جلسة 18 من مايو سنة 1982
برئاسة السيد المستشار/ محمد محمود الباجوري نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد جلال الدين رافع، ومحمود حسن رمضان، وجلال الدين أنسي، وواصل علاء الدين.
---------------
(96)
الطعن رقم 47 لسنة 51 القضائية "أحوال شخصية"
(1 و2) أحوال شخصية. نقض "الطعن بالنقض".
(1) الطعن بالنقض في مسائل الأحوال الشخصية. رفعه بصحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه صحيح. متى ثبت ورودها إلى قلم كتاب محكمة النقض في الميعاد. علة ذلك. تحقيق الغاية من الإجراء.
(2) الأوراق التي يلتزم الطاعن بإيداعها مع التقرير بالطعن بالنقض في مسائل الأحوال الشخصية. م 881 مرافعات قديم والمادة 355 مرافعات المعدلة بالقانون 218 لسنة 1980.
(3) أحوال شخصية "التطليق للضرر".
التطليق للضرر. م 6 ق 25 لسنة 1929. عرض محكمة أول درجة الصلح على الزوجين ورفضه من جانب أحدهما. كفاية ذلك لإثبات عجز المحكمة عن الإصلاح بينهما دون حاجة لعرض الصلح مرة أخرى أمام محكمة الاستئناف.
(4) أحوال شخصية. دعوى.
اختلاف دعوى الطاعة عن دعوى التطليق موضوعاً وسبباً. النشوز لا يعد مانعاً من نظر دعوى التطليق. التفات محكمة الموضوع عن دلالة حكم الطاعة في دعوى التطليق. لا خطأ.
(5، 6) أحوال شخصية "الإثبات" إثبات "التطليق للضرر".
(5) التطليق للضرر. وجوب إثباته طبقاً لأرجح الأقوال في مذهب أبي حنيفة، رغم أنه منقول من مذهب مالك.
(6) جواز الإثبات بالقرائن في الفقه الحنفي. من القرائن ما هو أقوى من البينة والإقرار.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر، والمرافعة وبعد المداولة.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليها أقامت الدعوى رقم 927 لسنة 1980 أحوال شخصية "نفس" أمام محكمة الزقازيق الابتدائية ضد الطاعن طالبة الحكم بتطليقها عليها طلقة بائنة. وقالت بياناً لدعواها أنها زوجته بصحيح العقد وفي عصمته وطاعته وإذ دأب على الاعتداء عليها بالضرب والسب على نحو لا يستطاع معه دوام العشرة بين أمثالهما، فقد أقامت الدعوى وبتاريخ 28/ 2/ 1981 حكمت المحكمة بتطليق المطعون عليها على الطاعن طلقة بائنة للضرر. استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 9 لسنة 24 ق المنصورة، وبتاريخ 16/ 5/ 1981 حكمت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، ودفعت المطعون عليها بعدم قبول الطعن، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الدفع وفي الموضوع برفض الطعن وعرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مبنى الدفع المبدى من المطعون عليها بعدم القبول أن الطعن رفع بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة استئناف المنصورة "مأمورية الزقازيق" خلافاً لما رسمه القانون للطعن بالنقض في مسائل الأحوال الشخصية من وجوب رفعه بتقرير في قلم كتاب محكمة النقض طبقاً لنص المادة 881 من قانون المرافعات وأن الطاعن لم يودع وقت رفعه ما أوجبت الفقرة الثانية من هذه المادة إيداعه من أوراق.
وحيث إن الدفع في غير محله، ذلك أنه ولئن كان المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه طبقاً للمادة الثالثة من القانون رقم 628 لسنة 1955 والمادة الأولى من القانون رقم 13 لسنة 1968 بإصدار قانون المرافعات يكون الطعن بطريق النقض بالنسبة لمسائل الأحوال الشخصية وفق الإجراءات المقررة في المادتين 881، 882 من قانون المرافعات وكان يتعين رفع الطعن بتقرير في قلم كتاب محكمة النقض خلال الميعاد، إلا أن البين من المذكرة الإيضاحية لقانون المرافعات الحالي تعليقاً على المادة 253 منه أن المشرع استحسن عبارة رفع الطعن بصحيفة بدلاً من رفعه بتقرير منعاً للبس الذي قد يثور بين طريقة رفع الدعوى أمام محكمتي الدرجة الأولى والثانية وأمام محكمة النقض، مما مفاده - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنه يستوي في واقع الأمر رفع الطعن بصحيفة أو بتقرير طالما توافرت البيانات التي يتطلبها القانون في ورقة الطعن وإذ كان ما استحدثه المشرع بالمادة 253 سالفة الإشارة من إجازة رفع الطعن بالنقض في قلم كتاب محكمة النقض أو المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه قصد به تيسير الإجراءات، فإنه لا تثريب على الطاعن إذا استعمل هذه الميزة وأودع صحيفة الطعن قلم كتاب المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه ما دام الثابت وصول كافة الأوراق قلم كتاب محكمة النقض خلال الميعاد وهو ما يتحقق به الغرض من الإجراء. لما كان ذلك، وكان المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المادة 432 من قانون المرافعات القديم الصادر بالقانون رقم 77 لسنة 1949 التي تحيل إليها الفقرة الثانية من المادة 881 منه في خصوص الأوراق التي يتعين إيداعها مع صحيفة الطعن بالنقض في مسائل الأحوال الشخصية وقد ألغيت وحلت محلها المادة 255 من قانون المرافعات الحالي، فقد وجب الرجوع إلى هذه المادة لتحديد ما يلتزم الطاعن بإيداعه من أوراق، وإذ عدلت هذه المادة بالقانون رقم 218 لسنة 1980 بحيث أصبح التزام الطاعن قاصراً على إيداع صور من صحيفة الطعن بقدر عدد المطعون عليهم وصورة لقلم الكتاب وسند توكيل الموكل في الطعن ومذكرة شارحة لأسباب طعنه والمستندات المؤيدة له إن لم تكن مودعة ملف القضية، وكان الطعن قد تقرر به بعد 29/ 12/ 1980 تاريخ العمل بالقانون المذكور وأودع الطاعن وقت التقرير به الأوراق المبينة في المادة سالفة الإشارة، فإنه لا محل لتطلب إيداع ما عداها من الأوراق المنصوص عليها في المادة 432 من قانون المرافعات القديم، ويكون الدفع المبدى من المطعون عليها بعدم القبول على غير أساس.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين ينعى الطاعن بالسبب الأول على الحكم المطعون مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه من وجهين. ويقول في بيان ذلك أن محكمة الاستئناف لم تعرض الصلح على الطرفين خلافاً لما يوجبه نص المادة 896 من قانون المرافعات رقم 77 لسنة 1949 وأنها لم تعتد بالحكم الصادر في الدعوى رقم 957 لسنة 1980 بعدم قبول اعتراض المطعون عليها على إنذاره لها بالدخول في طاعته مع أن هذا الحكم له حجيته بصدد أمانته على المطعون عليها مما يتعارض مع القضاء بتطليقها منه للضرر.
وحيث إن النعي غير سديد في وجهه الأول، ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن محل الالتزام بالإجراءات المقررة بالمادة 896 من الكتاب الرابع من قانون المرافعات القديم أن تكون الدعوى قد رفعت باعتبارها من قضايا الأحوال الشخصية للأجانب، وإذ كانت الدعوى الماثلة بين مصريين مسلمين وهي من الدعاوى التي كانت تختص المحاكم الشرعية بنظرها وكان مناط الحكم بالتطليق طبقاً للمادة 6 من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يعجز القاضي عن الإصلاح بين الزوجين مع توافر الضرر المبيح للتطليق ويكفي لإثبات هذا العجز أن تعرض محكمة أول درجة الصلح على الزوجين فيرفضه أحدهما دون حاجة لإعادة عرضه مرة أخرى في الاستئناف ما دام لم يستجد ما يدعو إليه، وكان الثابت من مدونات الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه أن محكمة أول درجة عرضت الصلح على الطرفين فلم يقبل، فإن ذلك يكون كافياً لإثبات عجز المحكمة عن الإصلاح بينهما ويكون النعي بهذا الوجه على غير أساس. وهو مردود في وجهه الثاني، ذلك أن دعوى الطاعنة - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - تختلف في موضوعها وسببها عن دعوى التطليق للضرر إذ بينما تقوم الأولى على الهجر وإخلال الزوجة بواجب الإقامة المشتركة وللفرار في منزل الزوجية تقوم الثانية على إدعاء الزوجة إضرار الزوج بها بما لا يستطاع معه دوام العشرة، وأن النشوز ليس بمانع بفرض حصوله من نظر دعوى التطليق والفصل فيها، ومن ثم لا تثريب على محكمة الموضوع إذا هي أبت التعويل على دلالة الحكم الصادر في دعوى الاعتراض على إنذار الطاعة لاختلاف المناط في الدعويين، ويكون النعي بهذا الوجه على غير أساس.
وحيث إن حاصل النعي بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال. ويقول الطاعن في بيان ذلك أن الحكم أقام قضاءه بالتطليق للضرر على سند من الإقرار المنسوب صدوره منه وما أبداه زوج شقيقة المطعون عليها وزوجة شقيقها من أقوال بمحضر جمع الاستدلالات في الجنحة رقم 4216 لسنة 1980 قسم أول بندر الزقازيق في حين أنه لا يحاج بهذا الإقرار وقد أنكر صدوره منه ولا يجوز التعويل على أقوال هذين الشاهدين في مقام البينة المقبولة شرعاً لأن هذا الوصف لا يصدر إلا على الشهادة في مجلس القضاء. وإذ عولت المحكمة في قضائها على هذه الأقوال وذلك الإقرار ولم تجبه إلى طلب إحالة الدعوى إلى التحقيق فإن الحكم يكون مشوباً بالقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال.
وحيث إن النعي مردود، ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المشرع إذ نقل حكم التطليق للضرر من مذهب مالك لم يحل في إثباته إلى هذا المذهب كما لم ينص على قواعد خاصة في هذا الشأن ومن ثم فإنه يتعين الرجوع في قواعد الإثبات المتصلة بذات الدليل إلى أرجح الأقوال في مذهب أبي حنيفة عملاً بنص المادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية، وأن من القرائن ما نص عليه الشارع أو استنبطه الفقهاء باجتهادهم ومنها ما يستنبطه القاضي من دلائل الحال وشواهده، وكتب الحنفية مملوءة باعتبار القرائن في مواضع كثيرة اعتباراً بأن القضاء "فهم" ومن القرائن ما لا يسوغ تعطيل شهادته إذ منها ما هو أقوى من البينة والإقرار وهما خبران يتطرق إليهما الصدق والكذب. وإذ كان البين من مدونات الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه لأسبابه أنه أقام قضاءه بالتطليق على ما حصله من إقرار الطاعن بمسئوليته جنائياً عن أي اعتداء يقع منه على المطعون عليها وما ثبت من محضر جمع الاستدلالات في الجنحة رقم 4216 لسنة 1980 قسم أول بندر الزقازيق من وقوع اعتداء عليها ونسبتها هذا الاعتداء إلى زوجها الطاعن وتأييد من استشهد بهم لها في ذلك وهي قرائن تكفي لإثبات الضرر المبيح للتطليق، فإنه لا على محكمة الموضوع إن هي لم تر حاجة بعد ذلك إلى إحالة الدعوى إلى التحقيق لسماع البينة، ويكون النعي على الحكم بالقصور والفساد في الاستدلال على غير أساس.