جلسة 22 من ديسمبر سنة 2019
برئاسة السيد القاضي / محمد عبد العال نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / صلاح محمد أحمد ، توفيق سليم ، أيمن شعيب وشعبان محمود نواب رئيس المحكمة .
--------------
(113)
الطعن رقم 3355 لسنة 89 القضائية
(1) حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
بيان الحكم واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وإيراده مضمون الأدلة في بيان واف يكفي للتدليل على ثبوت الصورة التي اقتنعت بها المحكمة واستقرت في وجدانها . لا قصور .
مثال .
(2) رشوة . قصد جنائي . جريمة " أركانها " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
جريمة الرشوة . مناط تحققها ؟
القصد الجنائي في جريمة الرشوة . تحققه : بعلم المرتشي عند طلب الجُعل أو أخذه أو قبوله أنه يفعل ذلك لقاء القيام بعمل أو الامتناع عن عمل من أعمال وظيفته أو الإخلال بواجباته . استظهار الحكم هذا الركن استقلالاً . غير لازم . حد ذلك ؟
تدليل سائغ على توافر القصد الجنائي في جريمة الرشوة .
(3) اتفاق . محكمة الموضوع " سلطتها فى تقدير الدليل " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
الاتفاق . ماهيته ؟
نية الاتفاق . أمر داخلي لا يقع تحت الحواس . الاستدلال عليه بطريق الاستنتاج والقرائن التي تتوافر لدى القاضي . له استخلاص الحقائق القانونية مما يقدم إليه من أدلة ولو كانت غير مباشرة . حد ذلك ؟
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
(4) رشوة . جريمة " أركانها " .
مغالاة الطاعن في سعر الأعمال المسندة للشركة التي يمثلها المتهم الراشي وحصوله على مبلغ الرشوة المتمثل في الفرق بين السعر المحدد والحقيقي . كفايته لقيام جريمة الرشوة . لا يغير من ذلك أن يكون هذا المبلغ مملوكاً للدولة . النعي بأن مبلغ الرشوة غير مملوك للراشي . غير مقبول . علة ذلك ؟
(5) دفوع " الدفع ببطلان الاعتراف " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير صحة الاعتراف " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
للمحكمة الالتفات عن الدفع الغير الجدي ببطلان الاعتراف الوارد في عبارة مجهلة لا تستند إلى وقائع محددة .
الاعتراف في المسائل الجنائية . من عناصر الاستدلال . تقدير صحته وقيمته في الإثبات . موضوعي . للمحكمة الأخذ باعتراف المتهم في حق نفسه أو على غيره من المتهمين . حد ذلك ؟
إثارة الدفع ببطلان الاعتراف لعدم مطابقته للحقيقة لأول مرة أمام محكمة النقض . غير جائزة . علة ذلك ؟
(6) إثبات " بوجه عام " " شهود " . رشوة . محكمة الموضوع " سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى " " سلطتها في تقدير أقوال الشهود ". نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى . موضوعي . ما دام سائغاً .
عدم التزام محكمة الموضوع بالأخذ بالأدلة المباشرة . حقها في استخلاص صورة الدعوى بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية .
لا يشترط لثبوت جريمة الرشوة وجود شهود رؤية أو توافر أدلة معينة . للمحكمة تكوين اعتقادها بالإدانة من أي دليل تطمئن إليه . حد ذلك ؟
تساند الأدلة في المواد الجنائية . مؤداه ؟
تقدير أقوال الشهود . موضوعي .
أخذ المحكمة بشهادة الشهود . مفاده ؟
تجريح أدلة الدعوى لمناقضة الصورة التي ارتسمت في وجدان المحكمة بالدليل الصحيح . غير جائز أمام محكمة النقض .
(7) جريمة " أركانها " . رشوة . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " .
اختصاص الموظف بجميع العمل المتعلق بالرشوة . غير لازم . كفاية أن يكون له نصيب من الاختصاص يسمح له بتنفيذ الغرض منها .
تقدير توافر عنصر اختصاص الموظف بالعمل الذي عرضت عليه الرشوة من أجله . موضوعي . النعي على الحكم في هذا الشأن . غير مقبول .
(8) تسجيل المحادثات . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
النعي بالتناقض بين ما استمعت إليه النيابة العامة والمحكمة من تسجيلات صوتية للمتهم . غير مقبول . ما دام لم يُعوَّل في الإدانة سوى على محاضر استماع النيابة لتلك التسجيلات .
(9) حكم " بيانات التسبيب " " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
وجوب بيان الحكم واقعة الدعوى ومؤدي أدلة الإدانة . عدم رسم القانون شكلاً معيناً لصياغة هذا البيان .
مثال .
(10) حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .
التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله . ماهيته ؟
مثال لما لا يعد تناقضاً من الحكم .
(11) إثبات " بوجه عام " . دفوع " الدفع بتلفيق التهمة " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
عدم التزام المحكمة بالتحدث في حكمها إلَّا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها. إغفالها بعض الوقائع والمستندات . مفاده : اطراحها .
الدفع بعدم المعقولية وتلفيق الاتهام وكيديته . موضوعي . لا يستوجب رداً خاصاً . استفادته من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم .
بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه إيراد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم . تعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه . غير لازم . التفاته عنها . مفاده : اطراحها .
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
مثال .
(12) باعث . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .
الباعث على الجريمة . ليس ركناً من أركانها أو عنصرًا من عناصرها . عدم بيانه أو الخطأ فيه أو ابتنائه على الظن . غير قادح في سلامة الحكم .
مثال .
(13) دفوع " الدفع ببطلان الاستجواب " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
النعي ببطلان استجواب الطاعن لعدم حضور محام معه . غير مقبول . ما دام الحكم لم يعول على دليل مستمد منه .
(14) إجراءات " إجراءات التحقيق " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
تعييب الإجراءات السابقة على المحاكمة . لا يصح أن يكون سبباً للطعن على الحكم .
مثال .
(15) دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
التحقيق الذي تلتزم المحكمة بإجرائه . هو ما يكون متعلقاً بالدعوى ومتصلاً بها ومنتجاً فيها . امتناع المحكمة عن توجيه سؤال للشاهد . لا عيب . ما دام غير منتج في الدعوى
ولم يقصد به سوى إثارة الشبهة في أدلتها .
(16) إثبات " شهود " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
التفات المحكمة عن طلب سماع الشهود . لا عيب . ما دام المتهم لم يسلك الطريق الذي رسمه القانون لإعلانهم . أساس ذلك ؟
(17) إجراءات " إجراءات المحاكمة " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
الطلب الذى تلتزم المحكمة بإجابته أو الرد عليه . ماهيته ؟
قرار المحكمة في صدد تجهيز الدعوى وجمع الأدلة . تحضيري . مؤدى ذلك ؟
مثال .
(18) محاماة . محكمة الجنايات " الإجراءات أمامها " . نقض " المصلحة في الطعن " .
حضور محام مع المتهم بجناية . كفايته لتحقيق الضمان المقرر له قانوناً . النعي بندب المحكمة محام للدفاع عنه بالرغم من حضور ثلاثة محامين موكلين عنه . غير مجد . علة ذلك ؟
(19) حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " . محكمة النقض " سلطتها " .
خطأ الحكم في مادة الإعفاء من العقوبة . لا يبطله . لمحكمة النقض تصحيح الخطأ الذي وقع فيه . حد وأساس ذلك ؟
(20) دعوى جنائية " حق التصدي " . مسئولية جنائية . نقض " المصلحة في الطعن " .
حق التصدي المنصوص عليه في المادة 11 إجراءات جنائية . جوازي لمحكمة الجنايات . تمسك الطاعن بإدخال أشخاص آخرين في الدعوى . غير مجد . طالما أنه لا يحول دون مساءلته عن الجريمة التي دين بها .
(21) مصادرة . رشوة . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
المصادرة . ماهيتها ؟
قضاء الحكم بمصادرة المبلغ المضبوط مع الطاعن بوصفه متحصلاً من جريمة الرشوة الثابتة في حقه . صحيح . النعي في هذا الشأن . غير مقبول .
(22) أمر الإحالة . دفوع " الدفع ببطلان أمر الإحالة " .
وجوب توقيع أمر الإحالة بإمضاء مُصدره . عدم رسم القانون شكلاً خاصاً لذلك . التوقيع عليه بتوقيع غير مقروء . لا يبطله . ما دام أن الطاعن لا ينازع في صفة مصدره واختصاصه به . علة ذلك ؟
(23) محضر الجلسة . نيابة عامة . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .
إثبات اسم وكيل النيابة العامة في محضر الجلسة والحكم . النعي بخلاف ذلك . غير مقبول . إغفال اسمه في محضر الجلسة . لا يعيب الحكم . حد ذلك ؟
مثال .
(24) إجراءات " إجراءات المحاكمة " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .
إعادة إجراءات المحاكمة أو سماع الشهود عند تغيير هيئة المحكمة . غير لازم . ما دام المتهم ودفاعه لم يصرا على ذلك .
تنازل المتهم أو المدافع عنه عن طلب إعادة الإجراءات صراحة أو ضمناً . الحكم في الدعوى اعتماداً على الإجراءات المتخذة في مرحلة سابقة . لا عيب . حد ذلك ؟
(25) حكم " وضعه والتوقيع عليه وإصداره " . نقض " المصلحة في الطعن " .
النعي باختلاف الحكم ومحضر الجلسة في بيان الدرجة الوظيفية لأعضاء هيئة المحكمة . غير مجد . ما دام تشكيل الهيئة مُصدرة الحكم كان موافقاً للقانون .
(26) نقض " أسباب الطعن . تحديدها " .
وجوب تفصيل أسباب الطعن ابتداءً . علة ذلك ؟
مثال .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كان الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مؤداه أن الطاعن بصفته محافظ .... طلب وأخذ رشوة من المتهم الثاني بواسطة المتهم الثالث مقابل إسناد مشروعات تطوير ورفع كفاءة مباني وتوريدات تخص المحافظة للشركة .... التي يمثلها المتهم الثاني كمقاول من الباطن ، وحدد الطاعن قيمتها بسعر أعلى من سعر السوق ، وفوضه في صرف مستخلصات ما يتم تنفيذه منها ، وأوعز إليه إسناد تنفيذ تلك الأعمال إلى المتهم الثالث الذي استلم من المتهم الثاني مقابل ما قام به من أعمال وأخذ منها ما رأى أنه حق له مقابل ما قام به من أعمال وأعطى الباقي للطاعن نقداً أو عيناً ، الذي كان يتابع صرف المستخلصات حتى وصول قيمتها إلى المتهم الثالث وبلغ مجموع ما حصل عليه مبلغ 27,485,000 جنيه ، ثم أورد الحكم على ثبوت الواقعة في حق الطاعن على النحو السالف بيانه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها ، مستمدة من أقوال شهود الإثبات واعترافات المتهمين الثاني والثالث بتحقيقات النيابة العامة والتي تعززت بالتسجيلات الصوتية التي أجريت مع المتهمين والمقاطع المصورة لهم ، وأورد الحكم مؤدى تلك الأدلة في بيان واف يكفي للتدليل على الصورة التي اقتنعت بها المحكمة واستقرت في وجدانها ، وتتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة الرشوة المعاقب عليها المادتين 103 ، 104 من قانون العقوبات على ما هي معرفة به فيها .
2- من المقرر أن جريمة الرشوة تقع تامة بمجرد طلب الموظف الجُعل أو أخذه أو قبوله سواء أكان العمل الذي يدفع الجعل لتنفيذه حقاً أو غير حق ولا يستطيعه الموظف أو لا ينتوي القيام به لمخالفته لأحكام القانون ، لأن تنفيذ الغرض من الرشوة بالفعل ليس ركناً في الجريمة ، وكان من المقرر أن القصد الجنائي في جريمة الرشوة يتوافر بمجرد علم المرتشي - عند طلب الجُعل أو أخذه أو قبوله - أنه يفعل ذلك لقاء القيام بعمل أو الامتناع عن عمل من أعمال وظيفته أو الإخلال بواجباته ، وأنه ثمن لاتجاره بوظيفته واستغلالها ، ويستنتج هذا الركن من الظروف والملابسات التي صاحبت العمل أو الامتناع أو الإخلال بوجبات الوظيفة ، ولا يشترط أن يستظهر الحكم هذا الركن على استقلال ما دامت الوقائع كما أثبتها تفيد توافره ، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على أن العطية قدمت للطاعن تنفيذاً للاتفاق السابق الذي انعقد بينه وبين المتهمين الثاني والثالث بما يتحقق معه معنى الاتجار بالوظيفة ، ويتوافر به القصد الجنائي كما هو معرف به في القانون ، ومن ثم فلا محل لما يثيره الطاعن بدعوى القصور في التسبيب .
3- من المقرر أن الاتفاق هو اتحاد نية أطرافه على ارتكاب الجريمة المتفق عليها ، وهذه النية أمر داخلي لا يقع تحت الحواس ولا يظهر بعلامات خارجية ، وليس على المحكمة أن تستدل على حصول الاتفاق على الجريمة بأدلة مادية محسوسة بل يكفي أن تستخلص المحكمة ذلك من ظروف الدعوى وملابساتها بطريق الاستنتاج والقرائن التي تتوافر لديها ، وهى بذلك ليست مطالبة بالأخذ بالأدلة المباشرة بل لها أن تستخلص الحقائق القانونية من كل ما يقدم إليها من أدلة ولو كانت غير مباشرة متى كان ما حصله الحكم من هذه الأدلة لا يخرج عن الاقتضاء العقلي ، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد استخلص من جماع أدلة الثبوت والقرائن ومنها ما حوته تسجيلات المحادثات الهاتفية التي جرت بين الطاعن وبين المتهمين الثاني والثالث أن اتفاقاً انعقد بينهم على ارتكاب جريمة الرشوة ، فإن ما يثار في هذه الوجه من النعي لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا يجوز مجادلتها أو مصادرة حقها في شأنه أمام محكمة النقض .
4- لما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت في مدوناته أن الطاعن اقتضى الرشوة للإخلال بوجبات وظيفته بالمغالاة في السعر الذي حدده لتنفيذ الأعمال التي أسندها للشركة التي يمثلها المتهم على أن يعهد بدوره للمتهم الثالث بتنفيذها ويحصل الطاعن على الفرق بين السعر الذي حدده والسعر الحقيقي لتلك الأعمال ، وكان لا يغير من وصف فعله بأنه ارتشاء أن يكون ما قبضه من مال حرام جزءً مما استولى عليه الراشي بغير حق من مال الدولة علم بذلك أو لم يعلم ، لأنه لا ينظر في وصف الوظيفة إلا بالنسبة إلى المرتشي وحده ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يغير شيئاً في جريمة الرشوة ولا يؤثر في توافر مقوماتها قانوناً .
5- لما كان البيّن من محاضر جلسات المحاكمة أن المدافع عن الطاعن اقتصر على القول ببطلان اعتراف المتهمين الثاني والثالث في عبارة مرسلة مجهلة لا تستند إلى وقائع محددة ولا تشتمل على بيان مقصده منها ، مما لا يعد دفعاً جدياً تلتزم المحكمة بالرد عليه ، وكان من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ولها سلطة مطلقة في الأخذ باعتراف المتهم في حق نفسه أو على غيره من المتهمين متى اطمأنت إلى صحته ومطالبته للحقيقة والواقع ، وكانت محكمة الموضوع قد اطمأنت إلى صحة اعتراف المتهمين الثاني والثالث ومطابقته للحقيقة والواقع وحصل اعترافاتهما بما لا تناقض فيها ، وكان الطاعن لم يدفع أمامها ببطلان ذلك الاعتراف لعدم مطابقته للحقيقة والواقع ، ومن ثم فلا يجوز له أن يثير ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض لكونه من الدفوع الموضوعية التي تتطلب تحقيقاً يخرج عن وظيفتها ، ومن ثم فإن النعي في هذا الصدد لا يكون مقبولاً .
6- من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، وهى في ذلك ليست مطالبة بالأخذ بالأدلة المباشرة بل لها أن تستخلص صورة الدعوى كما ارتسمت في وجدانها بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ، فلم يقيدها الشارع بدليل معين ، ولم يشترط لثبوت جريمة الرشوة وجود شهود رؤية أو قيام أدلة معينة بل ترك لمحكمة الموضوع حرية تكوين عقيدتها من أي دليل تطمئن إليه ما دام أن له مأخذه بالأوراق ، ولا يلزم في الأدلة التي يعتمد عليها الحكم أن ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى لأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي ، فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة ، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه ، وكان من المقرر أن تقدير أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تُنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه ، ومتى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، وكانت المحكمة قد أفصحت عن اطمئنانها للأدلة التي عولت عليها في الإدانة ، فإن جميع ما يثيره الطاعن من تعييب لتلك الأدلة لا يعدو أن يكون محاولة لتجريح أدلة الدعوى على وجه معين تأدياً من ذلك إلى مناقضة الصورة التي ارتسمت في وجدان المحكمة بالدليل الصحيح ، وهو ما لا يقبل إثارته أمام محكمة النقض .
7- من المقرر أنه لا يشترط في جريمة الرشوة أن يكون الموظف الذى طلب الرشوة وأخذها هو وحده المختص بجميع العمل المتعلق بالرشوة ، بل يكفي أن يكون له نصيب من الاختصاص يسمح له بتنفيذ الغرض من الرشوة ، وكان البحث في توافر عنصر اختصاص الموظف بالعمل الذي طلب الرشوة من أجله هو من الأمور الموضوعية التي يترك تقديرها إلى محكمة الموضوع بغير معقب ما دام تقديرها سائغاً مستنداً إلى أصل ثابت في الأوراق ، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت بالأدلة السائغة التي أوردها أن الطاعن له نصيب من الاختصاص يسمح له بتنفيذ الغرض من المقصود من الرشوة ، فإن ما يثار في هذا الصدد لا يكون قويماً .
8 - لما كان الحكم المطعون فيه قد عول - ضمن ما عول عليه في الإدانة - على ما ثبت من محاضر استماع النيابة العامة لما تم من تسجيلات صوتية بين الطاعن وبين المتهمين الثاني والثالث ، ولم يعول على استماع المحكمة لتلك التسجيلات ولم يشر إليها في مدوناته ، فإن النعي بالتناقض بين ما سمعته النيابة العامة مع ما سمعته المحكمة من تلك التسجيلات لا يكون مقبولاً .
9- لما كان القانون قد أوجب على المحكمة في المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية أن تبين واقعة الدعوى ومؤدى أدلة الإدانة إلا أنه لم يرسم شكلاً معيناً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم هذا البيان ، وكان البيّن من المفردات المضمومة أن أقوال الشاهد السابع لا تخرج عما أورده الحكم بمدوناته في معرض بيانه لواقعة الدعوى وما أورده من أقوال باقي الشهود ، سيما وأن أقوال هذا الشاهد انحصرت في القول بإشرافه على بعض الأعمال التي دين الطاعن بتقاضي الرشوة عنها بطلب من المتهم الثالث ، وهى واقعة من سلسلة وقائع أخرى كل منها كاف بذاته لإدانة الطاعن بجريمة الرشوة ، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الشأن لا يكون له محل .
10- من المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة ، والذي من شأنه أن يجعل الدليل متهادماً متساقطاً لا شيء فيه باقياً يمكن أن يعتبر قواماً لنتيجة يصح الاعتماد عليها ، وكانت المحكمة قد بينت واقعة الدعوى على الصورة التي استقرت في وجدانها وأوردت أدلة الثبوت المؤدية إليها معتنقة في هذا الشأن صورة واحدة لواقعة الدعوى ، فإن ما يثيره الطاعن على النحو الوارد بأسباب طعنه يكون غير سديد .
11- من المقرر أن محكمة الموضوع لا تلتزم في أصول الاستدلال إلا بالتحدث عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها وفي إغفالها لبعض الوقائع ما يفيد ضمناً اطراحها لها اطمئناناً إلى ما أثبتته من الوقائع والأدلة التي اعتمد عليها الحكم ، وكان من المقرر أن الدفوع بعدم المعقولية وتلفيق الاتهام وكيديته والقول بأن المتهم الثالث لم يكن وسيطاً في الرشوة لأن ما حصل عليه كان مقابل ما قام بتنفيذه من أعمال وأن علاقته بالمتهم الثاني لا تسمح له بالوساطة في الرشوة ، من أوجه الدفاع والدفوع الموضوعية التي لا تستوجب في الأصل رداً صريحاً من الحكم ما دام الرد مستفاداً ضمناً من القضاء بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردها ، إذ بحسب الحكم كي يتم تدليه ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من مقارفة المتهم للجريمة المسندة إليه ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه اطرحها ، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بإدانة الطاعن استناداً إلى أدلة سائغة لها أصلها في الأوراق وتتفق والاقتضاء العقلي والمنطقي ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن فيما تقدم لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض .
12- من المقرر أن الباعث على ارتكاب الجريمة ليس ركناً من أركانها أو عنصراً من عناصرها ولا أثر له على وقوعها ، فلا يقدح في سلامة الحكم الخطأ فيه أو ابتناؤه على الظن أو إغفاله جملة ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن من دفاع بشأن عدم وجود مصلحة للمتهم الثاني سعى للحصول عليها بالرشوة - بفرض صحته - لا يكون مقبولاً .
13- لما كان البيّن من الحكم المطعون فيه أنه لم يعول في قضائه بالإدانة على دليل مستمد من استجواب الطاعن بتحقيقات النيابة العامة ، ومن ثم فإن ما يثيره من بطلان ذلك الاستجواب لعدم حضور محام معه يكون غير مقبول .
14- لما كان ما يثيره الطاعن في شأن عدم تمكين النيابة العامة لمحاميه من الاطلاع على ما تم من إجراءات وما قدم من مستندات ، لا يعدو أن يكون تعييباً للإجراءات السابقة على المحاكمة مما لا يصح أن يكون سبباً للطعن في الحكم .
15- من المقرر أن التحقيق الذي تلتزم المحكمة بإجرائه هو ما يكون متعلقاً بالدعوى ومتصلاً بها منتجاً فيها ، وكان يبين من محاضر جلسات المحاكمة أن الأسئلة التي امتنعت المحكمة عن توجيهها لشاهد الإثبات الأول عضو هيئة الرقابة الإدارية ، كانت أسئلة لا تتصل مباشرة بالدعوى أو بتحقيق عنصر من عناصرها لاستجلائه حتى يكون منتجاً فيها ، بل هي محاولة لإثارة الشبهة في أدلة الدعوى ، فإنه لا تثريب على المحكمة إن هي امتنعت عن توجيهها للشاهد ، ويكون النعي على الحكم في هذا المقام لا محل له .
16- لما كان المدافع عن الطاعن قد طلب سماع من ورد ذكرهم كشهود بمذكرة أسباب الطعن ، إلا أنه لم يلتزم في ذلك الطريق الذي رسمه قانون الإجراءات الجنائية في المادة 214 مكرراً " أ " /2 لإعلان الشهود الذين كان يطلب الطاعن سماع شهادتهم أمام محكمة الجنايات ، ومن ثم فلا تثريب على المحكمة إن هي أعرضت عن طلبه سماع شهادتهم .
17- من المقرر أن الطلب الذي تلتزم محكمة الموضوع بإجابته أو الرد عليه هو الطلب الجازم الذي يصر عليه مقدمه ولا ينفك عن التمسك به والإصرار عليه في طلباته الختامية ، وكان البين من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن المدافع عن الطاعن وإن كان قد طلب بجلسة .... ندب لجنة ثلاثية من خبراء وزارة العدل أو هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة لفحص مستندات الأعمال المنفذة وصولاً إلى بيان مدى مطابقتها للمواصفات .... إلى آخر ما جاء بطلباته الواردة بمذكرة أسباب الطعن إلَّا أنه اقتصر في ختام مرافعته بجلسة .... التي صدر فيها الحكم المطعون فيه على طلب البراءة ، فإن هذه الطلبات على هذا النحو غير جازمة ولم يصر عليها الدفاع في ختام مرافعته ، كما لم يطلب من المحكمة اتخاذ إجراء معين بشأن تلك الطلبات ، فإن ما ينعاه الطاعن من الإخلال بحق الدفاع لا يكون له محل ، لا يغير من ذلك تأجيل المحكمة نظر الدعوى لتنفيذ تلك الطلبات ولسماع أقوال من طلب من الشهود ، لما هو مقرر من أن قرار المحكمة الذي تصدره في صدد تجهيز الدعوى وجمع الأدلة لا يعدو أن يكون قراراً تحضيرياً لا تتولد عنه حقوق للخصوم توجب حتماً العمل على تنفيذه صوناً لهذه الحقوق .
18- من المقرر قانوناً أنه يكفي في تحقيق الضمان المقرر للمتهم بجناية أن يكون قد حضر عنه محام مقبول للمرافعة أمام محكمة الجنايات وتولى المرافعة عنه ، وكان قد حضر مع الطاعن ثلاثة محامين موكلين منه لا يجادل في أسباب طعنه أن المحكمة قد أخلت بحقه في الدفاع أو صادرت أياً من المحامين الحاضرين معه في دفاعه فلا يجديه أن تكون المحكمة قد ندبت محام للدفاع عنه ، ويكون منعاه في هذا الخصوص غير مقبول .
19- لما كان خطأ الحكم في مادة الإعفاء من العقوبة لا يعيبه ما دام قد وصف الفعل وبين واقعة الدعوى وسبب الإعفاء من العقوبة بياناً كافياً - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - وحسب محكمة النقض أن تصحح الخطأ الذي وقع فيه الحكم باستبدال المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات بالمادة 107 من ذات القانون عملاً بنص المادة 40 من القانون رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض ، هذا فضلاً عن أنه لا مصلحة للطاعن في هذا الوجه من النعي .
20- لما كان حق التصدي المنصوص عليه في المادة 11 من قانون الإجراءات الجنائية متروك لمحكمة الجنايات تستعمله متى رأت ذلك دون إلزام عليها في هذا الشأن ، وإذ كانت المحكمة لم تشأ استعمال هذا الحق ، وكان لا جدوى للطاعن من التمسك بإدخال أشخاص آخرين في الدعوى طالما أن إدخالهم فيها لم يكن ليحول دون مسألة الطاعن عن الجريمة التي دين بها ، فإن منعاه في هذا الصدد لا يكون مقبولاً .
21- من المقرر أن المصادرة إجراء الغرض منه تمليك الدولة أشياء ذات صلة بالجريمة قهراً عن صاحبها بغير مقابل ، وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى بمصادرة ما ضبط من مبالغ نقدية بحوزة الطاعن إنما كان بوصفه متحصلاً من جريمة الرشوة التي توافرت في حقه ، فإن منعاه في هذا الشأن غير سديد .
22- من المقرر أن القانون وإن أوجب توقيع أمر الإحالة بإمضاء مصدره ، إلا أنه لم يرسم شكلاً خاصاً لذلك ، وكان الطاعن لا ينازع في صفة مصدر أمر الإحالة واختصاصه به ، فلا يعيب أمر الإحالة أن يكون التوقيع غير مقروء - بفرض صحته - لأن أمر الإحالة عمل من أعمال التحقيق لا محل لإخضاعه لما يجري على الأحكام من قواعد البطلان ، فإن التوقيع عليه بتوقيع غير مقروء لا يبطل المحاكمة ولا يؤثر في صحة إجراءاتها ، كما أن إبطال إحالة الدعوى إلى محكمة الموضوع بعد اتصالها بها يقتضي إعادتها إلى مرحلة الإحالة وهو أمر غير جائز باعتبار أن تلك المرحلة لا تخرج عن كونها جهة تحقيق فلا يجوز إعادة الدعوى إليها بعد دخولها في حوزة المحكمة ، مما يضحى معه منعى الطاعن بهذا الوجه غير مقبول .
23- لما كان البيّن من الاطلاع على محضر جلسة .... التي صدر فيها الحكم المطعون فيه أنه قد أثبت به حضور وكيل النيابة العامة .... ممثلاً للنيابة العامة بتلك الجلسة كما أثبت اسمه في الحكم خلافاً لزعم الطاعن ، هذا فضلاً عن أنه من المقرر أنه لا يعيب الحكم إغفال اسم وكيل النيابة في محضر الجلسة مادام الحكم المطعون فيه قد ذكر اسمه صراحة ، وكان الطاعن لا يدعي أن النيابة العامة لم تكن ممثلة في جلسة المحاكمة ، فإن النعي على الحكم في هذا الصدد يكون على غير أساس .
24- لما كان القانون لم يوجب عند تغيير هيئة المحكمة إعادة إجراءات المحاكمة أمام الهيئة الجديدة أو اتخاذ أي إجراء من إجراءات التحقيق إلا إذا أصر المتهم أو المدافع عنه على ذلك ، أما إذا تنازل عن ذلك صراحة أو ضمناً ولم تر المحكمة من جانبها محلاً لاتخاذ أي إجراء من إجراءات التحقيق فلا عليها إن هي قضت في الدعوى واعتمدت في حكمها على الإجراءات المتخذة في مرحلة سابقة مادامت مطروحة على بساط البحث أمامها ، وإذ كان الثابت أن الدفاع عن الطاعن لم يطلب إعادة أي إجراء سبق اتخاذه من هيئة أخرى ، فإن منعاه في هذا المقام يكون على غير أساس .
25- لما كان البيّن من محاضر جلسات المحاكمة والحكم المطعون فيه أن السيدين .... و .... قاضيان بمحكمة استئناف القاهرة ، وهو ما لا ينازع الطاعن فيه ، فلا يجديه ما يثيره من الاختلاف في بيان الدرجة الوظيفية لكل منهما بين ما أثبت بمحاضر جلسات المحاكمة والحكم المطعون فيه ما دام أن تشكيل هيئة المحكمة مصدره الحكم كان موافقاً للقانون ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يكون له وجه .
26- لما كان تفصيل أسباب الطعن ابتداءً مطلوباً على وجه الوجوب تحديداً للطعن وتعريفاً بوجهه منذ افتتاح الخصومة بحيث يتيسر للمطلع عليه أن يدرك لأول وهلة موطن مخالفة الحكم للقانون أو خطئه في تطبيقه أو مواطن البطلان الجوهري الذى وقع فيه الحكم أو مواطن بطلان الإجراءات الذي أثر فيه ، وكان الطاعن لم يكشف في أسباب طعنه عن ماهية البطلان في الإجراءات الذي أثر في الحكم إذ جاءت عبارته في هذا الوجه مرسلة مجهلة ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير مقبول .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائع
اتهمت النيابة العامة " الطاعن " وآخرين بأنهم :
المتهم الأول ( الطاعن ) :-
- بصفته موظفاً عاماً - محافظ .... - طلب وأخذ لنفسه عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته بأن طلب من المتهم الثاني مبلغ سبعة وعشرين مليون وأربعمائة وخمسة وثمانين ألف جنيهاً أخذه - بواسطة المتهم الثالث - مقابل إسناد مشروعات تطوير ورفع كفاءة وتوريد لعدد من المنشآت التابعة لمحافظة .... لشركة المتهم الثاني وقبولها كمقاول من باطن الشركة .... وعدم الاعتراض عليها وتسهيل استلام الأعمال وسرعة إنهاء إجراءات صرف المستحقات المالية الناشئة عن تلك الأعمال على النحو المبين تفصيلاً بالتحقيقات .
المتهم الثاني :-
- قدم رشوة لموظف عام لأداء عمل من أعمال وظيفته بأن قدم للمتهم الأول العطية - موضوع الاتهام الوارد بالبند أولاً - على النحو المبين تفصيلاً بالتحقيقات .
المتهم الثالث :-
- توسط في تقديم رشوة لموظف عام لأداء عمل من أعمال وظيفته بأن توسط في جريمة الرشوة موضوع الاتهام الوارد بالبند أولاً على النحو المبين تفصيلاً بالتحقيقات .
وأحالتهم إلى محكمة جنايات .... لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 103 ، 107 مكرراً ، 110 من قانون العقوبات ، مع إعمال نص المادتين 17 ، 107 من ذات القانون . بمعاقبة المتهم الأول ( الطاعن ) بالسجن المشدد لمدة عشر سنوات وتغريمه خمسة عشر مليون جنيه عما أسند إليه . ثانياً : إعفاء المتهمين الثاني والثالث مما أسند إليهما . ثالثاً : مصادرة المبالغ المالية المضبوطة .
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمة
حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الرشوة قد شابه القصور والتناقض في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع وران عليه البطلان والخطأ في تطبيق القانون ، ذلك بأنه جاء قاصراً في بيان واقعة الدعوى وأدلتها ، وأن ما أورده من أسباب لا تكفي بياناً للجريمة التي دانه بها بركنيها المادي والمعنوي ، ورغم خلو الأوراق من وجود اتفاق بين الطاعن والمتهمين الثاني والثالث فقد استدل الحكم على ذلك بألفاظ وردت في المحادثات الهاتفية بينهم لا تؤدي إلى معنى الرشوة ، وأن المبلغ المقول بأنه رشوة لم يكن مملوكاً للراشي إذ هو من أموال المحافظة ، ولم يحدد الحكم سبب دفع المتهم الثاني للرشوة ، وعول على اعترافات المتهمين الثاني والثالث رغم عدم مطابقتها للحقيقة والواقع ، ولم يرد على الدفع ببطلانها ، فضلاً عن تناقض ما حصله منها بالنسبة للمتهم الثاني في خصوص علاقته بالجهة مسندة الأعمال ، كما عول على أقوال شهود الإثبات رغم بطلانها وتناقضها وأنها مبنية على الظن فلم يكن أياً من هؤلاء الشهود شاهد رؤية على واقعة الرشوة ، وأن أقوال الشهود من الثاني حتى الرابع لا تؤدي إلى ما انتهى إليه الحكم ، فقد شهدوا بعدم مسئولية الطاعن عن إسناد الأعمال أو صلته بما يتم بشأنها من إجراءات والتي تدخل في أعمال اللجان الفنية بالمحافظة وأن دوره يقتصر على اعتماد تنفيذ تلك الأعمال إذا كانت لازمة لخدمة المحافظة ، كما تساند الحكم إلى ما ثبت من محاضر استماع ومشاهدات النيابة العامة لما تم من تسجيلات رغم عدم حملها لتاريخ إجرائها أو تحرير محضر مستقل ، وخلوها من دليل أو قرينة على طلب الرشوة أو أخذها ، فضلاً عن التناقض بينها وبين ما ثبت من استماع المحكمة لتلك التسجيلات ، ولم يبين الحكم وجه استدلاله بالحقيبة المضبوطة لدى الطاعن ، إذ خلت المشاهد المصورة من بيان محتوياتها ، وجاءت شهادة الشاهد الأول أمام المحكمة بأن تلك الحقيبة كانت فارغة ، كما عول الحكم - ضمن ما عول عليه - على أقوال الشاهد السابع ولم يورد مضمونها ، وتناقض الحكم في أسبابه في شأن الجهات التي جرى إسناد الأعمال إليها رغم أن المنفذ لها هو المتهم الثالث ، كما تناقض أيضاً في تحديد المقابل الذي من أجله دفع المتهم الثاني مبلغ الرشوة وفى حساب ما حصل عليه الطاعن فقد أورد حصوله على مبلغ 27,485,000 جنيه رغم أن قيمة الأعمال 12,000,000 جنيه وحصول الجهة المسند إليها الأعمال والمتهم الثاني على حصتهما من هذا المبلغ ، ولم يبحث الحكم تناسب مبلغ الرشوة مع قيمة الأعمال التي جرى تنفيذها ، وقام دفاع الطاعن على عدم معقولية الواقعة وكيدية الاتهام وتلفيقه ، وأن المتهم الثالث لم يكن وسيطاً في الرشوة لأن ما حصل عليه كان مقابل ما قام بتنفيذه من أعمال ، وأن علاقته بالمتهم الثاني لم تكن تسمح له بالوساطة في الرشوة ، فضلاً عن هذا فلم يكن للمتهم الثاني مصلحة سعى للحصول عليها بالرشوة ، وبطلان استجواب الطاعن بتحقيقات النيابة العامة لعدم حضور محام معه أثناء ذلك ، كما لم يمكن محاميه من الاطلاع على ما تم من إجراءات وما قدم من مستندات ، ولم تجبه المحكمة لما طلبه من توجيه أسئلة للشاهد الأول وسماع شهادة .... والعميد .... و.... و.... وطلب ندب لجنة ثلاثية من خبراء وزارة العدل أو هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة لفحص مستندات الأعمال المنفذة وصولاً لمدى مطابقتها للواقع والقانون ، ولم تجر المحكمة الفحص بنفسها والاستعلام من المحافظة عن المبالغ المنصرفة مقابل ما تم من أعمال ولمن صرفت ، وضم صورة من محاضر استلام تلك الأعمال والعروض الأخرى وقيمتها ، ومطابقة ما تم تفريغه من تسجيلات بمعرفة النيابة العامة مع ما ثبت للمحكمة من استماعها إليها بجلسات المحاكمة ، وقدرت المحكمة جدية طلباته تلك ، فأجلت نظر الدعوى لتنفيذها إلَّا انها عادت وفصلت في الدعوى دون تنفيذها ودون بيان علة عدولها عن ذلك ، ولم تجب المحكمة الطاعن إلى طلب الحصول على صورة من محضري جلستي .... ، وندبت محامياً للدفاع عنه مع وجود المحامي الموكل منه مما أضر بالطاعن ، فضلاً عن خطأ الحكم في ذكر مادة الإعفاء من العقاب التي طبقها في حق المتهمين الثاني والثالث ، ولم تتصدى المحكمة بإدخال متهمين آخرين في الدعوى بالمخالفة لنص المادة 11 من قانون الإجراءات الجنائية ، وقضت بمصادرة المبلغ المضبوط دون التدليل على أنه متحصل من الرشوة ، وجاء أمر الإحالة باطلاً لتوقيعه بتوقيع غير مقروء ، فضلاً عن خلو محضر جلسة المرافعة الأخيرة من اسم ممثل النيابة العامة الحاضر بتلك الجلسة ، وأن عضوا الدائرة مصدرة الحكم لم يسمعا مرافعة النيابة العامة والتسجيلات الهاتفية المقدمة في الدعوى ، وتناقض الحكم مع محاضر الجلسات في خصوص الدرجة الوظيفية لأعضاء الدائرة مصدرة الحكم ، والتناقض والبطلان في الإجراءات الذي أثر في الحكم ، كل ذلك مما يعيبه ويستوجب نقضه .
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بيّن واقعة الدعوى بما مؤداه أن الطاعن بصفته محافظ .... طلب وأخذ رشوة من المتهم الثاني بواسطة المتهم الثالث مقابل إسناد مشروعات تطوير ورفع كفاءة مباني وتوريدات تخص المحافظة للشركة .... التي يمثلها المتهم الثاني كمقاول من الباطن ، وحدد الطاعن قيمتها بسعر أعلى من سعر السوق ، وفوضه في صرف مستخلصات ما يتم تنفيذه منها ، وأوعز إليه إسناد تنفيذ تلك الأعمال إلى المتهم الثالث الذي استلم من المتهم الثاني مقابل ما قام به من أعمال وأخذ منها ما رأى أنه حق له مقابل ما قام به من أعمال وأعطى الباقي للطاعن نقداً أو عيناً ، الذي كان يتابع صرف المستخلصات حتى وصول قيمتها إلى المتهم الثالث وبلغ مجموع ما حصل عليه مبلغ 27,485,000 جنيه ، ثم أورد الحكم على ثبوت الواقعة في حق الطاعن على النحو السالف بيانه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها مستمدة من أقوال شهود الإثبات واعترافات المتهمين الثاني والثالث بتحقيقات النيابة العامة والتي تعززت بالتسجيلات الصوتية التي أجريت مع المتهمين والمقاطع المصورة لهم ، وأورد الحكم مؤدى تلك الأدلة في بيان واف يكفي للتدليل على الصورة التي اقتنعت بها المحكمة واستقرت في وجدانها ، وتتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة الرشوة المعاقب عليها المادتين 103 ، 104 من قانون العقوبات على ما هي معرفة به فيها ، وكان من المقرر أن جريمة الرشوة تقع تامة بمجرد طلب الموظف الجُعل أو أخذه أو قبوله سواء أكان العمل الذي يدفع الجُعل لتنفيذه حقاً أو غير حق ولا يستطيعه الموظف أو لا ينتوي القيام به لمخالفته لأحكام القانون ، لأن تنفيذ الغرض من الرشوة بالفعل ليس ركناً في الجريمة ، وكان من المقرر أن القصد الجنائي في جريمة الرشوة يتوافر بمجرد علم المرتشي - عند طلب الجُعل أو أخذه أو قبوله - أنه يفعل ذلك لقاء القيام بعمل أو الامتناع عن عمل من أعمال وظيفته أو الإخلال بواجباته ، وأنه ثمن لاتجاره بوظيفته واستغلالها ، ويستنتج هذا الركن من الظروف والملابسات التي صاحبت العمل أو الامتناع أو الإخلال بوجبات الوظيفة ، ولا يشترط أن يستظهر الحكم هذا الركن على استقلال ما دامت الوقائع كما أثبتها تفيد توافره ، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على أن العطية قدمت للطاعن تنفيذاً للاتفاق السابق الذي انعقد بينه وبين المتهمين الثاني والثالث بما يتحقق معه معنى الاتجار بالوظيفة ، ويتوافر به القصد الجنائي كما هو معرف به في القانون ، ومن ثم فلا محل لما يثيره الطاعن بدعوى القصور في التسبيب . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الاتفاق هو اتحاد نية أطرافه على ارتكاب الجريمة المتفق عليها ، وهذه النية أمر داخلي لا يقع تحت الحواس ولا يظهر بعلامات خارجية ، وليس على المحكمة أن تستدل على حصول الاتفاق على الجريمة بأدلة مادية محسوسة بل يكفي أن تستخلص المحكمة ذلك من ظروف الدعوى وملابساتها بطريق الاستنتاج والقرائن التي تتوافر لديها ، وهى بذلك ليست مطالبة بالأخذ بالأدلة المباشرة بل لها أن تستخلص الحقائق القانونية من كل ما يقدم إليها من أدلة ولو كانت غير مباشرة متى كان ما حصله الحكم من هذه الأدلة لا يخرج عن الاقتضاء العقلي ، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد استخلص من جماع أدلة الثبوت والقرائن ومنها ما حوته تسجيلات المحادثات الهاتفية التي جرت بين الطاعن وبين المتهمين الثاني والثالث أن اتفاقاً انعقد بينهم على ارتكاب جريمة الرشوة ، فإن ما يثار في هذه الوجه من النعي لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا يجوز مجادلتها أو مصادرة حقها في شأنه أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت في مدوناته أن الطاعن اقتضى الرشوة للإخلال بوجبات وظيفته بالمغالاة في السعر الذي حدده لتنفيذ الأعمال التي أسندها للشركة التي يمثلها المتهم على أن يعهد بدوره للمتهم الثالث بتنفيذها ويحصل الطاعن على الفرق بين السعر الذي حدده والسعر الحقيقي لتلك الأعمال ، وكان لا يغير من وصف فعله بأنه ارتشاء أن يكون ما قبضه من مال حرام جزءً مما استولى عليه الراشي بغير حق من مال الدولة علم بذلك أو لم يعلم ، لأنه لا ينظر في وصف الوظيفة إلا بالنسبة إلى المرتشي وحده ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يغير شيئاً في جريمة الرشوة ولا يؤثر في توافر مقوماتها قانوناً . لما كان ذلك ، وكان البيّن من محاضر جلسات المحاكمة أن المدافع عن الطاعن اقتصر على القول ببطلان اعتراف المتهمين الثاني والثالث في عبارة مرسلة مجهلة لا تستند إلى وقائع محددة ولا تشتمل على بيان مقصده منها ، مما لا يعد دفعاً جدياً تلتزم المحكمة بالرد عليه ، وكان من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ولها سلطة مطلقة في الأخذ باعتراف المتهم في حق نفسه أو على غيره من المتهمين متى اطمأنت إلى صحته ومطالبته للحقيقة والواقع ، وكانت محكمة الموضوع قد اطمأنت إلى صحة اعتراف المتهمين الثاني والثالث ومطابقته للحقيقة والواقع وحصل اعترافاتهما بما لا تناقض فيها ، وكان الطاعن لم يدفع أمامها ببطلان ذلك الاعتراف لعدم مطابقته للحقيقة والواقع ، ومن ثم فلا يجوز له أن يثير ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض لكونه من الدفوع الموضوعية التي تتطلب تحقيقاً يخرج عن وظيفتها ، ومن ثم فإن النعي في هذا الصدد لا يكون مقبولاً . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، وهى في ذلك ليست مطالبة بالأخذ بالأدلة المباشرة بل لها أن تستخلص صورة الدعوى كما ارتسمت في وجدانها بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ، فلم يقيدها الشارع بدليل معين ، ولم يشترط لثبوت جريمة الرشوة وجود شهود رؤية أو قيام أدلة معينة بل ترك لمحكمة الموضوع حرية تكوين عقيدتها من أي دليل تطمئن إليه ما دام أن له مأخذه بالأوراق ، ولا يلزم في الأدلة التي يعتمد عليها الحكم أن ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى لأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي ، فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة ، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه ، وكان من المقرر أن تقدير أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تُنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه ، ومتى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، وكانت المحكمة قد أفصحت عن اطمئنانها للأدلة التي عولت عليها في الإدانة ، فإن جميع ما يثيره الطاعن من تعييب لتلك الأدلة لا يعدو أن يكون محاولة لتجريح أدلة الدعوى على وجه معين تأدياً من ذلك إلى مناقضة الصورة التي ارتسمت في وجدان المحكمة بالدليل الصحيح ، وهو ما لا يقبل إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه لا يشترط في جريمة الرشوة أن يكون الموظف الذي طلب الرشوة وأخذها هو وحده المختص بجميع العمل المتعلق بالرشوة ، بل يكفي أن يكون له نصيب من الاختصاص يسمح له بتنفيذ الغرض من الرشوة ، وكان البحث في توافر عنصر اختصاص الموظف بالعمل الذي طلب الرشوة من أجله هو من الأمور الموضوعية التي يترك تقديرها إلى محكمة الموضوع بغير معقب ما دام تقديرها سائغاً مستنداً إلى أصل ثابت في الأوراق ، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت بالأدلة السائغة التي أوردها أن الطاعن له نصيب من الاختصاص يسمح له بتنفيذ الغرض من المقصود من الرشوة ، فإن ما يثار في هذا الصدد لا يكون قويماً . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد عول - ضمن ما عول عليه في الإدانة - على ما ثبت من محاضر استماع النيابة العامة لما تم من تسجيلات صوتية بين الطاعن وبين المتهمين الثاني والثالث ، ولم يعول على استماع المحكمة لتلك التسجيلات ولم يشر إليها في مدوناته ، فإن النعي بالتناقض بين ما سمعته النيابة العامة مع ما سمعته المحكمة من تلك التسجيلات لا يكون مقبولاً . لما كان ذلك ، وكان القانون قد أوجب على المحكمة في المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية أن تبين واقعة الدعوى ومؤدى أدلة الإدانة إلَّا أنه لم يرسم شكلاً معيناً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم هذا البيان ، وكان البيّن من المفردات المضمومة أن أقوال الشاهد السابع لا تخرج عما أورده الحكم بمدوناته في معرض بيانه لواقعة الدعوى وما أورده من أقوال باقي الشهود ، سيما وأن أقوال هذا الشاهد انحصرت في القول بإشرافه على بعض الأعمال التي دين الطاعن بتقاضي الرشوة عنها بطلب من المتهم الثالث ، وهى واقعة من سلسلة وقائع أخرى كل منها كاف بذاته لإدانة الطاعن بجريمة الرشوة ، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الشأن لا يكون له محل . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة ، والذي من شأنه أن يجعل الدليل متهادماً متساقطاً لا شيء فيه باقياً يمكن أن يعتبر قواماً لنتيجة يصح الاعتماد عليها ، وكانت المحكمة قد بينت واقعة الدعوى على الصورة التي استقرت في وجدانها وأوردت أدلة الثبوت المؤدية إليها معتنقة في هذا الشأن صورة واحدة لواقعة الدعوى ، فإن ما يثيره الطاعن على النحو الوارد بأسباب طعنه يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن محكمة الموضوع لا تلتزم في أصول الاستدلال إلَّا بالتحدث عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها وفي إغفالها لبعض الوقائع ما يفيد ضمناً اطراحها لها اطمئناناً إلى ما أثبتته من الوقائع والأدلة التي اعتمد عليها الحكم ، وكان من المقرر أن الدفوع بعدم المعقولية وتلفيق الاتهام وكيديته والقول بأن المتهم الثالث لم يكن وسيطاً في الرشوة لأن ما حصل عليه كان مقابل ما قام بتنفيذه من أعمال وأن علاقته بالمتهم الثاني لا تسمح له بالوساطة في الرشوة ، من أوجه الدفاع والدفوع الموضوعية التي لا تستوجب في الأصل رداً صريحاً من الحكم ما دام الرد مستفاداً ضمناً من القضاء بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردها ، إذ بحسب الحكم كي يتم تدليه ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من مقارفة المتهم للجريمة المسندة إليه ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه اطرحها ، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بإدانة الطاعن استناداً إلى أدلة سائغة لها أصلها في الأوراق وتتفق والاقتضاء العقلي والمنطقي ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن فيما تقدم لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الباعث على ارتكاب الجريمة ليس ركناً من أركانها أو عنصراً من عناصرها ولا أثر له على وقوعها ، فلا يقدح في سلامة الحكم الخطأ فيه أو ابتناؤه على الظن أو إغفاله جملة ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن من دفاع بشأن عدم وجود مصلحة للمتهم الثاني سعى للحصول عليها بالرشوة - بفرض صحته - لا يكون مقبولاً . لما كان ذلك ، وكان البيّن من الحكم المطعون فيه أنه لم يعول في قضائه بالإدانة على دليل مستمد من استجواب الطاعن بتحقيقات النيابة العامة ، ومن ثم فإن ما يثيره من بطلان ذلك الاستجواب لعدم حضور محام معه يكون غير مقبول . لما كان ذلك ، وكان ما يثيره الطاعن في شأن عدم تمكين النيابة العامة لمحاميه من الاطلاع على ما تم من إجراءات وما قدم من مستندات ، لا يعدو أن يكون تعييباً للإجراءات السابقة على المحاكمة مما لا يصح أن يكون سبباً للطعن في الحكم . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن التحقيق الذي تلتزم المحكمة بإجرائه هو ما يكون متعلقاً بالدعوى ومتصلاً بها منتجاً فيها ، وكان يبين من محاضر جلسات المحاكمة أن الأسئلة التي امتنعت المحكمة عن توجيهها لشاهد الإثبات الأول عضو هيئة الرقابة الإدارية ، كانت أسئلة لا تتصل مباشرة بالدعوى أو بتحقيق عنصر من عناصرها لاستجلائه حتى يكون منتجاً فيها ، بل هي محاولة لإثارة الشبهة في أدلة الدعوى ، فإنه لا تثريب على المحكمة إن هي امتنعت عن توجيهها للشاهد ، ويكون النعي على الحكم في هذا المقام لا محل له . لما كان ذلك ، وكان المدافع عن الطاعن قد طلب سماع من ورد ذكرهم كشهود بمذكرة أسباب الطعن ، إلا أنه لم يلتزم في ذلك الطريق الذي رسمه قانون الإجراءات الجنائية في المادة 214 مكرر " أ " /2 لإعلان الشهود الذين كان يطلب الطاعن سماع شهادتهم أمام محكمة الجنايات ، ومن ثم فلا تثريب على المحكمة إن هي أعرضت عن طلبه سماع شهادتهم . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الطلب الذي تلتزم محكمة الموضوع بإجابته أو الرد عليه هو الطلب الجازم الذي يصر عليه مقدمه ولا ينفك عن التمسك به والإصرار عليه في طلباته الختامية ، وكان البيّن من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن المدافع عن الطاعن وإن كان قد طلب بجلسة .... ندب لجنة ثلاثية من خبراء وزارة العدل أو هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة لفحص مستندات الأعمال المنفذة وصولاً إلى بيان مدى مطابقتها للمواصفات .... إلى آخر ما جاء بطلباته الواردة بمذكرة أسباب الطعن إلَّا أنه اقتصر في ختام مرافعته بجلسة .... التي صدر فيها الحكم المطعون فيه على طلب البراءة ، فإن هذه الطلبات على هذا النحو غير جازمة ولم يصر عليها الدفاع في ختام مرافعته ، كما لم يطلب من المحكمة اتخاذ إجراء معين بشأن تلك الطلبات ، فإن ما ينعاه الطاعن من الإخلال بحق الدفاع لا يكون له محل ، لا يغير من ذلك تأجيل المحكمة نظر الدعوى لتنفيذ تلك الطلبات ولسماع أقوال من طلب من الشهود ، لما هو مقرر من أن قرار المحكمة الذي تصدره في صدد تجهيز الدعوى وجمع الأدلة لا يعدو أن يكون قراراً تحضيرياً لا تتولد عنه حقوق للخصوم توجب حتماً العمل على تنفيذه صوناً لهذه الحقوق . لما كان ذلك ، وكان من المقرر قانوناً أنه يكفي في تحقيق الضمان المقرر للمتهم بجناية أن يكون قد حضر عنه محام مقبول للمرافعة أمام محكمة الجنايات وتولى المرافعة عنه ، وكان قد حضر مع الطاعن ثلاثة محامين موكلين منه لا يجادل في أسباب طعنه أن المحكمة قد أخلت بحقه في الدفاع أو صادرت أياً من المحامين الحاضرين معه في دفاعه فلا يجديه أن تكون المحكمة قد ندبت محام للدفاع عنه ، ويكون منعاه في هذا الخصوص غير مقبول . لما كان ذلك ، وكان خطأ الحكم في مادة الإعفاء من العقوبة لا يعيبه ما دام قد وصف الفعل وبيّن واقعة الدعوى وسبب الإعفاء من العقوبة بياناً كافياً - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - وحسب محكمة النقض أن تصحح الخطأ الذي وقع فيه الحكم باستبدال المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات بالمادة 107 من ذات القانون عملاً بنص المادة 40 من القانون رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض ، هذا فضلاً عن أنه لا مصلحة للطاعن في هذا الوجه من النعي . لما كان ذلك ، وكان حق التصدي المنصوص عليه في المادة 11 من قانون الإجراءات الجنائية متروك لمحكمة الجنايات تستعمله متى رأت ذلك دون إلزام عليها في هذا الشأن ، وإذ كانت المحكمة لم تشأ استعمال هذا الحق ، وكان لا جدوى للطاعن من التمسك بإدخال أشخاص آخرين في الدعوى طالما أن إدخالهم فيها لم يكن ليحول دون مسألة الطاعن عن الجريمة التي دين بها ، فإن منعاه في هذا الصدد لا يكون مقبولاً . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن المصادرة إجراء الغرض منه تمليك الدولة أشياء ذات صلة بالجريمة قهراً عن صاحبها بغير مقابل ، وكان البيّن من الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى بمصادرة ما ضبط من مبالغ نقدية بحوزة الطاعن إنما كان بوصفه متحصلاً من جريمة الرشوة التي توافرت في حقه ، فإن منعاه في هذا الشأن غير سديد . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن القانون وإن أوجب توقيع أمر الإحالة بإمضاء مصدره ، إلَّا أنه لم يرسم شكلاً خاصاً لذلك ، وكان الطاعن لا ينازع في صفة مصدر أمر الإحالة واختصاصه به ، فلا يعيب أمر الإحالة أن يكون التوقيع غير مقروء - بفرض صحته - لأن أمر الإحالة عمل من أعمال التحقيق لا محل لإخضاعه لما يجري على الأحكام من قواعد البطلان ، فإن التوقيع عليه بتوقيع غير مقروء لا يبطل المحاكمة ولا يؤثر في صحة إجراءاتها ، كما أن إبطال إحالة الدعوى إلى محكمة الموضوع بعد اتصالها بها يقتضي إعادتها إلى مرحلة الإحالة وهو أمر غير جائز باعتبار أن تلك المرحلة لا تخرج عن كونها جهة تحقيق فلا يجوز إعادة الدعوى إليها بعد دخولها في حوزة المحكمة ، مما يضحى معه منعى الطاعن بهذا الوجه غير مقبول . لما كان ذلك ، وكان البيّن من الاطلاع على محضر جلسة .... التي صدر فيها الحكم المطعون فيه أنه قد أثبت به حضور وكيل النيابة العامة .... ممثلاً للنيابة العامة بتلك الجلسة كما أثبت اسمه في الحكم خلافاً لزعم الطاعن ، هذا فضلاً عن أنه من المقرر أنه لا يعيب الحكم إغفال اسم وكيل النيابة في محضر الجلسة ما دام الحكم المطعون فيه قد ذكر اسمه صراحة ، وكان الطاعن لا يدعي أن النيابة العامة لم تكن ممثلة في جلسة المحاكمة ، فإن النعي على الحكم في هذا الصدد يكون على غير أساس . لما كان ذلك ، وكان القانون لم يوجب عند تغيير هيئة المحكمة إعادة إجراءات المحاكمة أمام الهيئة الجديدة أو اتخاذ أي إجراء من إجراءات التحقيق إلَّا إذا أصر المتهم أو المدافع عنه على ذلك ، أما إذا تنازل عن ذلك صراحة أو ضمناً ولم تر المحكمة من جانبها محلاً لاتخاذ أي إجراء من إجراءات التحقيق فلا عليها إن هي قضت في الدعوى واعتمدت في حكمها على الإجراءات المتخذة في مرحلة سابقة ما دامت مطروحة على بساط البحث أمامها ، وإذ كان الثابت أن الدفاع عن الطاعن لم يطلب إعادة أي إجراء سبق اتخاذه من هيئة أخرى ، فإن منعاه في هذا المقام يكون على غير أساس . لما كان ذلك ، وكان البيّن من محاضر جلسات المحاكمة والحكم المطعون فيه أن السيدين .... و .... قاضيان بمحكمة استئناف القاهرة ، وهو ما لا ينازع الطاعن فيه ، فلا يجديه ما يثيره من الاختلاف في بيان الدرجة الوظيفية لكل منهما بين ما أثبت بمحاضر جلسات المحاكمة والحكم المطعون فيه ما دام أن تشكيل هيئة المحكمة مصدره الحكم كان موافقاً للقانون ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يكون له وجه . لما كان ذلك ، وكان تفصيل أسباب الطعن ابتداءً مطلوباً على وجه الوجوب تحديداً للطعن وتعريفاً بوجهه منذ افتتاح الخصومة بحيث يتيسر للمطلع عليه أن يدرك لأول وهلة موطن مخالفة الحكم للقانون أو خطئه في تطبيقه أو مواطن البطلان الجوهري الذى وقع فيه الحكم أو مواطن بطلان الإجراءات الذي أثر فيه ، وكان الطاعن لم يكشف في أسباب طعنه عن ماهية البطلان في الإجراءات الذي أثر في الحكم إذ جاءت عبارته في هذا الوجه مرسلة مجهلة ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير مقبول . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ