل الحصر في القرارين الوزاريين الصادرين نفاذاً لها - 486، 487 لسنة 1970 - الأحوال التي يجوز فيها التأجير لأشخاص معينين كما حدد المناطق التي أباحه فيها بالنظر لاعتبارات متعلقة بكل مسألة على حدتها، وحق المستأجر في التأجير المفروش وفقا لهذا الحكم مستمد من القانون مباشرة دون أن يكون متوقفاً على إذن المالك. ولئن كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه يقصد بالقانون معناه الأعم فيدخل في هذا المجال أي تشريع سواء كان صادراً من السلطة التشريعية أو من السلطة التنفيذية عملاً بالتفويض المقرر لها طبقاً للمبادئ الدستورية المتواضع عليها، وكان نطاق تطبيق القرارين الوزاريين رقمي 486، 487 لسنة 1970 الصادرين نفاذاً للفقرة الثالثة من المادة 26 من القانون رقم 52 لسنة 1969 في 17/ 10/ 1970 كما يسري على عقود الإيجار المبرمة في ظلهما بعد صدورهما يسري أيضاً على تلك التي تكون نافذة عند العمل بها طبقاً للأثر المباشر للتشريع.
3- إذ كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه ومن الكتاب الموجه من الطاعن إلى ممثل المطعون عليهم الستة الأول أنه يستند فى دفاعه إلى حقه في التأجير مفروشاً تبعاً لإقامته الموقوتة بالخارج ولم يتذرع بتوافر شرائط انطباق القرارين الوزاريين المشار إليهما في المستأجر من الباطن، فإن تمسك الطاعن بهذا الدفاع لأول مرة أمام محكمة النقض لا يكون مقبولاً لأنه يختلط فيه القانون بالواقع ويقتضى تحقيقاً خاصاً بوقوع المكان المؤجر في منطقة يشملها القراران الوزاريان وبتوافر الصفات التي حدداها في شخص المستأجر ويكون ما تضمنه النعي سبباً جديداً لا يجوز إبداؤه لأول مرة أمام محكمة النقض.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون عليهم الستة الأول أقاموا الدعوى رقم 1503 لسنة 1971 مدني أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية ضد الطاعن والمطعون عليه السابع بطلب الحكم بإخلائهما من الشقة المبينة بصحيفة الدعوى وتسليمها إليهم، وقالوا في بيان دعواهم أنه بموجب عقد مؤرخ 1/ 10/ 1964 استأجر الطاعن شقة بالعقار رقم .....، وإذ خالف شرط منع التأجير من الباطن وآجراها للمطعون عليه الأخير دون إذن كتابي منهم فقد أقاموا الدعوى أجاب الطاعن بأنه يقيم بالخارج بصفة مؤقتة للدراسة وأن من حقه تأجير الشقة مفروشة استعمالاً للحق المخول بالمادة 26 من القانون رقم 52 لسنة 1969. وبتاريخ 17/ 5/ 1972 حكمت المحكمة برفض الدعوى. استأنف المطعون عليهم الستة الأول هذا الحكم بالاستئناف رقم 3368 لسنة 79 ق القاهرة طالبين إلغاءه والقضاء بطلباتهم، وبتاريخ 23/ 12/ 1975 حكمت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف وبإخلاء العين المؤجرة وتسليمها خالية إلى المطعون عليهم الستة الأول. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن. عرض الطعن على هذه الدائرة في غرفة مشورة فرأته جديراً بالنظر وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين ينعى الطاعن بالأول منهما على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال، وفى بيان ذلك يقول إن الحكم اعتبر إقامة الطاعن خارج البلاد إقامة دائمة وليست مؤقتة استناداً إلى ما استخلصه من إنهاء خدمته بوزارة الصحة بعد انقطاعه عن العمل دون إذن وما تضمنته الشهادة الصادرة من مصلحة الهجرة والجوازات والجنسية من مغادرته البلاد في 5/ 11/ 1967 وعدم الاستدلال على عودته حتى 12/ 1/ 1971، ثم من انتهاء مدة تمرينه بالمستشفيات التي حددها بمستنداته دون عودة، وأن إقامته بالخارج استمرت أكثر من ثماني سنوات متصلة مما يدل على أن إقامته ليست مؤقتة، ورتب الحكم على ذلك عدم انطباق المادة 26 في القانون 52 لسنة 1969، في حين أن ما استند عليه الحكم لا يؤدى إلى ما استخلصه من نتيجة، ذلك أن فصل الطاعن من عمله بوزارة الصحة أو عدم عودته إلى البلاد لا تصلح دليلاً على اعتبار الإقامة بالخارج إقامة دائمة طالما ظل محتفظاً بجنسيته المصرية وداوم الحصول على إذن من السلطات المحلية بالعمل لدى جهات أجنبية طبقاً لأحكام القانون رقم 173 لسنة 1958 هذا إلى أن المخالفة المنسوبة للطاعن والتي بني عليها الحكم قضاءه بالإخلاء من تأجيره الشقة سنة 1970، لا يمكن إسباغ وصف الدوام على إقامته بالخارج خلالها لأنه كان لا زال في فترة الدراسة، وبالتالي كانت إقامة موقوفة تبعاً لعدم استقرار الحال به عند ذاك وهو ما يعيب الحكم بالفساد في الاستدلال.
وحيث إن النعي مردود، ذلك أن النص في الفقرتين الأولى والثانية من المادة 26 من القانون رقم 52 لسنة 1969 فى شأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين على أن "للمالك دون سواه أن يؤجر شقة مفروشة واحدة في كل عقار يملكه. وللمستأجر من مواطني جمهورية مصر العربية في حالة إقامته بالخارج بصفة مؤقتة أن يؤجر المكان المؤجر له مفروشاً أو غير مفروش" يدل على أن الأصل أنه لا يجوز لغير المالك أن يؤجر المكان مفروشاً وبقيود معينة وخوله المشرع للمستأجر المصري المقيم بالخارج دون الأجنبي استثناء وللضرورة شريطة أن تكون إقامته بالخارج بصفة مؤقتة، فإن كانت إقامته بصفة نهائية فلا يحق له الإفادة من هذه المزية الاستثنائية بتأجيره من الباطن مفروشاً أو غير مفروش ولما كان النص قد جاء خلواً من تحديد معنى الصفة المؤقتة لإقامة المستأجر المصري بالخارج أو وضع معيار ثابت يفرق بينها وبين الإقامة الدائمة، وكان يبين من المناقشات البرلمانية التي جرت حول هذه المادة ترك هذا التحديد لقرار يصدره وزير الإسكان والمرافق يبين فيه معنى الإقامة المؤقتة ويوضح شروطها، وكان هذا القرار لم يصدر حتى صار إلغاء القانون رقم 52 لسنة 1969 وإحلال القانون رقم 49 لسنة 1977 محله، فإن من حق محكمة الموضوع السلطة الكاملة في استخلاص هذا الوصف من وقائع الدعوى وملابساتها بما لا معقب عليه من محكمة النقض طالما أقامته على أسباب سائغة تكفي لحمله. لما كان ذلك وكان لا ينفى تحقق شرط الإقامة الدائمة للمواطن المصري الذي يترك أرض الوطن ليقيم بالخارج نهائياً قيامه بزيارات منتظمة للبلاد أو قيامه بما يوجبه القرار بقانون رقم 173 لسنة 1958 بشأن اشتراط الحصول على إذن قبل العمل بالهيئات الأجنبية لأن مناط هذا الإذن هو التمتع بالجنسية المصرية ولا يتعارض بذاته مع إقامة المصري بإقامة دائمة بالخارج. لما كان ما تقدم وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه خلص إلى أن إقامة الطاعن بالخارج لم تكن بصفة مؤقتة تأسيساً على عدة قرائن حاصلها أن الطاعن غادر البلاد بتاريخ 5/ 11/ 1967 مرافقاً زوجته الأجنبية وأنه فصل من عمله كطبيب بوزارة الصحة، ولم يستدل على عودته منذ المغادرة وحتى صدور الحكم، رغم مضى أربع سنوات على انتهاء مدة دراسته، وأن مدة الإقامة بالخارج قد استطالت لأكثر من ثمانية أعوام لم تقطع، وكانت هذه القرائن تكمل بعضها البعض ومن شأنها أن تؤدي في مجموعها إلى النتيجة التي خلص إليها الحكم فإنه لا يقبل من الطاعن مناقشة كل قرينة على حدة لإثبات عدم كفايتها في ذاتها وإذ انتهى الحكم صحيحاً إلى أن إقامة الطاعن بالخارج كانت دائمة، فإن هذا الوصف يلحقها منذ بدايتها فلا يستفيد من مزية التأجير من الباطن المقررة بالفقرة الثانية من المادة 26 من القانون 52 لسنة 1969، ويكون النعي برمته على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفى بيان ذلك يقول إن الشقة التي يستأجرها هي من الأماكن التي يجوز للمستأجر تأجيرها مفروشة لأجنبي ولو تضمن العقد شرطاً يحظره عملاً بنص الفقرة الثالثة من المادة 26 من القانون 52 لسنة 1969 وقراري وزير الإسكان رقمي 486، 487 لسنة 1970 واللذين يجيزان للمستأجر أن يؤجر من باطنه وحدة سكنية مفروشة متى كان التأجير لأحد الأجانب المرخص لهم بالعمل في مصر أو بالإقامة فيها، وكذلك للسائحين الأجانب، وإذ كان المطعون عليه الأخير - المستأجر مفروشاً - أحد الخبراء الدوليين الأجانب، والتفت الحكم على ذلك عن أعمال القرارين الوزاريين آنفي الإشارة مع أنهما بمثابة القانون لصدورهما بناء على تفويض من المشرع فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن النعي مردود، ذلك أن النص في المادة 26/ 3 من القانون 52 لسنة 1969 على أنه "واستثناء من ذلك يجوز لوزير الإسكان والمرافق بقرار يصدره بعد أخذ رأى الوزير المختص وضع القواعد المنظمة لتأجير وحدات سكنية مفروشة لأغراض السياحة وغيرها من الأغراض" يدل على أنه استثناء من حكم الفقرتين الأولى والثانية من نفس المادة أجاز المشرع التأجير مفروشاً لأغراض استهدفها وبين على سبيل الحصر - في القرارين الوزاريين الصادرين نفاذاً لها - الأحوال التي يجوز فيها هذا التأجير لأشخاص معينين كما حدد المناطق التي أباحه فيها بالنظر لاعتبارات متعلقة بكل حالة على حدتها وحق المستأجر في التأجير المفروش وفقاً لهذا الحكم مستمد من القانون مباشرة دون أن يكون متوقفاً على إذن المالك. ولئن كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه يقصد بالقانون معناه الأعم، فيدخل في هذا المجال أي تشريع سواء كان صادراً من السلطة التشريعية أو من السلطة التنفيذية عملاً بالتفويض المقرر لها طبقاً للمبادئ الدستورية المتواضع عليها، وكان نطاق تطبيق القرارين الوزاريين رقمي 486، 487 سنة 1970 الصادرين نفاذاً للفقرة الثالثة من المادة 26 من القانون رقم 52 لسنة 1969 فى 17/ 10/ 1970 كما يسري على عقود الإيجار المبرمة في ظلهما بعد صدورهما، يسرى أيضاً على تلك التي تكون نافذة عند العمل بها طبقا للأثر المباشر للتشريع، إلا أنه لما كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه ومن الكتاب المؤرخ 26/ 11/ 1969 الموجه من الطاعن إلى ممثل المطعون عليهم الستة الأول أنه يستند في دفاعه إلى حقه في التأجير مفروشاً تبعاً لإقامته الموقوتة بالخارج ولم يتذرع بتوافر شرائط انطباق القرارين الوزاريين المشار إليهما في المستأجر من الباطن "المطعون عليه السابع" فإن تمسك الطاعن بهذا الدفاع لأول مرة أمام محكمة النقض لا يكون مقبولا لأنه يختلط فيه القانون بالواقع، ويقتضي تحقيقاً خاصاً بوقوع المكان المؤجر في منطقة يشملها القراران الوزاريان وبتوافر الصفات التي حدداها في شخص المستأجر ويكون ما تضمنه النعي سبباً جديداً لا يجوز إبداؤه لأول مرة أمام محكمة النقض ولما تقدم يتعين رفض الطعن.

الطعن 138 لسنة 46 ق جلسة 28 / 11 / 1978 مكتب فني 29 ج 2 ق 345 ص 1789

جلسة 28 من نوفمبر سنة 1978

برئاسة السيد المستشار صلاح الدين حبيب نائب رئيس محكمة النقض، وعضوية السادة المستشارين/ محمد صدقي العصار، زكي الصاوي صالح، حسن النسر ويحيى العموري.

------------------

(345)
الطعن رقم 138 لسنة 46 القضائية

ري "قرارات لجنة الري". قوة الأمر المقضي.
اللجنة الإدارية المختصة بالفصل في جرائم الري. ق 68 سنة 953 المعدل بالقانونين 29 و385 سنة 946 قضاؤها بإدانة الطاعن لأخذه أتربة من جسر النيل. مؤداه. مسؤوليته وحده عن مقدار الأتربة محل الاتهام. ادعاؤها في دعوى تالية باشتراك آخرين معه في أخذ هذه الأتربة. غير مقبول. علة ذلك.

-----------------
تضمن قانون الري والصرف الصادر بالقانون رقم 68 لسنة 1953 - والذى حدثت الواقعة محل النزاع في ظله - في الباب الخامس منه في المواد من 72 إلى 75 - الأحكام الخاصة بالعقوبات وإثبات الجرائم المتعلقة بذات القانون ومنها جريمة أخذ أتربة من جسور النيل، ثم نص في ختام هذا الباب في المادة 75 مكرراً التي أضيفت بالقانون رقم 29 لسنة 1956 وعدلت بالقانون رقم 385 لسنة 1956 على أنه "تختص بالفصل في هذه الجرائم لجنة إدارية تشكل من المديريات من... وفي المحافظات من....، وتعقد هذه اللجنة جلساتها مرة واحدة على الأقل في كل شهر، ويصدر قرار من وزير الداخلية بلائحة الإجراءات التي تتبع أمامها، ومع ذلك فجميع الدعاوى المنظورة أمام جهات القضاء والتي أصبحت بحكم هذا القانون من اختصاص الهيئة الإدارية تبقى أمام تلك الجهات إلى أن يفصل فيها نهائياً". مما يدل على أن المشرع ناط باللجنة الإدارية المشار إليها الفصل في الجرائم المنصوص عليها في الباب الخامس من قانون الري والصرف. وإذ كانت هذه اللجنة ذات اختصاص قضائي فإن ما تصدره من قرارات في حدود اختصاصها يكون حائزاً لحجية الأمر المقضي، ما دام أنها قد فصلت فصلا لازما في وقوع الفعل المكون للأساس المشترك بين الدعويين الجنائية والمدنية وفى الوصف القانوني لهذا الفعل ونسبته إلى فاعله. ولما كان الثابت من الأوراق أن لجنة مخالفات الري بالدقهلية قضت بمعاقبة الطاعن بالغرامة في المخالفتين رقمي 295/ 469 بحرى الدقهلية سنة 1969، 208/ 811 بحرى الدقهلية سنة 1970 لأخذ أتربة من جسر النيل، وهذه الواقعة هي بذاتها محل النزاع في دعوى براءة الذمة الحالية، فإن القرارين الصادرين بالإدانة في هاتين المخالفتين يكون لهما الحجية في تلك الدعوى. وإذ كان مؤدى ذلك أن الطاعن هو المسؤول وحده قبل المطعون عليها عن أخذ الأتربة المبين مقدارها بمحضري المخالفتين سالفتي الذكر، وكانت المحكمة بأخذها بهذا النظر الصحيح قد رفضت ضمناً طلب الطاعن إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات أن أشخاصاً آخرين أسهموا معه في أخذ الأتربة، فإن النعي على الحكم المطعون فيه يكون على غير أساس.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 1208 سنة 1972 مدنى المنصورة الابتدائية ضد المطعون عليهما بصفتيهما وطلب الحكم ببراءة ذمته من مبلغ 1819 ج و632 مليم وقال بياناً للدعوى أن هذا المبلغ يمثل قيمة رد الشيء لأصله في المخالفتين رقمي 295/ 469 بحرى الدقهلية سنة 1969، 208/ 811 بحرى الدقهلية سنة 1970 اللتين نسب إليه فيهما أخذ أتربة من جسر النيل وإذ شرع المطعون عليهما في اتخاذ إجراءات الحجز الإداري ضده لاقتضاء هذا المبلغ دون وجه حق فقد أقام الدعوى للحكم له بطلبه سالف البيان. بتاريخ 25/ 4/ 1974 ندبت المحكمة خبيراً لأداء المأمورية المبينة بمنطوق الحكم، وبعد أن قدم الخبير تقريره حكمت في 8/ 1/ 1975 برفض الدعوى. استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 123 سنة 27 ق المنصورة، وبتاريخ 5/ 1/ 1976 حكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وعرض الطعن على هذه الدائرة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب، ينعى بها الطاعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والقصور والفساد في الاستدلال والتناقض من أربعة وجوه - أولها أن الحكم المذكور استند في قضائه إلى أن القرارات التي تصدرها لجان الري في المخالفات المطروحة عليها هي قرارات قضائية تحوز الحجية فيما قضت فيه لدى جهات القضاء عند نظر الدعوى المدنية المتعلقة بها ومن ثم فإنه يمتنع على الطاعن التنصل من ارتكاب الأفعال التي أدين بسببها من إحدى تلك اللجان. في حين أن اللجان المذكورة لجان إدارية والقرارات التي تصدرها قرارات إدارية ليست لها حجية الأمر المقضي. وإذ افترض جدلاً أن لقرارات لجان الري أية حجية فهي حجية مقصورة على ما هو داخل في اختصاصها دون ما يجاوز هذه الحدود. ولما كانت اللجنة لم تذكر ما إذا كان الطاعن قد أخذ وحده الأتربة من جسر النيل أو أن أحداً آخر اشترك معه في ذلك فقد كان على المحكمة أن تجرى تحقيقاً فى هذا الخصوص حتى يستبين لها وجه الحق في الدعوى الثاني - أنه طلب من المحكمة إحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت أن أشخاصاً آخرين اشتركوا معه في أخذ الأتربة من جسر النيل إلا أنها لم تلتفت إلى هذا الطلب ولم ترد عليه - الثالث - أن الحكم المطعون فيه اعتبره مسئولاً عن قيمة كل الأتربة المأخوذة من جسر النيل وقدرها 1821 جنيهاً و130 مليماً في حين أن الثابت من تقرير الخبير الذى اعتمدته المحكمة أن قيمة الأتربة المأخوذة من جوار ملكه لا تجاوز 743 جنيهاً و100 مليم وأن ما زاد على هذا المبلغ هو قيمة أتربة مأخوذة من جوار أراضي مملوكة لأشخاص آخرين وتبعد عن ملكه بمسافة كبيرة - الرابع - أنه بالرغم من أن المحكمة أخذت بحجية قراري لجنة الري فيما يتعلق بنسبة الفعل إليه إلا أنها - وعلى خلاف هذا النظر - أطرحت تقدير اللجنة لقيمة الأتربة المأخوذة وهو مبلغ 1664 جنيها وندبت خبيرا قدر مصاريف جبر الضرر بمبلغ 1821 جنيهاً و150 مليم ثم اعتمدت هذا التقدير مما يعيب حكمها بالتناقض في هذا الخصوص.
وحيث إن هذا النعي مردود في وجوهه الثلاثة الأول، ذلك أنه لما كان قانون الري والصرف الصادر بالقانون رقم 68 لسنة 1953 - والذى حدثت الواقعة محل النزاع في ظله - قد ضمن الباب الخامس منه في المواد من 72 إلى 75 الأحكام الخاصة بالعقوبات وإثبات الجرائم المتعلقة بذات القانون، ومنها جريمة أخذ أتربة من جسور النيل، ثم نص في ختام هذا الباب في المادة 75 مكرراً التي أضيفت بالقانون رقم 29 لسنة 1956 وعدلت بالقانون رقم 385 لسنة 1956 على أنه "تختص بالفصل في هذه الجرائم لجنة إدارية تشكل في المديريات من... وفى المحافظات من....، وتعقد هذه اللجنة جلساتها مرة واحدة على الأقل في كل شهر، ويصدر قرار من وزير الداخلية بلائحة الإجراءات التي تتبع أمامها، ومع ذلك فجميع الدعاوى المنظورة أمام جهات القضاء والتي أصبحت بحكم هذا القانون من اختصاص الهيئة الإدارية تبقى أمام تلك الجهات إلى أن يفصل فيها نهائياً." فإن ذلك يدل على أن المشرع ناط باللجنة الإدارية المشار إليها الفصل في الجرائم المنصوص عليها في الباب الخامس من قانون الري والصرف. وإذ كانت هذه اللجنة ذات اختصاص قضائي فإن ما تصدره من قرارات في حدود اختصاصها يكون حائزاً لحجية الأمر المقضي، ما دام أنها قد فصلت فصلاً لازماً في وقوع الفعل المكون للأساس المشترك بين الدعويين الجنائية والمدنية وفى الوصف القانوني لهذا الفعل ونسبته إلى فاعله. ولما كان الثابت من الأوراق أن لجنة مخالفات الري بالدقهلية قضت بمعاقبة الطاعن بالغرامة في المخالفتين رقمي 295/ 469 بحرى الدقهلية سنة 1969، 208/ 811 بحرى الدقهلية سنة 1970 لأخذه أتربة من جسر النيل، وهذه الواقعة هي بذاتها محل النزاع في دعوى براءة الذمة الحالية، فإن القرارين الصادرين بالإدانة في هاتين المخالفتين يكون لهما الحجية في تلك الدعوى. وإذ كان مؤدى ذلك أن الطاعن هو المسؤول وحده قبل المطعون عليهما عن أخذ الأتربة المبين مقدارها بمحضري المخالفتين سالفتي الذكر، وكانت المحكمة بأخذها بهذا النظر الصحيح قد رفضت ضمنا طلب الطاعن إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات أن أشخاصاً آخرين أسهموا معه في أخذ الأتربة، فإن النعي على الحكم المطعون فيه بتلك الوجوه الثلاثة يكون على غير أساس. والنعي في وجهه الرابع مردود أيضاً بأنه لا صحة لما قرره الطاعن من أن لجنة الري قدرت قيمة الأتربة المأخوذة بمبلغ 1664 جنيهاً إذ أنها في قراريها المشار إليهما وقفت عند حد توقيع العقوبة على الطاعن ولم تتناول - وما كان لها أن تتناول - تقدير قيمة الأتربة لخروجه عن اختصاصها ومن ثم فإنه لا جناح على المحكمة إن هي استعانت بأهل الخبرة في هذا الخصوص.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.

الطعن 730 لسنة 46 ق جلسة 22 / 11 / 1978 مكتب فني 29 ج 2 ق 336 ص 1744

جلسة 22 من نوفمبر سنة 1978

برياسة السيد المستشار محمد أسعد محمود - نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ محمد الباجوري، محمد طه سنجر، صبحي رزق داود ومحمد أحمد حمدي.

---------------

(336)
الطعن رقم 730 لسنة 46 القضائية

(1) حراسة "الحراسة القضائية". دعوى "الصفة". إيجار "إيجار الأماكن".
سلطة الحارس القضائي. نطاقها. الدعاوى المتعلقة بأعمال حفظ وصيانة الأموال محل الحراسة. وجوب رفعها من الحارس أو عليه دون المالك. مثال في إيجار.
(2) إيجار "إيجار الأماكن".
التزامات المستأجر. للمؤجر طلب إزالة ما أحدثه المستأجر من تغيير مادي بالعين المؤجرة ضار به وإعادة العين إلى ما كانت عليه.
(3) حراسة "الحراسة القضائية". إيجار.
طلب إزالة المنشآت التي أقامها المستأجر بغير إذن المالك المترتب على طلب فسخ عقد الإيجار من أعمال الإدارة المخولة للحارس القضائي.
(4) خبرة.
عدم التزام الخبير بالشكل الذي نظمه القانون لدعوة الخصوم. أثره. وجوب ثبوت وصول الدعوى إليهم إذا ما نازعوا في ذلك.

-----------------
1- سلطة الحارس القضائي وفقاً لنص المادة 734 من القانون المدني تلزمه المحافظة على الأموال التي يتسلمها بمراعاة طبيعتها والظروف المحيطة بها وما تتطلبه من أعمال لرعايتها باذلاً في ذلك عناية الرجل المعتاد، ولا يكتفي بالعناية التي يتوخاها عادة في شؤونه الشخصية، وهذا الالتزام الملقى على عاتق الحارس لا يقتصر على حفظ الأموال مما قد يصيبها من أعمال مادية، بل يوجب عليه أيضاً أن يتفادى في شأنها ما قد يعتريها من إضرار باتخاذ ما تستدعيه من إجراءات إدارية أو قضائية في صددها، وطبيعة هذا الالتزام وانصبابه على مال مشمول بالحراسة وموجود كلماً أو فعلاً في حوزة الحارس يقتضى أن ترفع منه أو عليه - دون المالك للمال - كافة الدعاوى المتعلقة بأعمال الحفظ والصيانة الداخلة في سلطته، وإذ كان الواقع في الدعوى أن المطعون عليها طلبت فسخ عقد الإيجار والإخلاء وإزالة ما أقامه المستأجر على سند من أن الطاعنين عمدوا إلى إلغاء حديقة المنزل وأقاموا بدلها عدة أبنية كما هدموا سطح العقار وشيدوا فيه عدة حجرات دون موافقة المؤجر وبالمخالفة للحظر الوارد بالبند الثاني من العقد من منع إجراء التغيير أو استعمال العقار بطريقة تنافى شروطه، فإن ما سلكته المطعون عليها بوصفها حارسة قضائية من إقامة الدعوى وتحديد الطلبات فيها - أياً كان وجه الرأي في سدادها - يندرج ضمن سلطة الحارس القضائي في تأدية التزامه بالحفاظ على الأموال المشمولة بحراسته.
2- مؤدى المادتين 580، 583 من القانون المدني أن المستأجر يلتزم برعاية العين المؤجرة ويمتنع عليه إحداث تغيير فيها يلحق مادتها بدون إذن المؤجر طالما ينشأ عنه ضرر، ويحق للمؤجر في هذه الحالة أن يطلب إزالة التغيير الذي أجراه المستأجر وإعادة العين إلى ما كانت عليه أخذاً بالقواعد العامة باعتباره إحدى صور التنفيذ العيني للالتزام.
3- الأصل في طلب إزالة المنشآت التي تقام على أرض الغير دون رضائه خارج عن نطاق أعمال الإدارة المخولة للحارس لأن مناط ذلك أن يمس طلب الإزالة أصل الحق، الأمر المفتقد في الدعوى الماثلة، إلا الإزالة مترتبة على طلب فسخ عقد الإيجار ومبنية على حق المطعون عليها - الحارسة - في تسلم العين المؤجرة بالحالة التي كانت عليها عند التأجير في معنى المادة 591/ 1 من القانون المدني وهي بهذه المثابة تدخل في أعمال الإدارة.
4- أوجبت المادة 146 من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 في فقرتها الأولى على الخبير أن يدعو الخصوم يكتب مسجله ترسل قبل تاريخ بدء العمل بسبعة أيام على الأقل يخبرهم فيها بمكان أول اجتماع ويومه وساعته، ولئن نصت في فقرتها الأخيرة على أنه يترتب على عدم دعوة الخصوم بطلان عمل الخبير إلا أن البطلان إنما يترتب على عدم دعوة الخصم للحضور لا على مخالفة الشكل الذى نظم به القانون هذه الدعوى، بمعنى أن مطلق الدعوة للخصم أياً كان وسيلتها هو إجراء جوهري قصد منه تمكين طرفي الخصومة من الحضور والدفاع عن صوالحهم أمام الخبير فإن لم تحصل الدعوة على وجهها الصحيح ونازع الخصم في أنها لم تبلغ محلها الواجب إبلاغها إليه فإنه يتعين على قاضى الموضوع أن يمحص هذا الدفاع، ولما كان البين من الحكم المطعون فيه أنه انتهى إلى رفض الدفع ببطلان تقرير الخبير على سند مما أثبته في محاضر أعماله من أنه حرر خطابات بطريق البريد المسجل إلى الخصوم وأنه سلمها إلى سكرتارية مكتب الخبراء لتتولى هي إرسالها وكان تقرير الخبير خلواً مما يثبت إرسال هذه الكتب المسجلة إلى الطاعنين وكان مجرد قول الخبير أنه سلم الكتب المسجلة إلى الجهة الإدارية سكرتارية مكتب الخبراء - لا يفيد حصول دعوة وأنها أرسلت إلى الطاعن فعلاً ولا يسيغ للخبير أن يباشر المأمورية في غيبتهم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق تتحصل في أن المطعون عليها بصفتها حارسة قضائية أقامت الدعوى رقم 487 لسنة 1970 مدني أمام محكمة القاهرة الابتدائية - والتي قيدت فيما بعد برقم 1083 سنة 1971 شمال القاهرة الابتدائية ضد الطاعنين بصفاتهم - محافظ القاهرة ووكيل وزارة الأوقاف ومدير منطقة شرق القاهرة التعليمية - بفسخ عقد الإيجار المؤرخ 26/ 3/ 1961 مع الإخلاء والتسليم وإلزامهم إزالة المباني المقامة على العقار المؤجر، وقالت شرحاً لها أنه بموجب عقد إيجار مؤرخ في 26/ 3/ 1961 استأجر وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية بصفته رئيساً لمجلس إدارة الاتحاد العام لرعاية الأحداث من الحارسة السابقة المنزل رقم 40 شارع ابن سندر بكوبري القبة محافظة القاهرة، لاستعماله معهدا تعليميا للأطفال المتخلفين ذهنياً، وإذ أنس عدم حاجته إليه قام بتسليمه إلى منطقة شرق القاهرة التعليمية التي أعدته مدرسة إعدادية للبنات بالمخالفة لنصوص العقد التي لا تجيز التنازل عن الإيجار أو التأجير من الباطن، وإذ عمدت المنطقة التعليمية المذكورة إلى استعمال العين المؤجرة بطريقة تنافى شروط العقد المعقولة، فقد أقامت دعواها وبتاريخ 20/ 4/ 1971 حكمت المحكمة بندب مكتب خبراء وزارة العدل بالقاهرة لمعاينة العقار لبيان ما إذا كان قد استعمل بطريقة تتنافى مع عقد الإيجار وما إذا كان قد حدث به تعديل أو هدم أو بناء من عدمه، وبعد أن قدم الخبير تقريره عادت وحكمت بتاريخ 15/ 5/ 1975 بفسخ عقد الإيجار وإخلاء العين المؤجرة وتسليمها إلى المطعون عليها بصفتها وإلزام الطاعنين الأول والثالث بصفتهما بإزالة المباني المقامة عليها. استأنف الطاعنون بصفاتهم هذا الحكم بالاستئناف - رقم 1569 سنة 92 ق القاهرة طالبين إلغاءه والقضاء برفض الدعوى وبتاريخ 6/ 5/ 1976 حكمت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف طعن الطاعنون على هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم، عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فرأته جديرا بالنظر، وبالجلسة المحددة صممت النيابة على رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب، ينعى الطاعنون بالسبب الثالث منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، وفى بيان ذلك يقولون إنهم دفعوا بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة استناداً إلى أن المطعون عليها بصفتها الحارسة على العقار تقف مهمتها عند حدود أعمال الإدارة وليس لها ولاية فيما يجاوزها، وإذ كان طلب الإزالة يتعلق بأصل الحق ذاته، فإن الحكم إذ رفض الدفع في خصوص طلب الإزالة يكون قد خالف القانون.
وحيث إن النعي غير سديد، ذلك أنه لما كانت سلطة الحارس القضائي وفقاً لنص المادة 734 من القانون المدني تلزمه المحافظة على الأموال التي يتسلمها بمراعاة طبيعتها والظروف المحيطة بها وما تتطلبه من أعمال لرعايتها باذلاً في ذلك عناية الرجل المعتاد، ولا يكتفى بالعناية التي يتوخاها عادة في شئونه الشخصية، وكان هذا الالتزام الملقى على عاتق الحارس لا يقتصر على حفظ الأموال مما قد يصيبها من أعمال مادية، بل يوجب عليه أيضاً أن يتفادى في شأنها ما قد يعتريها من أضرار باتخاذ ما تستدعيه من إجراءات إدارية أو قضائية في صددها وكانت طبيعة هذا الالتزام وانصبابه على مال مشمول بالحراسة وموجود حكماً أو فعلاً في حوزة الحارس، يقتضى أن ترفع منه أو عليه - دون المالك للمال - كافة الدعاوى المتعلقة بأعمال الحفظ والصيانة الداخلة في سلطته. لما كان ذلك وكان - مؤدى المادتين 580، 583 من التقنين المدني أن المستأجر يلتزم برعاية العين المؤجرة، ويمتنع عليه إحداث تغيير فيها يلحق مادتها بدون إذن المؤجر طالما ينشأ عنه ضرر، وكان يحق للمؤجر في هذه الحالة أن يطلب إزالة التغيير الذى أجراه المستأجر وإعادة العين إلى ما كانت عليه أخذاً بالقواعد العامة باعتباره إحدى صور التنفيذ العيني للالتزام. وإذا كان الواقع في الدعوى أن المطعون عليها طلبت فسخ عقد الإيجار والإخلاء وإزالة ما أقامه المستأجر على سند من أن الطاعنين عمدوا إلى إلغاء حديقة المنزل وأقاموا بدلها عدة أبنية كما هدموا سطح العقار وشيدوا فيه عدة حجرات دون موافقة المؤجر، وبالمخالفة للحظر الوارد بالبند الثاني من العقد من منع إجراء التغيير أو استعمال العقار بطريقة تنافى شروطه، فإن ما سلمته المطعون عليها بوصفها حارسة قضائية من إقامة الدعوى وتحديد الطلبات فيها - أياً كان وجه الرأي في سدادها - يندرج ضمن سلطة الحارس القضائي في تأدية التزامه بالحفاظ على الأموال المشمولة بحراسته، لا يغير من ذلك أن الأصل في طلب إزالة المنشآت التي تقام على أرض الغير دون رضائه خارج عن نطاق أعمال الإدارة المخولة للحارس، لأن مناط ذلك أن يمس طلب الإزالة أصل الحق، الأمر المفتقد في الدعوى الماثلة، إذ الإزالة مترتبة على طلب فسخ عقد الإيجار، ومبنية على حق المطعون عليها في تسلم العين المؤجرة بالحالة التي كانت عليها عند التأجير في معنى المادة 591/ 1 من القانون المدني وهي بهذه المثابة تدخل في أعمال الإدارة. لما كان ما سلف وكان الحكم المطعون فيه قد ساير هذا النظر فإن النعي عليه بمخالفة القانون يكون على غير أساس.
وحيث إن مما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه بباقي الأسباب الخطأ في تطبيق القانون، وفى بيان ذلك يقولون أنهم تمسكوا أمام محكمة الاستئناف ببطلان تقرير الخبير لعدم دعوته لهم للحضور لدى مباشرته للمأمورية على النحو الذي رسمه القانون، وإذ أثبت بمحاضر أعماله تسليمه كتب دعوة الخصوم للحضور إلى سكرتارية مكتب الخبراء، دون أن يثبت من تسجيل هذه الكتب بمكتب البريد واسم المكتب ورقم وتاريخ التسجيل ووصول الدعوة فعلاً طبقاً تفرضه المادة 146 من قانون الإثبات، وإذ رفض الحكم الدفع بحجة أنه يكفى تسليم الإخطارات لسكرتارية المكتب ليسوغ للخبير مباشرة العمل ولو في غيبة الخصم، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن النعي في محله، ذلك أن المادة 146 من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 وإن أوجبت في فقرتها الأولى على الخبير أن يدعو الخصوم بكتب مسجلة ترسل قبل تاريخ بدء العمل بسبعة أيام على الأقل يخبرهم فيها بمكان أول اجتماع ويومه وساعته، ولئن نصت فقرتها الأخيرة على أنه يترتب على عدم دعوة الخصوم بطلان عمل الخبير، إلا أن البطلان إنما يترتب على عدم دعوة الخصوم للحضور لا على مخالفة الشكوى الذي نظم به القانون هذه الدعوى بمعنى أن مطلق الدعوة للخصم أياً كانت وسيلتها هو إجراء جوهري قصد منه تمكين طرفي الخصومة من الحضور والدفاع عن صوالحهم أمام الخبير، فإن لم تحصل الدعوة على وجهها الصحيح ونازع الخصم في أنها لم تبلغ محلها الواجب إبلاغها إليه، فإنه يتعين على قاضي الموضوع أن يمحص هذا الدفاع. ولما كان البين من الحكم المطعون فيه أنه انتهى إلى رفض الدفاع ببطلان تقرير الخبير على سند مما أثبته في محاضر أعماله من أنه حرر خطابات بطريق البريد المسجل إلى الخصوم، وأنه سلمها إلى سكرتارية مكتب الخبراء لتتولى هي إرسالها، وكان تقرير الخبير خلواً مما يثبت إرسال هذه الكتب المسجلة إلى الطاعنين، وكان هؤلاء الأخيرين قد نازعوا في وصول الدعوة اليهم، وكان مجرد قول الخبير أنه تسلم الكتب المسجلة إلى الجهة الإدارية - سكرتارية مكتب الخبراء لا يفيد حصول دعوة وأنها أرسلت إلى الطاعن فعلاً ولا يسيغ للخبير أن يباشر المأمورية في غيبتهم، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يستوجب نقضه دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن، على أن يكون مع النقض الإحالة.

الطعن 790 لسنة 46 ق جلسة 22 / 11 / 1978 مكتب فني 29 ج 2 ق 337 ص 1750

جلسة 22 من نوفمبر سنة 1978

برئاسة السيد المستشار محمد أسعد محمود نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ محمد الباجوري، محمد طه سنجر، إبراهيم فراج ومحمد أحمد حمدي.

----------------

(337)
الطعن رقم 790 لسنة 46 القضائية

(1) إيجار. إثبات. "القرائن".
تلف العين المؤجرة أو هلاكها. القرينة القانونية على ثبوت الخطأ في جانب المستأجر. م 583 مدني. جواز نفيها بإثبات المستأجر للسبب الأجنبي أو خطأ المؤجر أو عيب في ذات العين.
(2) خبرة.
حق محكمة الموضوع في طرح دلالة تقرير الخبير الاستشاري اكتفاء بتقرير الخبير المنتدب. مناطه. أن يكون التقرير الأخير قد تعرض لبحث نقطة الخلاف ودلل عليها.
(3) إيجار. التزام "التنفيذ العيني".
حق المؤجر في طلب المستأجر بإجراء الترميمات التأجيرية عيناً أو الترخيص له بإجرائها على نفقة المستأجر. لا حق للمؤجر في طلب هذه النفقات متى قام المستأجر فعلاً بهذه الترميمات.

------------------
1- مؤدى نص المادة 583 من التقنين المدني أن المستأجر يلتزم بحفظ العين ورعايتها باذلاً في ذلك عناية الرجل المعتاد، فإن قصر في أداء التزامه ونتج عن تقصيره تلف العين أو هلاكها كان مسئولاً، ولئن أقام المشرع قرينة قانونية تفترض أن ما أصاب العين المؤجرة مرده إلى خطأ المستأجر إلا أن هذه القرينة قابل لإثبات العكس، بمعنى ألا يسأل ألا عما يحدث فعلاً بسبب تقصيره هو أو تقصير من يسأل عنهم، وإذ أثبت أن التلف أو الهلاك نشأ عن سبب أجنبي لا يد له فيه كالقوة القاهرة أو خطأ المؤجر أو عيب العين المؤجرة انتفت مسئولية المستأجر.
2- من حق محكمة الموضوع ألا تأخذ بدلالة التقرير الاستشاري الذي يقدمه الخصوم اكتفاء منها بالاعتداد بما خلص إليه تقرير الخبير المنتدب، لأن مناط ذلك أن يكون التقرير الأخير قد تناول القول في نقطة الخلاف ودلل عليها بأسباب سائغة مؤدية إلى النتيجة التي انتهى إليها.
3- مفاد نص المادة 582 من القانون المدني أن المستأجر ملتزم بكافة الترميمات التأجيرية التي جرى العرف بأن تكون على عاتقه، وإصلاح الأدوات الصحية واستبدال ما تلف منها يعتبر من قبيلها طالما كانت نتيجة خطأ المستأجر أو مما يفترض أن الاستعمال العادي للعين قد اقتضاه، لما كان ذلك فإنه وإن كان للمؤجر أن يلزم المستأجر بإجراء الترميمات التأجيرية عيناً، كما له أن يطلب الترخيص له في إجرائها بنفسه على نفقة المستأجر إلا أنه لا يجوز للمؤجر أن يطلب من المستأجر مقابل نفقات هذه الترميمات متى اختار المستأجر القيام بها بنفسه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 689 لسنة 1975 مدنى أمام محكمة الجيزة الابتدائية ضد الطاعن بطلب الحكم أولاً بفسخ عقد الإيجار المؤرخ 1/ 4/ 1971 وإخلاء الشقة المبينة بصحيفة الدعوى وتسليمها إليه، ثانياً: بإلزام الطاعن بأن يؤدى له مبلغ 550 جنيهاً والفوائد، وقال في بيان الدعوى أنه بموجب عقد مؤرخ 1/ 4/ 1970 استأجر الشقة رقم 1 بالعقار رقم 64 شارع العلمين قسم العجوزة كسكن له وإذ أساء استعمالها وترك المياه تتسرب باستمرار من الصنابير وتتراكم على أرض الحمام مما تسبب في سقوطه وظهور رطوبة أدت إلى تآكل الجدران وأحدث بها تلفيات أنبأت عنها دعوى إثبات الحالة رقم 810 لسنة 1975 مستعجل الجيزة المقامة من الطاعن ومحضر الشكويين رقم 1002، 1698 لسنة 1975 إداري العجوزة وهى تشير إلى استعمال المكان المؤجر بطريقة تنافى شروط العقد المعقولة، وقد لحقته أضرار مادية وأدبية فقد أقام الدعوى. وبتاريخ 12/ 2/ 1976 حكمت المحكمة أولاً بفسخ عقد الإيجار المؤرخ 1/ 4/ 1970 وإخلاء العين المؤجرة وتسليمها للمطعون عليه. ثانياً: بإلزام الطاعن بأن يؤدى إلى المطعون عليه مبلغ 41 جنيهاً و438 مليم. استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 1211 لسنة 93 ق كما استأنفه المطعون عليه بالاستئناف رقم 1115 لسنة 93 ق القاهرة، وبعد ضم الاستئنافين قضت محكمة الاستئناف في 24/ 6/ 1976 بتأييد الحكم المستأنف. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض. وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم وعرض الطعن على هذه الدائرة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر، وبالجلسة المحددة أصرت النيابة على رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على خمسة أسباب ينعى الطاعن بالسببين الأولين منها على الحكم المطعون فيه مخالفة الثابت بالأوراق والفساد في الاستدلال، وفى بيان ذلك يقول أن الحكم بنى قضاءه بالإخلاء على سند من أنه لم يقم دليل بالأوراق أو بتقرير الخبير الذي ندبته محكمة أول درجة على أن هناك خطأ في تركيب الأدوات الصحية بعقار النزاع وأن الطاعن لم يعترض على هذا التقرير الذى خلص إلى أن الإتلافات بالحادثة بالعقار مردها إلى ترك المياه متجمعة بأرضية الحمام وإلى كسر المرحاض وحوض الغسيل بسبب سوء استعمال المستأجر وإهماله في تركيب بدلها، ودعم الحكم وجهة نظره بأنه لو كان هناك خطأ في تركيب الأدوات الصحية حسبما يزعم الطاعن لظهرت نتيجته بجميع الوحدات السكنية وبعد مدة قليلة إذ ثبت أن النزاع لم ينشب إلا بعد خمس سنوات من شغل العقار، في حين أن تقرير الخبير الذى استند إليه الحكم مودع في دعوى إثبات الحالة ولم تنتدب محكمة أول درجة خبيرا آخر اكتفاء به، وقد زخر ملف الدعويين الابتدائية والاستئنافية بالاعتراضات العديدة التي ساقها الطاعن على ذلك التقرير، ومقدماً الدليل من واقع تقرير هندسي استشاري على أن نشع المياه - بجوار المبنى لم يكن سببه سوء الاستعمال، وإنما - مرجعه إلى أن الأدوات الصحية بالعمارة ليست مركبة طبقاً للأصول الفنية، وأن مواسير الصرف تتسرب منها المياه إلى الجدران فتحدث بها رطوبة، وأن أرضية دورة المياه مستقيمة وليس بها ميل نحو البالوعات مما أدى إلى تراكم المياه فى الزوايا، وزاد من تأثير ذلك عدم وجود مادة عازلة تحت البلاط، وهو ما يعيب الحكم بمخالفة الثابت بالأوراق، هذا إلى أن الربط الزمني بين ظهور النشع وقيام النزاع يعد مصادرة على المطلوب، إذ افترض الحكم أن النشع سببه إهمال المستأجر دون أن يعنى بالكشف عن الأسباب المباشرة لتراكم المياه بالإضافة إلى أنه ليس هناك تلازم بين الأمرين فقد يظهر النشع ولا يحرك ذو الشأن ساكناً أما لعدم فطنته إليه أو لإهماله في علاجه علاوة على أن مأمورية خبير دعوى إثبات الحالة كانت محددة بمعاينة عين النزاع فحسب، دون أن تمتد لمعاينة جميع وحدات العمارة فتكون استدلال الحكم واقعاً على غير محل، وهو ما يعيبه بالفساد في الاستدلال.
وحيث إن النعي صحيح، ذلك أن النص في المادة 583 من التقنين المدني على أنه "يجب على المستأجر أن يبذل من العناية في استعمال العين المؤجرة وفى المحافظة عليها ما يبذله الشخص المعتاد 20 - وهو مسئول عما يصيب العين أثناء انتفاعه بها من تلف أو هلاك غير ناشئ عن استعمالها استعمالاً مألوفاً "يدل على أن المستأجر يلتزم بحفظ العين ورعايتها، باذلاً في ذلك عناية الرجل المعتاد، فإن قصر في أداء التزامه ونتج عن تقصيره تلف العين أو هلاكها كان مسئولاً، ولئن أقام المشرع قرينة تفترض أن ما أصاب العين المؤجرة مرده إلى خطأ المستأجر، إلا أن هذه القرينة قابلة لإثبات العكس، بمعنى ألا يساءل إلا عما يحدث فعلاً بسبب تقصيره، أو تقصير من يسأل عنهم، وإذ أثبت أن التلف أو الهلاك نشأ عن سبب أجنبي لا يد له فيه كالقوة القاهرة أو خطأ المؤجر أو عيب في ذات العين المؤجرة انتفت مسئولية المستأجر. ولما كان الواقع في الدعوى أن المطعون عليه أقام دعواه بفسخ عقد الإيجار قولاً منه أن الطاعن أساء استعمال العين المؤجرة وأهمل في صيانتها. وتعمد أن يترك المياه تنساب من صنابيرها دون أن يعنى بنزعها مما أدى إلى تراكمها وسريان الرطوبة في الجدران وسقوط السقف والمرحاض، واستند في إثبات مدعاه إلى تقرير الخبير المنتدب في دعوى إثبات الحالة التي أقامها الطاعن، وكان الدفاع الذى ساقه هذا الأخير يقوم على أن التلف الحاصل ليس ناتجاً عن إهماله في رعاية العين أو إلى إساءة استعمالها وإنما مرده إلى طبيعة العين المؤجرة وإلى خلل في تركيب الأدوات الصحية وقصوراً في مراعاة ميل منسوب البلاط كي يتيسر صرف المياه بدلاً من تجمعها، وأيد مدعاه بتقرير استشاري هندسي، لما كان ذلك وكان البين من الاطلاع على تقرير الخبير المنتدب في دعوى إثبات الحالة أن المهمة الموكلة إليه كانت مقصورة على إجراء معاينة لدورة مياه شقة النزاع والشقة التي تعلوها لبيان تسرب المياه، وبالتالي فلم يعرض لكافة شقق العقار، وكان التقرير المشار إليه وإن أفاد أن هناك تراكماً للمياه ونشعاً بالحوائط في شقة النزاع إلا أنه لم ينف وجود مثل هذه الظاهرة بباقي الشقق، فإن ما تعلل به الحكم لإهدار دفاع الطاعن استناداً إلى عدم وجود النشع بباقي الوحدات السكنية رغم أن التقرير لم يتطرق إلى معاينة هذه الوحدات - لا ينهض دليلاً على أن ظهور النشع في شقة الطاعن يرجع إلى سوء الاستعمال وليس إلى عيب في ذات العين المؤجرة. لما كان ما تقدم فإنه وإن كان لمحكمة الموضوع سلطة مطلقة في الأخذ بما تطمئن عليه من القرائن التي تستقيها من واقعات الدعوى، إلا أن ذلك مشروط بأن يكون استخلاصها سائغاً وكافياً منطقاً لحمل قضاء الحكم، وإذ كان خلو تقرير خبير دعوى إثبات الحالة من الإشارة إلى وجود عيوب فنية في تركيب الأدوات الصحية، في الوقت الذي نعى فيه الطاعن عليه قصوره عن كشف وتقصي هذه العيوب ينبئ بذاته عن سلامة هذه التركيبات وعن عدم وجود نقص فيهما. فإن ما استخلصه الحكم من التلازم الزمنى بين ظهور العيوب وبين قيام النزاع لا يصلح قرينة على نفى تحقق سبب النزاع في وقت سابق طال أو قصر، ولا ينهض بمجرده دليلاً على أن التلف الحاصل يرجع إلى سوء الاستعمال، لا يغير من ذلك أن من حق محكمة الموضوع ألا تأخذ بدلالة التقرير الاستشارى الذى يقدمه الخصوم، اكتفاء منها بالاعتداد بما خلص إليه تقرير الخبير المنتدب، لأن مناط ذلك أن يكون التقرير قد تناول القول فى نقطة الخلاف ودلل عليها بأسباب سائغة، مؤدية إلى النتيجة التي انتهى إليها، الأمر المفتقد في واقع الدعوى. وهو ما يعيب الحكم بالفساد في الاستدلال. لما كان ما سلف وكان الحكم بذلك قد حجب نفسه عن مناقشة الاعتراضات التي أبداها الطاعن على تقرير الخبير وكانت إشارة الحكم إلى أن الطاعن لم يعترض على تقرير الخبير في الوقت الذى بين أمام محكمة الموضوع أسباب نعيه عليه فإنه بذلك يكون قد خالف الثابت بالأوراق علاوة على فساد في الاستدلال، فيتعين نقضه.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن بباقي الأسباب على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب وفى بيانه يقول أن الحكم ساير الحكم الابتدائي في إلزامه بالتعويض عن بعض أدوات الحمام المكسورة فى حين أنه تمسك أمام محكمة الاستئناف بأنه قام باستبدال الحوض والمرحاض المكسورين وقدم المستندات الدالة على ذلك إلا أن محكمة الاستئناف التفتت عن هذا الدفاع رغم أن الاستبدال يعتبر من الإصلاحات التأجيرية التي تلزم المستأجر ولا يجوز للمالك مطالبته بالتعويض عنها طالما قام المستأجر بالتزامه عيناً، وإذ قضى الحكم بإلزامه تكاليف الإصلاح فإنه يكون قد هيأ للمطعون عليه الإثراء بلا سبب على حسابه وهو ما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن النعي في محله، ذلك أنه لما كان مفاد نص المادة 582 من القانون المدني أن المستأجر ملتزم بكافة الترميمات التأجيرية التي جرى العرف بأن تكون على عاتقه وكان إصلاح الأدوات الصحية، واستبدال ما تلف منها يعتبر من قبيلها طالما كانت نتيجة خطأ المستأجر، أو مما يفترض أن الاستعمال الصادر للعين قد اقتضاه. لما كان ذلك فإنه وإن كان للمؤجر أن يلزم المستأجر بإجراء الترميمات التأجيرية عيناً، كما له أن يطلب الترخيص له في إجرائها بنفسه على نفقة المستأجر. إلا أنه لا يجوز للمؤجر أن يطلب من المستأجر مقابل نفقات هذه الترميمات متى اختار المستأجر القيام بها بنفسه لما كان ما تقدم وكان الطاعن قد نعى على الحكم الابتدائي بإلزامه بدفع قيمة إصلاح الحوض والمرحاض وقدم الدليل على قيامه بالتزامه في هذا الشأن، فإن تأييد الحكم المطعون فيه قضاء المحكمة الابتدائية دون تناول لدفاع الطاعن ينطوي على خطأ في تطبيق القانون وقصور في التسبيب يستوجب نقضه لهذا السبب أيضاً على أن يكون مع النقض الإحالة.