بِاسْم الشعَب
مجْلِسِ الدَّوْلَة
المحْكَمَةٌ الإدارية الْعُلْيَا
الدَّائرة الرَّابعة – موضوع
بالْجلسة الْمُنعقدة علناً برِئَاسَةِ السَّيِّدِ الأُسْتَاذِ
المُسْتَشَارِ / عادل سيد عبد الرحيم بريك نائِب رَئِيسِ مجْلِسِ الدَّوْلَةِ ورئيس
المحكمة وَعُضْوِيَّةِ السَّيِّدِ الأُسْتَاذِ المُسْتَشَارِ / سيد عبد الله سلطان
عمار نَائِب رَئِيسِ مجْلِسِ الدَّوْلَةِ وَعُضْوِيَّةِ السَّيِّدِ الأُسْتَاذِ
المُسْتَشَارِ الدكتور / محمد أحمد عبد الوهاب خفاجي نَائِب رَئِيسِ مجْلِسِ
الدَّوْلَةِ وعضوية السيد الأستاذ المستشار / شعبان عبد العزيز عبد الوهاب نَائِب
رَئِيسِ مجْلِسِ الدَّوْلَةِ وَعُضْوِيَّةِ السَّيِّدِ الأُسْتَاذِ المُسْتَشَارِ
/ أحمد ماهر سيد عبد العال نَائِب رَئِيسِ مجْلِسِ الدَّوْلَةِ
وبحُضُورِ السَّيِّدِ الأُسْتَاذِ المُسْتَشَارِ / محمد الصباحي مُفوَّض
الدَّوْلةِ
وَسِكرْتارِيّة السّيِّدِ / سيد أمين أبو كيله أَمِين السرِّ
أصَدْرِت الحُكْم الآتِي
فى الطعن رقم 33627 لسنة 62 قضائية عليا
المقام من :
رئيس هيئة النيابة الإدارية بصفته
ضد
1- ……………..
2- ……………….
3- …………….
فى الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لوزارة الصحة وملحقاتها
في الدعوى التأديبية رقم 457 لسنة 57 قضائية بجلسة 27/12/2015
-----------------
الإجراءات
بتاريخ 22/2/2016 أودع رئيس هيئة النيابة الإدارية بصفته قلم كتاب هذه
المحكمة الطعن المقيد برقم 33627 لسنة 62 قضائية عليا في الحكم الصادر من المحكمة
التأديبية لوزارة الصحة وملحقاتها في الدعوى التأديبية رقم 457 لسنة 57 قضائية
بجلسة 27/12/2015 ببراءة المطعون ضدهم مما نسب إليهم .
والتمس الطاعن بصفته – لما ورد بتقرير الطعن من أسباب – الحكم بقبول
الطعن شكلاً , وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه , والقضاء مجددا بمعاقبة
المطعون ضدهم بالعقوبة المنسبة لما اقترفوه من جُرم مما هو منسوب إليهم .
وقد أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأى القانونى في الطعن.
ونظر الطعن أمام الدائرة الرابعة لفحص الطعون بالمحكمة الإدارية
العليا حيث قررت إحالته إلي هذه المحكمة لنظرها بجلسة 17/11/2019 , وتدوول أمامها
علي النحو الثابت بمحاضر الجلسات ، وبجلسة 11/1/2020 قررت المحكمة إصدار الحكم في
الطعن بجلسة 21/3/2020 وقد تم تأجيل النطق بالحكم إدارياً لجلسة اليوم , حيث صدر
وأودعت مسودته المشتملة علي أسبابه لدي النطق به .
------------------
المحكمة
بعد الاطلاع علي الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة قانوناً .
ومن حيث إن الطعن قد استوفى سائر أوضاعه المقررة قانوناً , فمن ثم
يكون مقبول شكلاً .
ومن حيث أن وقائع الطعن تخلص – حسبما يبين من الأوراق – في أن النيابة
الإدارية أقامت الدعوى التأديبية رقم 457 لسنة 57 قضائية بإيداع أوراقها قلم كتاب
المحكمة التأديبية لوزارة الصحة وملحقاتها بتاريخ 25/5/2015 متضمنة ملف تحقيقاتها
فى القضية رقم 261 لسنة 2014 نيابة أكتوبر وتقرير اتهام بأدلة الثبوت ضد كل من :
1- ….. مساعد مكتب بريد أبو رجوان قبلى 2- …. رئيس قسم التسويق بمنطقة بريد جنوب
أكتوبر 3- ….. موظف بمكتب بريد أوسيم بمنطقة شمال أكتوبر , لأنهم بوصفهم السابق
وبدائرة عملهم بمنطقة بريد أكتوبر بالهيئة القومية للبريد خرجوا على مقتضى الواجب الوظيفي
وخالفوا القانون ولم يؤدوا العمل المنوط بهم بأمانة وخالفوا القواعد والأحكام
المنصوص عليها فى القوانين واللوائح المعمول بها والقواعد المالية وأتوا ما من
شأنه المساس بمصلحة مالية للدولة بأن قاموا بوقفة احتجاجية أمام مركز الحركة أيام
23 و24 و 25 فبراير 2014 مما أدى إلى إضراب وإعلان العديد من المكاتب البريدية على
مستوى الجمهورية وعدم تحصيل مبالغ مالية للدولة وتعطيل العمل وذلك على النحو
الوارد بالأوراق , وارتأت النيابة الإدارية أن المتهمين المذكورين قد ارتكبوا
المخالفة المالية والإدارية المنصوص عليها فى المواد 76/1 , 77/1و3و4 , 78/1 من
قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 , وطلبت
لذلك محاكمتهم تأديبيا طبقا لنصوص المواد المشار إليها والمادتين 80 و 82 من ذلك
القانون والمادة 14 من القانون رقم 117 لسنة 1958 بشأن إعادة تنظيم النيابة
الإدارية والمحاكمات التأديبية وتعديلاته , وبالمادتين 15 أولا و 19/1 من القانون
رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة والمادة الأولى من القانون رقم 19 لسنة 1959
بشأن سريان قانون النيابة الإدارية على العاملين بالهيئات والمؤسسات العامة المعدل
بالقانون رقم 172 لسنة 1981 وأرفقت بتقرير الاتهام قائمة بأدلة الثبوت
وبجلسة 27/12/2015 أصدرت المحكمة التأديبية لوزارة الصحة وملحقاتها
حكمها المطعون فيه .
وقد شيدت المحكمة قضاءها على أن الأوضاع السياسية فى مصر قد تطورت من
خلال حراك شعبى نتج عنه اصدار دستورى 2012 و2014 وقد تضمنا نصا صريحا يقر حق
الإضراب بشكل عام بغض النظر عن طبيعة الجهة التى يعمل بها المواطن المصري مما يعنى
أن كل عامل أو موظف أصبح له حق الإضراب طالما مارسه فى إطار السلمية , وأن عدم صدور
قانون ينظم حق الإضراب لا يعصف بهذا الحق الدستورى لأنه قائم بذاته للتطبيق دون
قانون ينظمه , ودون الاحتجاج بغياب السلطة التشريعية فى توقيت الإضراب للظروف
السياسية التى مر بها الوطن , لأن المادة 156 من دستور 2014 أعطت لرئيس الدولة
سلطة التشريع فى غياب البرلمان , وقد أصدر رئيس الدولة العديد من التشريعات التى
لا تقل أهمية عن تنظيم حق الإضراب كما هو الحال فى قانون التظاهر وقانون الخدمة
المدنية , وانتهت المحكمة إلى أنه لا يجوز اتخاذ تأخر رئيس الدولة فى إصدار تشريع
ينظم حق الإضراب مطية للحرمان من هذا الحق أو النيل منه ,وخلصت إلي حكمها المطعون
فيه .
وإذ لم يلق هذا القرار قبولاً لدى الطاعن بصفته ، فأقام طعنه ناعياً
عليه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله , وشابه القصور فى التسبيب والفساد
في الاستدلال, تأسيساً على أسباب حاصلها أنه لا يجوز للموظفين الإضراب أو الامتناع
عن أداء العمل لما يترتب عليه من الإضرار بالمصلحة العامة , وأن مقاومة الإجراءات غير
المشروعة من جهة الإدارة لا تكون بإضراب الموظفين بل بلجوئهم للقضاء الإدارى
للمطالبة بحقوقهم , وأنه يتعين توقيع أقصى العقاب على المطعون ضدهم إذ بقيامهم
بالوقفات الاحتجاجية أمام مركز الحركة أيام 23 و 24 و 25 /2/2014 أدى إلى إضراب
وإغلاق العديد من المكاتب البريدية على مستوى الجمهورية وعدم تحصيل مبالغ مالية
للدولة وتعطيل العمل فى ضوء الظروف والملابسات المحيطة بالواقعة , وخلص الطاعن
بصفته فى ختام تقرير طعنه إلى طلباته سالفة البيان.
وحيث إنه عن موضوع الطعن , فإنه بتتبع الدساتير المصرية بشأن الإضراب
, فإن دستور 1923 الصادر بالأمر الملكي رقم 42 لسنة 1923 بتاريخ 19 أبريل 1923 قد
تضمن (170) مادة لم يشر فيها إلى الإضراب , ونصت المادة (3) منه على إنه :
المصريون لدى القانون سواء - وإليهم وحدهم يعهد بالوظائف العامة مدنية كانت أم
عسكرية
كما أن دستور 1930 الصادر بالأمر الملكى رقم 70 لسنة 1930 في 22
أكتوبر 1930 والذى تضمن (170) مادة خلا من النص على الإضراب , ونصت المادة (3) منه
على إنه : المصريون لدى القانون سواء - وإليهم وحدهم يعهد بالوظائف العامة مدنية
كانت أم عسكرية , ثم خلا الأمر الملكى رقم (67) لسنة 1934 الصادر في 30 نوفمبر
1934 بإلغاء دستور 1930 والعودة إلى العمل بدستور 1923 خلا أيضا من ثمة إشارة إلى
الإضراب .
وبالنسبة لدستور 1956 الصادر في 16 يناير 1956 فقد تضمن (196) مادة
خلت جميعها من النص على الإضراب , ونصت المادة (28) منه على إنه : الوظائف العامة
تكليف للقائمين بها , ويستهدف موظفوا الدولة في أداء أعمال وظائفهم خدمة الشعب .
وبالنسبة لدستور 1964 الصادر في 24 مارس 1964 فقد تضمن (169) مادة خلت
جميعها من النص على الإضراب , ونصت المادة (21) منه على إنه : العمل في الجمهورية
العربية المتحدة حق وواجب وشرف لكل مواطن قادر , الوظائف العامة تكليف للقائمين
بها , ويستهدف موظفوا الدولة في أداء أعمال وظائفهم خدمة الشعب
ودستور 1971 الصادر في 11 سبتمبر 1971 فقد تضمن (193) مادة خلت كافة
من النص على الإضراب , نصت المادة (14) منه على إنه : الوظائف العامة حق
للمواطنين، وتكليف للقائمين بها لخدمة الشعب، وتكفل الدولة حمايتهم وقيامهم بأداء
واجباتهم في رعاية مصالح الشعب، ولا يجوز فصلهم بغير الطريق التأديبي إلا في
الأحوال التي يحددها القانون.
ونصت المادة (64) من دستور 2012 إنه : العمل حق وواجب وشرف لكل مواطن،
تكفله الدولة على أساس مبادئ المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص. ولا يجوز فرض أى عمل
جبرا إلا بمقتضى قانون. وبعمل الموظف العام فى خدمة الشعب، وتتيح الدولة الوظائف
العامة للمواطنين على أساس الجدارة , ودون محاباة أو وساطة، - ولا يجوز فصل العامل
إلا فى الحالات المنصوص عليها فى القانون.
والإضراب السلمى حق، وينظمه القانون
وتنص المادة (15) من دستور 2014 الصادر في 18 يناير 2014 تنص على إنه
: الإضراب السلمى حق ينظمه القانون.
وتنص المادة (14) من الدستور على إنه : الوظائف العامة حق للمواطنين
على أساس الكفاءة ودون محاباة أو وساطة وتكليف للقائمين بها لخدمة الشعب --
ومن حيث إن موضوع الطعن الماثل , ينحصر فى أن الطاعنين أضربوا عن
العمل بالهيئة القومية للبريد أيام 23و24و25/2/2014 معتصمين أمام مركز الحركة
الفرعى خلال تلك الأيام مما أدى إلى تعطيل العمل به , وقاموا بتحريض زملائهم على
زيادة الاعتصام وغلق المكاتب مما ترتب عليه إضراب زملائهم وإغلاق العديد من
المكاتب البريدية على مستوى الجمهورية وتعطيل العمل بها وعدم قيام الموظفين
المختصين بتحصيل المبالغ المالية المستحقة للدولة , ولما كان الإضراب هو امتناع
العاملين بالمرافق العامة عن أداء أعمالهم, وعدم مباشرتهم لمهام وظائفهم - دون أن
يتخلوا عن تلك الوظائف، ومع استمرار تمسكهم بها- وذلك بقصد الإعلان من جانبهم عن
احتجاجهم على أوضاع معينة ، أو عن مطالب معينة، يطالبون المسئولين بتحقيقها أو
بقصد إظهار السخط والاستنكار لأعمال أو إجراءات لا ترضيهم، فإن فصل الخطاب يدور
حول مدى مشروعية الإضراب فى هيئة البريد بصفة خاصة والمرافق العامة بصفة عامة ,
ومدى اتفاقه مع نظام الموظفين العموميين , ومدى اتساقه مع مبدأ سير المرفق العام
بانتظام واطراد .
ومن حيث إن جميع الدساتير المصرية بدءاً من دستور 1923 حتى قبل دستور
2012 خلت من ثمة نص يجيز الإضراب أو أية إشارة إليه , ولم يتطرق إلي الإضراب سوى
دستور 2012 ومن بعده دستور 2014 فجعل كلاهما الإضراب السلمى حق ينظمه القانون ,
وهو نص غير قابل للتطبيق بذاته طالما أن المشرع الدستوري جعل أمر تنظيمه للقانون ,
وفى ذات الوقت فإن دساتير مصر السالفة جميعها قد اتفقت نحو احترام الوظائف العامة
وأنها تكليف لخدمة للشعب .
ومن حيث إنه على المستوى الدولي , فإن الإضراب عن العمل وليد الثورة
الصناعية وما ترتب عليها من زيادة عدد العمال وتكتلهم فى القطاع الخاص للزود عن
مصالحهم المهنية فى عقد العمل التبعى ضد أصحاب الأعمال , وعلى الرغم من أن حق
الإضراب مستمد من المواثيق الدولية إلا أنه لم يحظ على المستوى الدولي بذات
الاهتمام الذى حظى به غيره من الحقوق , إذ لا توجد اتفاقية دولية صادرة عن منظمة
العمل الدولية تخص الحق فى الإضراب فى المرافق العامة , فلم تتضمن كل من الاتفاقية
الدولية الصادرة عن منظمة العمل الدولية رقم 87 لسنة 1948 بشأن الحرية النقابية
وحماية حق التنظيم , والاتفاقية الدولية رقم 98 لسنة 1949 بشأن حق التنظيم
والمفاوضات الجماعية فى نطاق القانون الخاص ثمة نص صريح يتعلق بالحق فى الإضراب
سوى ما قررته لجنة الحريات النقابية التابعة لتلك المنظمة فى ربط الإضراب بالعمل
النقابى ولكن بقيود , وخارج نطاق منظمة العمل الدولية , فإن العهد الدولى للحقوق
الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة اعترف صراحة بحق
الإضراب لكل مواطن بشرط ممارسته وفقا للشروط و الإجراءات التى تقررها دولة معنية ,
وعلى عكس كل ذلك فإن الإعلان العالمى لحقوق الإنسان جاء خلوا من أية إشارات تصريحا
أو تلميحا للإضراب كحق , ولعل عدم وجود اتفاقيات دولية بشأن تنظيم الإضراب بصفة
مستقلة ومباشرة على المستوى الدولى أو الإقليمى وترك تنظيمه وفقا للتشريعات
الداخلية لكل دولة هو ما أدى إلى رفض كثير من رجال الفقه بوصفه بالحق الدولى.
(يراجع فى مجال الفقه الرافض للاعتراف للإضراب كحق دولى ما يلى :
MICHEL Stéphane, « L’exercice du droit de grève dans le secteur privé, RPDS, n°
706, 2004, p 44.)
وقد مر الإضراب فى المجال الوظيفى فى فرنسا بمراحل عديدة بين الحظر
والإباحة , وقد نظر إليه فى بادئ الأمر على أنه مظهر من مظاهر الفوضى والعنف حتى
أن النظام الفرنسى قديما اعتبره جريمة تسمى جريمة التحالف Le
délit de coalition)) وفقا لقانون Chapelier لسنة
1791 الذى كان يعاقب عليها بالسجن ثم اُلغى بقانون
Ollivier بتاريخ 25/5/1864 وظلت العقوبات المدنية سارية, وقضى مجلس الدولة
الفرنسى بتاريخ 27 أغسطس 1909 فى قضية Winkell – المتعلقة
بإضراب موظفى البريد نجم عنه فصل 600 موظف - بأن إضراب الموظفين والأشخاص الذين
يشتركون فى تسيير مرافق عام ولو كان يدار بأسلوب الامتياز هو غير مشروع وخروج عن
القوانين واللوائح ونقضا لعقد القانون العام الذى يربطهم بالدولة , وأن الموظف
المُضرب يعنى بتوقفه أنه جعل نفسه خارج الوظيفة العامة التى تربطه بالدولة مبررا
فصلهم لهذا الفعل , وبصدور دستور 1946 الفرنسى تم تقرير الحق فى الإضراب بموجب
الفقرة السابعة من ديباجته التى جاء فيها أن الإضراب يمارس فى إطار القوانين التى
تنظمه (Le droit de grève sexerce dans le cadre
des lois oui le réglementent) , وقد قضى مجلس الدولة الفرنسى بمشروعية
الإضراب لكنه قيده بقيود زمنية وموضوعية في قضية Dehaene
بتاريخ 7 يوليه 1950 – المتعلقة بإضراب مجموعة من الموظفين في الرتب
عالية تابعة لوزارة الداخلية الفرنسية - أهمها أنه قصره على المصالح المهنية وبشرط
عدم تعارضه مع واجب الولاء وحظر الإضراب السياسي وأباح للحكومة اتخاذ بعض الإجراءات لمنع أي تصرف يتنافى والمصلحة العامة تحت رقابة القضاء , وحينما صدر
دستور 1958 فى فرنسا لم ينص صراحة على حق الإضراب إلا أنه استند إلى مبادئ دستور
1946 بشأنه , وبعد صدور دستور 1958 أصدر مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 11 فبراير
1961 حكمه فى قضية legrand حظر فيها
على المضربين احتلال الأماكن الإدارية ، لتعارضه مع الغاية من الإضراب كصورة من
صور الاحتجاج على أوضاع يراها المضرب معيبة ووجوب ألا يكون المضرب متعسفا في
استعماله , ولم يحظ تنظيم الإضراب باهتمام المشرع العادى الفرنسى حتى صدر قانون
31/7/1963 بتنظيم ممارسة الإضراب فى بعض المرافق العامة وبمراعاة بعض قيود , ثم
نُقلت أحكامه لاحقا إلى قانون العمل فى القطاع الخاص.
( يراجع فى الاتجاه الفرنسى الحديث عن فكرة إضرار الإضراب بخدمات
المنافع الحكومية وتعرض الموظف العام للعقوبات التأديبية , المؤلفات ورسائل
الدكتوراه التالية :
1- CRISTAU Antoine, Grève et contrats These pour l obtention du grade de
docteur université Paris ll,1999,p4
2- TERNEYRE Philippe, La grève dans les services publics, Sirey, Paris,
1991
3. FONTAINE Laurence
Léa, le service minimum- les services essentiels (approché française et
Québéquoise), thèse pour l’obtention de grade de docteur en
droit, université des sciences sociales de Toulouse- université
de Montréal, 2004.
4. DEVAUX Eric, La grève dans les services publics, thèse
de doctorat en droit, université
de limoges, 1993.
وفى مصر فقد مر الإضراب بمراحل تشريعية عديدة ، فلم يكن الإضراب في
القانون المصري معاقباً عليه حتى عام1923، اكتفاء بالعقوبات التأديبية التي كان
يمكن توقيعها على المضربين والتى كانت تصل أحياناً إلى حد العزل من الوظيفة، وإزاء
كثرة الإضرابات سواء من جانب العمال أم من الموظفين تنبه المشرع إلى خطورة ذلك
وإلي عدم كفاية العقوبات التأديبية في هذا الشأن , فأصدر القانون رقم 37 لسنة
1923, الذي ميز بين فئتين: عمال المرافق العامة التي تدار بالطريق المباشر،
والثانية عمال المرافق العامة التي تدار بطريق الامتياز، فبالنسبة إلي الفئة
الأولي فهؤلاء كانوا يعاقبون علي الإضراب في حالتين:-
1-إذا اتفق ثلاثة علي الأقل من الموظفين أو المستخدمين العموميين،
وتركوا عملهم بدون مسوغ شرعي فكانوا يعاقبون بالحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر أو
بغرامة لا تزيد علي مائة جنيه.
2-وتطبق هذه العقوبة على كل موظف أو مستخدم عام امتنع عمداً عن تأدية
واجب من واجبات وظيفته، إذا كان امتناعه يجعل أو من شأنه أن يجعل حياة الناس أو
صحتهم أو أمنهم في خطر، وكذلك إذا نشأت عنه فتنة أو إذا أضر بمصلحة عامة.
وبالنسبة إلى الفئة الثانية، وهم عمال المرافق العامة التي تدار بطريق
الامتياز، فكانت القاعدة السارية في ظل التشريع المصري هي الاعتراف بالإضراب
بالنسبة لعمال القطاع الخاص، ولكن نظر للطابع الخاص للمرافق العامة التي تدار
بطريق الامتياز، وأهمية وحيوية هذه المرافق فيما يتعلق بخدمة الجمهور، فلم يحرم
المشرع العاملين بهذه المرافق من ممارسة الإضراب، وإنما وضع لهم شروطاً لممارسة
هذا الحق، فنصت المادة 374 من القانون رقم37 لسنة1923 على أنه محظور على
المستخدمين والأجراء التابعين لمصلحة خاصة حاصلة على امتياز بإدارة عمل من الأعمال
ذات المنفعة العامة أن يتوقفوا عن العمل كلهم معاً، أو جماعات منهم بكيفية يتعطل
معها سير العمل في تلك المصلحة بدون أن يخطروا المدير أو المحافظ بذلك قبل الوقت
الذي ينوون فيه التوقف عن العمل بخمسة عشر يوماً علي الأقل، ويكون هذا الإخطار
بالكتابة ، ويكون موقعاً عليه بإمضاء أو ختم المستخدمين أو الإجراء الذين ينوون
التوقف عن العمل، وتبين فيه أسباب هذا التوقف، ويعطى لذوي الشأن وصل يذكر فيه
تاريخ الإخطار وساعته، والتوقف عن العمل بدون مراعاة الأحكام الواردة في الفقرة
السابقة والميعاد المنصوص عليه فيها يعد جريمة يعاقب عليها بغرامة لا تزيد على
خمسين جنيهاً.
ووفقاً للنص المتقدم كان الإضراب بالنسبة لموظفي وعمال المرافق العامة
التي تدار بطريق الامتياز مشروعاً وذلك بمراعاة الشروط المنصوص عليها قانوناً، وفى
حالة ممارسة تلك الفئة للإضراب بدون مراعاة لتلك الشروط يعد الإضراب غير مشروع
ويعاقب عليه بالعقوبات المنصوص عليها.
وحينما كشفت التجربة عن كثرة الإضرابات علي الرغم من النصوص القانونية
التي تجرمه أصدر المشرع المرسوم بقانون رقم 116 لسنة 1946، وقد تناول هذا المرسوم
الإضراب في المواد 124 , 124أ ، 124 ب ، 374 ، 374 مكرر و375. فنصت المادة 124 على
أنه:- إذا ترك ثلاثة علي الأقل من الموظفين العموميين عملهم ، ولو في صورة
الاستقالة أو امتنعوا عملاً عن تأدية واجب من واجبات وظيفتهم، متفقين على ذلك أو
مبتغين منه تحقيق غرض مشترك, عوقب كل منهم بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا
تتجاوز ستة أشهر وبغرامة لا تزيد علي خمسين جنيهاً، ويضاعف الحد الأقصى لهذه
العقوبة إذا كان الترك أو الامتناع من شأنه أن يجعل حياة الناس أو صحتهم أو آمنهم
في خطر، أو كان من شأنه أن يحدث إضراباً أو فتنة بين الناس أو إذ أضر بمصلحة عامة،
وكل موظف ترك عمله أو امتنع عن أعمال وظيفته بقصد عرقلة سير العمل أو الإخلال
بانتظامه، يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر أو بغرامة لا تتجاوز عشرين
جنيهاً.
وتنص المادة 124 (أ) على إنه : يعاقب بضعف العقوبات المقررة بالمادة
124 كل من اشترك بطريق التحريض في ارتكاب جريمة من الجرائم المبينة بها، ويعاقب
بالعقوبات المقررة بالفقرة الأولى من المادة المذكورة كل من حرض أو شجع موظفاً أو
مستخدماً عمومياً بأية طريقة كانت على ترك العمل أو الامتناع عن تأدية واجب من
واجبات الوظيفة، إذا لم يترتب على تحريضه وتشجيعه أية نتيجة , فضلاً عن العقوبات
المتقدم ذكرها يحكم بالعزل إذا كان مرتكب الجريمة من الموظفين.
وتنص المادة 124 (ب) علي إنه يعاقب بالعقوبات المبينة في الفقرة
الثانية من المادة 124 كل من يعتدي أو يشرع في الاعتداء على حق الموظفين العموميين
في العمل باستعمال القوة أو العنف أو الإرهاب أو التهديد أو التدابير غير المشروعة
علي الوجه المبين في المادة 375 من هذا القانون.
وتنص المادة 124 (ج) على إنه فيما يتعلق بتطبيق المواد الثلاث السابقة
يعد كالموظفين والمستخدمين العموميين جميع الإجراء الذين يشتغلون بأية صفة في خدمة
الحكومة أو في خدمة سلطة من سلطات الأقاليم أو السلطات البلدية أو القروية--
وتنص المادة 374 علي إنه يحظر علي المستخدمين والإجراء الذين يقومون
بخدمة عامة أو بالخدمة في المرافق العامة أو بعمل يسد حاجة عامة أن يتركوا أعمالهم
أو يمتنعوا عنه عمداً، وتجرى في شأن ذلك جميع الأحكام المبينة في المادتين 124
و124 أ وتطبق العقوبات المنصوص عليها فيها على هؤلاء المستخدمين وعلى المحرضين
والمشجعين والمحبذين والمذيعين حسب الأحوال.
وتنص المادة 375 علي إنه يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنة وبغرامة لا
تزيد على خمسين جنيها كل من استعمل القوة أو العنف أو الإرهاب أو التهديد أو
التدابير غير المشروعة في الاعتداء أو الشروع في الاعتداء على حق من الحقوق الآتية:
1- حق الغير في العمل.
2- حق الغير في أن يستخدم أو يمتنع عن استخدام أي شخص.
3- حق الغير في أن يشترك في جمعية من الجمعيات.
ومن حيث إنه يستفاد من النصوص المتقدمة أن المشرع في القانون 116 لسنة
1946 عاقب علي الإضراب الذي يقع من ثلاثة علي الأقل من الموظفين العموميين، ولم
يقتصر تجريم المشرع للإضراب علي ذلك الذي يقع من ثلاثة أشخاص فأكثر، إنما امتد
ليشمل التجريم كل موظف ترك عمله أو امتنع عن عمل من أعمال وظيفته بقصد عرقله سير
العمل أو الإخلال بانتظامه، ولم يشترط المشرع للعقاب عن الإضراب أن يقع نتيجة
اتفاق على الامتناع عن العمل، وإنما اكتفى بأن يقع الإضراب بقصد تحقيق غرض مشترك
ولو لم يسبقه اتفاق، وضاعف المشرع الحد الأقصى للعقوبة إذا كان ترك العمل أو
الامتناع عنه من شأنه أن يجعل حياة الناس أو صحتهم أو أمنهم في خطر، وأكد المشرع
أن الإضراب أصبح معاقباً عليه في جميع الأحوال سواء استند إلي دفع شرعي أم لم
يستند إليه، وساوي هذا القانون من حيث تجريم الإضراب بين الموظفين العموميين الذين
يعملون في المرافق العامة التي تدار بالطريق المباشر وبين العمال الذين يعملون في
المرافق التي تدار بطريق الامتياز، واتجه إلى التعميم في الحكم فيما يتعلق
بالإضراب الذي أصبح معاقباً عليه في جميع الأحوال مما يكشف عن تشدد واضح في مسلكه.
وبعد ذلك أصدر المشرع القانون رقم 24 لسنة 1951 معدلاً للمرسوم بقانون
رقم 116 لسنة 1946، وقد اقتصر التعديل الذي أدخله على تشديد العقوبات الواردة في
ذلك المرسوم، بالإضافة إلى حظر نشر أخبار إضرابات الموظفين، ولو كانت صحيحة فنص في
الفقرة الأولى من المادة 124 علي عقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تتجاوز
سنة وغرامة لا تزيد على مائة جنيهاً، ونص في الفقرة الثالثة من تلك المادة على
عقوبة الحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر أو بغرامة لا تتجاوز خمسين جنيه إذا امتنع
موظف عن عمل من أعمال وظيفته أو ترك عمله بقصد عرقله سير العمل أو الإخلال
بانتظامه، ونص في الفقرة الرابعة على أن يعاقب بنفس العقوبة كل من حبذ على جريمة
من الجرائم المنصوص عليها في الفقرتين السابقتين من هذه المادة أو في الفقرة
الأولى من المادة 124 ثم عدل صياغة المادة 375 دون أن يمس هذا التعديل الحكم
القانوني الوارد فيها.
ثم أصدر المشرع بعد ذلك القانون رقم 2 لسنة 1977 الذي تضمن مادة وحيدة
تتعلق بحظر الإضراب وتشديد العقاب وهى المادة السابعة منه والتي نصت على إنه :
يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة العاملون الذين يضربون عن عملهم عمداً متفقين في
ذلك أو مبتغين في ذلك غرضاً مشتركاً إذا كان من شأن هذا الإضراب تهديد الاقتصاد
القومي.
وقد تلاحظ أن عبارات هذا النص قد جاءت بصيغة العموم ، حيث تنطبق علي
جميع العاملين بالدولة، والقطاع العام والقطاع الخاص، واشترط المشرع لتوقيع هذه
العقوبة أن يكون الإضراب مما يهدد الاقتصاد القومي، أما الإضراب في عكس ذلك من
الحالات فإنه يطبق في شأنه الأحكام الخاصة بالإضراب الواردة في قانون العقوبات،
وقد تعرض هذا القانون لانتقادات كثيرة إزاء العقوبة المشددة الواردة بالمادة
السابعة آنفة البيان فأصدر رئيس الجمهورية القرار بقانون رقم 194 لسنة 1983 بإلغاء
القرار بقانون رقم 2 لسنة 1977، وبإلغاء هذا القانون أصبحت نصوص القانون رقم 24
لسنة 1951 هي الحاكمة لإضراب موظفي وعمال المرافق العامة، أما عمال القطاع الخاص
فإضرابهم يخضع لنصوص قانون عقد العمل رقم 137 لسنة 1981 ومن بعده قانون العمل
الموحد رقم 12 لسنة 2003 الذى حل محله ، ونصوص قانون العقوبات في حالات معينة.
ومن حيث إن إضراب الموظفين العموميين أمر لا يتفق مع نظام المرافق
العامة لأنه يهدم العديد من المبادئ التى يقوم عليها القانون العام ونظام الوظيفة
العامة المنبثقة عن القانون الإدارى , فهو أولا يخالف مبدأ رئيسى وأساسى فى
القانون الإدارى وهو مبدا سير المرافق العامة بانتظام واضطراد وما قد ينجم عنه من
تعطيل المصلحة العامة ومصلحة الأفراد المتعاملين مع الإدارة على حد سواء , ومن
شأنه الإخلال بعملية تنظيم وسير المرافق العامة فى الدولة , والقضاء على ديمومة
سيرورة المرافق العامة بصفة منتظمة , والمساس بالحياة العامة فى المجتمع والدولة ,
وأن أى خلل أو اضطراب فى السير الحسن للمرافق العامة سيؤدى إلى شلل وتوقف الحياة
العامة والإضرار بمصالح الشعب فى الحصول على خدماته واشباع رغباته فى الأمن
والتعليم والصحة والعدل , فتتوقف المرافق العامة عن العمل خاصة وأن هناك طرقا أخرى
متعددة رسمتها مبادئ القانون الإدارى للحصول على الحقوق والمطالب مثل التظلم
الإدارى وسلطة الإدارة فى سحب القرار أو تعديله , وحقه فى ولوج طريق التقاضى بدلا
من اللجوء للعنف الوظيفى عن طريق الإضراب .
كما يخالف الإضراب ثانيا قاعدة التدرج الرئاسى وما تفرضه من واجب
الطاعة واحترام أوامر الرؤساء حيث يقوم المضربون خلال اضرابهم واحتلاهم أماكن
رؤسائهم داخل المرافق العامة بالاعتصام فيها بإحلال سلطتهم محل سلطة الرئيس
الإدارى مهدرين واجبات الوظيفة , وذلك من شأنه إهدار مبدأ التدرج الرئاسى فبدلا من
إلزام المرؤوس بأوامر الرئيس الإدارى فسوف يفرض المرؤوسون إرادتهم عليه , وفى ذلك
مساس بالطابع العام للوظيفة العامة التى تختلف فى جوهر مقوماتها عن الوظائف الخاصة
فى عقود العمل .
ويخالف الإضراب فى المجال الوظيفى ثالثا قاعدة أن الوظيفة العامة
تكليف باَداء خدمة عامة , فالوظيفة العامة لا تنشأ بقصد شغلها بعدد من الموظفين
وتقرر لهم عددا من المزايا الوظيفية بل لأنها تنشأ بهدف تزويد المرافق العامة
بالوسائل التى تمكن تلبية الحاجات العامة للجماهير , لذا فإن كافة المزايا
الممنوحة للموظفين العموميين مقررة فى الأصل لصالح الوظيفة ذاتها ومن يشغلها وليس
لصالح الموظفين أنفسهم , ومن ثم فإن الإضراب داخل المرافق العامة يعد صورة من صور
الاستغلال غير المشروع للمال العام المخصص لاَداء الخدمات العامة للمواطنين .
كما يخالف الإضراب رابعاً مبدأ العلاقة التنظيمية واللائحية لمركز
الموظف العام وهو المبدأ المتفق عليه فى الفقه والقضاء الإداريين على مستوى العالم
فى الدول ذات النظام اللاتينى التى تأخذ بنظام القضاء المزدوج ومؤداه أن الموظف
العام فى مركز لائحى وتنظيمى يحق معه للسلطة العامة أن تتدخل بإرادتها المنفردة
بتعديله أو إلغائه فى أى وقت تشاء دون أن يكون للموظف العام الادعاء بثمة حق مكتسب
فى البقاء فى وظيفة بعينها طالما أن ذلك تعبيرا منها عما تتطلبه مصلحة المرفق
العام , والإضراب من شأنه دخول المضربين عن العمل الوظيقى فى مفاوضات مع السلطة
العامة لتعديل مراكزهم اللائحة أو التنظيمية وهى نتيجة شاذة تأباها طبيعة المرافق
العامة وما تقوم عليه من حسن اختيار موظفيها لتقديم خدمات للشعب .
ومن حيث إن الإضراب لا يمكن قبوله فى نطاق الوظيفة العامة , لأن
الإضراب يتعارض تعارضاً صارخاً مع متطلبات المرافق العامة وما تقدمه من خدمات لا
غنى عنها للشعب ويعجز المواطنون عن الحصول عليها من غيرها , وليست الدولة وحدها
التى تتضرر مصالحها وتتعرض للخطر بل يلحق الضرر المجتمع كله الذى سيحرم من الخدمات
العامة الضرورية فتتوقف الحياة , وبهذه المثابة فإن الإضراب يعد عملا غير مشروع ضد
المصالح العليا للدولة .
ومن حيث إن تمتع الشخص بوصف الموظف العام يفرض عليه بعض القيود فى
نطاق ممارسته للحريات العامة فى المجال الوظيفى , لأنه يمثل الدولة وعضو فى الجهاز
الإدارى بها القائم على سير المرافق العامة , ولما كانت الوظيفة العامة فى جوهرها
رسالة تلزم صاحبها باحترام القانون بصفة عامة والقواعد التى استقر عليها القانون
الإدارى بصفة خاصة وبأداء الواجب وسلامة تصرفاته ومسلكه حتى تؤدى الوظيفة العامة
دورها المرسوم باَداء الخدمات لصالح الشعب , وإذا كانت الوظيفة العامة تتكفل
بمراقبة انحرافات الغير فإن انحراف أحد أعضائها - من باب أولى – يعد انحرافا أكثر
خطورة على استقرار الدولة واستمرار مرافقها , يترتب عليه فقدان ثقة المواطنين فى
الموظفين العموميين وهم فى الأصل المؤتمنون على مصالحها وأهدافها وتنميتها .
ومن حيث إن الإضراب وإن كان عملا قانونيا فى نطاق القانون الخاص بقيود
نص عليها المشرع فى قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 فى المواد من 192 حتى 195 , فإنه
على عكس ذلك عمل غير مشروع بالنسبة للموظفين العموميين, ذلك أن الموظف العام
بقبوله الوظيفة الموكلة إليه يكون قد أخضع نفسه بكل الالتزامات والواجبات التى
تفرضها الوظيفة العامة وترتبط بها , ويكون كذلك قد تنازل عن كافة الخيارات التى تتنافى
مع الاستمرارية الضرورية للحياة العامة , وعلى هذا النحو فإن الموظف العام الذى
يلجأ إلى الإضراب يعد خارجا عن القواعد التى سنها القانون لضمان ممارسة الحقوق
التى تترتب على العقد العام للقانون العام الذى يربط الموظفين العموميين بالدولة ,
ويمثل تصرفه خرقا لقوانين المرفق العام , لأنه بإضرابه يكون قد ثار على الهدف
الأساسى من المرفق ومس مساسا صارخا بالحياة الجماعية , مشكلا خطأ تأديبياً جسيماً
يستنهض همة هذه المحكمة للحفاظ على المرافق العامة ببتره من الوظيفة العامة .
وبهذه المثابة يمثل الإضراب فى المرافق العامة خاصة الأساسية والحيوية
كمرافق التعليم والأمن والصحة والقضاء والاقتصاد القومى عدوانا صارخا على سلامة
الدولة وأمنها الوطنى والقومى من ناحية, وافتئاتا جسيما على المصلحة العامة
المتمثلة فى الحاجات العامة للأمة , وحقوق المواطنين للحصول على خدماتهم الدستورية
,ويغدو معه إضراب الموظفين العموميين تعبيرا عن إيثار مصالحهم الشخصية على الصالح
العام وهو ما يعد خروجا سافرا عن مبادئ وأسس القانون العام ونقضا للعقد العام
التنظيمى الذى يربط الموظف العام بالدولة , واَية ذلك أن المشرع العادى ذاته وفى
نطاق القانون الخاص , حينما نظم حق الإضراب لعمال القطاع الخاص فى المواد من 192
حتى 195 من قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 المشار إليه , حظر فيه الإضراب أو الدعوة
إليه فى المنشاَت الاستراتيجية أو الحيوية التى يترب على توقف العمل فيها الإخلال
بالأمن القومى أو بالخدمات الأساسية التى تقدمها للمواطنين أو اضطراب فى الحياة
اليومية لجمهور المواطنين. وهى الفكرة الجوهرية التى استقاها المشرع العادى مما
استقرت عليه قواعد القانون الإدارى فى نطاق القانون العام .
ومن حيث إن ما انتهجته هذه المحكمة بحسبانها على القمة من محاكم مجلس
الدولة المصرى من التجريم التأديبى للإضراب فى المرافق العامة خاصة الأساسية
والحيوية , فإنه فضلا عن أسانيده المتصلة بعدم إهدار المبادئ التى استقرت بها
قواعد القانون الإدارى والقانون العام المتصلة ببقاء سلطات الدولة والحفاظ على
كيانها على نحو ما سلف بيانه , فإنه يجد سنده الدولى فيما قررته منظمة العمل
الدولية من قاعدة أرستها أجهزتها الرقابية كلجنة الخبراء ولجنة الحريات النقابية
تتتمثل فى أن حق الإضراب يجب ألا يمس المرافق العامة الأساسية و الحيوية كمرافق
الامن والتعليم والصحة والقضاء والاقتصاد بقولها : تلك المرافق التى يعرض انقطاعها
خطرا على حياة أو أمن أو صحة الأشخاص فى مجموعهم أو جزء منهم , وهى وإن كانت مبادئ
لا تتمتع بقيمة أعلى من قيمة المعاهدات الدولية إلا أن لها تأثير كبير فى توجيه
سياسات الدول الأعضاء وتوحيدها فى هذا المجال نظرا لما تتمتع به هذه الأجهزة بسلطة
معنوية سامية للحفاظ على كيان الدول من الانهيار .
(يراجع من المراجع الحديثة فى الألفية الجديدة عن عدم ضرورة مساس
الإضراب بالمرافق الأساسية والحيوية ما يلى :
FONTAINE Laurence Léa, Le service minimum - les services essentiels (approche
française et québécoise), thèse pour l obtention de grade de docteur en droit,
université des sciences sociales de Toulouse- université de Montréal, 2004 , p
40)
ومن حيث إن الإضراب لا يتفق مع نظام دوام المرافق العامة في الدولة
أيا كان شكل الإضراب أو نوعه, وسواء اتخذ صورة الإضراب التقليدي الذى يعمد فيه
المضربون عن العمل تاركين في نفس الوقت أماكن عملهم , أو الإضراب الدائري الذى
يقوم على التخطيط والتنظيم المحكم المتتابع لأكثر من قطاع في العمل وهو ما يعرف
بالإضرابات المبرمجة , أو الإضراب القصير والمتكرر وهو ما يعرف بالإضراب التوقيفى
المفكك يقوم فيه المضربون بتوقفات عديدة ومتكررة في أوقات زمنية معينة ولو كانت
قليلة , وقد استقر القضاء الفرنسى في قرار
Oliveira المؤرخ 11 يونيه 1981 بأن الإضراب القصير يتحقق بالتوقف عن العمل لمدة
ساعتين بطريقة متتالية كل ربع ساعة وانتهى خصم أجور المشاركين فى الإضراب , أو
الإضراب البطئ أو إضراب الانتاجية وهو ما يعرف بالإضراب المستتر أو الجزئى حيث
يبقى العامل فى العمل لكنه يعتمد على تخفيض الانتاج ويكتسب فيه العامل صفة المضرب
من اللحظة التى يبدأ فيها ابطاء الانتاج والتقليل من فعاليته , أو إضراب المبالغة
فى النشاط أو الإضراب الإدارى وهو الذى يتضمن تصعيدا فى النشاط ويتمسك المضربون
بمطالبهم إلى حد التطرف بصورة مفاجئة مما ينجم عنه عدم الثقة فى المؤسسة التى
يعلمون بها , أو الإضراب مع احتلال أماكن العمل وهو ما يسمى بالاعتصام وفيه يتوقف
المضربون عن العمل لكنهم يبقون داخل أماكن عملهم بصورة تناوبية بقصد منع غيرهم من
العمل وهو غير مشروع بالنظر إلى أنه يمس حرية الموظفين غير المضربين فى العمل , أو
الإضراب السياسى الذى يكون فى حالة التنديد بقرار اتخذته السلطة العامة فى الدولة
وهو غير مشروع ويشكل خطأ جسيما لأنه شرع للدفاع عن مصالحهم المهنية وليس التعبير
عن اَرائهم السياسية , ومؤدى ما تقدم أن جميع الأنواع المذكورة سلفا عن الإضراب
تتعارض تعارضاً صارخاً مع مبدأ دوام سير المرفق العام بانتظام واضطراد , ذلك أن
مبدأ الاستمرارية يقتضى استبعاد كل ما من شأنه إيقاف أو تعطيل سير المرفق العام ,
ولا ريب أن الإضراب يؤدى إلى تعطيل العمل بالمرفق ويضر بمصالح المواطنين المنتفعين
بخدمات المرفق , كما أن الإضراب يؤدى إلى الاضطراب فى المرفق العام وتعريضه للخطر
بشكل ظاهر وغير عادى , وفيه يتطاول الموظفين على الجهات الإدارية التى يعلمون بها
فتنهار الوظيفة العامة .
( يراجع فى أنواع الإضراب فى المرافق العامة وتأثيرها على الخدمات
العامة , المؤلفات ورسائل الدكتوراه ما يلى :
1-TERNEYRE Philippe, La grève dans les services publics, Sirey, Paris, 1991.
2-GANZER Annette, la
licéité de la grève dans les entreprises du secteur privé et dans les services
publics, thèse pour lobtention de grade de docteur en droit, Nancy, 1993.
3-WAQUET Philipe, « La grève dans les services publics », RJS, n°4, 2003.
4-GUYOT Henri, Essai sur le traitement juridique de
l’impératif de prévention des conflits collectifs du travail, Thése pour
l’obtention de grade de docteur en droit, Université Panthéon – Assas, Paris
II, 2008
5-RADE Cristophe, « Grève et services publics : le droit pour chaque syndicat
de déposer son propre préavis », dr. soc, n° 4, 2004.
ومن حيث إن سلوك العاملين بالهيئة القومية للبريد ينعكس أثره على
سلوكهم العام فى مجال الوظيفة لاتصاله المباشر بمصالح المواطنين فى كافة مناحى
الحياة حيث تختص وفقا للمادة الثانية من القانون رقم 19 لسنة 1982 بإنشاء الهيئة
القومية للبريد بالقيام بنقل الرسائل والطرود البريدية وكذلك بأداء الخدمات
المالية البريدية وأعمال صندوق توفير البريد , وإنشاء وإدارة وصيانة المنشآت
والأجهزة اللازمة لتقديم تلك الخدمات وتنفيذ المشروعات اللازمة لتحقيق أغراضها أو
المرتبطة بهذه الأغراض وتطوير خدماتها والتعاون مع الدول الأجنبية والمنظمات
الدولية المختصة لتدعيم وتطوير الاتصال البريدي الدولي , وبالتالى تقدم الهيئة
القومية للبريد للمواطنين العديد من الخدمات الحكومية، عبر مكاتبها المنتشرة فى
جميع أنحاء الجمهورية حيث تتسابق العديد من الهيئات والوزارات لتقديم خدماتها عقب
عمليات الميكنة وتحديث المكاتب وتزويدها بأحدث النظم التكنولوجية، ومن بين أهم تلك
الخدمات خدمة صرف المعاشات والحوالات الحكومية والاحوال المدنية والتصديق القنصلى
والحوالات المجمعة وتحصيل اقساط الاسكان الاجتماعى المخصص لشهداء ومصابى الشرطة
ودفع ايجار الاسكان الاجتماعى وغيرها من خدمات المواطنين , مما يستلزم على الدوام
على الموظف العام المنتمى إليها تحقق السلوك القويم الصالح جنبا إلى جنب للكفاية
المهنية ، وهو ما يوجب ألا يكون هُناك انحرافاً يمس المسلك القويم يؤثر تأثيراً
سيئاً على الوظيفة التى حرص المشرع على إحاطتها بسياج من الاحترام , فإذا قبل
لنفسه هذا السوك , أصبح موقفا معيبا بالخروج الصارخ على قواعد العمل وامتنع عن
اَدائه معطلا حق مرفق البريد فى اَداء دوره ، فإنه يكون قد انحرف بوظيفتها عن
غاياتها , ذلك أن الموظف العام هو أداة الدولة والمنفذ لإرادتها ومشيئتها وفقا
لمبدأ الولاء الوظيفي , الذى يفرض عليه أن يؤدي واجبه بعناية وإخلاص وأمانة بغض
النظر عن عقيدته الذاتية وانتماءاته الشخصية ، فالوظيفة العامة تنبثق من سيادة
الدولة وهو المعبر عنها فى اَداء الخدمات للمواطنين دون امتناع أو تمرد وإلا خرج
على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته وظهر بمظهر من شأنه الإخلال بكرامتها فتدق عليه
موازين العقاب .
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أنه متى ثبت أن المحاكم
التأديبية - وما في حكمها كمجالس التأديب - قد استخلصت النتيجة التي انتهت إليها
استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً وقانونياً، وكان تكييفها للوقائع تكييفاً
صحيحاً وسليماً، وكانت هذه النتيجة تبرر اقتناعها الذي بنت عليه قضاءها، فإنه لا
يكون هناك مجال للتعقيب عليها، ولا يجوز لمن قضت المحكمة التأديبية أو مجلس
التأديب بمجازاته معاودة الجدل في تقدير أدلة الدعوى التأديبية ووزنها أمام المحكمة
الإدارية العُليا، ذلك أن وزن الأدلة وما يستخلص منها هو من الأمور الموضوعية التي
تستقل بها المحكمة أو مجلس التأديب مادام التقدير قد جاء سليماً والتدليل سائغاً،
دون أن ينال من ذلك مقولة عدم الرد على بعض أوجه الدفاع بحسبان أن حكم أول درجة
ليس ملزماً بتعقب دفاع المحال في وقائعه وجزئياته للرد على كل منها، مادام قد أبرز
إجمالاً الحجج التي كونت عقيدته مطرحاً بذلك ضمناً الأسانيد التي قام عليها دفاعه.
كما استقر قضاء هذه المحكمة أيضاً أنه مِن الأُصول المُقرَّرة أنَّ
القاضي التَّأديبي يَتَمتَّع بحُرِّية كاملة في مجال الإثبات، ولا يلتزم بطريقة
معيَّنة، وله أن يحدِّد بكل حُرِّية طُرُق الإثبات التي يَقبَلها، وله أن يَستَنِد
على ما يرى أهميته ويبني اقتناعه، وأن يُهدر ما يرى التَّشكِيك في أمره ويَطرحه من
حسبانه، فاقتناع القاضي التَّأديبي هو سَنَد قَضائِه دون التَّقيُّد بمُراعاة
استيعاب طُرُق الإثبات أو أوراقه.
ومن حيث إنه لما كان ما تقدم , وكان الثابت في الأوراق أن المطعون
ضدهم قد أضربوا عن العمل بالهيئة القومية للبريد أيام 23و24و25/2/2014 معتصمين
أمام مركز الحركة الفرعى خلال تلك الأيام مما أدى إلى تعطيل العمل به , وقاموا
بتحريض زملائهم على زيادة الاعتصام وغلق المكاتب مما ترتب عليه إضراب زملائهم
وإغلاق العديد من المكاتب البريدية على مستوى الجمهورية وتعطيل العمل بها وعدم
قيام الموظفين المختصين بتحصيل المبالغ المالية المستحقة للدولة , كما قاموا خارج
المبنى الرئيسى لرئيس مجلس إدارة الهيئة القومية للبريد بالعتبة مع غيرهم بالتطاول
بالألفاظ والهتافات معادية وطلبات فئوية بصرف أرباح شركة الاتصالات وعلاوة دورية
وصرف بدل الولاء والانتماء على الشامل بدلا من الأساسى , ومن بين تلك المكتب التى
تأثر بها الإضراب وأغلقت مكاتبها البريدية منطقة بريد شمال المنوفية حيث أضرب
العاملين بها وتم غلق عدد 56 مكتب غلقا كليا فضلا عن عدد 34 مكتب غلقا جزئيا
ومنطقة جنوب المنوفية تم غلق 33 مكتب بها غلقا كليا ومنطقة بريد الشرقية التى ادى
الإضراب بها إلى عدم خروج معظم السواير , ومنطقة بريد جنوب اكتوبر محافظة الجيزة
حيث تم إغلاق مكتبى العياط وأبو النمراسى غلقا كليا , ومنطقة بريد أسيوط بإيقاف
العمل بمكاتبها البريدية , ومنطقة بريد بنى سويف حيث تم غلق 11 مكتبا غلقا كليا
وتم سرقة مكتب بريد الوسطى فرعى , وقد ترتب على تلك الإضرابات تعطيل سير العمل
بمكاتب البريد والإضرار بمصالح المواطنين المتعاملين مع الهيئة القومية للبريد
والحاق خسائر فادحة بالهيئة .
وعروجا على ما تقدم , تكون المخالفة المنسوبة إلى المطعون ضدهم على
النحو المتقدم ثابتة ثبوتا يقينيا فى حقهم على نحو ما شهد به ……….. رئيس قطاع
الشئون القانونية بالهيئة القومية للبريد أثناء انتقاله لموقع الإضراب وبرفقته كل
من …….. المحاميان بالقطاع المذكور حيث تبين لهم وجود …….. مدير عام الأمن بالهيئة
الذى كان يقوم بحصر الأسماء وإعداد مذكرة للعرض على رئيس مجلس إدارة الهيئة وورد
بها 18 اسما من المضربين وبدأت الأعداد تتزايد حتى وصلت خمسين مضرباً لكنه استطاع
حصر 18 مضربا منهم, وكان من بينهم المطعون ضدهم , إلا أنه نظرا لأنه قد تبين من أن
زملاءهم الأخرين يعملون بمحافظات أخرى فقد تم احالة كل منهم للنيابات الإدارية
المختصة بالمحافظات التى تقع فى دائرتها عمل كل منهم , ومن ثم فإنهم يكونوا قد
خرقوا الاستمرارية الضرورية للسير الاعتيادى للوظيفة العامة المكلفين باَدائها ,
ومسوا مبدأ انتظام سير مرفق البريد , وأخلوا اخلالا جسيما بواجباته الأساسية
وعطلوا مصالح المواطنين المنتفعين بخدمات البريد وحرضوا زملائهم على مستوى
الجمهورية على الإضراب , بما يؤثر تثيراُ مُباشراُ فى كيان الوظيفة واعتبارها
ويتعارض مع الثقة الواجبة فيهم ، يفقدون معه شرط صلاحية تولى الوظائف العامة
ويصمهم بالمسلك السئ الواجب بتره من جسد الوظيفة العامة , ومن ثم يكون ما نسب إلى
المطعون ضدهم ثابتا ثبوتا يقينيا فى حقهم بغض النظر عن عدد الأيام التى أضربوا
خلالها عن العمل , مما يتعين معه القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه الصادر من
المحكمة التأديبية لوزارة الصحة وملحقاتها في الدعوى التأديبية رقم 457 لسنة 57
قضائية والقضاء بفصل المطعون ضدهم من الخدمة .
ولا يفوت المحكمة أن تشير إلى أن وجود نصين دستوريين الأول يتعلق بحق
الإضراب السلمى وفقا للمادة 15 من الدستور ولم يضع له المشرع تنظيما داخل المرافق
العامة والثانى يتعلق بحق المواطن في استئداء خدمات المرفق العام وفقا للمادة 14
منه وتدخل المشرع فيه في قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016 ونصت المادة
الأولى منه على جعل الوظائف المدنية تكليف للقائمين بها لخدمة الشعب ورعاية مصالحه
, وفى مجال التعارض بين حقين دستوريين فإنه ينبغى تغليب الحق الدستورى الجماعى
المتعلق بمصالح المواطنين الذى قرره ونظمه كل من المشرعين الدستورى والعادى عن
الحق الدستورى الفردى الخاص بحق الإضراب , ومن هنا تكمن العلة من تقرير هذه
المحكمة وسنها لحظر الإضراب في المرافق العامة , فليس من المقبول أن يهجر الموظفون
العموميون عملهم بقصد تحقيق مطالب تتنافى ومبدأ سيرورة واستمرارية المرافق العامة
, فتتعطل إشباع الحاجات العامة ، ويستحيل على المنتفعين الحصول على حاجاتهم
الضرورية التي تعودوا على قضائها من تلك المرافق العامة .
ومن حيث إن اعتراف الدستور المصرى بحق الإضراب لا يعني استبعاد القيود
التي تحده كغيره من الحقوق الدستورية الأخرى ، ويكون للحكومة إزاء فقدان النص
القانوني المنظم له أن تضع بنفسها باعتبارها مسئولة على حسن سير المرافق العامة
وتحت رقابة القضاء القيود التي يجب اتخاذها لممارسة هذا الحق منعا من استعماله
كوسيلة لمخالفة النظام العام , حماية للنظام العام من جهة ولضرورة دوام سير
المرافق العامة من جهة أخرى. وإزاء سكوت المشرع فإن هذه المحكمة تتحمل مسئوليتها
القانونية نحو إرساء دعائم الحق والعدل بما يحفظ للسطات الدولة الإدارية استقرارها
ودوام سير المرافق العامة بانتظام واضطراد بما يتلافى التعطيل عن الدوام الرسمي
لعمل تلك السلطات مع الحرص على توفير كافة الضمانات التأديبية السليمة .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة : بقبول الطعن شكلاً , وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون
فيه الصادر من المحكمة التأديبية لوزارة الصحة وملحقاتها في الدعوى التأديبية رقم
457 لسنة 57 قضائية , وبفصل المطعون ضدهم من الخدمة .
صدر هذا الحكم وتلي علناً بالجلسة المنعقدة في يوم السبت 21 من شهر
شوال سنة 1441 الهجرية، الموافق 13 من شهر يونيه سنة 2020 الميلادية بالهيئة
المبينة بصدره.