جلسة 24 من سبتمبر سنة 2019
برئاسة السيد القاضي/ موسى محمد مرجان نائب رئيس المحكمة وعضوية
السادة القضاة/ أحمد صلاح الدين وجدي، صلاح محمد عبد العليم، عز الدين عبد الخالق
عمر ووليد محمد بركات نواب رئيس المحكمة.
---------------
الطعن رقم 1005 لسنة 88 القضائية (رجال القضاء)
(1) إذ كان المقرر أن المحكمة الدستورية
العليا قد انتهت في أسباب حكمها الصادر في الدعوى رقم 27 لسنة 37 قضائية إلى أن
الدستور قد كفل في المادتين (13،12) منه حق العمل والحفاظ على حقوق العمال ومن ثم
فلا يجوز للدولة أن تعطل جوهرها، ولا أن تتخذ من حمايتها للعامل موطئا لإهدار حقوق
يملكها، وعلى الأخص تلك التي تتصل بالأوضاع التي ينبغي أن يمارس العمل فيها،
ويندرج تحتها الحق في الإجازة السنوية التي لا يجوز لجهة العمل أن تحجبها عن عامل
يستحقها، وإلا كان ذلك منها عدوانا على صحته البدنية والنفسية، وإخلالا بأحد
التزاماتها الجوهرية التي لا يجوز للعامل بدوره أن يتسامح فيها، ونكولا عن الحدود
المنطقية التي ينبغي وفقا للدستور أن تكون إطارا لحق العمل.
(2) إذ كان من غير الجائز أن يتخذ العامل من
الإجازة السنوية وعاء ادخاريا من خلال ترحيل مددها التي تراخى في استعمالها، ثم
تجميعها ليحصل بعد انتهاء خدمته على ما يقابلها من الأجر، إلا أن هذا الحكم لا
ينبغي أن يسري على إطلاقه، بما مؤداه أنه كلما كان فوات الإجازة راجعا إلى جهة
العمل أو لأسباب اقتضتها ظروف أدائه دون أن يكون لإرادة العامل يد فيها، كانت جهة
العمل مسئولة عن تعويضه عنها، فيجوز للعامل عندئذ - وكأصل عام - أن يطلبها جملة،
إذا كان اقتضاء ما تجمع من إجازاته السنوية على هذا النحو ممكنا عينا، وإلا كان
التعويض النقدي عنها واجبا، تقديرا بأن المدة التي يمتد إليها الحرمان من استعمال
تلك الإجازة مردها إلى جهة العمل فكان لزاما أن تتحمل وحدها تبعة ذلك، ومن ثم فلا
يجوز وضع حد أقصى لهذا التعويض، أو وضع حد أقصى للإجازات السنوية التي يجوز للعامل
احتسابها أو احتساب الأجر المقابل لها.
(3) إذ كان قانون السلطة القضائية قد خلا من
النص على صرف مقابل رصيد الإجازات الاعتيادية الذي لم يستنفده القاضي أو عضو
النيابة العامة فإنه يرجع في هذا الشأن إلى أحكام قانون الخدمة المدنية الصادر
بالقانون رقم 81 لسنة 2016 وذلك فيما لا يتعارض مع التنظيم القانوني للهيئات
القضائية وما تتسم به وظائفها من طبيعة خاصة، ولما كان مفاد نص المادة 50 من قانون
الخدمة المدنية سالف الذكر، والمادة (137) من اللائحة التنفيذية للقانون المذكور
الصادرة بقرار رئيس الوزراء رقم 1216 لسنة 2017 أنه يشترط لصرف المقابل النقدي لرصيد
الإجازات الاعتيادية الذي يتكون بعد تاريخ العمل بالقانون المشار إليه أن يتقدم
الموظف بطلب للحصول على إجازاته وأن تقرر السلطة المختصة رفض الطلب لأسباب تتعلق
بمصلحة العمل، ويستحق الموظف عنه مقابلا نقديا يصرف بعد مرور ثلاث سنوات على
انتهاء العام المستحق عنه الإجازة على أساس أجره الوظيفي في هذا العام.
(4) المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن
المشرع قد نص على أن العطلة القضائية تبدأ كل عام من أول يوليو وتنتهي في آخر
سبتمبر ولم يجز للقضاة وأعضاء النيابة العامة الحصول على إجازة في غير العطلة
القضائية إلا إذا كان قد أدوا العمل خلالها وبشرط أن تسمح حالة العمل بذلك، غير
أنه من ناحية أخرى أوجب صراحة على المحاكم بدرجاتها أن تستمر في أثناء العطلة
القضائية في نظر القضايا التي يصدر بتعيينها قرار من وزير العدل بعد أخذ رأي مجلس
القضاء الأعلى، كما أوكل إلى الجمعيات العمومية للمحاكم تنظيم العمل سواء خلال
العطلة القضائية أو خلال فترات العمل، مما مؤداه أن رغبة العضو في استيداء إجازته
السنوية أمرا مرهونا دائما بالنظام الذي تقرره جهة الإدارة بما يكفل حسن سير العمل
القضائي على نحو يضمن تحقيق العدالة الناجزة، وعلى ذلك فإن عدم حصول رجل القضاء
على إجازاته السنوية أو حصوله عليها يرتبط دائما بذلك النظام الذي استنته الجهات
القائمة على أداء هذا المرفق الحيوي والهام وتنظيم العمل القضائي ذاته لما له من
طبيعة خاصة وذاتية بما ينبئ بأن عدم حصول رجل القضاء على إجازاته المقررة إنما
يرجع دائما إلى أسباب اقتضتها مصلحة العمل وحسن أدائه، وبما ينشئ له حقا في صرف
المقابل النقدي كاملا بديلا عن هذه الإجازات ولا يغير من ذلك القول بأن الأوراق قد
خلت من دليل على أن عدم قيام القاضي بالإجازة كان يرجع إلى مصلحة العمل وأنه لم
يثبت أنه القاضي كان قد طلب القيام بإجازة أو أن جهة العمل رفضت طلبه وألزمته
بالاستمرار في العمل.
(5) إذ كان لا ينال مما تقدم - حق القاضي في
الحصول على المقابل النقدي عن رصيد إجازته التي لم يستنفدها - القول بأن القانون
رقم 81 لسنة 2016 الخدمة المدنية قرر صرف المقابل النقدي لرصيد الإجازات بعد مرور
ثلاث سنوات على انتهاء العام المستحق عنه الإجازة فقد استقر قضاء هذه المحكمة على
أن القاضي يستحق المقابل النقدي لرصيد الإجازات عند بلوغه سن الستين، ثم يستحق
المقابل النقدي لما يستحق له من رصيد الإجازات الذي لم يستنفده بعد بلوغه سن
الستين وحتى بلوغه سن التقاعد المقرر للقاضي وهو سبعون عاما، كما لا ينال من ذلك
حصول القاضي على مكافأة عن عمله خلال أشهر الصيف لأنها لا توازي مرتب الشهر العادي
وقوامه الأجر الأساسي والمتغير بمفرداته وعناصره والذي يتعين استصحابه مضاعفا حال
عمله خلال العطلة الصيفية، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وخلص إلى أحقية
المطعون ضده في صرف المقابل النقدي لرصيد إجازاته الاعتيادية الذي لم يستنفده بسبب
مقتضيات العمل عند بلوغه سن التقاعد فإنه يكون قد انتهى إلى قضاء صحيح.
------------
الوقائع
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق –
تتحصل في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم ... لسنة 135ق القاهرة "رجال
القضاء" على الطاعنين بصفتيهما بطلب الحكم بأحقيته في صرف المقابل النقدي عن
رصيده من الإجازات الاعتيادية الذي لم يستنفده بسبب مقتضيات العمل محسوبا على أساس
آخر أجر أساسي كان يتقاضاه عند بلوغه سن التقاعد مضافا إليه العلاوات الخاصة مع
عدم خصم ما تقاضاه من مكافأة عن عمل الصيف، وقال بيانا لذلك إنه بلغ السن
القانونية للتقاعد طبقا لأحكام القانون رقم 183 لسنة 2008 وله رصيد من الإجازات
الاعتيادية لم يحصل عليه بسبب مقتضيات العمل وإذ لم تقم جهة العمل بصرف المقابل
النقدي عنه فقد أقام الدعوى، بتاريخ 17/9/2018 قضت محكمة الاستئناف بأحقية المطعون
ضده في طلباته، طعن الطاعنان بصفتيهما في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة
مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة - في غرفة
المشورة - فحددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
-------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي
المقرر، والمرافعة، وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على سبب واحد ينعى به الطاعنان بصفتيهما على الحكم
المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله، ويقولان في بيان ذلك إن
قانون الخدمة المدنية الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 2016 والمعمول به بتاريخ
2/11/2016 لم ينص على سريان أحكامه على المعاملين بكادرات خاصة ومنهم أعضاء السلطة
القضائية وبالتالي فلا ينطبق بالنسبة لهم الأحكام الخاصة بالمقابل النقدي لرصيد
الإجازات الاعتيادية، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بأحقية المطعون ضده
في المقابل النقدي لرصيد إجازاته الاعتيادية عن الفترة من 2/11/2016 وحتى
30/6/2018 فإنه يكون معيبا بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أنه من المقرر - في قضاء هذه المحكمة
- أن المحكمة الدستورية العليا قد انتهت في أسباب حكمها الصادر في الدعوى رقم 27
لسنة 37 قضائية إلى أن الدستور قد كفل في المادتين (13،12) منه حق العمل والحفاظ
على حقوق العمال، ومن ثم فلا يجوز للدولة أن تعطل جوهرها، ولا أن تتخذ من حمايتها
للعامل موطئا لإهدار حقوق يملكها، وعلى الأخص تلك التي تتصل بالأوضاع التي ينبغي
أن يمارس العمل فيها، ويندرج تحتها الحق في الإجازة السنوية التي لا يجوز لجهة
العمل أن تحجبها عن عامل يستحقها، وإلا كان ذلك منها عدوانا على صحته البدنية
والنفسية، وإخلالا بأحد التزاماتها الجوهرية التي لا يجوز للعامل بدوره أن يتسامح
فيها، ونكولا عن الحدود المنطقية التي ينبغي وفقا للدستور أن تكون إطارا لحق
العمل. وأنه ولئن كان من غير الجائز أن يتخذ العامل من الإجازة السنوية وعاء
ادخاريا من خلال ترحيل مددها التي تراخى في استعمالها، ثم تجميعها ليحصل بعد
انتهاء خدمته على ما يقابلها من الأجر، إلا أن هذا الحكم لا ينبغي أن يسري على
إطلاقه، بما مؤداه أنه كلما كان فوات الإجازة راجعا إلى جهة العمل أو لأسباب
اقتضتها ظروف أدائه دون أن يكون لإرادة العامل يد فيها، كانت جهة العمل مسئولة عن
تعويضه عنها، فيجوز للعامل عندئذ - وكأصل عام - أن يطلبها جملة، إذا كان اقتضاء ما
تجمع من إجازاته السنوية على هذا النحو ممكنا عينا، وإلا كان التعويض النقدي عنها
واجبا، تقديرا بأن المدة التي يمتد إليها الحرمان من استعمال تلك الإجازة مردها
إلى جهة العمل فكان لزاما أن تتحمل وحدها تبعة ذلك، ومن ثم فلا يجوز وضع حد أقصى
لهذا التعويض، أو وضع حد أقصى للإجازات السنوية التي يجوز للعامل احتسابها أو
احتساب الأجر المقابل لها.
وحيث إنه لما كان قانون السلطة القضائية قد خلا من النص على صرف مقابل
رصيد الإجازات الاعتيادية الذي لم يستنفده القاضي أو عضو النيابة العامة فإنه يرجع
في هذا الشأن إلى أحكام قانون الخدمة المدنية الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 2016
وذلك فيما لا يتعارض مع التنظيم القانوني للهيئات القضائية وما تتسم به وظائفها من
طبيعة خاصة، ولما كان مفاد نص المادة 50 من قانون الخدمة المدنية سالف الذكر،
والمادة (137) من اللائحة التنفيذية للقانون المذكور الصادرة بقرار رئيس الوزراء
رقم 1216 لسنة 2017 أنه يشترط لصرف المقابل النقدي لرصيد الإجازات الاعتيادية الذي
يتكون بعد تاريخ العمل بالقانون المشار إليه أن يتقدم الموظف بطلب للحصول على
إجازاته وأن تقرر السلطة المختصة رفض الطلب لأسباب تتعلق بمصلحة العمل، ويستحق
الموظف عنه مقابلا نقديا يصرف بعد مرور ثلاث سنوات على انتهاء العام المستحق عنه
الإجازة على أساس أجره الوظيفي في هذا العام، ولما كان من المقرر - في قضاء هذه
المحكمة - أن المشرع قد نص على أن العطلة القضائية تبدأ كل عام من أول يوليو
وتنتهي في آخر سبتمبر ولم يجز للقضاة وأعضاء النيابة العامة الحصول على إجازة في
غير العطلة القضائية إلا إذا كان قد أدوا العمل خلالها وبشرط أن تسمح حالة العمل
بذلك، غير أنه من ناحية أخرى أوجب صراحة على المحاكم بدرجاتها أن تستمر في أثناء
العطلة القضائية في نظر القضايا التي يصدر بتعيينها قرار من وزير العدل بعد أخذ
رأي مجلس القضاء الأعلى، كما أوكل إلى الجمعيات العمومية للمحاكم تنظيم العمل سواء
خلال العطلة القضائية أو خلال فترات العمل، مما مؤداه أن رغبة العضو في استيداء
إجازته السنوية أمرا مرهونا دائما بالنظام الذي تقرره جهة الإدارة بما يكفل حسن
سير العمل القضائي على نحو يضمن تحقيق العدالة الناجزة، وعلى ذلك فإن عدم حصول رجل
القضاء على إجازاته السنوية أو حصوله عليها يرتبط دائما بذلك النظام الذي استنته
الجهات القائمة على أداء هذا المرفق الحيوي والهام وتنظيم العمل القضائي ذاته لما
له من طبيعة خاصة وذاتية بما ينبئ بأن عدم حصول رجل القضاء على إجازاته المقررة
إنما يرجع دائما إلى أسباب اقتضتها مصلحة العمل وحسن أدائه، وبما ينشئ له حقا في
صرف المقابل النقدي كاملا بديلا عن هذه الإجازات ولا يغير من ذلك القول بأن
الأوراق قد خلت من دليل على أن عدم قيام القاضي بالإجازة كان يرجع إلى مصلحة العمل
وأنه لم يثبت أنه القاضي كان قد طلب القيام بإجازة أو أن جهة العمل رفضت طلبه
وألزمته بالاستمرار في العمل، كما لا ينال مما تقدم القول بأن القانون رقم 81 لسنة
2016 المشار إليه قرر صرف المقابل النقدي لرصيد الإجازات بعد مرور ثلاث سنوات على
انتهاء العام المستحق عنه الإجازة فقد استقر قضاء هذه المحكمة على أن القاضي يستحق
المقابل النقدي لرصيد الإجازات عند بلوغه سن الستين، ثم يستحق المقابل النقدي لما
يستحق له من رصيد الإجازات الذي لم يستنفده بعد بلوغه سن الستين وحتى بلوغه سن
التقاعد المقرر للقاضي وهو سبعون عاما، كما لا ينال من ذلك حصول القاضي على مكافأة
عن عمله خلال أشهر الصيف لأنها لا توازي مرتب الشهر العادي وقوامه الأجر الأساسي
والمتغير بمفرداته وعناصره والذي يتعين استصحابه مضاعفا حال عمله خلال العطلة
الصيفية، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وخلص إلى أحقية المطعون ضده في
صرف المقابل النقدي لرصيد إجازاته الاعتيادية الذي لم يستنفده بسبب مقتضيات العمل
عند بلوغه سن التقاعد فإنه يكون قد انتهى إلى قضاء صحيح ويضحى الطعن قائما على غير
أساس متعينا القضاء برفضه.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.