الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 8 فبراير 2018

الطعن 47271 لسنة 59 ق جلسة 15 / 12 / 1996 مكتب فني 47 ق 193 ص 1346

جلسة 15 من ديسمبر سنة 1996

برئاسة السيد المستشار/ طلعت الأكيابى نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ أحمد جمال الدين وبدر الدين السيد وحسن أبو المعالي أبو النصر ومحمد شعبان باشا نواب رئيس المحكمة.

----------------

(193)
الطعن رقم 47271 لسنة 59 القضائية

(1) شيك بدون رصيد. جريمة "أركانها". قصد جنائي. مسئولية جنائية.
جريمة إصدار شيك بدون رصيد. مناط تحققها؟
الأسباب التي دعت إلى إصدار شيك. دوافع لا أثر لها على المسئولية الجنائية.
(2) شيك بدون رصيد. جريمة "أركانها". أسباب الإباحة وموانع العقاب "موانع العقاب". حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". نقض "أسباب الطعن. ما يقبل منها".
احتفاظ المستفيد بالشيك بعد تخالصه مع الساحب واستبداله بشيكات أخرى. لا يصلح مجرداً سبباً من أسباب الإباحة. علة ذلك: عدم اندراجه تحت مفهوم حالة الضياع وما في حكمها والتي تبيح للساحب اتخاذ ما يصون به ماله دون توقف على حكم من القضاء. مخالفة ذلك: خطأ في القانون.
(3) عقوبة "تطبيقها". نقض "نظره والحكم فيه".
تطبيق العقوبة في حدود نص القانون المنطبق من اختصاص محكمة الموضوع. نقض الحكم يوجب أن يكون مقروناً بالإعادة.

-------------------
1 - لما كان من المقرر أن جريمة إعطاء شيك بدون رصيد تتم بمجرد إعطاء الساحب الشيك إلى المستفيد مع علمه بعدم وجود مقابل وفاء له قابل للسحب في تاريخ الاستحقاق، إذ يتم بذلك طرح الشيك في التداول فتنعطف عليه الحماية القانونية التي أسبغها الشارع على الشيك في التداول باعتباره أداة وفاء تجرى مجرى النقود في المعاملات ولا عبرة بعد ذلك بالأسباب التي دعت صاحب الشيك إلى إصداره لأنها دوافع لا أثر لها على مسئوليته الجنائية.
2 - لما كان ما ذهب إليه الحكم باستبدال أربعة شيكات بالشيك موضوع الدعوى لا ينفي توافر أركان جريمة إعطاء شيك بسوء نية لا يقابله رصيد قائم وقابل للسحب ما دام أن صاحب الشيك لم يسترده من المجني عليه، كما أن احتفاظ المستفيد بالشيك بعد تخالصه مع الساحب، أو استبدال شيكات أخرى به - كالحال في الدعوى - لا يندرج تحت مفهوم حالة ضياع الشيك وهي الحالات التي يتحصل فيها على الشيك عن طريق إحدى جرائم سلب المال كالسرقة البسيطة والسرقة بظروف والنصب والتبديد وأيضاً الحصول عليه بطريق التهديد، فحالة الضياع وما يدخل في حكمها هي التي أبيح فيها للساحب أن يتخذ من جانبه ما يصون به ماله بغير توقف على حكم القضاء تقديراً من الشارع بعلو حق الساحب في تلك الحال على حق المستفيد وهو ما لا يصدق على الحقوق الأخرى التي لا بد لحمايتها من دعوى ولا تصلح مجردة سبباً للإباحة. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يوجب نقضه.
3 - لما كان تطبيق العقوبة في حدود النص المنطبق من اختصاص محكمة الموضوع تعين أن يكون مع النقض الإعادة بالنسبة للدعويين الجنائية والمدنية.


الوقائع

أقامت المدعية بالحقوق المدنية دعواها بطريق الادعاء المباشر أمام محكمة جنح النزهة ضد المطعون ضده بوصف أنه أصدر لها شكياً لا يقابله رصيد قائم وقابل للسحب مع علمه بذلك، وطلبت عقابه بالمادتين 336، 337 من قانون العقوبات. وإلزامه بأن يدفع لها مبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. والمحكمة المذكورة قضت غيابياً عملاً بمادتي الاتهام بحبس المتهم شهرين مع الشغل وكفالة مائة جنيه لوقف التنفيذ وإلزامه بأن يدفع للمدعية بالحق المدني مبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. عارض وقضي في معارضته بعدم قبولها. استأنف ومحكمة شمال القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهم ورفض الدعوى المدنية.
فطعن كل من الأستاذ/...... المحامي عن الأستاذ/...... المحامي نيابة عن المدعية بالحقوق المدنية والنيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض..... إلخ.


المحكمة

حيث إن مما تنعاه الطاعنتان "النيابة العامة والمدعية بالحقوق المدنية" على الحكم المطعون فيه أنه قضى ببراءة المطعون ضده من تهمة إعطاء شيك بدون رصيد ورفض الدعوى المدنية. قد شابه فساد في الاستدلال وخطأ في تطبيق القانون. ذلك بأنه أسس قضاءه على المخالصة المنسوبة إلى وكيل المدعية بالحقوق المدنية - التي جحدها فيما بعد - متضمنة إلغاء الشيك موضوع هذه الدعوى واستبداله بأربعة شيكات، وتعهده برده إلى المطعون ضده في حينه ويضحى بذلك أمانة طرف المدعية بالحقوق المدنية يتعين عليها ألا تقدمه للبنك لصرف قيمته وأن ترده إلى المطعون ضده. على حين أن ذلك الذي انتهى إليه الحكم لا يدخل ضمن حالات الاستثناء التي يتحصل فيها على الشيك عن طريق إحدى جرائم سلب المال وبالتالي لا ينال من مسئولية المطعون ضده عن جريمة إعطاء شيك بدون رصيد. وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه بعد أن حصل واقعة الدعوى ودفاع الطرفين فيها خلص إلى براءة المطعون ضده ورفض الدعوى المدنية تأسيساً على ما نصه "...... وقد جاء بأقوال وكيل المدعية بالحق المدني بتحقيقات النيابة ما يفيد أنه سوف يطعن بالتزوير على هذين الإقرارين أثناء نظر هذه الدعوى إلا أنه لم يطعن بثمة طعن الأمر الذي تكون معه هذه المخالصة والمقدمة من وكيل المدعية بالحق المدني والمؤرخة.... والتي جاء بها أن قيمة الشيك محل هذه الدعوى وآخر قد حرر بهما أربعة شيكات وأن ميعاد استحقاق هذا الشيك محل هذه الدعوى هو في........ وأن الوكيل قد تعهد برد هذا الشيك وآخر إلى المتهم فور العثور عليهما وعدم تقديمهما للبنك وبذلك تغيرت صفة المدعية بالحق المدني من مستفيدة من هذا الشيك إلى صفة أمينة وذلك بعد حصولها على أربع شيكات أخرى وبذلك تنعدم أركان جريمة الشيك بدون رصيد في الأوراق مما يتعين معه إلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهم مما هو منسوب إليه إعمالاً لنص المادة 304/ 1 إجراءات جنائية..". لما كان ذلك، وكان من المقرر أن جريمة إعطاء شيك بدون رصيد تتم بمجرد إعطاء الساحب الشيك إلى المستفيد مع علمه بعدم وجود مقابل وفاء له قابل للسحب في تاريخ الاستحقاق. إذ يتم بذلك طرح الشيك في التداول فتنعطف عليه الحماية القانونية التي أسبغها الشارع على الشيك في التداول باعتباره أداة وفاء تجرى مجرى النقود في المعاملات، ولا عبرة بعد ذلك بالأسباب التي دعت صاحب الشيك إلى إصداره لأنها دوافع لا أثر لها على مسئوليته الجنائية. وكان ما ذهب إليه الحكم باستبدال أربعة شيكات بالشيك موضوع الدعوى لا ينفي توافر أركان جريمة إعطاء شيك بسوء نية لا يقابله رصيد قائم وقابل للسحب ما دام أن صاحب الشيك لم يسترده من المجني عليه، كما أن احتفاظ المستفيد بالشيك بعد تخالصه من الساحب. أو استبدال شيكات أخرى به - كالحال في الدعوى - لا يندرج تحت مفهوم حال ضياع الشيك وهي الحالات التي يتحصل فيها على الشيك عن طريق إحدى جرائم سلب المال كالسرقة البسيطة والسرقة بظروف والنصب والتبديد وأيضاً الحصول عليه بطريق التهديد. فحالة الضياع وما يدخل في حكمها هي التي أبيح فيها للساحب أن يتخذ من جانبه ما يصون به ماله بغير توقف على حكم القضاء تقديراً من الشارع بعلو حق الساحب في تلك الحال على حق المستفيد وهو ما لا يصدق على الحقوق الأخرى التي لا بد لحمايتها من دعوى ولا تصلح مجردة سبباً للإباحة. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يوجب نقضه. ولما كان تطبيق العقوبة في حدود النص المنطبق من اختصاص محكمة الموضوع تعين أن يكون مع النقض الإعادة بالنسبة للدعويين الجنائية والمدنية. وذلك بغير حاجة لبحث باقي أوجه الطعن.

الطعن 25447 لسنة 64 ق جلسة 12 / 12 / 1996 مكتب فني 47 ق 192 ص 1340

جلسة 12 من ديسمبر سنة 1996

برئاسة السيد المستشار/ د. عادل قوره نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ الصاوي يوسف وأحمد عبد الرحمن وعاطف عبد السميع نواب رئيس المحكمة ومحمد عيد محجوب.

-----------------

(192)
الطعن رقم 25447 لسنة 64 القضائية

(1) ضرب "أحدث عاهة". جريمة "أركانها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
العاهة المستديمة. مناط تحققها؟
ثبوت إصابة العين بضعف يستحيل برؤه. أو فقد منفعتها كلية. كفاية أيهما لتحقق جناية العاهة المستديمة.
عدم وقوف الحكم على قوة إبصار العين قبل الإصابة. غير مؤثر في قيام الجريمة. ما دام أن الطاعن لا ينازع في أن العين كانت مبصرة قبل الحادث.
(2) إثبات "شهود" "خبرة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تطابق أقوال الشهود ومضمون الدليل الفني. غير لازم. كفاية أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصي على الملاءمة والتوفيق.
مثال لتسبيب سائغ تنتفي به قالة التناقض بين الدليلين القولي والفني.
(3) إثبات "خبرة". ضرب "أحدث عاهة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم قبول نعي الطاعن بوجود إصابة أخرى خلاف تلك التي رفعت بها الدعوى.
ما دامت المحكمة اطمأنت إلى أنه هو محدث الإصابة التي تخلفت عنها العاهة المستديمة.
(4) إجراءات "إجراءات المحاكمة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
سكوت الدفاع عن التمسك باستخراج شهادة من وحدة الطاعن العسكرية وترافعه في موضوع الدعوى والانتهاء إلى طلب البراءة. يفيد تنازله الضمني عن طلبه.

-----------------
1 - من المقرر أن العاهة المستديمة بحسب المستفاد من الأمثلة التي ضربتها المادة 240/ 1 من قانون العقوبات هي فقد أحد أعضاء الجسم أو أحد أجزائه أو وظيفته كلها أو بعضها بصفة مستديمة، وكان يكفي لتوافر العاهة المستديمة - كما هي معرفة به في القانون - أن تكون العين سليمة قبل الإصابة أو أن تكون قد أصيبت بضعف يستحيل برؤه أو أن تكون منفعتها قد فقدت فقداً كلياً حتى ولو لم يتيسر تحديد قوة الإبصار قبل الإصابة وكانت المحكمة قد اطمأنت من واقع التقرير الطبي الشرعي وعناصر الإثبات الأخرى التي أوردتها أن الإصابة التي أحدثها الطاعن بالمجني عليه في عينه اليمنى قد خلفت له عاهة مستديمة هي فقد ما كانت تتمتع به العين اليمنى من قوة إبصار قبل الإصابة فقداً تاماً ومن ثم فإن النعي على الحكم لعدم وقوفه على قوة إبصار العين اليمني قبل الإصابة لا يؤثر في قيام الجريمة خصوصاً وأن الطاعن لا ينازع في أن العين اليمنى كانت قبل الحادث مبصرة.
2 - لما كان الأصل أنه ليس بلازم تطابق أقوال الشاهد ومضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي كما أخذت به المحكمة غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق، وكان مؤدى ما حصله الحكم عن المجني عليه من أن الطاعن ضربه بقطعة من الخشب فأحدث إصابته بالعين اليمنى لا يتعارض بل يتطابق مع ما نقله عن التقرير الطبي الشرعي من أن إصابة المجني عليه بالعين اليمنى كانت أصلاً رضية من جسم صلب راض أياً كان نوعه..... وتخلف لديه من جرائها عاهة مستديمة هي فقد كل ما كانت تتمتع به العين اليمنى من الإبصار النافع قبل الإصابة، فإن دعوى التعارض بين الدليلين القولي والفني تكون على غير أساس.
3 - لما كانت التهمة التي وجهت إلى الطاعن هي إحداث إصابة بعينها هي التي تخلفت عنها العاهة المستديمة وكان التقرير الطبي الشرعي قد أثبت وجود هذه الإصابة وتخلف العاهة عنها واطمأنت المحكمة إلى أن الطاعن هو محدثها، فإن ما يثيره من وجود إصابة أخرى خلاف تلك التي رفعت بشأنها الدعوى لا يكون له محل.
4 - لما كان الثابت بمحضر جلسة..... أن المدافع عن الطاعن طلب استخراج شهادة من وحدته العسكرية عن الفترة من 13/ 10/ 1992 حتى 30/ 10/ 1992 فقررت المحكمة تأجيل الدعوى لجلسة.... وأجابت طلب التصريح باستخراج هذه الشهادة وبالجلسة الأخيرة حضر الطاعن ومحاميه وترافع في موضوع الدعوى وانتهى إلى طلب البراءة ولم يتمسك بطلب استخراج تلك الشهادة بما يفيد أنه تنازل عنه ضمناً، فإن ما يثيره من تعييب إجراءات المحاكمة لا يكون سديداً.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه ضرب..... عمداً بآلة راضة "شومة" فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الطب الشرعي المرفق والتي نشأ من جرائها عاهة مستديمة يستحيل برؤها هي فقد الإبصار بالعين اليمنى والتي تقدر بنسبة 35%. وأحالته إلى محكمة جنايات الجيزة لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. وادعى المجني عليه مدنياً قبل المتهم بمبلغ خمسمائة وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادة 240/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة ثلاث سنوات وبإلزامه بأن يؤدى للمدعي بالحقوق المدنية مبلغ خمسمائة وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض...... إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة إحداث عاهة مستديمة قد شابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وانطوى على إخلال بحق الدفاع ذلك أنه أستند إلى التقرير الطبي الشرعي في إدانة الطاعن عن فقد المجني عليه إبصار العين اليمنى بالرغم مما ورد به من أنه تعذر تحديد قوة إبصار هذه العين قبل الإصابة، كما لم يفطن إلى التناقض بين رواية المجني عليه والتقرير الطبي الشرعي بشأن عدد إصاباته، هذا فضلاً عن أنه طلب في سبيل تحقيق دفاعه ونفى الاتهام الموجه إليه استخراج شهادة من وحدته العسكرية تفيد وجوده بالوحدة العسكرية خلال الفترة من 13 أكتوبر سنة 1992 حتى 30 أكتوبر سنة 1992 فقدرت المحكمة جدوى هذا الطلب وأجلت الدعوى وصرحت باستخراجها بيد أنها ما لبثت أن فصلت في الدعوى وأعرضت عن تنفيذ هذا القرار دون أسباب، مما يعيبه بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله إنها "تتحصل في أنه بتاريخ...... وحال خروج المجني عليه من المخبز الذي يعمل به لاستطلاع أمر مشاجرة خارج هذا المخبز ضربه الطاعن بقطعة من الخشب أصابت عينه اليمنى فأحدثت به الإصابة الموصوفة بتقرير الطب الشرعي وهي فقد إبصار العين اليمنى وتقدر بنحو 35%"، وساق الحكم على ثبوت الواقعة لديه بالصورة المتقدمة في حق الطاعن أدلة استقاها من أقوال المجني عليه - وما شهد به...... و...... والدا المجني عليه وما ورد بالتقرير الطبي الشرعي وهي أدلة سائغة وكافية في حمل قضائه ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن العاهة المستديمة بحسب المستفاد من الأمثلة التي ضربتها المادة 240/ 1 من قانون العقوبات هي فقد أحد أعضاء الجسم أو أحد أجزائه أو وظيفته كلها أو بعضها بصفة مستديمة وكان يكفي لتوافر العاهة المستديمة - كما هي معرفة به في القانون - أن تكون العين سليمة قبل الإصابة أو أن تكون قد أصيبت بضعف يستحيل برؤه أو أن تكون منفعتها قد فقدت فقداً كلياً حتى ولو لم يتيسر تحديد قوة الإبصار قبل الإصابة وكانت المحكمة قد اطمأنت من واقع التقرير الطبي الشرعي وعناصر الإثبات الأخرى التي أوردتها أن الإصابة التي أحدثها الطاعن بالمجني عليه في عينه اليمنى قد خلفت له عاهة مستديمة هي فقد ما كانت تتمتع به العين اليمنى من قوة إبصار قبل الإصابة فقداً تاماً ومن ثم فإن النعي على الحكم لعدم وقوفه على قوة إبصار العين اليمني قبل الإصابة لا يؤثر في قيام الجريمة خصوصاً وأن الطاعن لا ينازع في أن العين اليمنى كانت قبل الحادث مبصرة. لما كان ذلك، وكان الأصل أنه ليس بلازم تطابق أقوال الشاهد ومضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي كما أخذت به المحكمة غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق، وكان مؤدى ما حصله الحكم عن المجني عليه من أن الطاعن ضربه بقطعة من الخشب فأحدث إصابته بالعين اليمنى لا يتعارض بل يتطابق مع ما نقله عن التقرير الطبي الشرعي من أن إصابة المجني عليه بالعين اليمنى كانت أصلاً رضية من جسم صلب راض أياً كان نوعه.... وتخلف لديه من جرائها عاهة مستديمة هي فقد كل ما كانت تتمتع به العين اليمنى من الإبصار النافع قبل الإصابة، فإن دعوى التعارض بين الدليلين القولي والفني تكون على غير أساس. لما كان ذلك، وكانت التهمة التي وجهت إلى الطاعن هي إحداث إصابة بعينها هي التي تخلفت عنها العاهة المستديمة وكان التقرير الطبي الشرعي قد أثبت وجود هذه الإصابة وتخلف العاهة عنها واطمأنت المحكمة إلى أن الطاعن هو محدثها، فإن ما يثيره من وجود إصابة أخرى خلاف تلك التي رفعت بشأنها الدعوى لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان الثابت بمحضر جلسة ...... أن المدافع عن الطاعن طلب استخراج شهادة من وحدته العسكرية عن الفترة من 13/ 10/ 1992 حتى 30/ 10/ 1992 فقررت المحكمة تأجيل الدعوى لجلسة....... وأجابت طلب التصريح باستخراج هذه الشهادة وبالجلسة الأخيرة حضر الطاعن ومحاميه وترافع في موضوع الدعوى وانتهى إلى طلب البراءة ولم يتمسك بطلب استخراج تلك الشهادة بما يفيد أنه تنازل عنه ضمناً، فإن ما يثيره من تعييب إجراءات المحاكمة لا يكون سديداً. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً وإلزام الطاعن المصاريف المدنية.

الطعن 25090 لسنة 64 ق جلسة 11 / 12 / 1996 مكتب فني 47 ق 191 ص 1335

جلسة 11 من ديسمبر سنة 1996

برئاسة السيد المستشار/ إبراهيم عبد المطلب نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ أحمد عبد الباري سليمان ومحمود دياب وحسين الجيزاوي نواب رئيس المحكمة وعبد الرؤوف عبد الظاهر.

----------------

(191)
الطعن رقم 25090 لسنة 64 القضائية

تعدي على موظف عام. جريمة "أركانها". قصد جنائي. قانون "تفسيره". حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". نقض "أسباب الطعن. ما يقبل منهاَ".
جريمة التعدي على الموظفين المنصوص عليها في المادة 137/ 2.1 مكرراً ( أ ) من قانون العقوبات. مناط تحققها؟
حكم الإدانة في تلك الجريمة وجوب إيراده وقائع القوة والعنف أو التهديد بما يكفي لقيام الركن المادي واستظهار أن غرض الجاني مما وقع منه من أفعال مادية قد انصرف إلى حمل الموظف المتعدى عليه على أداء عمل من أعمال وظيفته لا يحل له أن يؤديه أو الامتناع عن أدائه وأن يتمكن الجاني بما استعمله من وسائل من بلوغ مقصده. إغفال ذلك: قصور.

-------------------
من المقرر أن الجريمة المنصوص عليها في المادة 137/ 2.1 مكرراً ( أ ) من قانون العقوبات لا تتحقق إلا إذا توافرت لدى الجاني نية خاصة بالإضافة إلى القصد الجنائي العام تتمثل في انتوائه الحصول من الموظف المعتدى عليه على نتيجة معينة هي أن يؤدي عملاً من أعمال وظيفته لا يحل له أن يؤديه أو أن يستجيب لرغبة المعتدي فيمتنع عن أداء عمل كلف بأدائه، مما يتعين معه على الحكم الصادر بالإدانة في هذه الجريمة بعد أن يورد وقائع القوة أو العنف أو التهديد الحاصلة من الجاني بما يكفي لتوافر العنصر المادي لها أن يستظهر من ظروف الواقعة أن غرض الجاني مما وقع منه من أفعال مادية قد انصرف إلى حمل الموظف المعتدى عليه على أداء عمل من أعمال وظيفته لا يحل له أن يؤديه أو أن يمتنع عن أداء أعمال وظيفته وأنه قد تمكن بما استعمله في حقه من وسائل القوة أو العنف أو التهديد من بلوغ مقصده. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه فيما أورده من وقائع الدعوى أو أقوال الشهود فيها وإن بين وقائع القوة والعنف الحاصلة من الطاعنين في حق الضابط المعتدى عليه إلا أنه لم يستظهر أن غرض الطاعنين مما وقع منهما من أفعال مادية قد انصرف إلى منعه من أداء أعمال وظيفته من القبض على شقيقي الطاعن الأول وأنهما تمكنا بما استعملاه في حقه من وسائل العنف من بلوغ مقصدهما، بالرغم من إثارة المدافع عن الطاعنين هذا الدفاع بالجلسة، فإن الحكم المطعون فيه يكون قاصراً في بيان هذا الركن من أركان الجريمة التي أدانهما بها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما استعملا القوة والعنف مع موظف عام هو الملازم أول ..... رئيس نقطة شرطة..... لحمله بغير حق على الامتناع عن أداء عمل من أعمال وظيفته هو ضبط المتهمين.... و..... بأن هدداه وتعديا عليه بالضرب فأحدثا به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي المرفق بالأوراق، وقد بلغا بذلك مقصدهما بأن تمكن المتهمان المطلوب ضبطهما سالفي الذكر من الهرب. أحالتهما إلى محكمة جنايات شبين الكوم لمعاقبتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادة 137/ 2.1 مكرراً ( أ ) من قانون العقوبات بمعاقبة المتهمين بالسجن لمدة خمس سنوات.
فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما بجريمة استعمال القوة والعنف مع موظف عام لحمله بغير حق على الامتناع عن عمل من أعمال وظيفته وبلوغهما بذلك مقصدهما قد شابه قصور في التسبيب، ذلك بأنه لم يعرض لدفاعهما القائم على انتفاء القصد الخاص اللازم لتوافر تلك الجريمة لديهما إذ أن ما بدر منهما تجاه الضابط المعتدى عليه لم يكن بقصد منعه من القبض على شقيقي الطاعن الأول وتمكينهما من الهرب، وإنما كان دفاعاً عن نفس الأخير الذي صمم الضابط أن يقبض عليه بدلاً من شقيقه الذي لم يكن موجوداً بالمسكن وقت الضبط مما يعيبه ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى عند إيراده مؤدى أقوال المجني عليه الملازم أول..... رئيس نقطة شرطة....... التابعة لمركز أشمون بقوله: "إنه في يوم.... وحال توجهه وبرفقته شاهدي الإثبات الثاني والثالث...... و..... الخفيرين النظاميين والشاهد الثالث..... شيخ البلدة لتنفيذ أمر بالقبض على شقيقي المتهم الأول..... و..... صادر من النيابة العامة بمناسبة اتهامهما في القضية...... لسنة.... جنح أشمون وحال وصوله لمسكن والدهما محل إقامتهما والذي يقطن به المتهمان فوجئ بالمتهم الأول يعترضه بعنف ويوجه إليه وللقوة المرافقة عبارات السباب والإهانة وقام ومعه والدته المتهمة الثانية بالإمساك به وقام بضربه بيده بوجهه وأحدث إصابته وتمزيق ملابسه بينما قامت والدته المذكورة بمحاولة الاستيلاء على سلاح المجني عليه وإدخاله المسكن بالقوة الأمر الذي ترتب عليه هروب المطلوب القبض عليهما من المكان"، وساق الحكم على ثبوت الواقعة لديه على الصورة المتقدمة أدلة مستمدة من أقوال الضابط المجني عليه - المار بيانها - والتقرير الطبي الخاص به والخفيرين النظاميين..... و..... وشيخ البلدة...... - الذين أحال الحكم في بيان أقوالهم إلى ما أورده من أقوال الضابط سالف الذكر - وتحريات الشرطة، وبعد أن حصل الحكم مؤدى تلك الأدلة التفت عن إنكار الطاعنين وخلص إلى ثبوت الاتهام في حقهما وأدانهما طبقاً للمادة 137/ 2.1 مكرراً ( أ ) من قانون العقوبات. لما كان ذلك، وكان يبين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن الدفاع عن الطاعنين دفع بأن القصد الخاص اللازم لقيام تلك الجريمة لم يتحقق في الواقعة. وكان من المقرر أن الجريمة المنصوص عليها في المادة 137/ 2.1 مكرراً ( أ ) من قانون العقوبات لا تتحقق إلا إذا توافرت لدى الجاني نية خاصة بالإضافة إلى القصد الجنائي العام تتمثل في انتوائه الحصول من الموظف المعتدى عليه على نتيجة معينة هي أن يؤدي عملاً من أعمال وظيفته لا يحل له أن يؤديه أو أن يستجيب لرغبة المعتدي فيمتنع عن أداء عمل كلف بأدائه، مما يتعين معه على الحكم الصادر بالإدانة في هذه الجريمة بعد أن يورد وقائع القوة أو العنف أو التهديد الحاصلة من الجاني بما يكفي لتوافر العنصر المادي لها أن يستظهر من ظروف الواقعة أن غرض الجاني مما وقع منه من أفعال مادية قد انصرف إلى حمل الموظف المعتدى عليه على أداء عمل من أعمال وظيفته لا يحل له أن يؤديه أو أن يمتنع عن أداء أعمال وظيفته وأنه قد تمكن بما استعمله في حقه من وسائل القوة أو العنف أو التهديد من بلوغ مقصده. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه فيما أورده من وقائع الدعوى أو أقوال الشهود فيها وإن بين وقائع القوة والعنف الحاصلة من الطاعنين في حق الضابط المعتدى عليه إلا أنه لم يستظهر أن غرض الطاعنين مما وقع منهما من أفعال مادية قد انصرف إلى منعه من أداء أعمال وظيفته من القبض على شقيقي الطاعن الأول وأنهما تمكنا بما استعملاه في حقه من وسائل العنف من بلوغ مقصدهما، بالرغم من إثارة المدافع عن الطاعنين هذا الدفاع بالجلسة، فإن الحكم المطعون فيه يكون قاصراً في بيان هذا الركن من أركان الجريمة التي أدانهما بها، مما يعيبه ويوجب نقضه والإعادة بغير حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن.

دستورية الحماية الجنائية للشيك البريدي ولو لم يحرر على نموذج بنك او تتوافر فيه بياناته

القضية رقم 88 لسنة 32 ق " دستورية "
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث عشر من يناير سنة 2018م، الموافق السادس والعشرين من ربيع الآخر سنة 1439 هـ.
برئاسة السيد المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق   رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: السيد عبدالمنعـم حشيش وسعيد مرعى عمرو وبولس فهمي إسكنـدر ومحمود محمد غنيم وحاتم حمد بجاتو والدكتور محمد عماد النجار   نواب رئيس المحكمة
وحضور  السيد المستشار / طارق عبدالعليم أبوالعطا  رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع    أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 88 لسنة 32 قضائية " دستورية ".
المقامة من
..........
ضــد
1- رئيس مجلس الوزراء
2- ..........
الإجـراءات
بتاريخ الثاني والعشرين من أبريل سنة 2010، أقام المدعى هذه الدعوى، بإيداع صحيفتها قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طلبًا للحكم بعدم دستورية المادة الأولى من القانون رقم179 لسنة 2008 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 16 لسنة 1970 بنظام البريد.
      وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
  وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - فى أن النيابة العامة كانت قد أسندت للمدعى، في الجنحة رقم 2492 لسنة 2009 جنح مركز نقادة، أنه فى يوم 29/7/2009، "أعطى بسوء نية للمدعى عليه الثاني، شيكًا بمبلغ 263500 جنيه، مسحوبًا على البريد المصري فرع نقادة، لا يقابله رصيد قائم وقابل للسحب مع علمه بذلك". وقدمته للمحاكمة الجنائية، أمام محكمة جنح نقادة، بطلب عقابه بالمادة (337) من قانون العقوبات، والبند (أ) من المادة (534/1) من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999. وحال نظر الدعوى، طلب المدعى عليه الثاني الحكم بإلزام المدعى بأن يؤدى له مبلغ 5001 جنيه، على سبيل التعويض المدني المؤقت. وبجلسة 21/11/2009، قضت المحكمة حضوريًّا بحبس المدعى ثلاث سنوات مع الشغل، وكفالة 500 جنيه لإيقاف التنفيذ، وإلزامه بأن يؤدى للمدعى بالحق المدني التعويض المدني المؤقت المطالب به. فطعن المدعى على ذلك الحكم، بالاستئناف رقم 10301 لسنة 2009 جنح مستأنف قنا، وبجلسة 11/1/2010، قضت المحكمة غيابيًّا بعدم قبول الاستئناف، للتقرير به بعد الميعاد. عارض المدعى في ذلك الحكم، وبجلسة 29/3/2010، حال نظر المعارضة، دفع بعدم دستورية المادة الأولى من القانون رقم 179 لسنة 2008 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 16 لسنة 1970 بنظام البريد. وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية، أقام الدعوى المعروضة.
      وحيث إن ما أثاره المدعى من مناعٍ على قرار النيابة العامة بتقديمه للمحاكمة الجنائية لمعاقبته بنص المادة (337) من قانون العقوبات، والمادة (534/1) من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999، لإعطائه للمدعى عليه الثاني شيكًا بريديًّا لا يقابله رصيد قائم وقابل للسحب، رغم خلو الأوراق مما يفيد رفض صرف الشيك قبل تحريك الدعوى الجنائية، فضلاً عن إلغاء نص المادة (337) من قانون العقوبات بموجب مواد إصدار قانون التجارة المشار إليه، مما كان يوجب على النيابة العامة حفظ الأوراق. فتلك المناعي جميعها - إن صحت - تتصل بكيفية تطبيق النصين المشار إليهما، وهو ما تختص ببحثه والفصل فيه محكمة الموضوع وحدها، ولا تزاحمها فيه المحكمة الدستورية العليا، التي تنحصر ولايتها، فيما يعرض عليها من المسائل الدستورية، لتقرير صحة النصوص التشريعية المطعون عليها، أو بطلانها.
      وحيث إن ما ارتآه المدعى من مخالفة النص المطعون عليه لأحكام قانون البنوك الصادر بالقانون رقم 88 لسنة 2003، فذلك النعي ينحسر عنه اختصاص المحكمة الدستورية العليا في مجال رقابتها على دستورية القوانين واللوائح، ومحلها قيام تعارض بين نص تشريعي وحكم في الدستور، ولا شأن لها بالتعارض بين النصوص القانونية، سواء جمعها قانون واحد، أم تفرقت بين عدة قوانين. ومن جانب آخر، فإن الهيئة القومية للبريد، باعتبارها هيئة عامة، وتتمتع بالشخصية الاعتبارية المستقلة، وتزاول بعض أعمال البنوك، يتوافر فيها ما ورد فى البند (ب) من المادة (32) من قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد، الصادر بالقانون رقم 88 لسنة 2003. ومن ثم، وإعمالاً للمادة (30) من ذلك القانون، تخضع فى مجال ما تقوم به من أعمال البنوك، لأحكامه، مع مراعاة أحكام القانون الخاص بإنشائها.
وحيث إن المادة (33) من القانون رقم 16 لسنة 1970 بنظام البريد، قبل استبدالها بالقانون رقم 179 لسنة 2008، كانت تنص على أن "تسرى على الشيكات البريدية أحكام المادة (337) من قانون العقوبات". وإزاء إلغاء نص المادة (337) من قانون العقوبات، اعتبارًا من 1/10/2005، بموجب نص الفقرة الثانية من المادة الأولى من مواد إصدار قانون التجارة الصادر بالقانون رقــم 17 لسنة 1999، المعدل بالقانون رقم 158 لسنة 2003، فقد صدر القانون رقم 179 لسنة 2008 بتعديل بعض أحكام قانون نظام البريد المشار إليه، ونصت المادة الأولى منه على أن "يستبدل بنص المادة (33) من القانون رقم 16 لسنة 1970 بنظام البريد، النص الآتي:
مادة (33): استثناء من حكم المادة (475) من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999، تسرى فى شأن الشيكات البريدية أحكام الفقرات 1، 3، 4 من المادة (534) من القانون المشار إليه".
ونصت المادة الثانية من ذلك القانون على أن " ينشر هذا القانون فى الجريدة الرسمية، ويعمل به اعتبارًا من اليوم التالي لتاريخ نشره". وقد نشر ذلك القانون فى العدد 25 (مكررًا) من الجريدة الرسمية بتاريخ 22/6/2008.
وتنص المادة (475) من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999 على أن "الشيك الصادر فى مصر، والمستحق الوفاء فيها، لا يجوز سحبه إلا على بنك، والصك المسحوب فى صورة شيك على غير بنك، أو المحرر على غير نماذج البنك المسحوب عليه لا يعتبر شيكًا".
وتنص المادة (534) من قانون التجارة المشار إليه على أن:
"1- يعاقب بالحبس وبغرامة لا تجاوز خمسين ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من ارتكب عمدًا أحد الأفعال الآتية: (أ) إصدار شيك ليس له مقابل وفاء قابل للصرف. (ب) استرداد كل الرصيد أو بعضه أو التصرف فيه بعد إصدار الشيك بحيث يصبح الباقي لا يفي بقيمة الشيك. (ج) إصدار أمر للمسحوب عليه بعدم صرف الشيك فى غير الحالات المقررة قانونًا. (د) تحرير شيك أو التوقيع عليه بسوء نية على نحو يحول دون صرفه.
2- يعاقب بالعقوبة المنصوص عليها في الفقرة السابقة كل من ظهر لغيره شيكًا تظهيرًا ناقلاً للملكية، أو سلمه شيكًا مستحق الدفع لحامله مع علمه بأنه ليس له مقابل وفاء يفى بكامل قيمته أو أنه غير قابل للصرف.
3- وإذا عاد الجاني إلى ارتكاب إحدى هذه الجرائم خلال خمس سنوات من تاريخ الحكم عليه نهائيًّا في أي منها، تكون العقوبة الحبس والغرامة التي لا تجاوز مائة ألف جنيه.
4- وللمجنى عليه ولوكيله الخاص فى الجرائم المنصوص عليها في هذه المادة أن يطلب من النيابة العامة أو المحكمة بحسب الأحوال، وفى أية حالة كانت عليها الدعوى إثبات صلحه مع المتهم.
   ويترتب على الصلح انقضاء الدعوى الجنائية ولو كانت مرفوعة بطريق الادعاء المباشر.
   وتأمر النيابة العامة بوقف تنفيذ العقوبة إذا تم الصلح أثناء تنفيذها ولو بعد صيرورة الحكم باتًّا".
      وحيث إن المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن مناط المصلحة الشخصية المباشرة فى الدعوى الدستورية - وهى شرط لقبولها - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية مؤثرًا فى الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكانت رحى النزاع فى الدعوى الموضوعية تدور حول ما أسندته النيابة العامة للمدعى من أنه بتاريخ 29/7/2009 أعطى المدعى عليه الثاني - في الدعوى المعروضة - شيكًا بمبلغ 263500 جنيه، مسحوبًا على البريد المصري فرع نقادة، لا يقابله رصيد قائم وقابل للسحب مع علمه بذلك، وطلبت عقابه بالمادة (337) من قانون العقوبات، والبند (أ) من المادة (534/1) من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999. وكان تضمين قرار الاتهام للنص الثاني، لمعاقبة المدعى بمقتضاه، هو إعمال صريح لأحكام المادة (33) من القانون رقم 16 لسنة 1970 بنظام البريد، بعد استبدالها بالمادة الأولى من القانون رقم 179 لسنة 2008، ليصير نص المادة (33) بعد الاستبدال "استثناء من حكم المادة (475) من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999، تسرى فى شأن الشيكات البريدية أحكام الفقرات (1، 3، 4) من المادة (534) من القانون المشار إليه"، وهو النص الحاكم للفعل المؤثم المنسوب للمدعى ارتكابه، فإن الفصل فى دستورية ذلك النص بعد استبداله، يؤثر تأثيرًا مباشرًا على قضاء محكمة الموضوع فى الاتهام المسند للمدعى. ومن ثم، تتوافر للمدعى مصلحة شخصية ومباشرة فى الطعن على ذلك النص. ويتحدد نطاق الدعوى المعروضة فى كامل أحكام المادة (33) من قانون نظام البريد المشار إليه، بعد استبدالها بموجب المادة الأولى من القانون رقم 179 لسنة 2008.
      وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون عليه - فى النطاق السالف تحديده - أنه أفرد بالتجريم فعل إصدار شيك بريدي ليس له مقابل وفاء قابل للصرف، ورصد له العقوبة المنصوص عليها فى المادة (534) من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999، حال أن الشيك البريدي غير مسحوب على بنك، وغير محرر على نماذج البنك المسحوب عليه، على نحو ما تشترطه المادة (475) من قانون التجارة لاعتبار الصك شيكًا يخضع للحماية الجنائية الواردة في ذلك القانون، الأمر الذى يوجد تمييزًا غير مبرر بينه وبين من يرتكب الفعل ذاته بموجب صك كتابي أو مكتبي في صورة شيك، لا تتوافر فيه ضوابط المادة (475) من قانون التجارة، بتجريم فعل الأول، دون الثانى، واستحقاق فاعله للعقوبة المنصوص عليها فى المادة (534) من ذلك القانون. فضلاً عن أن القانون رقم 179 لسنة 2008 المشار إليه، تضمن أثرًا رجعيًّا للتجريم، بالمخالفة لنص المادتين (66) و(187) من دستور سنة 1971 الذى أقيمت الدعوى الدستورية المعروضة فى ظل العمل بأحكامه.
      وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، بحسبانه مستودع القيم التي يجب أن تقوم عليها الجماعة، وتعبيرًا عن إرادة الشعب منذ صدوره، ذلك أن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها النظام العام فى المجتمع، وتشكل أسمى القواعد الآمرة التي تعلو على ما دونها من تشريعات، ومن ثم يتعين التزامها، ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من تشريعات - أيًّا كان تاريخ العمل بها - لضمان اتساقها والمفاهيم التي أتى بهــا، فلا تتفرق هذه القواعد في مضامينهـا بين نظم مختلفة يناقض بعضها البعض، بما يحول دون جريانها وفق المقاييس الموضوعية ذاتها التى تطلبها الدستور القائم كشرط لمشروعيتها الدستورية. متى كان ذلك، وكانت المطاعن التى وجهها المدعى للنص المطعون عليه - فى النطاق السالف تحديده - تندرج، فى شق منها، تحت المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة فى الدستور من حيث محتواها الموضوعي، ومن ثم، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون عليه، والذى مازال قائمًا ومعمولاً به، في ضوء أحكام الدستور الحالي الصادر سنة 2014.
      وحيث إن الدستور القائم لم يأت بما يخالف ما أورده المدعى بشأن المبادئ الدستورية الحاكمة للنص المطعون عليه في دستور سنة 1971، فالثابت أن المادة (40) بشأن المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات العامة، والمادتين (66) و(187) بشأن عدم رجعية النصوص العقابية - ما لم تكن أصلح للمتهم - التي وردت في دستور سنة 1971، تطابق في مجملها الأحكام الواردة فى المواد (53، 95، 225/2) من الدستور القائم.
      وحيث إن ما نعاه المدعى، على النص المطعون فيه إيجاده تمييزًا غير مبرر بين تجريم فعل من يصدر شيكًا بريديًّا ليس له مقابل وفاء قابل للصرف، دون فعل من يصدر صكًّا خطيًّا أو مكتبيًّا في صورة شيك، حال أن كلا الصكين غير محرر على نماذج البنك المسحوب عليه، والتفرقة في الأحكام بين الشيكات البريدية وتلك الخاضعة لأحكام قانون التجارة المشار إليه، بما يخل بمبدأ المساواة، مردود بأن الدستور الحالي قد اعتمد بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ المساواة، باعتباره أساسًا لبناء المجتمع، وصيانة وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون وفى الحقوق والحريـات والواجبـات العامة، دون تمييز بينهم لأى سبب، إلا أن ذلك لا يعنى - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة -    أن تعامل فئاتهم، على تباين مراكزهم القانونية، معاملة قانونية متكافئة، ولا معارضة صور التمييز على اختلافها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى علاقة منطقية بين النصوص القانونية التي تبناها المشرع لتنظيم معين، والنتائج التي رتبها عليها، ليكون التمييز بالتالي موافقًا لأحكام الدستور. وكلما كان القانون مغايرًا بين أوضاع أو مراكز لا تتحد واقعًا فيما بينها، وكان تقديره فى ذلك قائمًا على أسس موضوعية، مستهدفًا غايات لا نزاع في مشروعيتها، وكافلاً وحدة القاعدة القانونية فى شأن أشخاص تتماثل ظروفهم، بما لا يجاوز متطلبات هذه الغايات، كلما كان واقعًا فى إطار السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق، ولو تضمن تمييزًا. ولا ينال من مشروعيته الدستورية، أن تكون المساواة التي توخاها وسعى إليها بعيدة حسابيًّا عن الكمال.
      كما أن من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن مبدأ المساواة أمام القانون، أساس للعدل، وهو أدخل إلى جوهر الحرية، وأكفل لإرساء السلام الاجتماعي، ولئن جاز القول بأن الأصـل في كل تنظيـم تشريعي أن يكون منطويًا على تقسيم أو تصنيف أو تمييز من خلال الأعباء التي يلقيها على البعض أو المزايا التي يمنحها لفئة دون غيرها، إلا أن اتفاق هذا التنظيم مع أحكام الدستور، يفترض ألا تنفصل النصوص التي نظم بها المشرع موضوعًا محددًا عن أهدافها، ليكون اتصال الأغراض التي توخاها بالوسائل إليها منطقيًّا، وليس واهيًا أو واهنًا، بما يخل بالأسس الموضوعية التي يقوم عليها التمييز المبرر دستوريًّا.
      وحيث إنه عن الضرورة التي دعت المشرع لإقرار القانون رقم 179 لسنة 2008 باستبدال نص المادة (33) من القانون رقم 16 لسنة 1970 بنظام البريد، ومدى ارتباط الغاية التي سعى لتحقيقها من خلاله، بالوسيلة التي اتخذها، فمن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن القانون الجنائي وإن اتفق مع غيره من القوانين في سعيها لتنظيم علائـق الأفراد فيما بين بعضهم البعض، وعلى صعيد صلاتهم بمجتمعهم، إلا أن هذا القانون يفارقها في اتخاذه الجزاء الجنائي أداة لحملهم على إتيان الأفعال التي يأمرهم بها، أو التخلي عن تلك التي ينهاهم عن مقارفتها، وهو بذلك يتغيا أن يحدد، من منظور اجتماعي، ما لا يجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم. بما مؤداه أن الجزاء على أفعالهم لا يكون مخالفًا للدستور، إلا إذا كان مجاوزًا حدود الضرورة التي اقتضتها ظروف الجماعـة في مرحلة من مراحل تطورها، فإذا كان مبررًا من وجهة اجتماعية، انتفت عنه شبهة المخالفة الدستورية. ومن ثم، يتعين على المشرع دومًا إجراء موازنة دقيقة بين مصلحة المجتمع والحرص على أمنه واستقراره من جهة، وحريات وحقوق الأفراد من جهة أخرى.
      وحيث إن الأصل في سلطة المشرع فى موضوع تنظيم الحقوق - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط محددة تعتبر توخومًا لها لا يجوز اقتحامها أو تخطيها. ويتمثل جوهر هذه السلطة فى المفاضلة التي يجريها المشرع بين البدائل المختلفة التي تتزاحم فيما بينها على تنظيم موضوع محدد، فلا يختار من بينها غير الحلول التي يقدر مناسبتها أكثر من غيرها لتحقيق الأغراض التي يتوخاها، وكلما كان التنظيم التشريعي مرتبطًا منطقيًّا بهذه الأغراض - وبافتراض مشروعيتها - كان هذا التنظيم موافقًا للدستور.
      وحيث كان ما تقدم، وكان من بين الخدمات التي تقدمها مكاتب البريد لعملائها، وفقًا لنص المادة (1) من قانون نظام البريد الصادر بالقانون رقم 16 لسنة 1970، الخدمات المالية، وينطوي تحت لوائها الشيكات البريدية التى تمنحها لعملائها لاستخدامها في تعاملاتهم مع الغير، للسحب بموجبها من حساباتهم البريدية الجارية، باعتبارها أداة وفاء تقوم مقام النقود، وتستحق الدفع لدى الاطلاع عليها، شأنها فى ذلك شأن الشيكات المصرفية (البنكية)، وهو ما حدا بالمشرع منذ تاريخ العمل بقانون نظام البريد المشار إليه فى 6/4/1970، لإصباغ الحماية الجنائية عليها، بما نص عليه فى المادة (33) منه على أن "تسرى على الشيكات البريدية أحكام المادة (337) من قانــون العقوبات"، الخاصة بصور جرائم إصدار شيكات لا يقابلها رصيد قائم وقابل للسحب. واستمرت الحماية الجنائية للشيكات البريدية على هذا النحـــــو، ولمدة ناهــــزت خمسة وثلاثيـن عامًا، إلى أن صدر القانـــون رقـم 158 لسنة 2003 بتعديل بعض أحكام قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999، إذ تم بموجب المادة الأولى منه إلغاء نص المادة (337) من قانون العقوبات اعتبارًا من 1/10/2005، ومنذ ذلك التاريخ زالت الحماية الجنائية عن الشيكات البريدية، لعدم وجود محل للإحالة بشأنها إلى أحكام المادة (337) من قانون العقوبات، على نحو ما كانت تنص عليه المادة (33) من قانون نظام البريد، فضلاً عن أن المادة (475) من قانون التجارة المشار إليه، تطلبت فى الصك الذى يعتبر شيكًا، أن يكون مسحوبًا على بنك، ومحررًا على نماذج البنك المسحوب عليه، وهو ما لا يتوافر فى الشيكات البريدية، الأمر الذى حدا بالمشرع لإقرار القانون رقم 179 لسنة 1981، الذى استبدل نصًّا آخر بنص المادة (33) من قانون نظام البريد، ليصير "استثناء من نص المادة (475) من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999، تسرى فى شأن الشيكات البريدية أحكام الفقرات 1، 3، 4 من المادة (534) من القانون المشار إليه". وذلك بهدف - وعلى ما ورد بالمذكرة الإيضاحية لمشروع ذلك القانون، وما دار بشأنه من مناقشات بمجلس الشعب - مواجهة ما ترتب على إلغاء نص المادة (337) من قانون العقوبات، مما أدى إلى انحسار الحماية الجنائية المنصوص عليها بالمادة (33) من قانون البريد عن الشيك البريدي، الأمر الذى يستلزم إعادة تلك الحماية بتعديل تشريعي لنص تلك المادة، بما يكفل تحقيق الحماية الجنائية للمعاملات المالية التي تجرى بموجب شيكات بريدية بعد تاريخ العمل بالقانون رقم 179 لسنة 2008، وما يجب أن يتوافر فى التعامل بها من ثقة واطمئنان، باعتبارها أداة وفاء، تقوم مقام النقود، وتؤدى دورًا اقتصاديًّا بالغ الأهمية. وقد اتسم مسلك المشرع في هذا الشأن بالموازنة الدقيقة بين مصلحة المجتمع وما يتطلبه من استقرار المعاملات المالية من جهة، وحقوق وحريات الأفراد من جهة أخرى. وقد ارتبطت الوسيلة التي اتخذها المشرع فى هذا الشأن، ارتباطًا منطقيًّا وثيقًا بالغاية التي توخاها.
      وحيث إن نص المادة (475) من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999، قد اشترط في الشيك الصادر في مصر، والمستحق الوفـــاء فيها، أن يكون مسحوبًا على بنك، ومحررًا على نماذج البنك المسحوب عليه، وإلا خرج عن نطاق الحماية الجنائية المقررة في هذا القانون للشيك، وذلك بهدف ضبط التعامل بالشيكات، وحماية المتعاملين بها، باعتبارها أداة وفاء تقوم مقام النقود، واجبة الدفع لدى الاطلاع عليها، مما يوجب أن يقتصر التعامل بها على الشيكات البنكية، نظرًا لأن البنوك لا تقوم بتسليم دفاتر الشيكات الخاصة بها، إلا لعملائها الذين لديهم أموال مودعة بها، أو قاموا بفتح حسابات لديها، الأمر الذى يوفر الطمأنينة للتعامل بتلك الشيكات، وأن مصدرها لديه أموال مودعة لدى البنك المسحوب عليه. وتلك العلة ذاتها تتوافر فى الشيكات البريدية، باعتبارها أداة وفاء تقوم مقام النقود، كونها ثابتة على نماذج الهيئة القومية للبريد، ومسحوبة على أحد مكاتبها، ولا يحصـل على تلـك النماذج إلا من كان لديه حساب لدى إحدى مكاتب البريد، فضلاً عن أنه وفقًا لنص المادة (14) من قانون نظام البريد المشار إليه، فإن أرصدة الحسابات الجارية بخدمات الشيكات البريدية مضمونة من الحكومة. ومؤدى ذلك أن الشيكات البريديــة، شأنها شأن الشيكات المصرفيـة (البنكية)، أداة وفاء، تؤدى دورًا اقتصاديًّا بالغ الأهمية، يفرض على المشرع حماية المتعاملين بها، وتوفير الأمان لهم، من خلال رصد عقوبات جنائية لمــن يخالف أحكامها، وهو ما لا يتوافر مناطه فى الشيكات الخطية أو المكتبية. ومن ثم، يختلف المركز القانوني لمن يصدر شيكًا بريديًّا، ليس له مقابل وفاء كافِ قابل للصرف بمجرد الاطلاع عليه، عن من يصدر صكًّا خطيًّا أو مكتبيًّا فى صورة شيك غير محرر على نماذج البنك أو مكتب البريد المسحوب عليه، الأمر الذى يبرر المغايرة فى المعاملة بينهما.
    وحيث إنه عن قصر التجريم والعقاب على من يصدر شيكًا بريديًّا ليس له مقابل وفاء قابل للصرف اعتبارًا من 23/6/2008 - تاريخ العمل بأحكام القانون رقم 179 لسنة 2008 باستبدال نص المادة (33) من قانون نظام البريد المشار إليه - دون من ارتكب الفعل ذاته خلال المدة من 1/10/2005 - تاريخ إلغاء المادة (337) من قانون العقوبات - وإلى ما قبل 23/6/2008، فمن المقرر فى قضاء هذه المحكمة أنه في الدائرة التي يجيز فيها الدستور للمشرع أن يباشر سلطته التقديرية لمواجهة مقتضيات الواقع - وهى الدائرة التي تقع بين حدى الوجوب والنهى الدستوريين - فإن الاختلاف بين الأحكام التشريعية المتعاقبة التي تنظم موضوعًا واحدًا، تعبيرًا عن تغير الواقع عبر المراحل الزمنية المختلفة، لا يُعد إخلالاً بمبدأ المساواة، الذى يستقى أحد أهم مقوماته من وحدة المرحلة الزمنية التي يطبق خلالها النص القانوني الخاضع لضوابط هذا المبدأ، فإذا تباينت النصوص التشريعية في معالجتها لموضوع واحد، وكان كل منها قد طبق فى مرحلة زمنية مختلفة، فإن ذلك لا يُعد بذاته إخلالاً بمبدأ المساواة، وإلا تحول هذا المبدأ من ضابط لتحقيق العدالة، إلى سد حائل دون التطور التشريعي.
    وحيث كان ذلك، وكان نص المادة (33) من قانون نظام البريد الصادر بالقانون رقم 16 لسنة 1970، قبل وبعد استبداله بالقانون رقم 179 لسنة 2008، وخلال المدة الزمنية الفاصلة بين إلغاء المادة (337) من قانون العقوبات اعتبارًا من 1/10/2005، وتاريخ العمل بأحكام القانون رقم 179 لسنة 2008 المشار إليه اعتبارًا من 23/6/2008، قد صدرت جميعها في دائرة السلطة التقديرية للمشرع، وليس انصياعًا لوجوب دستوري، فإن نصى المادة (33) من قانون نظام البريد المشار إليه، قبل وبعد استبداله بالقانون رقم 179 لسنة 2008، يكونان في تعاقبهما قد عبرا عن مرحلتين زمانيتين مختلفتين، تتأبى معهما المقارنة اللازمة لإعمال مبدأ المساواة، بين من أصـــدر شيكًا بريديًّا منذ تاريخ العمل بالقانون رقم 158 لسنة 2003 بإلغاء نص المادة (337) من قانون العقوبات اعتبارًا من 1/10/2005، وبين من ارتكب الفعل ذاته بعد تاريخ العمل بأحكام القانون رقم 179 لسنة 2008، اعتبارًا من 23/6/2008.
      وحيث إن حاصل ما تقدم جميعه أن التنظيم الذى أتى به المشرع بالنص المطعون فيه يقوم على أسس موضوعية تبرره، بما لا مصادمة فيه لمبدأ المساواة الذى كفله الدستور فى المادتين (4، 53) منه.
      وحيث إن ما ارتآه المدعى من أن أحكام المادة الأولى من القانون رقم 179 لسنة 2008، باستبدال نص المادة (33) من قانون نظام البريد الصادر بالقانون رقم 16 لسنة 1970، على النحو سالف البيان، يتضمن أثرًا رجعيًّا لتجريم فعل إصدار شيك بريدي ليس له مقابل وفاء قابـل للصـرف. فمن المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن المادة (95) من الدستور القائم وإن نصت على أنه لا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون الذى ينص عليها، مقررة بموجبها قاعدة عدم رجعية القوانين العقابية، مؤكدًا كذلك على تلك القاعدة بما قررته الفقرة الثانية من المادة (225) من أن الأصل فى أحكام القوانين هو سريانها من تاريخ العمل بها، وعدم جواز إعمال أثرها فيما وقع قبلها، وأنه لا خروج على هذا الأصل إلا بنص خاص، وفى غير المواد الجنائية والضريبية، وبموافقة أغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب، وذلك توقيًا لتقرير عقوبة على فعل كان مباحًا حين ارتكابه، أو تغليظها على فعل كانت عقوبته أخف. وذلك المبدأ - عدم رجعية القوانين العقابية الأسوء للمتهم - يقيد السلطة التشريعية إعمالاً لمبدأ شرعية الجريمة والعقوبـــة، وصونًا للحرية الشخصية التي كفلها الدستور في المــادة (54) منه، بمــا يرد كل عدوان عليها. والأمر المعتبر في تحديد رجعية القانون العقابي من عدمها، إنما يتعلق بتاريخ ارتكاب الفعل أو الامتناع الذى يقع بالمخالفة لنص عقابي. إذ كان ذلك، وكانت المادة الثانية من القانون رقم 179 لسنة 2008 المشار إليه، قد نصت على العمل بأحكامه اعتبارًا من اليوم التالي لتاريخ نشره فى الجريدة الرسمية، والحاصل بتاريخ 22/6/2008، وهو تاريخ سابق لتاريخ ارتكاب المدعى لجريمة إصدار الشيك البريدي التي يحاكم عنها في الدعوى الموضوعية، الحاصل فى 29/7/2009، فضلاً عن أن أحكام المادة الأولى من ذلك القانون لم تتضمن أثرًا رجعيًّا، ومن ثم فإن النعي عليه بمخالفة أحكام الدستور، في هذا الخصوص، يكون فاقدًا لسنده.
      وحيث إنه فى خصوص ما نعاه المدعى على مسلك المشرع بشأن إدراج أحكام النص المطعون عليه في قانون نظام البريد الصادر بالقانون رقم 16 لسنة 1970، دون قانون التجارة، وما ارتآه من اعتبار الشيك البريدي ورقة تجارية وإخضاعه لأحكام الشيك في قانون التجارة، حال كونه مجرد إذن خصم من الحساب البريدي غير قابل للتداول بطريق التظهير. فذلك كله مردود أولاً: بما هو مقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا من أن مناط رقابتها على دستورية النصوص التشريعية، هو مدى اتفاقها أو مخالفتها لأحكام الدستور، ولا تمتد ولايتها لمناقشة ملائمة التشريع أو البواعث التي حملت السلطة التشريعية على إقراره، لكون ذلك مما يدخل فى صميم اختصاص السلطة التشريعية وتقديرها المطلق، كما لا شأن لهذه المحكمة بالسياسة التشريعية التى يستنسبها المشرع لتنظيم أوضاع بعينها، كلما كان تنفيذها - من خلال النصوص القانونية - لا تناقض حكمًا في الدستور. ومردود ثانيًا: بأنه وفقًا لنص الفقرة (3) من المادة (486) من قانون التجارة المشار إليه، يجوز أن يكون الشيك البنكي غير قابل للتداول بطريق التظهير، ومردود ثالثًا: بأن المادة (33) من قانون نظام البريد بعد استبدالها بالقانون رقم 179 لسنة 2008، لم تحل إلى أحكام الفقرة (2) من المادة (534) من قانون التجارة الخاصة بجريمة تظهير شيك تظهيرًا ناقلاً للملكية مع العلم بأن ليس له مقابل وفاء يفي بكامل قيمته أو أنه غير قابل للصرف. ومردود رابعًا: بأن النهج الذى اتبعه المشرع في القانون رقم 179 لسنة 2008، باستبدال لنص المادة (33) من قانون نظام البريد الصادر بالقانون رقم 16 لسنة 1970، على نحو يُخضع الشيكات البريدية للأحكام المنصوص عليها في الفقرات 1، 3، 4 من المادة (534) من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999، هو النهج ذاته الذى كان يتبعه المشرع في المادة (33) من قانون نظام البريد - قبل استبدالها - من سريان أحكام المادة (337) من قانون العقوبات على الشيكات البريدية. وذلك لاتحاد العلة فى الحالتين، ممثلة في إصباغ الحماية الجنائية على الشيكات البريدية، شأنها شأن الشيكات البنكية، على ما سلف بيانه.
وحيث كان ما تقدم، وكان النص المطعون عليه لا يخالف أى حكم آخر فى الدستور، الأمر الذى تقضى معه المحكمة برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات، ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

عدم دستورية التحكيم الاجباري في منازعات مصدري الأقطان


القضية رقم 130 لسنة 34 ق " دستورية "
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث عشر من يناير سنة 2018م، الموافق السادس والعشرين من ربيع الآخر سنة 1439 هـ.
برئاسة السيد المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق    رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: السيد عبدالمنعـم حشيش وسعيد مرعى عمرو وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمـد غنيم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل  نواب رئيس المحكمة
وحضور    السيد المستشار / طارق عبدالعليم أبو العطا   رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع      أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
      فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 130 لسنة 34 قضائية " دستورية " بعد أن أحالت محكمة استئناف الإسكندرية بقرارها الصادر بجلسة 30/5/2012 ملف الدعوى رقم 10 لسنة 67 قضائية "تحكيم"
المقامة من
شركة الفريد لحليج وتجارة الأقطان، ويمثلها :
1 - أحمد فريد عبد الفتاح عبد المغنى، رئيس مجلس الإدارة
2 - سعد محمد سعداوى، نائـب رئيـس مجلـس الإدارة
ضــد
1 - محمد عادل لهيطة، صاحب شركة ترستكو للاستيراد والتصدير
2 - رئيس اتحاد مصدري الأقطـان بالإسكندرية
3 - مدير عام اتحاد مصدري الأقطان بالإسكندرية
4 - رئيس هيئة التحكيم لاتحاد مصدري الأقطان بالإسكندرية
الإجراءات
بتاريخ الخامس والعشرين من أغسطس سنة 2012، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، ملف الدعوى رقم 10 لسنة 67 قضائية تحكيم، بعد أن قررت محكمة استئناف الإسكندرية، بجلسة 30/5/2012 قبل الفصل في الموضوع، وقف الدعوى، وإحالة الأوراق، بغير رسوم، إلى المحكمة الدستورية العليا، للفصل في دستورية المادتين (25، 26) من قانون اتحاد مصدري الأقطان الصادر بالقانون رقم 211 لسنة 1994، فيما نصتا عليه، على التوالي، من أن "كل تعامل ببيع الأقطان إلى الخارج، يجب أن يتم وفقًا لنموذج عقد، يُنص فيه على خضوع المتعاملين للوائح الاتحاد، وأن يتم التحكيم فى الإسكندرية ...."، "يختص الاتحاد بالفصل، بطريق التحكيم، فى أوجه الخلافات التي تنشأ بين مصدري الأقطان والمشترين ....".
      وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
 وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
 ونُظرت الدعوى، على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمــــة
      بعد الاطلاع على الأوراق ، والمداولة .
      حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من حكم الإحالة وسائـــر الأوراق – فى أن شركة ترستكو للاستيراد والتصدير، تعاقدت على شراء أقطان، من شركة الفريد لحليج وتجارة الأقطان، بالكميات والأصناف والأسعار، المبينة فى العقدين المؤرخين فى 17/10/2011، ثم شجر بينهما خلاف، حول شروط تنفيذهما، لجأت، على أثره الشركة المشترية، إلى لجنة التحكيم الابتدائي، بطلب التحكيم رقم 7 لسنة 2011، عملاً بالمادتين (25، 26) من القانون رقم 211 لسنة 1994المشار إليه، وأصدرت تلك اللجنة حكمًا بإلزام شركة الفريد أن تؤدى لشركة ترستكو للاستيراد والتصدير مبلغ 493920 دولارًا أمريكيًّا، وتأيد هذا الحكم من لجنة التحكيم الاستئنافية، فأقامت شركة الفريد لحليج وتجارة الأقطان الدعوى رقم 10 لسنة 67 قضائية "تحكيم"، أمام محكمة استئناف الإسكندرية، بطلب الحكم بصفة مستعجلة، بوقف تنفيذ حكم لجنة التحكيم المشار إليه، وفى الموضوع ببطلان حكم التحكيم الابتدائي المقيد برقم 7 لسنة 2011 الصادر بتاريخ 23/1/2011، والحكم الصادر فى استئنافه بتاريخ 23/6/2011، مشيدة طلبها على عدم الاتفاق بينها والمدعى عليها الأولى على التحكيم، وأن المواد (25، 26، 27) من قانون اتحاد مصدري الأقطان المشار إليه والمادة (18) من قرار وزير التجارة الخارجية رقم 157 لسنة 2004 بتعديل بعض أحكام اللائحة الداخلية لاتحاد مصدري الأقطان تفرض التحكيم جبرًا، وعدم اختصاص هيئة التحكيم بنظر النزاع . وإذ تراءى لمحكمة الموضوع، التي تنظر الطعن فى حكم التحكيم المشار إليه، أن نصى المادتين (25، 26) من قانون اتحاد مصدري الأقطان المشار إليه فيما نصتا عليه، على التوالي، من أن " كل تعامل ببيع الأقطان إلى الخارج، يجب أن يتم، وفقًا لنموذج عقد، ينص فيه على خضوع المتعاملين للوائح الاتحاد، وأن يتم التحكيم فى الإسكندرية......"، "يختص الاتحاد بالفصل بطريق التحكيم فى أوجه الخلافات التي تنشأ بين مصدري الأقطـان والمشترين ...."، مخالفين لأحكام الدستور، فقد حكمت، بجلسة 30/5/2012، بوقف الدعوى، وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا، للفصل فى دستورية هذين النصين.
      وحيث إن قانون اتحاد مصدري الأقطان الصادر بالقانون رقم 211 لسنة 1994، قد نص فى المادة (25) منه على أن " كل تعامل ببيع أقطان إلى الخارج، يجب أن يتم وفقًا لنموذج عقد، يُنص فيه على خضوع المتعاملين للوائح الاتحاد، وأن يتم التحكيم بالإسكندرية، وأن كل المستفيدين من تنفيذ العقد يعتبرون قابلين لقضاء المحاكم المصرية.
      ويجب أن تتضمن هذه النماذج الشروط الخاصة بالتحكيم، بواسطة الاتحاد، طبقًا لأحكام هذا القانون، واللائحة الداخلية".
      كما نص في المادة (26) على أن "يختص الاتحاد بالفصل، بطريق التحكيم، في أوجه الخلافات، التي تنشأ بين مصدري الأقطان والمشترين، حول صنف القطن، أو رتبته، أو شروط العقد، ويكون التحكيم على درجتين ابتدائية واستئنافية، وذلك وفقًا للإجراءات والشروط ومقابل المصروفات المبينة باللائحة الداخلية للاتحاد".
      وحيث إن حكم الإحالة، ينعى على هذين النصين ، إهدارهما لحق التقاضي، إذ فرضا على المتعاملين في بيع الأقطان للخارج، نظامًا للتحكيم لا يلتفت إلى إرادتهم، ولا يعول على رضائهم، ويخضعهم لأحكامه جبرًا، مما يتنافى مع الأصـــل في التحكيم، باعتباره لا يتولد إلا عن الإرادة الحرة ولا يجوز إجراؤه تسلطًا وكرهًا، مما ترتب عليه حرمان المتداعين من اللجوء إلى محاكم القانون العام بوصفها قاضيهم الطبيعي، ومن ثم خالفا نص المادة (68) من دستور سنة 1971.
      وحيث إن المصلحة في الدعوى الدستورية، وهى شرط لقبولهـا، مناطهـا - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية مؤثرًا في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، المطروحة على محكمة الموضوع؛ ويستوى فى شأن توافر هذه المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو الإحالة. والمحكمة الدستورية العليا هى وحدها التى تتحرى توافر المصلحة فى الدعاوى الدستورية للتثبت من شروط قبولها، بما مؤداه أن الإحالة من محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا لا تفيد بذاتها توافر المصلحة، بل يتعين أن يكون الحكم فى المطاعن الدستورية لازمًا للفصل فى النزاع المثار أمام محكمة الموضوع. إذ كان ذلك، وكان جوهر النزاع الموضوعي هو عدم صحة حكم التحكيم وطلب إلغائه، فإن المصلحة فى الخصومة الدستورية المعروضة تكون قائمة، وينحصر نطاقها فيما تضمنه نص المادة (26) من القانون رقم 211 لسنة 1994 المشار إليه من أحكام تتصل مباشرةً بنظام التحكيم، كجهة لفض المنازعات، التي تنشأ بين مصدري الأقطان والمشترين، حول شروط العقد، تأسيسًا على أن الفصل في دستورية ذلك النص من شأنه أن يؤثر على الفصل في الطلبات المطروحة على محكمة الموضوع.
      وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين واللوائح، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، ذلك أن هذه الرقابة تستهدف أصلاً صون هذا الدستور، وحمايته من الخروج على أحكامه التي تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكانت المطاعن التي ارتأتها محكمة الموضوع على نص المادة (26) من القانون رقم 211 لسنة 1994 المشار إليه تندرج تحت المطاعن الموضوعية التي تقوم فى مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي، وكان النص المشار إليه مازال معمولاً بأحكامه بعد صدور الدستور الحالي الصادر عام 2014، ومن ثم فإن حسم أمر دستوريته يتم في ضوء أحكام هذا الدستور.
      وحيث إن الدستور قد كفل لكل مواطن - بنص مادته السابعة والتسعين - حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، مخولاً إياه بذلك أن يسعى بدعواه إلى قاض يكون بالنظر إلى طبيعتها، وعلى ضوء مختلف العناصر التي لابستها، مهيئًا دون غيره للفصل فيها، كذلك فإن لحق التقاضي غاية نهائية يتوخاها، تمثلها الترضية القضائية، التي يناضل المتقاضون من أجل الحصول عليها، لجبر الأضرار التي أصابتهم من جراء العدوان على الحقوق التي يطلبونها، فإذا أرهقها المشرع بقيود تعسر الحصول عليها أو تحول دونها كان ذلك إخلالاً بالحماية التي كفلها الدستور لهذا الحق وإنكارًا لحقائق العدل فى جوهر ملامحها.
      وحيث إن قضاء هذه المحكمة مطرد على أن الأصل في التحكيم هو عرض نزاع معين بين طرفين على مُحَكَم من الأغيار يُعيَّن باختيارهما أو بتفويض منهما أو على ضوء شروط يحددانها، ليفصل هذا المحكم فى ذلك النزاع بقرار يكون نائيًا عن شبهة الممالأة، مجردًا من التحامل، وقاطعًا لدابر الخصومة في جوانبها التي أحالها الطرفان إليه، بعد أن يدلى كل منهما بوجهة نظره تفصيلاً من خلال ضمانات التقاضي الرئيسية. ولا يجوز بحال أن يكون التحكيم إجباريًّا يُذعن إليه أحد الطرفين، إنفاذًا لقاعدة قانونية آمرة، لا يجوز الاتفاق على خلافها، وذلك سواء كان موضوع التحكيم نزاعًا قائمًا أو محتملاً، ذلك أن التحكيم مصدره الاتفاق، إذ يحدد طرفاه - وفقًا لأحكامه - نطاق الحقوق المتنازع عليها بينهما، أو المسائل الخلافية التي يمكن أن تعرض لهما، وإليه ترتد السلطة الكاملة التي يباشرها المحكمون عند البت فيها، ويلتزم المحتكمون بالنزول على القرار الصادر فيه، وتنفيذه تنفيذًا كاملاً وفقًا لفحواه، ليؤول التحكيم إلى وسيلة فنية لها طبيعة قضائية غايتها الفصل في نزاع مبناه علاقة محل اهتمام من أطرافها، وركيزته اتفاق خاص يستمد المحكمون منه سلطاتهم، ولا يتولون مهامهم بالتالي بإسناد من الدولة. وبهذه المثابة فإن التحكيم يعتبر نظامًا بديلاً عن القضاء، فلا يجتمعان، ذلك أن مقتضى الاتفاق عليه عزل المحاكم جميعها عن نظر المسائل التي انصب عليها استثناء من أصل خضوعها لولايتها.
      ومؤدى ما تقدم جميعه، أنه إذا ما فرض المشرع التحكيم قسرًا بقاعدة قانونية آمرة، فإن ذلك يُعد انتهاكًا لحق التقاضي الذى كفله الدستور.
      وحيث إن البين من استقراء نص المادة (26) من القانون رقم 211 لسنة 1994 المشار إليه، في النطاق سالف التحديد، أنه قد أسند الفصل في أوجه الخلاف، الذى ينشأ بين مصدري الأقطان والمشترين، حول شروط العقد، المبرم بينهما بشأن تصدير الأقطان، لاتحاد مصدري الأقطان، بطريق التحكيم، وأن يتم هذا التحكيم على درجتين، ابتدائية واستئنافية، وفقًا للإجراءات والشروط، المبينة باللائحة الداخلية للاتحاد. وقد جعلت المادة (102) من اللائحة الداخلية لاتحاد مصدري الأقطان، الصادرة بقرار وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية رقم 507 لسنة 1994، القرار الصادر في التحكيم الاستئنافي نهائيًّا، وحاسمًا للنزاع بين طرفي التحكيم.
      وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن نص المادة (26) من القانون المشار إليه يكون قد فرض التحكيم قهرًا على أصحاب الشأن، وخلع قوة تنفيذية على القرارات، التي تصدرها لجان التحكيم، في حقهم عند وقوع الخلاف على شروط العقد المبرم بينهم، وبهذه المثابة فإن هذا النوع من التحكيم - الذى يبسط مظلته على جُل المنازعات بين مصدري الأقطان والمشترين، حول شروط العقد - يكون منافيًا للأصل فيه، باعتبار أن التحكيم لا يتولد إلا عن الإرادة الحرة، ولا يجوز إجراؤه تسلطًا وكرهًا، بما مؤداه أن اختصاص جهة التحكيم، التي أنشأها نص المادة (26) من قانون اتحاد مصدري الأقطان الصادر بالقانون رقم 211 لسنة 1994 لنظر المنازعات التي أدخلها، جبرًا، في ولايتها يكون منتحلاً، ومنطويًا بالضرورة على إخلال بحق التقاضي، بأن حرم المتداعين من اللجوء إلى قاضيهم الطبيعي، بالمخالفة لنص المادة (97) من الدستور، ومنعدمًا بالتالي من زاوية دستورية.
      وحيث إن الفقرة الأولى من المادة (25) من قانون اتحاد مصدري الأقطان المشار إليه، فيما تضمنته من عبارة "وأن يتم التحكيم بالإسكندرية"، والفقرة الثانية منها، والمادة (27) من هذا القانون، وكذا المواد من (95) إلى (104) من اللائحة الداخلية لاتحاد مصدري الأقطان، الصادرة بقرار وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية رقم 507 لسنة 1995، ترتبط ارتباطًا لا يقبل التجزئة بنص المادة (26) المحال، فى النطاق المشار إليه، فإنها تسقط، بتطبيقها فى هذا النطاق، تبعًا للحكم بعدم دستوريته، إذ لا يتصور وجودها بدون هذا النص .
فلهــذه الأسبـاب
حكمت المحكمة :
أولاً : بعدم دستورية نص المادة (26) من قانون اتحاد مصدري الأقطان الصادر بالقانون رقم 211 لسنة 1994.
ثانيًا : بسقوط الفقرة الأولى من المادة (25) من القانون المشار إليه، فيما تضمنته من عبارة " وأن يتم التحكيم بالإسكندرية"، والفقرة الثانية منها، والمادة (27) من القانون ذاته، وكذا المواد من (95) إلى (104) من اللائحة الداخلية لاتحاد مصدري الأقطان، الصادرة بقرار وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية رقم 507 لسنة 1994.