صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ عَلَى رَوْحٌ وَالِدِيَّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَغَفَرَ لَهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا وَقْفِيَّة عِلْمِيَّة مُدَوَّنَةٌ قَانُونِيَّةٌ مِصْرِيّة تُبْرِزُ الْإِعْجَازَ التَشْرِيعي لِلشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ وروائعِ الْفِقْهِ الْإِسْلَامِيِّ، مِنْ خِلَالِ مَقَاصِد الشَّرِيعَةِ . عَامِلِةَ عَلَى إِثرَاءٌ الْفِكْرِ القَانُونِيِّ لَدَى الْقُضَاة. إنْ لم يكن للهِ فعلك خالصًا فكلّ بناءٍ قد بنيْتَ خراب ﴿وَلَقَدۡ وَصَّلۡنَا لَهُمُ ٱلۡقَوۡلَ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ﴾ القصص: 51
الصفحات
- الرئيسية
- أحكام النقض الجنائي المصرية
- أحكام النقض المدني المصرية
- فهرس الجنائي
- فهرس المدني
- فهرس الأسرة
- الجريدة الرسمية
- الوقائع المصرية
- C V
- اَلْجَامِعَ لِمُصْطَلَحَاتِ اَلْفِقْهِ وَالشَّرَائِعِ
- فتاوى مجلس الدولة
- أحكام المحكمة الإدارية العليا المصرية
- القاموس القانوني عربي أنجليزي
- أحكام الدستورية العليا المصرية
- كتب قانونية مهمة للتحميل
- المجمعات
- مُطَوَّل اَلْجُمَلِ فِي شَرْحِ اَلْقَانُونِ اَلْمَدَنِيِّ
- تسبيب الأحكام الجنائية
- الكتب الدورية للنيابة
- وَسِيطُ اَلْجُمَلِ فِي اَلتَّعْلِيقِ عَلَى قَانُونِ اَلْعَمَلِ
- قوانين الامارات
- مُطَوَّل اَلْجُمَلِ فِي اَلتَّعْلِيقِ عَلَى قَانُونِ اَلْمُرَافَعَاتِ
- اَلْمُذَكِّرَة اَلْإِيضَاحِيَّةِ لِمَشْرُوعِ اَلْقَانُونِ اَلْمَدَنِيِّ اَلْمِصْرِيِّ 1948
- مُطَوَّل اَلْجُمَلِ فِي اَلتَّعْلِيقِ عَلَى قَانُونِ اَلْعُقُوبَاتِ
- محيط الشرائع - 1856 - 1952 - الدكتور أنطون صفير
- فهرس مجلس الدولة
- المجلة وشرحها لعلي حيدر
- نقض الامارات
- اَلْأَعْمَال اَلتَّحْضِيرِيَّةِ لِلْقَانُونِ اَلْمَدَنِيِّ اَلْمِصْرِيِّ
- الصكوك الدولية لحقوق الإنسان والأشخاص الأولى بالرعاية
بحث هذه المدونة الإلكترونية
الأربعاء، 8 ديسمبر 2021
حكم الاتفاقات المتعلقة بالأموال في حق الخلف بسبب خاص حامد فهمي المحامي
بحث في مسؤولية الآباء والأمهات والقامة والأوصياء عن أعمال الصبي أو المحجور محمد فؤاد حسني
مجلة المحاماة – العددان الرابع والخامس
السنة الثامنة – يناير وفبراير 1928
عن أعمال الصبي أو المحجور
كانت مسؤولية الآباء والأمهات في عهد القانون الروماني كمسؤولية السيد بالنسبة لأفعال العبد المملوك له لذلك كان لوالد الطفل الذي ارتكب أمرًا موجبًا للضمان أن يتخلص من المسؤولية بتخليه عن الطفل وذلك بطريق التبرؤ منه وجعله في تصرف الشخص الذي لحقه الضرر إن شاء اقتص منه وإن شاء استعبده ثم ما لبثت هذه السنة القبيحة أن تلاشت وحلت محلها قاعدة جواز إقامة الدعوى على الولد نفسه والرجوع على والده بمقدار التعويض بنسبة معينة.
ومن هذا الشبه الوثيق الذي كان موجودًا من قبل بين الأولاد والوالي بالنسبة لمسؤولية رب العائلة وجدت الرخصة لمن أصابه الضرر في مقاضاة رب العائلة مباشرةً إذا تبين أنه رضي عن العمل وكان في وسعه اتقاؤه لو أراد.
ولما كان أساس تلك المسؤولية سلطة الآباء على أولادهم كانت ملازمة لها تقوم بوجودها وتزول بذهابها كما لو انتقل الولد إلى سلطة إنسان آخر كالوصي مثلاً أو أنه أصبح مالكًا حرية تصرفه.
أما في عهد القضاء الفرنسي القديم فلم تكن القاعدة الرومانية التي أوجزنا معناها آنفًا سارية على إطلاقها فقد دون العلامة (Merlin) في موسوعاته جملة أحكام أثبت عدم مسؤولية الأب عن التعويض المدني الناشئ عن جرائم ولده ومن رأي هذا العالم أنه لا يجوز إلزام الأب بالضمان عن عمل ابنه إلا بمقدار ما يمسكه من ماله المملوك له كأن يكون ورثه عن أمه أو جاءه من أي طريق آخر بيد أنهم لاحظوا على ذلك العالم أن رأيه هذا لا يستقيم على إطلاقه لأنه لا يتفق مع ما كانت قد أقرته العوائد المحلية في بعض جهات فرنسا ومهما يكن من الأمر فإن القواعد القديمة في هذا الصدد كانت غير ثابتة وكانت تختلف باختلاف عوائد البلاد ولكن يمكن مع ذلك ردها جميعها إلى قاعدتين أصليتين الأولى أنه يسأل الأب عن فعل ولده إذا أظهر الرضا عن عمله كما لو تولى الدفاع عنه أمام القضاء، والثانية أنه يسأل الأب إذا ثبت أن الفعل الموجب للمسؤولية وقع من الولد بعلمه أو باتفاقه معه فيه (coanivence) وكان يكفي للدلالة على وجود العلم والاتفاق عدم مبادرة الأب إلى منع ولده عن الفعل في حال القدرة عليه فقد كانت تلك القرينة قاطعة في وجوب مسؤولية الوالد بأنه لا عذر له في تمكين ولده من إحداث العمل الضار في حال قدرته على منعه وتأييدًا لهذه القاعدة أورد العلامة (Legrand) حكمًا صادرًا في سنة 1641 من الرئيس (Lecoigneux) ملخصه أن رجلاً خرج من الكنيسة يومًا بعد الفراغ من الصلاة مع ابنه الذي كان دون البلوغ فتشاجر الصبي مع صبي آخر ولكمه فمات المضروب بعد ذلك بأيام فحكم الرئيس على الرجل بالتعويض وبالغرامة وبرأ الصبي لأنه غير مميز.
أما في العهد الحاضر فقد تدونت مسؤولية الأقارب ضمن وجوه أخرى من وجوه المسؤولية في المادة (151) من القانون المدني الأهلي والمادة (213) من القانون المدني المختلط وتبينت نصًا وتعينًا في المادة (1384) من القانون المدني الفرنسي وإليك عبارتها (الأب والأم بعد موت زوجها مسؤولان عن الضرر الحادث بفعل أولادهما القصر المقيمين معهما إلا أن يقيم الأبوان الدليل على أنه لم يكن في مقدورهما منع الفعل الذي أوجب المسؤولية).
أما نصوص القوانين المصرية فهي الآتية:
مادة (151) مدني أهلي:
كل فعل نشأ عنه ضرر للغير يوجب ملزومية فاعله بتعويض الضرر وكذلك يلزم الإنسان بضرر الغير الناشئ عن إهمال من هم تحت رعايته أو عدم الدقة والانتباه منهم أو عن عدم ملاحظته إياهم.
مادة (213) مدني مختلط:
كذلك يلزم الإنسان بضرر الغير الناشئ عن تقصير من هم تحت رعايته أو عن إهمالهم أو عدم الدقة والانتباه منهم أو عدم ملاحظته إياهم.
وقد لاحظ المسيو دوهلتز في شرحه الكبير أن النص الأهلي أسقط شرط التقصير من عبارته على خلاف ما جاء في النص المختلط فأصبح النص الأهلي موافقًا للعبارة الفرنسية.
ومن مقارنة النص المصري بالنص الفرنسي يظهر أن الأول عام يتناول مسؤولية الأبوين والأوصياء والقامة والمعلمين والموكلين بحراسة المجانين والمستوظفين وأصحاب المعامل والمصانع وغيرهم، أما النص الفرنسي فهو قاصر على الآباء دون غيرهم.
وبديهي أن أساس مسؤولية الأبوين تلك السلطة الطبيعية التي لهما على أولادهما وهي التي تفرض عليهما واجب المحافظة على سلوكهم والعناية بأفعالهم ما داموا في السن الذي لا يحسنون فيه التصرف بما فيه صالحهم وأنهم تابعون لهما في جميع المعاملات المدنية وأن لهما عليهم الإشراف المستمر الدائم فيما فيه تقويم المعوج من أخلاقهم وصرفهم عما يكون مفسدًا لآدابهم فإن أحدث الولد بعد ذلك ضررًا كان سببه تفريط الأبوين في واجب رعايته وإهمالهما مراقبة سلوكه كانا مسؤولين عن تفريطهما وإهمالهما.
ولا فرق في ذلك عندهم بين أن يكون الولد شرعيًا أو غير شرعي لأن علة التشريع بإيجاب المسؤولية في الحالتين واحدة فوجب أن يكون الحكم فيهما واحدًا وذلك التفريق بين الولد الشرعي وغير الشرعي جائز عندهم لجواز الاستلحاق عندهم.
أما عندنا فغير جائز لأن القاعدة الشرعية أن الولد للفراش وقد خالف معاوية في ذلك باستلحاق زياد بن أبيه وإثبات نسبه منه فلما انقرضت دولة بني أمية وجاءت دولة العباسيين رُد نسب زياد وآله إلى حقيقته فإذا عدنا إلى النص الفرنسي الذي جاء بأحكام مسؤولية الأبوين على طريق التخصيص والتعيين نرى أنه يجب لتحقق تلك المسؤولية توفر ركنين أصليين أولهما أن يكون الولد مقيمًا معهما والثاني أن يكون قاصرًا.
ومعنى إقامة الولد مع أبويه أن يكون في منزلهما الذي يقيمان فيه بحيث تتحقق تلك الرقابة التي أشرنا إليها آنفًا وبحيث يكون الولد متأثرًا دائمًا بما يتلقاه عن والديه من التعليم والإرشاد ذلك لأن الوالد ملزم طبعًا بتربية ولده وتقويمه وتهذيبه وعليه تقع تبعة الأخلاق السيئة التي قد يتصف بها ولو كان الموكل بملاحظته أجيرًا من قِبل أبيه لا فرق في ذلك بين أن تكون تلك الملاحظة الأجنبية مستمرة أو منقطعة وعلى هذا إذا نيط بمعلم تعليم الولد في منزل أبويه بعض ساعات في كل يوم فلا يكون المعلم مسؤولاً عما يرتكب الولد من الأفعال الضارة لأن الولد يتطبع غالبًا بطباع أبويه فإن كان الأب مفرطًا في تقويم أخلاقه أو كان مثال السوء له فهو المسؤول عن أفعاله إنما يكون له الرجوع على المعلم بما ضمنه عن ولده في بعض الأحوال إذا وجد لهذا الرجوع مسوغ كما لو ظهر أن المعلم كان سببًا مباشرًا في ارتكاب الصبي للفعل الموجب للضمان.
كذلك إذا كان المعلم ملازمًا للولد في منزل أبيه على طريق الاستمرار كما يفعل بعض كبار الأغنياء فإن المسؤولية تقع أولاً وبالذات على الوالد لأنه لا يعذر أن ألقى مقاليد ولده إلى معلمه من غير أن يكون له الإشراف الدائم عليهما إنما يكون له الرجوع على المعلم إذا كان خطأ الولد ناشئًا عن سوء تربية المعلم له أو عن تعمده إفساد أخلاقه وهذا جائز.
فإن وضع الأب ولده على وجه الاستمرار لدى مستصنع أو معلم فالمسؤولية عليهما لأن ركن الإقامة أصبح معدومًا بالنسبة للأبوين من جهة ولأن الرقابة والملاحظة انتقلت منه إليهما من جهة أخرى.
فإن كان الصبي يبرح المصنع أو المدرسة ليلاً عند أبويه أو نهارًا في أوقات الطعام ليتناول طعامه معهما فلا مسؤولية على صاحب المصنع أو مدير المدرسة ما لبث الصبي غائبًا فمتى عاد عادت مسؤوليتهما.
فإن كان شرط إقامة الصبي عند معلمه أن لا يبرح مكانه لا ليلاً ولا نهارًا كان المعلم هو المسؤول دون سواه، وقد رأى العالم (Delvincourt) في المجلد الثالث صحيفة 685 ودالوز في كتاب التعهدات صحيفة 786 هذا الرأي على إطلاقه، ورأى (Toullier) أن الصبي إذا كان ليس له أن يبرح محل عمله فتركه ثم ارتكب أمرًا موجبًا للمسؤولية في منزل أبويه كانت المسؤولية عليهما وقد يكون هذا الرأي الأخير راجحًا عندنا إذا كان الأبوان يعلمان بمجيء ولدهما عندهما خلسة من معلمه فيتجاوزان عن ذلك أما إذا جهلاه ووقع منه ما يوجب المسؤولية في منزلهما فإننا نرى أن المعلم هو المسؤول لأنه مفرط من حيث إنه مكن الصبي من الخروج بغير إذنه.
كذلك إذا وضع الوالد ابنه القاصر عند تاجر مثلاً فلا يمكن القول بمسؤوليته عما يرتكبه الصبي أثناء عمله من السيئات لأنه غير مباشر له فيه فلو سرق الصبي من مال التاجر شيئًا فلا مسؤولية على أبيه وبذلك حكمت محكمة منبليه حكمها الرقيم 12 فبراير سنة 1887، على أنه قد اعترض على هذا الرأي بأنه غير وجيه على إطلاقه لجواز أن يكون فعل الصبي الموجب للمسؤولية أثرًا من سوء تربية والده له فتتعين مسؤوليته والمسألة مختلف فيها والمذهب الأول أكثر اتفاقًا مع حكم القانون، كذلك ترتفع مسؤولية الأبوين من باب أولى إذا أدخل الصبي في المدرسة ليقيم بها لأنه يصبح في ذمة مدير المدرسة وأساتذتها خاضعًا لسلطانهم ويكونون قد حلوا محل أبيه فيما له من الحقوق على ولده وفيما عليه من واجب التربية والتهذيب نحوه - زد على ذلك أن القانون عرف للمعلم حق التأديب وأطلق له شيئًا من السلطة تكفي لتمكينه من تقويم أخلاق الصبي وتهذيبه وكبح جماحه فإن تراخى في مراقبته وأهمل تأديبه وأبدى جانب اللين والإغضاء ولم يستعمل الجد في موضعه واللين في مقامه حتى شب الولد على أخلاق سيئة يكون المعلم مسؤولاً عن تعويض الضرر الذي قد يصيب الغير بسبب سوء سلوكه ولا مسؤولية على الأبوين لأن إنابتهما للمعلم في تهذيب الصبي وتأديبه قد أقالتهما منها.
ولسائل أن يقول إذا خرج المؤدب بتلاميذه للرياضة مثلاً فاعتدى صبي منهم على عابر سبيل فأصبح المؤدب أو ناظر المدرسة مسؤولين أليس يكون لهما الرجوع على الأبوين بما ضمناه أو ضمنه أحدهما عن الصبي فيما لو أثبت أحدهما أو كلاهما أن الأمر الذي ارتكبه الصبي ونشأ عنه الضمان لم يكن في مقدورهما منعه ولا تلافيه والجواب أن بعضهم يقول بذلك لكن قولهم هذا ضعيف ذلك لأن نصوص المواد (151) و(213) و(1384) فرنسي لا تتفق مع ذلك الرأي لأنها جميعها قررت المسؤولية على من يكون الصبي تحت رعايته وقت حدوث العمل ولا شك أن الصبي وقت تعديه على عابر السبيل كان تحت رعاية معلمه وأن تمكنه من إيذائه لم يكن يحدث لو كان المعلم منتبهًا.
فإن كانت حجة أصحاب الرأي الآخر عدم استطاعة المعلم منع الصبي عن الفعل الموجب للمسؤولية وقت وقوعه فأولى بالأبوين أن يكون لهما العذر في ذلك وهما بعيدان عن الصبي فكيف يلزمان بالضمان عنه للمعلم أو ناظر المدرسة.
ورب معترض يقول في هذا المقام إن بين والد الصبي وبين المعلم أو ناظر المدرسة عقد وكالة أقام الأول بمقتضاه الثاني على تأديب ابنه وتهذيبه مقابل أجر معين وإن المادة (528) من القانون المدني الأهلي ألزمت الموكل بأن يدفع لوكيله المصاريف التي أنفقها أثناء وكالته في أعمال موكله بشرط أن لا يكون قد سببها بخطئه وعلى ذلك يكون من حق المعلم الرجوع على الأبوين بما غرمه في مسؤوليته عن ابنهما لأنه وكيل بأجر وله ذلك بمقتضى القانون.
والجواب أن الأجر المتفق عليه بين والد الصبي والمعلم يقوم مقام التعويض عن ذلك الغرم لأن الأجر يقابل تعهد المعلم بتأديب الصبي والمحافظة عليه من التعرض لإيذاء الناس فإن آذى الصبي أحدًا كان ذلك من إهمال المعلم وخطئه فهو المسؤول دون غيره.
كذلك تسقط مسؤولية الأبوين إذا أدخلا الصبي خادمًا مأجورًا عند أحد الناس فيما يرتكبه أثناء خدمته.
قلنا إن ركن مسؤولية الأبوين إقامة ولدهما معهما غير أن مجرد عدم الإقامة على إطلاقه غير مسقط لتلك المسؤولية وإنما يشترط في ذلك أن يكون خروج الولد عن الإقامة مع أبويه لسبب مشروع كالأسباب التي أسلفنا ذكرها فإن ترك الوالد ولده القاصر ليتشرد في الطرق أو أذن له في الإقامة بمفرده في معزل عنه في سن يحتاج فيه إلى أن لا يفتر والداه عن ملاحظته ورعايته طرفة عين فارتكب أمورًا موجبة للمسؤولية كانت تلك المسؤولية على الأبوين لأنها نتيجة ظاهرة من تفريطهما ونسيانهما واجبهما قِبل الصبي.
فإن كان الولد لا يزال قاصرًا عن سن الرشد ولكنه دونه بشيء يسير بحيث يرخص له عادةً في الخروج والدخول والتردد على دور العلم والجامعات والكتبخانات وغيرها من غير رقيب عليه فارتكب أمرًا موجبًا للمسؤولية هل يضمنه الوالد؟ والرأي الراجح أنه لا يضمن لأنه يكون في حالة العذر الواردة في نهاية المادة (1384) فرنسي أي أنه لم يكن في استطاعته وقت حدوث الفعل منع ولده عنه فلا مسؤولية عليه.
وإذا انتهينا من الركن الأول من ركني مسؤولية الأبوين عن أفعال ولدهما ننتقل إلى الركن الثاني وهو أن يكون الولد قاصرًا عن سن الرشد.
ولم يفرق القانون بين القاصر المميز وغير المميز عند تقرير مسؤولية أبويه فهل يكون الأبوان مسؤولين في كلتا الحالتين؟
والذي يتبادر إلى الذهن لأول وهلة أن مسؤولية الأبوين تكون أظهر في وجوبها عندما يكون الولد غير مميز لأن الصبي في هذه الحالة لا يكون مسؤولاً على الإطلاق عن أفعاله قِبل الغير بنص القانون - قالت المادة (212) مدني مختلط (كل فعل مخالف للقانون يوجب ملزومية فاعله بتعويض الضرر الناشئ عنه ما لم يكن الفاعل غير مدرك لأفعاله سواء كان لعدم تمييزه بالنسبة لسنه أو لسبب آخر).
إلا أن بعض العلماء رأوا أن الأبوين لا يُسألان عن فعل ولدهما غير المميز وحجتهم في ذلك أن أفعاله تعتبر من قبيل العوارض والحوادث القهرية فيجب اعتبارها كذلك بالنسبة لأبويه فإن أبى المجني عليه إلا التعويض من الوالدين زاعمًا أنهما كانا يستطيعان منع ولدهما عن إحداث الضرر فعليه إقامة الدليل قِبلهما على أنهما قدرا وأمسكا، وأصحاب هذا الرأي يسقطون في هذه الحالة عن الأبوين وجوب إقامة الدليل على عجزهما عن منع حدوث الفعل المؤثر وقت وقوعه ويجعلان الإثبات على المدعي.
وخالف أصحاب هذا الرأي كثير من علماء القانون أمثالfaustin, sourdat, duranton, helie وغيرهم وحجتهم أن القائلين بعدم مسؤولية الأبوين عن فعل الولد غير المميز قد خلطوا بين خطأ الصبي غير المميز وخطأ أبويه مع أن الفارق بين الحالتين واضح وضوحًا لا ترد عليه أية شبه ذلك لأن الولد غير المميز أحوج إلى العناية والمراقبة من سواه ما دام أنه لا يميز بين الضار والنافع ومن هذا يكون واجب المحافظة عليه وعلى أفعاله أظهر في اللزوم والاستمرار ويكون الوالد قد ارتكب خطأ شخصيًا إذا فرط وتهاون في تلك المراقبة حتى تمكن الصبي من ارتكاب ما يضر الغير فهو مسؤول عن خطئه هذا وعن تعويضه لا سيما وأنه قد يتعذر على الوالد في هذه الحالة أن يدرأ عن نفسه المسؤولية بالاعتذار بعدم المقدرة على منع ولده لأنه إن جاز له ذلك في حالة تمييز الولد لاحتمال خروجه عن دائرة المراقبة الفعلية بما يعالجه من المرافق في الخارج فليس بجائز له أن يعتذر بمثل ذلك في حالة عدم تمييز الولد لضرورة بقاءه تحت المراقبة الفعلية الدائمة.
وعند الفرنسويين منزلة بين المنزلتين يسمونها emancipation وهي إطلاق التصرف للقاصر قبل بلوغه سن الرشد وهو إحدى وعشرون سنة عندهم فماذا يكون الحكم في مسؤولية الأبوين في هذه الحالة.
وإطلاق التصرف للقاصر يحصل عندهم إما برضاء الأب أو الأم وإما قسرًا عليهما إذا عقد القاصر عقد زواجه وهو لا يستطيع عقده إلا إذا أتم ثماني عشرة سنة كاملة وأحكام هذه الحالة مدونة في المواد (470) إلى (487) من القانون المدني الفرنسي وتتلخص في الترخيص للقاصر الذي أطلق له التصرف إما برضاء أبويه وإما بالزواج في مباشرة مصالحه وإدارة أمواله بنفسه.
وقد ذهب بعضهم إلى القول بزوال مسؤولية الأبوين عند إطلاق التصرف للولد وحجتهم أن المسؤولية عن أفعال الغير استثناءً من القواعد العامة فلا يجب التوسع فيها ويلزم حصر نطاقها.
والرأي المعمول به أنه يجب التفصيل بين أن يكون إطلاق التصرف للقاصر كان برضاء أبويه أو أن يكون بزواج القاصر.
فإن كانت الحالة الأولى كان الوالد مسؤولاً عن أفعال القاصر لأن الأصل فيه أن يكون مشغولاً بولاية والديه وما دام الولد قاصر فوالداه مسؤولان عن أفعاله كما أسلفنا بيانه فإذا بدا لهما أن يتخليا عن هذا الواجب واجب المحافظة على أعمال الولد القاصر بإطلاق التصرف له قصدًا منهما فهما مسؤولان عن فعلهما هذا متى كان الولد غير أهل له فإن ساء سلوكه بعد ذلك ونال الغير من تصرفاته ضرر كان الوالدان مسؤولين لأنهما مكنا الولد من حقوق لم يكن يحسن استعمالها.
أما إذا ملك الولد القاصر حق التصرف قصرًا على والديه بالزواج في السن القانوني ولو كان الزواج مقرونًا برضاء من له حق الرضاء من الوالدين فالقول بمسؤوليتهما ليس من الصواب في شيء لأن القانون عرف للقاصر حقًا خوله إياه فلا يسأل عن الإفراط في استعمال هذا الحق سواه ولا يحتج على ذلك برضاء ولي القاصر عن زواجه لأن الزواج سنة طبيعية وليس لوالديه أن يمنعاه منه عند سنوح الفرصة المناسبة وليس من المستطاع تحقق مناسبة الفرصة عند سنوحها لأن تحقق ذلك منوط بالمستقبل ولا يعلم الغيب أحد.
ويشبه إطلاق التصرف للقاصر عندهم ما جاء عندنا في كتب الشرع الحنيف من الترخيص للولي وللوصي في الإذن للصبي في التجارة إذا جرباه فرأياه يعقل أن البيع للملك سالب وأن الشراء له جالب وأنه يعرف الغبن اليسير من الفاحش وهو ظاهر غير خافٍ على من يعقل (مادة (492) من كتاب الأحوال الشخصية للمرحوم قدري باشا) والتصرفات التي تجوز شرعًا للصبي المأذون له في التجارة البيع والشراء ولو بفاحش الغبن والتوكيل بهما والرهن والارتهان والإعارة وأخذ الأرض إجارة ومساقاة والمزارعة والإيجار والإقرار بالوديعة وبالدين والحط من الثمن والمحاباة والتأجيل والصلح.
وليس له أن يقر بحق ولا أن يهب ولا أن يكفل ولا أن يتزوج إلا بإذن وليه في النكاح (مادة (493) من الكتاب المذكور) والظاهر هنا أن الولي أو الوصي يكون مسؤولاً عن أعمال القاصر المأذون له في التجارة على الإطلاق إذا أوجبت ضررًا للغير ذلك لأن الإباحة التي ورد الترخيص بها آنفًا مقيدة بشرط أن يجرب الولي أو الوصي القاصر فيرى منه التمييز واستقامة النظر في أمور التجارة ومعرفة النافع من المعاملات من الضار منها وهذا لا يكون إلا بعد الاختبار فإذا أخطأت فراسة الوصي أو الولي في الصبي بسبب سوء الاختبار فأطلق له التصرف وهو غير أهل له كان ذلك مردودًا على الولي أو الوصي لأنه لم يكن ينبغي له أن يأذن للقاصر في التجارة إلا بحيث لا يحدث من أفعاله ما يوجب الضرر للغير لذلك وجبت مسؤوليته ووجب عليه الضمان.
فإن ركب القاصر المأذون في التجارة دين بسبب معاملاته فدفعه عنه الولي أو الوصي يرجع به على القاصر ذلك لأن البيع والشراء تصرف مشروع صدر عن أهله في محله عن ولاية شرعية فوجب نفاذه على القاصر ويضمنه من ماله.
أما أنهما تصرف مشروع فذلك لأن الشريعة الغراء أحلت البيع من غير فصل بين البالغ والصبي، وأما أنه صدر من أهله فلأنه عاقل مميز يعلم أن البيع سالب والشراء جالب ويعلم الغبن اليسير من الفاحش وكون التصرف في محله فلكون المبيع مالاً متقومًا، وأما الولاية الشرعية فلأنه صدر من القاصر بإذن وليه والولي له هذا التصرف فكذا من أذن له (يراجع كتاب فتح القدير وشرح العناية على الهداية وابن عابدين).
هذا وقد يكون الإذن بالتصرف صادرًا من الجهة الشرعية في حالة بلوغ القاصر الثماني عشرة سنة غير رشيد فتستمر الولاية أو الوصاية عليه بحكم المجلس الحسبي فقد رأى بعض المجالس الحسبية والمجلس الأعلى عند النظر في طلب رفع الولاية أو الوصاية عن القاصر لبلوغه سن الرشد أن القاصر غير أهل للتصرف في ماله على الإطلاق فاتخذت قبله طريقًا وسطًا بأن قررت استمرار الولاية أو الوصاية عليه مع الإذن له في مباشرة إدارة أمواله فيما عدا البيع والرهن لمدة معينة على سبيل التجربة ليتبين لها بعد ذلك إن كان أهلاً لإثبات رشده أم لا - وبديهي أن الولي أو الوصي في هذه الحالة لا يكون مسؤولاً عن أفعال القاصر إذا أوجبت ضررًا للغير لأن الإذن له بالتعامل لم يأتِ من قِبله ولكن جاء من جهة قضائية تملكه.
ننتقل من هذا إلى الكلام عن الولد الذي يدرك سن الرشد معتوهًا أو مجنونًا ثم يبقى عند والديه وإن لم يحجر عليه فماذا يكون الحكم في مسؤوليتهما الناشئة عن أفعاله.
قال المتقدمون بوجوب محافظة الأقارب على الولد المجنون حتى لا يصيب أحدًا منه أذى، وقال مرلان Merlin في موسوعاته إن هذه القاعدة القديمة لا تتفق مع نص المادة (490) من القانون المدني الفرنسي لأنها تجيز لأقارب المعتوه أو المجنون طلب الحجر عليه ولكنها لا تلزمهم بذلك ولا تتفق أيضًا مع نص المادة (1384) التي عينت الأشخاص المسؤولين عن فعل الغير وإلى هذا الرأي ذهبت محكمة النقض والإبرام الفرنسية في حكم أصدرته في 26 يونيه سنة 1806 قررت فيه أن الزوجة ليست مسؤولة عن أفعال زوجها المجنون الذي لم يحجر عليه وإلى نقيضه ذهبت محكمة استئناف ليون في حكمها الصادر في 27 مايو سنة 1840 ومحكمة استئناف كان في حكم 2 ديسمبر سنة 1852 وكل هذه الأحكام أوردها مرلان في مسوغاته.
ومما لا ريب فيه أنه لا يمكن القول بتجريد الوالدين عن كل مسؤولية بالنسبة لأفعال ابنهما المجنون ما دام أنهما اختارا إمساكه ذلك لأن القانون أوجب عليهما تلك المسؤولية في بعض أحوال معينة فقد جاءت المادة (346) من قانون العقوبات المصري بالنص على عقوبة من يطلقون المجانين المكلفين بحراستهم يهيمون على وجوههم ولا شك أن أولى الناس بهذه المحافظة الوالدين متى كان ولدهما المجنون مقيمًا معهما وكان لهما رفع هذه المسؤولية عنهما بوضعه في مستشفى إلا أن مسؤولية الأبوين في هذه الحالة مسؤولية شخصية ناتجة عن خطأهما بعد المحافظة على الولد المجنون فليست إذن من قبيل المسؤولية الناشئة عن فعل الغير.
بينا فيما تقدم مسؤولية الأبوين بالنسبة لأفعال ولدهما على وجه العموم ويبقى أن نقول كلمة عن الأحوال التي تكون تلك المسؤولية قاصرة على الأم دون الأب.
قلنا إن الأب مسؤول عن أفعال ولده لأنه رب العائلة وعليه واجب تربية أولاده وتقويم أخلاقهم ولكنه لا يستطيع ملازمتهم دائمًا أبدًا لا سيما إذا كانوا في سن الحداثة ولا شك أن الأم هي المنوط بها ملاحظتهم ومراقبتهم خصوصًا في الأوقات التي يبرح الأب فيها منزل العائلة سعيًا وراء الرزق وليتكسب نفقة عياله فإذا قصرت الأم في ملاحظة أولادها الصغار كانت مفرطة في القيام بالواجب عليها قِبلهم وكانت مسؤولة دون سواها عن أفعالهم ولا تثريب على الأب في الاطمئنان إليها على أولاده لأنها بمحافظتها عليهم وعنايتها بأمرهم لا تكون في ذلك مستمدة حقًا من جانبه ولا نائبة عنه فيه ولكنها تقوم بواجب طبيعي هي مكلفة به قِبلهم كأبيهم سواءً بسواء، وإلى هذا الرأي ذهب كل من دالوز في كتاب التعهدات صحيفة 797 نمرة (19) Toullier, نمرة (281) ونمرة (287) وLarombiere جزء (5) صحيفة (451) وخالفهم في ذلكLaurent Demelombe جزء (20) صحيفة (451).
وإلى الرأي الأول ذهبت المحاكم المصرية فإن محكمة مصر الابتدائية الأهلية المنعقدة بهيئة استئنافية قررت أن المادة (151) مدني قد نصت على أن من تكون لهم رعاية على غيرهم مسؤولون مدنيًا عن الضرر الناشئ عن أعمال من هم تحت رعايتهم وهذا النص عام وبناءً عليه تكون أم القاصر مسؤولة عن تعويض الضرر الناشئ عن فعله ولو لم تكن هي الوصية عليه (حكم 7 فبراير سنة 1910).
على أن مسؤولية الأم في هذه الحالة توشك أن تكون مسؤولية شخصية ناشئة عن خطئها وإهمالها لا أن تكون مسؤولية ناشئة عن فعل الغير وسواء كان هذا أو ذاك فإن من الشطط تجريد الأم مطلقًا من كل مسؤولية لأن في ذلك إرهاقًا للأب وإحراجًا له لتحميله من المغارم ما لا يتفق مع ما يوجبه عليه نظام الحياة العائلية من السعي في أسباب الارتزاق بالعمل.
وتتعين مسؤولية الأم من غير شبهة إذا الصغير في حضانتها الشرعية إذ لا يكون للأب أية سلطة عليه ما دامت تلك الحضانة قائمة لا سيما إذا كانت الأم تأخذ أجرًا من والد الصغير عن حضانته.
وفي غير ذلك من الأحوال فإن المسؤولية تنتقل إلى الأم مطلقًا بوفاة الأب لانتقال سلطته على أولاده إليها بموته - كذلك يكون إذا غاب الأب غيبة طويلة أو منقطعة أو حجر عليه أو حُكم عليه في تحريض أولاده على الفسق والفجور.
هذا وقد نصت المادة (25) من قانون العقوبات المصري على أن كل حكم بعقوبة جناية يستلزم حتمًا حرمان المحكوم عليه من إدارة أشغاله الخاصة بأمواله وأملاكه مدة اعتقاله ومعنى هذا أن المحكوم عليه يصير في حكم المحجور عليه ويعين عليه قيم يتولى إدارة أمواله إنما تبقى له حقوقه الطبيعية الأخرى لعدم جواز إطلاق الأحكام التأديبية إلى غير ما اشتمل عليه النص فتبقى له السلطة على عائلته ولكن اعتقاله في استبقاء العقوبة المقضى بها عليه تجعله غير مسؤول عن أفعال أولاده القصر لأن واجب العناية بأمرهم والمحافظة عليهم مرفوع عنه بحكم الضرورة وقد أثبت هذا الرأي Faustin Helie وChauveau في مؤلفهم جزء أول صحيفة (209).
وما يقال في هذه الحالة يقال أيضًا في حالة النفي أو الحبس البسيط إلا أن يثبت في جميع هذه الأحوال أن أفعال الولد كانت مسببة عن سابقة إهمال الأب في تربيتهم وتقصيره في تأديبهم واضطراب نظام عائلته بسبب سوء استعمال سلطته الأبوية.
فمع غياب الأب لأحد الأسباب المتقدمة مع بقاء سلطته الطبيعة الأبوية هل تكون الأم مسؤولة عن أفعال أولادها أم لا؟
والجواب أنه وإن تكن سلطة الأب على عائلته لا تزول عنه في حالة الحكم عليه إلا أنها تكون باقية حكمًا وتكون معدومة بالفعل ولا شك أن تلقاء هذه الحالة تكون الأم مسؤولة عن أفعال أولادها مسؤولية نسبية يكون الرجوع في تحديدها إلى النظر في وجه استعمالها للسلطة التي انتقلت إليها على أولادها باعتقال زوجها، ويدخل في تقدير هذه المسؤولية اعتبار سلوكها الشخصي مع أولادها وتقصيرها وإهمالها وتفريطها في القيام بذلك الواجب الطبيعي المطلوب منها في غياب رب العائلة.
قلنا فيما سلف إن النص الفرنسي الذي بيّن أحكام مسؤولية الأبوين على طريق التخصيص والتعيين عرف لهما حق دفع المسؤولية الناشئة قِبلهما من أفعال أولادهما بإقامة البرهان على عجزهما عن منع حدوث تلك الأفعال، وحكمة ذلك أن مراقبة الآباء لأولادهم وإن وجبت ولزمها القسط الأوفر من العناية واليقظة فهي لا تكون بحيث لا تنفك عنهم طرفة عين، ولقد يحدث أن الأولاد ينشأون على شيء من المكر والمواربة وقد يكون في طباعهم بعض الرياء والخبث يخفى على ذويهم فإن أصابوا غرة من تلك المراقبة الواجبة انتهزوا الفرصة وأحدثوا ما لم يكن في الحسبان لذلك كان حقًا لآبائهم أن يدفعوا عن أنفسهم المسؤولية بإثبات كل هذه الظروف التي تخرج عادةً عن مقدور الإنسان مهما كبرت حيطته.
ولا يعترض معترض بأن من هم في حكم الأبوين كالمعلم وصاحب المصنع والمستوظف مسؤولون بحكم المادة (152) مدني أهلي و(214) مدني مختلط عن أفعال الصبيان الذين يستعملونهم أثناء اشتغالهم بوظائفهم بغير استثناء وأنهم ليس لهم دفع تلك المسؤولية بإخراج العذر.
ذلك لأن من ذكرنا أحرار في اختيار عمالهم ولهم التحري عن سلوكهم وقبول الصالح منهم وإقصاء الرديء الفاسد أما الآباء فلا خيرة لهم في أولادهم فهم يرزقونهم على الفطرة التي يفطرون عليها وليس لهم من الأمر شيء في صلاحهم وفسادهم إذا صحت نظرية من يقول بزيد الشرير وبكر الصالح وخالد المغفل من العلماء أمثال لفاتير ولومبروزو.
لقد كان العرب في الجاهلية يئدون بناتهم خيفة العار فجاء القرآن بتحريم هذه العادة القبيحة ولو كان للآباء أن يتخيروا أولادهم لأمسك أكثر الرجال عن الزواج أو كانوا على مذهب ملتوس ولكان في ذلك فساد الكون باضمحلال النسل.
فإذا تقررت حكمة الترخيص بالعذر للأبوين فكيف يكون تقدير ذلك العذر وهل يكفي أن يقيم الأبوان البرهان على أنه كان يستحيل عليهما عند ارتكاب الصبي للمحذور أن يمنعاه عنه استحالة حقيقية وهل لا ينبغي عند النظر في قيمة العذر البحث في علة الفعل الموجب للضرر هل كان ناشئًا ومسببًا عن إهمال سابق في تربية الصبي وتأديبه أم لا؟
والقاعدة المتفق عليها لدى غالب العلماء أن ليس للوالد أن يتمسك باستحالة دفع الفعل الضار عند حدوثه على وجه الإطلاق وتبقى مسؤوليته قائمة إذا اتضح أن الفعل سبقته ظروف تبين خطأ الوالد لولاها لما وقع الفعل الموجب للمسؤولية.
مثال ذلك: خرج شاب دون السابعة عشرة للصيد مع شاب مثله وكان الأول مأذونًا بذلك من أبيه فأصاب زميله في إحدى عينيه فأتلفها فرفع والد المصاب دعوى التعويض على والد الفاعل فدفع المسؤولية بأنه لم يكن يستطيع وقت حدوث الإصابة اتقائها وأن ذلك كان مستحيلاً عليه استحالة مادية لأنه لم يكن مرافقًا لولده وقت ذلك فحكم عليه بالتعويض لما ثبت من علمه بخروج ابنه للصيد وأنه كان قادرًا على منعه عن الخروج لو أراد.
وعلى العكس من ذلك المثال الآتي:
دعا شاب دون الرشد آخر للمبارزة فاقتتلا فقتل الشاب خصمه فلا مسؤولية على والده لأنه لم يكن يعلم بما نواه ولده ولم يكن في وسعه منعه عنه حين لم يكن يعلم به.
فإن ثبت أن الوالد كان يكثر من ذكر المبارزة على ولده مستحسنًا إياها محرضًا عليها محسنًا لولده طريق الثأر لنفسه محركًا لديه سورة الغضب لما يظنه ماسًا بشرفه حتى شب الولد على التحرش بالناس لمجرد الظنة يغضب لأقل وهم يعتريه مسرفًا في طلب الثأر لأوهن سبب كان أبوه مسؤولاً عن ذلك.
كذلك تسقط مسؤولية الوالد إذا كان زمنًا أو كان الفعل المنسوب لولده وقع منه في تجمهر عام أو أثناء حركة سياسية أو كان الذي أصابه الضرر مشتركًا في المسؤولية.
وإذ علمنا أوجه مسؤولية الأبوين عن أفعال أولادهما فهل لهما الرجوع عليهم بما غرماه بسبب تلك المسؤولية إذا كانوا ذوي مال.
قال العلامة سوردا بالتفصيل في ذلك بين الولد المميز والغير المميز فإن كان الولد غير مميز فلا يضمن لوالده ما غرمه في مسؤوليته وليس لوالده حق الرجوع عليه بمقدار ذلك الغرم لأن الولد غير المميز غير مسؤول قط عن أفعاله ولا يعاقب على جرائمه التي يرتكبها وإذن فإنه يكون من الخلط والتناقض أن يقال بمسؤولية الولد غير المميز قِبل والده عن فعل هو غير مسؤول عنه قِبل الغير.
فإن كان الولد مميزًا فإنه يكون مسؤولاً عن أفعاله وعن تعويض الضرر الناشئ عنها قِبل الغير وما دام أنه يضمن من ماله تعويض ذلك الضرر بالنسبة للغير فإنه يضمن لوالده تعويض ما أصابه من الغرم بسبب مسؤوليته عن فعله.
وقد أخذت المحاكم المصرية بهذا الرأي وقررت مسؤولية القاصر في ماله وأجازت للمحاكم الجنائية الحكم عليه بدون اختصام وليه أو وصيه بتعويض الضرر الناشئ عن جريمة ارتكبها (راجع الحكم الاستئنافي الصادر من محكمة مصر الابتدائية في 23 مايو سنة 1907).
بقي علينا أن نجمل ما جاء منثورًا من الأحكام المتعلقة بمسؤولية الوصي بالذات فنقول:
يقوم الوصي مقام الأبوين بالنسبة للقاصر وله عليه سلطة تماثل سلطتهما وعليه واجبات كواجباتهما من عناية ورعاية فرضها عليه الشرع والقانون.
ولما كان الوصي هو المتحدث دون غيره على جميع أموال القاصر وهو القائم على العناية بأمره كانت المسؤولية القانونية واجبة عليه ولكنها لا تلحق المشرف ولا المجلس الحسبي الذي ليس له إلا المصادقة على بعض التصرفات التي لا تجوز للوصي بدونها ولا أولي البر والإحسان الذين يعنون بتربية الصغير حسبةً واتجارًا أولئك لا يُسألون عن فعل الصبي الموجب للضمان إلا إذا نشأ عن خطئهم الشخصي أو إذا كانوا يستعملون الصبي في صناعة لهم أو يستخدمونه في مصالحهم.
والوصي كالأبوين بالنظر لشرط تحقق المسؤولية بمعنى أنه لا بد لتحققها قبله أن يكون القاصر مقيمًا معه وقد تكلمنا في ذلك آنفًا بما لا يحتمل المزيد أو التكرار وكذلك للوصي أسوةً بالأبوين أن يدفع عن نفسه المسؤولية بإثبات عدم مقدرته على منع القاصر عن الفعل الموجب للضمان وقت حدوثه فإن كان القاصر مميزًا وجب على الوصي تعويض الضرر الناشئ عن فعله من ماله (أي من مال القاصر) ويخصم الوصي من حساب القاصر ما يكون قد غرمه شخصيًا بسبب الفعل المذكور.
ولا تنصرف أحكام الوصي بالنسبة للمسؤولية إلى القيم لأن المحجور عليه بالغ سن الرشد فهو مسؤول في ماله ثم هو إن كان مجنونًا وجب وضعه في مستشفى فلا يكون مقيمًا مع قيمه فإن آثر القيم إمساكه عنده فيكون مسؤولاً عن أفعاله مسؤولية كل شخص موكل بحراسة مجنون إنما يشترط أن يكون القيم عارفًا بحالة محجوره عالمًا بجنونه، أما إذا كان الغالب فيه الهدوء ثم هاجت مرته فجأة فآذى إنسانًا فلا مسؤولية على القيم ولا مسؤولية عليه من باب أولى إذا تبين أن سبب هياجه راجع إلى فعل ذلك الإنسان.
محمد فؤاد حسني القاضي بالمحاكم المختلطة |
الخبراء في الخطوط في مصر عزيز خانكي
بحث في دعوى صحة التوقيع وعلاقتها بقانون التسجيل محمد صبحي بهجت المحامي
مجلة المحاماة - العددان الخامس والسادس
السنة الثامنة عشرة
بحث في دعوى صحة التوقيع وعلاقتها بقانون التسجيل
وجوب الحكم بعدم قبولها
1 - أساس دعوى صحة التوقيع في القانون هي المادة (251) من قانون المرافعات الأهلي الواردة في باب تحقيق الخطوط ونصها:
(يجوز لمن بيده سند غير رسمي أن يكلف من عليه ذلك السند بالحضور أمام المحكمة ولو لم يحل ميعاده لأجل اعترافه بأن هذا السند بخطه وإمضائه ويكون ذلك التكليف بصفة دعوى أصلية على حسب الأصول المعتادة فيها).
2 - والغرض منها الاحتياط مقدمًا بإثبات صحة صدور السند ممن نسب إليه حتى لا يكون محل طعن يصعب تحقيقه إذا تغيرت الأحوال، كأن توفي صاحب الخط أو التوقيع أو أصيب بما يجعل إقراره غير مأخوذ به قانونًا.. إلخ.
ولهذا لا تقبل الدعوى المذكورة إذا سبق الاعتراف بالخط أو التوقيع صراحة أو ضمنًا (البند كت جزء 59 صحيفة (527) فقرة (25)).
ولا يمكن أن يكون للحكم الصادر بصحة التوقيع أو الخط أي أثر أو نتيجة قانونية أكثر من هذا التحقيق.
علاقة هذه الدعوى بقانون التسجيل
3 - نص قانون التسجيل الجديد نمرة (18) لسنة 1923 في المادة الأولى منه على وجوب تسجيل جميع العقود التي من شأنها إنشاء أو نقل أو تغيير أو زوال حق ملكية أو حق عيني آخر... ورتب على عدم التسجيل أن هذه الحقوق المشار إليها لا تنشأ ولا تنتقل ولا تزول لا بين المتعاقدين ولا بالنسبة للغير.
(ولا يكون للعقود غير المسجلة من الأثر سوى الالتزامات الشخصية بين المتعاقدين)
ثم وضع هذا القانون الشروط وبين الإجراءات الواجبة في تحرير هذه العقود لتسجيلها فنص في المادة السادسة منه ما يأتي:
(يجب التصديق على إمضاءات وأختام الطرفين الموقع بها على المحررات العرفية المقدمة للتسجيل، ويكون التصديق بمعرفة أحد الموظفين أو المأمورين العموميين الذين يعينون بالقرارات المنصوص عنها في المادة السابعة عشر).
شرط
4 - فالتصديق على الإمضاء لقبول العقد في التسجيل، لكن هذا التصديق لا يتحقق إلا إذا وُجِد طرفا العقد أمام الموظف المختص ليوقعا أمامه فيثبت هذا ويصدق عليه، فإذا امتنع أحدهما استحال التصديق واستحال التسجيل تبعًا لذلك.
وقد يكون هذا الامتناع من جانب أحد المتعاقدين تعنتًا فيقف تنفيذ التعاقد الذي تم فعلاً ولم يبقَ إلا أن يوضع في صورته النهائية ثم يسجل.
5 - هذه الحالة التي نشأت على أثر صدور قانون التسجيل كانت صدمة شديدة للأفكار التي لم تهيأ لها، فمن حرية مطلقة في تسجيل أي عقد عرفي أو أي ورقة عرفية مهما كان شكلها أو صيغتها أو بياناتها حتى ولو كانت مزورة فعلاً إلى تشديد وتدقيق يمتنع معه التسجيل حتى للعقود الصحيحة الكاملة لمجرد امتناع أحد الطرفين تعنتًا.
لم تحتمل الأفكار هذه الصدمة ورؤى أن العدالة تقتضي البحث عن مخرج قانوني من هذا المأزق فاهتدوا إلى المادة (251) مرافعات وقالوا أن فيها ما يسد هذه الثغرة.
6 - جرى الناس من ذلك الوقت أي منذ رُئي الانتفاع بالمادة (251) مرافعات على رفع دعاوى صحة التوقيع باستمرار واطراد، وجرت المحاكم على الحكم فيها دون تدخل في موضوع العقد وشروطه وسبب امتناع الطرف الممتنع عن التصديق على التوقيع، واقتصر البحث على الإمضاء أو الختم هل هو صحيح أو لا، فإن ثبتت صحته بالاعتراف أو التحقيق صدر الحكم بصحة التوقيع، وأسرع صاحب الحكم في تقديمه للتسجيل.
7 - ولكن لم تكن للقضايا المرفوعة كلها نتيجة لتعنت أحد طرفي العقد بالامتناع عن التوقيع أمام الكاتب المختص فإن هذا التعنت لا يقع إلا نادرًا، إنما كان أكثر هذه الدعاوى مبنيًا على سوء استعمال هذا الحق (الحق في رفع دعوى صحة التوقيع) إلى أقصى درجة:
1/ فمن بيده عقد ابتدائي لم تستوفِ شروطه ولم يقصد المتعاقدان فيه إلى نقل الملكية إلا بعد استفاء الشروط، يسرع إلى رفع دعوى صحة التوقيع ويسجل العقد فتنتقل الملكية، ويستطيع التصرف في العقار رغم أنف المتعاقد معه الذي لا يقبل منه أي دفاع في الموضوع.
2/ ومن يعجز عن تحرير عقد صحيح وفقًا للشروط التي يوجبها القانون وتقتضيها لوائح مصلحة المساحة، سواء كان عجزه نتيجة عيوب في مستنداته أو غش في معاملته، يلجأ إلى دعوى صحة التوقيع متخطيًا هذه القيود التي وضعت لضمان المعاملات.
3/ ومن يتواطأ مع آخر على تحرير عقد عن ملك غيره يرفع دعوى صحة التوقيع ليسجل الحكم إضرارًا بالمالك الأصلي، ولا يقبل المالك الحقيقي خصمًا في الدعوى لأنها قاصرة على صحة التوقيع.
وهكذا من ضروب الحيل والابتكارات الضارة التي وجد هذا القانون للتخلص منها أو لا وقبل كل شيء، وبهذا خرجت دعوى صحة التوقيع عن الغرض الذي اقتبست له، وأصبحت لا تحقق المنفعة المرجوة من اقتباسها فضلاً عن مخالفتها للقانون.
مخالفة هذه الدعوى للقانون العام
8 - ووجه المخالفة الظاهر أنها لم تعد دعوى تحقيق خط أو إمضاء، وإنما دعوى إرغام على الاعتراف بالتوقيع للوصول إلى تسجيل العقد، وإن كان هذا مخالفًا لما اتفق عليه المتعاقدان في نفس العقد ومخالفًا أيضًا لنصوص القانون.
وغني عن البيان أن التعهد بالحضور أمام الكاتب المختص للتوقيع على العقد النهائي هو التزام بعمل معين obligation de faire لا يمكن معه استبدال العقد النهائي بالعقد الابتدائي ولا استبدال الكاتب المختص بالقاضي ولا بد فيه من حضور الطرفين بأشخاصهما.
فكيف يجوز عقلاً أن يُكره الإنسان على الاعتراف بتوقيعه دون أن يسمع منه دفاعه عن سبب امتناعه عن تنفيذ هذا الالتزام.
وكيف يجوز قانونًا الحكم بصحة التوقيع لتسجيل عقد لم يتفق الطرفان على تسجيله بحالته ولم يحرراه ليسجلاه، وإنما حرر توطئة لتحرير عقد آخر.
وكيف يستطيع القاضي وهو يعرف هذه النتائج أن يغتصب من أحد الخصمين اعترافه بالتوقيع ليحكم بصحته ويكون بهذا قد صدَّق على عقد كرهًا عن أحد طرفيه.
9 - وإني أستعير هنا عبارات الأستاذ الجليل مرقص بك فهمي في كتابه (بحث في كيف يتم عقد البيع بعد قانون التسجيل): قال حضرته في الصحيفة (16):
(إن تصديق الموظف أو القاضي على توقيع الخصوم أو على عقودهم لا يتصور قانونًا ولا يجوز أن يحصل إلا بحضور أصحاب الشأن وبإقرارهم أمامه أنهم يريدون هذا العقد، ثم بتوقيعهم فعلاً عليه أمامه أما التصديق القهري فإنه عمل لا يُتصور عقلاً).
مخالفة هذه الدعوى لنصوص قانون التسجيل
10 - أشرت فيما تقدم إلى نص المادة السادسة من قانون التسجيل رقم (18) لسنة 1923 التي توجب التصديق على العقود بمعرفة أحد الموظفين أو المأمورين العموميين الذين يعينون بالقرارات المنصوص عنها في المادة السابعة عشرة.
ومن القواعد القانونية الأولية أنه متى رسم القانون طريقًا معينًا لعمل معين وبين الإجراءات التي تتبع فلا يجوز استبدال هذا الطريق بغيره إطلاقًا وإلا كان العمل باطلاً.
وقد بين هذا القانون الطريق والأجزاء في تحرير العقود والتصديق على التوقيع لإمكان تسجيلها فلا يمكن تغييرها.
ولتعيين الموظفين الذين اختارهم القانون حكمة أرادها الشارع لأنه جعلهم مقيدين بمنشورات ولوائح وإجراءات تتغير من وقت لآخر يجب عليهم اتباعها عند التصديق على التوقيع وذلك تحقيقًا للغرض الذي وضع من أجله قانون التسجيل وضمانًا لصدور العقود مستوفية كافة ما يتطلبه القانون حتى تستقر المعاملات وتنتظم السجلات فلا يجوز استبدال هؤلاء الموظفين بغيرهم ممن لا يخضعون لهذه التعليمات.
11 - وليس للقضاء عمل في هذه الإجراءات الشكلية إلا ما نُص عليه في المادة الرابعة والمادة التاسعة أو ما يكون خصومة خاضعة للقانون العام فيرفع أمرها للمحاكم، أما أن القاضي يجعل محل كاتب التصديقات أو محل الموثق فتلك مخالفة ظاهرة:
1/ لأنه لا يجوز استبدال القاضي بالموثق.
2/ لأن الموثق خاضع لتعليمات لا يخضع لها القاضي.
3/ لأن التوقيع على عقد أو التصديق على التوقيع لا يمكن أن يحصل كرهًا أو في غيبة أحد الأخصام.
12 - ومما يدل على أن المشرع كان حريصًا كل الحرص على استيفاء بيانات خاصة في العقود قبل تسجيلها وأنه لا يسمح بتسجيل أي عقد إلا بعد استيفائها أنه نص في نفس القانون رقم (18) سنة 1923 بالمادة الثالثة منه على وجوب ذكر أسماء الطرفين وآبائهم وأجدادهم ومحل إقامتهم وبيان الناحية ونمرة الحوض والقطعة والحدود وأصل الملكية واسم المالك السابق.. الخ ولأهمية هذه البيانات جعل الفصل في استيفائها من عدمه بين ذوي الشأن والكاتب المختص لقاضي الأمور الوقتية (مادة 4).
13 - وجاء بالمادة رقم (13) من قرار وزير الحقانية الخاص بمسك دفاتر التسجيل وإنشاء مأموريات أقلام الرهون المختلطة (صحيفة 11 من مجموعة القوانين والمنشورات الخاصة بالتسجيل):
(لكاتب المأمورية التصديق على إمضاءات الخصوم الموقع بها على المحررات العرفية وكذلك إثبات تاريخ تلك المحررات وذلك كله بعد دفع الرسوم.
وفي المادة رقم (14): إذا كان المحرر العرفي المقدم للتسجيل غير شامل للبيانات المنوه عنها في المادة الثالثة من القانون رقم (19) لسنة 1923 يكلف الكاتب الطالب باستيفاء البيانات.
من هذا ومن غيره يتضح أن الكاتب المختص بالتصديق مكلف بمراجعة بيانات العقد فهو حتى إذا تقدم طرفا العقد للتصديق على توقيعهما لا يجري عملية التصديق إلا بعد التحقق من استيفاء البيانات والشكل القانوني للعقد.
14 - قد يقال أن الحكم بصحة التوقيع لا يمنع استيفاء هذه البيانات عند تقديمه للتسجيل والواقع غير ذلك، لأن أقلام التسجيل مقيدة بأحكام المحاكم ومضطرة إلى احترامها، وكانت محكمة الاستئناف المختلطة قد أصدرت منشورًا بعدم جواز تسجيل أحكام صحة التوقيع ولكنها عُدلت عن هذا المنشور، ومع ذلك فأصحاب هذه الأحكام يلجأون أحيانًا إلى التسجيل في المحاكم الشرعية لوجود سجلات بها ولورود النص في المادة الأولى من القانون رقم (18) سنة 1923 على ذلك إذ تقول المادة المذكورة (جميع العقود الصادرة بين الأحياء.. يجب إشهارها بواسطة تسجيلها.. أو في المحكمة الشرعية).
15 - ما تقدم – في اعتقادي – يكفي لاعتبار دعوى صحة التوقيع التي يقصد بها الوصول إلى تسجيل المحررات العرفية هي دعوى غير مقبولة.
وقد تتبعت الأحكام الصادرة أخيرًا فلم أعثر على حكم بالمعنى المتقدم، ولعلي لم أحسن البحث، لكني وجدت أن التطور سائر في طريقه وربما رجعت إلى استقصاء الأحكام الصادرة في هذا الشأن في فرصة أخرى.
16 - هناك أربعة اعتراضات تُبدى على الرأي المتقدم وهي:
1/ أن في الحكم بعدم قبول دعوى صحة التوقيع مخالفة لنص صريح في المادة (251) مرافعات.
2/ أن تكليف كل صاحب عقد برفع دعوى صحة التعاقد إرهاق إذا كان الطرف الثاني متعنتًا.
3/ أنه يمكن أن يكون الحكم قاصرًا على صحة التوقيع دون الإشارة إلى التسجيل.
4/ أن التسجيل في نفسه لا يصحح العقد الباطل فلا خوف من الحكم بصحة التوقيع وتسجيله.
17 - وجميع هذه الاعتراضات مردودة.
فأولاً: لا مخالفة للقانون في الحكم برفض دعوى صحة التوقيع لأن نطاق تطبيق المادة (251) محدد فإذا تجاوزه المدعي إلى حالة لا يسمح بها القانون كانت دعواه غير مقبولة.
ثانيًا: لا إرهاق لأحد من الخصوم ما دام القانون والعدل يقتضيانه، خصوصًا وأن قانون التسجيل قد افترض فعلاً هذه الحالة ونص صراحة على أن النتيجة الوحيدة لها هي التزامات شخصية إذ العقد الغير المسجل لا ينتج أي أثر عيني، وإذا كان العقد فيه التزامات جائزة التنفيذ فيجب طرح العقد برمته على القضاء في دعوى صحة التعاقد ونفاذه أو في سواها من الدعاوى.
ثالثًا: أن عدم الإشارة إلى التسجيل في الحكم بصحة التوقيع لا يغني من الأمر شيئًا، لأن حكم صحة التوقيع يسجل ولو لم ينص فيه على السماح بالتسجيل، كما أن مثل هذا الحكم مخالف للقانون كما تقدم.
رابعًا: حقيقة لا يصحح التسجيل عقدًا باطلاً أو معيبًا، إنما هذا التسجيل فيه عبث إذا كان العقد سيبطل، إذ لا محل لإجازة تسجيل عقد رغم أنف المتعاقد وهو يطعن عليه بما يبطله.
هذا رأي أنا مقتنع بصحته، وشاعر بمقدار الضرر الذي يصيب الناس من قضايا صحة التوقيع الشائعة فأرجو أن يكون محل تقدير،
محمد صبحي بهجت المحامي |
بحث في دعوى صحة التوقيع وعلاقتها بقانون التسجيل عباس محمد الدسوقي المحامي
مجلة المحاماة - العدد الأول
السنة التاسعة عشرة
بحث
في دعوى صحة التوقيع وعلاقتها بقانون التسجيل
قرأت في مجلة المحاماة بالصفحة (547) وما تلاها بعدد يناير وفبراير سنة 1938 بحثًا للأستاذ صبحي أفندي بهجت تحت العنوان السابق ولما كانت لي وجهة نظر مخالفة لحضرته فقد حررت هذا النقد.
1 - قال حضرته أن دعوى صحة التوقيع مبنية على المادة (251) مرافعات أهلي ونصها (يجوز لمن بيده سند غير رسمي أن يكلف من عليه ذلك السند بالحضور أمام المحكمة ولو لم يحل ميعاده لأجل اعترافه بأن هذا السند بخطه أو إمضائه ويكون ذلك التكليف بصفة دعوى أصلية على حسب الأصول المعتادة فيها).
2 - ثم ذكر حضرته نصوص قانون التسجيل الجديد ونص المادة الأولى منه التي توجب تسجيل جميع العقود التي تنشئ الحقوق العينية أو تنقلها الخ - كما ذكر نص المادة السادسة من ذلك القانون التي توجب التصديق على إمضاءات أو أختام الطرفين بمعرفة أحد الموظفين أو المأمورين العموميين الذين يعينون بالقرارات المذكورة في المادة السابعة عشرة.
3 - وقرر حضرته أن القانون حتم أن يكون التصديق على الإمضاءات أمام الموظف المختص، وقد يمتنع أحد الطرفين عن الحضور للتصديق أمام هذا الموظف المختص، وأنه لعلاج هذا التعنت رُئي الالتجاء إلى المادة (251) مرافعات أهلي برفع دعاوى صحة التوقيع بناءً على هذه المادة، وأخيرًا يرى حضرته أن أكثر هذه الدعاوى لم يكن مرجعه تعنت صاحب الإمضاء بل أنها ترجع غالبًا إلى سوء استعمال الحق.
4 - ثم أبدى حضرته اعتراضه على مشروعية دعاوى صحة التوقيع وقرر أنها مخالفة للقانون وضرب مثلاً على ذلك ما يأتي:
( أ ) فمن بيده عقد ابتدائي لم تستوفِ شروطه ولم يقصد المتعاقدان فيه إلى نقل الملكية إلا بعد استيفاء الشروط، يسرع إلى رفع دعوى صحة التوقيع ويسجل العقد فتنقل الملكية.
(ب) ومن يعجز عن تحرير عقد صحيح وفقًا للشروط التي يوجبها القانون وتقتضيها لوائح مصلحة المساحة سواء كان عجزه نتيجة عيوب في مستنداته أو غش في معاملته، يلجأ إلى دعوى صحة التوقيع متخطيًا هذه القيود.
(ج) ومن يتواطأ مع آخر على تحرير عقد عن ملك غيره برفع دعوى صحة التوقيع ليسجل الحكم إضرارًا بالمالك الأصلي، ولا يقبل المالك الحقيقي خصمًا في الدعوى لأنها قاصرة على صحة التوقيع هذه هي مقدمة لآراء حضرته وفيما يلي الأدلة التي يحتج بها على عدم مشروعية دعوى صحة التوقيع وردي عليها.
أولاً: مخالفة هذه الدعوى للقانون العام ولنصوص قانون التسجيل:
وجه المخالفة في رأي حضرته أنها لم تصبح دعوى صحة توقيع أو إمضاء وإنما أصبحت دعوى إرغام على الاعتراف بالتوقيع للوصول إلى تسجيل العقد، وأنه لا يجوز للقاضي أن يغتصب من أحد الخصمين اعترافه بالتوقيع للحكم بصحته ويكون بهذا قد صدق على عقد كرهًا عن أحد طرفيه، واقتبس تأييدًا لرأيه عبارة للأستاذ مرقص بك فهمي وهي (أن تصديق الموظف أو القاضي على توقيع الخصوم أو على عقودهم لا يتصور قانونًا ولا يجوز أن يحصل إلا بحضور أصحاب الشأن وبإقرارهم أمامه أنهم يريدون هذا العقد، ثم بتوقيعهم فعلاً عليه أمامه، أما التصديق القهري فإنه عمل لا يتصور عقلاً).
واعتمد حضرته على هذا ليحكم بحرمان القاضي من الحكم بصحة التوقيع.
وفي رأيي أن المادة (251) مرافعات أهلي وما تلاها قد أعطت القاضي سلطة الموثق بالنسبة للتصديق على الإمضاء أو الختم والأدلة على ذلك ما يأتي:
( أ ) تقول المادة (لأجل اعترافه بأن هذا السند بخطه أو إمضائه) وظاهر من النص أن المطلوب الحصول على تصديق المحكمة على اعتراف الخصم بالإمضاء.
(ب) تقول المادة (ولو لم يحل ميعاده) وهذا النص يدل على أن المطلوب من القاضي هو تحرير محضر بالتصديق على الاعتراف لا أن يحكم حكمًا في حق لم يحصل ميعاده بعد، أي أن القاضي موثق وهذا بالطبع في حالة اعتراف صاحب الإمضاء.
(ج) وأقطع مما تقدم في سلطة التوثيق أن المادة (252) مرافعات تقول (وفي حالة الاعتراف تصدق المحكمة على ذلك لمن طلبه وتكون كافة المصاريف عليه).
كما أن للقاضي بموجب القانون العام أن يرغم المتعاقد على تنفيذ تعهده بإلزامه بالتوقيع الذي أبى أن يقوم به أمام الكاتب المختص، وذلك استنادًا إلى أن القاضي هو السلطة التي ترغم المتعاقدين على تنفيذ التزاماتهم، كما أن قانون التسجيل نفسه يرتب على العقود العرفية غير المسجلة التزامات شخصية ومن أظهر هذه الالتزامات الالتزام بالتوقيع من جانب صاحب الإمضاء أسوة بتسليم العقار وغير ذلك.
أما عن البيانات المشترطة في العقود ولإمكان تسجيلها فلا خوف من هذه النقطة أولاً لأن القاضي لا يتعرض في حكمه بصحة التوقيع لغير البحث في حصول التوقيع من عدمه - وثانيًا - لأن قانون التسجيل نص في المادة السابعة على وجوب تسجيل عرائض الدعاوى التي تمس الحقوق العينية، ولذلك تحتم أقلام كتَّاب المحاكم ضرورة مراجعة هذه العرائض والتأشير عليها من مصلحة المساحة لاستيفاء كافة البيانات التي يشترطها قانون التسجيل ولا يمكن قبول تلك الدعاوى للإعلان أو القيد ما لم تؤشر عليها مصلحة المساحة، وإذن تكون تلك الأحكام بعد صدورها قابلة للتسجيل بعد مراجعتها ومطابقتها لعريضة الدعوى ولا تختلف عن نتيجة مراجعة العقد نفسه بمعرفة أقلام التسجيل.
وبيَّن حضرة الأستاذ أوجه الاعتراض على نظريته وهذه الاعتراضات هي:
1 - أن الحكم بعدم قبول دعوى صحة التوقيع مخالف لصريح المادة (251) مرافعات) ورده على هذا أن نطاق تلك المادة محدود فإذا تجاوزه المدعي إلى حالة لا يسمح بها القانون كانت دعواه غير مقبولة - وأرى أن هذا رد غير مقنع وأن نص المادة مطلق غير مقيد فلم تحرم دعوى صحة التوقيع في أحوال وتجيزها في أحوال أخرى، والقول بعدم قبول دعوى صحة التوقيع لا أساس له من القانون ما دامت المادة (251) مرافعات قائمة بل أن هذه المادة رحمة وعلاج لمن بيده عقد ويأبى خصمه التوقيع نكثًا بعهوده.
2 - يرى حضرة الأستاذ ضرورة رفع دعوى صحة التعاقد بدلاً من دعوى صحة التوقيع وأرى أن ما أبديته بالنسبة للمراجعة للعرائض على يد من المساحة كافٍ لزوال كل اعتراض، ولا يمكن إجبار المدعي على طرح عقده برمته على القضاء وله أن يقتصر على طلب الحكم بصحة التوقيع.
3 - أن التسجيل لا يصحح العقد الباطل فلا خوف من الحكم بصحة التوقيع وبتسجيله - ويرد حضرته على هذا الاعتراض بقوله إن هذا التسجيل عبث إذا كان العقد سيبطل إذ لا محل لإجازة تسجيل عقد رغم أنف المتعاقد وهو يطعن عليه بما يبطله.
وردنا على ذلك أنه لا خطر من التسجيل ما دامت البيانات الشكلية مستوفاة بالمرور من مصلحة المساحة وما دامت الإمضاءات مصدقًا عليها أمام القاضي نفسه على أن التصديق أمام الكاتب لا يمنع كل الطعون الخاصة بموضوع العقد كما هو واقع أمامنا كل يوم فلكل طرف أن يطعن بالصورية أو بالغش أو بالخطأ في البيانات الخ – فما يخشاه حضرة الأستاذ في حالة الحكم بصحة التوقيع واقع أيضًا في حالة التصديق أمام قلم الكتاب.
4 - أنه يمكن جعل الحكم قاصرًا على صحة التوقيع دون الإشارة إلى الإذن بالتسجيل - ويرد حضرته على هذا الاعتراض بقوله إن هذا الحكم يسجل برغم عدم النص على الإذن بالتسجيل في الحكم - ونقول أن أغلب الأحكام لا تنص على الإذن بالتسجيل قائلة أن ذلك ليس من شأن المحكمة بل مرجعه استيفاء إجراءات شكلية بمعرفة أقلام التسجيل وهذه لا تسجل الحكم إلا إذا كانت البيانات كلها مستوفاة.
ومن رأيي أنه لا محل لحرمان القاضي من سلطة الحكم بصحة التوقيع المخولة له بالمادة (251) مرافعات بغير إلغاء هذا النص وحرمان المتمسك بالعقد من الانتفاع بهذه المادة ولا محل لإلزام المتعاقد بسلوك طريق دعوى صحة التعاقد إذ لا شك أن دعوى صحة التعاقد لها من الأسانيد القانونية والأحكام المقررة ما يجعلها غوثًا للمنكوبين وعقابًا للمتعنتين.
عباس محمد الدسوقي المحامي |