جلسة 17 من مارس سنة 2014
برئاسة السيد القاضي/ يحيى جلال نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة/ مجدي مصطفى، أحمد رشدي سلام، عصام توفيق نواب رئيس المحكمة وأحمد فاروق.
-----------------
(68)
الطعنان 6646 ، 6840 لسنة 80 القضائية
(1) ملكية "حق الملكية بوجه عام: القيود الواردة على حق الملكية: نزع الملكية للمنفعة العامة".
حماية الملكية الخاصة وحرمتها. اعتبارها من المقاصد الأساسية في أي نظام قانوني. م 805 مدني ومذكرتها التحضيرية. استثناء. نزع ملكيتها للمنفعة العامة مقابل تعويض عادل. مؤداه. نزع الملكية الخاصة جبرا عن أصحابها باستيفاء شرائطها مجتمعة. مناطه. القانون. علة ذلك. تخلف أحدها. أثره. صيرورة نزع الملكية غصبا وعدوانا على حق الملكية الخاصة.
(2 ، 3) إصلاح زراعي "المنازعات المتعلقة بالأراضي الزراعية: التعويض عن الأراضي الزراعية المستولى عليها".
(2) الحكم بعدم دستورية نص القرار بق رقم 104 لسنة 1964 بشأن أيلولة الأراضي الزراعية المستولى عليها تنفيذا لقانون تحديد الحد الأقصى للملكية الزراعية إلى الدولة دون مقابل والمواد 5 من ق 178 لسنة 1952، 4 من القرار بق 127 لسنة 1961 و9 من القرار بقانون رقم 50 لسنة 1969 بشأن أسس تقدير التعويض عن تلك الأراضي. مؤداه. وجوب التزام المحاكم بأعماله. علة ذلك.
(3) استيلاء الدولة على الأراضي الزائدة عن الحد الأقصى الذي يقرره القانون للملكية الزراعية. ماهيته. نزعا للملكية جبرا عن أصحابها. مناطه. وجوب خضوعه للقيود المنصوص عليها بمقتضى م 805 مدني. الحكم الصادر بعدم دستورية نصوص القوانين المحددة لأسس تقدير التعويض عن تلك الأراضي. مؤداه. سريان نص م 805 مدني بشأنها.
(4 - 9) إصلاح زراعي "التعويض عن الأراضي الزراعية المستولى عليها". تعويض "بعض صور التعويض: التعويض عن الأراضي الزراعية المستولى عليها". نزع الملكية "التعويض عن نزع الملكية".
(4) "مقابل تعويض عادل" الواردة في نص م 805 مدني. مفادها. وجوب تحقيق العدالة المطلقة في تقدير المقابل لحرمان المالك من ملكه والتأييد بأن ذلك المقابل مشتمل على ثمن العين المنزوع ملكيتها وكافة الأضرار التي تصيب المالك من جراء حرمانه من ملكه. مناطه. وجوب أن يكون التعويض جابرا لكافة الأضرار التي تلحق المضرور. علة ذلك.
(5) عدم بيان الأسس والضوابط لتقدير التعويض العادل عن نزع الملكية للمنفعة العامة بمقتضى م 805 مدني. مؤداه. وجوب تطبيق أحكام القانون العام. مناطه. تقدير التعويض المستحق عما لحق المضرور من خسارة وما فاته من كسب. م 221/ 1 مدني. تقدير التعويض بطريقة جزافية تحكمية. خطأ. علة ذلك.
(6) تقدير التعويض العادل للأرض المنزوع ملكيتها الزائدة عن الحد الأقصى. مناطه. القيمة الحقيقية للأرض المنزوع ملكيتها في تاريخ الاستيلاء والعناصر المادية والواقعية في تقدير قيمتها والتعويض عن كافة الأضرار اللاحقة بالمالك عن حرمانه من ملكه. علة ذلك.
(7) التعويض العادل. اعتباره شرطا لنزع الملكية جبرا عن أصحابها. تخلفه. اعتبار نزع ملكية الأراضي الزراعية الزائدة عن الحد الأقصى للملكية عدوانا على الملكية الخاصة وغصب يستوجب التعويض من الحكومة. علة ذلك. لصاحب الأرض المستولى عليها عن الحد الأقصى للملكية الزراعية الحق في قيمتها الحقيقية وقت الحكم في الدعوى وليس وقت الاستيلاء وطلب التعويض عن أية أضرار حاقت به جراء ذلك الاستيلاء.
(8) قيام المالك للأرض المستولى عليها الزائدة عن الحد الأقصى للملكية الزراعية بصرف تعويض من الجهة نازعة الملكية تقل عن القيمة الحقيقية للأرض. لازمه. وجوب استبعاد مساحة من الأرض تعادل تلك المبالغ التي تم صرفها محسوبة على أساس القيمة الحقيقية للأرض وقت الاستيلاء. مخالفة الحكم المطعون فيه ذلك وقضاؤه بتقدير التعويض المستحق للطاعن عن الأراضي موضوع التداعي المستولى عليها الزائدة عن الحد الأقصى للملكية الزراعية بقيمتها وقت الاستيلاء. خطأ ومخالفة للقانون.
(9) نعى الطاعن للحكم المطعون فيه بتقدير التعويض المستحق للطاعنين عن الأراضي المستولى عليها زائدا عن الحد الأقصى للملكية الزراعية بقيمتها وقت الاستيلاء دون قيمتها وقت الحكم. غير منتج. أثره. غير مقبول.
------------------
1 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن حماية الملكية الخاصة وحرمتها تعد من المقاصد الأساسية في أي نظام قانوني، فقد حرصت الدساتير المتعاقبة منذ دستور 1923م على النص بأن الملكية الخاصة مصونة، فلا تنزع إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل، وقد تردد هذا النص في هذه الدساتير بمدلوله ومعناه، وإعمالا لهذا المبدأ الدستوري المستقر وتقنينا لقواعده نصت المادة 805 من القانون المدني على أنه "لا يجوز أن يحرم أحد من ملكه إلا في الأحوال التي يقررها القانون وبالطريقة التي يرسمها ويكون ذلك في مقابل تعويض عادل"، وقد كشفت الأعمال التحضيرية للقانون المدني عن أنه قصد بهذا النص "وضع قيود ثلاثة على حرمان المالك من ملكه دون رضاه: 1- لا يحرم المالك من ملكه إلا في حالة نص عليها القانون. 2- وبالطريقة التي رسمها القانون. 3- وبعد دفع تعويض عادل يستولى عليه مقدما قبل أن يتخلى عن ملكه "فأنشأ المشرع بذلك النص التزاما مصدره المباشر القانون الذي بين أركانه وحدد نطاقه ومداه، وفرض بموجبه على الحكومة ألا تنزع الملكية الخاصة جبرا عن أصحابها قبل استيفاء الشروط الثلاثة سالفة البيان مجتمعة، فإذا تخلف أحد هذه الشروط - التي هي في حقيقتها ضمانات تكفل حماية الملكية الخاصة - فإن نزع الملكية يصبح عملا من أعمال الغصب وعدوانا على حق الملكية الخاصة.
2 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - بأن قضاء المحكمة الدستورية في الطعن رقم 3 لسنة 1ق بعدم دستورية ما نص عليه القرار بقانون رقم 104 لسنة 1964 من أيلولة الأراضي الزراعية المستولى عليها تنفيذا لقانون تحديد الحد الأقصى للملكية الزراعية إلى الدولة دون مقابل، وفي الطعنين رقمي 24 لسنة 15ق، 28 لسنة 6ق بعدم دستورية نص المادة الخامسة من القانون رقم 178 لسنة 1952 والمادة الرابعة من القرار بقانون رقم 127 لسنة 1961 والمادة التاسعة من القرار بقانون رقم 50 لسنة 1969، فيما تضمنه من أسس تقدير التعويض عن الأراضي الزراعية التي جرى الاستيلاء عليها الزائدة عن الحد الأقصى للملكية الزراعية، وكان الحكم بعدم دستورية هذه النصوص لا ينصرف أثره إلى المستقبل فحسب، وإنما ينسحب على الوقائع والعلاقات السابقة على صدور الحكم بعدم دستوريتها ما لم تكن استقرت بحكم حائز قوة الأمر المقضي أو بانقضاء مدة التقادم، بما تنتفي معه صلاحيتها لترتيب أي أثر من تاريخ نفاذها، ويكشف عن وجود حكم قانوني مغاير واجب الإتباع كان معمولا به عند صدور هذه النصوص الباطلة، يتعين على المحاكم إعماله التزاما بحجية الحكم الصادر بعدم الدستورية.
3 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن استيلاء الحكومة على الأراضي الزراعية الزائدة عن الحد الأقصى للملكية هو نزع لملكية هذه الأراضي جبرا عن أصحابها يخضع للقيود المنصوص عليها في المادة 805 من القانون المدني سالفة البيان، فإن الحكم بعدم دستورية نصوص القوانين التي تحدد أسس تقدير التعويض عن هذه الأراضي يترتب عليه سريان نص المادة آنفة الذكر في هذا الخصوص.
4 - إذ كانت عبارة "مقابل تعويض عادل" الواردة في نص المادة 805 من القانون المدني لا تدل على رغبة المشرع في إظهار الحرص على وجوب توخي العدالة المطلقة في تقدير المقابل لحرمان المالك من ملكه فحسب بل التأكيد على أن هذا المقابل لا يقتصر على ثمن العين المنزوع ملكيتها، وإنما يشمل كافة الأضرار التي تصيب المالك من جزاء حرمانه من ملكه، باعتبار أن الأصل في التعويض أيا كان مصدر الالتزام به أن يكون جابرا لكافة الأضرار التي تلحق المضرور.
5 - إن خلو نص المادة 805 من القانون المدني من بيان أسس وضوابط تقدير التعويض العادل عن نزع الملكية، فإن أحكام القانون العام تكون هي الواجبة التطبيق، والتي تقضي- وفقا لنص المادة 221 /1 من القانون المدني بأن تقدير التعويض يناط بعنصرين قوامهما ما لحق المضرور من خسارة وما فاته من كسب، وكانت الحكومة قد قدرت التعويض المستحق لأصحاب الأراضي المستولى عليها الزائدة عن الحد الأقصى للملكية الزراعية بما يعادل عشرة أمثال القيمة الإيجارية، وتقدير هذه القيمة بسبعة أمثال الضريبة الأصلية المربوط بها الأرض، فإن تقدير التعويض بهذه الطريقة الجزافية التحكمية فضلا عن الوفاء المتراخي لآجال طويلة للقيمة المقدرة يتنافى مع مفهوم التعويض العادل عن الملك المنزوع الذي عناه المشرع، ويجافي الأسس التي ينبغي أن يقوم عليها تقدير التعويض العادل.
6 - إن الأسس التي يقوم عليها تقدير التعويض هي التي يجب تقدير التعويض بالقيمة الحقيقة للأرض المنزوع ملكيتها في تاريخ الاستيلاء بمراعاة نوع التربة وخصوبتها وطرق الري والصرف ونوع الاستغلال ومقدار الإنتاج والقرب أو البعد عن الأسواق العامة والمدن الهامة ووسائل المواصلات المتوفرة وغيرها من العناصر الواقعية التي تؤثر في تقدير قيمة الأرض، كما يشمل التعويض كافة الأضرار التي حاقت بالمالك الناجمة عن حرمانه من ملكه لأنه بذلك يتخذ التعويض صورته العادلة ويقوم مقام الحق ذاته ويعتبر بديلا عنه.
7 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن التعويض العادل- وعلى ما سلف بيانه- يعد شرطا لنزع الملكية جبرا عن أصحابها، فإن تخلفه يجعل نزع ملكية الأراضي الزراعية الزائدة عن الحد الأقصى للملكية عدوانا على الملكية الخاصة وعملا من أعمال الغصب يستوجب مسئولية الحكومة عن التعويض، ولا تعارض بين هذا النظر والقول بمشروعية تحديد الحد الأقصى للملكية الزراعية، لأن مشروعية هذا التحديد لا تغني عن إتباع الطريق الذي رسمه القانون واستيفاء الشروط التي حددها للاستيلاء على الأراضي الزراعية الزائدة عن الحد الأقصى ومنها التعويض العادل عنها، وكان اعتبار نزع ملكية هذه الأرض غصبا يستتبع أن يكون لصاحبها استرداد عين ملكه والتعويض عن المنفعة التي فاتت عليه من تاريخ الغصب حتى الرد، فإذا تعذر الرد أو اختار هو المطالبة بالتعويض، فإنه على الحالين يكون شأن المالك في المطالبة بالتعويض شأن المضرور من أي عمل غير مشروع له أن يطلب تعويض الضرر سواء في ذلك ما كان قائما وقت الغصب أو ما تفاقم من ضرر بعد ذلك حتى تاريخ الحكم، مما مؤداه أن لصاحب الأرض المستولى عليها الزائدة عن الحد الأقصى للملكية الزراعية الحق في قيمتها الحقيقية، كما صارت إليه وقت الحكم في الدعوى وليس وقت الاستيلاء أو أي وقت آخر، كما يكون له طلب التعويض عن أي ضرر آخر حاق به نتيجة هذا الاستيلاء.
8 - إن قام مالك الأرض بصرف مبالغ من الجهة نازعة الملكية تقل عن القيمة الحقيقة للأرض المستولى عليها، فإن اعتبارات العدالة توجب عند حساب التعويض المستحق له- وفقا للأسس سالفة البيان - أن تستبعد مساحة من الأرض تعادل المبالغ التي تم صرفها محسوبة على أساس القيمة الحقيقة للأرض وقت الاستيلاء، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقدر التعويض المستحق للطاعنين عن الأراضي موضوع التداعي المستولى عليها الزائدة عن الحد الأقصى للملكية الزراعية بقيمتها وقت الاستيلاء، فإنه يكون معيبا بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه.
9 - إذ كان الثابت أن قضاء محكمة النقض في الطعن رقم ... لسنة 80ق بنقض الحكم المطعون فيه لتقدير التعويض المستحق عن أطيان النزاع على أساس قيمتها وقت الاستيلاء عليها في حين أنه يجب تقديره وفقا لقيمتها وقت الحكم على ما سلف بيانه في الرد على أسباب ذلك الطعن، فإن ما يثيره الطاعن بسببي الطعن من مجادلة حول تقدير الحكم لقيمة الأطيان وقت الاستيلاء- أيا كان وجه الرأي فيه- يكون غير منتج، ومن ثم غير مقبول.
---------------
الوقائع
وحيث إن وقائع الطعن رقم ... لسنة 80ق - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعنين أقاموا على المطعون ضدهما بصفتيهما الدعوى رقم ... لسنة 2004 مدني جنوب القاهرة الابتدائية بطلب الحكم بإلزامهما بالتضامن بأن يؤديا إليهم مبلغ 1733260.50 جنيها، وقالوا بيانا للدعوى إن الهيئة المطعون ضدها قامت بالاستيلاء على مساحة 9س 3ط 48ف من الأطيان المملوكة لمورثهم الزائدة عن الحد الأقصى للملكية الزراعية وقدرت التعويض عنها وفقا لأسس خاطئة، وإذ قضت المحكمة الدستورية بعدم دستورية أسس تقدير التعويض المنصوص عليها في قانون الإصلاح الزراعي فقد أقاموا الدعوى بالطلبات سالفة البيان، ومحكمة أول درجة حكمت بعدم قبولها لرفعها على غير ذي كامل صفة. استأنف الطاعنون هذا الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم ... لسنة 124ق، وبتاريخ 10/2/2010 قضت بإلزام المطعون ضده الأول بصفته بأن يؤدي للطاعنين تعويضا مقداره 41000 جنيه والفوائد القانونية بواقع 4% من تاريخ الحكم على أن يخصم منه ما سبق صرفه لهم.. طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقضه، كما طعن المطعون ضده الأول بطريق النقض بالطعن رقم ... لسنة 80ق، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفضه، وإذ عرض الطعنان على هذه المحكمة - في غرفة مشورة - قررت ضمهما للارتباط، وحددت جلسة لنظرهما، وفيها التزمت النيابة رأيها.
----------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعنين استوفيا أوضاعهما الشكلية.
وحيث إن حاصل ما ينعاه الطاعنون بالطعن رقم ... لسنة 80 ق على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، ذلك بأنه قدر التعويض المستحق عن الأراضي الزراعية موضوع الدعوى، التي تم الاستيلاء عليها تنفيذا لقانون تحديد الحد الأقصى للملكية بما يعادل ثمنها وقت الاستيلاء في حين أن التعويض عن الغصب يكون على أساس قيمتها وقت الحكم، مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي سديد، ذلك بأنه لما كانت حماية الملكية الخاصة وحرمتها تعد من المقاصد الأساسية في أي نظام قانوني، فقد حرصت الدساتير المتعاقبة منذ دستور 1923م على النص بأن الملكية الخاصة مصونة، فلا تنزع إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل، وقد تردد هذا النص في هذه الدساتير بمدلوله ومعناه، وإعمالا لهذا المبدأ الدستوري المستقر وتقنينا لقواعده نصت المادة 805 من القانون المدني على أنه "لا يجوز أن يحرم أحد من ملكه إلا في الأحوال التي يقررها القانون وبالطريقة التي يرسمها ويكون ذلك في مقابل تعويض عادل"، وقد كشفت الأعمال التحضيرية للقانون المدني عن أنه قصد بهذا النص" وضع قيود ثلاثة على حرمان المالك من ملكه دون رضاه: 1- لا يحرم المالك من ملكه إلا في حالة نص عليها القانون. 2- وبالطريقة التي رسمها القانون. 3- وبعد دفع تعويض عادل يستولى عليه مقدما قبل أن يتخلى عن ملكه "فأنشأ المشرع بذلك النص التزاما مصدره المباشر القانون الذي بين أركانه وحدد نطاقه ومداه، وفرض بموجبه على الحكومة ألا تنزع الملكية الخاصة جبرا عن أصحابها قبل استيفاء الشروط الثلاثة سالفة البيان مجتمعة، فإذا تخلف أحد هذه الشروط - التي هي في حقيقتها ضمانات تكفل حماية الملكية الخاصة- فإن نزع الملكية يصبح عملا من أعمال الغصب وعدوانا على حق الملكية الخاصة، وإذ قضت المحكمة الدستورية في الطعن رقم 3 لسنة 1ق بعدم دستورية ما نص عليه القرار بقانون رقم 104 لسنة 1964 من أيلولة الأراضي الزراعية المستولى عليها تنفيذا لقانون تحديد الحد الأقصى للملكية الزراعية إلى الدولة دون مقابل، وفي الطعنين رقمي 24 لسنة 15ق، 28 لسنة 6ق بعدم دستورية نص المادة الخامسة من القانون رقم 178 لسنة 1952 والمادة الرابعة من القرار بقانون رقم 127 لسنة 1961 والمادة التاسعة من القرار بقانون رقم 50 لسنة 1969، فيما تضمنه من أسس تقدير التعويض عن الأراضي الزراعية التي جرى الاستيلاء عليها الزائدة عن الحد الأقصى للملكية الزراعية، وكان الحكم بعدم دستورية هذه النصوص لا ينصرف أثره إلى المستقبل فحسب، وإنما ينسحب على الوقائع والعلاقات السابقة على صدور الحكم بعدم دستوريتها ما لم تكن استقرت بحكم حائز قوة الأمر المقضي أو بانقضاء مدة التقادم، بما تنتفي معه صلاحيتها لترتيب أي أثر من تاريخ نفاذها، ويكشف عن وجود حكم قانوني مغاير واجب الإتباع كان معمولا به عند صدور هذه النصوص الباطلة، يتعين على المحاكم إعماله التزاما بحجية الحكم الصادر بعدم الدستورية، وكان استيلاء الحكومة على الأراضي الزراعية الزائدة عن الحد الأقصى للملكية هو نزع لملكية هذه الأراضي جبرا عن أصحابها يخضع للقيود المنصوص عليها في المادة 805 من القانون المدني سالفة البيان، فإن الحكم بعدم دستورية نصوص القوانين التي تحدد أسس تقدير التعويض عن هذه الأراضي يترتب عليه سريان نص المادة آنفة الذكر في هذا الخصوص، وكانت عبارة "مقابل تعويض عادل" الواردة في نص المادة 805 من القانون المدني لا تدل على رغبة المشرع في إظهار الحرص على وجوب توخي العدالة المطلقة في تقدير المقابل لحرمان المالك من ملكه فحسب بل التأكيد على أن هذا المقابل لا يقتصر على ثمن العين المنزوع ملكيتها، وإنما يشمل كافة الأضرار التي تصيب المالك من جراء حرمانه من ملكه، باعتبار أن الأصل في التعويض أيا كان مصدر الالتزام به أن يكون جابرا لكافة الأضرار التي تلحق المضرور، وإذ خلا نص المادة 805 من القانون المدني من بيان أسس وضوابط تقدير التعويض العادل عن نزع الملكية، فإن أحكام القانون العام تكون هي الواجبة التطبيق، والتي تقضي- وفقا لنص المادة 221/1 من القانون المدني بأن تقدير التعويض يناط بعنصرين قوامهما ما لحق المضرور من خسارة وما فاته من كسب، وكانت الحكومة قد قدرت التعويض المستحق لأصحاب الأراضي المستولى عليها الزائدة عن الحد الأقصى للملكية الزراعية بما يعادل عشرة أمثال القيمة الإيجارية، وتقدير هذه القيمة بسبعة أمثال الضريبة الأصلية المربوط بها الأرض، فإن تقدير التعويض بهذه الطريقة الجزافية التحكمية فضلا عن الوفاء المتراخي لآجال طويلة للقيمة المقدرة يتنافى مع مفهوم التعويض العادل عن الملك المنزوع الذي عناه المشرع، ويجافي الأسس التي ينبغي أن يقوم عليها تقدير التعويض العادل، والذي يوجب تقدير التعويض بالقيمة الحقيقة للأرض المنزوع ملكيتها في تاريخ الاستيلاء بمراعاة نوع التربة وخصوبتها وطرق الري والصرف ونوع الاستغلال ومقدار الإنتاج والقرب أو البعد عن الأسواق العامة، والمدن الهامة ووسائل المواصلات المتوفرة وغيرها من العناصر الواقعية التي تؤثر في تقدير قيمة الأرض، كما يشمل التعويض كافة الأضرار التي حاقت بالمالك الناجمة عن حرمانه من ملكه لأنه بذلك يتخذ التعويض صورته العادلة ويقوم مقام الحق ذاته ويعتبر بديلا عنه، وإذ كان التعويض العادل- وعلى ما سلف بيانه- يعد شرطا لنزع الملكية جبرا عن أصحابها فإن تخلفه يجعل نزع ملكية الأراضي الزراعية الزائدة عن الحد الأقصى للملكية عدوانا على الملكية الخاصة وعملا من أعمال الغصب يستوجب مسئولية الحكومة عن التعويض، ولا تعارض بين هذا النظر والقول بمشروعية تحديد الحد الأقصى للملكية الزراعية، لأن مشروعية هذا التحديد لا تغني عن إتباع الطريق الذي رسمه القانون واستيفاء الشروط التي حددها للاستيلاء على الأراضي الزراعية الزائدة عن الحد الأقصى ومنها التعويض العادل عنها، وكان اعتبار نزع ملكية هذه الأرض غصبا يستتبع أن يكون لصاحبها استرداد عين ملكه والتعويض عن المنفعة التي فاتت عليه من تاريخ الغصب حتى الرد، فإذا تعذر الرد أو اختار هو المطالبة بالتعويض، فإنه على الحالين يكون شأن المالك في المطالبة بالتعويض شأن المضرور من أي عمل غير مشروع له أن يطلب تعويض الضرر سواء في ذلك ما كان قائما وقت الغصب أو ما تفاقم من ضرر بعد ذلك حتى تاريخ الحكم، مما مؤداه أن لصاحب الأرض المستولى عليها الزائدة عن الحد الأقصى للملكية الزراعية الحق في قيمتها الحقيقية، كما صارت إليه وقت الحكم في الدعوى وليس وقت الاستيلاء أو أي وقت آخر، كما يكون له طلب التعويض عن أي ضرر آخر حاق به نتيجة هذا الاستيلاء، وإذا قام مالك الأرض بصرف مبالغ من الجهة نازعة الملكية تقل عن القيمة الحقيقة للأرض المستولى عليها، فإن اعتبارات العدالة توجب عند حساب التعويض المستحق له- وفقا للأسس سالفة البيان- أن تستبعد مساحة من الأرض تعادل المبالغ التي تم صرفها محسوبة على أساس القيمة الحقيقة للأرض وقت الاستيلاء، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقدر التعويض المستحق للطاعنين عن الأراضي موضوع التداعي المستولى عليها الزائدة عن الحد الأقصى للملكية الزراعية بقيمتها وقت الاستيلاء، فإنه يكون معيبا بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه بما يوجب نقضه.
وحيث إن الطعن رقم ... لسنة 80ق أقيم على سببين ينعي بهما الطاعن على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والخطأ في تطبيق القانون، إذ قدر التعويض عن الأطيان المستولى عليها الزائدة عن الحد الأقصى بمبلغ 49 ألف جنيه في حين أن قيمتها السوقية- وقت الاستيلاء عليها وفقا لما انتهى إليه الخبير المنتدب- مبلغ 12035 جنيها، مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذه المحكمة قد قضت في الطعن رقم ... لسنة 80ق بنقض الحكم المطعون فيه لتقدير التعويض المستحق عن أطيان النزاع على أساس قيمتها وقت الاستيلاء عليها في حين أنه يجب تقديره وفقا لقيمتها وقت الحكم على ما سلف بيانه في الرد على أسباب ذلك الطعن، فإن ما يثيره الطاعن بسببي الطعن من مجادلة حول تقدير الحكم لقيمة الأطيان وقت الاستيلاء- أيا كان وجه الرأي فيه - يكون غير منتج، ومن ثم غير مقبول