جلسة 11 من مايو 1963
برياسة السيد/ الإمام الإمام الخريبي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة مصطفى كامل إسماعيل وحسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح ومحمد مختار العزبي المستشارين.
---------------
(106)
القضية رقم 1371 لسنة 6 القضائية
(أ) موظف - معاش
- المرسوم بقانون رقم 36 لسنة 1952 في شأن الترقيات والعلاوات والأقدميات والتعيينات الاستثنائية المعدل بالمرسوم بقانون رقم 80 لسنة 1952 - إبطاله القرارات الصادرة، خلال الفترة من 8/ 10/ 1944 حتى تاريخ العمل به، من الهيئات المذكورة في المادة الأولى منه بضم مدد انفصال للموظفين الذين فصلوا لأسباب اعتبرت سياسية - القرار الصادر من مجلس الوزراء بإبطال قرار مما سبق تطبيقاًَ للمرسوم سالف الذكر - لا يؤثر في صحته سبق صدور القانون رقم 86 لسنة 1951 الذي اعتبر في حكم الصحيحة القرارات الصادرة باحتساب مدد في المعاش استثناء من القوانين التي أشار إليها - أساس ذلك: أن هذا القانون قد نسخ بأحكام المرسومين بقانون سالفي الذكر بأثر رجعي.
(ب) موظف - معاش
- التعويض عن الفصل في وقت غير لائق - عدم جواز الاستناد إلى الحكم بهذا التعويض للقول بأن الحكم قد اعتبر مدة خدمة الموظف متصلة ما دام الحكم قد استند في القضاء بالتعويض إلى مجرد صدور الفصل في وقت غير مناسب دون أن يقضي بعدم صحته - مثال.
(ج) موظف
- الخصم من المرتب أو المعاش - المرسوم بقانون رقم 36 لسنة 1952 - إبطاله كل زيادة تجاوز خمسة عشر جنيهاً في الشهر في المعاشات التي ربطت على أساس مرتب زيد بسبب ترقيات أو علاوات استثنائية - إيجابه رد متجمد الفروق المنصرفة نتيجة تصحيح الترقيات والعلاوات أو التعيينات أو المعاشات الاستثنائية التي كانت أبطلت بالمرسوم بقانون رقم 148 لسنة 1944 - تحصيل هذه الفروق باستقطاع ربع المرتب أو المعاش أو المكافأة استثناء من القانون رقم 111 لسنة 1951 - خروج الزيادة في المعاشات عن حكم الاستقطاع إذا كان مقدار المعاش أو تلك الزيادة خمسة عشر جنيهاً فأقل في الشهر - حكمة ذلك.
----------------
1 - أن المرسوم بقانون رقم 36 لسنة 1952 في شأن الترقيات والعلاوات والأقدميات والتعيينات والمعاشات الاستثنائية الذي عمل به من أول إبريل سنة 1952 والمعدل بالمرسوم بقانون رقم 80 لسنة 1952 نص في مادته الأولى على أن "تبطل الترقيات والعلاوات والأقدميات الاستثنائية التي منحت للموظفين والمستخدمين خلال المدة من 8 من أكتوبر سنة 1944 إلى تاريخ العمل بهذا المرسوم بقانون من إحدى الهيئات الآتية: ( أ ) مجلس الوزراء (ب)......" كما نص في مادته الثالثة على أن "تبطل القرارات الصادرة من إحدى الهيئات المتقدم ذكرها في المادة الأولى خلال المدة المحددة فيها بضم مدد انفصال للموظفين الذين فصلوا لأسباب اعتبرت سياسية".
وإذ كانت الشروط الواردة في هاتين المادتين متوافرة في القرار الصادر من رئيس مجلس الوزراء الصادر في 11 من نوفمبر سنة 1950 بحساب مدد فصل المدعي من الخدمة من 24 من أكتوبر 1944 إلى 8 من فبراير سنة 1950 في معاشه مع التجاوز عن دفع الاحتياطي عنها على أساس أن إحالته إلى المعاش كانت لأسباب سياسية. ومن ثم فإن قرار رئيس مجلس الوزراء الصادر في 16 من سبتمبر سنة 1952 بإبطال القرار آنف الذكر وعدم حساب المدة المشار إليها في معاش المدعي بالتطبيق لأحكام المرسومين بقانون رقمي 36 و80 لسنة 1952 في شأن إلغاء الاستثناءات يكون صحيحاً سليماً مطابقاً للقانون، على أن هذا القرار قد أصبح حصيناً من الإلغاء بانقضاء ميعاد الطعن فيه دون أن يطعن فيه المدعي بطلب إلغائه وما ترتب عليه من آثار. ولا يغير من هذا كون القانون رقم 86 لسنة 1951 في شأن المدد التي تحتسب في المعاش الذي عمل به في 31 من مايو سنة 1951 قد اعتبر في حكم الصحيحة القرارات التي صدرت من مجلس الوزراء في المدة من 4 من يونيه سنة 1929 إلى تاريخ العمل به، كذلك القرارات التي تضمنت تدابير خاصة بجواز احتساب مدد في المعاش بالاستثناء من أحكام القوانين التي أشار إليها في مادته الأولى، وقضى بأن تظل هذه القرارات نافذة منتجة لآثارها، ومن بينها قرار مجلس الوزراء الصادر في 8 من مايو سنة 1950 بالموافقة على حساب مدد الخلو السياسي في حساب المعاش لمن أعيدوا للخدمة ابتداء من 15 من يناير سنة 1950. لا يغير هذا من صحة قرار رئيس مجلس الوزراء الصادر في 16 من سبتمبر سنة 1952 بعدم احتساب مدة فصل المدعي من الخدمة في معاشه ما دام المرسوم بقانون رقم 36 لسنة 1952 وكذا المرسوم بقانون رقم 80 لسنة 1952 وكلاهما تشريع لاحق صادر بأداة قانونية معادلة في قوتها لتلك التي صدر بها القانون رقم 86 لسنة 1951 قد أورد حكماً صريحاً ناسخاً بأثر رجعي لحكم هذا القانون الأخير في خصوص ما قضيا به من إبطال القرارات الصادرة بضم مدد الفصل السياسي في حساب المعاش خلال المدة من 8 من أكتوبر 1944 حتى أول إبريل سنة 1952 بما لا وجه معه للاحتجاج بعدم جواز إبطال ما سبق اعتباره في حكم الصحيح من هذه القرارات بمقتضى القانون رقم 86 لسنة 1951.
2 - لا صحة لما يذهب إليه المدعي من أن حكم محكمة القضاء الإداري الصادر بجلسة 9 من نوفمبر سنة 1950 في الدعوى رقم 503 لسنة 3 القضائية السابق رفعها منه بطلب تعويض عما أصابه من أضرار مادية وأدبية بسبب إحالته إلى المعاش قبل بلوغه السن القانونية والذي حاز قوة الأمر المقضي قد اعتبر مدة فصله بمثابة خدمة متصلة ورتب على ذلك أحقيته في تعويض يساوي الفرق بين ما كان يصرف له من معاش فيها وما كان ينبغي أن يصرف له من مرتب لو لم يصدر قرار بإحالته إلى المعاش، لا صحة لذلك لأنه بمطالعة أسباب الحكم المذكور المكملة لمنطوقه يبين أن المحكمة لم تتعرض لا مباشرة ولا بطريق غير مباشر لبحث ما إذا كانت مدة خدمة المدعي قد انقطعت بإحالته إلى المعاش أم ظلت متصلة، إذ لم يكن هذا الأمر مطروحاً عليها ولم يكن البت فيه لازماً كمسألة أولية للفصل في الدعوى، وإنما أقامت المحكمة قضاءها على أنه ولئن كان للحكومة الحق بمقتضى القوانين واللوائح المعمول بها في فصل من ترى فصله من الموظفين قبل بلوغه سن التقاعد بغير حاجة إلى بيان أسباب الفصل متى رأت ذلك ضماناً لحسن سير المرافق العامة، مع اعتبار قراراتها غير المسببة صحيحة ومنتجة لآثارها القانونية وصادرة في حدود المصلحة العامة إلى أن يقدم الموظف المفصول الدليل على صدورها مشوبة بعيب إساءة استعمال السلطة، إلا أن هذا لا يعني أن سلطتها في ذلك تحكمية تصدر فيها عن الغرض والهوى، وإنما هي سلطة تقديرية تجد حدها الطبيعي في العلة القانونية التي أملتها وهي المصلحة العامة، فإذا انحرفت الإدارة عن هذا الحد كان تصرفها مشوباً بإساءة استعمال السلطة وحق عليه الإلغاء. أما إذا كان الأمر متعلقاً بطلب تعويض عن تلك القرارات فإن قواعد العدالة توجب تضمين الموظف المفصول عن الأضرار التي لحقته بسبب قرار الفصل أو الإحالة إلى المعاش إذا كان قد صدر بغير مسوغ أو في وقت غير لائق. ولم تر المحكمة فيما استند إليه المدعي من وقائع وملابسات دليلاً كافياً على أن مرسوم إحالته إلى المعاش قد صدر ببواعث حزبية لا تمت للمصلحة العامة بسبب، إلا أنها رأت على الرغم من انتفاء عيب إساءة استعمال السلطة أن حقه في التعويض قائم لما ثبت من أنه فصل من الخدمة في وقت غير لائق دون قيام أسباب جديه تدعو لإبعاده عن وظيفته. وذكرت المحكمة أن استحقاقه للتعويض عن الضرر المادي إنما يكون بقدر ما ضاع عليه من مرتب كان يجب أن يتقاضاه أو استمر في خدمة الحكومة بعد خصم ما تقرر له من معاش، مع مراعاة ما يكون قد حققه من دخل من عمله الحر الذي كان متاحاً له والذي أقر بممارسة إياه، أما التعويض الأدبي فلا محل له بعد إذ ردت الحكومة إليه اعتباره بإعادته إلى الخدمة ثم تعيينه بعد ذلك وكيلاً لوزارة شئون السودان، ومفاد هذا الحكم أن حكم محكمة القضاء الإداري قد اعتبر قرار إحالة المدعي إلى المعاش صدر صحيحاً سليماً مطابقاً للقانون مستهدفاً تحقيق المصلحة العامة ومنتجاً لآثاره القانونية ومن هذه الآثار بطبيعة الحال، انقطاع رابطة التوظف انقطاعاً لا يمنع تحققه من الحكم بالتعويض ولا يرتفع بهذا الحكم. ومن ثم فإن استناد المدعي إلى الحكم المذكور للمطالبة باعتبار مدة خدمته متصلة ينطوي على تحصيل للحكم بما قضى بنقيضه. وإذ قضى حكم محكمة القضاء الإداري المطعون فيه برفض هذا الطلب من طلبات المدعي - وهو حساب مدة فصله من الخدمة في معاشه وما يترتب على ذلك من آثار وفروق - فإنه يكون قد أصاب الحق في قضائه.
3 - نص المرسوم بقانون رقم 36 لسنة 1952 في شأن الترقيات والعلاوات والأقدميات والتعيينات والمعاشات الاستثنائية، في مادته العاشرة على أن "يبطل بالنسبة إلى أصحاب المعاشات وإلى المستحقين عنهم كل زيادة تجاوز خمس عشر جنيهاً في الشهر في المعاشات التي ربطت على أساس مرتب زيد بسبب ترقيات أو علاوات استثنائية أبطلت أو عدلت بالتطبيق لأحكام هذا المرسوم بقانون، وفي هذه الحالة يسري المعاش على هذا الأساس إلا إذا كان لصاحب المعاش أو للمستحقين عنه مصلحة في تسوية المعاش على أساس المرتب الذي يستحقه بالتطبيق للأحكام المذكورة".. كما نص في مادته الخامسة عشرة على ما يأتي "الموظفون الذين أبطلت ترقياتهم أو علاواتهم أو تعييناتهم أو معاشاتهم الاستثنائية التي منحوها في الفترة من 6 من فبراير سنة 1942 إلى 8 من أكتوبر سنة 1944 بالتطبيق لأحكام المرسوم بقانون رقم 148 لسنة 1944 ثم ردت إليهم بعد 12 من يناير سنة 1950 وقبضوا فروقاً مجمدة عن الماضي بموجب قرارات من إحدى الهيئات المنصوص عليها في المادة الأولى يلزمون برد هذه الفروق. ويكون تحصيلها باستقطاع ربع المرتب أو المعاش أو المكافأة أو ربع الباقي بعد الجزء الذي يحجز عليه. وذلك استثناء من أحكام القانون رقم 111 لسنة 1951 المشار إليه" وقد ورد بالمذكرة الإيضاحية لهذا المرسوم بقانون ما يلي: "نصت المادة العاشرة على استبقاء المعاش الاستثنائي وكل زيادة استثنائية في المعاش القانوني إذ كان مقدار هذا المعاش أو تلك الزيادة خمسة عشر جنيهاً فأقل. وفي حالة تجاوز الزيادة هذا القدر تعاد تسوية المعاش على أساس استبعاد الجزء الزائد على هذا القدر. وقد اشتملت المادة 15 من المشروع على حكم خاص بالموظفين الذين ألغيت ترقياتهم أو علاواتهم أو معاشاتهم الاستثنائية التي منحوها في الفترة من 6 من فبراير سنة 1942 إلى 8 من أكتوبر سنة 1944 وردت إليهم بقرارات من مجلس الوزراء أو غيره من الهيئات بعد 12 من يناير سنة 1950 وصرفت إليهم فروق مجمدة عن الماضي. ويقضي هذا الحكم برد هذه الفروق التي صرفت محافظة على صالح الخزانة العامة ولما لوحظ من أن صرف هذه الفروق كان مبنياً على أسباب حزبية، إذ اقتصر على فريق معين من الموظفين وحتى يكون رد تلك الفروق عبرة وردعاً ويوضع به حد لمثل هذه التصرفات في المستقبل".
وإذ كانت المبالغ التي قبضها المدعي بمناسبة إعادته إلى الخدمة في 9 من فبراير سنة 1950 إنما صرفت إليه على أنها قيمة متجمد فرق تعديل معاش عن الماضي على أساس رد الترقيات والعلاوات الاستثنائية إليه وهي التي كان قد منحها في الفترة من 6 من فبراير سنة 1942 إلى 8 من أكتوبر سنة 1944 والتي أبطلت بالتطبيق لأحكام المرسوم بقانون رقم 148 لسنة 1944، ومن ثم فإنه نزولاً على حكم المادة 15 من المرسوم بقانون رقم 36 لسنة 1952 يكون ملزماً برد هذه الفروق، ويكون تحصيلها باستقطاع ربع المرتب أو المعاش أو المكافأة أو ربع الباقي بعد الجزء الذي يحجز عليه، وذلك استثناء من أحكام القانون رقم 111 لسنة 1951، مع مراعاة ما سبق أن قضت به هذه المحكمة من أنه يخرج من حكم الاستقطاع لاسترداد ما قبض من فروق مجمدة عن الماضي ما أبقاه المرسوم بقانون آنف الذكر في مادته العاشرة من زيادة في المعاشات الاستثنائية أو القانونية إذ كان مقدار هذا المعاش أو تلك الزيادة خمسة عشر جنيهاً فأقل في الشهر ذلك أن المشرع رأى لحكمة تشريعية خاصة الإبقاء على هذه الزيادة وعدم المساس بها رحمة بأرباب المعاشات ورعاية لحالة الأرامل واليتامى. وغنى عن البيان أن استرداد هذه الزيادة عن طريق الاستقطاع من المعاش يتنافى بداهة مع مبدأ الإبقاء عليها، وهو ما أكده الشارع من قبيل الاستثناء للحكمة الخاصة الذي أفصح عنها.
إجراءات الطعن
في يوم أول مايو سنة 1960 أودع الدكتور سعد عصفور المحامي بالنيابة عن موكله السيد/ محمود زكي الطويل سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 1371 لسنة 6 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري "هيئة التسويات" بجلسة 14 من مارس سنة 1960 في الدعوى رقم 826 لسنة 13 القضائية المقامة من السيد/ محمود زكي الطويل ضد السيد وزير الخزانة بصفته، القاضي "باستحقاق المدعي صرف الفرق بين مرتبه كاملاً دون خصم احتياطي المعاش والمعاش المقرر له عن السنتين المضمومتين لخدمته وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الحكومة بالمصروفات المناسبة ورفض ما عدا ذلك من الطلبات". وطلب الطاعن للأسباب التي استند إليها في عريضة طعنه "عرض هذا الطعن على دائرة فحص الطعون بالمحكمة لتقرر بإحالته إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضي: بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من رفض الطعنين المذكورين، والحكم بأحقية الطاعن في: أولاً - احتساب مدة خدمته من 23 من أكتوبر سنة 1944 إلى 29 من فبراير سنة 1950 في المعاش وما يترتب على ذلك من آثار وصرف الفروق. ثانياً - بإبطال الخصم الذي أجرى على المعاش المنصرف له نظير التعويض السابق صرفه له بمناسبة إعادته إلى الخدمة في فبراير سنة 1950 من تاريخ إجرائه، وما يترتب على ذلك من آثار وصرف الفروق - مع إلزام الوزارة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وقد أعلن هذا الطعن لوزارة الخزانة في 14 من مايو سنة 1960. وعقبت عليه هيئة مفوضي الدولة بمذكرة بالرأي القانوني مسبباً انتهت فيها لما أبدته بها من أسباب إلى أنها ترى "الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه. والقضاء باستحقاق المدعي في استرداد ما استقطع من معاشه زيادة عن القدر المسموح به قانوناً. وقصر الاستقطاع من المعاش على مبلغ 7.927 جنيه شهرياً، مع إلزام الحكومة المصروفات المناسبة". وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 12 من نوفمبر سنة 1961 التي أبلغ بها الطرفان في 28 من أكتوبر سنة 1961 وبجلسة 7 من يناير سنة 1962 التي أجل إليها نظر الطعن للتحري عن وفاة الطاعن قضت الدائرة بانقطاع سير الخصومة لوفاة المذكور. وبناء على طلب ورثته الشرعيين وهم كمال ونبيل وسمير وناهد محمود زكي الطويل وسهير محمود فوزي عن نفسها وبصفتها وصية على القاصر عبد الحميد محمود زكي الطويل عجل الطعن بإعلان لوزارة الخزانة في 31 من مارس سنة 1962 وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 21 من إبريل سنة 1962. وقد قررت الدائرة إحالته إلى المحكمة العليا حيث عين لنظره أمام الدائرة الأولى بها جلسة 16 من فبراير سنة 1963 التي أبلغ بها الطرفان في 15 من يناير سنة 1963. وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوى الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 826 لسنة 13 القضائية ضد وزارة الخزانة أمام محكمة القضاء الإداري "هيئة التسويات" بصحيفة أودعها سكرتيرية المحكمة في 16 من إبريل سنة 1959 ذكر فيها أنه ينازع في المعاش الذي صرف له للأسباب الآتية: "(1) لأنه أغفل في حسابه مدة فصله السياسي من الخدمة بإحالته إلى المعاش قبل بلوغه السن القانونية في 23 من أكتوبر سنة 1944 حتى تاريخ عودته إلى الخدمة في 9 من فبراير سنة 1950. (2) للخصم الجاري من هذا المعاش نظير مبلغ التعويض الذي صرف له من الحكومة عن مدة الفصل المذكور بمناسبة إعادته إلى الخدمة. (3) لعدم مشروعية الخصم الذي أجرى على مرتبه نظير احتياطي المعاش خلال السنتين اللتين ضمتا إلى مدة خدمته بعد إحالته إلى المعاش".
أما عن السبب الأول فإن أحقيته في حساب مدة فصله السياسي في المعاش تقوم على أسانيد ثلاثة هي: - ( أ ) صدور حكم لصالحه حاز قوة الشيء المحكوم فيه من محكمة القضاء الإداري بجلسة 9 من نوفمبر سنة 1950 في الدعوى رقم 503 لسنة 3 القضائية بإلزام الحكومة بأن تدفع له مبلغ ألف جنيه والمصروفات وخمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة. إذ يبين من حيثيات هذا الحكم أنه اعتبر مدة الفصل المشار إليها متصلة بخدمته ورتب على ذلك أحقيته في تعويض يساوي الفرق بين ما كان يصرف له فيها من معاش وما كان ينبغي أن يصرف له من مرتب لو لم يصدر قرار بإحالته إلى المعاش، ولم يجد محلاً لتعويضه عن الضرر الأدبي بعد أن ردت الحكومة اعتباره بإعادته إلى الخدمة بدرجته السابقة ثم بتعيينه وكيلاً للوزارة لشئون السودان. وبذا يكون من حقه أن يعتبر مدة الفصل سالفة الذكر داخله في مدة خدمته بالحكومة وواجبة الحساب في معاشه.
(ب) - صدور القانون رقم 186 لسنة 1951 بتصحيح قرارات مجلس الوزراء الخاصة بحساب مدد الخدمة في المعاش وتضمن الجدول الملحق به لقرار مجلس الوزراء الصادر في 8 من مايو سنة 1950 بالموافقة على حساب مدد الخلو السياسي في المعاش لمن أعيدوا للخدمة ابتداء من 15 من يناير سنة 1950، وهو القرار الذي ينطبق على حالته (ج) - صدور المرسوم بقانون رقم 36 لسنة 1952 المعدل بالمرسوم بقانون رقم 80 لسنة 1952 في شأن الترقيات والعلاوات والأقدميات والتعيينات والمعاشات الاستثنائية إذ يفيد منه نظراً لأنه لا يترتب على حساب مدة فصله السياسي في المعاش زيادة تجاوز خمسة عشر جنيهاً.
وأما عن السبب الثاني: فإن مجلس الوزراء قد قرر بمناسبة إعادة الموظفين المفصولين لأسباب سياسية إلى الخدمة في فبراير سنة 1950 تعويض هؤلاء الموظفين عما أصابهم من أضرار بسبب فصلهم. وقد كان التعويض الذي قرر للمدعي هو مبلغ 1282 جنيهاً، وهو مختلف عن التعويض الذي حكم به القضاء، إذ أنه كان مستنداً إلى سلطة الحكومة في تصحيح الأوضاع المخالفة للقانون مع مراعاة الترقيات والمزايا الوظيفية التي فوتت على المفصول سياسياً. بينما التعويض القضائي لم يراع فيه سوى الضرر المادي الذي أصاب هذا الموظف. وطالما أن التعويض الذي صرف من جانب الحكومة قد قام على أساس سليم فإن إجراء الخصم من المعاش استرداداً له يكون غير مستند إلى مبرر قانوني ويحق للمدعي أن يطالب بإعادة صرف كل ما خصم منه في هذا الشأن.
وأما عن السبب الثالث: فقد سبق للقضاء الإداري أن استقر على أن الخصم الذي أجرى على المرتب المنصرف لمن أحيلوا إلى المعاش في مثل حالة المدعي مع ضم سنتين إلى مدة خدمتهم نظير احتياطي المعاش يعتبر باطلاً. وخلص المدعي من هذا إلى طلب "الحكم: أولاً - باحتساب مدة خدمته من 23 أكتوبر سنة 1944 إلى 9 من فبراير سنة 1950 في المعاش وما يترتب على ذلك من آثار وصرف الفروق. ثانياً - بإبطال الخصم الذي أجرى على المعاش المنصرف له نظير التعويض السابق صرفه له بمناسبة إعادته للخدمة في فبراير سنة 1950 من تاريخ إجرائه وما يترتب على ذلك من آثار وصرف الفروق. ثالثاً - بإبطال الخصم الذي أجرى على المرتب المنصرف له خلال السنتين اللتين ضمتا إلى مدة خدمته نظير احتياطي المعاش وما يترتب على ذلك من أحقيته في استرداد هذا المبلغ الذي خصم منه. مع إلزام الجهة الإدارية بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة".
وقد ردت وزارة الخزانة على هذه الدعوى بأن المدعي أحيل إلى المعاش من 30 من أكتوبر سنة 1952 بالمرسوم الصادر في 30 من أكتوبر سنة 1952، وربط له معاش شهري قدره 21 جنيهاً و843 مليماً بعد استبعاد مبلغ 44 جنيهاً و823 مليماً قيمة ما استبدله بنقود وأطيان أثناء الخدمة، وصرف له معاش في ديسمبر سنة 1952 طبقاً للقانون رقم 37 لسنة 1929. وكان يتعين عليه التقدم بمنازعته بعد ستة أشهر من ذلك التاريخ، ولكنه لم يتقدم بها إلا في صحيفة دعواه، وعلى ذلك فلا تقبل منه هذه المنازعة: (1) لأنه تقدم بمذكرة مؤرخة 10 من نوفمبر سنة 1952 بين فيها مدد خدمته التي قرر مجلس الوزراء حسابها في المعاش بعد خصم مدة الفصل السياسي. (2) لأنه كان قد رفع دعوى وحكم له فيها بالتعويض ولم يحكم بحساب مدة خدمته في المعاش. (3) لأنه تقدم في 12 من ديسمبر سنة 1956 بطلب أوضح فيه أنه بمراجعة معاشه اتضح له أن إدارة المعاشات كانت تقوم بتحويل الفرق بين الماهية والمعاش إلى البنك ناقصاً. (4) لأنه تقدم في 3 من يونيه سنة 1957 - بطلب آخر يلتمس فيه إضافة المبالغ المستبدلة من معاشه التي انقضى عليها خمسة عشر عاماً. إذ يبين مما تقدم أنه كان يعلم يقيناً بمقدار ما ربط له من معاش والمدة المحسوبة في هذا المعاش، وهي ما نص عليه عجز المادة السادسة من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 بقوله (متى مضت ستة أشهر من تاريخ تسليم سركي المعاش المبين فيه مقدار المعاش إلى صاحب الشأن) لأن العبرة ليست بتسليم سركي المعاش ولكن بمعرفة صاحبه بمقدار المعاش المبين بالسركي، وهذا هو روح القانون. ومن ثم فإن طلب المدعي يكون غير مقبول من الناحية الشكلية. أما عن ناحية الموضوع فإن مدة الفصل السياسي التي يطالب المذكور بإدخالها في حساب معاشه لا يجوز ضمها بأي حال من الأحوال طبقاً لنص المادة الثالثة من المرسوم بقانون رقم 36 لسنة 1952 التي تقضي بإبطال القرارات الصادرة بضم مدة انفصال للموظفين الذين فصلوا لأسباب اعتبرت سياسية. أما الخصم الجاري من المعاش نظير مبلغ 1282 جنيهاً فإن الإدارة العامة للمعاشات تقوم بتحصيل هذا المبلغ طبقاً لنص المادة 15 من المرسوم بقانون رقم 36 لسنة 1952 التي تقضي بإلزام الموظفين الذين أبطلت ترقياتهم أو علاواتهم أو تعييناتهم أو معاشاتهم الاستثنائية التي منحوها في الفترة من 6 من فبراير سنة 1942 إلى 8 من أكتوبر سنة 1944 وقبضوا فروقاً مجمدة عن الماضي برد هذه الفروق على أن يكون تحصيلها باستقطاع ربع المرتب أو المعاش أو المكافأة أو ربع الباقي بعد الجزء الذي يحجز عليه، أو بطريق الحجز الإداري. ولما كان المدعي قد أحيل إلى المعاش بالمرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 - وصرف إليه الفرق بين صافي الماهية وإعانة الغلاء والمعاش وإعانة الغلاء عن مدة السنتين المضافتين وكان قرار مجلس الوزراء الصادر في 10 من ديسمبر سنة 1952 يقضي بأن يحصل الموظف خلال المدة المضافة على صافي ما كان يحصل عليه أثناء الخدمة، فإن ما قامت به الإدارة العامة للمعاشات يكون مطابقاً للقرار سالف الذكر إذ أن خصم الاحتياطي عن المدة المضافة واجب لحسابها في المعاش طبقاً لنص المادة التاسعة من قانون المعاشات رقم 37 لسنة 1929. ومن ثم فإنه يتعين عدم قبول الدعوى شكلاً. والحكم برفضها موضوعاً مع إلزام المدعي بالمصروفات.
وقد قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً انتهت فيه لما أبدته من أسباب إلى أنها ترى "الحكم بقبول الدعوى شكلاً، وفي الموضوع برفض الطلبين الأول والثاني الواردين بعريضة الدعوى، والحكم بالنسبة للطلب الثالث بأحقية المدعي في صرف الفرق بين مرتبه كاملاً دون خصم احتياطي المعاش والمعاش المقرر له في السنتين المضمومتين إلى خدمته، وما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الطرفين بالمصروفات المناسبة"
وبجلسة 14 من مارس سنة 1960 قضت محكمة القضاء الإداري باستحقاق المدعي صرف الفرق بين مرتبه كاملاً دون خصم احتياطي المعاش والمعاش المقرر له عن السنتين (المضمومتين) لخدمته وما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الحكومة بالمصروفات المناسبة، ورفض ما عدا ذلك من الطلبات. وأقامت قضاءها فيما يتعلق بالدفع بعدم قبول الدعوى على أنه يتضح من الأوراق أن المدعي قدم في 6 من نوفمبر سنة 1952 طلباً لتسوية معاشه وصرفه على البنك الأهلي من تاريخ صدور المرسوم الذي قضى بفصله من الخدمة اعتباراً من 30 من أكتوبر سنة 1952. وقد صرف له سركي المعاش في 6 من ديسمبر 1952، ثم صدر إذن في 29 من سبتمبر سنة 1957 بتعديل ذلك السركي بحيث أصبحت مدة خدمته 25 يوم و8 شهور و36 سنة وأصبح صافي معاشه بعد استنزال الاستبدال 21.843 جنيه لغاية 24 من نوفمبر سنة 1952. وقد قدم صورة شمسية لسركي المعاش المسلم إليه في 28 من يناير سنة 1959 عن المدة المشار إليها ابتداء من 24 من سبتمبر سنة 1957، ومبين به أن أصل المعاش كان مربوطاً من 30 من أكتوبر سنة 1952 وهذا السركي هو المعول عليه إذ أنه حساب جديد لمدة خدمته. ولما كان الميعاد المنصوص عليه في المادة السادسة من القانون رقم 37 لسنة 1939 الخاص بالمعاشات الملكية المعدلة بالقانون رقم 545 لسنة 1953. وهو ستة أشهر أصبحت اثني عشر شهراً، هو ميعاد سقوط فإنه يجب عدم التوسع فيه أو القياس عليه. ومقتضى هذا أن تاريخ تسليم السركي المبين به مقدار المعاش هو المعول عليه في سريان ميعاد السنة الذي لا يجوز بعده إثارة أية منازعة في المعاش ومن ثم تكون الدعوى مقبولة شكلاً، ويكون الدفع بعدم قبولها في غير محله متعيناً رفضه. وقالت المحكمة في الموضوع عن الطلب الأول للمدعي أن نص المادة الثالثة من المرسوم بقانون رقم 36 لسنة 1952 قاطع في عدم جواز حساب مدة فصل المذكور لأسباب سياسية في معاشه، إذ أنه قضى ببطلان ضم هذه المدة التي اعتبرت الإدارة الفصل فيها سياسياً. هذا إلى أن الحكم الصادر لصالح المدعي من محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 503 لسنة 3 القضائية الذي قضى له بتعويض قدره ألف جنيه لم ينكر على الإدارة حقها في تحقيق المصلحة العامة وفي الانفراد بتنظيم المرافق العامة باختيار أقدر الأشخاص على العمل في خدمة هذه المرافق. ومن ثم فإن المدعي يكون غير محق في طلب ضم المدة المذكورة استناداً إلى أحكام المرسوم بقانون المشار إليه، ويتعين رفض هذا الطلب. أما عن الطلب الثاني فإن المادة 15 من المرسوم بقانون رقم 36 لسنة 1952 الذي يشمل حالة المدعي تجيز للإدارة استرداد ما دفع إليه من فروق متجمدة عن الماضي وبذا تكون الإدارة محقة فيما اتخذته من إجراء بهذا الصدد ويكون الطلب المذكور غير قائم على أساس سليم من القانون متعيناً رفضه. وأما عن الطلب الثالث فإن الرأي قد استقر على أن المبالغ التي تؤدي وفقاً لأحكام القانون رقم 181 لسنة 1952 بشأن فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي الذي أحيل المدعي إلى المعاش بمقتضاه عن مدة السنتين المضافتين هي تعويض جزافي عن فصله وإنهاء خدمته قبل بلوغ سن التقاعد وليست مرتباً أو معاشاً ما دامت صلته بالحكومة قد انقطعت. وقد كان الأصل في هذا التعويض الجزافي أن يدفع للموظف بمجرد تحقق الواقعة المنشئة له وهي قرار مجلس الوزراء بالفصل، إلا أنه رؤى لاعتبارات تتصل بمصلحة الخزانة العامة من جهة وبمصلحة الموظف ذاته من جهة أخرى أن يصرف التعويض خلال مدة السنتين بصفة شهرية مع المعاش وأداؤه على هذا النحو لا يغير من صفته كتعويض. وبناء على هذا فإنه يتعين إجابة المدعي إلى طلبه الثالث فقط وما يترتب على ذلك من آثار.
وبعريضة مودعة سكرتيرية هذه المحكمة في أول مايو سنة 1960 طعن المدعي في هذا الحكم طالباً القضاء "بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من رفض الطلبين المذكورين والحكم بأحقية الطاعن في: أولاً - احتساب مدة خدمته من 23 من أكتوبر سنة 1944 إلى 20
فبراير سنة 1950 في المعاش وما يترتب على ذلك من آثار وصرف الفروق ثانياً - بإبطال الخصم الذي أجرى على المعاش المنصرف له نظير التعويض السابق صرفه بمناسبة إعادته إلى الخدمة في فبراير سنة 1950 من تاريخ إجرائه، وما يترتب على ذلك من آثار وصرف الفروق - مع إلزام الوزارة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". واستند في أسباب طعنه إلى ذات الأسانيد القانونية التي سبق أن أبداها أمام محكمة القضاء الإداري في خصوص الطلبين الأول والثاني اللذين رفضتهما المحكمة ذاكراً أن الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق فيما قضى به إجابته إلى طلبه الثالث، ولكنه أخطأ في تطبيق القانون إذ قضى برفض الطلبين الآخرين.
وقد عقبت هيئة مفوضي الدولة على هذا الطعن بمذكرة بالرأي القانوني مسبباً انتهت فيها إلى أنها ترى "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه والقضاء باستحقاق المدعي في استرداد ما استقطع من معاشه زيادة عن القدر المسموح به قانوناً وقصر الاستقطاع من المعاش على مبلغ 7.927 جنيه شهرياً مع إلزام الحكومة المصروفات المناسبة". وأسست رأيها على أنه لما كانت الجهة الإدارية لم تطعن في هذا الحكم فقد أصبح نهائياً فيما يختص بشكل الدعوى بالطلب الذي أجيب إليه الطاعن، وبالتالي فإن البحث يقتصر على الطلبين اللذين قضى برفضهما. أما فيما يتعلق بالطلب الأول من هذين الطلبين فإنه لما كانت مدة فصل المدعي من 24 من أكتوبر سنة 1944 إلى 8 من فبراير سنة 1950 قد صدر قرار من مجلس الوزراء في 11 من نوفمبر سنة 1950 تنفيذاً لقراره الصادر في 8 من مايو سنة 1950 بحسابها في المعاش مع التجاوز عن دفع الاحتياطي عنها على أساس أن إحالته إلى المعاش كانت لأسباب سياسية. فإنه تكون قد توافرت فيها الشروط الواردة في المادة الثالثة من المرسوم بقانون رقم 36 لسنة 1952 التي تقضي بإبطال مثل هذا القرار. ومن ثم فإن القرار الصادر في 16 سبتمبر 1952 بإبطال القرار الصادر في 11 من نوفمبر سنة 1950 بحساب مدة فصل المدعي في المعاش يكون متفقاً وأحكام القانون. ولا اعتداد بما يذهب إليه المذكور من أن القانون رقم 86 لسنة 1951 قد أضفى المشروعية على قرار مجلس الوزراء الصادر في 8 من مايو سنة 1950 بالموافقة على حساب مدد الخلو السياسي في المعاش لمن أعيدوا للخدمة ابتداء من 15 من يناير سنة 1950، لأن إبطال القرارات الصادرة بضم مدد فصل المدعي إنما تم بأداة قانونية معادلة في قوتها للقانون رقم 86 لسنة 1951. هذا إلى أن حكم محكمة القضاء الإداري الصادر في الدعوى رقم 503 لسنة 3 القضائية لصالح المدعي يبين من منطوقه مكملاً بأسبابه أن المحكمة لم تتعرض إطلاقاً لبحث ما إذا كانت مدة خدمة المذكور متصلة أو منفصلة، وإنما انتهت إلى عدم ثبوت عيب إساءة استعمال السلطة في المرسوم الصادر بإحالته إلى المعاش، إلا أن حقه في التعويض قائم لما ثبت من ملف خدمته من أنه فصل في وقت غير لائق ودون وجود أسباب جدية قائمة به تدعو لإبعاده عن وظيفته، إذ لم تنسب إليه الحكومة عملاً يشين اعتباره أو يمس مصلحة الوظيفة التي كان يشغلها. وترتيباً على ما تقدم فإن قرار الفصل ظل قائماً منتجاً لآثاره وبمنأى عن نطاق الحكم الصادر في الدعوى المشار إليها، الأمر الذي ينبني عليه أن يكون استناد المدعي إلى هذا الحكم لاعتبار مدة خدمته متصلة في غير محله. وبذا يكون الحكم المطعون فيه، إذ قضى برفض طلب حساب مدة الفصل في معاشه قد أصاب الحق في قضائه. وأما فيما يختص بالطلب الثاني للمدعي فإنه يبين من الأوراق أنه تنفيذاً للمرسوم بقانون رقم 148 لسنة 1944 أعيد المدعي إلى الدرجة الثالثة اعتباراً من أول يناير سنة 1944 بمرتب قدره 47.500 جنيه وسوى معاشه بمناسبة فصله من الخدمة على هذا الأساس فاستحق معاشاً قدره 17.822 جنيه ثم أعيد تسوية معاشه في ضوء قرار مجلس الوزراء الصادر في 8 من مايو سنة 1950 فاستحق معاشاً قدره 40.749 جنيه شهرياً وصرف له الفرق وقدره 1282.141 جنيه ولما كان هذا المبلغ قد صرف إليه على أساس أنه عند إعادة تعيينه في 9 من فبراير سنة 1950 قد ردت إليه الترقيات الاستثنائية التي حصل عليها في الفترة من 6 من فبراير سنة 1942 إلى 8 من أكتوبر سنة 1944 والتي أبطلت طبقاً للمرسوم بقانون رقم 148 لسنة 1944 مما انبنى عليه تعديل معاشه، فإنه نزولاً على حكم المادة 15 من المرسوم بقانون رقم 36 لسنة 1952 يتعين عليه رد هذه الفروق وإذ قامت الجهة الإدارية باستقطاعها من المعاش المستحق له فإن تصرفها في هذا الشأن يكون سليماً لا مطعن عليه إلا أنه يخرج من حكم الاستقطاع لاسترداد ما قبض من فروق مجمدة عن الماضي ما أبقاه القانون من زيادة في المعاشات الاستثنائية أو القانونية إذا كان مقدار هذا المعاش أو تلك الزيادة خمسة عشر جنيهاً فأقل وذلك بالتطبيق لحكم المادة 10 من المرسوم بقانون آنف الذكر، إذ أن المشرع رأى لحكمة تشريعية خاصة الإبقاء على هذه الزيادة وعدم المساس بها رحمة بأرباب المعاشات ورعاية لحالة الأرامل واليتامى وغنى عن البيان أن استرداد هذه الزيادة عن طريق الاستقطاع من المعاش يتنافى بداهة مع مبدأ الإبقاء عليها ولو أعيد صاحب المعاش بعد ذلك إلى الوظيفة. ومن ثم لا يكون للجهة الإدارية سوى الحق في استرداد ما زاد على القدر الذي استبقاه القانون للمدعي من الزيادة التي أصابت معاشه نتيجة رد الترقيات الاستثنائية السابق إبطالها إليه وقدره 7.927 جنيه باعتباره الفرق بين معاشه وقدره 17.822 جنيه والزيادة التي استبقاها القانون وقدرها 15 جنيهاً وبين المعاش الاستثنائي الذي منح له وقدره 40.749 جنيهاً.
ومن حيث إن حكم محكمة القضاء الإداري المطعون فيه قد أجاب المدعي إلى الطلب الثالث من طلباته التي ضمنها صحيفة دعواه إذ قضى باستحقاقه صرف الفرق بين مرتبه كاملاً دون خصم احتياطي المعاش وبين المعاش المقرر له عن السنتين المضمومتين لخدمته وما يترتب على ذلك من آثار وبإلزام الحكومة بالمصروفات المناسبة. ولما كانت الجهة الإدارية لم تطعن في هذا الحكم فإنه يكون قد أصبح نهائياً فيما يختص بشكل الدعوى التي سبق أن دفعت بعدم قبولها ورد الحكم على هذا الدفع برفضه وبقبول الدعوى شكلاً، وكذلك فيما يتعلق بالطلب الذي أجابت المحكمة المدعى إليه. ومن ثم فإن البحث ينحصر في الطلبين الذين قضى الحكم المطعون فيه برفضهما واللذين قام عليهما الطعن الحالي المرفوع من المدعي وهما، (أولاً) حساب مدة خدمته من 23 من أكتوبر سنة 1944 إلى 29 من فبراير سنة 1950 في المعاش، وما يترتب على ذلك من آثار وصرف الفروق. و(ثانياً) بإبطال الخصم الذي أجرى على المعاش المنصرف له نظير التعويض السابق صرفه له بمناسبة إعادته إلى الخدمة في فبراير سنة 1950 من تاريخ إجرائه وما يترتب على ذلك من آثار وصرف الفروق.
ومن حيث عن الطلب الأول فإنه يبين من الأوراق أن المدعي كان قد رقى إلى الدرجة الثانية بصفة استثنائية بوزارة الأوقاف اعتباراً من 25 من مايو سنة 1942 بقرار من مجلس الأوقاف الأعلى. ثم عين وكيلاً لمصلحة الطرق والكباري بقرار من مجلس الوزراء اعتباراً من 7 من يونيه سنة 1942. وفي 4 من يناير سنة 1943 صدر مرسوم بتعيينه مديراً عاماً للمصلحة المذكورة ثم أحيل إلى المعاش بمرسوم صادر في 23 من أكتوبر سنة 1944. وفي 2 من ديسمبر سنة 1944 صدر القرار الوزاري رقم 446 من وزير المواصلات تطبيقاً للمرسوم رقم 148 لسنة 1944 الخاص بإلغاء الترقيات والعلاوات والتعيينات الاستثنائية التي منحت في المدة من 6 من فبراير سنة 1942 إلى 8 من أكتوبر سنة 1944 بإبطال ترقيته إلى الدرجة الثانية وكذا تعيينه في وظيفة مدير عام مصلحة الطرق والكباري وتسوية حالته باعتباره في الدرجة الثالثة من أول يناير سنة 1941. وفي أول أغسطس سنة 1949 أقام الدعوى رقم 503 لسنة 3 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري ضد كل من وزارة المواصلات ومجلس الوزراء طالباً فيها الحكم بإلزامهما متضامنين بأن يدفعا له مبلغ عشرين ألف جنيه تعويضاً له عما لحقه من أضرار مادية وأدبية بسبب إحالته إلى المعاش قبل بلوغه السن القانوني باثني عشر سنة. وبجلسة 9 من نوفمبر سنة 1950 قضت الدائرة الثالثة بمحكمة القضاء الإداري في هذه الدعوى "بإلزام الحكومة بأن تدفع للمدعي مبلغ ألف جنيه والمصروفات وخمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة". وفي 9 من فبراير سنة 1950 صدر مرسوم بإعادته إلى الخدمة وتعيينه مديراً عاماً بمصلحة التنظيم بدرجة مدير عام ( أ ) ثم صدر مرسوم في 28 من سبتمبر سنة 1950 بتعيينه وكيل وزارة لشئون السودان برياسة مجلس الوزراء اعتباراً من هذا التاريخ. وفي 11 من نوفمبر سنة 1950 صدر قرار رئيس مجلس الوزراء تنفيذاً لقرار المجلس الصادر في 5 من مارس سنة 1950 بإعادة جميع الموظفين المفصولين منذ 9 من أكتوبر سنة 1944 لأسباب سياسية إلى خدمة الحكومة بـ "تطبيق أحكام قراري مجلس الوزراء الصادرين في 15 من مايو و24 من يوليه سنة 1935 باحتساب مدة الانفصال من (24 أكتوبر 1944 حتى 8 فبراير سنة 1950) لحضرته في المعاش مع التجاوز عن دفع الاحتياطي عنها على اعتبار أن إحالته إلى المعاش كانت لأسباب سياسية وعلى هذا صرف له مبلغ 1282.141 جنيه قيمة متجمد فرق تعديل معاش. وفي 3 من مايو سنة 1952 صدر قرار رئيس مجلس الوزراء بتكليفه برد متجمد الفروق السابق صرفها إليه وقدرها (1282.141) جنيه على أقساط شهرية، وذلك باستقطاع ربع صافي المرتب مضافاً إليه ما يستحقه من مرتبات إضافية كإعانة الغلاء وذلك اعتباراً من ماهية شهر إبريل سنة 1952 "تطبيقاً للمرسوم بقانون رقم 36 لسنة 1952 ولكتاب وزارة المالية الدوري رقم ف 234 - 5/ 48 المؤرخ 22 من إبريل سنة 1952 بشأن إبطال الترقيات والعلاوات والأقدميات والتعيينات الاستثنائية". وفي 16 من سبتمبر سنة 1952 صدر قرار رئيس مجلس الوزراء بالتطبيق للمرسومين بقانون رقمي 36 و80 لسنة 1952 في شأن إلغاء الاستثناءات بإبطال القرار الوزاري الصادر بتاريخ 11 من نوفمبر سنة 1950 باحتساب مدة الانفصال ومن 24 أكتوبر سنة 1944 حتى 8 فبراير سنة 1950 لحضرته في المعاش مع التجاوز عن دفع الاحتياطي عنها، أي لا تحتسب تلك المدة في المعاش. وفي 30 من أكتوبر سنة 1952 صدر مرسوم بفصله من الخدمة بالاستناد إلى المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 بشأن فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي. ونفذ اعتباراً من هذا التاريخ.
ومن حيث إن المرسوم بقانون رقم 36 لسنة 1952 في شأن الترقيات والعلاوات والأقدميات والتعيينات والمعاشات الاستثنائية الذي عمل به من أول إبريل سنة 1952 والمعدل بالمرسوم بقانون رقم 80 لسنة 1952 نص في مادته الأولى على أن "تبطل الترقيات والعلاوات والأقدميات الاستثنائية التي منحت للموظفين والمستخدمين خلال المدة 8 من أكتوبر سنة 1944 إلى تاريخ العمل بهذا المرسوم بقانون من إحدى الهيئات الآتية: ( أ ) مجلس الوزراء (ب) - ....." كما نص في مادته الثالثة على أن "تبطل القرارات الصادرة من إحدى الهيئات المتقدم ذكرها في المادة الأولى خلال المدة المحددة فيها بضم مدد انفصال للموظفين الذين فصلوا لأسباب اعتبرت سياسية".
ومن حيث إن الشروط الواردة في هاتين المادتين متوافرة في القرار الصادر من رئيس مجلس الوزراء الصادر في 11 من نوفمبر سنة 1950 بحساب مدة فصل المدعي من الخدمة من 24 من أكتوبر سنة 1944 إلى 8 من فبراير سنة 1950 في معاشه مع التجاوز عن دفع الاحتياطي عنها على أساس أن إحالته إلى المعاش كانت لأسباب سياسية. ومن ثم فإن قرار رئيس مجلس الوزراء الصادر في 16 من سبتمبر سنة 1952 بإبطال القرار آنف الذكر وعدم حساب المدة المشار إليها في معاش المدعي بالتطبيق لأحكام المرسومين بقانون رقمي 36 و80 لسنة 1952 في شأن إلغاء الاستثناءات يكون صحيحاً سليماً مطابقاً للقانون، على أن هذا القرار قد أصبح حصيناً من الإلغاء بانقضاء ميعاد الطعن فيه دون أن يطعن فيه المدعي بطلب إلغائه وما ترتب عليه من آثار. ولا يغير من هذا كون القانون رقم 86 لسنة 1951 في شأن المدد التي تحتسب في المعاش الذي عمل به في 31 من مايو سنة 1951 قد اعتبر في حكم الصحيحة القرارات التي صدرت من مجلس الوزراء في المدة من 4 من يونيه سنة 1929 إلى تاريخ العمل به، وكذلك القرارات التي تضمنت تدابير خاصة بجواز احتساب مدد في المعاش بالاستثناء من أحكام القوانين التي أشار إليها في مادته الأولى، وقضى بأن تظل هذه القرارات نافذة منتجة لآثارها، ومن بينها قرار مجلس الوزراء الصادر في 8 من مايو سنة 1950 بالموافقة على حساب مدد الخلو السياسي في حساب المعاش لمن أعيدوا للخدمة ابتداء من 15 من يناير سنة 1950. لا يغير هذا من صحة قرار رئيس مجلس الوزراء الصادر في 16 من سبتمبر سنة 1952 بعدم حساب مدة فصل المدعي من الخدمة في معاشه ما دام المرسوم بقانون رقم 36 لسنة 1952 وكذا المرسوم بقانون رقم 80 لسنة 1952 وكلاهما تشريع لاحق صادر بأداة قانونية معادلة في قوتها لتلك التي صدر بها القانون رقم 86 لسنة 1951 قد أوردا حكماً صريحاً ناسخاً بأثر رجعي لحكم هذا القانون الأخير في خصوص ما قضيا به من إبطال القرارات الصادرة بضم مدد الفصل السياسي في حساب المعاش خلال المدة من 8 من أكتوبر سنة 1944 حتى أول إبريل سنة 1952 بما لا وجه معه للاحتجاج بعدم جواز إبطال ما سبق اعتباره في حكم الصحيح من هذه القرارات بمقتضى القانون رقم 86 لسنة 1951.
ولا صحة لما يذهب إليه المدعي من أن حكم محكمة القضاء الإداري الصادر بجلسة 9 من نوفمبر سنة 1950 في الدعوى رقم 503 لسنة 3 القضائية السابق رفعها منه بطلب تعويض عما أصابه من أضرار مادية وأدبية بسبب إحالته إلى المعاش قبل بلوغه السن القانونية والذي حاز قوة الأمر المقضي قد اعتبر مدة فصله بمثابة خدمة متصلة ورتب على ذلك أحقيته في تعويض يساوي الفرق بين ما كان يصرف له من معاش فيها وما كان ينبغي أن يصرف له من مرتب لو لم يصدر قرار بإحالته إلى المعاش، لا صحة لذلك لأنه بمطالعة أسباب الحكم المذكور المكملة لمنطوقه يبين أن المحكمة لم تتعرض لا مباشرة ولا بطريق غير مباشر لبحث ما إذا كانت مدة خدمة المدعي قد انقطعت بإحالته إلى المعاش أم ظلت متصلة، إذ لم يكن هذا الأمر مطروحاً عليها ولم يكن البت فيه لازماً كمسألة أولية للفصل في الدعوى، وإنما أقامت المحكمة قضاءها على أنه ولئن كان للحكومة الحق بمقتضى القوانين واللوائح المعمول بها في فصل من ترى فصله من الموظفين قبل بلوغه سن التقاعد بغير حاجة إلى بيان أسباب الفصل متى رأت ذلك ضماناً لحسن سير المرافق العامة، مع اعتبار قراراتها غير المسببة صحيحة ومنتجة لآثارها القانونية وصادرة في حدود المصلحة العامة إلى أن يقدم الموظف المفصول الدليل على صدورها مشوبة بعيب إساءة استعمال السلطة، إلا أن هذا لا يعني أن سلطتها في ذلك تحكمية تصدر فيها عن الغرض والهوى، وإنما هي سلطة تقديرية تجد حدها الطبيعي في العلة القانونية التي أملتها وهي المصلحة العامة، فإذا انحرفت الإدارة عن هذا الحد كان تصرفها مشوباً بإساءة استعمال السلطة وحق عليها الإلغاء. أما إذا كان الأمر متعلقاً بطلب تعويض عن تلك القرارات فإن قواعد العدالة توجب تضمين الموظف المفصول عن الأضرار التي لحقته بسبب قرار الفصل أو الإحالة إلى المعاش إذا كان قد صدر بغير مسوغ أو في وقت غير لائق. ولم تر المحكمة فيما استند إليه المدعي من وقائع وملابسات دليلاً كافياً على أن مرسوم إحالته إلى المعاش قد صدر ببواعث حزبية لا تمت للمصلحة العامة بسبب، إلا أنها رأت على الرغم من انتفاء عيب إساءة استعمال السلطة أن حقه في التعويض قائم لما ثبت من أنه فصل من الخدمة في وقت غير لائق دون قيام أسباب جدية تدعو لإبعاده عن وظيفته. وذكرت المحكمة أن استحقاقه للتعويض عن الضرر المادي إنما يكون بقدر ما ضاع عليه من مرتب كان يجب أن يتقاضاه لو استمر في خدمة الحكومة بعد خصم ما تقرر له من معاش، مع مراعاة ما يكون قد حققه من دخل من عمله الحر الذي كان متاحاً له الذي أقر بممارسته إياه، أما التعويض الأدبي فلا محل له بعد إذ ردت الحكومة إليه اعتباره بإعادته إلى الخدمة ثم تعيينه بعد ذلك وكيلاً لوزارة شئون السودان ومفاد هذا الحكم أن حكم محكمة القضاء الإداري قد اعتبر قرار إحالة المدعي إلى المعاش صدر صحيحاً سليماً مطابقاً للقانون مستهدفاً تحقيق المصلحة العامة ومنتجاً لآثاره القانونية ومن هذه الآثار بطبيعة الحال انقطاع رابطة التوظف انقطاعاً لا يمنع تحققه من الحكم بالتعويض ولا يرتفع بهذا الحكم. ومن ثم فإن استناد المدعي إلى الحكم المذكور للمطالبة باعتبار مدة خدمته متصلة ينطوي على تحميل للحكم بما قضى بنقيضه. وإذ قضى حكم محكمة القضاء الإداري المطعون فيه برفض هذا الطلب من طلبات المدعي - وهو حساب مدة فصله من الخدمة في معاشه وما يترتب على ذلك من آثار وفروق - فإنه يكون قد أصاب الحق في قضائه، ويكون الطعن في غير محله في هذا الشق منه متعيناً رفضه.
ومن حيث فيما يتعلق بالطلب الثاني الذي رفضه الحكم المطعون فيه من طلبات المدعي وهو الخاص بإبطال الخصم الذي أجرى على المعاش المنصرف له نظير التعويض السابق صرفه له بمناسبة إعادته إلى الخدمة في فبراير سنة 1950 من تاريخ إجرائه وما يترتب على ذلك من آثار وصرف الفروق، فإنه يتضح من الأوراق أنه في 2 من ديسمبر سنة 1944 صدر القرار الوزاري رقم 446 من وزير المواصلات تطبيقاً للمرسوم بقانون رقم 148 لسنة 1944 الخاص بإلغاء الترقيات والعلاوات والتعيينات الاستثنائية التي منحت في المدة من 6 من فبراير سنة 1942 إلى 8 من أكتوبر سنة 1944 بإبطال ترقيات المدعي إلى الدرجة الثانية وإلغاء تعيينه في وظيفة مدير عام مصلحة الطرق والكباري وتسوية حالته برده إلى الدرجة الثالثة من أول يناير سنة 1941 بمرتب بلغ بالعلاوات في أول مايو سنة 1944 - 570 جنيهاً سنوياً. وعلى هذا الأساس ربط له بمناسبة فصله من الخدمة بالمرسوم الصادر في 23 من أكتوبر سنة 1944 معاش شهري مجرد من الاستثناءات قدره 17.822 جنيه، ثم أعيد تسوية معاشه بعد إعادته إلى الخدمة في 9 من فبراير سنة 1950 بالمرسوم الصادر في ذات التاريخ وطبق في حقه قرار مجلس الوزراء الصادر في 8 من مايو سنة 1950 القاضي برد الفروق عن الماضي لمن أحيلوا إلى المعاش لأسباب سياسية فاستحق معاشاً شهرياً معدلاً إلى 40.749 جنيهاً على أساس مرتبه قبل إلغاء الاستثناء. وقبض فروقاً مجمدة عن الماضي مقدارها 1282.141 جنيهاً.
ومن حيث إن المرسوم بقانون رقم 36 لسنة 1952 في شأن الترقيات والعلاوات والأقدميات والتعيينات والمعاشات الاستثنائية نص في مادته العاشرة على أن "يبطل بالنسبة إلى أصحاب المعاشات وإلى المستحقين عنهم كل زيادة تجاوز خمسة عشر جنيهاً في الشهر في المعاشات التي ربطت على أساس مرتب زيد بسبب ترقيات أو علاوات استثنائية أبطلت أو عدلت بالتطبيق لأحكام هذا المرسوم بقانون، وفي هذه الحالة يسوى المعاش على هذا الأساس إلا إذا كان لصاحب المعاش أو للمستحقين عنه مصلحة في تسوية المعاش على أساس المرتب الذي يستحقه بالتطبيق للأحكام المذكورة". كما نص في مادته الخامسة عشرة على ما يأتي: "الموظفون الذين أبطلت ترقياتهم أو علاواتهم أو تعييناتهم أو معاشاتهم الاستثنائية التي منحوها في الفترة من 6 من فبراير سنة 1942 إلى 8 من أكتوبر سنة 1944 بالتطبيق لأحكام المرسوم بقانون رقم 148 لسنة 1944 ثم ردت إليهم بعد 12 من يناير سنة 1950 وقبضوا فروقاً مجمدة عن الماضي بموجب قرارات من إحدى الهيئات المنصوص عليها في المادة الأولى يلزمون برد هذه الفروق. ويكون تحصيلها باستقطاع ربع المرتب أو المعاش أو المكافأة أو ربع الباقي بعد الجزء الذي يحجز عليه. وذلك استثناء من أحكام القانون رقم 111 لسنة 1951 المشار إليه". وقد ورد بالمذكرة الإيضاحية لهذا المرسوم بقانون ما يلي: "نصت المادة العاشرة على استبقاء المعاش الاستثنائي وكل زيادة استثنائية في المعاش القانوني إذا كان مقدار هذا المعاش أو تلك الزيادة خمسة عشر جنيهاً فأقل. وفي حالة تجاوز الزيادة هذا القدر تعاد تسوية المعاش على أساس استبعاد الجزء الزائد على هذا القدر". وقد اشتملت المادة 15 من المشروع على حكم خاص بالموظفين الذين ألغيت ترقياتهم أو علاواتهم أو معاشاتهم الاستثنائية التي منحوها في الفترة من 6 من فبراير سنة 1942 إلى 8 من أكتوبر سنة 1944 وردت إليهم بقرارات من مجلس الوزراء أو غيره من الهيئات بعد 12 من يناير سنة 1950 وصرفت إليهم فروق مجمدة عن الماضي. ويقضي هذا الحكم برد هذه الفروق التي صرفت محافظة على صالح الخزانة العامة ولما لوحظ من أن صرف هذه الفروق كان مبنياً على أسباب حزبية، إذ اقتصر على فريق معين من الموظفين وحتى يكون رد تلك الفروق عبرة وردعاً ويوضع به حد لمثل هذه التصرفات في المستقبل".
ومن حيث إن المبالغ التي قبضها المدعي بمناسبة إعادته إلى الخدمة في 9 من فبراير سنة 1950 إنما صرفت إليه على أنها قيمة متجمد فرق تعديل معاش عن الماضي على أساس رد الترقيات والعلاوات الاستثنائية إليه وهي التي كان قد منحها في الفترة من 6 من فبراير سنة 1942 إلى 8 من أكتوبر سنة 1944 والتي أبطلت بالتطبيق لأحكام المرسوم بقانون رقم 48 لسنة 1944، ومن ثم فإنه نزولاً على حكم المادة 15 من المرسوم بقانون رقم 36 لسنة 1952 يكون ملزماً برد هذه الفروق، ويكون تحصيلها باستقطاع ربع المرتب أو المعاش أو المكافأة أو ربع الباقي بعد الجزء الذي يحجز عليه، وذلك استثناء من أحكام القانون رقم 111 لسنة 1951، مع مراعاة ما سبق أن قضت به هذه المحكمة من أنه يخرج من حكم الاستقطاع لاسترداد ما قبض من فروق مجمدة عن الماضي ما أبقاه المرسوم بقانون آنف الذكر في مادته العاشرة من زيادة في المعاشات الاستثنائية أو القانونية إذ كان مقدار هذا المعاش أو تلك الزيادة خمسة عشر جنيهاً فأقل في الشهر ذلك أنه المشرع رأى لحكمة تشريعية خاصة الإبقاء على هذه الزيادة وعدم المساس بها رحمة بأرباب المعاشات ورعاية لحالة الأرامل واليتامى. وغنى عن البيان أن استرداد هذه الزيادة عن طريق الاستقطاع من المعاش يتنافى بداهة مع مبدأ الإبقاء عليها، وهو ما أكده الشارع من قبيل الاستثناء للحكمة الخاصة التي أفصح عنها. وعلى هذا فإنه يتعين تعديل حكم محكمة القضاء الإداري المطعون فيه في هذا الشق من طلبات مورث الطاعنين بقصر الاستقطاع من معاشه على القدر الزائد على ما استبقاه له المرسوم بقانون رقم 36 لسنة 1952 في المادة العاشرة منه من الزيادة في هذا المعاش الناتجة عن رد الترقيات والعلاوات الاستثنائية السابق إبطالها إليه، مع إلزام الحكومة بالمصروفات المناسبة وتأييد الحكم فيما عدا ذلك.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه، بتعديل الحكم المطعون فيه على الوجه المبين بأسباب هذا الحكم وتأييده فيما عدا ذلك وألزمت الحكومة بالمصروفات المناسبة.