جلسة 5 من نوفمبر سنة 2009
برئاسة السيد القاضي/ أنور محمد جابري نائب رئيس المحكمة وعضوية
السادة القضاة/ نير عثمان، أحمد عبد القوي أحمد، مصطفى الصادق ومحمد منيعم نواب
رئيس المحكمة.
--------------
(56)
الطعن 9893 لسنة 78 ق
(1) حكم "بيانات حكم
الإدانة" "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
حكم الإدانة. بياناته؟ المادة 310 إجراءات.
مثال لتسبيب سائغ لحكم
صادر بالإدانة.
(2) مواد
مخدرة. جريمة "أركانها". قصد جنائي. دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما
لا يوفره".
القصد الجنائي في جريمة إحراز المخدر أو حيازته أو نقله. قوامه: علم
الحائز بكنه تلك المادة. استظهار هذا القصد. موضوعي.
مثال لتسبيب سائغ على توافر
القصد الجنائي في جريمة حيازة مواد مخدرة.
(3) مواد مخدرة. جريمة
"أركانها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". دفاع "الإخلال
بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
انبساط سلطان الجاني على المادة المخدرة. كفايته لاعتباره حائزاً لها
ولو لم تكن في حيازته. تحدث الحكم عن هذا الركن استقلالاً. غير لازم. متى أورد من
الوقائع ما يدل عليه.
الدفع بعدم سيطرة المتهم على مكان الضبط وانتفاء صلته
بالواقعة. موضوعي. لا يستوجب رداً صريحاً. استفادة الرد ضمناً من أدلة الثبوت التي
أوردها الحكم.
(4) مواد مخدرة. قصد جنائي. جريمة
"أركانها". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
تقدير توافر قصد الاتجار. موضوعي. ما دام سائغاً.
(5) حكم "بطلانه"
"تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات "شهود". محكمة الموضوع
"سلطتها في تقدير الدليل".
التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله. ماهيته؟
تحصيل أقوال الشاهد وفهم
سياقها. موضوعي. ما دامت المحكمة لم تحرفها عن مضمونها. قيامها على المقاصد
والمعاني لا الألفاظ والمباني.
مثال.
(6) استيقاف. محكمة الموضوع
"سلطتها في تقدير الدليل" "سلطتها في تقدير حالة التلبس".
قبض. تلبس. تفتيش "التفتيش بغير إذن". مأمورو الضبط القضائي
"سلطاتهم ". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الاستيقاف. ماهيته؟ المادة 24 إجراءات.
تقدير قيام المبرر للاستيقاف
أو تخلفه. موضوعي. ما دام سائغاً.
التلبس. صفة تلازم الجريمة ذاتها لا شخص مرتكبها.
توافرها. يبيح لمأمور الضبط القضائي القبض على المتهم الحاضر وتفتيشه. أساس ذلك؟
تقدير توافر حالة التلبس أو انتفائها. لرجل الضبط بداءة تحت رقابة سلطة التحقيق
وإشراف محكمة الموضوع. حد ذلك؟
مثال.
(7) مواد مخدرة. أسباب الإباحة
وموانع العقاب "الإعفاء من العقوبة". عقوبة "الإعفاء منها".
دفوع "الدفع بالإعفاء من العقاب".
مناط الإعفاء المنصوص عليه في المادة 48 من القانون 182 لسنة 1960؟
عدم إسهام الطاعن الأول إسهاماً إيجابياً في معاونة السلطات في التوصل للطاعن
الثاني الذي ضبط بمعرفة الشاهد الثاني بعدما أسفرت تحرياته عن مكان ضبطه. انتفاء
موجب الإعفاء. لقاضي الموضوع أن يفصل في ذلك. ما دام يقيمه على ما ينتجه من عناصر
الدعوى.
(8) إثبات "شهود".
بطلان. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
من يقوم بإجراء باطل. لا تقبل منه الشهادة عليه. حد ذلك؟
(9) مواد مخدرة. محكمة الموضوع
"سلطتها في تقدير الدليل" حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
إقرار الطاعن الأول لضابط الواقعة بنقله للمواد المخدرة لحساب الطاعن
الثاني. ليس إقراراً وإنما مجرد قول للضابط. يخضع لتقدير محكمة الموضوع.
(10) مواد مخدرة. عقوبة
"تطبيقها" "تقديرها". نقض "حالات الطعن. الخطأ في تطبيق
القانون" "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". محكمة النقض
"سلطتها". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير العقوبة". ظروف
مخففه.
إدانة الطاعن الأول بجريمة
نقل مخدر بقصد الاتجار حال كونه من المكلفين بتنفيذ قانون مكافحة المخدرات. معاقب
عليها بالإعدام والغرامة التي لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تزيد على خمسمائة ألف
جنيه. أساس ذلك؟
معاقبة الطاعن الأول بالسجن المشدد إعمالاً للمادة 17 عقوبات. خطأ
في تطبيق القانون. أساس ذلك: المادة 36 من القانون 182 لسنة 1960. لا تملك محكمة
النقض تصحيحه. علة ذلك؟
تقدير العقوبة وقيام موجبات الرأفة من عدمه. موضوعي. النعي
على المحكمة في هذا الشأن. غير مقبول.
-----------
1 - لما كان الحكم المطعون فيه بيّن واقعة الدعوى بما مفاده: "أنه أثناء قدوم الطاعن الأول بسيارة خاصة لكمين ..... استوقفه الشاهدان الأول والثاني وبسؤاله عن رخصتي السيارة والقيادة نفى حملهما وبسؤاله عن مالك السيارة قرر أنها خاصة بشخص يدعى ..... وشهرته ..... ولا يعرف باقي اسمه وظهرت عليه علامات الارتباك الشديد فطلب إليه الشاهد الأول فتح حقيبة السيارة فأنتقل، وقام بفتحها فأبصر الشاهدان فيها نبات الحشيش المخدر وبمواجهته قرر أنه ينقله لحساب الطاعن الثاني مقابل ألفي جنيه قدمه للشاهد الأول". وساق الحكم على صحة الواقعة وإسنادها للطاعنين أدلة استقاها من أقوال الشهود ومن تقرير المعامل الكيماوية. لما كان ذلك، وكانت المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية قد أوجبت في كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً تتحقق به أركان الجريمة التي دان الطاعنين بها والظروف التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها منهما، وكان يبين من الحكم. فيما تقدم. أنه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها في حقهما أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها، فإن النعي بالقصور على الحكم لا يكون سديداً.
2 - من المقرر أن القصد الجنائي في جريمة إحراز المخدر أو حيازته أو نقله يتوافر متى قام الدليل على علم الجاني بأن ما يحرزه أو يحوزه أو ينقله من المواد المخدرة ولا حرج على القاضي في استظهار هذا العلم من ظروف الدعوى وملابساتها على أي نحو يراه ما دام أنه يتضح من مدونات الحكم توافره فعلياً، ولما كان ما ساقه الحكم المطعون فيه من وقائع الدعوى وملابساتها وبرر به اقتناعه بعلم الطاعنين بوجود المخدر بالسيارة قيادة الطاعن الأول كافياً في الدلالة على توافر هذا العلم وسائغاً في العقل والمنطق، فإن ما يثيره الطاعنان في شأن عدم علمهما بما كان في السيارة من مخدر لا يكون سديداً.
3 - من المقرر أنه لا يشترط لاعتبار الجاني حائزاً لمادة مخدرة أن يكون محرزاً للمادة المضبوطة بل يكفي لاعتباره كذلك أن يكون سلطانه مبسوطاً عليها ولو لم تكن في حيازته المادية أو كان المحرز للمخدر شخصاً غيره ولا يلزم أن يتحدث الحكم استقلالاً عن هذا الركن بل يكفي أن يكون فيما أورده من وقائع وظروف ما يكفي للدلالة على قيامه وكان الدفع بعدم سيطرة المتهم على مكان الضبط وانتفاء صلته بالواقعة من الدفوع الموضوعية التي لا تستلزم من المحكمة رداً خاصاً اكتفاء بما تورده من أدلة الثبوت التي تطمئن إليها بما يفيد إطراحها، وكان الحكم قد أقام قضاءه على ما استقر في عقيدة المحكمة من انبساط سلطان الطاعنين على المخدر المضبوط تأسيساً على أدلة سائغة وتتفق والاقتضاء العقلي، فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص لا يكون له محل.
4 - من المقرر أن توافر قصد الاتجار هو من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بتقديرها بغير معقب ما دام تقديرها سائغاً تؤدي إليه ظروف الواقعة وأدلتها وقرائن الأحوال فيها، وإذ كانت المحكمة قد اقتنعت في حدود سلطتها في تقدير أدلة الدعوى والتي لا تخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي. بأن حيازة الطاعنين للمخدر المضبوط كان بقصد الاتجار، فإنه لا يجوز مجادلتها في ذلك. فإن النعي على الحكم في هذا الشأن يكون غير سديد.
5 - من المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة والذي من شأنه أن يجعل الدليل متهادماً متساقطاً لا شيء فيه باقياً يمكن أن يعتبر قواماً لنتيجة سليمة يصح الاعتماد عليها وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تحصل أقوال الشاهد وتفهم سياقها وتستشف مراميها ما دامت لا تحرف الشهادة عن مضمونها، كما أن عقيدة المحكمة إنما تقوم على المقاصد والمعاني لا الألفاظ والمباني، وكان الحكم المطعون فيه قد اعتنق صورة واحدة للواقعة حاصلها أن الشاهد طلب من الطاعن الأول فتح حقيبة السيارة بعد أن نزل منها وفتحها برضائه وساق الحكم أدلة الثبوت التي استمد منها عقيدته دون تناقض وبذلك لا يضير الحكم أن يورد - في بيانه لواقعة الدعوى - أن الشاهد استأذن الطاعن في فتح حقيبة السيارة في حين أورد - في اطراحه لدفاع الطاعن - أن الشاهد طلب من الطاعن فتحها لأن المعنى المشترك بينهما واحد وهو أن الطاعن فتح حقيبة السيارة برضائه، ويكون النعي على الحكم - في هذا الخصوص - في غير محله.
6 - لما كان الحكم قد عرض لدفع الطاعن الأول ببطلان القبض عليه وتفتيشه لانتفاء مبررات استيقافه ولانتفاء حالة التلبس ورد عليه بقوله: "الثابت من وقائع الدعوى التي استخلصتها المحكمة واطمأنت إليها وكذا اطمئنانها لأقوال ضابط الواقعة وتصويره لها أن المتهم وضع نفسه في موضوع الريبة والظن حين أجاب بأنه لا يحمل رخصة السيارة التي يقودها ولا رخصة القيادة الخاصة به بل أنكر معرفته اسم مالك السيارة بالكامل مما جعل الضابط يشك في أن هذه السيارة مسروقة فطلب من المتهم فتح شنطة السيارة فقام بفتحها بنفسه وحين نظر ضابط الواقعة بداخلها وجد عدد من اللفافات وإحداها مفضوضة يظهر منها نبات الحشيش المخدر فوقعت بذلك حالة تلبس صحيحة، وكانت المحكمة قد استخلصت في حدود السلطة المخولة لها ومن الأدلة السائغة التي أوردتها أن رضاء المتهم بالتفتيش كان غير مشوب وأنه سبق إجراء التفتيش وكان المتهم يعلم بظروفه وخصوصاً أن المتهم يشغل وظيفة يفترض في شاغلها العلم بالقانون وحقوقه الأمر الذي لا يتصور معه فتح الشنطة الخاصة بالسيارة بغير رضاه ومن ثم فإن تفتيش الضابط للمتهم وضبط المخدر معه يكون صحيحاً ومشروعاً". وكان ما انتهى إليه الحكم - فيما تقدم - صحيح في القانون ذلك بأن الاستيقاف هو إجراء يقوم به رجل السلطة العامة على سبيل التحري عن الجرائم وكشف مرتكبيها ويسوغه اشتباه تبرره الظروف، وهو أمر مباح لرجل السلطة العامة إذا ما وضع الشخص نفسه طواعية منه واختياراً في موضع الريب والظن، وكان هذا الوضع ينبئ عن ضرورة تستلزم تدخل المستوقف للتحري والكشف عن حقيقته عملاً بالمادة 24 من قانون الإجراءات الجنائية، وكان الفصل في قيام المبرر للاستيقاف أو تخلفه من الأمور التي يستقل بها قاضي الموضوع بغير معقب ما دام لاستنتاجه ما يسوغه كما أن التلبس - على ما يبين من نص المادة 30 من قانون الإجراءات الجنائية - صفة تلازم الجريمة ذاتها لا شخص مرتكبها وأن حالة التلبس بالجناية تبيح لمأمور الضبط القضائي طبقاً للمادتين 34، 46 من هذا القانون أن يقبض على المتهم الحاضر الذي توجد دلائل كافية على اتهامه وأن يفتشه، وتقدير توافر حالة التلبس أو عدم توافرها هو من الأمور الموضوعية التي توكل بداءة لرجل الضبط القضائي على أن يكون تقديره خاضعاً لرقابة سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع - وفق الوقائع المعروضة عليها بغير معقب ما دامت النتيجة التي انتهت إليها تتفق منطقياً مع المقدمات والوقائع التي أثبتتها في حكمها، وأن الرضاء بالتفتيش يكفي فيه أن تكون المحكمة قد استبانته من وقائع الدعوى وظروفها واستنتجته من دلائل مؤدية إليه، وكان الحكم المطعون فيه قد استخلص - في منطق سليم - ما انتاب رجل الضبط من ريب وظن بشأن الطاعن الأول الذي نفى حمله تراخيص السيارة المضبوطة وأنه لا يعرف اسم مالكها بالكامل وظهرت عليه علامات الارتباك الشديد مما شكك الضابط في أن السيارة مسروقة، فإن هذه الأمارات تبيح استيقاف الطاعن ومنعه من السير للتحري والكشف عن حقيقة هذا الوضع، وأن حاله التلبس نشأت عن تبين المظاهر الخارجية للجريمة والتي تنبئ بوقوعها لمشاهدة الضابط للمخدر بحقيبة السيارة بعد أن طلب من الطاعن فتحها فنزل من السيارة وفتحها برضائه، وهو ما يبيح للضابط القبض عليه بعد ضبطه بارتكابه جناية نقل المواد المخدرة وهي في حالة تلبس، ويكون الحكم إذ قضى برفض الدفع ببطلان القبض والتفتيش قد اقترن بالصواب، ويضحى النعي على الحكم - في هذا الخصوص - غير سديد.
7 - لما كان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن مفاد نص المادة 48 من القانون رقم 182 لسنة 1960 بشأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها أن القانون لم يرتب الإعفاء من العقاب بعد علم السلطات بالجريمة إلا بالنسبة للمتهم الذي يسهم بإبلاغه إسهاماً إيجابياً وجدياً ومنتجاً في معاونة السلطات على التوصل إلى مهربي المخدرات والكشف عن الجرائم الخطيرة المنصوص عليها في المواد 33, 34، 35 من هذا القانون باعتبار أن هذا الإعفاء نوع من المكافأة منحها المشرع لكل من يؤدي خدمة للعدالة، فإذا لم يتحقق صدق التبليغ بأن كان غير متسم بالجدية فلا يستحق صاحبه الإعفاء لانتفاء مقوماته وعدم تحقق حكمة التشريع لعدم بلوغ النتيجة التي يجزي عنها بالإعفاء وهي تمكين السلطات من وضع يدها على مرتكبي تلك الجرائم، وكان لقاضي الموضوع أن يفصل في ذلك ما دام يقيمه على ما ينتجه من عناصر الدعوى. وكان ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه من اطراحه لدفع الطاعن الأول بتمتعه بالإعفاء من العقاب - وبغض النظر عما أورده من أسباب لذلك - يلتقي في نتيجته مع ما ثبت بالأوراق المنضمة من أن الطاعن الأول لم يسهم إسهاماً إيجابياً وجدياً ومنتجاً في معاونة السلطات على التوصل إلى الطاعن الثاني الذي ضبط بمعرفة الشاهد الثاني بعدما أسفرت تحرياته عن مكان ضبطه، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن الأول - في هذا الصدد - يكون غير سديد.
8 - من المقرر أن الأصل أن من يقوم بإجراء باطل لا تقبل منه الشهادة عليه ولا يكون ذلك إلا عند قيام البطلان وثبوته ومتى كان لا بطلان فيما قام به الضابطان من إجراءات فإنه لا تثريب على المحكمة إن هي عولت على أقوالهما ضمن ما عولت عليه في إدانة الطاعنين، ويكون النعي على الحكم - في هذا الشأن - غير قويم.
9 - لما كان البين من الحكم المطعون فيه أنه لم يستند - في قضائه بإدانة الطاعن الثاني - إلى دليل مستمد من إقرار مستقل للطاعن الأول عليه بل استند إلى ما أقر به الأخير لضابط الواقعة من حيازته للمواد المخدرة المضبوطة لنقلها لحساب الطاعن الثاني وهو بهذه المثابة لا يعد إقراراً بالمعنى الصحيح وإنما هو مجرد قول للضابط يخضع لتقدير محكمة الموضوع التي أفصحت عن اطمئنانها إليه، فإن النعي على الحكم - في هذا الصدد - لا يكون له محل.
10 - لما كان الحكم المطعون فيه قد دان الطاعن الأول بجريمة نقل مخدر بقصد الإتجار حالة كونه من المكلفين بتنفيذ قانون مكافحة المخدرات المعاقب عليها بالمادة 34 فقرة 1/أ وفقرة 2/2 من القانون رقم 182 لسنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها المعدل، وأوقع عليه عقوبة السجن المشدد لمدة خمس سنوات وغرامة مائة ألف جنيه ومصادرة المخدر، وكانت العقوبة المقررة لتلك الجريمة هي الإعدام والغرامة التي لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تزيد على خمسمائة ألف جنيه، وكانت المادة 36 من القانون سالف الذكر قد نصت على أنه: "استثناء من المادة 17 من قانون العقوبات لا يجوز في تطبيق المواد السابقة والمادة 38 النزول عن العقوبة التالية مباشرة للعقوبة المقررة للجريمة". وكان مقتضى تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات - التي عامل الحكم بها الطاعن - والمادة 36 من قانون المخدرات ألا تقل العقوبة المقضي بها عن السجن المؤبد، فإن الحكم المطعون فيه إذ نزل بالعقوبة المقررة إلى السجن المشدد، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون، بما كان يؤذن لهذه المحكمة تصحيحه إلا أنه لما كان المحكوم عليه وحده الذي قرر بالطعن بالنقض في الحكم، فإنه لا يجوز لمحكمة النقض تصحيح هذا الخطأ حتى لا يضار الطاعن بطعنه. ولا يجدي الطاعن ما يثيره بشان ما أورده الحكم من أسباب تبريراً لإعماله المادة 17 من قانون العقوبات طالما أنه أعمل - في حق الطاعن - موجباتها، لما هو مقرر أن تقدير العقوبة في الحدود المقررة قانوناً وتقدير مناسبة العقوبة هو من إطلاقات محكمة الموضوع - دون معقب - ودون أن تسأل عن الأسباب التي من أجلها أوقعت العقوبة بالقدر الذي ارتأته، فإن ما يثيره الطاعن - في هذا الشأن - لا يكون مقبولاً.
-----------
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخر سبق الحكم عليه بأنهما: المتهم
الأول:- نقل بقصد الإتجار جوهر الحشيش (البانجو) المخدر في غير الأحوال المصرح بها
قانوناً حال كونه ضابط بالإدارة العامة للمسطحات المائية مكلف بتنفيذ أحكام
القانون. المتهم الثاني:- حاز بواسطة المتهم الأول وبقصد الإتجار جوهر الحشيش
(البانجو) المخدر في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. وأحالتهما إلى محكمة جنايات
..... لمعاقبتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة
قضت حضورياً وعملاً بالمواد 1/1، 2، 7، 34/ 1 البند 2، 42 /1 من القانون رقم 182
لسنة 1960 المعدل بالقانونين رقمي 61 لسنة 1977، 122 لسنة 1989 والبند رقم 56 من
القسم الثاني من الجدول رقم 1 الملحق بالقانون الأول والمعدل بقرار وزير الصحة رقم
46 لسنة 1997 مع أعمال أحكام المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من ......،
...... بالسجن المشدد لمدة خمس سنوات وبغرامه مائة ألف جنيه وبمصادرة المخدر
المضبوط. فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض وتلك المحكمة قضت بقبول
الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة جنايات
...... لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى.
ومحكمة الإعادة - بهيئة مغايرة - قضت حضورياً وعملاً بالمواد 1/1، 2،
7 /1، 34/ 1 بند 1، 2، 42/ 1 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل والبند رقم 56
من القسم الثاني من الجدول رقم 1 الملحق مع أعمال أحكام المادة 17 من قانون
العقوبات بمعاقبة المتهمين ......، ...... بالسجن المشدد لكل منهما مدة خمس سنوات
وغرامة مبلغ مائة ألف جنيه، وأمرت بمصادرة المخدر المضبوط.
فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض ..... إلخ.
--------------
المحكمة
وحيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن الأول
بجريمة نقل مخدر بقصد الاتجار والطاعن الثاني بجريمة حيازة مخدر بقصد الاتجار قد
شابه القصور والتناقض في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع
ومخالفه الثابت بالأوراق والخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأنه لم يبين واقعة الدعوى
بما تتوافر به أركان الجريمة التي دانهما بها، رغم ما قام عليه دفاع الطاعن الثاني
بانتفاء أركان الجريمة وإنكاره لها ورغم دفاع الطاعنين بانتفاء علمهما بكنه المخدر
وكذلك صلتهما أو سيطرتهما عليه، ولم يدلل الحكم على توافر قصد الاتجار، وأعتنق
صورتين للواقعة أولاهما أن الضابط استأذن الطاعن الأول في فتح حقيبة السيارة
وثانيهما أن الضابط طلب منه فتحها ففتحها مختاراً. ورد الحكم - بما لا يصلح رداً -
على دفع الطاعن الأول ببطلان استيقافه وما ترتب عليه من إجراءات لانتفاء مبرراته.
ودفع الطاعن الأول ببطلان القبض عليه وتفتيشه لانتفاء حالة التلبس إذ لم يحط
الضابط الطاعن بعدم حملة لإذن بالتفتيش وأن جريمة عدم حمل الطاعن لتراخيص السيارة
لا يبيح القبض والتفتيش بيد أن الحكم رد على الدفع بما لا يصلح رداً مستنداً إلى
أن الضابط استأذن الطاعن في فتح حقيبة السيارة بالمخالفة للثابت بالأوراق. ورد
الحكم - بما لا يسوغ - على دفع الطاعن الأول بتمتعه بالإعفاء من العقاب وذلك عندما
أطرحه بمقولة تخبط وكذب الطاعن فيما أدلى به ثم عاد وأورد أنه الذي دل على الطاعن
الثاني وعلى مكان تواجده. ودفع الطاعنان ببطلان أقوال الشهود لكونهم من قاموا
بإجراءات الضبط الباطلة، ودفع الطاعن الثاني ببطلان أقوال الطاعن الأول بمحضر
الضبط لعدوله عنها بالتحقيقات بيد أن الحكم رد على ذلك بما لا يسوغ هذا إلى أن
الحكم عامل الطاعن الأول بالمادة 17 من قانون العقوبات إلا أنه لم ينزل بالعقوبة
عما قضى به الحكم المنقوض وأورد أسباباً لتخفيف العقوبة أعقبها بأسباب لتشديدها.
كل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بيّن واقعة الدعوى بما مفاده: أنه أثناء
قدوم الطاعن الأول بسيارة خاصة لكمين ..... استوقفه الشاهدان الأول والثاني
وبسؤاله عن رخصتي السيارة والقيادة نفى حملهما وبسؤاله عن مالك السيارة قرر أنها
خاصة بشخص يدعى ..... وشهرته ..... ولا يعرف باقي اسمه وظهرت عليه علامات الارتباك
الشديد فطلب إليه الشاهد الأول فتح حقيبة السيارة/ فانتقل وقام بفتحها فأبصر
الشاهدان فيها نبات الحشيش المخدر وبمواجهته قرر أنه ينقله لحساب الطاعن الثاني
مقابل ألفي جنيه قدمه للشاهد الأول. "وساق الحكم على صحة الواقعة وإسنادها
للطاعنين أدلة استقاها من أقوال الشهود ومن تقرير المعامل الكيماوية. لما كان ذلك،
وكانت المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية قد أوجبت في كل حكم بالإدانة أن
يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً تتحقق به أركان الجريمة التي دان
الطاعنين بها والظروف التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت
وقوعها منهما، وكان يبين من الحكم - فيما تقدم - أنه بين واقعة الدعوى بما تتوافر
به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها في
حقهما أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها، فإن النعي بالقصور
على الحكم لا يكون سديداً. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن القصد الجنائي في جريمة
إحراز المخدر أو حيازته أو نقله يتوافر متى قام الدليل على علم الجاني بأن ما
يحرزه أو يحوزه أو ينقله من المواد المخدرة ولا حرج على القاضي في استظهار هذا
العلم من ظروف الدعوى وملابساتها على أي نحو يراه ما دام أنه يتضح من مدونات الحكم
توافره فعلياً، ولما كان ما ساقه الحكم المطعون فيه من وقائع الدعوى وملابساتها
وبرر به اقتناعه بعلم الطاعنين بوجود المخدر بالسيارة قيادة الطاعن الأول كافياً
في الدلالة على توافر هذا العلم وسائغاً في العقل والمنطق، فإن ما يثيره الطاعنان
في شأن عدم علمهما بما كان في السيارة من مخدر لا يكون سديداً. لما كان ذلك، وكان
من المقرر أنه لا يشترط لاعتبار الجاني حائزاً لمادة مخدرة أن يكون محرزاً للمادة
المضبوطة بل يكفي لاعتباره كذلك أن يكون سلطانه مبسوطاً عليها ولو لم تكن في
حيازته المادية أو كان المحرز للمخدر شخصاً غيره ولا يلزم أن يتحدث الحكم
استقلالاً عن هذا الركن بل يكفي أن يكون فيما أورده من وقائع وظروف ما يكفي
للدلالة على قيامه، وكان الدفع بعدم سيطرة المتهم على مكان الضبط وانتفاء صلته
بالواقعة من الدفوع الموضوعية التي لا تستلزم من المحكمة رداً خاصاً اكتفاء بما
تورده من أدلة الثبوت التي تطمئن إليها بما يفيد اطراحها، وكان الحكم قد أقام
قضاءه على ما استقر في عقيدة المحكمة من انبساط سلطان الطاعنين على المخدر المضبوط
تأسيساً على أدلة سائغة وتتفق والاقتضاء العقلي، فإن النعي على الحكم في هذا
الخصوص لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن توافر قصد الإتجار هو من
الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بتقديرها بغير معقب ما دام تقديرها
سائغاً تؤدي إليه ظروف الواقعة وأدلتها وقرائن الأحوال فيها، وإذ كانت المحكمة قد
اقتنعت - في حدود سلطتها في تقدير أدلة الدعوى والتي لا تخرج عن الاقتضاء العقلي
والمنطقي - بأن حيازة الطاعنين للمخدر المضبوط كان بقصد الاتجار، فإنه لا يجوز
مجادلتها في ذلك، فإن النعي على الحكم في هذا الشأن يكون غير سديد. لما كان ذلك،
وكان من المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو الذي يقع بين أسبابه بحيث
ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة والذي من شأنه
أن يجعل الدليل متهادماً متساقطاً لا شيء فيه باقياً يمكن أن يعتبر قواماً لنتيجة
سليمة يصح الاعتماد عليها، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تحصل أقوال الشاهد
وتفهم سياقها وتستشف مراميها ما دامت لا تحرف الشهادة عن مضمونها، كما أن عقيدة
المحكمة إنما تقوم على المقاصد والمعاني لا الألفاظ والمباني، وكان الحكم المطعون
فيه قد اعتنق صورة واحدة للواقعة حاصلها أن الشاهد طلب من الطاعن الأول فتح حقيبة
السيارة بعد أن نزل منها وفتحها برضائه وساق الحكم أدلة الثبوت التي أستمد منها
عقيدته دون تناقض وبذلك لا يضير الحكم أن يورد - في بيانه لواقعة الدعوى - أن
الشاهد استأذن الطاعن في فتح حقيبة السيارة في حين أورد - في اطراحه لدفاع الطاعن
- أن الشاهد طلب من الطاعن فتحها لأن المعنى المشترك بينهما واحد وهو أن الطاعن
فتح حقيبة السيارة برضائه، ويكون النعي على الحكم - في هذا الخصوص - في غير محله.
لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لدفع الطاعن الأول ببطلان القبض عليه وتفتيشه
لانتفاء مبررات استيقافه ولانتفاء حالة التلبس ورد عليه بقوله: "الثابت من
وقائع الدعوى التي استخلصتها المحكمة واطمأنت إليها وكذا اطمئنانها لأقوال ضابط
الواقعة وتصويره لها أن المتهم وضع نفسه في موضوع الريبة والظن حين أجاب بأنه لا
يحمل رخصة السيارة التي يقودها ولا رخصة القيادة الخاصة به بل أنكر معرفته اسم
مالك السيارة بالكامل مما جعل الضابط يشك في أن هذه السيارة مسروقة فطلب من المتهم
فتح شنطة السيارة فقام بفتحها بنفسه وحين نظر ضابط الواقعة بداخلها وجد عدد من
اللفافات وإحداها مفضوضة يظهر منها نبات الحشيش المخدر فوقعت بذلك حالة تلبس
صحيحة، وكانت المحكمة قد استخلصت - في حدود السلطة المخولة لها ومن الأدلة السائغة
التي أوردتها - أن رضاء المتهم بالتفتيش كان غير مشوب وأنه سبق إجراء التفتيش وكان
المتهم يعلم بظروفه وخصوصاً أن المتهم يشغل وظيفة يفترض في شاغلها العلم بالقانون
وحقوقه الأمر الذي لا يتصور معه فتح الشنطة الخاصة بالسيارة بغير رضاه ومن ثم فإن
تفتيش الضابط للمتهم وضبط المخدر معه يكون صحيحاً ومشروعاً". وكان ما انتهى
إليه الحكم - فيما تقدم - صحيح في القانون ذلك بأن الاستيقاف هو إجراء يقوم به رجل
السلطة العامة على سبيل التحري عن الجرائم وكشف مرتكبيها ويسوغه اشتباه تبرره
الظروف، وهو أمر مباح لرجل السلطة العامة إذا ما وضع الشخص نفسه طواعية منه
واختياراً في موضع الريب والظن، وكان هذا الوضع ينبئ عن ضرورة تستلزم تدخل
المستوقف للتحري والكشف عن حقيقته عملاً بالمادة 24 من قانون الإجراءات الجنائية،
وكان الفصل في قيام المبرر للاستيقاف أو تخلفه من الأمور التي يستقل بها قاضي
الموضوع بغير معقب ما دام لاستنتاجه ما يسوغه. كما أن التلبس - على ما يبين من نص
المادة 30 من قانون الإجراءات الجنائية - صفة تلازم الجريمة ذاتها لا شخص مرتكبها
وأن حالة التلبس بالجناية تبيح لمأمور الضبط القضائي طبقاً للمادتين 34، 46 من هذا
القانون أن يقبض على المتهم الحاضر الذي توجد دلائل كافية على اتهامه وأن يفتشه،
وتقدير توافر حالة التلبس أو عدم توافرها هو من الأمور الموضوعية التي توكل بداءة
لرجل الضبط القضائي على أن يكون تقديره خاضعاً لرقابة سلطة التحقيق تحت إشراف
محكمة الموضوع - وفق الوقائع المعروضة عليها بغير معقب - ما دامت النتيجة التي
انتهت إليها تتفق منطقياً مع المقدمات والوقائع التي أثبتتها في حكمها، وأن الرضاء
بالتفتيش يكفي فيه أن تكون المحكمة قد استبانته من وقائع الدعوى وظروفها واستنتجته
من دلائل مؤدية إليه. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد استخلص - في منطق
سليم - ما انتاب رجل الضبط من ريب وظن بشأن الطاعن الأول الذي نفى حمله تراخيص
السيارة المضبوطة وأنه لا يعرف اسم مالكها بالكامل وظهرت عليه علامات الارتباك
الشديد مما شكك الضابط في أن السيارة مسروقة، فإن هذه الأمارات تبيح استيقاف
الطاعن ومنعه من السير للتحري والكشف عن حقيقة هذا الوضع، وأن حاله التلبس نشأت عن
تبين المظاهر الخارجية للجريمة والتي تنبئ بوقوعها لمشاهدة الضابط للمخدر بحقيبة
السيارة بعد أن طلب من الطاعن فتحها فنزل من السيارة وفتحها برضائه، وهو ما يبيح
للضابط القبض عليه بعد ضبطه بارتكابه جناية نقل المواد المخدرة وهي في حالة تلبس،
ويكون الحكم إذ قضى برفض الدفع ببطلان القبض والتفتيش قد اقترن بالصواب، ويضحى
النعي على الحكم - في هذا الخصوص - غير سديد. لما كان ذلك، وكان قضاء هذه المحكمة
قد جرى على أن مفاد نص المادة 48 من القانون رقم 182 لسنة 1960 بشأن مكافحة
المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها أن القانون لم يرتب الإعفاء من العقاب
بعد علم السلطات بالجريمة إلا بالنسبة للمتهم الذي يسهم بإبلاغه إسهاماً إيجابياً
وجدياً ومنتجاً في معاونة السلطات على التوصل إلى مهربي المخدرات والكشف عن
الجرائم الخطيرة المنصوص عليها في المواد 33، 34، 35 من هذا القانون باعتبار أن
هذا الإعفاء نوع من المكافأة منحها المشرع لكل من يؤدي خدمة للعدالة، فإذا لم
يتحقق صدق التبليغ بأن كان غير متسم بالجدية فلا يستحق صاحبه الإعفاء لانتفاء
مقوماته وعدم تحقق حكمة التشريع لعدم بلوغ النتيجة التي يجزي عنها بالإعفاء وهي
تمكين السلطات من وضع يدها على مرتكبي تلك الجرائم، وكان لقاضي الموضوع أن يفصل في
ذلك ما دام يقيمه على ما ينتجه من عناصر الدعوى. وكان ما انتهى إليه الحكم المطعون
فيه من اطراحه لدفع الطاعن الأول بتمتعه بالإعفاء من العقاب - وبغض النظر عما
أورده من أسباب لذلك - يلتقي في نتيجته مع ما ثبت بالأوراق المنضمة من أن الطاعن
الأول لم يسهم إسهاماً إيجابياً وجدياً ومنتجاً في معاونة السلطات على التوصل إلى
الطاعن الثاني الذي ضبط بمعرفة الشاهد الثاني بعدما أسفرت تحرياته عن مكان ضبطه،
ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن الأول في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان
الأصل أن من يقوم بإجراء باطل لا تقبل منه الشهادة عليه ولا يكون ذلك إلا عند قيام
البطلان وثبوته ومتى كان لا بطلان فيما قام به الضابطان من إجراءات فإنه لا تثريب
على المحكمة إن هي عولت على أقوالهما - ضمن ما عولت عليه - في إدانة الطاعنين،
ويكون النعي على الحكم - في هذا الشأن غير قويم. لما كان ذلك، وكان البين من الحكم
المطعون فيه أنه لم يستند في قضائه بإدانة الطاعن الثاني إلى دليل مستمد من إقرار
مستقل للطاعن الأول عليه بل استند إلى ما أقر به الأخير لضابط الواقعة من حيازته
للمواد المخدرة المضبوطة لنقلها لحساب الطاعن الثاني وهو بهذه المثابة لا يعد
إقراراً بالمعنى الصحيح وإنما هو مجرد قول للضابط يخضع لتقدير محكمة الموضوع التي
أفصحت عن اطمئنانها إليه، فإن النعي على الحكم - في هذا الصدد - لا يكون له محل.
لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد دان الطاعن الأول بجريمة نقل مخدر بقصد
الإتجار حالة كونه من المكلفين بتنفيذ قانون مكافحة المخدرات المعاقب عليها
بالمادة 34 فقرة 1/أ وفقرة 2/2 من القانون رقم 182 لسنة 1960 في شأن مكافحة
المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها المعدل، وأوقع عليه عقوبة السجن المشدد
لمدة خمس سنوات وغرامة مائة ألف جنيه ومصادرة المخدر، وكانت العقوبة المقررة لتلك
الجريمة هي الإعدام والغرامة التي لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تزيد على خمسمائة
ألف جنيه، وكانت المادة 36 من القانون سالف الذكر قد نصت على أنه:- "استثناء
من المادة 17 من قانون العقوبات لا يجوز في تطبيق المواد السابقة والمادة 38
النزول عن العقوبة التالية مباشرة للعقوبة المقررة للجريمة". وكان مقتضى
تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات - التي عامل الحكم بها الطاعن والمادة 36 من
قانون المخدرات ألا تقل العقوبة المقضي بها عن السجن المؤبد، فإن الحكم المطعون
فيه إذ نزل بالعقوبة المقررة إلى السجن المشدد، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق
القانون، بما كان يؤذن لهذه المحكمة تصحيحه إلا أنه لما كان المحكوم عليه وحده
الذي قرر بالطعن بالنقض في الحكم، فإنه لا يجوز لمحكمة النقض تصحيح هذا الخطأ حتى
لا يضار الطاعن بطعنه. ولا يجدي الطاعن ما يثيره بشأن ما أورده الحكم من أسباب
تبريراً لإعماله المادة 17 من قانون العقوبات طالما أنه أعمل - في حق الطاعن -
موجباتها لما هو مقرر أن تقدير العقوبة في الحدود المقررة قانوناً وتقدير مناسبة
العقوبة هو من إطلاقات محكمة الموضوع - دون معقب - ودون أن تسأل عن الأسباب التي
من أجلها أوقعت العقوبة بالقدر الذي ارتأته، فإن ما يثيره الطاعن - في هذا الشأن -
لا يكون مقبولاً. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً
رفضه موضوعاً.