جلسة 20 من فبراير سنة 1974
برياسة السيد المستشار أحمد حسن هيكل نائب رئيس المحكمة وعضوية
السادة المستشارين: محمد أسعد محمود وجودة أحمد غيث وإبراهيم السعيد ذكرى وإسماعيل
فرحات عثمان.
----------------
(63)
الطعن رقم 46 لسنة 40 ق
"أحوال شخصية"
(1)أحوال شخصية "الأحوال الخاصة بالمصريين المسلمين. الطلاق".
قوة الأمر المقضي. دفوع "الدفع بعدم جواز نظر الدعوى".
للزوجة حق رفع دعوى جديدة
بالتطليق للضرر استنادها إلى وقائع استجدت بعد صدور الحكم الأول برفض التطليق
القضاء برفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها. صحيح.
(2)، (3) أحوال شخصية "الأحوال الخاصة بالمصريين المسلمين. الطلاق".
(2)إقامة الزوجة دعوى جديدة
بالتطليق للضرر. عجزها عن إثبات ما تشكو منه. وجوب أن يبعث القاضي حكمين. إلغاء
محكمة الاستئناف قضاء محكمة أول درجة بالتطليق لعدم اطمئنانها لشهود الزوجة، ثم
مضيها في نظر الدعوى والقضاء ببعث الحكمين. لا عيب.
(3)الأحكام الخاصة ببعث
القاضي حكمين، مستمدة من فقه المالكة. الحكمان طريقهما الحكم لا الشهادة ولا
الوكالة التقرير بجهل الحال والتفريق بين الزوجين. متروك للحكمين. استخلاص الحكم
جهل الحال من اختلاف الحكمين والقضاء بالتطليق. خطأ.
----------------
1 - النص في المادة "السادسة" من المرسوم بقانون رقم 25
لسنة 1929 ببعض أحكام الأحوال الشخصية، يدل على أن من حق الزوجة أن ترفع دعوى
جديدة تطلب فيها التطليق لذات السبب وهو الضرر، على أن تستند في ذلك إلى وقائع
مغايرة لتلك التي رفعت الدعوى الأولى على أساسها. لما كان ذلك وكان البين من الحكم
المطعون فيه أن الموضوع مختلف في الدعويين، لأن الدعوى الأولى رفعت عن الوقائع
السابقة عليها، أما الدعوى الماثلة فهي عن واقعة أخرى استجدت بعد صدور الحكم في
الدعوى الأولى إذ حدثت عند انصراف المطعون عليها عقب نظر الاستئناف المرفوع عن
دعوى الطاعة، ولما كان من حق المطعون عليها أن ترفع دعواها بالتطليق عن هذه
الواقعة الجديدة لتدفع عن نفسها الضرر الذي ادعت وقوعه أثناء قيام الحياة الزوجية
دون أن يلزم لذلك أن تكون مقيمة مع زوجها، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض
الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها لا يكون قد خالف القانون.
2 - مفاد نص المادة السادسة من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929
أنه إذا كررت الزوجة شكواها طالبة التطليق لإضرار الزوج بها بعد رفض طلبها
بالتفريق ولم تثبت ما تشكو منه، فإنه يتعين أن يبعث القاضي حكمين على النحو المبين
بالمواد من 7 إلى 11 من القانون المذكور، وهو حكم مأخوذ من مذهب الإمام مالك في
أحكام الشقاق بين الزوجين. ولما كان الثابت من أن المطعون عليها أقامت دعواها
الأولى طالبة التطليق للضرر، وقضى برفضها نهائياً لعجزها عن الإثبات ثم أقامت
دعواها الحالية بنفس الطلبات وقضى فيها ابتدائياًً بالتطليق، ولما كانت محكمة
الاستئناف بعد أن ألغت حكم محكمة أول درجة بالتطليق - لعدم الاطمئنان إلى أقوال
شهود المطعون عليها - قد مضت في نظر الدعوى وقضت ببعث الحكمين تطبيقاً لما يوجبه
القانون على النحو سالف البيان، النعي على الحكم يكون في غير محله.
3 - مؤدى نصوص المواد الثامنة والتاسعة والعاشرة والحادية عشر من
المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 أن المشروع خول الحكمين أن يتعرفا أسباب الشقاق
بين الزوجين، ويبذلا جهدهما في الإصلاح فإن أمكن على طريقة معينه قرراها وإذا عجزا
عن الإصلاح وكانت الإساءة من الزوج أو الزوجين معاً أو جهل الحال ولم يعرف من أي
جانب كانت الإساءة قرار التفريق بينهما بطلقة بائنة، وإذا اختلف الحكمان أمرهما
القاضي بمعاودة البحث، فإن استمرار الخلاف بينهما حكم غيرهما، وعلى الحكمين أن
يرفعا إلى القاضي ما يقرران، وعلى القاضي أن يحكم بمقتضاه. وهذه الأحكام مستمدة من
فقه المالكية، ومن المنصوص عليه فيه أن الحكمين طريقهما الحكم لا الشهادة ولا
الوكالة ولو كان من جهة الزوجين لأن الحكم في اللغة هو الحاكم، فإن اتفقا الحكمان
نفذ حكمهما ووجب على الحاكم إمضاؤه من غير تعقيب ولو خالف مذهبه، وإن اختلفا فطلق
أحدهما ولم يطلق الآخر، فلا يكون هناك فراق لأن إلى كل واحد منهما ما إلى صاحبه
باجتماعهما عليه. ولما كان الثابت من الحكم المطعون فيه أن الحكمين الآخرين،
كسابقيهما اختلفا ولم يقررا بجهل الحال، وكان يتعين إزاء اختلافهما أن تكلفهما
المحكمة بمعاودة البحث تطبيقاً لحكم المادة العاشرة من القانون، وإذا استنتج الحكم
جهل الحال من اختلاف الحكمين، وقضى بتطليق المطعون عليها مع أن المشرع ترك للحكمين
التقرير بجهل الحال وبالتفريق بين الزوجين تبعاً لذلك، على أن يحكم القاضي
بالتطليق حسبما قراره عملاً بحكم المادتين التاسعة والحادية عشر من القانون، لما
كان ما تقدم فإنه الحكم يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار
المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى
أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - حسبما
يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون عليها أقامت
الدعوى رقم 1047 لسنة 1966 أمام محكمة القاهرة الابتدائية للأحوال الشخصية
"نفس" ضد الطاعن بطلب الحكم بتطليقها منه طلقة بائنة للضرر وأمره بمنع
التعرض لها في شئون الزوجية، وقالت شرحاً لدعواها أنها زوجة للطاعن بصحيح العقد
الشرعي المؤرخ 2 من ديسمبر سنة 1943، وسبق أن أقامت عليه الدعوى رقم 1006 لسنة
1964 أمام نفس المحكمة طالبة الحكم بتطليقها منه تأسيساً على أنه دأب على الإساءة
إليها بالسب والضرب علاوة على هجره إياها وقضى برفض دعواها وتأييد هذا الحكم
استئنافياً، غير أن الخلاف استمر قائماً بينهما وأقام عليها دعوى بدخولها في
طاعته، وإذ اعترض طريقها يوم 4 من أكتوبر 1966 عند انصرافها بعد نظر استئناف تلك
الدعوى وتطاول عليها بالسب وكاد أن يضربها لو لا أن حيل بينه وبينها، وفي ذلك
إضرار بها بما لا يستطاع معه دوام العشرة بين أمثالهما، فقد أقامت دعواها بطلباتها
سالفة البيان - دفع الطاعن بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها بالدعوى رقم
1006 لسنة 1964 القاهرة الابتدائية للأحوال الشخصية واستئنافها رقم 25 لسنة 83 ق
أحوال شخصية. وبتاريخ 28 من فبراير 1967 حكمت برفض الدفع، ثم حكمت في 29 من إبريل
1967 بإحالة الدعوى إلى التحقيق لتثبت المطعون عليها أنها زوجة للطاعن بصحيح العقد
الشرعي وقد دخل بها ولا تزال على عصمته وطاعته وأنه أساء إليها بالقول والفعل بما
لا يستطاع معه دوام العشرة بين أمثالهما، وبعد سماع شهود الطرفين حكمت بتاريخ 5 من
مارس 1968 بتطليق المطعون عليها من زوجها الطاعن طلقة بائنة. استأنف الطاعن هذا الحكم
بالاستئناف رقم 25 لسنة 85 ق أحوال شخصية القاهرة، وبتاريخ 29 من يونيو 1968 حكمت
المحكمة بتأييد الحكم برفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى، وبإلغاء الحكم القاضي
بالتطليق موضوعاً، وتكليف كل من الخصمين بتقديم كشف ببعض الأسماء التي يرغب أن
يكون منها الحكم عنه، وبتاريخ 3 من مايو 1969 حكمت المحكمة باختيار........ حكماً
عن الطاعن...... حكماً عن المطعون عليها وكلفتهما بتعرف أسباب الشقاق بين الزوجين
وأن يبذلا جهدهما في الإصلاح فإن أمكن على طريقة معينة قرارها مع إبداء رأيهما
بتقرير يرفع إلى المحكمة، وإزاء اختلاف الحكمين في الرأي فقد أمرتهما المحكمة في 4
من يناير 1970 بمعاودة البحث، وإذا استمر الخلاف بينهما حكمت في 5 من إبريل 1970
باختيار........ حكماً عن الطاعن..... حكماً عن المطعون عليها لأداء ذات المهمة،
وبعد أن قدم الحكمان الأخيران تقريرهما حكمت في 31 من أكتوبر 1970 بتطليق المطعون
عليها من الطاعن طلقة بائنة. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة
العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم. وعرض الطعن على هذه الدائرة في غرفة
مشورة فرأت أنه جدير بالنظر، وحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على
خمسة أسباب، ينعى الطاعن بالسبب الخامس منها على الحكم المطعون فيه مخالفة
القانون، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم قضى برفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة
الفصل فيها بالدعوى رقم 1006 لسنة 1964 القاهرة الابتدائية للأحوال الشخصية
واستئنافها رقم 25 لسنة 83 ق أحوال شخصية القاهرة، في حين أن الادعاء بالسب والضرب
في الدعويين ادعاء مكرر، علاوة على أنه لم تحدث بينهما معاشرة شرعية منذ إقامة
دعواها الأولى بالتطليق الأمر الذي يجعل دعواها الثانية منبتة الصلة بالحياة
الزوجية، ويكون الدفع بعدم جواز نظر الدعوى على أساس سليم من القانون.
وحيث إن هذا النعي غير
سديد، ذلك أن النص في المادة السادسة من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 ببعض
أحكام الأحوال الشخصية على أنه "إذا ادعت الزوجة إضرار الزوج بها بما لا
يستطاع معه دوام العشرة بين أمثالهما يجوز لها أن تطلب من القاضي التفريق، وحينئذ
يطلقها القاضي طلقة بائنة إذا ثبت الضرر وعجز عن الإصلاح بينهما، فإذا رفض الطلب
ثم تكررت الشكوى ولم يثبت الضرر بعث القاضي حكمين على الوجه المبين بالمواد 7، 8،
9، 10، 11، يدل على أن من حق الزوجة أن ترفع الدعوى جديدة تطلب فيها التطليق لذات
السبب وهو الضرر، على أن تستند في ذلك إلى وقائع مغايرة لتلك التي رفعت الدعوى
الأولى على أساسها. لما كان ذلك وكان البين من الحكم المطعون فيه أن الموضوع مختلف
في الدعويين لأن الدعوى الأولى رقم 1006 لسنة 1964 القاهرة الابتدائية للأحوال
الشخصية رفعت عن الوقائع السابقة عليها، أما الدعوى الماثلة فهي عن واقعة أخرى
استجدت بعد صدور الحكم في الدعوى الأولى إذا حدثت عند انصراف المطعون عليها يوم 4
من إبريل 1966 عقب نظر الاستئناف المرفوع عن دعوى الطاعة، ولما كان من حق المطعون
عليها أن ترفع دعواها بالتطليق عن هذه الواقعة الجديدة لتدفع عن نفسها الضرر الذي
ادعت وقوعه أثناء قيام الحياة الزوجية دون أن يلزم لذلك أن تكون مقيمة مع زوجها،
فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها
لا يكون قد خالف القانون، ويكون النعي عليه بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى
بالسببين الأول والرابع على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في
الاستدلال والتناقض، وفي بيان ذلك يقول أن الحكم نفى وقوع خطأ في جانب الزوجة على
سند من أن الزوج لم ينسب إليها أية إساءة واقتصر قوله على الرغبة في استئناف
الحياة الزوجية، واعتبر الحكم أن مرحلة التحكيم مرحلة مستقلة مبناها عدم ثبوت
الضرر لعجز الزوجة عن إقامة بينتها عليه، في حين أن الثابت من تقارير الحكمين
الأولين والآخرين أن المطعون عليها أحالت في تعرف أسباب الشقاق إلى ما أوردته بصحف
الدعاوى التي أقامتها ضد الطاعن، وبالرجوع إلى الحكم الصادر في الدعوى رقم 1006
لسنة 1964 كلي أحوال شخصية القاهرة واستئنافها رقم 25 لسنة 83 ق القاهرة وكذلك
الحكم المطعون فيه يبين أن هذه الأحكام دمغت المطعون عليها بأنها تسعى إلى الطلاق
بأية وسيلة، وأطرحت أقوال الشهود الذين استعانت بهم في دعوييها، ويتعين أخذاً بروح
التشريع وحكمته الاعتداد بحجية هذه الأحكام لبيان خطأ الزوجة وبالتالي وجوب رفض
دعواها وعدم تعيين الحكمين، وهو ما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون والفساد في
الاستدلال. هذا إلى أن محكمة الاستئناف بقضائها بالتطليق في حكمها المطعون فيه
الصادر بتاريخ 31 من أكتوبر 1970 قد ناقضت حكمها السابق الذي أصدرته بتاريخ 29 من
يونيو 1968 وقضت فيه بإلغاء حكم محكمة أول درجة بالتطليق، ذلك أن الحكم السابق
أنهى موضوع الخصومة فلا يجوز للمحكمة العدول عنه والقضاء ببعث الحكمين إذ لم يطلبه
أحد من الخصوم كما لا يجوز لها التصدي للموضوع مرة ثانية والحكم بالتطليق.
وحيث إن هذا النعي مردود،
ذلك أنه لما كان مفاد نص المادة السادسة من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 أنه
إذا كررت الزوجة شكواها طالبة التطليق لإضرار الزوج بها بعد رفض طلبها بالتفريق
ولم تثبت ما تشكو منه فإن يتعين أن يبعث القاضي حكمين على النحو المبين بالمواد 7
إلى 11 من القانون المذكور، وهو حكم مأخوذ من مذهب الإمام مالك في أحكام الشقاق
بين الزوجين، ولما كان يبين من الحكم الاستئنافي الصادر بتاريخ 29 من يونيو سنة
1968 أن المطعون عليها أقامت دعواها الأولى رقم 1006 لسنة 1964 القاهرة الابتدائية
للأحوال الشخصية طالبة التطليق للضرر وقضي برفضها نهائياً لعجزها عن الإثبات، ثم
أقامت دعواها الحالية رقم 1047 لسنة 1966 القاهرة الابتدائية للأحوال الشخصية بنفس
الطلبات وقضى فيها ابتدائياً بالتطليق وألغى هذا الحكم استئنافياً لعدم اطمئنان
المحكمة لأقوال شهودها، ثم قرر الحكم أنه يرى بعث حكمين لعجز المطعون عليها عن
إثبات دعواها الثانية، وكان الحكم المطعون فيه الصادر بتاريخ 31 من أكتوبر سنة
1970 قد ناقش تقارير الحكمين الأولين والآخرين ثم أضاف قوله "كما أنه من
ناحية أخرى فلا يمكن اعتبار امتناع الزوجة عن عودة الحياة الزوجية إساءة من
جانبها، ذلك أنه لكي يعتبر الأمر إساءة من جانب الزوجة يجب أن يصدر منها قول أو
فعل تسيء به إلى الزوج وإلى الحياة الزوجية ذاتها بغرض إيجاد وسيلة للتخلص من هذه
الحياة الزوجية التي لا ترغب في استمرارها، فإذا كان الثابت هو أن الزوج لم ينسب
إليها إساءة ما ولم يقل بخطأ صدر منها بل اقتصر قوله على الرغبة في استئناف الحياة
الزوجية وقيام الزوجين معاً برعاية ابنهما فإنه لا يمكن القول بأن الزوجة هي
المتسببة في الخلاف أو أن الإساءة منها....."، وكان ما انتهى إليه هذا الحكم من
نفي الخطأ في جانب المطعون عليها ليس فيه تعارض مع الحكم الصادر في 29 من يونيو
سنة 1968 والحكم في الدعوى السابقة إذا اقتصرا على القضاء برفض دعوى التطليق لعجز
المطعون عليها عن الإثبات ولم ينسبا إليها الخطأ ما، ولما كان يبين مما سلف أن
محكمة الاستئناف بعد أن ألغت حكم محكمة أول درجة بالتطليق قد مضت في نظر الدعوى
وقضت ببعث الحكمين تطبيقاً لما يوجبه القانون على النحو سالف البيان، وهو ما أبرزه
الحكم المطعون فيه بقوله "لا يفوت المحكمة وهي تقضي بالتطليق إعمالاً لهذه
المواد أن تشير إلى أن حكمها الصادر بجلسة 29 من يونيو سنة 1968 بإلغاء حكم
التطليق إنما مبناه كما وضح في الأسباب المكملة للمنطوق عدم كفاية البينة القائمة
على القول بإضرار الزوج بزوجته بما لا يستطاع معه دوام العشرة، ونتيجة لهذا صدر
الحكم بتعيين الحكمين فالحكم بإلغاء التطليق لم يكن منهياً للخصومة ولا قاطعاً
فيها وإنما كان نتيجة لعدم ثبوت الضرر بالبينة، فسارت إجراءات التحكيم بعد ذلك
وفقاً للقانون"، لما كان ذلك فإن النعي على الحكم بهذين السببين يكون في غير
محله.
وحيث إن حاصل النعي
بالسببين الثاني والثالث أن الحكم المطعون فيه بني قضاءه بالتطليق على سند من
القول بأن الحكمين الآخرين عجزا عن الاتفاق على رأي معين في التعرف على أسباب
الشقاق بين الزوجين شأنهما في ذلك شأن الحكمين الأولين، وأن الحال بهذه المثابة
يعتبر مجهلاً يتعين معه القضاء بالتطليق وفق المادة التاسعة من القانون رقم 25
لسنة 1929، وهو من الحكم خطأ في تطبيق القانون، ذلك أنه طبقاً للمادة الحادية عشرة
من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 - ومصدره المذهب المالكي - إذا قضت المحكمة
ببعث الحكمين فإنها تكون قد فوضت الأمر إليهما وليس لها أن تتدخل في أية دراسة
موضوعية أو أن تستنتج خلاف ما يراه الحكمان بل يتعين عليها أن تحكم بما قرراه، وقد
ثبت من تقرير الحكمين الأولين والأخيرين أنهما اختلفا ولم يقررا بجهالة الأمر فما
كان للحكم أن يستنتج الجهالة من اختلافهما إذ الجهالة يقررها الحكمان لأن ولاية
الحكم أصبحت لهما، ويكون الحكم بذلك قد خلط بين الجهالة وهي الحالة التي يقضي فيها
بالتفريق وبين اختلاف الحكمين وهي الحالة التي يقضي فيها بتكليف الحكمين بمعاودة
البحث طبقاً للمادة العاشرة من القانون المذكور، وإذ قضى الحكم المطعون فيه
بالتطليق على خلاف رأي الحكمين فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي في
محله، ذلك أن النص في المادة الثامنة من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 بأن
"على الحكمين أن يتعرفا أسباب الشقاق بين الزوجين ويبذلا جهدهما في الإصلاح
فإن أمكن على طريقة معينة قرراها"، وفي المادة التاسعة على أنه "إذا عجز
الحكمان عن الإصلاح وكانت الإساءة من الزوج أو منهما أو جهل الحال قررا التفريق
بطلقة بائنة"، وفي المادة العاشرة على أنه "إذا اختلف الحكمان أمرهما
القاضي بمعاودة البحث فإن استمر الخلاف بينهما حكم غيرهما،" وفي الماد
الحادية عشر بأن" على الحكمين أن يرفعا إلى القاضي ما يقررانه وعلى القاضي أن
يحكم بمقتضاه" يدل على أن المشروع خول الحكمين أن يتعرفا أسباب الشقاق بين
الزوجين ويبذلا جهدهما في الإصلاح، فإن أمكن على طريقة معينة قرراها, وإذا عجزاً
عن الإصلاح وكانت الإساءة من الزوج أو الزوجين معاً أو جهل الحال ولم يعرف من أي
جانب كانت الإساءة قررا التفريق بينهما بطلقة بائنة. وإذا اختلف الحكمان أمرهما
القاضي بمعاودة البحث، فإن استمر الخلاف بينهما حكم غيرهما وعلى الحكمين أن يرفعا
إلى القاضي ما يقرران وعلى القاضي أن يحكم بمقتضاه. وهذه الأحكام مستمدة من فقه
المالكية ومن المنصوص عليه فيه أن الحكمين طريقهما الحكم لا الشهادة ولا الوكالة ولو
كانا من جهة الزوجين لأن الحكم في اللغة هو الحاكم، فإن اتفق الحكمان نفذ حكمهما
ووجب على الحاكم إمضاؤه من غير تعقيب ولو خالف مذهبه، وإن اختلفا فطلق أحدهما ولم
يطلق الآخر فلا يكون هناك فروق لأن إلى كل واحد منهما ما إلى صاحبه باجتماعهما
عليه، لما كان ذلك وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه بعد أن أشار إلى اختلاف
الحكمين الأولين وتكليفهما بمعاودة البحث واستمرار الخلاف بينهما أورد ما يلي
"فأصدرت المحكمة بتاريخ 5 من إبريل 1970 حكماً ثانياً باعتبار........ حكماً
عن المستأنف/ الطاعن - و........ حكماً عن المستأنف عليها - المطعون عليها - لأداء
ذات المهمة..... وجاء في ذيل تقريرهما فقرة خاصة بالحكم عن الزوجة أنه يرى أن
الخلف مبعثه الزوج وهو مصدره والمتسبب فيه وأن الحياة أصبحت مستحيلة مما يرى معه
الحكم المذكور التفريق، ثم تقدم الحكمان معاً بمذكرة في 28 من إبريل 1970 برأي حكم
الزوجة على النحو سالف الذكر ورأي حكم الزوج أن سبب عدم عودة الحياة الزوجية هو
عند الزوجة وأنه لا سبيل إلى التفرقة بينهما، وقال في مذكرة خاصة به مقدمة لجلسة
13 من مايو 1970 أنه يقصد بعدم وجود سبيل للتفرقة هو عدم وجود المبرر لأن الخلاف
القائم مرجعه الزوجة.....". ثم انتهى الحكم إلى قوله "نتيجة لهذا كله
وإذ عجز الحكمان عن إبداء رأي متفق عليه بينهما شأنهما في ذلك شأن سابقيهما تعين
الأخذ بالثابت من أعمال الحكمين، وترى المحكمة من خلافهما أن الحال مجهل وأن
الإساءة المانعة من الحياة الزوجية غير معروف من أي منهما صدرت، ومن ثم يتعين
الحكم بالتطليق إعمالاً لنص المواد 8 إلى 11 من القانون رقم 25 لسنة 1929"،
ولما كان الثابت من الحكم أن الحكمين الآخرين كسابقيهما اختلفا ولم يقررا بجهل
الحال وكان يتعين إزاء اختلافهما أن تكلفهما المحكمة بمعاودة البحث تطبيقاً لحكم المادة
العاشرة من القانون، وإذ استنتج الحكم جهل الحال من اختلاف الحكمين وقضى بتطليق
المطعون عليها مع أن المشرع ترك للحكمين التقرير بجهل الحال وبالتفريق بين الزوجين
تبعاً لذلك على أن يحكم القاضي بالتطليق حسبما قرراه عملاً بحكم المادتين التاسعة
والحادية عشر من القانون، لما كان ما تقدم فإنه الحكم يكون قد أخطأ في تطبيق
القانون بما يوجب نقضه في هذا الخصوص.