الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 24 يناير 2024

الطعن 47 لسنة 51 ق جلسة 18 / 5 / 1982 مكتب فني 33 ج 1 أحوال شخصية ق 96 ص 534

جلسة 18 من مايو سنة 1982

برئاسة السيد المستشار/ محمد محمود الباجوري نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد جلال الدين رافع، ومحمود حسن رمضان، وجلال الدين أنسي، وواصل علاء الدين.

---------------

(96)
الطعن رقم 47 لسنة 51 القضائية "أحوال شخصية"

(1 و2) أحوال شخصية. نقض "الطعن بالنقض".
(1) الطعن بالنقض في مسائل الأحوال الشخصية. رفعه بصحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه صحيح. متى ثبت ورودها إلى قلم كتاب محكمة النقض في الميعاد. علة ذلك. تحقيق الغاية من الإجراء.
(2) الأوراق التي يلتزم الطاعن بإيداعها مع التقرير بالطعن بالنقض في مسائل الأحوال الشخصية. م 881 مرافعات قديم والمادة 355 مرافعات المعدلة بالقانون 218 لسنة 1980.
(3) أحوال شخصية "التطليق للضرر".
التطليق للضرر. م 6 ق 25 لسنة 1929. عرض محكمة أول درجة الصلح على الزوجين ورفضه من جانب أحدهما. كفاية ذلك لإثبات عجز المحكمة عن الإصلاح بينهما دون حاجة لعرض الصلح مرة أخرى أمام محكمة الاستئناف.
(4) أحوال شخصية. دعوى.
اختلاف دعوى الطاعة عن دعوى التطليق موضوعاً وسبباً. النشوز لا يعد مانعاً من نظر دعوى التطليق. التفات محكمة الموضوع عن دلالة حكم الطاعة في دعوى التطليق. لا خطأ.
(5، 6) أحوال شخصية "الإثبات" إثبات "التطليق للضرر".
(5) التطليق للضرر. وجوب إثباته طبقاً لأرجح الأقوال في مذهب أبي حنيفة، رغم أنه منقول من مذهب مالك.
(6) جواز الإثبات بالقرائن في الفقه الحنفي. من القرائن ما هو أقوى من البينة والإقرار.

--------------
1 - إنه ولئن كان المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه طبقاً للمادة الثالثة من القانون رقم 628 لسنة 1955 والمادة الأولى من القانون رقم 13 لسنة 1968 بإصدار قانون المرافعات يكون الطعن بطريق النقض بالنسبة لمسائل الأحوال الشخصية وفق الإجراءات المقررة في المادتين 881 و882 من قانون المرافعات وكان يتعين رفع الطعن بتقرير في قلم كتاب محكمة النقض خلال الميعاد، إلا أن البين من المذكرة الإيضاحية لقانون المرافعات الحالي تعليقاً على المادة 253 منه أن المشرع استحسن عبارة رفع الطعن بصحيفة بدلاً من رفعه بتقرير منعاً للبس الذي قد يثور من طريقة رفع الدعوى أمام محكمة الدرجة الأولى والثانية وأمام محكمة النقض، مما مفاده - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنه يستوي في واقع الأمر رفع الطعن بصحيفة أو بتقرير طالما توافرت البيانات التي يتطلبها القانون في ورقة الطعن. وإذ كان ما استحدثه المشرع بالمادة 253 سالفة الإشارة من إجازة رفع الطعن بالنقض في قلم كتاب محكمة النقض أو المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه قصد به تيسير الإجراءات، فإنه لا تثريب على الطاعن إذا استعمل هذه الخبرة وأودع صحيفة الطعن قلم كتاب المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه ما دام الثابت وصول كافة الأوراق قلم كتاب محكمة النقض خلال الميعاد وهو ما يتحقق به الغرض من الإجراء.
2 - متى كان المقرر في قضاء هذه المحكمة - أن المادة 432 من قانون المرافعات القديم الصادر بالقانون رقم 77 لسنة 1949 التي تحيل إليها الفقرة الثانية من المادة 881 منه في خصوص الأوراق التي يتعين إيداعها مع صحيفة الطعن بالنقض في مسائل الأحوال الشخصية وقد ألغيت وحلت محلها المادة 255 من قانون المرافعات الحالي، فقد وجب الرجوع إلى هذه المادة لتحديد ما يلتزم الطاعن بإيداعه من أوراق، وإذ عدلت هذه المادة بالقانون رقم 218 لسنة 1980 بحيث أصبح التزام الطاعن قاصراً على إيداع صور من صحيفة الطعن بقدر عدد المطعون عليهم وصورة لقلم الكتاب وسند توكيل الموكل في الطعن ومذكرة شارحة لأسباب طعنه والمستندات المؤيدة له إن لم تكن مودعة ملف القضية، وكان الطعن قد تقرر به بعد 29/ 12/ 1980 تاريخ العمل بالقانون المذكور وأودع الطاعن وقت التقرير به الأوراق المبينة في المادة سالفة الإشارة، فإنه لا محل لتطلب إيداع ما عداها من الأوراق المنصوص عليها في المادة 432 من قانون المرافعات القديم.
3 - من المقرر في قضاء هذه المحكمة في أن محل الالتزام بالإجراءات المقررة بالمادة 896 من الكتاب الرابع من قانون المرافعات القديم أن تكون الدعوى قد رفعت باعتبارها من قضايا الأحوال الشخصية للأجانب وإذ كانت الدعوى الماثلة بين مصريين مسلمين وهي من الدعاوى التي كانت تختص المحاكم الشرعية بنظرها وكان مناط الحكم بالتطليق طبقاً للمادة 6 من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يعجز القاضي عن الإصلاح بين الزوجين مع توافر الضرر المبيح للتطليق ويكفي لإثبات هذا العجز أن تعرض محكمة أول درجة الصلح على الزوجين فيرفضه أحدهما دون حاجة لإعادة عرضه مرة أخرى في الاستئناف ما دام لم يستجد ما يدعو إليه.
4 - دعوى الطاعة - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة تختلف في موضوعها وسببها عن دعوى التطليق للضرر إذ بينما تقدم الأولى على الهجر وإخلال الزوجة بواجب الإقامة المشتركة وللفرار في منزل الزوجية تقوم الثانية على إدعاء الزوجة إضرار الزوج بها بما لا يستطاع معه دوام العشرة وأن النشوز ليس بمانع بفرض حصوله من نظر دعوى التطليق والفصل فيها، ومن ثم لا تثريب على محكمة الموضوع إذا هي أبت التعويل على دلالة الحكم الصادر في دعوى الاعتراض على إنذار الطاعة لا خلاف المناط في الدعويين.
5 - من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن المشرع إذ نقل حكم التطليق للضرر من مذهب مالك لم يحل في إثباته إلى هذا المذهب كما لم ينص على قواعد خاصة في هذا الشأن ومن ثم فإنه يتعين الرجوع في قواعد الإثبات المتصلة بذات الدليل إلى أرجح الأقوال في مذهب أبي حنيفة عملاً بنص المادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية.
6 - إن من القرائن ما نص عليه الشارع أو استنبطه الفقهاء باجتهادهم ومنها ما يستنبطه القاضي من دلائل الحال وشواهده، وكتب الحنفية مملوءة باعتبار القرائن في مواضع كثيرة اعتباراً بأن القضاء "فهم" ومن القرائن ما لا يسوغ تعطيل شهادته إذ منها ما هو أقوى من البينة والإقرار وهما خبران يتطرق إليهما الصدق والكذب.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر، والمرافعة وبعد المداولة.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليها أقامت الدعوى رقم 927 لسنة 1980 أحوال شخصية "نفس" أمام محكمة الزقازيق الابتدائية ضد الطاعن طالبة الحكم بتطليقها عليها طلقة بائنة. وقالت بياناً لدعواها أنها زوجته بصحيح العقد وفي عصمته وطاعته وإذ دأب على الاعتداء عليها بالضرب والسب على نحو لا يستطاع معه دوام العشرة بين أمثالهما، فقد أقامت الدعوى وبتاريخ 28/ 2/ 1981 حكمت المحكمة بتطليق المطعون عليها على الطاعن طلقة بائنة للضرر. استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 9 لسنة 24 ق المنصورة، وبتاريخ 16/ 5/ 1981 حكمت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، ودفعت المطعون عليها بعدم قبول الطعن، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الدفع وفي الموضوع برفض الطعن وعرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مبنى الدفع المبدى من المطعون عليها بعدم القبول أن الطعن رفع بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة استئناف المنصورة "مأمورية الزقازيق" خلافاً لما رسمه القانون للطعن بالنقض في مسائل الأحوال الشخصية من وجوب رفعه بتقرير في قلم كتاب محكمة النقض طبقاً لنص المادة 881 من قانون المرافعات وأن الطاعن لم يودع وقت رفعه ما أوجبت الفقرة الثانية من هذه المادة إيداعه من أوراق.
وحيث إن الدفع في غير محله، ذلك أنه ولئن كان المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه طبقاً للمادة الثالثة من القانون رقم 628 لسنة 1955 والمادة الأولى من القانون رقم 13 لسنة 1968 بإصدار قانون المرافعات يكون الطعن بطريق النقض بالنسبة لمسائل الأحوال الشخصية وفق الإجراءات المقررة في المادتين 881، 882 من قانون المرافعات وكان يتعين رفع الطعن بتقرير في قلم كتاب محكمة النقض خلال الميعاد، إلا أن البين من المذكرة الإيضاحية لقانون المرافعات الحالي تعليقاً على المادة 253 منه أن المشرع استحسن عبارة رفع الطعن بصحيفة بدلاً من رفعه بتقرير منعاً للبس الذي قد يثور بين طريقة رفع الدعوى أمام محكمتي الدرجة الأولى والثانية وأمام محكمة النقض، مما مفاده - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنه يستوي في واقع الأمر رفع الطعن بصحيفة أو بتقرير طالما توافرت البيانات التي يتطلبها القانون في ورقة الطعن وإذ كان ما استحدثه المشرع بالمادة 253 سالفة الإشارة من إجازة رفع الطعن بالنقض في قلم كتاب محكمة النقض أو المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه قصد به تيسير الإجراءات، فإنه لا تثريب على الطاعن إذا استعمل هذه الميزة وأودع صحيفة الطعن قلم كتاب المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه ما دام الثابت وصول كافة الأوراق قلم كتاب محكمة النقض خلال الميعاد وهو ما يتحقق به الغرض من الإجراء. لما كان ذلك، وكان المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المادة 432 من قانون المرافعات القديم الصادر بالقانون رقم 77 لسنة 1949 التي تحيل إليها الفقرة الثانية من المادة 881 منه في خصوص الأوراق التي يتعين إيداعها مع صحيفة الطعن بالنقض في مسائل الأحوال الشخصية وقد ألغيت وحلت محلها المادة 255 من قانون المرافعات الحالي، فقد وجب الرجوع إلى هذه المادة لتحديد ما يلتزم الطاعن بإيداعه من أوراق، وإذ عدلت هذه المادة بالقانون رقم 218 لسنة 1980 بحيث أصبح التزام الطاعن قاصراً على إيداع صور من صحيفة الطعن بقدر عدد المطعون عليهم وصورة لقلم الكتاب وسند توكيل الموكل في الطعن ومذكرة شارحة لأسباب طعنه والمستندات المؤيدة له إن لم تكن مودعة ملف القضية، وكان الطعن قد تقرر به بعد 29/ 12/ 1980 تاريخ العمل بالقانون المذكور وأودع الطاعن وقت التقرير به الأوراق المبينة في المادة سالفة الإشارة، فإنه لا محل لتطلب إيداع ما عداها من الأوراق المنصوص عليها في المادة 432 من قانون المرافعات القديم، ويكون الدفع المبدى من المطعون عليها بعدم القبول على غير أساس.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين ينعى الطاعن بالسبب الأول على الحكم المطعون مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه من وجهين. ويقول في بيان ذلك أن محكمة الاستئناف لم تعرض الصلح على الطرفين خلافاً لما يوجبه نص المادة 896 من قانون المرافعات رقم 77 لسنة 1949 وأنها لم تعتد بالحكم الصادر في الدعوى رقم 957 لسنة 1980 بعدم قبول اعتراض المطعون عليها على إنذاره لها بالدخول في طاعته مع أن هذا الحكم له حجيته بصدد أمانته على المطعون عليها مما يتعارض مع القضاء بتطليقها منه للضرر.
وحيث إن النعي غير سديد في وجهه الأول، ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن محل الالتزام بالإجراءات المقررة بالمادة 896 من الكتاب الرابع من قانون المرافعات القديم أن تكون الدعوى قد رفعت باعتبارها من قضايا الأحوال الشخصية للأجانب، وإذ كانت الدعوى الماثلة بين مصريين مسلمين وهي من الدعاوى التي كانت تختص المحاكم الشرعية بنظرها وكان مناط الحكم بالتطليق طبقاً للمادة 6 من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يعجز القاضي عن الإصلاح بين الزوجين مع توافر الضرر المبيح للتطليق ويكفي لإثبات هذا العجز أن تعرض محكمة أول درجة الصلح على الزوجين فيرفضه أحدهما دون حاجة لإعادة عرضه مرة أخرى في الاستئناف ما دام لم يستجد ما يدعو إليه، وكان الثابت من مدونات الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه أن محكمة أول درجة عرضت الصلح على الطرفين فلم يقبل، فإن ذلك يكون كافياً لإثبات عجز المحكمة عن الإصلاح بينهما ويكون النعي بهذا الوجه على غير أساس. وهو مردود في وجهه الثاني، ذلك أن دعوى الطاعنة - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - تختلف في موضوعها وسببها عن دعوى التطليق للضرر إذ بينما تقوم الأولى على الهجر وإخلال الزوجة بواجب الإقامة المشتركة وللفرار في منزل الزوجية تقوم الثانية على إدعاء الزوجة إضرار الزوج بها بما لا يستطاع معه دوام العشرة، وأن النشوز ليس بمانع بفرض حصوله من نظر دعوى التطليق والفصل فيها، ومن ثم لا تثريب على محكمة الموضوع إذا هي أبت التعويل على دلالة الحكم الصادر في دعوى الاعتراض على إنذار الطاعة لاختلاف المناط في الدعويين، ويكون النعي بهذا الوجه على غير أساس.
وحيث إن حاصل النعي بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال. ويقول الطاعن في بيان ذلك أن الحكم أقام قضاءه بالتطليق للضرر على سند من الإقرار المنسوب صدوره منه وما أبداه زوج شقيقة المطعون عليها وزوجة شقيقها من أقوال بمحضر جمع الاستدلالات في الجنحة رقم 4216 لسنة 1980 قسم أول بندر الزقازيق في حين أنه لا يحاج بهذا الإقرار وقد أنكر صدوره منه ولا يجوز التعويل على أقوال هذين الشاهدين في مقام البينة المقبولة شرعاً لأن هذا الوصف لا يصدر إلا على الشهادة في مجلس القضاء. وإذ عولت المحكمة في قضائها على هذه الأقوال وذلك الإقرار ولم تجبه إلى طلب إحالة الدعوى إلى التحقيق فإن الحكم يكون مشوباً بالقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال.
وحيث إن النعي مردود، ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المشرع إذ نقل حكم التطليق للضرر من مذهب مالك لم يحل في إثباته إلى هذا المذهب كما لم ينص على قواعد خاصة في هذا الشأن ومن ثم فإنه يتعين الرجوع في قواعد الإثبات المتصلة بذات الدليل إلى أرجح الأقوال في مذهب أبي حنيفة عملاً بنص المادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية، وأن من القرائن ما نص عليه الشارع أو استنبطه الفقهاء باجتهادهم ومنها ما يستنبطه القاضي من دلائل الحال وشواهده، وكتب الحنفية مملوءة باعتبار القرائن في مواضع كثيرة اعتباراً بأن القضاء "فهم" ومن القرائن ما لا يسوغ تعطيل شهادته إذ منها ما هو أقوى من البينة والإقرار وهما خبران يتطرق إليهما الصدق والكذب. وإذ كان البين من مدونات الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه لأسبابه أنه أقام قضاءه بالتطليق على ما حصله من إقرار الطاعن بمسئوليته جنائياً عن أي اعتداء يقع منه على المطعون عليها وما ثبت من محضر جمع الاستدلالات في الجنحة رقم 4216 لسنة 1980 قسم أول بندر الزقازيق من وقوع اعتداء عليها ونسبتها هذا الاعتداء إلى زوجها الطاعن وتأييد من استشهد بهم لها في ذلك وهي قرائن تكفي لإثبات الضرر المبيح للتطليق، فإنه لا على محكمة الموضوع إن هي لم تر حاجة بعد ذلك إلى إحالة الدعوى إلى التحقيق لسماع البينة، ويكون النعي على الحكم بالقصور والفساد في الاستدلال على غير أساس.

الطعن 31 لسنة 44 ق جلسة 8 / 12 / 1976 مكتب فني 27 ج 2 أحوال شخصية ق 317 ص 1721

جلسة 8 من ديسمبر سنة 1976

برياسة السيد المستشار نائب رئيس المحكمة محمد أسعد محمود وعضوية السادة المستشارين محمد المهدي ومحمد الباجوري وصلاح نصار وإبراهيم هاشم.

----------------

(317)
الطعن رقم 31 لسنة 44 ق "أحوال شخصية"

(1) أحوال شخصية "ولاية على المال". دعوى "نظر الدعوى". حكم "بيانات الحكم". إثبات "عبء الإثبات".
وجوب نظر قضايا الولاية على المال في غرفة مشورة. وجوب النطق بالحكم علانية. لا يلزم تضمينه بيان النطق به في علانية. الأصل في الإجراءات أنها روعيت. على من يدعي المخالفة عبء إثباتها.
(2) أحوال شخصية. حكم "بيانات الحكم". نيابة عامة.
إغفال الحكم بيان اسم عضو النيابة الذي أبدى رأيه في القضية. لا بطلان. كفاية إبداء النيابة رأيها. والإشارة إلى ذلك في الحكم.
(3) حكم "التوقيع على مسودة الحكم. "بطلان الحكم". بطلان.
حكم توقيع الرئيس والقضاة على مسودة الحكم المشتملة على أسبابه. مادة 175 مرافعات. لا يغني ذلك عن وجوب التوقيع على الورقة المتضمنة الحكم وحده. التوقيع على الورقة المشتملة على جزء من الأسباب اتصل بها منطوق الحكم. لا بطلان.
(4) حكم "إصدار الحكم".
وجوب صدور حكم من ذات الهيئة التي سمعت المرافعة. مادة 167 مرافعات. تخلف أحد أعضاء الهيئة وحضور آخر جلسة تأجيل النطق بالحكم لإتمام المداولة. لا يفيد اشتراكه في المداولة.
(5) حكم "بيانات الحكم". بطلان. "بطلان الحكم".
النقص أو الخطأ في أسماء الخصوم وصفاتهم الذي لا يكون من شأنه التشكيك في حقيقة الخصم واتصاله بالخصومة المرددة في الدعوى. عدم ترتيب بطلان الحكم. مادة 178 مرافعات.
(6) أحوال شخصية "ولاية على المال". التزام "التزام قانون". إثبات "القرائن".
التزام الولي الشرعي إيداع قائمة بأموال القاصر قلم كتاب المحكمة في مدى شهرين من تاريخ بدء الولاية أو أيلولة المال إلى الصغير دون توقف على طلب النيابة أو المحكمة. عدم إيداع القائمة أو التأخر في إيداعها. قرينة غير قاطعة على تعريض أموال القاصر للخطر. جواز سلب الولاية أو الحد منها.
(7) أحوال شخصية "ولاية على المال".
سلب الولاية أو الحد منها بسبب تعريض مال القاصر للخطر. اختلاف نطاقها عن نطاق مسئولية الأب عن أعمال الولاية في حالة الخطأ الجسيم.
(8) نقض "أسباب الطعن". أحوال شخصية "ولاية على المال".
التمسك بعدم انقضاء المهلة القانونية لإيداع الولي قلم كتاب المحكمة قائمة أموال القاصر. دفاع يخالطه واقع. عدم جواز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.

-----------------
1- إنه وإن كان مفاد المادة 871 الواردة بالكتاب الرابع من قانون المرافعات أن تنظر محكمة الولاية على المال ما يعرض عليها من طلبات في غرفة مشورة على خلاف الأصل المقرر من أن جلسات المحاكم علنية، إلا أنه يتعين أن ينطق القاضي بالحكم الصادر فيها علانية وإلا شابه البطلان عملاً بنص المادة 174 من ذات القانون اعتباراً بأن علانية النطق بالحكم قاعدة جوهرية تجب مراعاتها - إلا ما استثنى بنص صريح.. تحقيقاً للغاية التي توخاها المشرع وهي تدعيم الثقة في القضاء والاطمئنان إليه، ولما كان تضمين الحكم بيان النطق به في علانية أمر لم توجبه المادة 178 من قانون المرافعات التي حددت البيانات التي يجب أن يتضمنها الحكم، وكان الأصل في الإجراءات أنها روعيت وعلى من يدعي أنها خولفت إقامة الدليل على ذلك، وكان الطاعن قد استند إلى مجرد خلو الحكم من بيان النطق به علناً فإن النعي في هذا الشق يكون عارياً من دليله.
2- اسم عضو النيابة الذي أبدى رأيه في القضية - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ليس من البيانات الأساسية - التي يترتب على إغفالها بطلان الحكم، ولما كان الثابت أن النيابة قد أبدت رأيها في القضية وأثبت ذلك في الحكم فإن النعي عليه - بالبطلان - يكون على غير أساس.
3- النص في المادة 175 من قانون المرافعات على أنه "يجب في جميع الأحوال أن تودع مسودة الحكم المشتملة على أسبابه موقعة من الرئيس ومن القضاة عند النطق بالحكم وإلا كان باطلاً" يدل على أن المشرع أوجب أن تودع مسودة الحكم المشتملة على أسبابه موقعاً عليها من جميع أعضاء الهيئة التي أصدرته وإلا كان الحكم باطلاً، ولا يغني عن هذا الإجراء توقيعهم جميعاً على الورقة المتضمنة منطوق الحكم وحده متى كانت هذه الورقة منفصلة عن الأوراق المشتملة على أسبابه، أما إذا حررت الأسباب على أوراق منفصلة اشتملت الأخيرة منها على جزء من هذه الأسباب واتصل بها منطوق الحكم ثم وقع عليها جميع القضاة الذين أصدروه فإن التوقيع على هذه الورقة إنما هو توقيع على المنطوق والأسباب معاً يتحقق به عرض الشارع فيما استوجبه من توقيع القضاة الذين أصدروا الحكم على مسودته المشتملة على أسبابه فلا يكون الحكم باطلاً، لما كان ذلك وكان ما أورده الطاعن في نعيه من أن الورقة الأخيرة من أوراق مسودة الحكم اشتملت على توقيعات أعضاء الهيئة التي أصدرته في نهاية المنطوق، لا يفيد خلو الورقة من جزء من الأسباب وهو مناط البطلان في هذه الحالة فإن النعي في هذا الوجه يكون مجهلاً.
4- إذ كان النص في المادة 167 من قانون المرافعات على أنه "لا يجوز أن يشترك في المداولة غير القضاة الذين سمعوا المرافعة وإلا كان الحكم باطلاً" يدل على أن الحكم يبطل إذا اشترك في المداولة غير القضاة الذين سمعوا المرافعة ولو كان المشترك قاضياً في ذات المحكمة وحل محل آخر في نفس الدائرة، بمعنى أن يكون الحكم صادراً من نفس الهيئة التي سمعت المرافعات التي سبقت وانتهت به، وكان البين من الاطلاع على الصورة الرسمية المقدمة لمحاضر الجلسات أن المحكمة عقدت يوم 3/ 11/ 1974 برئاسة وعضوية المستشارين....، ....، ....، وقررت حجز القضية للحكم لجلسة 2/ 12/ 1974، وفي هذا اليوم تخلف عضو اليسار وحضر بدلاً منه المستشار...... فقررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم لليوم التالي لإتمام المداولة حيث انعقدت المحكمة بذات - هيئتها الأصلية التي سمعت المرافعة وأصدرت حكمها المطعون فيه فإن هذا لا يبين منه البتة مشاركة المستشار....... في المداولة وإنما يفيد بأنه استكمل الهيئة بدلاً من العضو الأصلي الغائب واقتصر دوره على مجرد تأجيل الدعوى لجلسة مقبلة لإفساح المجال أمام الهيئة الأصلية التي سمعت المرافعة وحجزت الدعوى للحكم لإتمام المداولة بمعرفتها.
5 - إذ أوجبت المادة 178 من قانون المرافعات أن يتضمن الحكم بيان أسماء الخصوم وصفاتهم قد قصدت بذلك التعريف بأشخاص وصفات من يتردد بينهم الخصومة في الدعوى التي يصدر فيها الحكم تعريفاً نافياً للجهالة أو اللبس حتى لا يكتنف الغموض شخص المحكوم له أو المحكوم عليه، وإذ رتبت هذه المادة البطلان على النقص أو الخطأ الجسيم في أسماء الخصوم وصفاتهم إنما عنت النقص أو الخطأ اللذين يترتب عليهما التجهيل بالخصم أو اللبس في التعريف بشخصيته مما قد يؤدي إلى عدم التعرف على حقيقة شخصيته أو إلى تغير شخص الخصم بآخر لا شأن له بالخصومة في الدعوى، وإذن فمتى كان النقص أو الخطأ في أسماء الخصوم وصفاتهم ليس من شأنه التشكيك في حقيقة الخصم واتصاله بالخصومة المرددة في الدعوى فإنه لا يعتبر نقصاً أو خطأ جسيماً مما يترتب عليه البطلان المنصوص عليه في المادة المشار إليها، ولما كان الثابت أن الدعوى رفعت ابتداء بالطلب المقدم من المطعون عليها بصفتها الشخصية طلبت فيه سلب ولاية الطاعن على ابنة التاجر وتعيينها وصية عليه، وقضى الحكم الابتدائي لها بطلباتها فاستأنفه الطاعن واختصمها بصفتها المشار إليها، فإن الإشارة في ديباجة الحكم المطعون فيه إلى أن المطعون عليها وصية على القاصر لا يؤدي إلى التشكيك في صفتها الحقيقية من حيث اتصالها بالخصومة المرددة في الدعوى ولا يترتب عليه البطلان.
6- مفاد نص المادتان 16، 20 من المرسوم بقانون 119 لسنة 1952 بأحكام الولاية على المال أن المشرع ألزم الولي أن يحرر قائمه بما يكون للقاصر من مال أو ما يؤول إليه وأن يودع هذه القائمة قلم كتاب المحكمة التي يقع بدائرتها موطنه في مدى شهرين من تاريخ بدء الولاية أو من تاريخ أيلولة المال إلى الصغير وذلك ابتغاء الحد من إعمال الأحكام المقررة في شأن موت الولي مجهلاً. فطالما قيد القانون من حرية الولي في التصرف وشرط إذن المحكمة لإتمام العديد من التصرفات فإن ذلك يستلزم بداهة أن تكون أموال القاصر معلومة لدى المحكمة، وهو التزام فرضه القانون على الولي من تلقاء نفسه دون توقف على تكليف بذلك من النيابة أو المحكمة. وتكلفت المادة ببيان الجزاء عن عدم القيام بهذا التكليف فأجازت اعتبار عدم تقديم القائمة أو التأخير في تقديمها بمثابة تعريض مال القاصر للخطر، وأقامت قرينة غير قاطعة يكون للمحكمة كامل السلطان في تقديرها، بحيث إذا رتبت أثرها وقدرت الأخذ بها بمناسبة ملابسات التخلف أو التأخير كان لها أن تعتبر ذلك الفصل من الولي تعريضاً لمال القاصر للخطر ويكون لها بالتالي سلب ولايته أو الحد منها.
7- إذ كان الحكم المطعون فيه - قد أقام قضاءه بسلب ولاية الطاعن على ابنه القاصر على ما ثبت من تخلفه عن تحرير قائمة بأموال القاصر واحتفاظه بهذه الأموال في حساب باسمه الشخصي وعدم إيداعها باسم القاصر إلا بعد تقديم طلب سلب الولاية، واتخذ من ذلك قرينة على تعريضه أموال القاصر للخطر تخول له سلب ولايته، وكان لا مجال للتذرع في هذا النطاق بالمادة 24 من المرسوم بقانون 119 لسنة 1952 التي تعرض لمسئولية الأب عن التعويضات عن أعمال الولاية وتقصرها على حالة الخطأ الجسيم لما بين الأب والابن من روابط ينبغي أن تكون شفيعة في يسير الخطأ، لأنها منبتة الصلة بما للمحكمة من مطلق الحرية في تقدير ما تستلزمه مصلحة القاصر من سلب الولاية أو الحد منها تبعاً لسوء تصرف الولي أو لأي سبب آخر يجعل أموال القاصر في خطر، إذ أن الولاية منوطة بالمصلحة فمتى انتفت وجب أن تزول.
8- إذ كان الطاعن لم يدع أمام محكمة الموضوع بأن مهلة الشهرين المحددة لتحرير قائمة بمال القاصر لم تكن قد انقضت منذ تاريخ أيلولة المال إليه فلا يجوز له إثارة هذا الأمر ولأول مرة أمام محكمة النقض لما يخالطه من واقع كان يتعين عرضه على قضاء الموضوع.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقارير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أنه بتاريخ 17/ 4/ 1973 تقدمت المطعون عليها إلى نيابة أسيوط للأحوال الشخصية بطلب لسلب ولاية الطاعن على ابنه...... وتعيينها وصية عليه مستندة إلى أن ابنتها المتوفاة كانت زوجة للطاعن ورزقت منه بالقاصر المشار إليه والموجود في حضانتها بصفتها جدته لأمه، وقد استولى الطاعن باعتباره ولياً شرعياً على أمواله واستحقاقه الشهري في المعاش ولم يقم بالإنفاق عليه أو رعاية مصالحه، وبعد أن حققت النيابة العامة الطلب قدمته إلى محكمة أسيوط الابتدائية، وقيدت الدعوى برقم 9 ب لسنة 1973 أحوال شخصية "مال" أسيوط. حكمت المحكمة بتاريخ 12/ 6/ 1974 بسلب ولاية الطاعن على ابنه..... وتعيين المطعون عليها وصية عليه بدون أجر وتكليفها بمقاضاة المسلوب ولايته بإيداع مستحقات القاصر في المعاش الخاص به. استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 1 لسنة 49 ق أحوال شخصية أسيوط، وبتاريخ 3/ 12/ 1974 حكمت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وبعرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة رأت أنه جدير بالنظر، وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين، ينعى الطاعن بأولهما على الحكم المطعون فيه البطلان من وجوه خمسة: (أولها) أن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه خلا مما يفيد صدوره بجلسة علنية فيقع باطلاً طبقاً لما تقضي به المادة 174 من قانون المرافعات. (ثانيها) خلو الحكم المطعون فيه من بيان اسم عضو النيابة الذي أبدى الرأي في الدعوى خلافاً للمادة 178 من قانون المرافعات (ثالثها) عدم توقيع أعضاء الدائرة التي أصدرت الحكم على كل ورقة من أوراق مسودته رغم انفصالها واكتفائهم بالتوقيع على الورقة الأخيرة في نهاية المنطوق (رابعها) اشتراك من لم يسمع المرافعة في الدعوى من القضاة في المداولة، إذ تخلف أحد أعضاء الدائرة التي استمعت إلى المرافعة وحجزت الدعوى للحكم وبالجلسة المحددة لإصداره حل محله آخر وتقرر فيها مد أجل النطق به إلى جلسة تالية لإتمام المداولة مما يفيد مشاركة الأخير فيها رغم عدم سماعه المرافعة في الدعوى. (خامسها) صدور الحكم المطعون فيه بوصف أن المطعون عليها وصية على القاصر....... في حين أنها خاصمت الطاعن أمام محكمة أول درجة بصفتها الشخصية واختصمها هو في الاستئناف بهذه الصفة.
وحيث إن النعي غير سديد في كافة وجوهه، فهو مردود في الوجه الأول بأنه وإن كان مفاد المادة 871 الواردة بالكتاب الرابع من قانون المرافعات أن تنظر محكمة الولاية على المال ما يعرض عليها من طلبات في غرفة مشورة على خلاف الأصل المقررة من أن جلسات المحاكم علنية، إلا أنه يتعين أن ينطق القاضي بالحكم الصادر فيها علانية وإلا شابه البطلان عملاً بنص المادة 174 من ذات القانون، اعتباراً بأن علانية النطق بالحكم قاعدة جوهرية تجب مراعاتها إلا ما استثنى بنص صريح تحقيقاً للغاية التي توخاها المشرع وهي تدعيم الثقة في القضاء والاطمئنان إليه، ولما كان تضمين الحكم بيان النطق به في علانية أمر لم توجبه المادة 178 من قانون المرافعات التي حددت البيانات التي يجب أن يتضمنها الحكم، وكان الأصل في الإجراءات أنها تكون قد روعيت، وعلى من يدعي أنها خولفت إقامة الدليل على ذلك، وكان الطاعن قد استند إلى مجرد خلو الحكم من بيان النطق به علناً فإن النعي في هذا الشق يكون عارياً عن دليله.
وهو مردود في الوجه الثاني بأن بيان اسم عضو النيابة الذي أبدى رأيه في القضية - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ليس من البيانات الأساسية التي يترتب على إغفالها بطلان الحكم ولما كان الثابت أن النيابة قد أبدت رأيها في القضية وأثبت ذلك في الحكم وأن النعي عليه بهذا الوجه يكون على غير أساس. والنعي في الوجه الثالث مردود بأن النص في المادة 175 من قانون المرافعات على أنه "يجب في جميع الأحوال أن تودع مسودة الحكم المشتملة على أسبابه موقعة من الرئيس ومن القضاة عند النطق بالحكم وإلا كان باطلاً"، يدل على أن المشرع أوجب أن تودع مسودة الحكم المشتملة على أسبابه موقعاً عليها من جميع أعضاء الهيئة التي أصدرته وإلا كان الحكم باطلاً، ولا يغني عن هذا الإجراء توقيعهم جميعاً على الورقة المتضمنة منطوق الحكم وحده متى كانت هذه الورقة منفصلة عن الأوراق المشتملة على أسبابه، أما إذا حررت الأسباب على أوراق منفصلة اشتملت الأخيرة منها على جزء من هذه الأسباب اتصل بها منطوق الحكم ثم وقع عليها جميع القضاة الذين أصدروه فإن التوقيع على هذه الورقة إنما هو توقيع على المنطوق والأسباب معاً يتحقق به غرض الشارع فيما استوجبه من توقيع القضاة الذين أصدروا الحكم على مسودته المشتملة على أسبابه فلا يكون الحكم باطلاً، لما كان ذلك وكان ما أورده الطاعن في نعيه من أن الورقة الأخيرة من أوراق مسودة الحكم اشتملت على توقيعات أعضاء الهيئة التي أصدرته في نهاية المنطوق، لا يفيد خلو هذه الورقة من جزء من الأسباب وهو مناط البطلان في هذه الحالة فإن النعي في هذا الوجه يكون مجهلاً. والنعي مردود في وجهه الرابع أنه لما كان النص في المادة 167 من قانون المرافعات على أنه "لا يجوز أن يشترك في المداولة غير القضاة الذين سمعوا المرافعة وإلا كان الحكم باطلاً"، يدل على أن الحكم يبطل إذا اشترك في المداولة غير القضاة الذين سمعوا المرافعة ولو كان المشترك قاضياً في ذات المحكمة وحل محل آخر في نفس الدائرة، بمعنى أن يكون الحكم صادراً من نفس الهيئة التي سمعت المرافعات التي سبقت وانتهت به، وكان البين من الاطلاع على الصورة الرسمية المقدمة لمحاضر الجلسات أن المحكمة انعقدت يوم 3/ 11/ 1974 برئاسة وعضوية المستشارين..... وقررت حجز القضية للحكم لجلسة 2/ 12/ 1974 وفي هذا اليوم تخلف عضو اليسار وحضر بدلاً عنه المستشار...... فقررت المحكمة مد أجل الحكم لليوم التالي لإتمام المداولة حيث انعقدت المحكمة بذات هيئتها الأصلية التي سمعت المرافعة وأصدرت حكمها المطعون فيه، فإن هذا لا يبين منه البتة مشاركة المستشار إبراهيم كدواني في المداولة، وإنما يفيد أنه استكمل الهيئة بدلاً من العضو الأصلي الغائب واقتصر دوره على مجرد تأجيل الدعوى لجلسة مقبلة لإفساح المجال أمام الهيئة الأصلية التي سمعت المرافعة وحجزت الدعوى للحكم لإتمام المداولة بمعرفتها وبذلك ينتفي الأساس الذي أقيم عليه هذا الوجه من النعي. وهو مردود في وجهه الأخير بأن المادة 178 من قانون المرافعات إذ أوجبت أن يتضمن الحكم بيان أسماء الخصوم وألقابهم وصفاتهم قد قصدت بذلك التعريف بأشخاص وصفات من تتردد بينهم الخصومة في الدعوى التي يصدر فيها الحكم تعريفاً نافياً للجهالة أو اللبس حتى لا يكتنف الغموض شخص المحكوم له أو المحكوم عليه، وإذ رتبت هذه المادة البطلان على "النقص أو الخطأ الجسيم في أسماء الخصوم وصفاتهم" إنما عنت النقص أو الخطأ اللذين يترتب عليهما التجهيل بالخصم أو اللبس في التعريف بشخصيته مما قد يؤدي إلى عدم التعرف على حقيقة شخصيته أو إلى تغيير شخص الخصم بآخر لا شأن له بالخصومة في الدعوى وإذن فمتى كان النقص أو الخطأ في أسماء الخصوم وصفاتهم ليس من شأنه التشكيك في حقيقة الخصم واتصاله بالخصومة المردودة في الدعوى فإنه لا يعتبر نقصاً أو خطأ جسيماً مما يترتب عليه البطلان المنصوص عليه في المادة المشار إليها، ولما كان الثابت أن الدعوى رفعت ابتداء بطلب مقدم من المطعون عليها بصفتها الشخصية طلبت فيه سلب ولاية الطاعن على ابنه القاصر وتعيينها وصية عليه، وقضى الحكم الابتدائي لها بطلباتها فاستأنفه الطاعن واختصمها بصفتها المشار إليها، فإن الإشارة في ديباجة الحكم المطعون فيه إلى أن المطعون عليها وصية على القاصر لا يؤدي إلى التشكيك في صفتها الحقيقية من حيث اتصالها بالخصومة المرددة في الدعوى ولا يترتب عليه البطلان. ويكون النعي بكافة وجوهه على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الثاني النعي على الحكم المطعون فيه بالخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت بالأوراق، وفي بيان ذلك يقول الطاعن أن الحكم أقام قضاءه بسلب ولايته على سند من تحقق الخطر على مال ابنه لأنه تخلف عن تقديم قائمة بأموال القاصر في الميعاد القانوني ولم يودع ما تحت يده منها إلا بعد تقديم الطلب بسلب ولايته، في حين أن قائمة أموال القاصر الموقع عليها من وكيل المطعون عليها لم تشتمل إلا على المبلغ الذي أودعه الطاعن بالبنك وقدره 665 جنيهاً والمعاش الشهري وقدره 15 جنيهاً، وتضمن المبلغ المودع ما استحقه القاصر من تعويض بالإضافة إلى ما تبقى من المعاش بعد الإنفاق على شئونه، ولم يكن الإيداع وليداً لالتزام قانوني وإنما قصد به مجرد الإفصاح عن احتفاظه بأموال القاصر، ورغم إثارته هذا الدفاع الذي من شأن ثبوته نفي شبهة الخطر عن مال القاصر فإن المحكمة لم تتناوله بالتحقيق أو الرد. هذا إلى أن الحكم وقد قرر تخلف الطاعن عن تقديم قائمة بأموال القاصر في الميعاد القانوني لم يبين تاريخ أيلولة المال للقاصر الذي يبدأ منه سريان الميعاد المذكور. بالإضافة إلى أن الحكم المطعون فيه أحال إلى أسباب الحكم الابتدائي رغم ما شابها من قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وخطأ في الإسناد، حين اعتمد في قضائه على إساءة الطاعن التصرف في مال القاصر وعدم إنفاقه عليه واستئثاره دونه بأثاث منزل الزوجية واختيار القاصر البقاء مع جدته المطعون عليها، حالة إنه لم يبين التصرفات الضارة بمال القاصر والتي يتوفر بها ركن الخطأ الجسيم الموجب لمساءلة الأب في مباشرته الولاية طبقاً لنص المادة 24 من قانون الولاية على المال، ولم يحقق واقعة عدم الإنفاق أو الاستيلاء على المفروشات، كما أن تفضيل القاصر بقاءه مع جدته لا يصح التذرع به في مجال الولاية على المال، وهو ما يعيب الحكم بالقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت بالأوراق.
وحيث إن النعي مردود، ذلك أن مفاد ما تقضي به المادتان 16 و20 من المرسوم بقانون رقم 119 لسنة 1952 بأحكام الولاية على المال أن المشرع ألزم الولي أن يحرر قائمة بما يكون للقاصر من مال أو مما يؤل إليه وأن يودع هذه القائمة قلم كتاب المحكمة التي يقع بدائرتها موطنه في مدى شهرين من تاريخ بدء الولاية أو من تاريخ أيلولة المال إلى الصغير، وذلك ابتغاء الحد من إعمال الأحكام المقررة في شأن موت الولي مجهلاً. فطالما قيد القانون من حرية الولي في التصرف وشرط إذن المحكمة لإتمام العديد من التصرفات فإن ذلك يستلزم بداهة أن تكون أموال القاصر معلومة لدى المحكمة، وهو التزام فرضه القانون على الولي من تلقاء نفسه دون توقف على تكليف بذلك من النيابة أو المحكمة. وتكلفت المادة ببيان الجزاء على التخلف عن عدم القيام بهذا التكليف فأجازت اعتبار عدم إيداع القائمة أو التأخير في إيداعها بمثابة تعريض مال القاصر للخطر، وأقامت قرينة غير قاطعة يكون للمحكمة كامل السلطان في تقديرها، بحيث إذا ما رتبت أثرها وقدرت الأخذ بها بمناسبة ملابسات التخلف أو التأخير كان لها أن تعتبر ذلك الفعل من الولي تعريضاً لمال القاصر للخطر ويكون لها بالتالي سلب ولايته والحد منها. ولما كان الحكم المطعون فيه أورد في هذا الخصوص قوله "... وكان الثابت من الأوراق أن السيدة...... والدة القاصر...... توفيت إثر حادث جنائي وكانت موظفة بوزارة التربية والتعليم وقامت الهيئة العامة للتأمين والمعاشات بصرف 508 جنيهاً و375 مليماً قيمة التعويض المستحق لابنها الصغير المشمول بولاية والده المستأنف - الطاعن - كما تقرر لهذا الابن معاش شهري قدره 15 جنيهاً و180 مليماً اعتباراً من 1/ 3/ 1970 ولم يقم المستأنف بتحرير قائمة بأموال القاصر وإيداعها قلم كتاب بالمحكمة وفقاً لنص المادة 16 من القانون رقم 119 لسنة 1952، هذا بالإضافة إلى أنه ثبت على إثر قيام المستأنف ضدها - المطعون عليها - بتقديم البلاغ للنيابة العامة بسلب ولاية المستأنف أن كان قد أودع باسمه خاصة مبلغ 665 جنيهاً في بنك الإسكندرية فرع أسيوط ولم يقم بتحويل هذا المبلغ لاسم القاصر إلا في 19/ 5/ 1973 ومن ثم فإن المحكمة تأخذ من ذلك أن بقاء أموال القاصر تحت يد المستأنف في خطر ومن مصلحة القاصر سلب ولاية المستأنف على ابنه ميخائيل... "وكان يبين من هذا الذي أورده الحكم أنه أقام قضاءه بسلب ولاية الطاعن على ابنه القاصر على ما ثبت من تخلفه عن تحرير قائمة بأموال القاصر واحتفاظه بهذه الأموال في حساب باسمه الشخصي وعدم إيداعها باسم القاصر إلا بعد تقديم طلب سلب الولاية، واتخذ من ذلك قرينة على تعريضه أموال القاصر للخطر تخول له سلب ولايته، وكان لا مجال للتذرع في هذا النطاق بالمادة 24 من المرسوم بقانون رقم 119 التي تعرض لمسئولية الأب عن التعويضات عن أعمال الولاية وتقصرها على حالة الخطأ الجسيم لما بين الأب والابن من روابط ينبغي أن تكون شفيعة في يسير الخطأ، لأنها منبتة الصلة بما للمحكمة من مطلق الحرية في تقدير ما تستلزمه مصلحة القاصر من سلب الولاية أو الحد منها تبعاً لسوء تصرف الولي أو لأي سبب آخر يجعل أموال القاصر في خطر، إذ أن الولاية منوطة بالمصلحة فمتى انتفت وجب أن تزول، لما كان ذلك وكانت أسباب الحكم سائغة ولها مأخذها من الأوراق وتكفي وحدها لحمل قضائه فإنه لا على الحكم إذا لم يتتبع الطاعن في مختلف مناحي أقواله وحججه أو يرد استقلالاً على كل منها. ويكون ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أخذه بما خلص إليه الحكم الابتدائي من أسانيد لسلب الولاية قوامها نسبة عدم الإنفاق للطاعن واستيلائه على أثاث منزل الزوجية والاعتداد بإيثار القاصر البقاء مع الجدة دون الأب - بفرض صحته - غير منتج لأن هذه الدعامات لم تكن ذات أثر في قضائه. لما كان ما تقدم وكان الطاعن لم يدع أمام محكمة الموضوع بأن مهلة الشهر المحددة لإيداع قائمة بمال القاصر لم تكن قد انقضت منذ تاريخ أيلولة المال إليه، فلا يجوز له إثارة هذا الأمر ولأول مرة أمام محكمة النقض لما يخالطه من واقع كان يتعين عرضه على قضاء الموضوع، ويكون النعي على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.

الطعن 29 لسنة 39 ق جلسة 26 / 2 / 1975 مكتب فني 26 ج 1 أحوال شخصية ق 98 ص 483

جلسة 26 من فبراير سنة 1975

برياسة السيد المستشار أنور أحمد خلف، وعضوية السادة المستشارين: محمد أسعد محمود، وجلال عبد الرحيم عثمان، وسعد الشاذلي، وعبد السلام الجندي.

----------------

(98)
الطعن رقم 29 لسنة 39 ق "أحوال شخصية"

(1) أحوال شخصية "الطعن بالنقض". نقض. قانون.
الطعن بالنقض في قضايا الأحوال الشخصية. رفعه بتقرير في قلم الكتاب. صحيح. المادتان 881 و882 مرافعات. علة ذلك.
(2) أحوال شخصية "النسب".
ثبوت النسب. حق أصلي للابن وللأم. موقف الابن لا يؤثر على ما تدعيه الأم ولا تملك هي إسقاط حقوق ولدها.
(3) أحوال شخصية "النسب". حكم "حجية الحكم" دعوى. قوة الأمر المقضي.
مثول وصي الخصومة على الصغيرة المذكور نسبها في الدعوى تطبيقاً للمادة 906 مرافعات. القضاء ابتدائياً واستئنافياً بنفي نسب الصغيرة للمدعي. تحقق مصلحة الأم في الطعن بالنقض. عدم مشاركة وصي الخصومة لها في رفع الطعن. لا يترتب عليه صيرورة الحكم نهائياً بالنسبة للصغيرة.
(4) حكم "حجية الحكم". قوة الأمر المقضي.
المنع من إعادة نظر النزاع في المسألة المقضى فيها. شرطه. ما لم تنظر فيه المحكمة بالفعل لا يمكن أن يكون موضوعاً لحكم حائز قوة الأمر المقضي.
(5) أحوال شخصية "النسب". حكم "حجية الحكم".
حجة حكم النفقة في موضوع النسب. شرطه. إغفال الحكم - الصادر غيابياً بالنفقة للصغير - بحث انعقاد الزوجية التي ادعتها الأم ومدى ثبوت نسب الصغير. أثره. انعدام حجية هذا الحكم في دعوى إنكار النسب.
(6 و7) أحوال شخصية "النسب". إثبات. دفوع.
(6) النسب يثبت بالفراش وبالإقرار به. ثبوته عند الإنكار بالبينة.
(7) إقامة المدعي دعواه بإنكار نسب الصغيرة إليه. دفع الأم المدعى عليها بأنها رزقت بها منه على فراش الزوجية. تكليف المحكمة لها إثبات هذا الدفع باعتبارها مدعية فيه. لا خطأ.
(8) أحوال شخصية "دعوى الأحوال الشخصية". إثبات "القرائن".
إقامة الحكم قضاءه بنفي النسب على قرائن لها سندها في الأوراق. لا عيب. القرائن منها ما هو أقوى من البينة والإقرار. كفاية هذه الدعامة لحمل الحكم. تعييبه في اعتداده بشهادة شاهد واحد. غير منتج.

--------------
1 - مفاد نص المادة الثالثة من القانون رقم 628 لسنة 1955 بشأن بعض الإجراءات في قضايا الأحوال الشخصية والوقف والمادة الأولى من إصدار قانون المرافعات رقم 13 لسنة 1968، أن قانون المرافعات الحالي قد أبقى على المادتين 881 و882 اللتين توجبان رفع الطعن بالنقض في قضايا الأحوال الشخصية عن طريق التقرير به في قلم الكتاب وباتخاذ إجراءات مبينة فيهما ولا محل للقول بأن الطعن بطريق التقرير قد نسخ بما أوردته المادة الأولى من قانون الإصدار. لأن النص صراحة على عدم إلغاء هاتين المادتين يترتب عليه لزوماً تطبيق حكمهما.
2 - النص في المادة 906 من قانون المرافعات على أنه "يتبع في قبول دعوى إنكار النسب وإثباتها والمواعيد التي ترفع فيها والآثار التي تترتب عليها القواعد والأحكام التي يقررها قانون البلد الواجب التطبيق. وتوجه الدعوى إلى الأب أو الأم على حسب الأحوال وإلى الولد الذي أنكر نسبه فإذا كان قاصراً تعين أن يقام وصي خصومة" يدل على أن المشرع رأى أن ثبوت النسب كما هو حق أصلي للابن لأنه يرتب له حقوقاً بينتها القوانين والشرائع كحق النفقة والحضانة والإرث، فإن حق أصلي أيضاً للأم لتدفع عن نفسها تهمة الزنا، ولئلا تعير بولد ليس له أب معروف، (1) والحقان في هذا المجال متساويان ومتكاملان لا يجزئ أحدهما عن الآخر، فلا تملك الأم إسقاط حقوق ولدها كما لا يؤثر موقف ذلك الأخير على ما تدعيه الأم.
3 - لما كان استلزام تمثيل الوليد القاصر بوصي خصومة - في دعوى النسب تطبيقاً للمادة 906 مرافعات - قصد به رعاية حقوق ناقصي الأهلية مخافة تعارض صوالحهم أثناء سير الدعوى مع منكر النسب أو مدعيه، وكان البين من الاطلاع على الأوراق أن الصغيرة المنكور نسبها مثلت في الدعوى أمام محكمة أول درجة بالمطعون عليه الأخير باعتباره وصي خصومة إعمالاً لحكم المادة 906/ 2 من قانون المرافعات، وإذ استأنفت الطاعنة وحدها الحكم الابتدائي واختصمت وصي الخصومة في مرحلة الاستئناف الذي قدم مذكرة بانضمامه إليها في دفاعها وطلباتها فإن مصلحة الطاعنة - الأم - في إقامة الطعن الماثل بادية ولا يترتب على عدم مشاركة وصي الخصومة لها في رفعه صيرورة الحكم نهائياً بالنسبة للصغيرة للارتباط الوثيق بين حق الأم وحق الصغير، ويكون الدفع - بعدم قبول الطعن - غير وارد.
4 - المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المنع من إعادة نظر النزاع في المسألة المقضى فيها، يشترط فيه أن تكون المسألة واحدة في الدعويين، ولا تتوفر هذه الوحدة إلا أن تكون هذه المسألة أساسية لا تتغير وأن يكون الطرفان قد تناقشا فيها في الدعوى الأولى واستقرت حقيقتها بينهما بالحكم الأول استقراراً جامعاً مانعاً فتكون هي بذاتها الأساس فيما يدعي به بالدعوى الثانية وينبني على ذلك أن ما لم تنظر فيه المحكمة بالفعل لا يمكن أن يكون موضوعاً لحكم حائز قوة الأمر المقضي (2).
5 - لئن كان الأصل في الدعوى بطلب نفقة للصغير أن يكون موضوع النسب قائماً فيها باعتباره سبب الالتزام بالنفقة لا تتجه إلى المدعى عليه إلا به فيكون قائماً فيها وملازماً لها وتتبعه وجوداً وعدماً (3) أخذاً بأن سبب وجوب نفقة الولاد هو الجزئية النابعة من كون الفرع من صلب الأصل، إلا أنه يتعين للقول بحجية حكم النفقة في موضوع النسب أن يعرض لهذه المسألة الأساسية ويمحصها باعتبارها سبب الإلزام بها، لما كان ذلك وكان البين من الاطلاع على حكم النفقة أنه صدر في غيبة المدعى عليه - المطعون عليه الأول - ، وبنى قضاءه بنفقة للصغيرة على أساس القدرة المالية للمدعى عليه فيها مبيناً القاعدة العامة وشرائطها في نفقة الفروع على الأصول وفقاً للقانون الواجب التطبيق دون أن يبحث انعقاد الزوجية التي تدعيها الطاعنة ومدى ثبوت نسب الصغيرة بالفراش وكان لا حجية لحكم قضى بالنفقة دون أن يناقش فعلاً واقعاً - وليس ضمناً أو قانوناً - قرابة المحكوم عليه للمحكوم له في صدد القرابة والنسب، فإن الدفع بسبق الفصل في صورة الدعوى المعروضة - دعوى إنكار النسب - يقع على غير محل.
6 - من الأصول المقررة في فقه الشريعة الإسلامية - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن النسب لا يثبت ما لم يثبت سببه بالحجة، لأن ثبوت الحكم ينبني على ثبوت السبب وأنه، كما يثبت بالفراش حال تحقق شروطه فإنه يثبت بالإقرار به ويثبت عند الإنكار بإقامة البينة عليه.
7 - متى كان الواقع في الدعوى أن المطعون عليه الأول أقامها منكراً نسب ابنة الطاعنة إليه فدفعتها هذه الأخيرة بأنها رزقت بها منه على فراش زوجية حرر بها عقد عرفي فقد منها ولما كان الدفع في اصطلاح الفقهاء هو دعوى من قبل المدعى عليه أو ممن ينتصب المدعى عليه خصماً عنه يقصد بها دفع الخصومة عنه أو إبطال دعوى المدعي، بمعنى أن المدعى عليه يصير مدعياً إذا أتى بدفع ويعود المدعي الأول مدعياً ثانياً عند دفع الدفع، فإن ما جرى عليه الحكم المطعون فيه من التحقق من ثبوت الزوجية بالفراش ومن تكليف الطاعنة إثباته توصلاً لثبوت النسب باعتبارها مدعية فيه مع أن الدعوى مقامة أصلاً بإنكار النسب من المطعون عليه الأول، يتفق مع المنهج الشرعي السليم.
8 - إذ يبين مما قرره الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه بنفي النسب على قرائن استخلصها من واقع الأوراق والمستندات الرسمية، وهي تقريرات موضوعية سائغة لها سندها الثابت، ولما كان إجماع الفقهاء على أن القاضي لا يقف مع ظواهر البينات ولا يتقيد بشهادة من تحملوا الشهادة على الحق إذا ثبت له من طريق آخر، اعتباراً بأن القضاء فهم ومن القرائن ما لا يسوغ تعطيل شهادته، إذ منها ما هو أقوى من البينة والإقرار وهما خبران يتطرق إليهما الصدق والكذب، (4) وكانت هذه الدعامة بمجردها كافية لحمل قضاء الحكم، فإن تعييب الحكم في اعتداده بشهادة وحيدة لمواطن المطعون عليه الأول - وهو أحد شهود الطاعنة - وإطراح أقوال باقي شهودها والقول بعدم استكمال نصاب الشهادة - أياً كان وجه الرأي فيه - يكون غير منتج.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه الأول أقام الدعوى رقم 43 لسنة 1965 أحوال شخصية "أجانب" أمام محكمة القاهرة الابتدائية ضد الطاعنة والمطعون عليهما الثاني والثالث، وقال شارحاً لها إن الطاعنة استصدرت حكماً غيابياً في الدعوى رقم 17 لسنة 1961 أحوال شخصية أجانب عابدين بأن يؤدي لها نفقة شاملة وأجر حضانة لبنت زعمت أنها أنجبتها منه بتاريخ 24 من إبريل 1960 من زواج عرفي، وإذ لم يرتبط بالطاعنة بأية رابطة شرعية، وجاءت شهادة ميلاد ابنتها التي أسندت بنوتها إليه خلافاً للحقيقة، فقد انتهى إلى طلب الحكم بمنع تعرض الطاعنة له في شئون الزوجية والنسب الذي تدعيه، وليسمع المطعون عليهما الثاني والثالث بصفتهما - إدارة السجل المدني - الحكم بشطب البيانات الواردة بدفتر مواليد صحة بندر قسم ثان الجيزة وإلغاء كافة آثارها. وأثناء تردد الدعوى بالجلسات أدخل المطعون عليه الرابع باعتباره وصي الخصومة على الصغيرة عملاً بحكم المادة 906 من قانون المرافعات. وبتاريخ 27 من ديسمبر 1966 حكمت المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق لتثبت الطاعنة أنها أنجبت الصغيرة "......" من المطعون عليه الأول على فراش الزوجية وخولته النفي، وبعد سماع أقوال الطرفين عادت وبتاريخ 20 من فبراير سنة 1968 فحكمت بمنع تعرض الطاعنة للمطعون عليه الأول في شئون الزوجية والنسب، وبأحقية الأخير في طلب شطب البيانات الواردة بدفتر مواليد صحة بندر الجيزة قسم ثان والخاصة بإثبات نسب الصغيرة إليه، استأنفت الطاعنة هذا الحكم بالاستئناف المقيد برقم 2 لسنة 85 ق أحوال شخصية القاهرة بطلب إلغائه والحكم (أولاً) بعدم قبول الدعوى بالنسبة لطلب عدم التعرض لشئون الزوجية (ثانياً) بعدم جواز نظر الطلب الخاص بنسب الصغيرة لسابقة الفصل فيه بالحكم الصادر في الدعوى رقم 17 لسنة 1961 أحوال شخصية عابدين (واحتياطياً) برفض الدعوى، وبتاريخ 2 من يونيه سنة 1969 حكمت محكمة الاستئناف برفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها وبتأييد الحكم المستأنف. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض. دفع المطعون عليه الأول - ببطلان الطعن وبعدم قبوله. وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الدفعين وفي الموضوع بنقض الحكم وعرض الطعن على هذه الدائرة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مبنى الدفع ببطلان الطعن بالنقض وبطلان إجراءاته أنه رفع بطريق التقرير به في قلم كتاب المحكمة واتبعت في إجراءات تحضيره المادتان 881 و882 من قانون المرافعات، في حين أن الصحيح قانوناً هو وجوب رفع الطعن حتى ولو كان وارداً على مسألة من مسائل الأحوال الشخصية بالطريق والإجراءات المنصوص عليها في المواد من 253 حتى 264 من قانون المرافعات القائم رقم 13 لسنة 1968، الذي وإن نص في المادة الأولى من قانون إصداره على إبقاء العمل بالمواد من 868 حتى 1032 من قانون المرافعات السابق إلا أنه أشار صراحة كذلك على إلغاء كل نص آخر يخالف أحكامه، مما مؤداه، وجوب اتباع هذه الأحكام في خصوص رفع الطعن بطريق النقض بصحيفة لا بتقرير واعتبار ما عداها منسوخاً، يؤيد ذلك حرص الشارع على توحيد طريقة رفع الدعاوى والطعون بأن جعلها كقاعدة عامة بصحيفة تودع قلم الكتاب.
وحيث إن الدفع بالبطلان في غير محله، ذلك أنه لما كانت المادة الثالثة من القانون رقم 628 لسنة 1955 بشأن بعض الإجراءات في قضايا الأحوال الشخصية والوقف تنص على أن "للخصوم وللنيابة العامة الطعن بطريق النقض في الأحكام والقرارات المشار إليها في المادة السابقة - وهي القضايا المتعلقة بالأحوال الشخصية أو بالوقف - وذلك طبقاً لنص المادة 881 من قانون المرافعات المدنية والتجارية" وكانت المادة الأولى من إصدار قانون المرافعات رقم 13 لسنة 1968 تنص على "يلغى قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 77 لسنة 1949 عدا... المواد من 868 إلى 1032 من الكتاب الرابع الخاص بالإجراءات المتعلقة بمسائل الأحوال الشخصية، كما يلغى الباب الأول من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض، ويستعاض عن النصوص الملغاة بنصوص القانون المرافق، كما يلغى كل نص آخر يخالف أحكامه"، فإن مفاد ذلك أن قانون المرافعات الحالي قد أبقى على المادتين 881 و882 اللتين توجبان رفع الطعن بالنقض في قضايا الأحوال الشخصية عن طريق التقرير به في قلم الكتاب وباتخاذ إجراءات مبينة فيهما. ولا محل للقول بأن الطعن بطريق التقرير قد نسخ بما أوردته المادة الأولى من قانون الإصدار لأن النص صراحة على عدم إلغاء هاتين المادتين يترتب عليه لزوماً تطبيق حكمهما، وإذ التزمت الطاعنة صحيح القانون في طريقة رفع الطعن وإجراءات تحضيره فإن الدفع بالبطلان يكون في غير محله.
وحيث إن الدفع المبدى من المطعون عليه الأول بعدم قبول الطعن مؤسس على أن الدعوى كما وجهت إلى الطاعنة وجهت إلى الصغيرة ممثلة بوصي خصومة وأصبح الحكم نهائياً بانتفاء ثبوتها للمطعون عليه الأول، وإذ كانت الصغيرة هي الخصم الحقيقي فلا مصلحة للطاعنة في انفرادها بالطعن بالنقض، إذ لا يستقيم القول بانتفاء صفة النسب عن الصغيرة وتصوره في حق الأم علاوة على أن حق المطعون عليه الأول المستقر بحكم أولى بالرعاية من أمل الطاعنة في نقضه.
وحيث إن هذا الدفع مردود، ذلك أن النص في المادة 906 من قانون المرافعات على أنه "يتبع في قبول دعوى إنكار النسب وإثباتها والمواعيد التي ترفع فيها والآثار التي تترتب عليها القواعد والأحكام التي يقررها قانون البلد الواجب التطبيق. وتوجه الدعوى إلى الأب أو الأم على حسب الأحوال وإلى الولد الذي أنكر نسبه فإذا كان قاصراً تعين أن يقام وصي خصومة"، يدل على أن المشرع رأى أن ثبوت النسب كما هو حق أصلي للابن لأنه يرتب له حقوقاً بينتها القوانين والشرائع كحق النفقة والحضانة والإرث فإنه حق أصلي أيضاً للأم لتدفع عن نفسها تهمة الزنا ولئلا تعير بولد ليس له أب معروف، والحقان في هذا المجال متساويان ومتكاملان لا يجزئ أحدهما عن الآخر، فلا تملك الأم إسقاط حقوق ولدها كما لا يؤثر موقف ذلك الأخير على ما تدعيه الأم. ولما كان استلزام تمثيل الوليد القاصر بوصي خصومه قصد به رعاية حقوق ناقصي الأهلية مخافة تعارض صوالحهم أثناء سير الدعوى مع منكر النسب أو مدعيه. لما كان ذلك، وكان البين من الاطلاع على الأوراق أن الصغيرة المنكور نسبها مثلت في الدعوى أمام محكمة أول درجة بالمطعون عليه الأخير باعتباره وصي خصومة إعمالاً لحكم المادة 906/ 2 من قانون المرافعات، واستأنفت الطاعنة وحدها الحكم الابتدائي واختصمت وصي الخصومة في مرحلة الاستئناف الذي قدم مذكرة بانضمامه إليها في دفاعها وطلباتها، فإن مصلحة الطاعنة في إقامة الطعن الماثل بادية ولا يترتب على عدم مشاركة وصي الخصومة لها في رفعه صيرورة الحكم نهائياً بالنسبة للصغيرة للارتباط الوثيق بين حق الأم وحق الصغير على ما سلف بيانه ويكون الدفع غير وارد.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب، تنعى الطاعنة بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك تقول إن الحكم انتهى إلى رفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها بالحكم الصادر في الدعوى رقم 17 لسنة 1961 أحوال شخصية أجانب عابدين التي أقامتها الطاعنة على المطعون عليه الأول تطالبه بنفقة للصغيرة وصدر فيها حكم حائز لقوة الشيء المحكوم فيه على سند من القول بأن هذا الحكم قضى بالنفقة دون أن يناقش قرابة المطعون عليه الأول للصغيرة كما لم تتحقق المحكمة من ثبوت نسب الصغيرة إليه، في حين أن سبب تقرير النفقة والإلزام بها هو القرابة بالإجماع، وتقرير النفقة ينطوي على قضاء ضمني بنسب الصغيرة يحول دون المنازعة فيه بدعوى جديدة، وهو ما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كان المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المنع من إعادة نظر النزاع في المسألة المقضى فيها يشترط فيه أن تكون المسألة واحدة في الدعويين، ولا تتوفر هذه الوحدة إلا أن تكون هذه المسألة أساسية لا تتغير، وأن يكون الطرفان قد تناقشا فيها في الدعوى الأولى واستقرت حقيقتها بينهما بالحكم الأول استقراراً جامعاً مانعاً فتكون هي بذاتها الأساس فيما يدعي به بالدعوى الثانية، وينبني على ذلك أن ما لم تنظر فيه المحكمة بالفعل لا يمكن أن يكون موضوعاً لحكم حائز قوة الأمر المقضي، ولئن كان الأصل في الدعوى يطلب نفقة للصغير أن يكون موضوع النسب قائماً فيها باعتباره سبب الالتزام بالنفقة لا تتجه إلى المدعى عليه إلا به فيكون قائماً فيها وملازماً لها وتتبعه وجوداً وعدماً أخذاً بأن سبب وجوب نفقة الولاد هو الجزئية النابعة من كون الفرع من صلب الأصل، إلا أنه يتعين للقول بحجية حكم النفقة في موضوع النسب أن يعرض لهذه المسألة الأساسية ويمحصها باعتبارها سبب الالتزام بها، لما كان ذلك، وكان البين من الاطلاع على حكم النفقة الصادر في الدعوى رقم 17 لسنة 1961 أحوال شخصية أجانب عابدين أنه صدر في غيبة المطعون عليه الأول وبنى قضاءه بنفقة للصغيرة على أساس القدرة المالية للمدعى عليه فيها مبيناً القاعدة العامة وشرائطها في نفقة الفروع على الأصول وفقاً للقانون الواجب التطبيق دون أن يبحث انعقاد الزوجية التي تدعيها الطاعنة ومدى ثبوت نسب الصغيرة بالفراش وكان لا حجية لحكم قضى بالنفقة دون أن يناقش فعلاً وواقعاً - وليس ضمناً أو قانوناً - قرابة المحكوم عليه للمحكوم له في صدد القرابة والنسب فإن الدفع بسبق الفصل في صورة الدعوى المعروضة يقع على غير محل، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإن النعي عليه في هذا الخصوص يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل النعي بالسببين الثاني والثالث مخالفة القانون والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك تقول الطاعنة أنه على الرغم من أن الدعوى الراهنة طبقاً لتكييف الحكم المطعون فيه دعوى إنكار نسب صغيرة أنجبتها من المطعون عليه الأول على فراش الزوجية، إلا أن الحكم انتقل بالدعوى إلى غير موضعها الأصيل فعالج الزوجية وجوداً وعدماً دون بحث النسب ثبوتاً ونفياً، وترتب على ذلك إقرار الحكم مذهب محكمة أول درجة في جعل عبء الإثبات على عاتق الطاعنة بمقولة إنها تنسب الصغيرة لوالدها رغم استنادها لحكم نهائي بالنفقة مثبت للنسب، ورفعه عن المطعون عليه الأول مع أنه بإنكاره النسب يتقدم بواقعة يتعين إقامة الدليل على صحتها. هذا إلى أن الحكم اعتد بأقوال شاهد واحد للمطعون عليه الأول. استنبط منها عدم وجود علاقة شرعية بين الطرفين مع أن هذه الشهادة بمفردها غير مستكملة للنصاب شرعاً، كما أطرح دلالة الرسائل والنقود والهدايا وأقوال سائر شهود الطاعنة وهي قاطعة في ثبوت نسب الصغيرة من فراش صحيح، وهو ما يعيب الحكم بمخالفة القانون والفساد في الاستدلال.
وحيث إن هذا النعي في جملته غير سديد، ذلك أنه لما كان من الأصول المقررة في فقه الشريعة الإسلامية - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن النسب لا يثبت ما لم يثبت سببه بالحجة لأن ثبوت الحكم ينبني على ثبوت السبب، وأنه كما يثبت بالفراش حال تحقق شروطه فإنه يثبت بالإقرار به ويثبت عند الإنكار بإقامة البينة عليه، وإذ كان الواقع في الدعوى أن المطعون عليه الأول أقامها منكراً نسب ابنة الطاعنة إليه، فدفعتها هذه الأخيرة بأنه رزقت بها منه على فراش زوجية حرر بها عقد عرفي فقد منها، وكان الدفع في اصطلاح الفقهاء هو دعوى من قبل المدعى عليه أو ممن ينتصب المدعى عليه خصماً عنه يقصد بها دفع الخصومة عنه أو إبطال دعوى المدعي، بمعنى أن المدعى عليه يصير مدعياً إذا أتى بدفع ويعود المدعي الأول مدعياً ثانياً عند دفع الدفع، فإن ما جرى عليه الحكم المطعون فيه من التحقق من ثبوت الزوجية بالفراش من تكليف الطاعنة إثباته توصلاً لثبوت النسب باعتبارها مدعية فيه مع أن الدعوى مقامة أصلاً بإنكار النسب من المطعون عليه الأول يتفق مع المنهج الشرعي السليم، لا يغير من ذلك سبق استصدارها حكماً بالنفقة للصغيرة ولأنه ليس بذي حجية في ثبوت النسب على ما سبق بيانه في الرد على السبب الأول. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أورد أن "...... المستأنفة - الطاعنة - ادعت الزوجية الصحيحة بعقد عرفي كسبب للنسب وحددت تاريخ انعقاد هذا العقد في تحقيق النيابة في الشكوى المقدمة ضدها من المستأنف عليه - المطعون عليه الأول - باتهامها بتزوير شهادة ميلاد الصغيرة بنسبتها إليه كذباً وحددت هذا التاريخ بأنه أول يوليه..... وقد ثبت أن هذا الادعاء في ذاته قد كذبته المستندات الرسمية المقدمة من المستأنف عليه إذ ثبت من جواز سفره أنه بتاريخ 2/ 7/ 1957 خرج من الكويت ودخل الإقليم السوري في 3/ 7/ 1959 ثم خرج منه إلى لبنان في 7/ 7/ 1959 وخرج من لبنان في 8/ 7/ 1959 فوصل الإسكندرية في 9/ 7/ 1959 فلا يتصور والحالة هذه وجوده بالقاهرة في التاريخ الذي قيل بانعقاد العقد فيه كما ثبت أيضاً زيف هذا الادعاء من جواز سفر........ الذي تدعي المستأنفة ووالدتها أنه من بين شهود العقد المزعوم إذ ثابت منه أن المذكور لم يدخل ميناء الإسكندرية إلا في 9/ 7/ 1959 فلا يتصور والحالة هذه وجوده في التاريخ سالف البيان بالقاهرة ليشهد مجلس العقد المدعى به...... كما أن الثابت أن الطاعنة ووالدتها قد ذكرتا أن أربعة من الكويتيين قد حضروا مجلس العقد المزعوم واتفقتا على أن أحدهم يدعى...... الذي أرشدت عنه المستأنفة في تحقيق النيابة وآخر يدعى..... الشاهد المذكور الذي قررت المستأنفة أنه توفى بعد الزواج بحوالي شهر ونصف، وقد قامت النيابة بسؤال....... فكذبت المستأنفة ووالدتها فيما تدعيانه مؤكدا أنه لم يحضر لا هو ولا أخوه..... مجلس العقد المزعوم، وإنما قال إنه كان يصاحب المستأنفة والمستأنف عليه في بعض سهراتهما الليلية، وأن المستأنف عليه كان يقول إن علاقته بالمستأنفة علاقة صداقة وأكد أنه لم يسمع بزواج إطلاقاً، كما أن من سمته والدة المستأنفة من الأربعة المذكورين وهو...... الشهير....... أقر بإقرار مصدق على توقيعه بمحضر توثيق رسمي مؤرخ 18/ 5/ 1966 أنه اطلع على أوراق التحقيق الذي أجرته نيابة الجيزة والتي تدعي المستأنفة بأنه كان موجوداً في منزلها مع المستأنف عليه الكويتي الجنسية وأن عقد زواج عرفي حرر بينهما فهو يقر أن هذا لم يحصل مطلقاً وأن هذا الذي قررته السيدة المذكورة غير صحيح على الإطلاق. كما أن المستأنفة وهي التي عولت في إثبات علاقتها بالمستأنف عليه على عقد الزواج العرفي المزعوم لم تقدمه وتعللت بعدم تقديمه بأنه فقد منها وأنها تشك في أن المستأنف عليه قد استولى عليه، لم تتقدم بأي خطوة بشكوى أو نحوها لإثبات ما زعمته من أن هذه الورقة فقدت منها وهي سندها في الادعاء وإذ لوحظ أنها إلى جانب ذلك كانت حريصة على الاحتفاظ بالخطابات ومظاريفها والرسائل البرقية المرسلة من المستأنف عليه لها والصورة الفوتوغرافية المأخوذة لها بإحدى الأندية الليلية، وضح كذب ما تدعيه من فقد العقد المزعوم منها....... لا يخل بذلك أن المستأنف عليه كان يرسل نقوداً وهدايا إلى المستأنفة، إذ الثابت من الخطابات المقدمة منها أنها اعتادت أن تطالبه بنقود وتتقبل منه الهدايا قبل التاريخ الذي تزعم أن العقد انعقد فيه وتدل على ذلك الرسالة المؤرخة 25/ 5/ 1959 رداً على ما طلبته من إرسال نقود قبل يوم 29 من الشهر، وقد أهداها الساعة بخطابه المؤرخ 30/ 4/ 1959 فإذا كان قد أرسل لها نقوداً بعد التاريخ المزعوم فهذا يعد استمرار لعلاقة الصداقة التي بينهما ولا يدل على وجود علاقة شرعية خصوصاً وليس فيما قدمته من خطابات تالية لهذا التاريخ المزعوم أو الرسائل البرقية أو الصور الفوتوغرافية ما يفيد أن العلاقة التي بينهما قد انقلبت إلى علاقة شرعية...." وكان يبين من هذا الذي قرره الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه بنفي النسب على قرائن استخلصها من واقع الأوراق والمستندات الرسمية، وهي تقريرات موضوعية سائغة لها سندها الثابت، ولما كان إجماع الفقهاء على أن القاضي لا يقف مع ظواهر البينات ولا يتقيد بشهادة من تحملوا الشهادة على الحق إذا ثبت له من طريق آخر اعتباراً بأن القضاء "فهم" ومن القرائن ما لا يسوغ تعطيل شهادته إذ منها ما هو أقوى من البينة والإقرار وهما خبران يتطرق إليهما الصدق والكذب، وكانت هذه الدعامة بمجردها كافية لحمل قضاء الحكم، فإن تعييب الحكم في اعتداده بشهادة وحيدة لمواطن المطعون عليه الأول - وهو أحد شهود الطاعنة - وإطراح أقوال باقي شهودها والقول بعدم استكمال نصاب الشهادة أياً كان وجه الرأي فيه - فيكون غير منتج، ويكون النعي على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن برمته.


(1) نقض 18/ 11/ 1967 مجموعة المكتب الفني السنة 18 ص 1639.
(2) نقض 29/ 10/ 1964 مجموعة المكتب الفني السنة 15 ص 996.
(3) نقض 20/ 1/ 1965 مجموعة المكتب الفني السنة 16 ص 68.
(4) نقض 23/ 3/ 1966 مجموعة المكتب الفني السنة 17 ص 666.

الطعن 18 لسنة 39 ق جلسة 10 / 5 / 1972 مكتب فني 23 ج 2 أحوال شخصية ق 134 ص 843

جلسة 10 من مايو سنة 1972

برياسة السيد المستشار/ أحمد حسن هيكل نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمد أسعد محمود، ومحمد عادل مرزوق، وإبراهيم السعيد ذكري، وعثمان حسين عبد الله.

---------------

(134)
الطعن رقم 18 لسنة 39 ق "أحوال شخصية"

(أ، ب) أحوال شخصية. "المسائل الخاصة بالمصريين غير المسلمين". قانون.
(أ) منازعات الأحوال الشخصية للمصريين غير المسلمين المتحدي الطائفة والملة الذين لهم جهات قضائية ملية منظمة وقت صدور القانون 462 لسنة 1955. وجوب تطبيق شريعتهم في نطاق النظام العام. المقصود بلفظ شريعتهم.
(ب) القضاء بالتطليق استناداً إلى المادة 57 من مجموعة سنة 1938 الخاصة بالأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس للفرقة واستحكام النفور. لا محل للتحدي بأن مجموعة سنة 1905 هي الواجبة التطبيق وخالية من نص يجيز التطليق لهذا السبب. علة ذلك.
(ج، د) حكم. "تسبيب الحكم". إثبات. "القرائن". "الإحالة للتحقيق".
(ج) استناد الحكم إلى أقوال شهود سمعوا في قضية أخرى. جوازه كقرينة متى كان الإثبات في الدعوى يجوز فيه قبول القرائن.
(د) عدم التزام المحكمة بإجابة طلب الإحالة للتحقيق متى رأت من ظروف الدعوى وأدلتها ما يكفي لتكوين عقيدتها.
(هـ) أحوال شخصية. "المسائل الخاصة بالمصريين غير المسلمين". "طلاق".
شريعة الأقباط الأرثوذكس. استحكام النفور بين الزوجين الذي يجيز الحكم التطليق. شرطه. جواز التطليق أيضاً إذا كان الخطأ راجعاً لكل من الزوجين. محل لتطبيق ما ورد بكتاب الخلاصة القانونية في هذا الخصوص.

-----------------
1 - تنص الفقرة الثانية من المادة السادسة من القانون رقم 462 لسنة 1955 بإلغاء المحاكم الشرعية والملية على أنه "أما بالنسبة للمنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية للمصريين غير المسلمين والمتحدي الطائفة والملة الذين لهم جهات قضائية ملية منظمة وقت صدور هذا القانون، فتصدر الأحكام في نطاق النظام العام طبقاً لشريعتهم"... ولفظ "شريعتهم" التي تصدر الأحكام طبقاً لها في مسائل الأحوال الشخصية للمصريين غير المسلمين والمتحدي الطائفة والملة والذين لهم جهات ملية منظمة - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو لفظ عام لا يقتصر مدلوله على ما جاء في الكتب السماوية وحدها، بل ينصرف إلى كل ما كانت تطبقه جهات القضاء الملي قبل إلغائها باعتبارها شريعة نافذة، إذ لم يكن في ميسور المشرع حين ألغى هذه الجهات أن يضع القواعد الواجبة التطبيق في مسائل الأحوال الشخصية لغير المسلمين، فاكتفى بتوحيد جهات القضاء تاركاً الوضع على ما كان عليه بالنسبة للأحكام الموضوعية التي يتعين على المحاكم تطبيقها، وأحال إلى الشريعة التي كانت تطبق في تلك المسائل أمام جهات القضاء الملي، ولم تكن هذه الشريعة التي جرى العمل على تطبيقها تقتصر على ما جاء بالكتب السماوية. ومما يدل على حقيقة قصد المشرع وأن ما يعتبر شريعة عند غير المسلمين لم يكن قاصراً على القواعد التي جاءت بها الكتب المنزلة، ما أورده المشرع بالمذكرة الإيضاحية للقانون المشار إليه من أن "القواعد الموضوعية التي تطبقها أكثر المجالس فيما يطرح عليها من الأقضية غير مدونة، وليس من اليسير أن يهتدي إليها عامة المتقاضين، وهي مبعثرة في مظانها بين متون الكتب السماوية وشروح وتأويلات لبعض المجتهدين من رجال الكهنوت".
2 - متى كان الحكم المطعون فيه قد استند في قضائه بالتطليق للفرقة واستحكام النفور إلى نص المادة 57 من مجموعة القواعد الخاصة بالأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس التي أقرها المجلس الملي العام في 9/ 5/ 1938 وعمل بها من 8/ 7/ 1938 بعد تجميعها من مصادرها واضطردت المجالس الملية على تطبيقها فإنه لا محل للتحدي بأن أحكام مجموعة سنة 1955 هي الواجبة التطبيق، وأنها قد خلت من نص خاص يجيز التطليق لهذا السبب، ذلك أنه لا إلزام في الاستناد إلى الأحكام التي حوتها نصوص هذه المجموعة دون غيرها من المصادر الأخرى التي يرجع إليها لدى الطائفة المذكورة، إذ لم يصدر بأي منهما تشريع من الدولة بحيث يجوز القول بأن التنظيم اللاحق يلغي التنظيم السابق، والعبرة في هذا الخصوص بما كانت تسير عليه المحاكم الملية في قضائها استقاء من المصادر المختلفة لشريعة تلك الطائفة.
3 - لا تثريب على المحكمة في تكوين عقيدتها من أقوال شهود سمعوا في قضية أخرى إن هي أخذت بهذه الأقوال كقرينة وكان الإثبات في الدعوى مما يجوز فيه قبول القرائن.
4 - لمحكمة الموضوع ألا يجيب طلب الإحالة إلى التحقيق بالشهود متى رأت من ظروف الدعوى والأدلة التي استندت إليها ما يكفي لتكوين عقيدتها دون حاجة إلى التحقيق المطلوب.
5 - مفاد نص المادة 57 من مجموعة سنة 1938 الخاصة بالأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس أن استحكام النفور بين الزوجين الذي يجيز الحكم بالتطليق، يجب أن يكون نتيجة إساءة أحد الزوجين معاشرة الآخر أو إخلاله بواجباته نحوه إخلالاً جسيما، بحيث تصبح الحياة الزوجية مستحيلة، على ألا يكون ذلك الخطأ من جانب طالب التطليق حتى لا يستفيد من خطئه، فإذا كان الخطأ راجعاً إلى كل من الزوجين واستحالت الحياة بينهما، فإنه يجوز التطليق في هذه الحالة أيضاً لتحقق ذات السبب وهو تصدع الحياة الزوجية بما لا يستطاع معه دوام العشرة، ولا وجه للتحدي بأن الخلاصة القانونية في الأحوال الشخصية لكنيسة الأقباط الأرثوذكسية للإيفومانس فيلوثاؤس تقتصر في هذه الحالة على محاولة التوفيق بين الزوجين، ذلك أنه إذا استمر الخلاف بينهما وأصبحت الحياة الزوجية مستحيلة بما لا يتحقق معه أغراض الزواج، فلا يكون هناك محل لتطبيق ما ورد في الخلاصة القانونية بهذا الخصوص - بشأن تأديب الأب الروحي للزوجين حتى يتوبا وينصلح أمرهما - ويتعين الحكم بالتطليق.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 51 لسنة 1967 ملي الإسكندرية الابتدائية للأحوال الشخصية ضد الطاعنة يطلب الحكم بفسخ عقد زواجه منها المؤرخ 15/ 2/ 1962 وبتطليقها منه، وقال شرحاً للدعوى إنه تزوج من الطاعنة بالعقد المشار إليه طبقاً لشريعة الأقباط الأرثوذكس، ودب الخلاف بينهما بسبب إصرارها على الإقامة مع والديها وإذ هجرت منزل الزوجية واستمرت الفرقة بينهما مدة تزيد عن ثلاث سنوات متوالية وهو ما ثبت من الحكم الصادر في دعوى النفقة رقم 58 لسنة 1966 جزئي أحوال شخصية الذي تأيد استئنافياً، كما استحكم النفور واستحالت العشرة بينهما بخطئها فقد أقام دعواه للحكم له بطلباته، وبتاريخ 30/ 5/ 1968 حكمت المحكمة للمطعون عليه بطلباته. استأنفت الطاعنة هذا الحكم بالاستئناف رقم 5 لسنة 1968 ملي الإسكندرية طالبة إلغاءه والحكم برفض الدعوى. وبتاريخ 5/ 5/ 1969 حكمت المحكمة برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وبالجلسة المحددة لنظره التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب تنعى الطاعنة على الحكم المطعون فيه بالسبب الأول منها الخطأ في تطبيق القانون، ذلك أنه قضى بالتطليق استناداً إلى نص المادة 57 من مجموعة قواعد الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس الصادرة في سنة 1938 مهدراً الكتاب المقدس المصدر الأول لشريعتهم وهو لا يبيح الطلاق إلا لعلة الزنا، هذا إلى أن مجموعة سنة 1938 قد ألغيت بالمجموعة الصادرة في سنة 1955 التي أقرها المجمع المقدس والمجلس الملي العام وهي لم تنص على التطليق للهجر، وإذ انعقد الزواج في ظلها فتكون هي الواجبة التطبيق على واقعة النزاع.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أنه لما كانت الفقرة الثانية من المادة السادسة من القانون رقم 462 لسنة 1955 بإلغاء المحاكم الشرعية والملية تنص على أنه "أما بالنسبة للمنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية للمصريين غير المسلمين والمتحدي الطائفة والملة الذين لهم جهات قضائية ملية منظمة وقت صدور هذا القانون فتصدر الأحكام في نطاق النظام العام طبقاً لشريعتهم..." وكان لفظ "شريعتهم" التي تصدر الأحكام طبقاً لها في مسائل الأحوال الشخصية للمصريين غير المسلمين والمتحدي الطائفة والملة والذين لهم جهات ملية منظمة - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو لفظ عام لا يقتصر مدلوله على ما جاء في الكتب السماوية وحدها، بل ينصرف إلى كل ما كانت تطبقه جهات القضاء الملي قبل إلغائها باعتباره شريعة نافذة، إذ لم يكن في ميسور المشرع حين ألغى هذه الجهات أن يضع القواعد الواجبة التطبيق في مسائل الأحوال الشخصية لغير المسلمين، فاكتفى بتوحيد جهات القضاء تاركاً الوضع على ما كان عليه بالنسبة للأحكام الموضوعية التي يتعين على المحاكم تطبيقها، وأحال إلى الشريعة التي كانت تطبق في تلك المسائل أمام جهات القضاء الملي، ولم تكن هذه الشريعة التي جرى العمل على تطبيقها تقتصر على ما جاء بالكتب السماوية، وكان مما يدل على حقيقة قصد المشرع، وأن ما يعتبر شريعة عند المسلمين لم يكن قاصراً على القواعد التي جاءت بها الكتب المنزلة - ما أورده المشرع بالمذكرة الإيضاحية للقانون المشار إليه من أن "القواعد الموضوعية التي تطبقها أكثر المجالس فيما يطرح عليها من الأقضية غير مدونة، وليس من اليسير أن يهتدي إليها عامة المتقاضين وهي مبعثرة في مظانها بين متون الكتب السماوية وشروح وتأويلات لبعض المجتهدين من رجال الكهنوت" وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه استند في قضائه بالتطليق للفرقة واستحكام النفور إلى نص المادة 57 من مجموعة القواعد الخاصة بالأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس التي أقرها المجلس الملي العام في 9/ 5/ 1938 وعمل بها من 8/ 7/ 1938 بعد تجميعها من مصادرها واضطردت المجالس الملية على تطبيقها، لما كان ذلك وكان لا محل للتحدي بأن أحكام مجموعة سنة 1955 هي الواجبة التطبيق، وأنها قد خلت من نص خاص يجيز التطليق لهذا السبب، ذلك أنه لا إلزام في الاستناد إلى الأحكام التي حوتها نصوص هذه المجموعة دون غيرها من المصادر الأخرى التي يرجع إليها لدى الطائفة المذكورة، إذ لم يصدر بأي منها تشريع من الدولة بحيث يجوز القول بأن التنظيم اللاحق يلغي التنظيم السابق، والعبرة في هذا الخصوص بما كانت تسير عليه المحاكم الملية في قضائها استقاء من المصادر المختلفة لشريعة تلك الطائفة. ولما كان الحكم المطعون فيه وعلى ما سلف البيان قد طبق على واقعة الدعوى النص الوارد بشأنها في مجموعة سنة 1938 باعتبار أن المحاكم الملية قد جرت على تطبيق أحكام هذه المجموعة منذ وضعها حتى ألغيت تلك المحاكم بالقانون رقم 462 لسنة 1955، فإنه لا يكون قد أخطأ في تطبيق القانون، ويكون النعي عليه بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والإخلال بحق الدفاع، ذلك أنها طلبت إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات الفرقة والمسئول عنها واستحكام النفور بين الزوجين بصورة أدت إلى استحالة الحياة الزوجية، إلا أن المحكمة التفتت عن إجابة هذا الطلب مكتفية بالتحقيق الذي أجرى في دعوى النفقة رقم 58 لسنة 1966 جزئي، وقرر الحكم المطعون فيه أن الحكم الصادر برفض نفقة الزوجية لثبوت نشوز الزوجة يمنع من المنازعة في السبب الذي أقيمت عليه دعوى الطلاق، في حين أنه لا يجوز الاستناد في دعوى الطلاق إلى التحقيق الذي أجرى في دعوى النفقة لاختلاف الدعويين موضوعاً وسبباً، هذا إلا أنه لا حجية لحكم النفقة بين نفس الخصوم متى تغيرت الظروف.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه لأسبابه قد أورد في هذا الخصوص ما يلي "أنه بمراجعة أقوال شهود الطرفين بدعوى النفقة المنضمة وأقوال كل منهما بمحضر المناقشة التي تمت بجلسة 11/ 4/ 1968 وكافة مستندات ومذكرات الطرفين يبين بجلاء توافر الشرط الأول وهو الفرقة الطويلة لأكثر من ثلاث سنوات متوالية، حيث بدأت الفرقة منذ ديسمبر سنة 1964، واستمرت حتى الآن بإقرار كل من الطرفين، والذي تأيدت صحته بأقوال شهودهما، وهي مدة ثلاث سنوات وخمسة شهور متصلة. وأن الثابت أيضاً أن حياة الطرفين الزوجية والتي بدأت في 15/ 2/ 1962 لم تكن مستقرة على الإطلاق، فقد تخلل الفترة من تاريخ انعقاد الزواج حتى ديسمبر سنة 1964 عدة منازعات، فلم تكن المدعى عليها - الطاعنة - تستقر في منزل الزوجية سوى شهور معدودة وتعود إلى منزل والديها، حتى أن مجموع المدد التي قضتها بمنزل الزوجية طوال مدة الزواج لم تتجاوز خمسة شهور كالثابت من أقوال المدعي - المطعون عليه - بمحضر المناقشة، أو حوالي سنة واحدة كالثابت من أقوال المدعى عليها الثابتة بنفس المحضر وهو محضر جلسة 11/ 4/ 1968، وأنه رغم محاولات التوفيق الكثيرة التي قام بها بعض رجال الدين وأقرباء الطرفين، فإنه قد تعذر طوال هذه المدة التوفيق بينهما، مما يستفاد منه توافر الشرط الثاني أيضاً وهو استحالة عودة الحياة الزوجية بين الطرفين بفعل الكراهية المستحكمة بينهما، ولا يدحض ذلك مجرد قول المدعى عليها إنها راغبة في الصلح أو إن الحياة الزوجية لا زالت ممكنة، إذ الثابت أن كلاً من الطرفين كان يصر دائماً على وجهة نظره ولا يتنازل عن شيء منها رغم أن أساس الحياة الزوجية هو تضحية كل من الزوجين وقوامها التسامح بينهما، بحيث إذا انعدمت التضحية أو قل التسامح تعذر استمرار الحياة المشتركة بين الزوجين، وبات إنهاء هذه الحياة أولى وأصلح لكل من الزوجين ولما كان يبين من ذلك أن الحكم المطعون فيه قد استند في ثبوت الفرقة ومدتها واستحكام النفور بين الزوجين إلى أقوال كل منهما في المناقشة التي تمت أمام محكمة أول درجة، وإلى المستندات والمذكرات المقدمة في الدعوى، كما استند إلى التحقيقات التي أجريت في دعوى النفقة كقرينة تؤيد الأدلة الأخرى سالفة الذكر، وكان لا تثريب على المحكمة في تكوين عقيدتها من أقوال شهود سمعوا في قضية أخرى إن هي أخذت بهذه الأقوال كقرينة، وكان الإثبات في الدعوى مما يجوز فيه قبول القرائن، وكان لمحكمة الموضوع ألا تجيب طلب الإحالة إلى التحقيق بالشهود متى رأت من ظروف الدعوى والأدلة التي استندت إليها ما يكفي لتكوين عقيدتها دون حاجة إلى التحقيق المطلوب، وكانت الأسباب التي أوردتها المحكمة على النحو سالف البيان سائغة وتؤدي إلى ما انتهت إليه في هذا الصدد، لما كان ذلك وكان ما ورد في أسباب الحكم بشأن حجية النفقة في دعوى التطليق لم يكن إلا استطراداً زائداً من الحكم يستقيم بدونه، مما يكون معه النعي على ما تضمنته هذه الأسباب الزائدة غير منتج، فإن النعي على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون والإخلال بحق الدفاع يكون في غير محله.
وحيث إن حاصل السبب الثالث أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون ذلك أن المادة 57 من مجموعة سنة 1938 التي استند إليها الحكم تستلزم ألا تكون الفرقة نتيجة خطأ طالب التطليق، إلا أن الحكم حمل الطاعنة خطأ المطعون عليه تأسيساً على أن الخطأ كان مشتركاً بين الطرفين، في حين أن كتاب الخلاصة القانونية في الأحوال الشخصية لكنيسة الأقباط الأرثوذكسية للإيفومانس فيلوتاؤس وهو أحد مصادر الفقه في هذا الخصوص قد أورد في المسألة 25 رقم 88 أنه "إذا كان الخلاف واقعاً بين الفريقين معاً ويرى الرئيس الديني أنهما مشتركان في التعدي فليؤدبهما الأب الروحي حتى يتوبا ويصلح أمرهما" واستناداً إلى ذلك فإن الطاعنة لا تتحمل وحدها المسئولية كاملة ولا يجوز الحكم بتطليقها.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أن النص في المادة 57 من مجموعة سنة 1938 الخاصة بالأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس على أنه يجوز أيضاً طلب الطلاق إذا أساء أحد الزوجين معاشرة الآخر أو أخل بواجباته نحوه إخلالاً جسيماً، مما أدى إلى استحكام النفور بينهما وانتهى الأمر بافتراقهما من بعضهما واستمرت الفرقة ثلاث سنين متوالية" يدل على أن استحكام النفور بين الزوجين الذي يجيز الحكم بالتطليق إعمالاً لهذه المادة يجب أن يكون نتيجة إساءة أحد الزوجين معاشرة الآخر أو إخلاله بواجباته نحوه إخلالاً جسيماً بحيث تصبح الحياة الزوجية مستحيلة على ألا يكون ذلك الخطأ من جانب طالب التطليق حتى لا يستفيد من خطئه، فإذا كان الخطأ راجعاً إلى كل من الزوجين واستحالت الحياة بينهما فإنه يجوز التطليق في هذه الحالة أيضاً لتحقق ذات السبب، وهو تصدع الحياة الزوجية بما لا يستطاع معه دوام العشرة، ولا وجه للتحدي بأن الخلاصة القانونية تقتصر في هذه الحالة على محاولة التوفيق بين الزوجين، ذلك أنه إذا استمر الخلاف بينهما وأصبحت الحياة الزوجية مستحيلة بما لا يتحقق معه أغراض الزواج على ما سلف بيانه، فلا يكون هناك محل لتطبيق ما ورد في الخلاصة القانونية بهذا الخصوص ويتعين الحكم بالتطليق، لما كان ذلك وكان الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه وأحال إلى أسبابه قد قرر في هذا الخصوص "أنه بالنسبة للشرط الثالث وهو تسبب الطرف الثاني في إحداث ذلك نتيجة لإساءة استعمال حقوقه أو الإخلال بحقوق الطرف الآخر، فإن المحكمة ترى أن كلاً من الطرفين قد ساهم بعناده وإصراره على إخضاع الطرف الآخر لوجهة نظره في الحياة وفي فشل حياتهما الزوجية وتحطيمها على النحو السابق بيانه، وأن الخطأ بذلك كان مشتركاً بين الطرفين" فإن الحكم المطعون فيه يكون قد طبق القانون على وجهه الصحيح، ويكون النعي عليه بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن السبب الرابع يتحصل في النعي على الحكم المطعون فيه بالقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك تقول الطاعنة إن الحكم لم يرد على المستندات الدالة على رغبتها في الصلح، كما أغفل الرد على الدلالة المستفادة من رفع المطعون عليه دعوى تطليق وتركها للشطب بسبب نجاح مساعي الصلح بين الطرفين، هو ما يعيبه بالقصور.
وحيث إن النعي في وجهه الأول غير منتج، إذ أسس الحكم المطعون فيه قضاءه بالتطليق على اشتراك الطاعنة في الخطأ رغم مساعي الصلح، مما أدى إلى استحكام النفور وتصدع الحياة الزوجية، والنعي في وجهه الثاني غير مقبول لأن الطاعنة لم تقدم ما يدل على أنها تمسكت بما أثارته في هذا الوجه أمام محكمة الموضوع.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.

اَلْمَادَّة (185) : حِلْفُ اَلْمُحْكَمِ لِلْيَمِينِ قِبَلِ مُبَاشَرَةِ عَمَلِهِ

عودة الى صفحة وَسِيطُ اَلْجُمَلِ فِي اَلتَّعْلِيقِ عَلَى قَانُونِ اَلْعَمَلِ


المادة (185)

يحلف المحكم قبل مباشرة عمله اليمين أمام رئيس هيئة التحكيم بأن يؤدي مهمته بالذمة والصدق.


التطور التاريخي للنص :

تقابل المادة 100 من قانون العمل رقم ١٣٧ لسنة ١٩٨١ والمنشور بتاريخ ١٣ /٨/ ١٩٨١ والتي نصت على انه : " يخلف عضوا هيئة التحكيم أمام رئيسها بأن يؤديا مهمتهما بالذمة والصدق.".

 

وتقابلها المادة 201 من قانون العمل رقم ٩١ لسنة ١٩٥٩ والمنشور بتاريخ ٧ /٤/ ١٩٥٩ والتي نصت على انه : " يحلف عضوا الهيئة أمام رئيسها بأن يؤديا مهمتهما بالذمة والصدق.".


الأعمال التحضيرية : (1)

المقرر: " مادة ١٨٥ - يحلف المحكم قبل مباشرة عمله اليمين أمام رئيس هيئة التحكيم بأن يؤدي مهمته بالذمة والصدق".

رئيس المجلس: السيد العضو مصطفى محمد مصطفى يقترح استبدال كلمة "بالأمانة" بكلمة "بالذمة" إن عبارة " بالذمة والصدق" هي العبارة المألوفة في كل القوانين عند حلف اليمين، كنت أتمنى حضور السيد العضو لكي يعرف هذا.

(صوت من السيد العضو أكرم الشاعر: لقد تقدمت بتعديل في هذه المادة..)

رئيس المجلس: لا توجد لدى أي تعديلات مرسلة لسيادتك أمامي، فإذا كان لديك تعديل فأرسله إلىَّ الآن وليس معقولا أن أرى تعديلا جوهريا ولا أعرضه، و لو تم تقديمه في التو واللحظة. إذن، الموافق من حضراتكم على المادة ١٨٥ كما أقرتها اللجنة، يتفضل برفع يده.

(موافقة)


التطبيقات القضائية :

جمهورية مصر العربية - النقض المدني

لما كان ما إشترطته المادة " 100 " من قانون العمل رقم 137 لسنة 1981 من أن يحلف عضوا هيئة التحكيم اليمين أمام رئيسها يقتضي أن يتم الحلف قبل مباشرتها العمل في الهيئة، وكان هذا الإجراء يصح إثباته بمحضر جلسة أول نزاع يعرض على الهيئة دون ما حاجة إلى تكرار إثباته بمحضر كل نزاع كما يصح أن يفرد له محضر خاص قائم بذاته وكان الأصل في الإجراءات أن تكون قد روعيت وعلى من يدعى إنها خولفت إقامة الدليل على ما يدعيه وكان عدم إثبات أداء عضوى الهيئة لليمين المطلوبة بمحاضر جلسات نظر النزاع لا يكفى بذاته على عدم أدائهما لها.

 ( الطعن 1807 لسنة 53 قجلسة 19 / 12 / 1988 - مكتب فني 39 ج 2 ص 1351  )

جمهورية مصر العربية - النقض المدني

ما إشترطته المادة 201 من قانون العمل رقم 91 لسنة 1959 من أن يؤدى عضوا هيئة التحكيم عن وزارتى العمل والصناعة اليمين المبينة بها أمام رئيسها يقتضى أن يتم الحلف قبل مباشرتهما العمل في الهيئة ، وإذا كان هذا الإجراء يصح إثباته بمحضر جلسة أول نزاع يعرض على الهيئة دون ما حاجة إلى تكرار إثباته بمحضر كل نزاع تال ، كما يصح أن يفرد له محضر خاص قائم بذاته ، وكان الأصل في الإجراءات أن تكون قد روعيت وعلى من يدعى أنها خولفت إقامة الدليل على ما يدعيه ، وكانت الطاعنة لم تقدم سوى محاضر الجلسات التى نظر فيها هذا النزاع وهى لا تكفى بذاتها للتدليل على أن عضوى وزارتى العمل والصناعة في الهيئة لم يؤديا تلك اليمين ، فإن نعيها يكون مجردا عن الدليل .

( الطعن 484 لسنة 37 ق جلسة 23 / 02 / 1974 - مكتب فني 25 ج 1 ص 414 - تم رفض هذا الطعن]

جمهورية مصر العربية - النقض المدني

ما إشترطته المادة 201 من قانون العمل رقم 91 لسنة 1959 من أن يؤدى عضوا هيئة التحكيم عن وزارتى العمل والصناعه اليمين المبينة بها أمام رئيسها يقتضى أن يتم الحلف قبل مباشرتهماَ العمل في الهيئة ، وإذ كان هذا الإجراء يصح إثباته بمحضر جلسة أول نزاع يعرض على الهيئة دون ما حاجة إلى تكرار إثباته بمحضر كل نزاع تال كما يصح أن يفرد له محضر خاص قائم بذاته ، وكان الأصل في الإجراءات أن تكون قد روعيت وعلى من يدعى أنها خولفت إقامة الدليل على ما يدعيه لما كان ذلك وكانت الطاعنة لم تقدم سوى محاضر الجلسات التى نظر فيها هذا النزاع وهى لا تكفى بذاتها للتدليل على أن عضو وزارة العمل في الهيئة لم يؤد تلك اليمين ، فإن نعيها يكون مجردا عن الدليل .

 

 ( الطعن 480 لسنة 37 ق جلسة 09 / 02 / 1974 - مكتب فني 25 ج 1 ص 316  )

جمهورية مصر العربية - النقض المدني

نصت المادة 349 من قانون المرافعات السابق على البيانات التى يجب أن يتضمنها الحكم على سبيل الحصر ، وليس من بين هذه البيانات إثبات حلف عضوى هيئة التحكيم اليمين المنصوص عليها في المادتين 198 ، 201 من قانون العمل رقم 91 لسنة 1959 .

( الطعن 44 لسنة 36 ق جلسة 26 / 02 / 1972 - مكتب فني 23 ج 1 ص 255  )



(1) مضبطة الجلسة الرابعة والعشرين لمجلس الشعب الفصل التشريعي الثامن دور الانعقاد العادي الثالث المعقودة ظهر يوم الثلاثاء ١١ من ذي القعدة سنة ١٤٢٣ ه الموافق ١٤ من يناير سنة ٢٠٠٣ م.

الطعن 1807 لسنة 53 ق جلسة 19 / 12 / 1988 مكتب فني 39 ج 2 ق 230 ص 1351

جلسة 19 من ديسمبر سنة 1988

برئاسة السيد المستشار/ د. جمال الدين محمود - نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ منصور حسين عبد العزيز، أحمد طارق البابلي - نائبي رئيس المحكمة، محمد السعيد رضوان وحماد الشافعي.

---------------

(230)
الطعن رقم 1807 لسنة 53 ق

(1) تحكيم: نظام عام. نقض "السبب الجديد".
عدم التمسك أمام هيئة التحكيم ببطلان الإجراءات السابقة على رفع الطلب أمامها. أثره عدم قبول التحدي به لأول مرة أمام محكمة النقض ما دام هذا البطلان غير متعلق بالنظام العام.
(2) عمل "التحكيم في منازعات العمل". حكم. "بيانات الحكم". إثبات. "عبء الإثبات".
حلف عضو هيئة التحكيم اليمين. لا ضرورة لإثباته في محضر جلسة كل نزاع يعرض عليها. كفاية إثباته بمحضر جلسة أول نزاع ينظر أو في محضر مستقل. الأصل في الإجراءات أنها روعيت. من يدعي خلاف ذلك عليه إقامة الدليل على مدعاه.
(3) عمل. "مناطق نائية". شركات. "شركات القطاع العام".
تحديد المناطق النائية للعاملين بشركات القطاع العام. من اختصاص مجلس إدارة كل مؤسسة. قرار رئيس الوزراء رقم 2579 لسنة 67 نفاذاً لائحة 3309 لسنة 1966 بشأن نظام العاملين بالقطاع العام.

--------------
1- لما كانت المواد المنظمة لإجراءات التسوية الودية والواردة بالفصل الثالث من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 137 لسنة 1981 لم تقرر البطلان عن مخالفة الإجراءات التي يجب اتخاذها قبل إحالة النزاع إلى هيئة التحكيم فإن البطلان لا يتعلق بالنظام العام ومن ثم فإنه لا يقبل من الطاعن أن يتحدي به لأول مرة أمام محكمة النقض.
2- لما كان ما اشترطته المادة "100" من قانون العمل رقم 137 لسنة 1981 من أن يحلف عضوا هيئة التحكيم اليمين أمام رئيسها ويقتضي أن يتم الحلف قبل مباشرتها العمل في الهيئة، وكان هذا الإجراء يصح إثباته بمحضر جلسة أول نزاع يعرض على الهيئة دون ما حاجة إلى تكرار إثباته بمحضر كل نزاع كما يصح أن يفرد له محضر خاص قائم بذاته وكان الأصل في الإجراءات أن تكون قد روعيت وعلى من يدعي إنها خولفت إقامة الدليل على ما يدعيه وكان عدم إثبات أداء عضوي الهيئة لليمين المطلوبة بمحاضر جلسات نظر النزاع لا يكفي بذاته على عدم أدائهما لها.
3- مؤدى نصوص المواد 53 من القرار الجهوري رقم 3309 لسنة 1966 الخاص بنظام العاملين بالقطاع العام المقابلة للمادة 74 من القانون رقم 61 لسنة 1971 والمادة 44 من قرار رئيس الوزراء رقم 2759 لسنة 1967، المادة التاسعة من القانون رقم 111 لسنة 1975 ببعض الأحكام الخاصة بشركات القطاع العام أن مجلس إدارة المؤسسة أو رئيس مجلس إدارة الشركة هو وحده الجهة المنوط بها تحديد الجهات النائية التي يحق للعاملين بها السفر على نفقة الشركة اعتباراً من تاريخ نفاذ القانون 111 لسنة 1975 في 18/ 9/ 1975.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع على ما يبين من القرار المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن المطعون ضدها - النقابة العامة لعمال الصناعات الغذائية - تقدمت بتاريخ 15/ 6/ 1982 بطلب إلى وكيل وزارة القوى العاملة والتدريب محافظة القاهرة قالت فيه أن العاملين بمصانع الشركة الطاعنة بمحافظتي قنا وأسوان وهما من المناطق النائية يستحقون طبقاً لنص المادتين 44، 44 مكرر من قرار رئيس الوزراء رقم 2759 لسنة 1967 المقابل النقدي لأربعة تذاكر سفر ذهاباً وإياباً من الجهة التي يعملون بها إلى القاهرة وقد صرفت الشركة المقابل النقدي عن تذكرتين للعامل وثلاثة من أفراد أسرته ومن يبقى للعامل الحق في المقابل النقدي عن ثمانية تذاكر سنوياً ذهاباً وإياباً من محل عمله إلى القاهرة وإذ تعذر على النقابة تسوية النزاع فقد تقدمت بهذا الطلب وبعد أن تم عرض الخلاف على لجنة تسوية المنازعات الجماعية بمحافظة القاهرة والمجلس المركزي لتسوية المنازعات لوزارة القوى العاملة والتدريب طلبت الطاعنة إحالته إلى هيئة التحكيم بمحكمة استئناف القاهرة وقيد برقم 15 لسنة 82 ق القاهرة وبتاريخ 10/ 5/ 1983 قررت الهيئة أحقية العاملين بمصانع الشركة الطاعنة بنواحي نجع حمادي ودشنا وقوص وأرمنت بمحافظة قنا وادفو وكوم امبو بمحافظة أسوان في أن يصرفوا شهرياً المقابل النقدي لتذاكر سفرهم وعائلاتهم أربع مرات ذهاباً وإياباً ما بين الجهة التي يعمل بها كل منهم ومدينة القاهرة وعلى أساس ما رسمته المادة 44 مكرر من لائحة بدل السفر الصادر بها قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2759 لسنة 1967 وطعنت الطاعنة في هذا القرار بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض القرار، وعرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين حاصل السبب الأول منهما بطلان القرار المطعون فيه وفي بيان ذلك تقول الطاعنة أن رفع الطلب لم تتبع فيه الإجراءات - والقواعد التي أوردها القانون رقم 137 لسنة 1981 بشأن تسوية المنازعات العمالية الجماعية والتي توجب أن يسبق عرض النزاع أو الخلاف على اللجنة المختصة مفاوضات جماعية لحل النزاع ودياً وإذ كان الطلب مقدماً من العمال يتعين تقديمه من رئيس المنظمة النقابية المنتمين إليها وبعد موافقة مجلس إدارتها على أن يقدم للجنة المحلية المختصة وهي التي يقع بدائرتها المركز الرئيسي للمنشأة إن كان لها أكثر من فرع وإذا كان الطلب المقدم من المطعون ضدها لم تسبقه مفاوضات جماعية ولم يرفق به ما يدل على موافقة مجلس إدارة المنظمة النقابية ولم يقدم إلى اللجنة المحلية بمحافظتي قنا وأسوان المختصين بنظر النزاع ولم يمثل مدير الشئون القانونية بمديريتي قنا وأسوان عند عرض الخلاف على المجلس المركزي لتسوية المنازعات ولا ممثل عن أصحاب الأعمال ولا يوجد دليل بمحاضر هيئة التحكيم على حلف عضوي الهيئة اليمين المبينة بالمادة "100" من القانون 137 فإن القرار المطعون فيه يكون باطلاً لصدوره بناءً على إجراءات باطلة بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في شقه الأول غير مقبول، ذلك أنه لما كان الثابت أن - الإجراءات المدعى ببطلانها قد تمت قبل إحالة الطلب إلى هيئة التحكيم ولم تتمسك الطاعنة بهذا البطلان أمامها وكانت المواد المنظمة لإجراءات التسوية الودية والواردة بالفصل الثالث من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 137 لسنة 1981 لم تقرر البطلان عند مخالفة الإجراءات التي يجب اتخاذها قبل إحالة النزاع إلى هيئة التحكيم فإن البطلان لا يتعلق بالنظام العام ومن ثم فإنه لا يقبل من الطاعنة أن تتحدى به لأول مرة أمام محكمة النقض. ومردود في شقه الثاني ذلك لأنه لما كان ما اشترطته المادة (100) من قانون العمل رقم 137 لسنة 1981 من أن يحلف عضوا هيئة التحكيم اليمين المبينة أمام رئيسها يقتضي أن يتم الحلف قبل مباشرتها العمل في الهيئة، وكان هذا الإجراء يصح إثباته بمحضر جلسة أول نزاع يعرض على الهيئة دون ما حاجة إلى تكرار إثباته بمحضر كل نزاع كما يصح أن يفرد له محضر خاص قائم بذاته، وكان الأصل في الإجراءات - أن تكون قد روعيت وعلى من يدعي أنها خولفت إقامة الدليل على ما يدعيه وكان عدم إثبات أداء عضوي الهيئة لليمين المطلوبة بمحاضر جلسات نظر النزاع لا يكفي بذاته على عدم أدائها لها وكانت الطاعنة لم تقدم الدليل على عدم حلفها فإن نعيها يكون مجرداً عن الدليل ويضحى النعي بشقيه على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعي بالسبب الثاني على القرار المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وتأويله وفي بيان ذلك تقول أن القرار أقام قضاءه بأحقية المطعون ضدهم في المقابل النقدي لعدد أربعة تذاكر لهم ولأسرهم أربعة مرات ذهاباً وإياباً من الجهة التي يعمل بها كل منهم إلى مدينة القاهرة تأسيساً على أن نظم العاملين السابقة على القانون 48 لسنة 1978 نصت على أن تطبق على هؤلاء لائحة بدل السفر المقررة للعاملين بالدولة وأجازت لرئيس الوزراء بقرار منه أن يضع القواعد الأخرى المنظمة لمصاريف الانتقال وبدل السفر وقد صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2759 لسنة 1967 بلائحة بدل السفر ومصاريف الانتقال ونصت المادة 44 منها على الترخيص للعاملين بالجهات النائية التي تحدد بقرار من مجلس إدارة المؤسسة بالسفر وعائلاتهم ذهاباً وإياباً من الجهة التي يعملون بها إلى الجهة التي يختارونها أربع مرات سنوياً ثم صدر قرار رئيس الوزراء رقم 661 لسنة 1976 بصرف مقابل نقدي عن تلك التذاكر ثم حدد قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 877 لسنة 1979 المقابل النقدي على أساس ثلاثة أفراد للأسرة بما فيهم العامل كحد أقصى وكان رئيس مجلس الوزراء قد أصدر القرارات أرقام 460 لسنة 1973، 191 لسنة 1974، 57 لسنة 1980 بتحديد المناطق النائية بالجمهورية التي يحق للعاملين بها صرف بدل الاغتراب ومنها محافظتي قنا وأسوان وكانت المادة 44 من لائحة بدل السفر المشار إليها قد أناطت بإدارة المؤسسة تحديد ما يعتبر جهات نائية يرخص للعاملين بها السفر على نفقة المؤسسة أو الوحدة التابعة لها فإنه مع إلغاء المؤسسات العامة بالقانون 111 سنة 1975 يتعين الالتزام بالقرارات الصادرة من رئيس مجلس الوزراء بتحديد المناطق النائية في مفهوم المادة 44 من لائحة بدل السفر المشار إليها. في حين أن المشرع ترك بموجب تلك المادة لمجلس إدارة المؤسسة أن تحدد المناطق النائية وأن هذا الحق انتقل لمجلس إدارة الشركة طبقاً للمادة التاسعة من القانون رقم 111 لسنة 1975 التي نصت على أن "يتولى مجلس إدارة الشركة أو رئيس مجلس الإدارة - بحسب الأحوال الاختصاصات المنصوص عليها في القوانين واللوائح لمجلس إدارة المؤسسة أو رئيس مجلس إدارتها بالنسبة للشركات التابعة لها" ولم يصدر مجلس إدارة المؤسسة أو مجلس إدارة الشركة بعد إلغاء المؤسسات قراراً باعتبار محافظتي قنا وأسوان من المناطق النائية فإن القرار المطعون عليه إذ اعتبرهما من بين المناطق النائية يكون قد أخطأ في تطبيق هذا القانون وتأوليه.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك لأن قرار رئيس الجمهورية رقم 3309 لسنة 1966 الخاص بنظام العاملين بالقاطع العام قد نص في المادة "53" منه - المقابلة للمادة 74 من القانون رقم 61 لسنة 1971 - على أن "تطبق الفئات الخاصة بمصاريف الانتقال وبدل السفر المقررة للعاملين المدنيين بالدولة ولرئيس الوزراء بقرار منه أن يستثنى من هذه الفئات في الحالات التي تقتضي ذلك، وله أن يضع القواعد الأخرى المنظمة لمصاريف الانتقال وبدل السفر" وبناء على هذا التفويض أصدر رئيس الوزراء القرار رقم 2759 لسنة 1967 ونص في المادة 44 منه على أن - "يرخص للعاملين بالجهات النائية التي تحدد بقرار من مجلس إدارة المؤسسة بالسفر على نفقة المؤسسة أو الوحدة الاقتصادية هم وعائلاتهم ذهاباً وإياباً من الجهة التي يعملون بها إلى الجهة التي يختارونها أربع مرات سنوياً. وكانت المادة التاسعة من القانون 111 لسنة 1975 ببعض الأحكام الخاصة بشركات القطاع العام تنص على أن "يتولى مجلس إدارة الشركة أو رئيس مجلس الإدارة - بحسب الأحوال الاختصاصات المنصوص عليها في القوانين واللوائح لمجلس إدارة المؤسسة أو رئيس مجلس إدارتها بالنسبة للشركات التابعة لها" ومفاد ذلك أن مجلس إدارة المؤسسة أو رئيس مجلس إدارة الشركة هو وحده الجهة المنوط بها تحديد الجهات النائية التي يحق للعاملين بها السفر على نفقة الشركة اعتباراً من تاريخ نفاذ القانون 111 لسنة 1975 في 18 سبتمبر سنة 1975. لما كان ذلك وكان القرار المطعون فيه قد استند في اعتبار محافظتي قنا وأسوان ضمن المناطق النائية إلى قرارات رئيس مجلس الوزراء بتحديد المناطق النائية التي يستحق العاملون بها بدل الاغتراب تأسيساً على أن تلك القرارات قد صدرت منه باعتباره ممثلاً للدولة مالكة القطاع العام وأنها تعلوا القرارات الصادرة من مجالس إدارة المؤسسات أو مجالس إدارة الشركات ودون أن يصدر قرار باعتبار هذه المناطق نائية بالطريق الذي رسمه القانون فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يوجب نقضه.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه ولما تقدم يتعين الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه وبرفض الطلب.