جلسة 9 من يناير سنة 1974
برياسة السيد نائب رئيس المحكمة المستشار أحمد حسن هيكل وعضوية السادة المستشارين: محمد أسعد محمود وجودة أحمد غيث وإبراهيم السعيد ذكرى وإسماعيل فرحات عثمان.
---------------
(23)
الطعن رقم 21 لسنة 39 ق "أحوال شخصية"
(1) اختصاص "الاختصاص النوعي". أحوال شخصية "دعوى الأحوال الشخصية". جنسية. أجانب.
الجنسية المصرية. شرط تمتع الابن بها. الدعوى بثبوت وراثة المدعي في والده المصري الجنسية. إقامتها أمام دائرة الأحوال الشخصية للمصريين. صحيح.
(2) اختصاص "الاختصاص النوعي". أحوال شخصية. إحالة. أجانب.
قرار المحكمة بإحالة الدعوى إلى الدائرة المختصة بنظر دعاوى الأجانب. لا ينطوي على قضاء بعدم الاختصاص. تشكيل دفاتر بنظر قضايا الأحوال الشخصية للأجانب. من التنظيم الداخلي لكل محكمة. عدم تعلقه بالاختصاص النوعي.
(3) أحوال شخصية "دعوى الأحوال الشخصية". دعوى "طريقة رفع الدعوى".
التزام الإجراءات المقرر لرفع الدعوى في المادتين 869 و870 من الكتاب الرابع من قانون المرافعات. محله. أن تكون الدعوى قد رفعت باعتبارها من قضايا الأحوال الشخصية للأجانب.
(4) أحوال شخصية "النسب" "إثبات الإقرار".
النسب يثبت في جانب الرجل بالفراش وبالإقرار بالبينة. وهو بعد الإقرار لا يحتمل النفي الإقرار بالنسب. ينتفي به كونه من الزنا ولا يصدق الزوجان في إبطاله.
(5) أحوال شخصية "إثبات الدعوى". إثبات "طرق الإثبات".
الإثبات في مسائل الأحوال الشخصية. إجراءات الإثبات الشكلية خضوعها لقانون المرافعات قواعد الإثبات الموضوعية. خضوعها لأحكام الشريعة الإسلامية.
(6) أحوال شخصية "الديانة".
الولد يتبع خير الأبوين ديناً متى كان صغيراً لم يبلغ. بقاؤه على إسلامه إلى البلوغ. عدم الحاجة بعد البلوغ إلى تجديد إسلامه.
(7) حكم "إصدار الحكم". دعوى. إعادة دعوى للمرافعة". إثبات "الاستجواب".
عدم التزام المحكمة بإجابة طلب فتح باب المرافعة أو طلب استجواب الخصم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن.... المطعون عليه وشقيقته أقاما الدعوى رقم 133 لسنة 1962 الجيزة الابتدائية للأحوال الشخصية للمصريين "نفس" ضد الطاعنة عن نفسها وبصفتها وصية على ولديها القاصرين يطلبان الحكم بثبوت وفاة المرحوم.... وأنهما من ورثته واستحقاق الأول سبعة قراريط والثانية ثلاثة قراريط ونصف القيراط من أربعة وعشرين قيراطاً تنقسم إليها التركة - وقالا شرحاً لدعوهما إن المرحوم..... توفى بتاريخ 20 من سبتمبر 1958 وخلف تركة من عقارات ومنقولات تقدر قيمتها بحوالي عشرين ألفاً من الجنيهات، وانحصر ميراثه في زوجته الطاعنة ولديه القاصرين منها وفيهما وهما مولودان له من زواج شرعي بأمهما السيدة..... بتاريخ 2 من أغسطس 1933، وإذا نازعتهما الطاعنة في ميراث والدهما واستأثرت بكل التركة. فقد انتهيا إلى طلباتهما سالفة البيان. دفعت الطاعنة الدعوى بعدة دفوع من بينها الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وباختصاص دائرة الأحوال الشخصية للأجانب استناداً إلى أن المدعيين أجنبيان، كما دفعت بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق القانوني المنصوص عليه بالمادة 869 من قانون المرافعات. وبتاريخ 21 من أكتوبر 1963 حكمت المحكمة برفض الدفوع، ثم حكمت في 16 من مارس 1965 بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المدعيان أن المرحوم...... توفى بتاريخ 20 من سبتمبر سنة 1958 وانحصر إرثه الشرعي في زوجته الطاعنة وأولاده... فقط بدون وارث له سواهم، وعدم وجود مانع من الإرث بأحد من الورثة وقت الوفاة، وأنه ليس للمتوفى من يستحق الوصية الواجبة، وأنه ترك تركة تحت يد الطاعنة، وبعد سماع شهود الطرفين عادت وبتاريخ 8 مارس سنة 1966 فحكمت للمدعيين بطلباتهما - استأنفت الطاعنة هذا الحكم بالاستئناف رقم 33 لسنة 83 ق القاهرة "أحوال شخصية" طالبة إلغاءه والحكم بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى واحتياطياً بعدم قبولها لرفعها بغير الطريق القانوني وفي الموضوع برفضه. وبتاريخ 11 من مارس سنة 1967 قررت المحكمة إحالة الدعوى إلى الدائرة المختصة بنظر قضايا الأجانب، ثم حكمت بتاريخ 19 من مايو 1969 بتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به من رفض الدفوع، وبإلغائه فيما قضى به من أحقية المدعية الثانية.... لثلاثة قراريط ونصف القيراط من أربعة وعشرين قيراطاً ورفض دعواها وتأييده فيما قضى به من أحقية المطعون عليه لسبعة قراريط من أربعة وعشرين قيراطاً من تركة المرحوم.... تنقسم إليها تركته تعصيباً باعتباره أحد أبناء المورث المذكور. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وبالجلسة المحددة لنظره التزمت رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب تنعى الطاعنة بالأوجه الثلاثة الأولى من السبب الأول على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، وفي بيان ذلك تقول إن الحكم قضى برفض الدفع بعدم اختصاص دائرة الأحوال الشخصية للمصريين بنظر الدعوى على سند من القول بأن اختصاص هذه الدائرة بنظر قضايا الأحوال الشخصية للأجانب ليس اختصاصاً متعلقاً بالوظيفة، وإنما يعتبر تنظيماً داخلياً بحيث يكون لها أن تفصل فيها أو تحيلها إلى الدائرة المختصة في حين أن دوائر الأحوال الشخصية للأجانب أنشئت بموجب القانون رقم 126 لسنة 1951 أثر إلغاء المحاكم المختلطة، ولوحظ في تشكيلها وفي القانون الذي تطبقه نظام معين بحيث يعد اختصاصها نوعياً وليس مجرد تنظيم داخلي، هذا إلى أن القرار المسبب الذي أصدرته محكمة الاستئناف في 11 من مارس 1967 بإحالة الدعوى إلى الدائر المختصة بنظر قضايا الأجانب لامتناع نظرها عليها هو في واقع الأمر قضاء بعدم اختصاصها تأسيساً على أن أحد الخصوم أجنبي ومن ثم فما كان لها عملاً بمفهوم المادة 135 من قانون المرافعات السابق أن تحيل القضية إلى دائرة أخرى، بل كان يتعين عليها القضاء بإلغاء الحكم المستأنف وبقبول الدفع بعدم الاختصاص، وهو ما كان على الدائرة المختصة بنظر قضايا الأجانب أن تقضي به بعد أن أحيلت إليها القضية، غير أنها قضت برفض الدفع بعدم الاختصاص، علاوة على ذلك فإن الحكم رفض الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق القانوني استناداً إلى أن ما توجبه المادة 869 من قانون المرافعات من رفع الطلب في مسائل الأحوال الشخصية للأجانب بعريضة تودع قلم كتاب المحكمة قصد به التيسير على المتقاضين وتبسيط الإجراءات وأن الشارع لم يرتب جزاء على مخالفته، مع أن الشارع عندما ينص على طريقة معينة لرفع الدعوى يقدر تعلقها بالنظام العام، فتوجب مخالفتها البطلان دون حاجة إلى نص، الأمر الذي يعيب الحكم بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه.
وحيث إن هذا النعي بكافة وجوهه مردود، ذلك أن البين من الاطلاع على حكم محكمة أول درجة الصادر بتاريخ 21 من أكتوبر 1963 الذي أيده الحكم المطعون فيه وأحال إلى أسبابه أنه أقام قضاءه برفض الدفع بعدم الاختصاص على أن ".... هذا الدفع مردود عليه بما نصت عليه المادة الثانية من القرار الجمهوري بالقانون رقم 82 لسنة 1958 بشأن جنسية الجمهورية العربية المتحدة من أنه (يتمتع بجنسية الجمهورية العربية المتحدة: أولاً: من ولد لأب متمتع بهذه الجنسية). ولا جدال بين الطرفين المتنازعين في أن المرحوم.... كان قبل وفاته متمتعاً بجنسية الجمهورية العربية المتحدة، والمدعيان - المطعون عليه وشقيقته - يدعيان أبوته لهما، ولو فرض جدلاً تجنسهما بجنسية أجنبية - وقد خلت الأوراق من دليل يؤيد هذا القول - فإنه يشترط صدور إذن سابق بقرار من السيد وزير الداخلية إذ قبل الحصول على هذا الإذن يظل معتبراً متمتعاً بجنسية الجمهورية العربية المتحدة وذلك وفق المادة 17 من القانون سالف الذكر؛ وإن استناد المدعى عليها - الطاعنة - في دفعها على ما جاء بحافظة مستندات المدعيين المقدمة بجلسة 10/ 12/ 1962 من تغيير اسم أحد المدعين من... إلى....... لا يكفي ذلك وحده للدلالة على تجنسه بالجنسية البريطانية....." ومفاد ذلك أن الحكم أسس قضاءه في هذا الخصوص على أن المدعيين - المطعون عليه وشقيقته - يتمتعان بالجنسية المصرية أخذاً بالقاعدة التي قررها قانون الجنسية المصري من أن من يولد لأب مصري يكون مصرياً هو الآخر، دون نظر إلى مكان ولادته أو جنسية الأم أو قيام الزوجية وقت الميلاد، ولأنه لم يثبت كما قرر الحكم أنها اكتسبا الجنسية البريطانية، ولما كانت هذه الدعامة من الحكم ليست محل نعي من الطاعنة فإنه يكون صحيحاً إقامة الدعوى ابتداءً أمام دائرة الأحوال الشخصية للمصريين، ولا يغير من هذا النظر القرار الذي أصدرته محكمة الاستئناف في 11 من مارس 1967 بإحالة الدعوى إلى الدائرة المختصة بنظر دعاوى الأجانب إذ هو لا ينطوي على قضاء بعدم الاختصاص مما ينتفي معه التذرع بحكم المادة 135 من قانون المرافعات السابق معدلة بالقانون رقم 100 لسنة 1962، ذلك أن تشكيل دوائر لنظر قضايا الأحوال الشخصية للأجانب يدخل في نطاق التنظيم الداخلي لكل محكمة مما تختص به الجمعية العمومية بها ولا يتعلق بالاختصاص النوعي. وإذ كانت الدعوى طبقاً لطلبات المطعون وشقيقته من الدعاوى التي كانت تختص المحاكم الشرعية بنظرها ورفعت إلى دائرة الأحوال الشخصية للمصريين بطريق التكليف بالحضور وفقاً للإجراءات المقررة في القانون فإنه لا يكون هناك وجه الدفع ببطلان صحيفة الدعوى لعدم رفعها وفقاً للإجراءات المقررة في المادتين 869، 870 من الكتاب الرابع من قانون المرافعات، إذا محل التزام هذه الإجراءات ومحل البطلان لعدم التزامها - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن تكون الدعوى قد رفعت باعتبارها من قضايا الأحوال الشخصية للأجانب، ومن الخلط والتلفيق في إجراءات التقاضي أن ترفع الدعوى إلى دائرة الأحوال الشخصية للمصريين ثم تلتزم فيها وفي الإجراءات أحكام الكتاب الرابع من قانون المرافعات، أما ما أضافه الحكم المطعون فيه من أن هذه الإجراءات قصد بها التيسير على المتقاضين وأن الشارع لم يرتب جزاءً على مخالفتها فقد أورده الحكم تزيداً بافتراض أن المطعون عليه وشقيقته أجنبيان.
وحيث إن حاصل الوجه الرابع من السبب الأول مخالفة الحكم المطعون فيه لأحكام الشريعة الإسلامية في التوريث، ذلك أن الثابت من المستندات المقدمة من المطعون عليه أنه ولد بتاريخ 7 من مايو 1933 وأن المورث تزوج من والدته الإنجليزية بعد ذلك في 2 من أغسطس 1933، أنه هو الذي أبلغ عن ميلاد المطعون عليه، وأطلق على والدته لفظ "الأم" "لا" الزوجة، وثبت أنه يقطن في مسكن مغاير لمسكنها، مما يدل على أن المورث كان على علاقة غير شرعية بوالدة المطعون عليه وأنه أقر بأنه ولده من الزنا، وإذا لا يثبت الزنا نسباً ولا يترتب عليه توريث، وقضى الحكم المطعون فيه بثبوت نسب المطعون عليه من المورث وبأنه يرث في مال أبيه، فإن يكون قد خالف القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن النسب يثبت في جانب الرجال بالفراش وبالإقرار وبالبينة، وهو بعد الإقرار به لا يحتمل النفي لأن النفي يكون إنكاراً بعد الإقرار فلا يسمع، كما أن الإقرار يتعلق به حق المقر له في أن يثبت نسبة من المقر وينتفي به كونه من الزنا ولا يصدق الزوجان في إبطاله، ولما كان يبين من الحكم المطعون فيه أنه استند في قضائه بثبوت نسب المطعون عليه من المورث إلى البينة وأن المورث أقر ببنوته في شهادة ميلاده، وكان الحكم لم يثبت أن المورث أقر بأن المطعون عليه ابن زنا، وإنما ادعته الطاعنة استناداً إلى قرائن أوردتها في سبب النعي، ولما كان هذا الإقرار بالبنوة قد تعلق به حق المطعون عليه أن يثبت نسبه من المورث ولا يبطله أن تاريخ وثيقة زواجه من والدة المطعون عليه لاحق على ولادته بثلاثة أشهر، لما كان ذلك فإن النعي على الحكم يكون على غير أساس.
وحيث إن ما تنعاه الطاعنة بالوجه الأول من السبب الثاني على الحكم المطعون فيه مخالفة الثابت بالأوراق، وتقول بياناً لذلك إن الحكم استند في ثبوت نسب المطعون عليه من المورث إلى أنه أقر بذلك في ملف خدمته ونقل عن الحكم الابتدائي أن بهذا الملف إقرارات بحالته الاجتماعية عن السنوات من 1944 إلى 1953 تتضمن أن المطعون عليه ابنه، في حين أن هذا الملف غير موجود بأوراق الدعوى وليس فيها ما يدل على ضمه، ويكون الحكم قد استند إلى وقائع ليس لها أصل ثابت في الأوراق.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أنه يبين من الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه لأسبابه أن محكمة أول درجة اطلعت على الإقرارات المقدمة من المورث بحالته الاجتماعية عن السنوات من 1944 حتى 1953 وثبت لها أنه أقر فيها بأن المطعون عليه ابنه، ولم تقدم الطاعنة ما ينفي أن هذه الإقرارات قد ضمت إلى ملف الدعوى.
وحيث إن الطاعنة تنعى على الحكم المطعون فيه بالوجهين الخامس والسادس من السبب الأول والوجه الثاني من السبب الثاني والسبب الثالث مخالفة القانون والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك تقول أن الحكم قضى بتوريث المطعون عليه وهو مرتد من أبيه المسلم استناداً إلى أقوال شاهدي المطعون عليه وإهدار أقوال شهودها قولاً منه بأن واقعة الردة مما لا تقبل فيها الشهادة بالتسامح، وأطرح شهادة أحدهم أخذاً بأنه لا ولاية لغير المسلم على المسلم، واعتبر المطعون عليه مسلماً تبعاً لإسلام والده، كما قرر أن مجرد تغيير المطعون عليه لاسمه لا يصلح دليلاً على ردته لأن الاعتقاد الديني مسألة نفسانية لا يمكن البحث فيها إلا عن طريق المظاهر الخارجية الرسمية، وهو من الحكم خطأ ومخالفة للقانون لأنه طبق قواعد الشريعة الإسلامية في إثبات مسائل الأحوال الشخصية المتعلقة بالأجانب خلافاً لما تقضي به المادة 868 من قانون المرافعات من تطبيق أحكامه في هذا الخصوص، فيجوز إثبات الردة بكافة الطرق باعتبارها واقعة مادية، كما تقبل شهادة الذمي على المسلم، هذا إلى أن المظاهر الخارجية في الدعوى تقطع بردة المطعون عليه وهي تغيير اسمه الإسلامي إلى اسم مسيحي، وتنصله من نسبته لوالده واتخاذه لقباًًً له اسمه عائلة أمه المسيحية، وتجنسه بجنسيته، وانقطاع صلته بأبيه منذ الطفولة، فضلاً عما شهد به شهود الطاعنة من أنه ارتد عن دين الإسلام وقت وفاة المورث، علاوة على أنه لا محل للاستناد إلى أقوال شاهدي المطعون عليه ذلك أن شهادة أولهما استنتاجية لا عن رؤية أو سماع فلا يعول عليها إذ قرر أن المطعون عليه مسلم لأن أباه مسلم، وشهادة الثاني قاصرة إذا قرر أنه لا يعلم عن ديانة المطعون عليه شيئاً. وليس يسوغ اعتداد الحكم بالمستند المؤرخ 26 من أكتوبر 1965 الذي أقر فيه المطعون عليه بأنه لم يرتد عن دين الإسلام لأنه مصطنع لخدمة الدعوى وحرر بعد رفعها، وهو ما يشوب الحكم بالفساد في الاستدلال.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كانت الدعوى قد استقرت - وعلى ما سلف بيانه - على أنها من الدعاوى التي كانت تختص المحاكم الشرعية بنظرها، وكان مفاد المادتين الخامسة والسادسة من القانون رقم 462 لسنة 1955 والمادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الشرع فرق في الإثبات بين الدليل وإجراءات الدليل فأخضع إجراءات الإثبات كبيان الوقائع وكيفية التحقيق وسماع الشهود وغير ذلك من الإجراءات الشكلية لقانون المرافعات على خلاف قواعد الإثبات المتصلة بذات الدليل كبيان الشروط الموضوعية اللازمة لصحته وبيان قوته وأثره القانوني فقد أبقاها المشرع على حالها خاضعة لأحكام الشريعة الإسلامية، فإنه لا تثريب على الحكم إذ هو طبق على واقعة النزاع قواعد الإثبات الموضوعية في الشريعة الإسلامية دون قانون المرافعات، ولما كان المنصوص عليه شرعاً أن الولد يتبع خير الأبوين ديناً متى كان صغيراً لم يبلغ ويبقى على إسلامه إلى البلوغ ولا يحتاج بعد البلوغ إلى تجديد إسلامه، وكان الحكم قد أقام قضاء بإسلام المطعون عليه على أنه مسلم تبعاً لإسلام أبيه أخذاً بما سلف وأن الأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يثبت ما يخالفه، وأن هذا لم يثبت إذا لم تأخذ المحكمة في حدود سلطتها الموضوعية بالأدلة والقرائن التي استندت إليها الطاعنة في أن المطعون عليه كان مرتداً وقت وفاة والده، ولما كانت هذه الدعامة كافية لحمل قضائها في هذا الخصوص دون ما حاجة للاستناد إلى أقوال شهود المطعون عليه أو إلى المستند المؤرخ 26 من أكتوبر 1965 فإن النعي على الحكم المطعون فيه بمخالفة القانون والفساد في الاستدلال يكون لا محل له.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الرابع على الحكم المطعون فيه الإخلال بحق الدفاع، ذلك أن الحكم رفض إجابتها إلى طلب استجواب المطعون عليه وتوجيه اليمين الحاسمة إليه وقرر حجز الدعوى للحكم، دون أن يستجيب لطلبها بإعادة الدعوى إلى أن المرافعة لتقديم ما يثبت ردة المطعون عليه عن الإسلام وللتحري عن ديانته, وهو ما يعتبر إخلال بحق الدفاع.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أنه لما كانت المحكمة غير ملزمة بإجالة طلب فتح باب الرافعة، كما أنها غير ملزمة بإجابة الخصم إلى طلب استجواب خصمه لأن من الرخص المخولة لها طبقاً لنص المادة 108 من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 فلها أن ترفضه متى وجدت في الدعوى من العناصر ما يكفي لتكوين عقيدتها بغير حاجة لاتخاذ هذا الإجراء، ولما كان يبين من حكم التحقيق الصادر من محكمة أول درجة بتاريخ 16 من مارس 1965 أن من بين ما كلفت المحكمة المطعون عليه بإثباته أنه لا يوجد به مانع من الإرث وقت وفاة المورث، ويدخل في ذلك إثبات أنه مسلم ولم يرتد عن دين الإسلام وهي الواقعة التي ادعت الطاعنة نقيضها، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه قضى برفض طلب الاستجواب لتوافر العناصر الكافية لتكوين رأيه، وأنه لم ير محلاً لتوجيه اليمين إلى المطعون عليه على الواقعة التي كلف بإثباتها، وهي اعتبارات لا محل لتعييبها في صورة الواقعة المعروضة، لما كان ذلك فإن النعي على الحكم بهذا السبب يكون على غير أساس.
[(1)] نقض 13 ديسمبر 1972 مجموعة المكتب الفني السنة 23 ص 1377.