الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

طباعة

Print Friendly and PDF

الأحد، 15 سبتمبر 2024

الطعن رقم 107 لسنة 33 ق دستورية عليا "دستورية" جلسة 1 / 9 / 2024

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد الأول من سبتمبر سنة 2024م، الموافق السابع والعشرين من صفر سنة 1446ه.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز ومحمد أيمن سعد الدين عباس نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر

أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 107 لسنة 33 قضائية دستورية

المقامة من
شركة مصطفى سرحان للصلب أبناء مصطفى سرحان
ضد
1 - رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة
2 - رئيس مجلس الوزراء
3- رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي المصري

-------------------
" الإجراءات "
بتاريخ الخامس والعشرين من مايو سنة 2011، أودعت الشركة المدعية صحيفة الدعوى المعروضة قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبة الحكم بعدم دستورية نص المادة الثانية من القانون رقم 120 لسنة 2008 بإصدار قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية، والمواد (1 و2 و6 و11 و12) من هذا القانون.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم؛ أصليًّا: بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى، واحتياطيًّا: بعدم قبولها، ومن باب الاحتياط الكلي: برفضها.
كما قدمت الشركة المدعية مذكرة، رددت فيها الطلبات الواردة بصحيفة الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.

--------------

" المحكمة "

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل -على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- في أن المدعى عليه الثالث أقام أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية الدعوى رقم 957 لسنة 2008 تجاري، ضد الشركة المدعية، وآخرين، طالبًا الحكم بإلزامهم متضامنين بأن يؤدوا إليه مبلغ خمسة وستين مليونًا وسبعمائة وعشرة آلاف وثمانمائة وسبعة وأربعين جنيهًا، قيمة الدين المستحق على الشركة حتى 30/ 4/ 2008، فضلًا عن العوائد والعمولات والمصاريف حتى تمام السداد. وبتاريخ 4/ 10/ 2008، أُحيلت الدعوى إلى المحكمة الاقتصادية بالقاهرة وقُيدت برقم 110 لسنة 2009 اقتصادي القاهرة. وبجلسة 26/ 5/ 2009، حكمت المحكمة بعدم اختصاصها قيميًّا بنظر الدعوى، وأحالتها إلى إحدى الدوائر الاستئنافية بتلك المحكمة، فقُيدت برقم 1363 لسنة 1 قضائية اقتصادية القاهرة. وبجلسة 4/ 7/ 2010، دفعت الشركة المدعية بعدم دستورية المادة الثانية من القانون رقم 120 لسنة 2008 بإصدار قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية والمواد (6 و11 و12) من هذا القانون. وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع وصرحت للشركة المدعية بإقامة الدعوى الدستورية؛ فقد أقامت الدعوى المعروضة.
وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى؛ بقالة إن الشركة تنعى على النصوص المطعون فيها مخالفتها أحكام الاتفاقيات الدولية، وهو ما ينحل إلى مخالفة نصوص قانونية نصوصًا أخرى من ذات مرتبتها، فمردود بأن الشركة المدعية قد أفصحت بصحيفة دعواها عن مخالفة النصوص المطعون فيها لأحكام المواد (1 و2 و7 و21 و46 و47) من الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس 2011، وأن ما ورد بتلك الصحيفة من الإشارة إلى الاتفاقيات الدولية لم يكن إلا على سبيل الاستئناس بما تقرره تلك الاتفاقيات؛ ومن ثم يغدو ذلك الدفع لا سند له، حقيقًا بالالتفات عنه.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن نطاق الدعوى الدستورية التي أتاح المشرع للخصوم إقامتها - وفقًا لنص البند (ب) من المادة (29) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 - يتحدد بنطاق الدفع الذي أُثير أمام محكمة الموضوع، وفي الحدود التي تقدر فيها تلك المحكمة جديته، وبما لا يجاوز الطلبات الختامية الواردة في صحيفة الدعوى الدستورية. متى كان ما تقدم، وكان الطعن بعدم دستورية المادتين (1 و2) من قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية الصادر بالقانون رقم 120 لسنة 2008، لم يتضمنه الدفع المبدى أمام محكمة الموضوع، مما ينحل معه ذلك الطعن إلى دعوى دستورية أصلية أقيمت بالمخالفة للأوضاع والإجراءات المقررة قانونًا، وتغدو معه الدعوى المعروضة في هذا الشق منها غير مقبولة.
وحيث إن المحكمة الدستورية العليا سبق لها أن حسمت المسألة الدستورية المتعلقة بنص المادتين (6 و11) من قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية الصادر بالقانون رقم 120 لسنة 2008، فيما نصتا عليه من اختصاص الدوائر الاستئنافية في المحاكم الاقتصادية، دون غيرها، بالنظر ابتداءً في كافة المنازعات والدعاوى المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة (6) المشار إليها، إذا جاوزت قيمتها خمسة ملايين جنيه، واختصاص الدوائر الابتدائية بتلك المحاكم بنظر الدعاوى التي لا تجاوز قيمتها خمسة ملايين جنيه، وذلك بحكمها الصادر بجلسة 5/ 8/ 2012، في الدعوى رقم 56 لسنة 31 قضائية دستورية، الذي قضى برفض الدعوى، وإذ نُشر ذلك الحكم بالجريدة الرسمية - العدد 32 (مكررًا) بتاريخ 15/ 8/ 2012 - وكان مقتضى نص المادة (195) من الدستور القائم والمادتين (48 و49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن يكون للأحكام والقرارات الصادرة من هذه المحكمة حجية مطلقة في مواجهة الكافة وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة، باعتبارها قولًا فصلًا لا يقبل تأويلًا ولا تعقيبًا من أية جهة كانت، وهي حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيها أو إعادة طرحها على هذه المحكمة من جديد لمراجعتها؛ الأمر الذي تغدو معه الدعوى المعروضة بالنسبة إلى هذين النصين غير مقبولة.
وحيث إن المادة الثانية من القانون رقم 120 لسنة 2008 بإصدار قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية، قبل تعديلها بالقانون رقم 146 لسنة 2019، تنص على أن تحيل المحاكم من تلقاء نفسها ما يوجد لديها من منازعات ودعاوى أصبحت بمقتضى أحكام القانون المرافق من اختصاص المحاكم الاقتصادية وذلك بالحالة التي تكون عليها وبدون رسوم، وفي حالة غياب أحد الخصوم يقوم قلم الكتاب بإعلانه بأمر الإحالة مع تكليفه بالحضور في الميعاد أمام المحكمة التي تحال إليها الدعوى.
وتفصل المحاكم الاقتصادية فيما يحال إليها تطبيقًا لأحكام الفقرة السابقة دون عرضها على هيئة التحضير المنصوص عليها في المادة (8) من القانون المرافق.
ولا تسري أحكام الفقرة الأولى على المنازعات والدعاوى المحكوم فيها، أو المؤجلة للنطق بالحكم قبل تاريخ العمل بهذا القانون، وتبقى الأحكام الصادرة فيها خاضعة للقواعد المنظمة لطرق الطعن السارية في تاريخ صدورها.
وتنص المادة (12) من قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية سالف الذكر على أن تشكل بمحكمة النقض دائرة أو أكثر تختص، دون غيرها، بالفصل في الطعون بالنقض في الأحكام المنصوص عليها في المادة (11) من هذا القانون.
كما تنشأ بمحكمة النقض دائرة أو أكثر لفحص تلك الطعون، تتكون كل منها من ثلاثة من قضاة المحكمة بدرجة نائب رئيس على الأقل، لتفصل، منعقدة في غرفة المشورة، فيما يفصح من الطعون عن عدم جوازه أو عن عدم قبوله لسقوطه أو لبطلان إجراءاته.
ويعرض الطعن، فور إيداع نيابة النقض مذكرة برأيها، على دائرة فحص الطعون، فإذا رأت أن الطعن غير جائز أو غير مقبول، للأسباب الواردة في الفقرة السابقة، أمرت بعدم قبوله بقرار مسبب تسبيبًا موجزًا، وألزمت الطاعن المصروفات فضلًا عن مصادرة الكفالة إن كان لذلك مقتضى، وإذا رأت أن الطعن جدير بالنظر أحالته إلى الدائرة المختصة مع تحديد جلسة لنظره.
وفي جميع الأحوال لا يجوز الطعن في القرار الصادر من دائرة فحص الطعون بأي طريق.
واستثناء من أحكام المادة (39) من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض، وأحكام الفقرة الثانية من المادة (269) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، إذا قضت محكمة النقض بنقض الحكم المطعون فيه حكمت في موضوع الدعوى ولو كان الطعن لأول مرة‏.‏
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية مؤثرًا في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. لما كان ما تقدم، وكانت الشركة المدعية تهدف من الدعوى المعروضة، استمرار نظر الدعوى الموضوعية أمام المحكمة الابتدائية التي أقامتها أمامها ابتداءً، والطعن على الحكم النهائي الذي يصدر فيها أمام محكمة النقض باختصاصاتها المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية، دون التنظيم المقرر للطعن بالنقض في قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية، وهما الأمران اللذان يحكمهما النصان المطعون فيهما، ومن ثم فإن المصلحة الشخصية والمباشرة للشركة المدعية تتحقق في الطعن على الفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون رقم 120 لسنة 2008 بإصدار قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية، قبل أن يُستبدل بها القانون رقم 146 لسنة 2019، والمادة (12) من قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية، وبهذين النصين يتحدد نطاق الدعوى المعروضة.
وحيث إن الشركة المدعية تنعى على نص المادة الثانية من القانون رقم 120 لسنة 2008 بإصدار قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية انطواءه على أثر رجعي دون الحصول على الأغلبية المنصوص عليها في دستور سنة 1971، الذي صدر النص في ظل العمل بأحكامه، والتمييز - دون مبرر موضوعي - بين المتداعين في الدعاوى التي لم يقفل فيها باب المرافعة قبل تاريخ العمل بالقانون، وبين قرنائهم في الدعاوى التي أُقفل فيها باب المرافعة، أو التي فصل فيها قبل تاريخ العمل بالقانون، بالرغم من تكافؤ المراكز القانونية للمتداعين في كلتا الحالتين، مما يشكل إخلالًا بمبدأ المساواة، وإهدارًا لمبدأ سيادة القانون، كما تنعى على نص المادة (12) من قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية قصره الطعن بالنقض على الأحكام التي تصدر ابتداءً من الدوائر الاستئنافية، وتحصينه القرارات الصادرة من دائرة فحص الطعون بمحكمة النقض من الطعن عليها، وإلزام المحكمة بالفصل في موضوع النزاع إذا ما نقضت الحكم الاستئنافي، ولو كان الطعن أمامها لأول مرة، مما يقيد الحق في التقاضي، ويهدر مبدأ استقلال القضاء، وذلك بالمخالفة لنصوص المواد (1 و2 و7 و21 و46 و47) من الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس 2011، المقابلة لأحكام المواد (1 و2 و53 و184 و186) من الدستور القائم.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الفصل فيما يُدَّعى به أمامها من تعارض بين نص تشريعي وقاعدة موضوعية في الدستور، سواء بتقرير قيام المخالفة المدعى بها، أو بنفيها، إنما يعد قضاءً في موضوعها، منطويًا، لزومًا، على استيفاء النص المطعون عليه للأوضاع الشكلية التي تطلبها الدستور، ومانعًا من العودة إلى بحثها مرة أخرى؛ ذلك أن العيوب الشكلية، وبالنظر إلى طبيعتها، لا يتصور أن يكون بحثها تاليًا للخوض في المطاعن الموضوعية، ولكنها تتقدمها، ويتعين على هذه المحكمة، من ثَّم، أن تتحراها، بلوغًا لغاية الأمر فيها، ولو كان نطاق الدعوى المعروضة عليها محددًا في إطار المطاعن الموضوعية، دون سواها؛ ومن ثم تفرض العيوب الشكلية ذاتها على المحكمة دومًا؛ إذ يستحيل عليها أن تتجاهلها، عند مواجهتها لأية مطاعن موضوعية.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكانت هذه المحكمة قد سبق أن عُرض عليها قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية الصادر بالقانون رقم 120 لسنة 2008، الذى تضمن المواد المطعون فيها، حال تعرضها للفصل في دستورية نصوص المواد (4/ 12 و6 و11) منه، في الدعويين رقمي 56 لسنة 31 قضائية دستورية، بجلسة 5/ 8/ 2012، و25 لسنة 36 قضائية دستورية، بجلسة 24/ 9/ 2016، واللتين قضت فيهما برفض الدعوى، فإن قضاء المحكمة الدستورية العليا - وقد صدر في شأن مطاعن موضوعية - يكون متضمنًا، لزومًا، تحققها من استيفاء نصوص هذا القانون لأوضاعه الشكلية، إذ لو قام الدليل على تخلفها لامتنع عليها أن تفصل في اتفاقه أو مخالفته لأحكام الدستور الموضوعية؛ ومن ثم فإن النعي بصدور هذا القانون على خلاف الأوضاع الشكلية التي تطلبها الدستور، الذي صدر في ظله، يكون قائمًا على غير أساس، حريًّا بالالتفات عنه.
وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، بحسبانه مستودع القيم التي يجب أن تقوم عليها الجماعة، وتعبيرًا عن إرادة الشعب، ذلك أن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها النظام العام في المجتمع، وتشكل أسمى القواعد الآمرة التي تعلو على ما دونها من تشريعات؛ ومن ثم يتعين التزامها، ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من تشريعات - أيًّا كان تاريخ العمل بها - لضمان اتساقها والمفاهيم التي أتى بها، فلا تتفرق هذه القواعد في مضامينها بين نظم مختلفة يناقض بعضها البعض، بما يحول دون جريانها وفق المقاييس الموضوعية ذاتها التي تطلبها الدستور القائم كشرط لمشروعيتها الدستورية. متى كان ذلك، وكانت المطاعن التي وجهتها الشركة المدعية إلى النصين المطعون فيهما تندرج ضمن المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور، من حيث محتواها الموضوعي، وإذ أدرك دستور سنة 2014 النصين المطعون فيهما؛ فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على دستورية النصين المطعون فيهما في ضوء أحكام الدستور القائم.
وحيث إن المادة (97) من الدستور الحالي تنص على أن التقاضي حق مصون ومكفول للكافة. وتلتزم الدولة بتقريب جهات التقاضي، وتعمل على سرعة الفصل في القضايا، ويحظر تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء، ولا يحاكم شخص إلا أمام قاضيه الطبيعي .... وقد دل المشرع الدستوري بذلك على أن هذا الحق في أصل شرعته هو حق للناس كافة تتكافأ فيه مراكزهم القانونية في سعيهم لرد العدوان على حقوقهم والدفاع عن مصالحهم الذاتية، وأن الناس جميعًا لا يتمايزون فيما بينهم في مجال حقهم في النفاذ إلى قاضيهم الطبيعي، ولا في نطاق القواعد الإجرائية أو الموضوعية التي تحكم الخصومة القضائية، ولا في مجال التداعي بشأن الحقوق المدعى بها وفق مقاييس موحدة عند توافر شروطها، إذ ينبغي دائمًا أن يكون للخصومة الواحدة قواعد موحدة، سواء في مجال اقتضائها أو الدفاع عنها أو الطعن في الأحكام التي تصدر فيها.
وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن لكل مواطن حق اللجوء إلى قاضٍ يكون بالنظر إلى طبيعة الخصومة القضائية، وعلى ضوء مختلف العناصر التي لابستها، مهيأً للفصل فيها، وهذا الحق مخول للناس جميعًا فلا يتمايزون فيما بينهم في ذلك، وإنما تتكافأ مراكزهم القانونية في مجال سعيهم لرد العدوان على حقوقهم، فلا يكون الانتفاع بهذا الحق مقصورًا على بعضهم، ولا منصرفًا إلى أحوال بذاتها ينحصر فيها، ولا محملًا بعوائق تخص نفرًا من المتقاضين دون غيرهم، بل يتعين أن يكون النفاذ إلى ذلك الحق منضبطًا وفق أسس موضوعية لا تمييز فيها، وفى إطار من القيود التي يقتضيها تنظيمه، ولا تصل في مداها إلى حد مصادرته.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن مبدأ المساواة ليس مبدأ تلقينيًّا جامدًا منافيًا للضرورة العلمية، ولا هو بقاعدة صماء تنبذ صور التمييز جميعها، ولا كافلًا لتلك الدقة الحسابية التي تقتضيها موازين العدل المطلق بين الأشياء. وإذا جاز للسلطة التشريعية أن تتخذ بنفسها ما تراه ملائمًا من التدابير، لتنظيم موضوع محدد، وأن تغاير - من خلال هذا التنظيم وفقًا لمقاييس منطقية - بين مراكز لا تتحد معطياتها، أو تتباين فيما بينها في الأسس التي تقوم عليها، فإن ما يصون مبدأ المساواة، ولا ينقض محتواه هو ذلك التنظيم الذي يقيم تقسيمًا تشريعيًّا ترتبط فيه النصوص القانونية التي يضمها بالأغراض المشروعة التي يتوخاها، فإذا قام الدليل على انفصال هذه النصوص عن أهدافها، أو كان اتصال الوسائل بالمقاصد واهيًا، كان التمييز انفلاتًا وعسفًا، فلا يكون مشروعًا دستوريًّا، وأن مبدأ خضوع الدولة للقانون مؤداه ألا تخل تشريعاتها بالحقوق التي يعتبر صونها مفترضًا أوليًّا لقيام الدولة القانونية.
وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في تنظيمه لحق التقاضي - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنها سلطة تقديرية، جوهرها المفاضلة التي يجريها بين البدائل المختلفة التي تتصل بالموضوع محل التنظيم لاختيار أنسبها لفحواه، وأحراها بتحقيق الأغراض التي يتوخاها، وأكفلها للوفاء بأكثر المصالح وزنًا، وليس من قيد على مباشرة المشرع لهذه السلطة إلا أن يكون الدستور ذاته قد فرض في شأن مباشرتها ضوابط محددة، تعتبر تخومًا لها ينبغي التزامها، وفى إطار قيامه بهذا التنظيم لا يتقيد المشرع باتباع أشكال جامدة لا يريم عنها، تفرغ قوالبها في صورة صماء لا تبديل فيها، بل يجوز له أن يغاير فيما بينها، وأن يقدر لكل حال ما يناسبها، على ضوء مفاهيم متطورة تقتضيها الأوضاع التي يباشر الحق في التقاضي في نطاقها، وبما لا يصل إلى إهداره، ليظل هذا التنظيم مرنًا، فلا يكون إفراطًا يطلق الخصومة القضائية من عقالها انحرافًا بها عن أهدافها، ولا تفريطًا مجافيًا لمتطلباتها، بل بين هذين الأمرين قوامًا، التزامًا بمقاصدها، باعتبارها شكلًا للحماية القضائية للحق في صورتها الأكثر اعتدالًا. ومن هنا فإن ضمان سرعة الفصل في القضايا غايته أن يتم الفصل في الخصومة القضائية - بعد عرضها على قضاتها- خلال فترة زمنية لا تجاوز باستطالتها كل حد معقول، ولا يكون قصرها متناهيًا، وقصر حق التقاضي في المسائل التي فصل فيها الحكم على درجة واحدة، هو مما يستقل المشرع بتقديره بمراعاة أمرين؛ أولهما: أن يكون هذا القصر قائمًا على أسس موضوعية تمليها طبيعة المنازعة وخصائص الحقوق المثارة فيها، وثانيهما: أن تكون الدرجة الواحدة محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائي من حيث تشكيلها وضماناتها والقواعد المعمول بها أمامها، وأن يكون المشرع قد عهد إليها بالفصل في عناصر النزاع جميعها -الواقعية منها والقانونية - فلا تراجعها فيما تخلص إليه من ذلك أية جهة أخرى ، ومن ثم لا يجوز- من زاوية دستورية - انفتاح طرق الطعن في الأحكام أو منعها إلا وفق أسس موضوعية، ليس من بينها مجرد سرعة الفصل في القضايا.
وحيث إنه، لما كان ما تقدم، وكان المشرع بتقريره النصين المطعون فيهما، قد أعمل سلطته التقديرية في شأن التنظيم الإجرائي للخصومة في المنازعات والدعاوى التي تختص بنظرها المحاكم الاقتصادية، بأن أنشأ قضاءً متخصصًا ليباشر ما نيط به من اختصاصات حددتها المادتان (4 و6) من قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية الصادر بالقانون رقم 120 لسنة 2008، وذلك وفقًا للضوابط والإجراءات المنصوص عليها في هذا القانون، والتي كفلت للمتقاضين ضمانات التقاضي، من إبداء الدفاع وتنظيم لطرق وإجراءات الطعن في الأحكام الصادرة منه، ومن ثم؛ فإن المادة الثانية من القانون رقم 120 لسنة 2008 المشار إليه،
قد ألزمت المحاكم أن تحيل - من تلقاء نفسها - ما يوجد لديها من منازعات ودعاوى أصبحت بمقتضى أحكام ذلك القانون من اختصاص المحاكم الاقتصادية، وذلك بالحالة التي تكون عليها، وبدون رسوم، بقصد الفصل في تلك المنازعات أمام قضاء متخصص، بما يكفل سرعة القضاء فيها، ويحول دون تشتتها أمام جهات قضائية مختلفة؛ ومن ثم تكون المحاكم الاقتصادية - وهي من تشكيل محاكم جهة القضاء العادي - هى القاضي الطبيعي للمنازعات التي تختص بها، والتي عينتها المادة (6) من قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية، وذلك في مفهوم المادة (97) من الدستور.
وحيث إن المشرع وضع للحماية القضائية للمتقاضين أمام المحاكم الاقتصادية نظامًا للتداعي يقوم على أساس قيمة المنازعة ونوعها، بحيث تعرض الدعاوى - غير الجنائية - التي أسند لتلك المحاكم الاختصاص بنظرها، والتي لا تجاوز قيمتها خمسة ملايين جنيه على الدوائر الابتدائية، وأجاز استئناف الأحكام الصادرة منها أمام الدوائر الاستئنافية، في حين تعرض الدعاوى التي تجاوز هذه القيمة على الدوائر الاستئنافية ابتداءً، وأجاز الطعن في الأحكام الصادرة منها أمام محكمة النقض لتفصل دائرة فحص الطعون، منعقدة في غرفة مشورة، فيما يفصح من الطعون عن عدم جوازه أو عن عدم قبوله، وإذا رأت أن الطعن جدير بالنظر أحالته إلى الدائرة المختصة، فإذا قضت المحكمة بنقض الحكم المطعون فيه؛ حكمت في موضوع الدعوى ولو كان الطعن لأول مرة، وذلك إعمالًا لنص الفقرة الأخيرة من المادة (12) من قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية المشار إليه، مما مؤداه ربط هذا التنظيم الإجرائي للخصومة في مجمله بالغايات التي استهدفها المشرع من هذا القانون، والتي تتمثل -على ما يتضح جليًّا من أعماله التحضيرية- في تحقيق المصلحة العامة عن طريق إقامة قضاء متخصص في نظر المنازعات ذات الطابع الاقتصادي، وما يستلزمه ذلك من حسم هذه المنازعات بالسرعة التي تتفق مع طبيعة النشاط الاقتصادي، الذى يُعتبر الزمن عنصرًا جوهريًّا فيه، وعاملًا أساسيًّا لاستقرار المراكز القانونية المتعلقة بهذا النشاط، مع عدم الإخلال - في الوقت ذاته - بالضمانات الأساسية لحق التقاضي، ولا بأركانه التي يتوخاها الدستور، بما يكفل لأي من المتقاضين أمام المحاكم الاقتصادية، عرض منازعته ودفوعه على قاضيه الطبيعي، متمتعًا بفرص متكافئة في الطعن على الحكم الصادر من أول درجة من درجات التقاضي، سواء تمثلت هذه الدرجة في الدوائر الابتدائية بالمحاكم الاقتصادية بالنسبة للفئة الأولى من المتقاضين، أم في الدوائر الاستئنافية بها بالنسبة للفئة الثانية منهم- على النحو السالف البيان- بما يجعل للخصومة في هذا النوع من المنازعات حلًّا منصفًا يرد العدوان على الحقوق المدعى بها، وفق أسس موضوعية لا تقيم في مجال تطبيقها تمييزًا منهيًّا عنه بين المخاطبين بها، بمراعاة اختلاف المراكز القانونية لخصوم الدعاوى التي أصبحت من اختصاص المحاكم الاقتصادية، وخصوم الدعاوى المحكوم فيها، أو المؤجلة للطعن بالحكم قبل تاريخ العمل بقانون إنشاء المحاكم الاقتصادية المشار إليه، التي تبقي الأحكام الصادرة منها خاضعة للقواعد المنظمة لطرق الطعن السارية في تاريخ صدورها، مما يتفق مع سلطة المشرع في المفاضلة بين البدائل المختلفة لتنظيم إجراءات التقاضي، دون التقيد بقالب جامد يحكم إطار هذا التنظيم؛ ومن ثم تكون الإحالة التي قررها المشرع بنص الفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون رقم 120 لسنة 2008 بإصدار قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية، قبل أن يُستبدل بها القانون رقم 146 لسنة 2019، وتنظيم إجراءات الطعن أمام محكمة النقض المنصوص عليها بالمادة (12) من قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية، قائمة على أسس مبررة تستند إلى واقع يرتبط بالأغراض التي توخاها المشرع، ولا يتصل بحقوق موضوعية استقر أمرها، ولا بنزاع كان يدور حولها وصار منتفيًا، وإنما بقواعد إجرائية ضبط المشرع بها استئداء هذه الحقوق، أحل محلها قواعد من جنسها لم تكتمل حلقاتها في شأن النزاع المتصل بها، فلا يكون تطبيق القواعد الإجرائية الجديدة في شأنها متضمنًا أثرًا رجعيًّا، بل متعلقًا محلًا بمراكز قانونية تقبل بطبيعتها التعديل والتغيير، ومن ثم تنتفي عن هذين النصين قالة الإخلال بمبدأي سيادة القانون والمساواة، أو تقييد حق التقاضي.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان النصان المطعون فيهما لا يخالفان أي أحكام أخرى من الدستور؛ فمن ثم يتعين القضاء برفض الدعوى.
وحيث إنه بشأن ما أثارته الشركة المدعية بصحيفة دعواها من غموض نص الفقرة الأخيرة من المادة (12) من قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية المار ذكره، مما يقتضي تفسيره، فإنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المشرع بعد أن بيَّن في المادة (26) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 الحالات التي تتولى فيها المحكمة تفسير نصوص القوانين والقرارات بقوانين الصادرة من رئيس الجمهورية، نص في المادة (33) منه على أن يقدم طلب التفسير من وزير العدل بناءً على طلب رئيس مجلس الوزراء أو رئيس مجلس الشعب (النواب حاليًا) أو المجلس الأعلى للهيئات القضائية .....، ومؤدى ذلك أن المشرع قصر الحق في تقديم طلبات التفسير على الجهات المحددة في المادة المشار إليها، وذلك عن طريق وزير العدل. لما كان ذلك، فإن طلب الشركة المدعية المار بيانه، لا يكون قد اتصل بهذه المحكمة اتصالًا مطابقًا للأوضاع المقررة قانونًا لتقديم طلبات التفسير؛ ومن ثم يتعين الالتفات عنه.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت الشركة المدعية المصروفات.

الطعن رقم 60 لسنة 23 ق دستورية عليا "دستورية" جلسة 1 / 9 / 2024

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد الأول من سبتمبر سنة 2024م، الموافق السابع والعشرين من صفر سنة 1446ه.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز ومحمد أيمن سعد الدين عباس نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر

أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 60 لسنة 23 قضائية دستورية

المقامة من
محمد عبد الحميد محمد بدوي
ضد
1 - رئيس مجلس الوزراء
2 - وزيرة التأمينات

------------------
" الإجراءات "
بتاريخ الرابع عشر من أبريل سنة 2001، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية المادة السابعة من قرار وزيرة التأمينات والشئون الاجتماعية رقم 81 لسنة 1995 بشأن صرف مكافأة للعاملين بالهيئة القومية للتأمين الاجتماعي عند انتهاء الخدمة، المستبدل بها نص المادة الثانية من قرار وزيرة التأمينات والشئون الاجتماعية رقم 51 لسنة 1996.
وقدمت الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي طلبًا للتدخل انضماميًّا للمدعى عليها الثانية، ومذكرة طلبت فيها الحكم، أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرتين، طلبت فيهما الحكم برفض الدعوى.
وقدم المدعي مذكرة، طلب فيها الحكم بعدم دستورية المادة العاشرة من القانون رقم 207 لسنة 1994 بتعديل بعض أحكام قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، فيما قررته من أن يكون وزير التأمينات الاجتماعية رئيسًا لمجلس إدارة الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي، والمادة السابعة من قرار وزيرة التأمينات والشئون الاجتماعية المطعون عليه، فيما قررته من استحقاق المكافأة المنصوص عليها في ذلك القرار لمن كان موجودًا في الخدمة في 31/ 12/ 1995.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.

--------------

" المحكمة "

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الثابت من الأوراق أن المدعي توفي إلى رحمة الله - تعالى - بتاريخ 16/ 12/ 2007، ولم تتهيأ الدعوى للحكم في موضوعها؛ الأمر الذي يتعين معه الحكم بانقطاع سير الخصومة في الدعوى، عملاً بنص المادة (28) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، والمادة (130) من قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بانقطاع سير الخصومة في الدعوى.


الطعن رقم 60 لسنة 24 ق دستورية عليا "دستورية" جلسة 1 / 9 / 2024

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد الأول من سبتمبر سنة 2024م، الموافق السابع والعشرين من صفر سنة 1446ه.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد وصلاح محمد الرويني نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر

أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 60 لسنة 24 قضائية دستورية

المقامة من
عبد الرحمن عمر حسبو
ضد
1- رئيس مجلس الوزراء
2- وزير العدل
3 - وزير المالية
4- مدير عام مأمورية ضرائب مينا البصل والدخيلة

----------------
" الإجراءات "
بتاريخ السادس عشر من فبراير سنة 2002، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية المواد (31 و32 و38 و40 و41 و95 و96 و102 و131 و159 و160 و166 و167 و171 و172) من قانون الضرائب على الدخل الصادر بالقانون رقم 157 لسنة 1981.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرتين، طلبت فيهما الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.

---------------

" المحكمة "

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الثابت من الأوراق أن المدعي توفي إلى رحمة الله - تعالى - بتاريخ 12/ 5/ 2010، ولم تتهيأ الدعوى للحكم في موضوعها؛ الأمر الذي يتعين معه الحكم بانقطاع سير الخصومة في الدعوى، عملاً بنص المادة (28) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، والمادة (130) من قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بانقطاع سير الخصومة في الدعوى.

الطعن رقم 38 لسنة 34 ق دستورية عليا "دستورية" جلسة 1 / 9 / 2024

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد الأول من سبتمبر سنة 2024م، الموافق السابع والعشرين من صفر سنة 1446ه.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد وصلاح محمد الرويني نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر

أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 38 لسنة 34 قضائية دستورية

المقامة من
عمرو محمد جمال الدين أبو السعود
ضد
1 - رئيس الجمهورية
2- رئيس مجلس الوزراء
3- رئيس مجلس الشعب (النواب حاليًا)
4- رئيس مجلس الشورى (الشيوخ حاليًا)
5- وزير العدل
6- وزير الداخلية
7- وزير المالية
8- وزير التجارة والصناعة

--------------------
" الإجراءات "
بتاريخ الرابع والعشرين من مارس سنة 2012، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية نص المادة السابعة أولاً من القانون رقم 114 لسنة 2008، باستبدال نص البند (8/ أ) من المادة الأولى من القانون رقم 147 لسنة 1984 بفرض رسم تنمية الموارد المالية للدولة.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم؛ أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.
ولدى هيئة المفوضين طلب المدعي أن تتصدى المحكمة - عملًا بنص المادة (27) من قانونها - للفصل في دستورية المادة (49/ 3) من قانون المحكمة الدستورية العليا.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.

-----------------
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن المدعي أقام أمام محكمة العطارين الجزئية الدعوى رقم 496 لسنة 2010 مدني، مختصمًا المدعى عليهم السادس والسابع والثامن، وآخر، طالبًا الحكم بإلزامهم بالتضامن والتضامم فيما بينهم بأن يؤدوا إليه مبلغًا مقداره 28076,90 جنيهًا قيمة الضريبة التي حصلتها منه إدارة مرور الإسكندرية مقابل ترخيص سيارته المستوردة، التي تجاوز السعة اللترية لمحركها 2030 سم3. وبجلسة 29/ 12/ 2010، قضت المحكمة برفض الدعوى، طعن المدعي على الحكم أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية بالاستئناف رقم 168 لسنة 2011 مدني مستأنف، وحال نظره دفع بعدم دستورية نص المادة السابعة أولاً من القانون رقم 114 لسنة 2008 باستبدال نص البند (8/ أ) من المادة الأولى من القانون رقم 147 لسنة 1984 بفرض رسم تنمية الموارد المالية للدولة. وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، وصرحت له برفع الدعوى الدستورية؛ فقد أقام الدعوى المعروضة.
وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى لرفعها دون تصريح من محكمة الموضوع، وإقامتها بعد الميعاد القانوني، فمردود بما هو ثابت بملف الدعوى الموضوعية، من أن المدعي دفع بجلسة 9/ 10/ 2011، بعدم دستورية النص المطعون فيه، فقررت المحكمة التأجيل لجلسة 25/ 12/ 2011، للمستندات، دون أن تصرح له بإقامة الدعوى الدستورية، وبالجلسة الأخيرة أعاد المدعي الدفع ذاته، وبعد أن قدرت المحكمة جدية الدفع قررت التأجيل لجلسة 25/ 3/ 2012، وصرحت للمدعي برفع الدعوى الدستورية فأقام المدعي دعواه بتاريخ 24/ 3/ 2012، خلال مهلة الثلاثة أشهر التي عيَّنها المشرع حدًّا أقصى لرفع الدعوى الدستورية، وفقًا لنص المادة (29/ ب) من قانون هذه المحكمة الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979؛ ومن ثم فإن الدعوى تكون قد أُقيمت بعد تصريح من المحكمة وخلال الميعاد المقرر قانونًا، ويكون الدفع بعدم قبولها في غير محله، حقيقًا بالالتفات عنه.
وحيث إن المادة السابعة أولاً من القانون رقم 114 لسنة 2008 تنص على أن يستبدل بنص البند (8/ أ) من المادة الأولى من القانون رقم 147 لسنة 1984 بفرض رسم تنمية الموارد المالية للدولة، النص الآتي:
8- السيارات ورخص القيادة:
(أ) رخصة تسيير السيارات الخاصة:
116 جنيهًا للسيارات التي لا تزيد السعة اللترية لمحركها على 1030 سم3.
143 جنيهًا للسيارات التي تزيد السعة اللترية لمحركها على 1030 سم3 ولا تجاوز 1330 سم3.
175 جنيهًا للسيارات التي تزيد السعة اللترية لمحركها على 1330 سم3 ولا تجاوز 1630 سم3.
1000 جنيه بحد أدنى مائتي جنيه للسيارات التي تزيد السعة اللترية لمحركها على 1630 سم3 ولا تجاوز 2030 سم3، على أن يخفض هذا الرسم بواقع 5٪ عن كل سنة تالية لسنة الموديل.
من ثمن السيارة بحد أدنى ألف جنيه للسيارات التي تزيد السعة اللترية لمحركها على 2030 سم3.
ويحدد ثمن السيارة لأغراض تطبيق هذا الرسم على أساس قيمتها للأغراض الضريبية بالنسبة إلى السيارات المستوردة مضافًا إليها الضرائب المستحقة عليها، ووفقًا لقوائم يصدر بها قرار من وزير المالية بالاتفاق مع وزير التجارة والصناعة بالنسبة إلى السيارات المنتجة محليًّا، ويخفض الثمن بنسبة 10٪ عن كل سنة تالية لسنة الموديل.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن مناط المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية - وهى شرط لقبولها - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية؛ وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات المعروضة على محكمة الموضوع.
متى كان ذلك، وكان النزاع المعروض على محكمة الموضوع يدور حول أحقية المدعي في استرداد المبلغ النقدي الذي تم تحصيله منه مقابل استخراج رخصة تسيير سيارته الخاصة المستوردة التي تزيد السعة اللترية لمحركها على 2030 سم3، والذي فرض بموجب نص المادة السابعة أولاً من القانون رقم 114 لسنة 2008 باستبدال نص البند (8/ أ) من المادة الأولى من القانون رقم 147 لسنة 1984 بفرض رسم تنمية الموارد المالية للدولة؛ ومن ثم فإن الفصل في دستورية هذا النص سيكون ذا أثر مباشر وانعكاس أكيد على الطلبات في الدعوى الموضوعية، وقضاء محكمة الموضوع فيها، تتحقق به المصلحة الشخصية المباشرة للمدعي في الدعوى المعروضة، ويتحدد نطاقها فيما تضمنه نص المادة السابعة أولاً من القانون رقم 114 لسنة 2008 باستبدال نص البند (8/ أ) من المادة الأولى من القانون رقم 147 لسنة 1984 المار ذكره من فرض رسم تنمية الموارد المالية للدولة على رخص تسيير السيارات الخاصة بنسبة 2٪ من ثمن السيارة بحد أدنى ألف جنيه للسيارات التي تزيد السعة اللترية لمحركها على 2030 سم3، وأن يحدد ثمن السيارة لأغراض تطبيق هذا الرسم على أساس قيمتها للأغراض الضريبية بالنسبة إلى السيارات المستوردة مضافًا إليها الضرائب المستحقة عليها. ولا ينال من ذلك أن يستبدل بالنص المطعون فيه نص البند (8/ أ) من المادة رقم (1) من القانون رقم 153 لسنة 2018، إذ إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن إلغاء المشرع لقاعدة قانونية بذاتها لا يحول دون الطعن عليها من قبل من طُبقت عليه خلال فترة نفاذها، وترتبت بمقتضاها آثار قانونية بالنسبة إليه تتحقق بإبطالها مصلحته الشخصية المباشرة؛ ذلك أن الأصل في تطبيق القاعدة القانونية هو سريانها على الوقائع التي تتم خلال الفترة من تاريخ العمل بها حتى إلغائها، فإذا استُعيض عنها بقاعدة قانونية جديدة سرت القاعدة الجديدة من الوقت المحدد لنفاذها، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد النطاق الزمني لسريان كل من القاعدتين، فما نشأ من المراكز القانونية في ظل القاعدة القانونية القديمة وجرت آثارها خلال فترة نفاذها يظل محكومًا بها وحدها. متى كان ذلك، وكانت الواقعة المنشئة للضريبة المطالب باستردادها قد تحققت إبان سريان النص المطعون فيه؛ ومن ثم يظل المدعي مخاطبًا بذلك النص رغم استبداله عام 2018.
وحيث إن المدعي ينعى على النص المطعون فيه مخالفته المواد (34 و38 و40 و119) من دستور سنة 1971، المقابلة للمواد (35 و38 و53) من الدستور الحالي، وذلك تأسيسًا على أن النص المطعون فيه مايز في المعاملة الضريبية لرخص تسيير السيارات وفقًا للسعة اللترية للمحرك رغم حصول السيارات أيًّا كانت السعة اللترية لمحركاتها على الخدمات المرورية ذاتها، وخالف مبدأ العدالة الضريبية بفرضه ضريبة على رأس المال، بما يُشكل ازدواجًا ضريبيًّا، واعتداءً على الحق في الملكية الخاصة.
وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، تخضع للدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة تستهدف - أصلًا - صون هذا الدستور، وحمايته من الخروج على أحكامه، لكون الطبيعة الآمرة لقواعد الدستور، وعلوها على ما دونها من القواعد القانونية جميعها - أيًّا كان تاريخ العمل بها - تخضع لأحكام الدستور القائم لضمان اتساقها والمفاهيم التي أتى بها، فلا تتفرق هذه القواعد في مضامينها بين نظم مختلفة يناقض بعضها بعضًا، بما يحول دون جريانها وفق المقاييس الموضوعية ذاتها التي تطلبها الدستور القائم كشرط لمشروعيتها الدستورية. إذ كان ذلك، وكانت المناعي التي وجهها المدعي إلى النص المطعون فيه تندرج ضمن المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي، وكان النص المطعون فيه وإن صدر قبل العمل بالدستور القائم، فإنه ظل ساريًا ومعمولًا بأحكامه حتى أدركه الدستور القائم، قبل استبداله في ظله، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على دستورية هذا النص في ضوء أحكام الدستور القائم.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الضريبة فريضة مالية تقتضيها الدولة جبرًا من المكلفين بأدائها إسهامًا من جهتهم في أعبائها وتكاليفها العامة، وهم يدفعونها لها بصفة نهائية، ودون أن يعود عليهم نفع خاص من وراء التحمل بها، فلا تقابلها خدمة محددة بذاتها، يكون الشخص العام قد بذلها من أجلهم وعاد عليهم مردودها؛ ومن ثم كان فرضها مرتبطًا بمقدرتهم التكليفية ولا شأن لها بما آل إليهم من فائدة بمناسبتها، وإلا كان ذلك خلطًا بينها وبين الرسم، إذ يستحق مقابلًا لنشاط خاص أتاه الشخص العام، وعوضًا عن تكلفته، وإن لم يكن بمقدارها.
وحيث إن السلطة التشريعية هى التي تقبض بيدها على زمام الضريبة العامة؛ إذ تتولى بنفسها تنظيم أوضاعها بقانون يصدر عنها، متضمنًا تحديد وعائها، وأسس تقديره وكيفية أدائها، وضوابط تقادمها، وما يجوز أن يتناولها من الطعون اعتراضًا عليها، ونظم خصم بعض المبالغ أو إضافتها لحسابها، وغير ذلك مما يتصل ببنيان هذه الضريبة - عدا الإعفاء منها، إذ يجوز أن يتقرر في الأحوال التي يبينها القانون - وإلى هذه العناصر جميعها يمتد النظام الضريبي في جمهورية مصر العربية، ليحيط بها في إطار من قواعد القانون العام، متخذًا من العدالة الاجتماعية مفهومًا وإطارًا، وهو ما يعني بالضرورة أن حق الدولة في اقتضاء الضريبة لتنمية مواردها، ولإجراء ما يتصل بها من آثار عرضية، ينبغي أن يقابل بحق الملتزمين أصلًا بها، والمسئولين عنها، في تحصيلها وفق أسس موضوعية يكون إنصافها نافيًا لتحيُّفها، وحيدتُها ضمانًا لاعتدالها.
وحيث إن من المقرر أن تحديد دين الضريبة يتطلب التوصل إلى تقدير حقيقي لقيمة المال الخاضع لها، باعتباره شرطًا لازمًا لعدالة الضريبة ولصون مصلحة كل من الممول والخزانة العامة، ويتعين - في هذا الإطار - أن يكون وعاء الضريبة ممثلًا في المال المحمل بعبئها، محققًا ومحددًا على أسس واقعية، يكون ممكنًا معها الوقوف على حقيقته على أكمل وجه، ولا يكون الوعاء محققًا إلا إذا كان ثابتًا بعيدًا عن شبهة الاحتمال أو الترخيص، ذلك أن مقدار الضريبة أو مبلغها أو دينها إنما يتحدد مرتبطًا بوعائها، وفق الشروط التي يقدر معها المشرع واقعية الضريبة وعدالتها بما لا مخالفة فيه للدستور.
وحيث إن الفريضة المالية الواردة بالنص المطعون عليه على استخراج رخصة تسيير سيارات خاصة، منفصلة عن كل نشاط خاص تكون الدولة قد بذلته لأصحاب تلك السيارات، فإنها تنحل إلى ضريبة عامة من الناحية القانونية.
متى كان ذلك، وكان المشرع قد جعل من استخراج رخصة تسيير سيارة خاصة الواقعة المنشئة للضريبة، وحدد مقدار الضريبة منسوبًا إلى ثمنها بالنسبة إلى السيارات التي تزيد السعة اللترية لمحركها على 2030 سم3، وجعل مقدار الضريبة 2٪ من ثمنها تتناقص بنسبة 10٪ عن كل سنة تالية لسنة الموديل، بحد أدنى 1000 جنيه؛ ومن ثم تكون الضريبة المفروضة قد جاءت متفقة مع الشروط الموضوعية لفرضها، مستهدفة تحقيق أغراض مشروعة، أفصحت عنها الأعمال التحضيرية للقانون، حاصلها تغطية تكاليف حزمة الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية التي تقررت لصالح الفئات محدودة الدخل، كما جاء فرضها في إطار السلطة التقديرية للمشرع في تحديد وعاء الضريبة وأسس تقديرها وسعرها، وفرضها بصورة تصاعدية، بمراعاة المقدرة التكليفية للممول، بما لا ينال من عدالتها، ولا يصادر فرص تنمية رأس المال محل فرض الضريبة بحسبان الزيادة المتوقعة له مع ارتفاع نسب التضخم، في مقابل خفض ثمن السيارة بنسبة 10٪ عن كل سنة تالية لسنة الصنع، المتخذ نسبة 2٪ منه أساسًا لسعر الضريبة على السيارات التي تزيد السعة اللترية لمحركها على 2030 سم3، ومن ثم فإن النعي بمخالفة النص المطعون فيه للقواعد الموضوعية لفرض الضريبة أو مخالفة مبدأي الكفاية والعدل، يكون قائمًا على غير أساس متعين الرفض، فضلًا عن أن تعدد الفرائض المالية على الوعاء الواحد لا يشكل في ذاته عيبًا دستوريًّا، ما دام قد ثبت أن النهج الذي اختاره المشرع في تحديد سعر الفريضة المالية لا يؤدي إلى تآكل رأس المال المحمل بها أو يتجاوز حدود المقدرة التكليفية للممولين المكلفين بأدائها على نحو ما سلف بيانه.
وحيث إنه عن النعي بمخالفة النص المطعون فيه لمبدأ المساواة للممايزة في الضريبة المفروضة على استخراج رخصة تسيير السيارة المستوردة عن نظيرتها المحلية، بأن حدد ثمن السيارة المستوردة لأغراض تطبيق هذه الضريبة على أساس قيمتها للأغراض الضريبية مضافًا إليها الضرائب المستحقة عليها، في حين أنه حدد ثمن السيارة المحلية وفقًا لقوائم يصدر بها قرار من وزير المالية بالاتفاق مع وزير التجارة والصناعة، فمردود بما استقر عليه قضاء هذه المحكمة من أن مبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون لا يعني أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كما أنه ليس مبدأً تلقينيًّا جامدًا منافيًا للضرورة العملية، ولا هو بقاعدة صماء تنبذ صور التمييز جميعها؛ ذلك أن من بينها ما يستند إلى أُسس موضوعية، ولا ينطوي على مخالفة لنص المادة (53) من الدستور، كما جرى قضاء هذه المحكمة على أن الدستور أعلى من شأن الضريبة العامة، وقدر أهميتها بالنظر إلى خطورة الآثار التي ترتبها، وبوجه خاص من زاوية جذبها لعوامل الإنتاج أو طردها أو تقييد تدفقها، وما يتصل بها من مظاهر الانكماش أو الانتعاش، وتأثيرها - من ثَمَّ - على فرص الاستثمار والادخار والعمل وتكلفة النقل وحجم الإنفاق.
لما كان ما تقدم، وكان من الأهداف المشروعة للقانون أن يعمل - من خلال السياسة الضريبية - على زيادة الإنتاج المحلي، وتنظيم الاستيراد عملًا بالمادة (28) من الدستور، فإن الممايزة في تحديد ثمن السيارة بين السيارات المستوردة وبين نظيرتها المصنعة أو المجمعة محليًّا تغدو مبررة، ولا تشكل تمييزًا منهيًّا عنه دستوريًّا، وهو الشأن ذاته عن قالة مخالفة النص المطعون فيه مبدأ المساواة؛ لاختلاف فئة الضريبة المقررة على استخراج رخصة تسيير السيارات على أساس السعة اللترية لمحركها وخضوع الأقل سعة لترية لفئة ضريبية أدنى من السيارات التي تزيد عنها في السعة اللترية، كون هذه الممايزة قوامها الاعتداد بالمقدرة التكليفية للممول، وهو معيار موضوعي تتساند إليه الممايزة المنعي بها، فيما لا مخالفة فيه للدستور، ليغدو هذا النعي بوجهيه السالف بيانهما لا سند له، خليقًا برفضه.
وحيث إنه عن النعي على النص المطعون فيه إهداره حق الملكية، بحرمان صاحب السيارة من استعمالها حال عدم سداده لتلك الضريبة، فمردود بما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة من أن الملكية لم تعد حقًّا مطلقًا يستعصي على التنظيم التشريعي، ومن ثم غدا سائغًا تحميلها بالقيود التي تقتضيها وظيفتها الاجتماعية التي يتحدد نطاقها ومرماها بمراعاة الموازنة التي يجريها المشرع - في ضوء أحكام الدستور- بين طبيعة الأموال محل الملكية والأغراض التي ينبغي توجيهها إليها على النحو الذي يحقق الصالح العام للمجتمع؛ تقديرًا بأن القيود التي تفرضها الوظيفة الاجتماعية على حق الملكية للحد من إطلاقه لا تُعتبر مقصودة لذاتها، وإنما غايتها تحقيق الخير المشترك للفرد والجماعة، مما مؤداه أن الدستور يكفل الحماية للملكية الخاصة التي لا تقوم في جوهرها على الاستغلال، ويرد انحرافها كلما كان استخدامها متعارضًا مع الخير العام للشعب، ويؤكد دعمها بشرط قيامها على أداء الوظيفة الاجتماعية التي يبين المشرع حدودها؛ مراعيًا أن تعمل في خدمة الاقتصاد القومي وفي إطار خطة التنمية، ولئن كانت الضريبة العامة، بل وكافة الفرائض المالية، تمثل في حقيقتها عبئًا ماليًّا على الممولين؛ إذ هي في كافة صورها تشكل اقتطاعًا لقيمتها من أموال الممولين وتقتضيها الدولة منهم بما لها من سيادة، إلا أن هذه الفريضة في الوقت ذاته تُعد من أهم موارد الدولة المالية التي تعينها على أداء مهامها ووظائفها الحيوية في مختلف أوجه النشاط الموكولة إليها.
وحيث إنه ولئن كان مسلمًا أن الحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية لا تقتصر على الحقوق العينية، بل تنصرف إلى الحقوق الشخصية وتتسع للأموال بوجه عام، إلا أن الضريبة على استخراج رخص تسيير السيارات الخاصة الواردة بالنص المطعون فيه، لا تخالف الحماية المقررة للملكية الخاصة المنصوص عليها في المادة (35) من الدستور، ذلك أن الإخلال بها لا يتحقق إلا من خلال نصوص قانونية تفقد ارتباطها عقلًا بمقوماتها، ولا كذلك الحال في شأن النص المطعون فيه الذي جاء موافقًا للمقومات الدستورية لصون حق الملكية، الذي يقبل التنظيم في إطار وظيفته الاجتماعية، إذ لم يصادر خصيصة من خصائص الملكية ولا قيدها بقيود ترهقها أو تعطلها، وإنما تغيَّا كفالة مصلحة مجتمعية مشروعة، على نحو ما سلف بيانه؛ بما يكون معه النعي على النص المطعون فيه بإهدار الحق في الملكية الخاصة، حقيقًا برفضه.
وحيث إن النص المطعون فيه لا يخالف أي حكم آخر من أحكام الدستور؛ فيغدو متعينًا القضاء برفض الدعوى.
وحيث إنه عن طلب المدعي التصدي للفقرة الثالثة من المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 - عملًا بالمادة (27) من قانونها سالف الذكر، وإذ سبق للمحكمة الدستورية العليا أن حسمت دستورية النص المطلوب التصدي لدستوريته، بحكمها الصادر بجلسة 7/ 7/ 2002، في الدعوى رقم 76 لسنة 22 قضائية دستورية، الذي قضى برفض الدعوى، وقد نُشر الحكم بالجريدة الرسمية بالعدد 29 تابع (ب) بتاريخ 18/ 7/ 2002، وكان مقتضى نص المادة (195) من الدستور والمادتين (48 و49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن يكون للأحكام والقرارات الصادرة من هذه المحكمة حجية مطلقة في مواجهة الكافة وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة باعتبارها قولًا فصلًا لا يقبل تأويلًا ولا تعقيبًا من أية جهة كانت، وهى حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيها أو إعادة طرحها على هذه المحكمة من جديد لمراجعتها؛ الأمر الذي يتعين معه عدم قبول هذا الطلب.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات.

الطعن رقم 8 لسنة 23 ق دستورية عليا "دستورية" جلسة 1 / 9 / 2024

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد الأول من سبتمبر سنة 2024م، الموافق السابع والعشرين من صفر سنة 1446ه.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز ومحمد أيمن سعد الدين عباس نواب رئيس المحكمة وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر

أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 8 لسنة 23 قضائية دستورية

المقامة من
حسن جاد حسن عبد الرحمن
ضد
1 - رئيس الجمهورية
2 - رئيس مجلس الوزراء
3 - محافظ البنك المركزي
4- رئيس مجلس إدارة بنك القاهرة

-----------------
" الإجراءات "
بتاريخ الثالث والعشرين من يناير سنة 2001، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية الفقرة (د) من المادة (7) من القانون رقم 120 لسنة 1975 في شأن البنك المركزي المصري والجهاز المصرفي، المستبدل بها القانونان رقما 37 لسنة 1992 و97 لسنة 1996، والمادة (29) مكررًا من قانون البنوك والائتمان الصادر بالقانون رقم 163 لسنة 1957 المضافة بالقانون رقم 97 لسنة 1996.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم، أصليًّا: بعدم اختصاص المحكمة الدستورية العليا بنظر الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.
وقدم البنك المدعى عليه الثالث مذكرة، طلب فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.

------------------

" المحكمة "

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الثابت من الأوراق أن المدعي توفي إلى رحمة الله - تعالى - بتاريخ 2/ 2/ 2021، ولم تتهيأ الدعوى للحكم في موضوعها؛ الأمر الذي يتعين معه الحكم بانقطاع سير الخصومة في الدعوى، عملاً بنص المادة (28) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، والمادة (130) من قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بانقطاع سير الخصومة في الدعوى.

الطعن رقم 1 لسنة 25 ق دستورية عليا "دستورية" جلسة 1 / 9 / 2024

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد الأول من سبتمبر سنة 2024م، الموافق السابع والعشرين من صفر سنة 1446ه.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمود محمد غنيم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز ومحمد أيمن سعد الدين عباس نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر

أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 1 لسنة 25 قضائية دستورية

المقامة من
إنعام أبو زيد أبو طالب أحمد
ضد
1- رئيس الجمهورية
2- رئيس مجلس الشعب (النواب حاليًا)
3- رئيس مجلس الوزراء
4- وزير العدل
5- ورثة/ أحمد صفوت أبو زيد أبو طالب أحمد، وشهرته: صفوت أبو زيد، وهم:
1- حسام صفوت أبو زيد أبو طالب
2- مُعتز أحمد صفوت أبو زيد أبو طالب
3- صفاء صفوت أبو زيد أبو طالب
4- فريال إبراهيم حسن سنارة، وشهرتها: حكمت سنارة
5- هبة أحمد صفوت أبو زيد أبو طالب
6- زينب أحمد صفوت أبو زيد أبو طالب، وشهرتها: حنان

-----------------

" الإجراءات "

بتاريخ الأول من يناير سنة 2003، أودعت المدعية صحيفة هذه الدعوى، قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبةً الحكم بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة (37) من قانون الوصية الصادر بالقانون رقم 71 لسنة 1946، والبند (1) من المادة (477) من القانون المدني الصادر بالقانون رقم 131 لسنة 1948.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.
----------------

" المحكمة "

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق  في أن المدعية أقامت أمام محكمة المنيا الابتدائية - مأمورية بني مزار الكلية - الدعوى رقم 748 لسنة 1999 مدني كلي، ضد المدعى عليهم خامسًا، وآخرين، بطلب الحكم ببطلان العقد المسجل رقم 2196 لسنة 1966 سجل عيني المنيا، المؤرخ 28/5/1966، المحرر بين مورثها/ أبو زيد أبو طالب أحمد (بائع)، وشقيقها/ أحمد صفوت أبو زيد أبو طالب، ونجله القاصر/ حسام (مشتريان)، للأطيان الزراعية المُبينة بالعقد، وشطب ومحو قيده بالسجل العيني ورد تلك الأطيان إلى تركة مورثها، وذلك على سند من أنه بتاريخ 28/3/1966، تحصل شقيقها - مورث المدعى عليهم خامسًا - على توقيع والده على عقد البيع العُرفي للأطيان المار ذكرها، في مرض موته، وبادر بتوثيقه تحت رقم 252 بمكتب توثيق بني مزار بتاريخ البيع ذاته، منكرًا عليها - ومن بعده ورثته - إرثها الشرعي في الأراضي الزراعية موضوع العقد المشار إليه، فكانت الدعوى. وإبان نظرها دفعت المدعية بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (37) من قانون الوصية الصادر بالقانون رقم 71 لسنة 1946، فيما تضمنه من أنه تصح الوصية بالثلث للوارث، والبند (1) من المادة (477) من القانون المدني، فيما تضمنه من أنه إذا باع المريض مرض الموت لوارث، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، وصرحت للمدعية برفع الدعوى الدستورية؛ فأقامت دعواها المعروضة.
وحيث إن الفقرة الأولى من المادة (37) من قانون الوصية الصادر بالقانون رقم 71 لسنة 1946، تنص على أنه تصح الوصية بالثُّلث للوارث وغيره، وتنفذ من غير إجازة الورثة وتصح بما زاد على الثلث ولا تنفذ في الزيادة إلا إذا أجازها الورثة بعد وفاة الموصي وكانوا من أهل التبرع عالمين بما يجيزونه.
وتنص المادة (477) من القانون المدني الصادر بالقانون رقم 131 لسنة 1948 على أنه 1- إذا باع المريض مرض الموت لوارث أو لغير وارث بثمن يقل عن قيمة المبيع وقت الموت فإن البيع يسري في حق الورثة إذا كانت زيادة قيمة المبيع على الثمن لا تجاوز ثُلث التركة داخلًا فيها المبيع ذاته.
2- أما إذا كانت هذه الزيادة تجاوز ثلث التركة فإن البيع فيما يجاوز الثلث لا يسري في حق الورثة إلا إذا أقروه أو رد المشتري للتركة ما يفي بتكملة الثلثين.
3- ويسري على بيع المريض مرض الموت أحكام المادة (916).
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة، وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية، مناطها - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها، المطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان جوهر النزاع المردد أمام محكمة الموضوع ينصب على طلب المدعية الحكم ببطلان عقد البيع المسجل الصادر من مورثها إلى شقيقها (مورث المدعى عليهم خامسًا)، وشطب ومحو قيده بالسجل العيني، ورد الأعيان محل ذلك العقد إلى تركة مورثها، لما شابه من الصورية لإخفائه وصية لوارث، وكان النصان المطعون فيهما مبلورين لقاعدتين تقضي أولاهما بصحة الوصية بالثلث للوارث، ونفاذها دون حاجة إلى إجازة الورثة، وتقضي الأخرى بسريان أحكام الوصية على بيع المريض مرض الموت لوارث، وسريان هذا البيع في حق الورثة، إذا كانت زيادة قيمة المبيع على الثمن لا تجاوز ثُلث التركة داخلًا فيها المبيع ذاته؛ ومن ثم فإن هاتين القاعدتين تكونان هما المطبقتين على النزاع الموضوعي، وتتحقق بالفصل في دستوريتهما المصلحة الشخصية المباشرة للمدعية في الدعوى الدستورية المعروضة، ويتحدد نطاقها فيما تضمنه صدر الفقرة الأولى من المادة (37) من قانون الوصية الصادر بالقانون رقم 71 لسنة 1946 من أنه تصح الوصية بالثلث للوارث وتنفذ من غير إجازة الورثة، وما تضمنه البند (1) من المادة (477) من القانون المدني الصادر بالقانون رقم 131 لسنة 1948، من أنه إذا باع المريض مرض الموت لوارث بثمن يقل عن قيمة المبيع وقت الموت فإن البيع يسري في حق الورثة إذا كانت زيادة قيمة المبيع على الثمن لا تجاوز ثُلث التركة داخلًا فيها المبيع ذاته، دون باقي أحكام هذين النصين.
وحيث إن المدعية تنعى على النصين اللذين تحدد فيهما نطاق الدعوى المعروضة، تناقضهما مع أحكام كل من قانون الوصية والقانون المدني، ومخالفتهما أحكام المواد (2 و9 و12) من دستور 1971 - المقابلة للمواد (2 و8 و10) من الدستور القائم - بقالة إنهما يتعارضان مع مبادئ الشريعة الإسلامية، ويخلان بحقوق الورثة في تركة مورثهم، وأن في صحة الوصية بالثلث لوارث، ونفاذها من غير إجازة الورثة، ما يؤدِّي إلى الشِّقاق والنِّزاع وقطيعة الرَّحم، وإثارة البَغْضاء والحسَد بين الورثة، ومن ثم يشكل تهديدًا للطابع الأصيل للأسرة المصرية - وقوامها الدين والأخلاق والوطنية - فينال من قيمها وتقاليدها، التي حرص الدستور على التمكين لها وصونها.
وحيث إن ما تنعاه المدعية من مخالفة النصين المطعون فيهما لأحكام كل من قانون الوصية والقانون المدني المار ذكرهما، فإن هذا النعي مردود بأن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن مناط اختصاصها بالفصل في دستورية القوانين واللوائح، أن يكون مبنى الطعن هو مخالفة التشريع لنص دستوري، ولا شأن لها بالتعارض بين نصين تشريعيين جمعهما قانون واحد أو تفرقا بين قانونين مختلفين، ما لم يكن هذا التعارض منطويًا - بذاته - على مخالفة دستورية. متى كان ذلك، وكان هذا النعي - أيًّا كان وجه الرأي في قيام هذا التعارض من عدمه - لا يعدو أن يكون نعيًا بمخالفة قانون لقانون، وهو ما لا تمتد إليه ولاية هذه المحكمة، ولا يشكل بذلك خروجًا على أحكام الدستور، ومن ثم فإن المحكمة تلتفت عنه.
وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - صون الدستور القائم، وحمايته من الخروج على أحكامه؛ ذلك أن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكانت المناعي التي وجهتها المدعية إلى النصين المطعون فيهما تندرج تحت المطاعن الموضوعية، التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي؛ ومن ثم فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على دستورية هذين النصين اللذين ما زالا معمولًا بهما، في ضوء أحكام الدستور القائم، باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.
وحيث إن ما تنعاه المدعية من مخالفة المادة (37/1) من قانون الوصية السالف الإشارة إليه لمبادئ الشريعة الإسلامية، فقد سبق لهذه المحكمة أن قضت في شأن هذا النعي برفضه، وذلك بحكمها الصادر بجلسة 6/6/1987، في الدعوى رقم 125 لسنة 6 قضائية دستورية، التي اقتصرت مناعيها على طعن وحيد هو مخالفة النص المار بيانه لمبادئ الشريعة الإسلامية، غير أن قضاء هذه المحكمة في الدعوى السالف ذكرها، لا يُعتبر - على ما جرى به قضاؤها - مُطهرًا لذلك النص مما قد يكون عالقًا به من مثالب أخرى، ولا يحول بين كل ذي مصلحة وإعادة طرحه على المحكمة لأوجه مخالفة أخرى غير ما تقدم.
وحيث إن ما تنعاه المدعية من مخالفة نص البند (1) من المادة (477) من القانون المدني لمبادئ الشريعة الإسلامية، فمردود بأن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن ما تضمنته المادة الثانية من الدستور بعد تعديلها في 22 من مايو سنة 1980 يدل على أن الدستور - واعتباراً من تاريخ العمل بهذا التعديل - قد أتى بقيد على السلطة التشريعية مؤداه: إلزامها فيما تقره من النصوص التشريعية بأن تكون غير مناقضة لمبادئ الشريعة الإسلامية بعد أن اعتبرها الدستور أصلًا ترد إليه هذه النصوص أو تستمد منه لضمان توافقها مع تلك المبادئ، ودون ما إخلال بالضوابط الأخرى التي فرضها الدستور على السلطة التشريعية وقيدها بمراعاتها، والنزول عليها في ممارستها لاختصاصاتها الدستورية، وكان من المقرر كذلك أن كل مصدر ترد إليه النصوص التشريعية أو تكون نابعة منه يتعين بالضرورة أن يكون سابقًا في وجوده على هذه النصوص ذاتها، فإن مرجعية مبادئ الشريعة الإسلامية التي أقامها الدستور معيارًا للقياس في مجال الشرعية الدستورية تفترض لزومًا أن تكون النصوص التشريعية التي لا تخل بتلك المبادئ، وتراقبها هذه المحكمة، صادرة بعد نشوء قيد المادة الثانية من الدستور الذي تقاس على مقتضاه، بما مؤداه: أن الدستور قصد بإقراره لهذا القيد أن يكون مداه من حيث الزمان منصرفًا إلى فئة من النصوص التشريعية دون سواها، هي تلك الصادرة بعد نفاذ التعديل الذي أدخله الدستور على مادته الثانية اعتبارًا من التاريخ السالف البيان - والذي ردده الدستور القائم بمقتضى المادة (2) منه - ومن ثم فإن النصوص التشريعية الصادرة قبل نفاذه تظل بمنأى عن الخضوع لحكمه.
متى كان ما تقدم، وكان ما تضمنه نص المادة (477/ بند1) من القانون المدني - المطعون عليه - قد صدر وعُمل به قبل نشوء القيد الدستوري المار بيانه، ولم يلحقه أي تعديل بعد نفاذه؛ ومن ثم فإن هذا النص يظل بمنأى عن الخضوع لحكم ذلك القيد الدستوري - أيًّا كان الرأي في مخالفته لمبادئ الشريعة الإسلامية - ويغدو الطعن عليه بهذا المنعى في غير محله، جديرًا بالالتفات عنه.
وحيث إن المشرع قد اختار للوصية تعريفًا مرنًا بما يجعله شاملًا لكل أنواع الوصايا التي جاء بها القانون؛ فنص في المادة الأولى من قانون الوصية على أنها تصرف في التركة مضاف إلى ما بعد الموت، أي تمليك مضاف إلى زمن ينقطع فيه حق الموصي عن جميع أمواله، فيشمل التصرفات المنجزة في مرض الموت، لأنها وإن أخذت حكم الوصايا - طبقًا لأحكام المادتين (477/بند 1 و916) من القانون المدني - فإنها تنفذ في حدود ثلث التركة، وما زاد يتوقف على إجازة الورثة، فإن أجازوها نفذت وإلا بطلت. وبهذه المثابة، يكون المشرع قد ألحق بالوصية تصرفات المريض مرض الموت التي يقصد بها التبرع، واعتبر - في المادتين (916 و917) من القانون المدني - كل تصرف لا تظهر آثاره إلا بعد الموت، تصرفًا مضافًا إلى ما بعد الموت، وأعطاه حكم الوصية، ما لم يظهر بالدليل أنه قصد به غير ذلك.
وحيث إن المشرع قد عرض للوصية في القانون المدني الصادر بالقانون رقم 131 لسنة 1948، في المواد أرقام (915 و916 و917) منه، وجهر في المادة (915) بالنص على أن تسري على الوصية أحكام الشريعة الإسلامية والقوانين الصادرة في شأنها، وأدرج الوصية ضمن أسباب كسب الملكية الواردة في القانون على سبيل الحصر، وفقًا للمواد (870) وما بعدها من القانون ذاته، وأكد بموجب أحكام المادة (477) منه - وهو بصدد تنظيمه لأحكام البيع في مرض الموت - على سريان البيع الصادر من المريض مرض الموت لوارث، بثمن يقل عن قيمة المبيع وقت الموت في حق الورثة، إذا كانت زيادة قيمة المبيع على الثمن لا تجاوز ثلث التركة داخلًا فيها المبيع ذاته، وعدم سريانه في حقهم، إذا كانت هذه الزيادة تجاوز ثلث التركة، فإن البيع فيما يجاوز الثلث لا يسري في حق الورثة إلا إذا أقروه أو رد المشتري للتركة ما يفي بتكملة الثلثين، كما أكد المشرع على سريان أحكام المادة (916) من القانون المدني على بيع المريض مرض الموت، تلك الأحكام التي اعتبرت كل عمل قانوني يصدر من شخص في مرض الموت ويكون مقصودًا به التبرع، تصرفًا مضافًا إلى ما بعد الموت، وتسري عليه أحكام الوصية.
وحيث إن الدساتير المصرية على تعاقبها، وحذوًا بما استقام عليه نهج الأمم المتحضرة، قد حرصت على صون الملكية الخاصة، وأكدت على حمايتها بوصفها واحدًا من أهم المقومات الأساسية التي لا ينهض المجتمع سويًّا بغير كفالتها، فقد نصت المادة (35) من الدستور القائم على أن الملكية الخاصة مصونة، وحق الإرث فيها مكفول، ولا يجوز فرض الحراسة عليها إلا في الأحوال المبينة في القانون، وبحكم قضائي، ولا تنزع الملكية إلا للمنفعة العامة، ومقابل تعويض عادل يدفع مقدمًا وفقًا للقانون. وتمتد الحماية الدستورية لتشمل الحق في الملكية في ذاته، بغض النظر عن وسيلة كسبه، وبمراعاة ما عساه أن يكون له من وظيفة اجتماعية.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن القيم الدينية والخلقية لا تعمل بعيدًا أو انعزالاً عن التقاليد التي تؤمن بها الجماعة، بل تعززها وتزكيها بما يصون حدودها ويرعى مقوماتها، ومن أجل ذلك جعل الدستور الحالي في المادة (10) منه - المقابلة للمادتين (9 و12) من دستور سنة 1971 - قوام الأسرة الدين والأخلاق والوطنية، كما جعل الأخلاق والقيم والتقاليد، والحفاظ عليها، والتمكين لها، التزامًا على عاتق الدولة بسلطاتها المختلفة، والمجتمع ككل، وغدا ذلك قيدًا على السلطة التشريعية، فلا يجوز لها أن تسن تشريعًا يخل بها، وأن وحدة الأسرة، في الحدود التي كفلها الدستور، لازمها ضرورة تماسكها، توكيدًا للقيم العليا النابعة من اجتماعها، وصونًا لأفرادها من مخاطر التبعثر، وليظل رباط هذا التماسك هو الدين والأخلاق، وهو ما يوجب على المشرع أن يهيئ لأفرادها مناخًا ملائمًا لضمان وحدتها.
وحيث إن الدستور أقام من الدين والأخلاق والوطنية - بمُثُلها وفضائلها ومكارمها - إطارًا للأسرة، يؤكد طابعها الأصيل، ويعكس ملامحها، فلا تنفصل - في تراثها وتقاليدها ومناحي سلوكها - عن دورها الاجتماعي، ولا تتراجع عن القيم العليا للدين، بل تنهل منها تأسيًا بها، والتزامُها بالخلق القويم لا ينعزل عن وجدانها، بل يمتد لأعماقها ويحيطها ليهيمن على طرائقها في الحياة، وليس التعبير عن الوطنية - في محتواها الحق- رنينًا مجردًا من المضمون، بل انتماءٌ مطلق لآمال المواطنين، وانحياز صارم لطموحاتهم يقدم مصالحهم - في مجموعها - على ما سواها. والأسرة بذلك لا تقوم على التباغض أو التناحر، سواء بالنظر إلى خصائصها أو توجهاتها، ولكنها تحمل من القوة أسبابها، فلا تكون حركتها انفلاتًا بئيسًا، ولا حريتها نهبًا لقهر أو طغيان، ولا حقوقها انطلاقًا بلا قيد، ولا واجباتها تشهيًا بهواها، بل يُظلها حياؤها وآدابها، تعصمها صلابة الضمير، ويتوج ائتلافها بنيان من الفضائل، يرعى التكافل الاجتماعي بين آحادها.
وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة، وجوهر هذه السلطة التقديرية يتمثل في المفاضلة التي يجريها المشرع بين البدائل المختلفة؛ لاختيار ما يقدر أنه أنسبها لمصلحة الجماعة، وأكثرها ملاءمة للوفاء بمتطلباتها في خصوص الموضوع الذى يتناوله بالتنظيم، وأن الأصل في كل تنظيم تشريعي للحقوق أنه لا يجوز لغير مصلحة واضحة يقوم الدليل على اعتبارها، مستلهمًا في ذلك أن المصالح المعتبرة، وهي تلك التي تكون مناسبة لمقاصد الشريعة متلاقية معها، وهي بعد مصالح لا تتناهى جزئياتها، أو تنحصر تطبيقاتها، ولكنها تتحدد - مضمونًا ونطاقًا - على ضوء أوضاعها المتغيرة.
وحيث إن النصين المطعون فيهما لم يقيدا المالك، حال حياته، من التصرف في ملكه، ولم يفتئتا على حق الورثة في تركة مورثهم، وإنما وضعا من الضوابط ما يضمن صحة الوصية لوارث إذا لم تجاوز ثلث التركة، دون حاجة إلى إجازة باقي الورثة، وسريان بيع المريض مرض الموت لوارث بثمن يقل عن قيمة المبيع وقت الموت، في حق الورثة، إذا كانت زيادة قيمة المبيع على الثمن لا تجاوز ثُلث التركة داخلًا فيها المبيع ذاته، ليكون المشرع بذلك، وإن توخى حماية الورثة، والحفاظ على ميراثهم الشرعي، فإنه لم يهدر في الوقت ذاته إرادة المورث المتصرف، ولا حقوق الورثة المستفيدين من تصرفه قبل الموت، ويكون قد أجاز التصرف بالقدر الذى لا يتعارض فيه مع أحكام الميراث والوصية المعتبرة شرعًا، بما ليس فيه مساس بالملكية الخاصة التي كفل الدستور حق الإرث فيها، وكان للمشرع أن يتدخل لتنظيم حق الملكية ويوجهه وجهة رشيدة تحقيقًا لمصلحة الجماعة، ووفاء باحتياجاتها، ودفعًا للضرر عنها، وهى مصالح مشروعة يستهدفها النصان المطعون فيهما، ليغدو نعي المدعية عليهما بإهدارهما ملكيتها التي كسبتها إرثًا طبقًا لقواعده التي نظمها القانون، مستمدًا إياها من أحكام الشريعة الغراء، لا سند له، متعينًا رفضه.
وحيث إن المشرع في إطار حرصه على وحدة الأسرة وصونًا لأفرادها من مخاطر الانشقاق، والمحافظة على تماسكها واستقرارها، وإعمالًا لواجبه في تهيئة المناخ الملائم لضمان وحدتها، استنَّ الأحكام التي ضمَّنها النصين المطعون فيهما، وارتأى بسلطته التقديرية صحة الوصية لوارث مطلقًا في حدود ثلث التركة، ونفاذها من غير إجازة الورثة، والاعتداد بالبيع الصادر من المريض مرض الموت لوارث حال توافر شروطه، الأمر الذي يفصح - بجلاء - عن أن الأحكام التي انتظمها النصان المطعون فيهما قد استهدفت تحقيق التوازن بين حقوق ومصالح المورث في التصرف في ماله، وحقوق الورثة المستمدة من قواعد الإرث التي تعتبر من النظام العام، بما لا يهدر حقًّا أو مصلحة لحساب الأخرى، فلم يطلق المشرع للمالك الموصي العنان ليعطى من يشاء ويحرم من يشاء، كما لم يقيد تصرفاته في الأيام الأخيرة من عمره، بل فتح له بالوصية لوارث، في حدود ثلث التركة، بابًا يتدارك به ما فاته من فعل الخير في حياته، وليعوض من عاونوه فيها من ورثته، أو من به فاقة أو عوز من صغر أو مرض، إقرارًا من المشرع بحق المالك في التصرف في ملكه، وفي المقابل كفل المشرع من الضوابط والضمانات ما يكفي لحماية أنصبة الورثة، على النحو المتقدم بيانه، سدًّا لأبواب التحايل والتلاعب بحقوقهم في الميراث، ليكون مال الأسرة بين آحادها بما يوثق العلائق بينهم ولا يوهنها، وعلى النحو الذى تتحقق به مصالح المجتمع وتضامنه، بوصف الأسرة هي اللبنة والنواة الأولى للمجتمع؛ الأمر الذي يضحى معه التنظيم الذي تضمنه النصان المطعون فيهما، باعتباره الوسيلة التي اختارها المشرع وقدر مناسبتها لبلوغ الأهداف والأغراض المتقدمة، وكفالة تحقيقها، قد جاء متسقًا وأحكام المادة (10) من الدستور الحالي، ويكون ما تنعاه المدعية في هذا الصدد إنما ينحل إلى منازعة المشرع فيما ارتآه ملبيًا لصالح الجماعة في إطار تنظيمه للوصية لوارث، وسريان أحكامها على البيع الصادر من المريض مرض الموت لوارث، بما لا مخالفة فيه للحماية الدستورية المقررة لكيان الأسرة المصرية واستقرارها؛ الأمر الذي يكون معه نعي المدعية سالف الذكر لا أساس له حريًّا برفضه.
وحيث إن النصين المطعون فيهما لم يخالفا أي نص آخر من نصوص الدستور؛ الأمر الذي يتعين معه القضاء برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعية المصروفات.