جلسة 1 من يناير سنة 1989
برئاسة السيد المستشار/ سعيد صقر نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد فؤاد شرباش نائب رئيس المحكمة، عبد النبي خمخم، محمد عبد البر حسين، وحسام الدين الحناوي.
-----------------
(13)
الطعن رقم 1382 لسنة 52 القضائية
(1 - 2) محاماة "توكيل المحامي". وكالة. حكم. دعوى.
(1) صحة الإجراءات التي يتخذها المحامي في الدعوى قبل صدوره التوكيل من صاحب الشأن إلا أن ينكر الأخير توكيله له.
(2) علاقة الخصوم بوكلائهم. عدم جواز تصدي المحكمة لها طالما لم ينكر صاحب الشأن وكالة وكيله. النعي بحضور محامٍ عن الخصم دون توكيل ليس لغيره إثارة هذا الدفاع.
(3) إيجار "إيجار الأماكن" "الأرض الفضاء". عقد "تكييف العقد". محكمة الموضوع. نقض.
إيجار الأرض الفضاء عدم خضوعه لأحكام قوانين إيجار الأماكن م 1 ق 121 لسنة 47 المقابلة لذات المادة ق 52 لسنة 69، 49 لسنة 77. العبرة في وصف العين بما تضمنه العقد متى كان مطابقاً لحقيقة الواقع - التعرف على قصد المتعاقدين من سلطة قاضي الموضوع التكييف القانون لقصدهما وتطبيق القانون عليه خضوعه لرقابة محكمة النقض.
(4 - 5) إيجار الأماكن "أسباب الإخلاء" "الإضرار بسلامة المبنى" قانون "القانون الواجب التطبيق" "نظام عام".
(4) صدور تشريع لاحق يستحدث حكماً جديداً يتعلق بذاتية القاعدة الموضوعية الآمرة المتعلقة بالنظام العام، سريانه بأثر فوري على المراكز التي لم تستقر نهائياً وقت نفاذه. تعلق أحكام تحديد الأجرة والامتداد القانوني في أسباب الإخلاء بالنظام العام - أثره.
(5) وجوب ثبوت الإضرار بسلامة المبنى كسبب لإخلاء المستأجر م 18/ د ق 136 لسنة 1981 قاعدة تتعلق بالنظام العام، سريانها بأثر فوري مباشر على المراكز القانونية التي لم تستقر بحكم نهائي.
(6) حكم "حجية الحكم". خبرة. إثبات.
حكم الإثبات ما يرد به من وجهات نظر قانونية أو افتراضات موضوعية - لا يحوز حجية طالما لم يتضمن حسماً لخلاف بين الخصوم - جواز العدول عما تضمنه من أراء.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة، وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعن أقام على المطعون ضده الدعوى رقم 2015 سنة 1976 أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية بطلب الحكم بفسخ عقد الإيجار المؤرخ 4/ 12/ 1947 وتسليمه المباني المقامة بالعين المؤجرة، وقال في بيان دعواه أنه بموجب هذا العقد استأجر المطعون ضده من سلفه المالك السابق قطعة الأرض المبينة بالصحيفة والبالغ مساحتها 800 م2 منها 360 م2 مقام عليها "جمالون" والباقي أرض فضاء وبها دورة مياه وذلك لمدة خمس سنوات لقاء أجرة سنوية قدرها 360 جنيه، ثم حصل المطعون ضده على إذن من المؤجر بإضافة قطعة أرض أخرى للعين المؤجرة لإقامة بناء عليها يؤول في نهاية الإجارة للمؤجر دون مقابل وحين شرع الطاعن في إعادة بناء مصنع له يجاور العين المؤجرة أقام عليه المطعون ضده دعوى إثبات حالة ادعى فيها أنه قام بهدم حائط كان يفصل بين هذا المصنع ومصنع الأخير المقام بالعين المؤجرة، وإذ تبين من تقرير الخبير المقدم في تلك الدعوى أن المطعون ضده أقام بالعين بناءاً على قطعة من الأرض تجاور تلك التي سبق السماح له بالبناء عليها وذلك دون إذن كتابي منه فقد أقام الدعوى بطلباته سالفة البيان. حكمت المحكمة برفض الدعوى. استأنف الطاعن هذا الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة برقم 1055 سنة 94 قضائية، ندبت المحكمة خبيراً في الدعوى، وبعد أن قدم تقريره قضت بتاريخ 28/ 3/ 1982 بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة رأت فيها رفض الطعن، وعرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب ينعى الطاعن بأولها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، وفي بيان ذلك يقول أنه تمسك أمام محكمة الموضوع ببطلان حضور محامي المطعون ضده عنه بالصفة التي اختصم بها بالجلسات السابقة على جلسة 27/ 12/ 1981 التي قدم فيها سند وكالته الصحيح عنه، إلا أن الحكم رد على ذلك بأنه لا تجوز إثارة مسألة علاقة المحامي بموكله سواء من المحكمة أو من الخصم وأن المطعون ضده لم ينفصل أو ينازع في وكالة الحاضر عنه بينما توجب المادتان 72، 73 من قانون المرافعات والمادة 89 من المحاماة رقم 61 سنة 1968 أن يثبت الوكيل وكالته وأن يودع سندها ملف الدعوى في جلسة المرافعة أو يطلع المحكمة على بياناته إن كان عاماً، كما يتعين على المحكمة التحقق من صحة قيام الوكالة، وللخصم الآخر أيضاً أن يطالب بإثبات قيامها.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن مباشرة المحامي للدعوى بتكليف من ذوي الشأن قبل صدور توكيل منهم بذلك لا يؤثر في سلامة الإجراءات التي يتخذها فيها طالما تأكدت صفته في مباشرتها بإصدار توكيل له، ولا يجوز للمحكمة أن تتصدى لعلاقة الخصوم بوكلائهم إلا إذا أنكر صاحب الشأن وكالة وكيله ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، كما أنه لا محل لادعاء الخصم بحضور محامي عن خصمه وهو ليس موكلاً عنه إذ أن صاحب المصلحة في التمسك بذلك هو الموكل وحده، لما كان ذلك، وكان البين من الأوراق أن وكيل المطعون ضده قرر أمام محكمة الاستئناف بجلسة 25/ 1/ 1981 بأن التوكيل الذي يحمله صادر له من المطعون ضده بصفته الشخصية، وطلب أجلاً لاستحضار توكيل عنه بالصفة المختصم بها، وبالجلسة التالية قدم سند الوكالة المثبت لهذه الصفة، وإذ لم ينكر المطعون ضده هذه الوكالة فإنه لا محل لتصدي الطاعن لها بادعاء أنها لم تكن ثابتة قبل تقديم سندها للمحكمة، وإذ التزام الحكم هذا النظر الصحيح فإن النعي عليه في ذلك يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم استند فيما ذهب إليه من انطباق قوانين إيجار الأماكن على العين محل النزاع إلى أنه كانت توجد بها قبل تأجيرها منشآت كانت محل اعتبار في التعاقد، بينما البين من عقد الإيجار المؤرخ 4/ 12/ 1947 وملحقاته أن هذه العين هي قطعة أرض مؤجرة لاستعمالها مصنعاً للمكرونه مع أحقية المستأجر في أن يقيم عليها ما يلزم هذا المصنع من مبان وأن بها ملحقات عبارة عن دورة مياه، ولا يغير من طبيعة العين كأرض فضاء وجود حظيرة بها مقامه على مساحة 260 م2 منها، إذ كانت هذه الحظيرة خارجة عن نطاق التعاقد ولم تحدد لها أجرة، وقد قام المطعون ضده بهدمها فور الاستئجار وتشييد مصنعه على الأرض الفضاء، وذلك على ما ثبت من تقارير الخبراء المقدمة في الدعوى الماثلة ودعوى إثبات الحالة رقم 449 سنة 1976 مستعجل مستأنف القاهرة والدعوى رقم 8637 سنة 1977 كلي شمال القاهرة والتي كانت مردده بين الطرفين.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كانت المادة الأولى من القانون رقم 121 سنة 1947 بشأن إيجار الأماكن - والمقابلة لذات المادة من القانونين رقمي 52 سنة 1969، 49 سنة 1977 قد استثنت صراحة الأرض الفضاء من نطاق تطبيق أحكامها، وكانت العبرة في تعرف طبيعة العين المؤجرة - لتعيين القانون الواجب التطبيق عليها هي - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - بما تضمنه عقد الإيجار من بيان لها متى جاء مطابقاً لحقيقة الواقع باعتبار أن المناط في تكييف العقد إنما هو بوضوح الإرادة وما اتجهت إليه، وليس بما أطلقه العاقدين على تعاقدهم من أوصاف، أو ضمنوه من عبارات متى تبين أن هذه الأوصاف أو العبارات تخالف حقيقة مرماهم، وأن التعرف على ما عناه المتعاقدان عموماً يدخل في سلطة قاضي الموضوع، ومتى استخلصته المحكمة فإن التكييف القانوني الصحيح لما قصدوه وتطبيق نصوص القانون عليه هو من المسائل القانونية التي تخضع لرقابة محكمة النقض، لما كان ذلك، وكان البين من عقد إيجار العين محل النزاع وملحقاته أن طرفيه قد أوردا به أن هذه العين هي قطعة أرض مساحتها 800 م2 بها حظيرة مبنية "جمالون" مساحتها 360 م2 وبقيتها أرض فضاء وملحقة بها دورة مياه وأنها "مستوفية كافة أبوابها ونوافذها، حدايدها وأقفالها وزجاجها ومواسير المياه والغاز والكهرباء والبانيو والحوض وكافة الأشياء الأخرى المكونة التركيبات" ويتعهد المستأجر بصيانتها على نفقته طوال الإجارة وإعادتها بحالة جيدة عند تركه العين مع أحقية المستأجر في أن يدخل عليها أي تعديل وإقامة ما يلزم المصنع من مبان تؤول في نهاية الإجارة للملاك دون مقابل، واستخلص الحكم من بيانات هذا العقد وباقي أوراق الدعوى أن العين المؤجرة هي مبان مما يخضع لقوانين الإيجار الاستثنائية، وكان هذا الذي انتهى إليه الحكم سائغاً ومقبولاً وله أصله الثابت بالأوراق.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول أن الحكم أقام قضاءه على أن إقامة المطعون ضده حجرة بالعين المؤجرة دون موافقة المؤجر ليست من أسباب الإخلاء الواردة على سبيل الحصر بالمادة 18 من القانون رقم 136 سنة 1981، بينما أسباب الإخلاء التي أوردتها قوانين إيجار الأماكن ليست وحدها التي تجيز طلب الإخلاء، بل تنهض به أسباب أخرى كاستعمال العين المؤجرة على نحو يرتب الضرر وفق ما قررته القواعد العامة في القانون المدني، وإذ ثبت من تقرير مكتب الخبراء المقدم لمحكمة الاستئناف أن المطعون ضده أقام بالعين المؤجرة مبان امتدت إلى المسطح المجاور لها والخاصة بمصنع المؤجر بما يضر بمصلحته فقد تحقق بذلك سبب يحمل طلب الإخلاء.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أنه لما كان المقرر في قوانين إيجار الأماكن وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة أن الأحكام الخاصة بتحديد الأجرة والامتداد القانوني وتعيين أسباب الإخلاء هي قواعد آمرة متعلقة بالنظام العام وتسري بأثر فوري على جميع المراكز والقواعد القائمة والتي لم تستقر نهائياً وقت نفاذها، ولو كانت ناشئة قبل تاريخ العمل بها، ومؤدى ذلك أنه إذا صدر قانون لاحق يتضمن تعديلاً في تشريعات إيجار الأماكن كان من شأنه استحداث حكم جديد يتعلق بذاتية تلك القواعد الآمرة، سواء بالإلغاء أو بالتغيير إضافة أو حذفاً، فإن هذا التعديل يأخذ بدوره حكم القاعدة الآمرة من حيث سريانه بأثر فوري مباشر على المراكز القائمة وقت نفاذه، لما كان ذلك، وكان المشرع قد استحدث بالتعديل الوارد بالمادة 180/ د من القانون رقم 136 سنة 1981 تغييراً لسبب الإخلاء الذي كان مقرراً بنص المادة 31/ جـ من القانون رقم 49 سنة 1977 بأن جعله قاصراً على حالة الإضرار بسلامة المبنى بعد أن كان الإضرار بالمؤجر - وهو أعم وأشمل - وكان ذلك القانون قد أدرك الدعوى قبل أن تستقر مراكز الخصوم فيها بحكم نهائي، وكان الحكم قد انتهى إلى القضاء برفض طلب الإخلاء المستند إلى قيام المطعون ضده بأعمال من شأنها الإضرار بمصلحة المؤجر وليس بالعين المؤجرة فإنه يكون قد أعمل صحيح القانون ويضحى النعي عليه بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الرابع على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، وفي بيان ذلك يقول أن محكمة الاستئناف قضت بجلسة 29/ 1/ 1979 بندب خبير في الدعوى لبيان ما إذا كان المطعون ضده قد أقام بالعين المؤجرة مبان دون إذن كتابي من المؤجر وماهية هذه المباني وما إذا كانت ترتب ضرر بالمؤجر بما مؤداه القطع بعدم أحقية المطعون ضده في إقامة هذه المباني وفي أحقية الطاعن في طلب الإخلاء إذا كانت قد أقيمت إلا أن الحكم المطعون فيه لم يلتزم حجية ذلك الحكم إذ عاد وقرر أن سبب فسخ العقد القائم على إساءة استعمال العين المؤجرة بما يرتب الضرر غير وارد بالقانون رقم 136 سنة 1981 الذي أدرك الدعوى أمام محكمة الاستئناف أو المتعلقة بالنظام العام رغم ما هو مقرر من أن حجية الأحكام تعلو على اعتبارات النظام العام.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الحكم بتحقيق الدعوى، سواء أكان بندب خبير أو بأي طريق آخر لا يحوز حجية بالنسبة لما يثيره من وجهات نظر قانونية أو افتراضات موضوعية، ما دام لم يتضمن حسماً لخلاف بين الخصوم ويجوز العدول عنه والالتفات عن ما تضمنه من آراء قانونية أو افتراضات واقعية بقصد إنارة الطريق أمام التحقيق المقضي بإجرائه حتى تتهيأ الدعوى للفصل في موضوعها، لما كان ذلك وكان البين من الحكم الصادر من محكمة الاستئناف بجلسة 29/ 1/ 1978 أنه قضى بندب خبير في الدعوى لبيان ما إذا كان المطعون ضده قد أقام مبان بالعين المؤجرة وما إذا كانت قد ألحقت ضرراً بالمؤجر، وذلك قبل أن يدرك القانون رقم 136 سنة 1981 الدعوى مستحدثاً تعديلاً بسبب الإخلاء الذي كان مقرراً بنص المادة 31/ جـ من القانون رقم 49 سنة 1977 التي كانت تجيز للمؤجر طلب إخلاء المكان المؤجر إذا استعمله المستأجر أو سمح باستعماله بطريقة تخالف شروط الإيجار المعقولة والمتعارف عليها وتضر بمصلحة المؤجر بأن جعله - على النحو المبين بالرد على السبب الثالث - قاصراً على حالة الإضرار بسلامة المبنى وليس بالمؤجر، وذلك دون أن يحسم بقضائه هذا خلفاً يحوز حجية بين الخصوم فإن النعي على الحكم بهذا السبب يكون في غير محله.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.