باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السابع عشر مـن ديسمبر سنة 2022م،
الموافق الثالث والعشرين من جمادى الأولى سنة 1444 هـ.
برئاسة السيد المستشار / بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة
المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف ومحمود محمـــد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد
سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد وصلاح محمد الرويني
نواب رئيس المحكمة وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة
المفوضين وحضور السيد/ محمـد ناجي عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 101 لسنة 24
قضائية دستورية
المقامة من
................
ضد
1- رئيس الجمهوريـة 2- رئيس مجلس الشعب(مجلس النواب حاليًا)
3- رئيس مجلس الوزراء 4- وزير العدل
5- وزير الأوقـاف
6- ورثة/ ......، وهم: ......
----------------
" الإجراءات "
بتاريخ الثامن عشر من مارس سنة 2002، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى
قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الثانية
من المادة (30) من القانون رقم 48 لسنة 1946 بأحكام الوقف، والمادة (3) من المرسوم
بقانون رقم 180 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات، فيما تضمنتاه من
حرمان الورثة غير الموقوف عليهم من تملك نصيبهم في أعيان وقف مورثهم.
وقدم المدعي مذكرة، صمم فيها على طلباته، وصحيفة تصحيح شكل الدعوى
بإدخال المدعي عليهم سادسًا بعد وفاة مورثتهم.
وقدم المدعى عليهم سادسًا مذكرة، طلبوا فيها أصليًّا: الحكم بعدم قبول
الدعوى للتجهيل، واحتياطيًّا: برفضها.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار
الحكم فيها بجلسة اليوم.
---------------
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق -
في أن زوجة والد المدعي، منيرة أحمد رمزي، كانت قد أوقفت أرضًا زراعية، بما عليها
من مساكن، على نفسها حال حياتها، ومن بعـدها لأولادها - دون زوجها - وذلك بموجب
إشهادين مسجلين لدى محكمة المنيا الابتدائية الشرعية، اشترطت فيهما لنفسها النظر
على الوقف حال حياتها، ومن بعدها الأرشد فالأرشد من أولادها، واحتفظت لنفسها بحق
الرجوع، وظلت مصرة على هذا الوقف حتى وفاتها بتاريخ 26/ 11/ 1947، فقامت مورثة
المدعى عليهم سادسًا كوثر كيلاني المصري، بشهر قائمة حق الإرث عن والدتها لصالح
ورثتها. وبصدور المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير
الخيرات، آلت ملكية الأعيان الموقوفة لأبناء الواقفة، بموجب قائمة إلغاء الوقف
المسجلة برقم 327 لسنة 1967 توثيق المنيا. وبتاريخ 25/ 3/ 1992، أقامت مورثة
المدعى عليهم سادسًا الدعوى رقم 45 لسنة 1992 مدني، أمام محكمة مطاي الجزئية، ضد
المدعى عليهم من السابعة حتى الأخير، طالبة الحكم بفرز وتجنيب حصتها وقدرها ثلاثة
عشر فدانًا، أرضًا زراعية شائعة في مساحة أكبر بالناحية الكائن بها الأرض
الموقوفة، وحصة قدرها الخُمس في المساكن المشيدة عليها، وتسليمها حصتها فيها
مفرزة. على سند من تملكها تلك الأعيان بموجب إشهادي حق الإرث وقائمة إلغاء الوقف
على غير الخيرات المشار إليهما، وعقدي شراء أرض زراعية مسجلين برقمي 2067 لسنة
1970 و2758 لسنة 1971 شهر عقاري المنيا. وأثناء نظر تلك الدعوى، وجه المدعى عليه
العاشر ومورثة المدعى عليهم حادي عشر، طلبًا عارضًا بتثبيت ملكيتهما لمساحة من
الأرض، وما عليها من مبانٍ، تقع ضمن مساحة الأرض محل دعوى الفرز والتجنيب، قولاً
منهما باكتسابهما ملكية تلك الأرض بوضع اليد الظاهر لمدة تزيد على خمس عشرة سنة،
بنية تملكها. وبجلسة 31/ 3/ 1993، قضت المحكمة بوقف إجراءات دعوى القسمة، وقبل
الفصل في موضوع الملكية، بعدم اختصاص المحكمة قيميًّا بنظر الدعوى، وإحالتها إلى
محكمة المنيا الابتدائية مأمورية بني مزار، وقيدت الدعوى لديها برقم 256 لسنة 1993
مدني كلي بني مزار، وأثناء نظرها توفيت السيدة/ جليلة عقيلة الأدهس - أحد المدعيين
في الطلب العارض - فقام ورثتها، ومن بينهم المدعي، بتصحيح شكل الدعوى، بالطلبات
ذاتها. وبجلسة 15/ 11/ 2001، دفع المدعي بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة
(30) من القانون رقم 48 لسنة 1946 بأحكام الوقف، والمادة (3) من المرسوم بقانون
رقــــم 180 لسنة 1952 بإلغــــاء نظام الوقف على غير الخيرات. وإذ قدرت تلك
المحكمة جدية هذا الدفع، وصرحت للمدعي بإقامة الدعوى الدستورية، فأقام الدعوى
المعروضة.
وحيث إنه عن الدفع بعدم قبول الدعوى للتجهيل بالنص الدستوري المدعى
مخالفته، وبأوجه تلك المخالفة، فإنه مردود بما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة، من أن
ما نصت عليه المادة (30) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، من أن
صحيفة الدعوى التي ترفع إليها من أحد خصوم الدعوى الموضوعية، للفصل في بطلان
النصوص التشريعية المطعون عليها، يتعين أن تتضمن بيان النصوص التشريعية المدعى
مخالفتها للدستور، ومواقع بطلانها، إنما يتغيا ألا تكون صحيفة الدعوى منطوية على
التجهيل بالمسائل الدستورية التي تدعى هذه المحكمة للفصل فيها، ضمانًا لتحديدها
تحديدًا كافيًا يبلور مضمونها ونطاقها، فلا تثير - بماهيتها أو مداها - خفاءً يحول
دون إعداد ذوي الشأن جميعًا - ومن بينهم الحكومة - لدفاعهم بأوجهه المختلفة خلال
المواعيد التي حددتها المادة (37) من قانون المحكمة الدستورية العليا، بل يكون
بيانها لازمًا لمباشرة هيئة المفوضين - بعد انقضاء هذه المواعيد - لمهامها في شأن
تحضير جوانبها، ثم إبدائها رأيًا محايدًا يكشف عن حكم الدستور والقانون بشأنها
وفقًا لما تقضى به المادة (40) من هـــذا القانـــون. ولما كان التجهيل بالمسائل
الدستورية يفترض أن يكون بيانها قد غمض فعلاً بما يحول عقلاً دون تجليتها، فإذا
كان إعمال النظر في شأنها - من خلال الربط المنطقي للوقائع المؤدية إليها- يفصح عن
حقيقتها وما قصد إليه الطاعن حقًّا من إثارتها، فإن القول بمخالفة نص المادة (30)
المشار إليها - يكون لغوًا. متى كان ذلك، وكانت صحيفة الدعـوى الدستورية المعروضة
قد تضمنت بيانًا بالنصين التشريعيين المطعون عليهما، والنصوص الدستورية المدعـــى مخالفتها،
وهى المواد (2، 32، 34، 40) من دستور سنة 1971، المقابلة لنصوص المواد (2، 33، 35،
53) من الدستور القائم - وأوجه تلك المخالفة، بقالة إخلالهما بمبادئ الشريعة
الإسلامية، وحماية الملكية الخاصة والمساواة، ومن ثم تكون صحيفة هذه الدعوى قد
جاءت مستوفية البيانات الجوهرية التي أوجبتها المادة (30) من قانون هذه المحكمة
السالف الإشارة إليه، ويكون الدفع المبدى خليقًا به الرفض.
وحيث إن المادة (30) من القانون رقم 48 لسنة 1946 بأحكام الوقف تنص
على أنه إذا حرم الواقف أحدًا ممن لهم حق واجب في الوقف بمقتضى أحكام هذا القانون
من كل أو من بعض ما يجب أن يكون له في الوقف أعطى كل واحد من هؤلاء حصته الواجبة
ووزع الباقي على من عدا المحروم من الموقوف عليهم بنسبة ما زاد فى حصة كل منهم إن
كانوا من ذوي الحصص الواجبة، وبنسبة ما وقف عليهم إن كانوا من غيرهم.
ولا يتغير شيء من الاستحقاق إذا لم يرفع المحروم الدعوى بحقه مع
التمكن وعـــدم العـــذر الشرعـــي خـــلال سنتين شمسيتين من تاريـــخ مــــوت
الواقــــف، أو رضى كتابة بالوقف بعد وفاة الواقف. وينفذ رضاه بترك بعض حقه ولا
يمس ذلك ما بقى منه.
وتنص الفقرة الأولى من المادة (3) من المرسوم بقانون 180 لسنة 1952
بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات - مقروءة في ضوء حكم المحكمة الدستورية العليا
الصادر بجلسة 4/ 5/ 2008، في الدعوى رقم 33 لسنة 23 قضائية دستورية - على أنه يصبح
ما ينتهي فيه الوقف على الوجه المبين في المادة السابقة ملكًا للواقف إن كان حيًّا
وكان له حق الرجوع فيه. فإن لم يكن آلت الملكية لورثته وللمستحقين الحاليين كل
بقدر حصته في الاستحقاق.....
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة
يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة الدستورية من جوانبها العملية،
وليس من معطياتها النظرية، أو تصوراتها المجردة، وهو كذلك يقيد تدخلها في تلك
الخصومة القضائية، ويحدد نطاقها، فلا تمتد لغير المطاعن التي يؤثر الحكم بصحتها أو
بطلانها على النزاع الموضوعي، وبالقدر اللازم للفصل فيه، ومؤداه ألا تقبل الخصومة
الدستورية من غير الأشخاص الذين يمسهم الضرر من جراء سريان النص المطعون فيه
عليهم، سواء أكان هذا الضرر قد وقع فعلاً أم كان وشيكًا يتهددهم. ويتعين دومًا أن
يكون هذا الضرر منفصلاً عن مجرد مخالفة النص المطعون فيه للدستور، مستقلاً
بالعناصر التي يقوم عليها؛ ممكنًا تحديده ومواجهته بالترضية القضائية لتسويته،
عائدًا في مصدره إلى النص المطعون فيه، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلاً علي من
ادعي مخالفته للدستور، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من
مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه، دل ذلك علي انتفاء
المصلحة الشخصية المباشرة، ذلك أن إبطال النص التشريعي في هذه الصور جميعها، لن
يحقق للمدعي أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في
الدعوى الدستورية، عما كان عليه قبلها. ولا يتصور بالتالي أن تكون الدعوى
الدستورية أداة يعبر المتداعون من خلالها عن آرائهم في الشئون التي تعنيهم بوجه
عام، أو طريقة للدفاع عن مصالح بذواتها لا شأن للنص المطعون فيه بها. ومن ثم، يخرج
من نطاقها ما يكون من الضرر متوهمًا، أو منتحلاً أو مجردًا، أو يكون على أســـاس
الافتراض أو التخيل. ولازم ذلك، أن يقـــوم الدليـــل جليًّا علي اتصال الأضرار
المدعى وقوعها بالنص المطعون فيه، وأن يسعى المضرور لدفعها عنه، لا ليؤمن بدعواه
الدستورية، وكأصل عام، حقوق الآخرين ومصالحهم، بل ليكفل إنفاذ تلك الحقوق التي
تعود فائدة صونها عليه. والتزامًا بهذا الإطار، جرى قضاء هذه المحكمة على أن
المصلحة الشخصية المباشرة شرط لقبول الدعوى الدستورية، وأن مناطها أن يكون ثمة
ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في
المطاعن الدستورية لازمًا للفصل في النزاع الموضوعي.
متى كان ما تقدم، وكان الثابت بالأوراق أن النزاع في الدعوى الموضوعية،
الذى أُثيرت بمناسبته المسألة الدستورية المعروضة، تدور رحاه حول الطلب العارض
المبدى من المدعي وآخرين، بتثبيت ملكيتهم لمساحة من الأرض، وما عليها من مبانٍ،
تقع ضمن المساحة الكلية للأرض محل دعوى الفرز والتجنيب، على سند من اكتساب ملكيتها
بوضع اليد لمدة تزيد على خمس عشرة سنة، بنية تملكها. وكان الفصل في طلب كسب ملكية
العقار بوضع اليد المدة الطويلة، يُعد سببًا قائمًا بذاته، مستقلاً عن أي سبب آخر
لكسبها، سواء أكان عقد بيع أو حق إرث تم استيفاء إجراءات شهره، أو كانت الملكية قد
انتقلت للموقوف عليهم نفاذًا لشهر قائمة إلغاء الوقف على غير الخيرات. إذ ينصرف
قضاء محكمة الموضوع في شأن بحث كسب ملكية العقار بالتقادم الطويل، وفقًا لنص
المادة (968) من القانون المدني، إلى التثبت من أن وضع يد الحائز قد استمر لمدة
خمس عشرة سنة، مقرونًا بنية التملك، وأن يكون وضع اليد مستوفيًا شرائطه المقررة
قانونًا، وهو أمر منبت الصلة بأي من نصوص القانون رقم 48 لسنة 1946 بأحكام الوقف،
والمرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات. ومن ثم، لا
يكون للفصل في دستورية النصين المطعون عليهما انعكاس على الدعوى الموضوعية - الطلب
العارض فيها -، الأمر الذي تنتفي معه المصلحة الشخصية المباشرة للمدعي في الطعن
على دستوريتهما؛ لكون إبطالهما لن يحقق له أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها
مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية عما كان عليه قبلها، مما لزامه
القضاء بعدم قبول الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعي
المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.