جلسة 25 نوفمبر سنة 1940
برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: عبد الفتاح السيد بك ومحمد كامل الرشيدي بك وسيد مصطفى بك وحسن زكي محمد بك المستشارين.
-----------------
(154)
القضية رقم 14 سنة 11 القضائية
جرائم الجلسة:
(أ) المحاضر التي يحرّرها القضاة لإثبات ما يقع من الجرائم بالجلسة. حجة بما يثبت فيها. حرية المتهمين في إبداء دفاعهم. حرية المحكمة في الأخذ بما هو ثابت فيها. دليل كسائر الأدلة.
(ب) حصانة المحامي. مناطها. حمايته أثناء تأدية واجبه كمحامٍ. ما يقع منه في هذه الحالة من جرائم الجلسة. الحكم عليه فوراً. لا يصح. تحرير محضر بما وقع وإحالته إلى النيابة ليقدّم بناءً عليه إلى قاضٍ آخر. اعتبار الدعوى بذلك مرفوعة للقضاء. النيابة لا تستطيع إجراء تحقيق فيها. ما يقع منه بالجلسة في غير هذه الحالة. محاكمته عنه فوراً. جوازها.
(المواد 52 من قانون المحاماة رقم 135 لسنة 1939 و237 تحقيق و87 مرافعات)
-------------------
1 - المحاضر التي يحرّرها القضاة لإثبات ما يقع من الجرائم أمامهم بالجلسات، سواء أكان ذلك بناءً على المادة 52 من قانون المحاماة أم على المادة 237 من قانون تحقيق الجنايات أم على المادة 87 مرافعات، هي محاضر رسمية لصدورها من موظف مختص بتحريرها. فهي بهذا الاعتبار حجة بما يثبت فيها، إلا أن حجيتها لا يمكن أن تكون حائلاً بين المتهمين بهذه الجرائم وبين إبداء دفاعهم على الوجه الذي يرونه مهما كان ذلك متعارضاً مع الثابت بتلك المحاضر، كما أنها لا تمنع القاضي من أن يقضي في الدعوى على الوجه الذي يطمئن إلى صحته من أي طريق من طرق الإثبات، فله إذن أن يأخذ أو أن لا يأخذ بما هو ثابت بهذه المحاضر، كما هو الشأن في سائر الأدلة.
2 - إن حصانة المحامي الوارد ذكرها في المادة 52 من القانون رقم 135 لسنة 1939 لم تقرّر لحمايته في كل ما يقع منه بالجلسة على الإطلاق، بل الغرض من تقرير تلك الحصانة على سبيل الاستثناء إنما هو حماية المحامي أثناء تأدية واجبه كمحامٍ حتى لا يشعر أثناء قيامه بهذا الواجب أنه محدود الحرّية. فهذه هي الحالة التي لا يكون للقاضي أن يحكم فيها على المحامي بالجلسة لما يقع منه وإنما يحرّر محضراً بما يقع ويحيله إلى النيابة لتقدّم المحامي بناء على هذا المحضر إلى قاضٍ آخر في الميعاد الوارد في ذلك النص. ومؤدّى هذا أن الدعوى العمومية تعتبر مرفوعة للقضاء بمقتضى الأمر الصادر بالإحالة من القاضي الذي وقعت أمامه الجريمة، فيكون ممتنعاً إذن على النيابة أن تجري فيها تحقيقاً. شأنها في ذلك الشأن في سائر القضايا بعد أن ترفع فعلاً للمحاكم. أما إذا كان المحامي لم يكن يؤدّي واجبه فلا تكون ثمة حصانة، بل يكون للمحكمة أن تعامله بمقتضى الأحكام العامة فتحكم عليه فوراً بالجلسة أو تحيله إلى النيابة لتجري شئونها نحوه.
المحكمة
وحيث إن مبنى الوجه الأوّل من أوجه الطعن أن الحكم المطعون فيه باطل لأنه اعتبر أن محضر جلسة القضية رقم 3158 سنة 1939 جنح بندر أسيوط الذي تدوّن فيه حادث الاعتداء على القاضي حجة بما ورد فيه. وهذا مخالف للقانون، لأن القاضي المجني عليه أملاه على كاتب الجلسة مع أن المسئول قانوناً عما يدوّن به هو الكاتب نفسه طبقاً للمبادئ العامة ونص المادتين 87 من قانون المرافعات و237 من قانون تحقيق الجنايات. ولأن المادة 52 من قانون المحاماة أمام المحاكم الأهلية رقم 135 لسنة 1939 تنص على أن رئيس الجلسة يأمر بكتابة محضر بما يقع من المحامي ويحيله إلى النيابة العمومية. وبديهي أن للمحامي الذي يتهم بناءً على هذا المحضر الحق في أن يثبت ويصحح الوقائع التي حصلت بالجلسة بما يؤدي إلى براءته. وفضلاً عن ذلك فإن الأحكام الخاصة بنظام الجلسات والجرائم التي تقع فيها الواردة في قانوني المرافعات وتحقيق الجنايات لا تدع مجالاً للشك في أن من حق أي متهم أن يدافع عن نفسه وأن يطلب تحقيق هذا الدفاع وإثباته في ذات محضر الجلسة قبل الحكم عليه. ويكون إذن من غير المفهوم أن يكون مركز المحامي بعد التعديل الوارد في المادة 52 السالفة الذكر أسوأ منه قبله. خصوصاً وأن القاضي نفسه لم يعتبر هذا المحضر حجة إذ قدّم بلاغاً للنيابة ذكر فيه وقائع لم ترد به.
وحيث إن المحاضر التي يحررها القضاة لإثبات ما يقع من الجرائم أمامهم بالجلسات سواء أكان ذلك طبقاً للمادة 52 من قانون المحاماة أو للمادة 237 من قانون تحقيق الجنايات أو المادة 87 مرافعات هي محاضر رسمية لصدورها من موظف مختص بتحريرها، فهي على هذا الاعتبار حجة بما يثبت فيها. إلا أن تلك الحجية لا تمنع المتهم من إبداء دفاعه على الوجه الذي يريده، ولو كان في ذلك ما يتعارض مع الثابت بالمحضر. كما أنها لا تقيد القاضي في تكوين عقيدته في الدعوى الجنائية من أي طريق من طرق الإثبات، فله أن يأخذ بما هو ثابت فيها كما له أن يكوّن اعتقاده من أي دليل آخر ولو كان مغايراً لما تدوّن بها. فإذا ما اعتمدت محكمة الموضوع على ما أثبت من الوقائع بالمحضر الذي حرره القاضي ضمن الأدلة التي ساقتها واطمأنت إليها فليس في ذلك أية مخالفة للقانون.
وحيث إن محصل الوجه الثاني أن الحكم المطعون فيه باطل، لأن الطاعن دفع ببطلان محضر تحقيق النيابة الذي استندت إليه المحكمة في إدانته وطلب من محكمة الجنح المستأنفة استبعاده فرفضت المحكمة هذا الدفع بناءً على ما قالته من أن القانون رقم 135 لسنة 1939 لم يسلب النيابة العمومية سلطتها العامة في التحقيق ولم ينص على بطلان محضر التحقيق الذي تقوم به في مثل هذه الحالة. مع أن النيابة العمومية طبقاً للقانون العام لا تملك التحقيق في الجرائم التي تقع بالجلسات لأن ذلك من حق القاضي وحده فهو الذي يحكم في جرائم الجنح والمخالفات التي تقع بالجلسة ولا عمل للنيابة فيها إن كانت الجلسة مدنية لأنها غير ممثلة فيها. أما إذا كانت الجلسة جنائية فالجنح التي تقع فيها يحكم فيها القاضي بعد سماع أقوال النيابة العمومية أي طلباتها فقط. ولما أريد تعديل القانون بالنسبة للمحامين رؤي طبقاً للمادة 52 من قانون المحاماة الجديد أن يأمر رئيس الجلسة بكتابة محضر بما يقع من المحامي ويحيل المحضر المذكور إلى النيابة العمومية لتتصرف فيه بإحالة المحامي للمحاكمة الجنائية أو التأديبية حسب الأحوال، وذلك في خلال ثلاثة أيام من تاريخ استلام المحضر. ولم ينص هذا القانون على أن للنيابة العمومية الحق في التحقيق، وما ذلك إلا لأن هذا التحقيق من شأن المحكمة التي تقوم بمحاكمة المحامي جنائية كانت أو تأديبية. أما عدم النص على بطلان التحقيق الذي تجريه النيابة في هذه الحالة فلا قيمة له لأن إجراء التحقيق فيه مخالفة للنظام العام.
وحيث إن مبدأ حصانة المحامي الوارد بالمادة 52 من القانون رقم 135 لسنة 1939 لم يتقرّر لحماية المحامي إطلاقاً فيما يقع منه بالجلسة، وإنما الغرض من هذا النص الاستثنائي حمايته فقط أثناء تأدية واجبه كمحامٍ حتى يشعر وهو يقوم بهذا الواجب بأنه يؤدّيه بكامل حريته. ففي هذه الحالة وحدها لا يكون للقاضي أن يحكم على المحامي بالجلسة لما يقع منه بل يحرّر محضراً بذلك ويحيله إلى النيابة لتقدّم المحامي بناءً على هذا المحضر إلى قاضٍ آخر في الميعاد الوارد في النص المذكور. ومؤدّى ذلك أن الدعوى العمومية تعتبر مرفوعة للقضاء بمقتضى الأمر الصادر من القاضي بالإحالة، ويترتب على ذلك أن ليس للنيابة أن تجري تحقيقاً فيها، شأنها في ذلك شأن القضايا المرفوعة للمحاكم فعلاً. أما إذا كان ما ارتكبه المحامي بالجلسة لم يقع أثناء قيامه بعمله فلا يكون هناك محل للحصانة المذكورة، ويكون للمحكمة أن تعامله بمقتضى القانون العام فتحكم عليه فوراً بالجلسة أو تحيله إلى النيابة لتجري شئونها.
وحيث إنه بالرجوع إلى الحكم الابتدائي الذي أدان الطاعن وتأيد استئنافياً لأسبابه بالحكم المطعون فيه يبين أن المحكمة أوضحت في وقائع الدعوى ما يقطع بأن الطاعن لم يكن يؤدي واجباً من واجبات مهنته وقت أن ارتكب ما هو منسوب إليه. فقد أثبت الحكم: "أنه أثناء انعقاد جلسة جنح محكمة أسيوط الجزئية يوم 11 مارس سنة 1940 طلب حضرة الأستاذ حسين أبو زيد أفندي المحامي نظر بعض قضايا له قبل دورها بسبب عذر لديه فأجابه حضرة القاضي فؤاد خير الدين أفندي إلى طلبه، وقبل أن يبدأ بطلب قضاياه دخل الأستاذ عبد المنعم السيد أفندي المحامي (الطاعن) وطلب من حضرته البدء بنظر قضاياه هو أوّلاً، فأفهمه بأن زميلاً له سبقه في ذلك وأنه أجابه إلى طلبه، واستمهله حتى ينتهي النظر في قضاياه، فصمم المتهم (الطاعن) على أن يطلب قضاياه هو أوّلاً، وإزاء ذلك رأى حضرة القاضي أن ينادي على القضايا بحسب دورها في الرول؛ وفعلاً أخذت المحكمة في نظر القضايا بحسب دورها الطبيعي، غير أنها رأت بعد ذلك بناءً على طلب حضرات المحامين الموجودين بالجلسة، وكان عددهم كثيراً، ولرغبتها في عدم تعطيلهم، أن تبدأ بنظر قضاياهم أوّلاً، فطلبت من حضراتهم تحرير كشف بقضاياهم جميعاً ففعلوا. وأخذت المحكمة في نظر هذه القضايا طبقاً للكشف المذكور. وفي أثناء النداء على قضية الجنحة رقم 3158 سنة 1939 بندر أسيوط وكان موكلاً عن المتهم فيها الأستاذ صابر مسيحة أفندي المحامي عاد المتهم (الطاعن) إلى الجلسة منفعلاً، وكان قد خرج منها، وخاطب حضرة القاضي بصوت مرتفع بقوله له "كيف تطلب هذه القضية قبل الدور مع أنك رفضت طلب قضاياي سابقاً" فأفهمه حضرة القاضي بأن حضرات زملائه حرروا كشفاً بقضاياهم فنظرها قبل باقي القضايا تيسيراً لهم وضناً من تعطيلهم، وأنه ينظر هذه القضايا المذكورة بناءً على هذا الأساس. وعرض عليه الكشف السالف الذكر ليثبت فيه قضاياه، فانفعل المتهم وطلب أن يثبت احتجاجه في محضر الجلسة، ورد الكشف لحضرة القاضي بطريقة غير لائقة. وفعل ذلك أيضاً عندما تناول الأستاذ أمين خله أفندي الكشف وأراد أن يثبت فيه قضايا المتهم قائلاً إنه لا يريد طلب قضاياه وإنما يريد أن يثبت اعتراضه، ثم صار يصيح بعبارات مهينة بحضرة القاضي وزملائه ممن أرادوا تهدئة أعصابه وتهدئة ثورته". وظاهر من ذلك أن الطاعن وقت أن اعتدى على القاضي لم يكن يؤدّي واجباً نحو موكليه، ولذا فقد كان من حق القاضي أن يحاكمه في الحال، كما كان له أن يكتفي بتحرير محضر بما وقع أمامه بالجلسة ويحيله إلى النيابة لتجري شئونها فيه. وفي هذه الحالة يكون للنيابة أن تجري تحقيقاً في الدعوى غير مقيدة بما جاء في المحضر المحال إليها وأن ترفع الدعوى بناءً على ذلك دون أن تكون مرتبطة بالميعاد الوارد في المادة 52 السالفة الذكر.
وحيث إنه متى تقرّر ذلك فليس للطاعن أن يتمسك بأحكام المادة 52 من قانون المحاماة، ويبنى على ذلك بطلان محضر تحقيق النيابة واستبعاده من الأوراق.
وحيث إن الوجه الثالث يتحصل في أن الحكم المطعون فيه باطل لأن الوقائع التي أدين من أجلها الطاعن هي غير تلك الثابتة بمحضر جلسة 11 مارس سنة 1940 في القضية رقم 3158 سنة 1939 جنح بندر أسيوط المحرّر بمعرفة القاضي. وفي بيان ذلك يقول الطاعن: (أوّلاً) إن ما اعتبره القاضي من الأفعال إهانة لهيئة المحكمة هو أن الطاعن كان يتكلم بصوت مرتفع ويشير بيديه ولم يعتبر أن هناك شيئاً آخر يصح أن يكون محلاً للمؤاخذة. (وثانياً) إن عبارة "نريد عدالة لا انتقاماً" فضلاً عن أنها لم تصدر فإنها لم تثبت بمحضر الجلسة المذكورة. (وثالثاً) ذكرت المحكمة أن الطاعن قال "إني أطعن بالتزوير" وحقيقة الثابت في محضر الجلسة هو قوله "سأطعن بالتزوير". وقد قيلت هذه العبارة على إثر ما قاله القاضي بعد لفت نظره لتصحيح بعض الوقائع الجوهرية التي حصلت في الجلسة "ابق اطعن بالتزوير". وشتان بين العبارتين في المعنى!
وحيث إن هذا الوجه مردود بما جاء في الرد على الوجه الثاني من أن النيابة كانت تملك التحقيق الذي أجرته في الدعوى ورفع الدعوى عن الوقائع التي ثبتت لها من التحقيق المذكور.
وحيث إن مبنى الوجه الرابع أن المحكمة أخلت بحقوق الدفاع، كما أنها لم تذكر أسباباً لرفضها طلب سماع الشهود، وهذا كله مما يعيب الحكم ويبطله. وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن الدفاع طلب أمام المحكمة الجزئية كما طلب أمام المحكمة الاستئنافية سماع أقوال حضرة القاضي المجني عليه لضرورة ذلك في إثبات حسن نيته وأنه لم يكن يقصد إلا المناقشة البريئة لا الإهانة أو القذف، كما طلب أيضاً سماع شهود الواقعة وشهود الصلح. فرفضت المحكمة هذا الطلب بالقول إنها لا ترى محلاً للبحث فيه، مع أنه كان من مستلزمات الخلاف على حقيقة الوقائع التي يترتب عليها الاتهام، وعدم اعتبار محضر الجلسة حجة بما هو ثابت فيه، وبطلان تحقيق النيابة، أن تأمر المحكمة بتحقيقها.
وحيث إنه بالرجوع إلى محضر جلسة محكمة أوّل درجة يتضح أن الطاعن وإن طلب في أوّل جلسة التأجيل لإعلان شهوده إلا أنه في الجلسة التالية التي حصلت فيها المحاكمة لم يصر على هذا الطلب ولم يتمسك بسماع شهادة القاضي المجني عليه أو غيره على الواقعة. وكل ما ذكره هو سماع أقوال القاضي "لتتبين المحكمة رضاءه واستراحة ضميره وقبوله الاعتذار الصادر منه، وليقرّر أمام المحكمة تنازله عن حقه" فلم تجبه المحكمة إلى هذا الطلب. كما أنه يبين من الرجوع إلى محضر جلسة محكمة ثاني درجة أن الدفاع عن الطاعن لم يصر على طلب سماع شهود الواقعة وشهود الصلح الذي تقدّم به لها بل فوّض الرأي للمحكمة أخيراً بالنسبة لهذا الطلب مما يعتبر تنازلاً منه لا يصح معه أن ينعي على المحكمة عدم سماعها شهوده.
وحيث إن محصل الوجه الخامس أن المحكمة أخطأت في تطبيق القانون لأنه فضلاً عن أن الحكم المطعون فيه لم يبحث أمر توافر نية القذف في حق القاضي مع أنها ركن جوهري من أركان الجريمة فإن هذه النية منعدمة.
وحيث إنه بالرجوع إلى الحكم الابتدائي الذي أدان الطاعن وتأيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه يبين أن المحكمة، بعد أن فصّلت وقائع الدعوى وأثبتت الإشارات والعبارات التي صدرت من الطاعن وذكرت أن أقوال القاضي المجني عليه التي أدلى بها للنيابة عما حدث من الطاعن أثناء انعقاد الجلسة وعما بدر منه من العبارات والإشارات المتضمنة الإهانة والقذف تتفق مع ما جاء بمحضر الجلسة والبلاغ المقدّم من القاضي للنيابة وسردت شهادة الشهود، واستخلصت من ذلك أن كل ما أسند إلى الطاعن من الألفاظ النابية والإشارات المهينة صحيح - بعد أن ذكرت المحكمة كل ذلك أخذت في بحث جميع الأركان القانونية بما في ذلك القصد الجنائي لكل من جريمتي الإهانة والقذف المسندتين للطاعن بإسهاب وتفصيل، وأثبتت توافرها كلها في الجريمتين، ثم انتهت إلى القول بأن الطاعن كان سيئ النية فيما طعن به القاضي إذ لم يكن غرضه من هذا الطعن إلا إساءته والحط من كرامته. والمحكمة إذ استظهرت توافر القصد الجنائي في الجريمتين المنسوبتين للطاعن من الوقائع والظروف المطروحة أمامها لا رقابة لمحكمة النقض عليها في ذلك ما دامت قد دللت على تحققه - كما عرفه القانون - مما ساقته في الحكم من الأدلة المقبولة عقلاً والتي تؤدّي إلى النتيجة التي انتهت إليها.
وحيث إن الوجه السادس والأخير من أوجه الطعن يتلخص في أن المحكمة ذكرت في حكمها أن مسلك الطاعن مع القاضي المعتدى عليه كان مسلكاً شائكاً شاذاً، وقد تعوّد هذا الشذوذ في خلقه ومعاملته حتى مع زملائه من المحامين. ويقول الطاعن إن هذا قضاء بعلم القاضي الذي ليس له أن يقضي بعلمه الخاص، وإنه إذا لوحظ فوق هذا أن المحكمة لم تشر في حكمها إلى الأخذ بأسباب الحكم الابتدائي والرد على دفاع الطاعن بشأنها كان الحكم باطلاً من جهة وناقص التسبيب من جهة أخرى، وهو ما يعيبه ويبطله.
وحيث إن ما جاء بالشطر الأوّل من هذا الوجه غير صحيح لأن ما عرضت إليه المحكمة بشأن خلق المحامي الطاعن كان محل مناقشة أمام المحكمة كما هو ظاهر من محضر الجلسة، كما أن الشطر الثاني من هذا الوجه غير صحيح أيضاً لأن المحكمة الاستئنافية في آخر بيان لها في الحكم أضافت الأسباب التي جاءت بالحكم المستأنف إلى الأسباب التي ذكرتها في حكمها لتأييد ذلك الحكم. أما ما يزعمه الطاعن أخيراً من أن المحكمة لم ترد على دفاعه فلا يلتفت إليه لأنه لم يبين أوجه الدفاع التي يدي أن الحكم لم يرد عليها.