الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 15 يناير 2024

الطعن 1705 لسنة 6 ق جلسة 12 / 5 / 1963 إدارية عليا مكتب فني 8 ج 3 ق 112 ص 1190

جلسة 12 من مايو سنة 1963

برياسة السيد/ عبد العزيز الببلاوي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة الدكتور محمود سعد الدين الشريف وعبد الفتاح نصار وعزت عبد المحسن وأبو الوفا زهدي المستشارين.

---------------

(112)

القضية رقم 1705 لسنة 6 القضائية

(أ) دعوى الإلغاء 

- الطعن بالإلغاء على أحد القرارات الصادرة بالترقية لا يترتب عليه بطريقة آلية الطعن على جميع القرارات اللاحقة الصادرة بالترقية بالأقدمية - دعوى الإلغاء لا يمكن أن تتم إلا بإرادة صريحة لا افتراض فيها - أساس ذلك - أثره - أن الحكم الصادر بتحديد الأقدمية في تاريخ معين وما يترتب على ذلك من آثار لا تنصرف آثاره إلى قرارات الترقية التالية التي لم تعرض على المحكمة.
(ب) دعوى الإلغاء 

- ميعاد رفع الدعوى - تطبيق المادة 22 من القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة يوجب أن ترفع دعوى الإلغاء عن القرار الإداري ايجابياً كان أو سلبياً في المدة المحددة من وقت إعلان المتظلم به أو نشره أو من وقت علمه به - انفتاح باب الطعن لذي الشأن رغم فوات الميعاد من وقت أن يتكشف له حقيقة وضعه - صدور حكم من المحكمة الإدارية العليا مقرراً مبدأ في أحد الطعون لا يعتبر كاشفاً لحقيقة وضع من يطعن على قرار مماثل ومن ثم لا ينفتح باب الطعن بالنسبة له بعد فوات الميعاد.

-----------------
1 - أن الحكم برد أقدمية المدعي في الدرجة الخامسة إلى مايو سنة 1946 وما يترتب على ذلك من آثار إنما يكون نطاقه الفصل في منازعة حول استحقاق المدعي لأن تسوى أقدميته في الدرجة الخامسة وبإرجاعها إلى التاريخ سالف الذكر والأثر المباشر الذي يترتب على ذلك هو تعديل الأقدمية في تلك الدرجة وصرف الفروق المالية الناجمة من العلاوات وتدرج الراتب في الدرجة موضوع الدعوى ولا يمكن أن ينصرف إلى قرارات أخرى لم تعرض على المحكمة للفصل فيها، ذلك أن الدعوى بإلغاء القرارات الإدارية المعيبة لا يمكن أن يتم إلا بإرادة صريحة جلية من الطاعن لا افتراض فيها ولا تكون ضمنية إذ ليس في القوانين ما يلزم صاحب الحق أن يحرك الدعوى لحماية ذلك الحق إذا ما اعتدى عليه. ومما يؤيد هذا النظر أن الدعوى، وخصوصاً دعوى الإلغاء لها أوضاع معينة نص عليها القانون من إيداع صحيفة الطعن مشتملة على بيانات معينة وأن يتم الإيداع في سكرتيرية المحكمة في أجل معلوم بحيث لو تخلف أي وضع من تلك الأوضاع انهارت الدعوى وحكم بعدم قبولها وفضلاً عن ذلك فلا يمكن القول في خصوص الدعوى الراهنة بأن ترقية المدعي إلى الدرجات العليا يعتبر أثراً من الآثار التي يقضي له بها الحكم المطعون فيه إذ أن أثر الشيء هو ما ينتج عنه مباشرة والترقية إلى الدرجة الأعلى في حاجة إلى قرار خاص بها يصدر بعد بحث حالة الموظف مقارنة بحالة غيره من الزملاء والنظر فيما عسى أن يكون قد طرأ عليها من ظروف قد تحول دون الترقية أو تقضي بتأجيلها وينبني على ذلك أن الطعن على القرار الصادر بتحديد أقدميته في الدرجة الخامسة في أغسطس سنة 1947 وإلغاء هذا القرار لا يمكن أن يترتب عليه بحكم اللزوم الطعن في جميع القرارات اللاحقة وإلا تعدى الحكم إلى أمور لم تعرض على المحكمة - وهو ما سبق قوله - كما يؤدي إلى اضطراب دائم للأوضاع الإدارية إذ يصبح النجاح في الطعن على أحد القرارات الإدارية مدعاة لإلغاء جميع القرارات اللاحقة والصادرة بالترقية آلية دون اتخاذ الإجراءات القانونية لعرضها على الجهات القضائية للتحقق من مدى جديتها ومدى استحقاق الطاعن عليها لها وأفضليته على المطعون عليه فيها وفي ذلك إهدار للمراكز القانونية الذاتية للغير وزعزعتها على مرور الزمن مما يضطرب معه نظام العمل في الجهاز الإداري وتضيع في سبيله المصلحة العامة كما أن هذا النظر يؤدي إلى القول بأن المحكمة قد أحلت نفسها محل الجهات الإدارية التي تملك وحدها إصدار القرارات الإدارية إذ أن الحكم لا يغنى عن إصدار القرارات الإدارية تنفيذاً له فإذا هي امتنعت عن ذلك أو أصدرتها على نحو يخالف ما جاء بالحكم فليس أمام المضرور إلا أن يلجأ من جديد إلى القضاء مراعياً الأوضاع القانونية لاسترداد ما يكون قد انتقص من حقوقه كما أن هذا النظر يقضي أيضاً على الأوضاع القانونية التي تحكم الموظفين سواء كان ذلك في ظل القواعد السابقة على القانون 210 لسنة 1951 أو التي تجرى تحت ظله إذ أن الترقية في الحالة الأولى لا تقوم على الأقدمية وحدها وإنما تقوم على الجدارة مع مراعاة الأقدمية وإنها في الحالة الثانية لا تجرى باضطراد إنما تحكمها ضوابط لا يمكن التحلل فيها من هذه الضوابط مثلاً عدم جواز ترقية موظف حصل في السنة السابقة على تقدير بدرجة ضعيف أو أنزلت به عقوبة تأديبية تحول دون ترقيته في وقت معين أو أوقف عن عمله نتيجة لتحقيق جنائي أو إداري وهي أمور يجب أن توضع في الميزان قبل تقرير ترقية الموظف بالأقدمية بحيث ينتفي معها القول بأن الطعن في قرار إداري يترتب عليه بحكم اللزوم الطعن في القرارات التالية له لتعلق حق الطاعن بها دون ما استعراض لجميع الظروف والأوضاع المحيطة بهذه القرارات، هذا وليس في مركز الموظف اللائحي ما يطعن على هذا النظر إذ أن حقه في الالتجاء إلى القضاء لم يشرع إلا لحماية هذا المركز إذا ما اعتدى عليه. كما أن القول بأن الدعوى دعوى تسوية أمر يخالف للواقع إذ أنها طعن على قرارات بالترقية إلى درجات أعلى.
2 - أخذاً بالنص الوارد في المادة 22 من القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة والمواد المقابلة لها في القوانين السابقة عليه، وهي نصوص تتعلق بالإجراءات يتعين الطعن على كل قرار إداري ايجابياً كان أو سلبياً في المدة المحددة لذلك من وقت إعلان المتظلم به أو نشره أو من وقت علمه به وفي هذه الحالة الأخيرة يحق للمتظلم كما جاء بحق في الطعن رقم 68 لسنة 1 القضائية عليا أن يمتد حقه في الطعن أو ينفتح له بابه من جديد ومن وقت أن تتكشف له حقيقة وضعه على أن يراعي في الطعن وإقامة الدعوى المواعيد التي تبدأ من الأوقات السابقة ذكرها.
فإذا كان المدعي قد تظلم من عدم ترقيته في 5 من فبراير سنة 1952 ولم يقم دعواه إلا عام 1957 فإن الدعوى تكون مرفوعة بعد الميعاد ويتعين عدم قبولها ولا يشفع له في ذلك أنه لم يستظهر حقيقة وضعه إلا بعد صدور الحكم في الطعن رقم 68 لسنة 1 القضائية إذ أنه كان يعلم بها كزملائه منذ 5 من فبراير سنة 1952 إنما كل ما حصل عليه من الحكم الأخير أنه استيقن من وضع كان من الممكن أن يحصل عليه لو أنه انتهج كزملائه النهج القانوني السليم في الموعد المحدد، لذلك ولا يمكن أن يرتب القانون أوضاعاً خاصة لمثل هؤلاء الذين ينتظرون حتى يتأكدوا من صحة ما يدعون وإنما يضع قواعد مفروض على الجميع معرفتها والدفاع عنها دون انتظار أو تربص.


إجراءات الطعن

بتاريخ 12 من يونيه سنة 1960 أودعت إدارة قضايا الحكومة سكرتيرية هذه المحكمة عريضة طعناً في الحكمين الصادرين من محكمة القضاء الإداري. هيئة الفصل بغير الطريق التأديبي "بجلستي 10 من فبراير سنة 1960 و13 من إبريل عام 1960 في الدعوى رقم 949 لسنة 11 القضائية المقامة من عبد العزيز محمد حسن ضد وزارة الخزانة (المالية) والقاضي أولهما برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبقبولها وثانيهما بإرجاع أقدمية المدعي في الدرجة الرابعة إلى أول مايو سنة 1960 وفي الدرجة الثالثة إلى 14/ 4/ 1954 وفي الدرجة الثانية إلى 25 من مارس سنة 1957 مع ما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الحكومة مصاريف الدعوى وخمسمائة قرش مقابل أتعاب محامي المدعي" وطلبت إدارة قضايا الحكومة للأسباب التي استندت إليها في صحيفة طعنها قبول الطعن شكلاً وإلغاء الحكمين المشار إليهما مع الحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد واحتياطياً رفضها مع إلزام المطعون ضده المصروفات والأتعاب عن الدرجتين وقد أعلن هذا الطعن إلى المطعون ضده في 7 من نوفمبر سنة 1960 ثم أخطر الطرفان بالجلسة التي عينت لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون. وبعد أن تداولت القضية بالجلسة عدة مرات أحيل الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا. وأخطر الطرفان بجلسة 15 من إبريل سنة 1962 التي عينت لنظر الطعن أمام الدائرة الثانية من المحكمة الإدارية العليا حيث تأجل النظر فيه إلى جلسة 7 من أكتوبر سنة 1962 وفي هذه الجلسة حجزت القضية للحكم في الدفع بعدم القبول إلى جلسة 9 من ديسمبر سنة 1962 ثم أعيدت القضية إلى المرافعة بناء على طلب المحامي الأصلي إلى جلسة 13 من يناير سنة 1963 ثم تأجل النظر فيها إلى جلسة 24 من مارس سنة 1963 لمرض المحامي الأصلي وفي الجلسة الأخيرة حجزت القضية للحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن وقائع هذه المنازعة - حسبما تبين من الأوراق - تتحصل في أن المدعي أقام هذه الدعوى يقول فيها أنه بعد صدور قواعد التنسيق أخطأت الوزارة في تطبيقها عام 1947.. حيث أرجعت أقدميته وأقدمية لفيف من زملائه في الدرجة الخامسة إلى 13 من أغسطس سنة 1947 مع أن أقدمياتهم طبقاً لقواعد التنسيق السليمة ترجع إلى أول مايو سنة 1946 الأمر الذي دعاهم إلى إقامة الدعوى رقم 552 لسنة 4 قضاء إداري يطلبون فيها رد أقدمياتهم في الدرجة الخامسة إلى أول مايو سنة 1946 مع ما يترتب على ذلك من آثار وأن المحكمة أجابتهم إلى جميع طلباتهم بحكم صادر في عام 1951 وأنهم لما طالبوا الوزارة بتنفيذ الحكم اكتفت برد أقدمياتهم في الدرجة الخامسة إلى أول مايو سنة 1946 فقط مع أنه كان يتعين عليها وقد ردت أقدمياتهم في الدرجة الخامسة إلى التاريخ سالف الذكر أن تأمر بترقياتهم إلى الدرجة الرابعة بالأقدمية مع زملائهم الذين كانوا قد رقوا إلى هذه الدرجة في عام 1950 أي أثناء نظر الدعوى ولما لم تستجب الوزارة إلى طلباتهم أقام زملاء المدعي الدعوى رقم 559 لسنة 6 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري يطلبون فيها الحكم بأحقيتهم في الترقية بالأقدمية إلى الدرجة الرابعة اعتباراً من أول مايو سنة 1950 وإلى الدرجة الثالثة اعتباراً من 14 من إبريل سنة 1954 مع ما يترتب على ذلك من آثار مستندين في ذلك إلى أن الحكم الصادر في الدعوى 552 لسنة 4 القضائية سالف الذكر قد كشف عن أقدمياتهم الصحيحة في الدرجة الخامسة وبذلك يكون قد هدم كشوف الأقدميات التي وضعت سنة 1947 وبالتالي يكون قد هدم جميع المراكز الفردية التي ترتبت على هذه الأقدمية كما أضافوا إلى ذلك أن الحكم الصادر في الدعوى 552 لسنة 4 القضائية وهو يقضي باستحقاقهم للترقية إلى الدرجة الخامسة اعتباراً من أول مايو سنة 1946 وما يترتب على ذلك من آثار، فإن من مقتضى هذا الحكم أن يرقوا كأثر لازم إلى الدرجات التالية مع زملائهم في ذات الأقدمية في الدرجة الخامسة ولكن المحكمة قضت بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد تأسيساً على أنه كان يتعين على المدعين أن يتربصوا بكل قرار وأن يطعنوا عليه بالإلغاء في الميعاد ولما طعنت هيئة مفوضي الدولة على هذا الحكم قضت المحكمة الإدارية العليا في هذا الطعن... "وهو برقم 68 لسنة 1 القضائية عليا" بجلسة 28 من يناير سنة 1956 بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإحالة المدعين إلى طلباتهم استناداً إلى أنهم لم يكونوا في مركز يسمح لهم بتعرف مراكزهم القانونية إلا بعد صدور الحكم الصادر لصالحهم في الدعوى رقم 552 لسنة 4 القضائية برد أقدمياتهم في الدرجة الخامسة إلى أول مايو سنة 1946 وأضاف المدعي بأنه بمجرد أن علم بهذا الحكم قام بإنذار الوزارة في 13 من مارس سنة 1956 يطلب إليها تطبيق القواعد الواردة في الحكم المذكور آنفاً شأنه في ذلك شأن زملائه الذين أقاموا الدعوى 559 لسنة 6 القضائية. والطعن 68 لسنة 1 عليا. ولما لم تستجب الوزارة إلى طلبه بعد إجراء المباحثات الخاصة بذلك وأخطرته بالرفض في مايو سنة 1957 عاجل برفع دعواه الحالية يطلب فيها إلغاء القرار الصادر بالامتناع عن منحه مراكزه القانونية المبينة بإنذاره المؤرخ 13 من مارس سنة 1956 مع تقرير أحقيته للترقية إلى الدرجة الرابعة اعتباراً من أول مايو سنة 1950 وإلى الدرجة الثالثة اعتباراً من 14 من إبريل سنة 1954 وإلى الدرجة الثانية اعتباراً من 25 من مارس سنة 1957 مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وقد أصدرت محكمة القضاء الإداري في هذه الدعوى حكمان أولهما في 10 من فبراير سنة 1960 وهو يقضي برفض الدفع بعدم قبول الدفع وبقبولها وثانيهما في 13 من إبريل سنة 1960 وهو يقضي بإرجاع أقدمية المدعي في الدرجة الرابعة إلى أول مايو سنة 1950 وفي الدرجة الثالثة إلى 14/ 4/ 1954 وفي الدرجة الثانية إلى 25 من مارس سنة 1957 مع ما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الحكومة مصاريف الدعوى وخمسمائة قرش مقابل أتعاب محامي المدعي "وأقام الحكم الأول، قضاءه في الدفع بعدم القبول على أن المدعي لم يتبين مركزه القانوني إلا بصدور حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 68 لسنة 1 القضائية عليا والمرفوعة من زملائه والذي أرسى قاعدة جديدة في منازعة كان هو طرفاً فيها عند نشوئها وأنه عندما تكشفت له هذه القاعدة قدم تظلماً إلى الوزارة يطلب فيه تسوية حالته على الأساس الذي سويت عليه حالة زملائه في الطعن 68 لسنة 1 القضائية عليا وأنه بمجرد إخطاره برفض تظلمه بادر برفع هذه الدعوى وأضاف الحكم أن ترقية المدعي إلى الدرجتين الثالثة والثانية تترتب على إجابة طلب الترقية إلى الدرجة الرابعة وأنه وقد استجاب القضاء إلى طلبه إرجاع أقدميته في الدرجة الخامسة إلى تاريخ سابق فإنه يترتب على ذلك بحكم اللزوم الطعن بالإلغاء في أي قرار بالترقية إلى الدرجات التالية متى كان مبناها أحقية المدعي في الدرجة السابقة وهي في دعوانا الدرجة الخامسة بعد أن منحها وزملاؤه في مايو سنة 1946 لارتباط هذه بتلك ارتباط الفرع بالأصل أو النتيجة بالسبب ومن ثم لا يجوز التحدي بوجوب التظلم ثم الطعن على كل قرار إداري لاحق بالترقية إلى درجة أعلى في حينه بل يظل ميعاد التظلم والطعن في هذه القرارات اللاحقة مفتوحاً إلى الوقت الذي يتكشف فيه للمدعي حقيقة مركزه وهذا لا يتحقق إلا بصدور الحكم المقرر لمركزه القانوني شأنه في ذلك شأن الإعلان أو النشر وبما أن مركز المدعي القانوني لم يتكشف إلا بصدور الحكم الصادر لزملائه في الطعن 68 لسنة 1 القضائية وعلمه به فإن ميعاد الطعن في القرارات الصادرة بالترقية إلى الدرجات الرابعة والثالثة والثانية يظل مفتوحاً إلى هذا التاريخ خاصة وأن مركز الموظف مركز قانوني وأنه متى استقرت الأوضاع بالنسبة لطائفة من الموظفين فإن من مقتضى ذلك تطبيق هذه القاعدة على من يتفقون معهم في أوضاعهم ولو لم يقيموا دعاوى للمطالبة بتصحيح هذه الأوضاع هذا بالنسبة للدفع بعدم القبول تأسيساً على تأخير المدعي في إقامة دعواه بعد التظلم المقدم منه في فبراير سنة 1952 أما بالنسبة لهذا الدفع عن تأخير المدعي في إقامة دعواه إلى 5 من يونيه سنة 1957 مع أنه قدم تظلمه في 13 من مارس سنة 1956 فإن المحكمة أجابت عليه بأن فوات المدة المحددة للتظلم تقوم على افتراض رفض الإدارة لهذا التظلم أما إذا تبين أنها كانت في سبيل بحثه وأنها لم تنته من هذا البحث ولم تخطر المدعي بذلك إلا في تاريخ لاحق فإن المدة التي يتعين فيها على المتظلم إقامة دعواه هي المدة التالية لإخطاره وهي في الدعوى الحالية المدة من 2 من يونيه سنة 1957 تاريخ الإخطار بالرفض - و5 من يونيه من نفس الشهر وهو تاريخ رفعه للدعوى، ولهذا تكون دعواه في الميعاد ويكون الدفع بعدم القبول في غير محله، هذا من ناحية الدفع أما من ناحية الموضوع فقد أجيب المدعي إلى طلباته استناداً إلى أن أقدميته بعد تعديل وضعه واعتباره في الدرجة الخامسة اعتباراً من أول مايو سنة 1946 فإنها تسمح بترقيته بالأقدمية في التواريخ التي صدرت فيها القرارات المطعون عليها.
ومن حيث إن الطعن يقوم على ناحيتين أولهما الدفع بعدم قبول الدعوى تأسيساً على أن المطعون ضده علم علماً يقيناً بصدور القرار الصادر في أول مايو سنة 1950 بالترقية إلى الدرجة الرابعة وكان علمه به علماً يقيناً في 5 من فبراير سنة 1952 وذلك بتوجيهه وزملائه الإنذار المعلن إلى الوزارة في التاريخ سالف الذكر ورفض التظلم الوارد في هذا الإنذار الأمر الذي حمل زملاءه على إقامة الدعوى لسنة 6 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري وأن في سكوت المدعي عن إقامة دعواه في الموعد المحدد لذلك يجعل دعواه الحالية غير مقبولة، كما أن ما أثاره الحكم بالنسبة للتظلم الثاني الصادر في 13 من مارس سنة 1956 من امتداد مدته إلى يوم إخطار المدعي برفضه غير صحيح إذ بمرور ستين يوماً من هذا التاريخ يعتبر التظلم مرفوضاً أما الناحية الثانية من الطعن فمبناها أن القرار الصادر في أول مايو سنة 1950 بالترقية إلى الدرجة الرابعة كان صادراً في ظل أحكام كادر سنة 1939 حيث كانت الترقيات جميعاً بالجدارة مع مراعاة الأقدمية ولا تقوم على الأقدمية وحدها.
ومن حيث إنه بالنسبة للدفع فإنه لاختلاف بين الطرفين على أن المدعي وزملاءه قد تظلموا بإنذارهم المعلن في 5 من فبراير سنة 1952 من عدم ترقيتهم نتيجة للحكم الصادر في الدعوى رقم 552 لسنة 4 القضائية بجلسة 12 من ديسمبر سنة 1951 إلى الدرجة الرابعة بموجب القرار الصادر أثناء نظر تلك الدعوى في أول مايو سنة 1950 وما يترتب على ذلك من آثار وأن المدعي لم يبادر برفع دعواه بمجرد مرور ستين يوماً على هذا التظلم وإنما قام بذلك زملاء المدعي في الحكم سالف الإشارة إليه وحدهم وأنه بعد صدور الحكم النهائي في الدعوى الأخيرة بجلسة 28 من يناير سنة 1956 نشط المدعي ووجه تظلماً إلى الوزارة من عدم تسوية حالته أسوة بزملائه المحكوم لصالحهم في تلك الدعوى وأنه لم يقم دعواه بعد الموعد المحدد لاعتبار التظلم مرفوضاً وإنما أقامها في 5 من يونيه سنة 1957، أي بعد أن أخطر برفض تظلمه في 2 من يونيه سنة 1957.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على الإنذار الموجه من المدعي وآخرين والمعلن إلى الوزارة في 5 من فبراير سنة 1952 أنه انتهى بعد سرد تفاصيل النزاع والحكم الصادر في الدعوى رقم 52 لسنة 4 القضائية إلى طلب الترقية إلى الدرجة الرابعة واعتباراً ترقية كل منهم إلى هذه الدرجة راجعة بالتسلسل إلى تواريخ قرارات الترقية التي صدرت خلال المدة من أول مايو سنة 1950 إلى الآن كلية وأقدميته وصرف الفروق المستحقة لهم على الأساس المتقدم وعلى الوزارة أن تبحث السبيل إلى تحقيق ذلك رداً لحقوقهم بإلغاء جميع الترقيات التي لم يمض عليها شهران وتدبير درجات أخرى بقدر العدد اللازم لرد حقوق الطالبين الذين يحتفظون بكامل حقوقهم قبل الوزارة عن الماضي والحاضر والمستقبل.
ومن حيث إن الطعن بعدم القبول يتحصل في أن المدعي بعد أن أنذر الوزارة في 5 من فبراير سنة 1952 يتظلم من عدم ترقيته إلى الدرجة الرابعة وهي الدرجة التالية للدرجة الخامسة التي أصبحت أقدميته فيها نتيجة للحكم في الدعوى 552 لسنة 4 قضاء إداري راجعة إلى أول مايو سنة 1946 - تظلم من عدم ترقيته إليها في الحركة التي أجريت في مايو سنة 1950 أي أثناء نظر دعواه ومضى على هذا التظلم ستين يوماً بحيث أصبح تظلمه مرفوضاً ضمناً وكان يتعين عليه إقامة دعواه في ظرف الستين يوماً التالية أما وهو لم يرفعها إلا بعد مضي زهاء خمسة أعوام فإنها تكون غير مقبولة.
ومن حيث إن المدعي ومن ورائه الحكم المطعون فيه يرد على هذا الدفع بأن الحكم الصادر في الدعوى 552 لسنة 4 قضاء إداري إذ قضى باعتبار أقدمية المدعي في الدرجة الخامسة راجعة إلى أول مايو سنة 1946 مع ما يترتب على ذلك من آثار فإن هذا الحكم يكون قد مضى بإلغاء القرارات التالية له فيما تضمنته من عدم ترقية المدعى إليها باعتبارها من الآثار التي فصل فيها الحكم، وبأن الطعن على القرار الأول يترتب عليه بحكم اللزوم الطعن على القرارات التالية له دون حاجة إلى إقامة دعاوى جديدة وأن الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 68 لسنة 1 القضائية قد أرسى قاعدة جديدة تعتبر بمثابة قانون جديد يستفيد المدعي من ورائه وأن مركز المدعي وهو مركز لائحي يقتضي من الحكومة أن تقوم من نفسها بتسوية حالته أسوة بزملائه الذين صدر الحكم لصالحهم في الطعن 68 لسنة 1 قضائية عليا وأن ما يطالب به المدعي ليس إلا مجرد تسوية لا تتقيد بمواعيد للطعن عليها.
ومن حيث إنه ينال من هذا القول أن الحكم في الدعوى رقم 552 لسنة 4 قضاء إداري برد أقدمية المدعي في الدرجة الخامسة إلى مدير سنة 1946 وما يترتب على ذلك من آثار إنما يكون نطاقه الفصل في منازعة حول استحقاق المدعي لأن تسوى أقدميته في الدرجة الخامسة وبإرجاعها إلى التاريخ سالف الذكر والأثر المباشر الذي يترتب على ذلك، وهذا الأثر هو تعديل الأقدمية في تلك الدرجة وصرف الفروق المالية الناجمة من العلاوات وتدرج الراتب في الدرجة موضوع الدعوى ولا يمكن أن ينصرف إلى قرارات أخرى لم تعرض على المحكمة للفصل فيها، ذلك أن الدعوى بإلغاء القرارات الإدارية المعيبة لا يمكن أن يتم إلا بإرادة صريحة جلية من الطاعن لا افتراض فيها ولا تكون ضمنية إذ ليس في القوانين ما يلزم صاحب الحق أن يحرك الدعوى لحماية ذلك الحق إذا ما اعتدى عليه. ومما يؤيد هذا النظر أن الدعوى، وخصوصاً دعوى الإلغاء لها أوضاع معينة نص عليها القانون من إيداع صحيفة الطعن مشتملة على بيانات معينة وأن يتم الإيداع في سكرتيرية المحكمة في أجل معلوم بحيث لو تخلف أي وضع من تلك الأوضاع انهارت الدعوى وحكم بعدم قبولها وفضلاً عن ذلك فلا يمكن القول في خصوص الدعوى الراهنة بأن ترقية المدعي إلى الدرجات العليا يعتبر أثراً من الآثار التي يقضي له بها الحكم المطعون فيه إذ أن أثر الشيء هو ما ينتج عنه مباشرة والترقية إلى الدرجة الأعلى في حاجة إلى قرار خاص بها يصدر بعد بحث حالة الموظف مقارنة بحالة غيره من الزملاء والنظر فيما عسى أن يكون قد طرأ عليها من ظروف قد تحول دون الترقية أو تقضي بتأجيلها وينبني على ذلك أن الطعن على القرار الصادر بتحديد أقدميته في الدرجة الخامسة في أغسطس سنة 1947 وإلغاء هذا القرار لا يمكن أن يترتب عليه بحكم اللزوم الطعن في جميع القرارات اللاحقة وإلا تعدى الحكم إلى أمور لم تعرض على المحكمة - وهو ما سبق قوله - كما يؤدي إلى اضطراب دائم للأوضاع الإدارية إذ يصبح النجاح في الطعن على أحد القرارات الإدارية مدعاة لإلغاء جميع القرارات اللاحقة والصادرة بالترقية بالأقدمية بطريقة آلية دون اتخاذ الإجراءات القانونية لعرضها على الجهات القضائية للتحقق من مدى جديتها ومدى استحقاق الطاعن عليها لها وأفضليته على المطعون عليه فيها وفي ذلك إهدار للمراكز القانونية الذاتية للغير وزعزعتها على مرور الزمن مما يضطرب معه نظام العمل في الجهاز الإداري وتضيع في سبيله المصلحة العامة كما أن هذا النظر يؤدي إلى القول بأن المحكمة قد أحلت نفسها محل الجهات الإدارية التي تملك وحدها إصدار القرارات الإدارية إذ أن الحكم لا يغنى عن إصدار القرارات الإدارية تنفيذاً له فإذا هي امتنعت عن ذلك أو أصدرتها على نحو يخالف ما جاء بالحكم فليس أمام المضرور ألا أن يلجأ من جديد إلى القضاء مراعياً الأوضاع القانونية لاسترداد ما يكون قد انتقص من حقوقه كما أن هذا النظر يقضي أيضاً على الأوضاع القانونية التي تحكم الموظفين سواء كان ذلك في ظل القواعد السابقة على القانون 210 لسنة 1951 أو التي تجرى تحت ظله إذ أن الترقية في الحالة الأولى لا تقوم على الأقدمية وحدها وإنما تقوم على الجدارة مع مراعاة الأقدمية وأنها في الحالة الثانية لا تجرى باطراد، إنما تحكمها ضوابط لا يمكن التحلل منها من هذه الضوابط مثلاً عدم جواز ترقية موظف حصل في السنة السابقة على تقدير بدرجة ضعيف أو أنزلت به عقوبة تأديبية تحول دون ترقيته في وقت معين أو أوقف عن عمله نتيجة لتحقيق جنائي أو إداري وهي أمور يجب أن توضع في الميزان قبل تقرير ترقية الموظف بالأقدمية بحيث ينتفي معها القول بأن الطعن في قرار إداري يترتب عليه بحكم اللزوم الطعن في القرارات التالية له لتعلق حق الطاعن بها دون استعراض لجميع الظروف والأوضاع المحيطة بهذه القرارات هذا وليس في مركز الموظف اللائحي ما يطعن على هذا النظر إذ أن حقه في الالتجاء إلى القضاء لم يشرع إلا لحماية هذا المركز إذ ما اعتدى عليه كما أن القول بأن الدعوى دعوى تسوية أمر مخالف للواقع إذ أنها طعن على قرارات بالترقية إلى درجات أعلى.
ومن حيث إنه لما سبق، وأخذاً بالنص الوارد في المادة 22 من القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة والمواد القابلة لها في القوانين السابقة عليه وهي نصوص تتعلق بالإجراءات يتعين الطعن على كل قرار إداري ايجابياً كان أو سلبياً في المدة المحددة لذلك من وقت إعلان المتظلم به أو نشره أو من وقت علمه به وفي هذه الحالة الأخيرة يحق للمتظلم كما جاء بحق في الطعن رقم 68 لسنة 1 قضائية عليا أن يمتد حقه في الطعن أو ينفتح له بابه من جديد ومن وقت أن تتكشف له حقيقة وضعه على أن يراعي في الطعن وإقامة الدعوى المواعيد التي تبدأ من الأوقات السابقة ذكرها.
ومن حيث إن المدعي وقد تظلم من عدم ترقيته في 5 من فبراير سنة 1952 ولم يقم دعواه إلا عام 1957 فإن الدعوى تكون مرفوعة بعد الميعاد ويتعين عدم قبولها ولا يشفع له في ذلك أنه لم يستظهر حقيقة وضعه إلا بعد صدور الحكم في الطعن رقم 68 لسنة 1 إذ أنه كان يعلم بها كزملائه منذ 5 من فبراير سنة 1952 إنما كل ما حصل عليه من الحكم الأخير أنه استيقن من وضع فإن من الممكن أن يحصل عليه لو أنه انتهج كزملائه النهج القانوني السليم في الموعد المحدد لذلك ولا يمكن أن يرتب القانون أوضاعاً خاصة لمثل هؤلاء الذين ينتظروا حتى يتأكدوا من صحة ما يدعون وإنما هو يضع قواعد مفروض على الجميع معرفتها والدفاع عنها دون انتظار أو تربص.
ومن حيث إنه لما سبق جميعه يكون الحكم المطعون فيه وقد أخذ بغير هذا النظر قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله مما يتعين معه إلغاءه والحكم بقبول الدفع بعدم قبول الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم قبول الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.

الطعن 1379 لسنة 8 ق جلسة 11 / 5 / 1963 إدارية عليا مكتب فني 8 ج 3 ق 111 ص 1179

جلسة 11 من مايو 1963

برئاسة السيد/ مصطفى كامل إسماعيل وكيل المجلس وعضوية السادة/ حسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح ومحمد مختار العزبي وعزت عبد المحسن المستشارين.

--------------

(111)

القضية رقم 1379 لسنة 8 القضائية

(أ) دعوى - مصلحة في الدعوى 

- دعوى إلغاء قرار بالإحالة إلى المعاش - الدفع بعدم قبولها لانعدام المصلحة فيها ببلوغ المدعي سن التقاعد بعد رفعها وبالتالي فلا جدوى من طلب إلغاء القرار - مردود بأن المصلحة متوافرة في الفرق بين مرتبه ومعاشه طوال المدة السابقة لبلوغه سن التقاعد.
(ب) النيابة الإدارية - أعضاء النيابة الإدارية 

- القانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية - نص المادة 48 منه على إعادة تعيين أعضاء النيابة الإدارية بقرار جمهوري يصدر خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ العمل بالقانون والاحتفاظ لمن لم يشملهم القرار المذكور بدرجاتهم ومرتباتهم بصفة شخصية لمدة ستة شهور يصدر خلالها قرار من رئيس الجمهورية بتعيينهم في وظائف عامة مماثلة لوظائفهم لا تقل من حيث الدرجة عن درجات وظائفهم الحالية - لا إلزام على الجهة الإدارية إزاء من لم يشملهم قرار إعادة التعيين في النيابة الإدارية بتعيينهم في الوظائف العامة - انقطاع صلتهم بوظائفهم الأصلية في النيابة الإدارية بصدور القرار الجمهوري رقم 1128 لسنة 1958 بإعادة تعيين أعضاء النيابة الإدارية وشغل وظائفهم بغيرهم - مهلة الستة الأشهر هي أجل للجهة الإدارية لها فيها سلطة تقديرية في تعيينهم دون إلزام عليها فإذا انتهت المهلة تأكد انقطاع صلتهم بالحكومة.

----------------
1 - أن الدفع بعدم قبول الدعوى لانعدام المصلحة فيها لبلوغ المطعون عليه سن التقاعد بعد رفعها وبالتالي فلا جدوى من طلب إلغاء القرار الصادر بإحالته إلى المعاش - هذا الوجه مردود عليه بأن مصلحة المطعون عليه تتمثل في الفرق بين مرتبه ومعاشه من 3/ 3/ 1959 إلى 16/ 7/ 1959 وهو ما لا يتأتى التوصل إليه إلا بإلغاء القرار الصادر بإحالته إلى المعاش قبل بلوغه السن القانونية، ومن ثم يكون هذا الوجه غير مستند إلى أساس صحيح من القانون.
2 - تنص المادة 48 من القانون رقم 117 لسنة 1958 على أن "يصدر خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ العمل بهذا القانون قرار من رئيس الجمهورية بعد أخذ رأي مدير عام النيابة الإدارية بإعادة تعيين أعضاء النيابة الإدارية طبقاً للنظام الجديد. "ويجوز أن يتم تعيين هؤلاء دون تقيد بأحكام المادة 33 من هذا القانون" أما الذين لا يشملهم القرار المشار إليه في الفقرة السابقة فيحتفظون بدرجاتهم ومرتباتهم الحالية بصفة شخصية لمدة أقصاها ستة أشهر يصدر خلالها قرار من رئيس الجمهورية بتعيينهم في وظائف عامة مماثلة لوظائفهم سواء أكانت إدارية أم فنية لا تقل من حيث الدرجة عن درجات وظائفهم الحالية وذلك بعد الاتفاق مع الجهات المختصة.
فإذا كان الثابت من الأوراق أن المطعون عليه لم يكن من بين من أعيد تعيينهم أعضاء النيابة الإدارية ولا من بين من عينوا في الوزارات والمصالح الحكومية المختلفة وذلك بالتطبيق للمادة 48 المشار إليها.
ولما كانت صلة المطعون عليه بوظيفته الأصلية كعضو نيابة إدارية قد انقطعت بصدور القرار الجمهوري رقم 1128 لسنة 1958 بإعادة تعيين أعضاء النيابة الإدارية وشغل وظيفته بغيره. والقانون إذ نص على أن تحتفظ من لم يشملهم التعيين بدرجاتهم ومرتباتهم بصفة شخصية لمدة أقصاها ستة أشهر يصدر خلالها قرار من رئيس الجمهورية بتعيينهم في وظائف عامة مماثلة لوظائفهم... بعد الاتفاق مع الجهات المختصة فإن مفاد ذلك أن القانون قد ضرب أجلاً للجهة الإدارية لتستعيد فيه سلطتها التقديرية في تعيين من لم يشملهم إعادة التعيين في النيابة الإدارية في وظائف مماثلة أي أن الأمر في هذا التعيين لا يزال المرد فيه إلى تقدير السلطة الإدارية، فإذا انقضى هذا الأجل ولم يصدر قرار بالتعيين قامت القرينة القانونية القاطعة على أن جهة الإدارة لم ترد تعيينه أو نقله إلى جهة حكومية أخرى وهذا يعد بمثابة قرار ضمني بعدم التعيين مفروض فيه قيامه على سببه الصحيح قانوناً إلى أن يثبت العكس والقانون إذا احتفظ للموظف الذي لم يشمله إعادة التعيين في النيابة الإدارية بدرجته ومرتبه بصفة شخصية إبان الفترة التي حددها لكي تعمل الجهة الإدارية سلطتها في التقدير من حيث التعيين أو عدمه... فذلك لأن الموظف في هذه الفترة يكون تحت تصرف السلطة العامة وكان من الجائز أن تصدر قراراً خلالها بتعيينه في وظيفة أخرى مماثلة وبالتالي فقد احتفظ له بدرجته ومرتبه إبانها فإذا انتهى الأجل المضروب فقد زالت كل صفة لهذا الموظف وانفصمت الرابطة القانونية التي كانت بينه وبين الحكومة بمقتضى القانون وليس بالقرار الإداري الصادر بإحالته إلى المعاش الذي لا يعدو أن يكون قراراً منفذاً لحكم القانون المشار إليه، فلا نصوص القانون ولا مذكرته التفسيرية يمكن أن تساير ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن تعيين من لم يشملهم قرار إعادة التعيين من أعضاء النيابة الإدارية في وظائف أخرى مماثلة إنما هو أمر وجوبي على جهة الإدارة إجراؤه إبان المدة المحدودة أو بعدها - ذلك أن النص قد خلا من الوجوب وكلمة "يصدر" لا تفيد هذا الوجوب ومما يوضح الأمر أن التعيين لا يكون إلا بعد الاتفاق مع الجهات الإدارية التي كان سيلحق بها الموظف ومن الجائز أن هذا الاتفاق قد يتم أولاً يتم وبذلك تنتفي صفة الوجوب عن الحكم الوارد في الفقرة الثانية من المادة 48 المذكورة.


إجراءات الطعن

في 18/ 7/ 1962 أودع السيد رئيس إدارة قضايا الحكومة بصفته المذكورة سكرتيرية هذه المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 30/ 5/ 1962 في الدعوى رقم 969 لسنة 14 القضائية المرفوعة من السيد/ أحمد مختار جاد ضد السيدين وزير الدولة لشئون النيابة الإدارية ومدير عام النيابة الإدارية والقاضي بإلغاء قرار الفصل المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الحكومة المصروفات ومبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة "وطلب السيد رئيس إدارة القضايا للأسباب التي أوردها في عريضة طعنه قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء أصلياً بعدم قبول الدعوى لزوال المصلحة واحتياطياً الحكم برفضها مع إلزام رافعها المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وقد أعلن الطعن لذوي الشأن ونظر أمام دائرة فحص الطعون فقررت إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا التي بعد أن سمعت ما رأت لزوم سماعه من إيضاحات أرجأت النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 969 لسنة 14 القضائية في 19/ 4/ 1960 يطلب فيها الحكم "بإلغاء القرار المطعون فيه رقم 4 الصادر في 6/ 12/ 1959 بإحالته إلى المعاش اعتباراً من 3/ 3/ 1960 على الرغم من بلوغه سن الإحالة في 17/ 7/ 1960 ونتيجة لذلك صرف مرتبه حتى تاريخ الإحالة الواجب قانوناً مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات والأتعاب". وقال في بيان ذلك أنه كان من بين أعضاء النيابة الإدارية إلى أن صدر القانون رقم 117 لسنة 1958 الخاص بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية في الإقليم المصري وقد أورد القانون المذكور في المادة (48) منه "يصدر خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ العمل بهذا القانون قرار رئيس الجمهورية بعد أخذ رأي مدير عام النيابة الإدارية بإعادة تعيين أعضاء النيابة الإدارية طبقاً للنظام الجديد - ويجوز أن يتم تعيين هؤلاء الأعضاء دون تقيد بأحكام المادة (33) من هذا القانون - أما الذين لا يشملهم القرار المشار إليه في الفقرة السابقة فيحتفظون بدرجاتهم ومرتباتهم الحالية بصفة شخصية لمدة أقصاها ستة أشهر يصدر خلالها قرار من رئيس الجمهورية بتعيينهم في وظائف عامة مماثلة لوظائفهم سواء أكانت إدارية أم فنية لا تقل من حيث الدرجة عن وظائفهم الحالية وذلك بعد الاتفاق مع الجهات المختصة". ومعنى ذلك أنه إما أن يقع الاختيار على عضو النيابة الإدارية وفقاً للتنظيم الجديد وإما أن لا يقع الاختيار ويكون مصير هذا العضو التعيين في وظيفة أخرى إدارية أو فنية مماثلة من حيث الدرجة، على أن يتم ذلك خلال مدة أقصاها ستة شهور تصرف خلالها المرتبات بصفة شخصية - ونظراً لقرب بلوغ المدعي سن الإحالة على المعاش إذ يبلغ سن الستين في 16/ 7/ 1959 لذلك رأت الجهة الإدارية أن لا داعي لإجهاد نفسها بشأنه وهو وشيك الإحالة إلى المعاش ولتحقق هدفها هذا أعرضت عن اختياره ضمن أعضاء النيابة الإدارية ثم عمدت إلى عدم تطبيق الفقرة الأخيرة من المادة (48) من القانون المذكور فلم يصدر قرار بتعيينه في وظيفة إدارية أو فنية مماثلة، وتذرعت الجهة الإدارية للوصول إلى ذلك بموقف سلبي يتمثل في الانتظار حتى فوات مدة الستة شهور المحددة كأقصى أجل لتوجيه عضو النيابة الذي لم يقع عليه الاختيار إلى وظيفة أخرى مماثلة ليكون ذلك في نظرها فصلاً، وتنفيذاً لذلك صدر القرار المطعون فيه بإحالة المدعي إلى المعاش اعتباراً من 3/ 3/ 1959 مع ضم المدة من هذا التاريخ حتى بلوغه سن المعاش الفعلي ضمن مدة خدمته وتسوية المعاش على أساس ذلك. وما أجرته الإدارة ينافي حكم القانون خصوصاً وأن الفصل له حدود ومبررات نص عليها فيه كما أن الإحالة على المعاش لها مدى زمني معروف وإذا كان من حق جهة الإدارة أن تتصرف في حدود ولايتها، فإن ذلك بشرط عدم المساس بالحقوق المكتسبة، فسلطتها مقيدة وليست مطلقة، والقرار المطعون فيه صدر غير مستند إلى قانون، ولو قيل بأن مجرد فوات الأجل المحدد بستة أشهر معناه من باب مفهوم المخالفة الفصل لكان ذلك وصفاً للجهة الإدارية بأنها خصم وحكم في ذات الوقت، كما أن الجهة الإدارية قد أساءت استعمال سلطتها بإصدار قرار الإحالة بشكل ملحوظ ففضلاً عن الإحالة إلى المعاش قبل بلوغ السن المقررة لها، كان يتعين على الجهة الإدارية أن لا تهدر الحق المكتسب للمدعي في صرف مرتبه حتى تاريخ بلوغه سن الإحالة إلى المعاش، وهذا هو المتبع في مثل هذه الحالات وقد درجت الجهة الإدارية على أن تعوض الموظف إذا ما رأت فصله أو إحالته إلى المعاش قبيل سن الستين ودون مبرر قانوني اللهم إلا رغبة الجهة الإدارية بدافع شخصي ولاعتبار لا دخل لإرادة الموظف فيه أن تستمر في منحه حقوقه القانونية، والظاهر أن الجهة الإدارية لم تر مبرراً لتحويل المدعي إلى وظيفة أخرى فنية أو إدارية، ثم بعد شهور معدودة يكون قد بلغ سن الإحالة إلى المعاش، وما فعلته يمس مراكز قانونية وحقوق مكتسبة للمدعي لا تملك الجهة الإدارية أن تعرض لها بالإهدار، ولا بد أن يكون تصرفها في حدود القوانين واللوائح - فليس معنى انقضاء الأجل المحدد في المادة (48) المشار إليها دون أن يصدر قرار تعيين من لم يقع عليه الاختيار في وظيفة مماثلة لا يعني ذلك فصل الموظف تلقائياً، بل لا بد أن يستند الفصل إلى أساس سليم من القانون، وإلا كان الأمر تحكماً من جهة الإدارة فيكفي أن تقف موقفاً سلبياً بأن تمتنع في إصدار قرار التعيين لفصل من تشاء ولو كان ذلك عن هوى دون سند من القانون وهذا غير متفق مع قانون أو منطق..."
وقد أجابت الجهة الإدارية المدعى عليها على الدعوى "بأن السيد المدعي كان يشغل وظيفة عضو نيابة إدارية من الدرجة الثالثة الفنية إلى أن صدر القانون رقم 117 لسنة 1958 ولم يشمله قرار السيد رئيس الجمهورية رقم 1128 لسنة 1958 الخاص بتعيين أعضاء النيابة الإدارية الذي صدر تنفيذاً للفقرة الأولى من المادة (48) من القانون سالف الذكر كما أنه لم يكن من بين الذين أعيد تعيينهم بالوزارات والمصالح الحكومية الأخرى بوظائف فنية أو إدارية مماثلة لدرجاتهم التي كانوا يشغلونها بالنيابة الإدارية تنفيذاً لما جاء بالفقرة الثانية من القانون المذكور - وقد رأت وزارة الخزانة إحالته إلى المعاش مع ضم مدة خدمته الباقية من 15/ 3/ 1959 تاريخ مضي ستة شهور من تاريخ نفاذ هذا القانون حتى 16/ 7/ 1959 تاريخ بلوغه سن الستين) إلى المعاش وقد صدر قرار السيد رئيس الجمهورية رقم 4 بإحالته إلى المعاش اعتباراً من 3/ 3/ 1959..."
وبتاريخ 30/ 5/ 1961 قضت محكمة القضاء الإداري (هيئة الفصل بغير الطريق التأديبي) "بإلغاء قرار الفصل المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة". وأقامت قضاءها على "أن الثابت من مفردات الدعوى أن المدعي من مواليد 17 من يوليه سنة 1899، ومن ثم فإنه يبلغ سن الإحالة إلى المعاش في 16 من يوليه سنة 1959 وليس في سنة 1960 كما جاء في صحيفة الدعوى... ويبين من مساق الوقائع أن الفصل في النزاع يتوقف على تحديد أثر المادة (48) من القانون رقم 117 لسنة 1958 والسابق الإشارة إليها، وقد فسرت المذكرة الإيضاحية للقانون المذكور ما قصده الشارع من حكم المادة (48) منه حيث قالت في الفقرة 3 عن أهم الأحكام العامة والأحكام الوقتية المترتبة على تنفيذ القانون ما نصه "بعد أن وفرت لأعضاء النيابة الإدارية الضمانات والإمكانيات التي تيسر لها السير في عملها رؤى أنه من المناسب إعادة تشكيلها على أن ينقل من لا يتناوله التشكيل الجديد إلى وظائف عامة أخرى وقصرت مدة إعادة التعيين حتى تستقر الأوضاع في هذه الهيئة في وقت قريب (48) وعلى مقتضى حكم هذه المادة كان يتعين نقل المدعي إلى وظيفة عامة أخرى طالما أنه لم يتم إعادة تعيينه في النيابة الإدارية عند إعادة تشكيلها طبقاً للقانون، وإصدار مثل هذا القرار بنقله يوجبه القانون الذي لم يتضمن نصاً يجيز للجهة الإدارية فصل المدعي لانتهاء الفترة المحددة في القانون لنقله إلى وظيفة عامة أخرى... والثابت من مذكرة مدير المستخدمين بتاريخ 11/ 5/ 1960 أن وزارة الخزانة رأت إحالة المدعي إلى المعاش مع ضم مدة خدمته السابقة من 15 مارس سنة 1959 (تاريخ مضي ستة أشهر من تاريخ نفاذ القانون رقم 117 لسنة 1958 لغاية 16/ 7/ 1959 تاريخ بلوغه سن الستين) إلى المعاش. وقد صدر قرار السيد رئيس الجمهورية رقم 4 بإحالته إلى المعاش اعتباراً من 3 من مارس سنة 1959، وظاهر من هذه المذكرة أن إحالة المدعي إلى المعاش لأنه لم يكن من بين من أعيد تعيينهم في النيابة الإدارية ولأنه لم ينقل إلى وظيفة أخرى خلال الأجل المحدد في المادة (48) من القانون.. وفصل المدعي من الخدمة اعتباراً من 3 من مارس سنة 1959 قد صدر بالمخالفة لقانون المعاشات المعامل به وقد ترتب على الفصل حرمان المدعي من مرتبه في المدة التالية على تاريخ فصله حتى تاريخ بلوغه سن الإحالة إلى المعاش، ومن ثم يكون من حقه اقتضاء الفرق بين مرتبه ومعاشه الذي وتقرر له عن مدة الفصل كأثر من آثار حكم هذه المحكمة بإلغاء قرار فصله المطعون فيه لمخالفته حكم القانون مع إلزام الحكومة المصروفات".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن المدعي بلغ الستين من عمره في 16/ 7/ 1959 أي أثناء السير في الدعوى وقبل صدور حكم فيها إذ صدر الحكم في 30/ 5/ 1962 ولما كان بلوغ المدعي سن الإحالة إلى المعاش بجعل مصلحته منعدمة في طلب إلغاء قرار إحالته إلى المعاش الصادر في 3/ 3/ 1959 فإنه كان يتعين الحكم بعدم قبول الدعوى لزوال المصلحة - ثانياً - لم يكن المدعي بين من أعيد تعيينهم في النيابة الإدارية بعد صدور القانون رقم 117 لسنة 1958 ولم يصدر قرار بتعيينه في وظيفة عامة إدارية أو فنية خلال ستة أشهر من تاريخ صدور ذلك القانون، ومن ثم فقد انقطعت صلة المدعي بالوظيفة وأصبح مفصولاً بنص القانون، إذ أنه ولم يعين في النيابة الإدارية، ومضت الستة أشهر التي كان يجوز خلالها تعيينه في وظيفة أخرى دون أن يتم تعيينه أصبح من الممتنع قانوناً تعيينه في أية وظيفة. ولما كانت المادة (48) تنص على أن من لم يتم تعيينهم في النيابة الإدارية "يحتفظون بدرجاتهم ومرتباتهم لمدة أقصاها ستة أشهر" فإن معنى هذا صراحة أنه بعد انقضاء هذه المدة إذا لم يتم التعيين في وظيفة أخرى، لا يعود للموظف الحق في الاحتفاظ بدرجته أو مرتبه، أي يعتبر مفصولاً من الخدمة طالما لم تصدر أداة جديدة يعين بمقتضاها في وظيفة عامة فنية أو إدارية، فقرار رئيس الجمهورية بإحالة المدعي إلى المعاش، لم يكن في واقع الأمر إلا تقريراً لأمر واقع فعلاً، دون أن ينشئ في حق المدعي أي مركز جديداً، إذ أن المدعي بمضي الستة أشهر المحددة في القانون أصبح معفى بنص القانون الذي لم يخوله الاحتفاظ بدرجته ومرتبه إلا هذه المدة فقط، وبالتالي يكون إلغاء قرار رئيس الجمهورية الصادر بإحالة المدعي إلى المعاش هو في حقيقته تعرض لنصوص القانون رقم 117 لسنة 1958 والتي أصبح المدعي مفصولاً من الخدمة بمضي الستة أشهر التالية لصدوره. وهذا التعيين أمر يخرج من اختصاص القضاء الإداري، هذا من ناحية - ومن ناحية أخرى، فإن المدعي، أصبح لا يشغل أية وظيفة في الدولة بعد مضي الستة أشهر المذكورة، لم يعد متصوراً أن يلغي قرار فصله، إذ أن هذا الإلغاء معناه عودته ليشغل وظيفة ما في الدولة في حين أنه بنص القانون المشار إليه لم يعد يشغل أية وظيفة بعد مضي تلك المهلة، وإلا كان معنى حكم الإلغاء هو صدور أمر بتعيين المدعي في إحدى الوظائف العامة وهو أمر يخرج عن اختصاص القضاء الإداري.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة قدمت مذكرة برأيها القانوني في الدعوى انتهت فيها إلى رفض الطعن لقيام المصلحة في الدعوى وهي تتمثل في الفرق بين مرتبه ومعاشه طوال المدة من 3/ 3/ 1959 إلى 16/ 7/ 1959 وهو ما لا يتأتى التوصل إليه إلا بإلغاء قرار إحالته إلى المعاش قبل بلوغه السن القانونية ومن ناحية الموضوع فإن المادة (48) من القانون رقم 117 لسنة 1958 لم تخول جهة الإدارة فصل الموظف أو إنهاء خدمته لا أثناء الستة أشهر التي يحتفظ فيها بدرجته ومرتبه بصفة شخصية، ولا بعد هذه المدة وإنما فرضت على جهة الإدارة، التزاماً بأن تعيينه في وظيفة عامة مماثلة لوظيفته من حيث الدرجة والمرتب وإذا انقضت مدة الستة أشهر فإن هذا الالتزام لا يسقط عن كاهل جهة الإدارة بل تظل ملزمة بأن تعينه في وظيفة مماثلة لوظيفته... وإذا كان النص قد قضى بأن يحتفظ لأمثال المطعون ضده بدرجاتهم ومرتباتهم بصفة شخصية لمدة أقصاها ستة أشهر يصدر خلالها قرار من رئيس الجمهورية بتعيينهم في وظائف مماثلة فإن نطاق أعمال هذا الحكم إنما يتحدد بالحكمة التي تغياها الشارع من تحديد هذه المدة وهي الإسراع في استقرار أوضاع الموظفين الذين لم يشملهم قرار إعادة التعيين... ولما كان الثابت أن إنهاء خدمة المطعون ضده لم يكن بسبب عدم صلاحيته للبقاء في الوظيفة العامة لعدم الرضاء عن عمله أو عدم إنتاجه أو رداءة صحيفة خدمته... وإنما كان بسبب فوات الستة الشهور دون صدور قرار بإلحاقه في أية وظيفة أخرى، فإنه على هدي ما سلف بيانه يكون القرار الصادر بإنهاء خدمة المطعون ضده قبل بلوغه سن الستين قد جاء مخالفاً للقانون.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن المطعون ضده حاصل على الليسانس في القوانين سنة 1923 وكان يعمل في وزارة العدل قبل نقله إلى النيابة الإدارية بقرار من رئيس مجلس الوزراء في 1/ 12/ 1954 اعتباراً من 15/ 12/ 1954 بوظيفة عضو نيابة إدارية ورقى إلى الدرجة الثالثة اعتباراً من 27/ 1/ 1958 - وبتاريخ 9/ 12/ 1959 صدر قرار من وزير الدولة بإحالة المطعون ضده والذي لم يشمله تشكيل النيابة الإدارية الجديد، إلى المعاش اعتباراً من 3/ 3/ 1959 وضم المدة القانونية بين هذا التاريخ إلى تاريخ بلوغه سن الإحالة إلى المعاش في 16/ 7/ 1959 ضمن مدة خدمته في المعاش وتسوية معاشه على هذا الأساس وذلك بالاستناد إلى القانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية بالإقليم المصري وإلى القوانين رقمي 37 لسنة 1929 و394 لسنة 1956 الخاصين بالمعاشات والقوانين المعدلة لهما وإلى قرار السيد رئيس الجمهورية رقم 2021 لسنة 1959 باعتماد القرارات التي اتخذتها لجنة المعاشات والمكافآت الاستثنائية بجلستها المنعقدة في 21/ 10/ 1959 والمتضمنة الموافقة على ضم المدة من 3/ 3/ 1959 إلى تاريخ بلوغ السيد أحمد مختار جاد (المطعون ضده) السن القانونية للإحالة إلى المعاش، وبالرجوع إلى المذكرة التي عرضت على لجنة المعاشات والمكافآت الاستثنائية في هذا الشأن يبين أن مبناها كان بصدور قرر السيد رئيس الجمهورية بالقانون رقم 117 لسنة 1958 الخاص بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية ونصت المادة (48) منه على أن يصدر خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ العمل بهذا القانون قرار من رئيس الجمهورية بعد أخذ رأي مدير عام النيابة الإدارية بإعادة تعيين أعضاء النيابة الإدارية طبقاً للنظام الجديد ويجوز أن يتم تعيين هؤلاء الأعضاء دون تقيد بأحكام المادة (33) من هذا القانون، أما الذين لا يشملهم القرار المشار إليه في الفقرة السابقة فيحتفظون بدرجاتهم الحالية بصفة شخصية لمدة أقصاها ستة أشهر يصدر خلالها قرار من السيد رئيس الجمهورية بتعيينهم في وظائف مماثلة وبما أن قرار رئيس الجمهورية الصادر تنفيذاً للفقرة الأولى من المادة المذكورة بإعادة تعيين أعضاء النيابة الإدارية والقرارات الجمهورية الصادرة تنفيذاً للفقرة الثالثة من المادة المذكورة لم تشمل السيد/ أحمد مختار جاد وقد انقضت الستة أشهر المشار إليها وبذلك اعتبر مفصولاً من الخدمة اعتباراً من 3/ 3/ 1959، وقد طلب السيد/ وزير الدولة إضافة المدة من 3/ 3/ 1959 إلى تاريخ بلوغه السن القانونية ضمن مدة خدمته في المعاش.
ومن حيث إنه على مقتضى ما تقدم فإن الوجه الأول من الطعن الخاص بعدم قبول الدعوى لانعدام المصلحة فيها ببلوغ المطعون عليه سن التقاعد بعد رفعها وبالتالي فلا جدوى من طلب إلغاء القرار الصادر بإحالته إلى المعاش - هذا الوجه مردود عليه بأن مصلحة المطعون عليه تتمثل في الفرق بين مرتبه ومعاشه من 3/ 3/ 1959 إلى 16/ 7/ 1959 وهذا ما لا يتأتى التوصل إليه إلا بإلغاء القرار الصادر بإحالته إلى المعاش قبل بلوغه السن القانونية، ومن ثم يكون هذا الوجه غير مستند إلى أساس صحيح من القانون.
ومن حيث إنه عن الوجه الثاني فمعناه أن الحكم المطعون فيه أخطأ في القانون ذلك أنه انتهى إلى أنه كان لزاماً على جهة الإدارة أن تنقل المطعون عليه إلى وظيفة أخرى مماثلة طبقاً للمادة (48) من القانون رقم 117 لسنة 1958 والذي لم يتضمن نصاً يجيز فصل المطعون عليه لانتهاء الفترة المحددة في هذا القانون لنقله إلى وظيفة عامة أخرى كما وأن فصل المطعون عليه من الخدمة اعتباراً من 3 مارس سنة 1959 قد صدر بالمخالفة لقانون المعاشات المعامل به.
ومن حيث إن المادة (48) من القانون رقم 117 لسنة 1958 تنص على أنه "يصدر خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ العمل بهذا القانون قرار من رئيس الجمهورية بعد أخذ رأي مدير عام النيابة الإدارية بإعادة تعيين أعضاء النيابة الإدارية طبقاً للنظام الجديد". ويجوز أن يتم تعيين هؤلاء دون تقيد بأحكام المادة (33) من هذا القانون "أما الذين لا يشملهم القرار المشار إليه في الفقرة السابقة فيحتفظون بدرجاتهم ومرتباتهم الحالية بصفة شخصية لمدة أقصاها ستة أشهر يصدر خلالها قرار من رئيس الجمهورية بتعيينهم في وظائف عامة مماثلة لوظائفهم سواء أكانت إدارية أم فنية لا تقل من حيث الدرجة عن درجات وظائفهم الحالية وذلك بعد الاتفاق مع الجهات المختصة".
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن المطعون عليه لم يكن من بين من أعيد تعيينهم أعضاء في النيابة الإدارية ولا من بين من عينوا في الوزارات والمصالح الحكومية المختلفة وذلك بالتطبيق للمادة (48) المشار إليها.
ومن حيث إن صلة المطعون عليه بوظيفته الأصلية كعضو نيابة إدارية قد انقطعت بصدور القرار الجمهوري رقم 1128 لسنة 1958 بإعادة تعيين أعضاء النيابة الإدارية وشغل وظيفته بغيره. والقانون إذ نص على أن "يحتفظ من لم يشملهم التعيين بدرجاتهم ومرتباتهم بصفة شخصية لمدة أقصاها ستة أشهر يصدر خلالها قرار من رئيس الجمهورية بتعيينهم في وظائف عامة مماثلة لوظائفهم... بعد الاتفاق مع الجهات المختصة" فإن مفاد ذلك أن القانون قد ضرب أجلاً للجهة الإدارية لتستعيد فيه سلطتها التقديرية في تعيين من لم يشملهم إعادة التعيين في النيابة الإدارية في وظائف مماثلة أي أن الأمر في هذا التعيين لا يزال المرد فيه إلى تقدير السلطة الإدارية، فإذا انقضي هذا الأجل ولم يصدر قرار بالتعيين قامت القرينة القانونية القاطعة على أن جهة الإدارة لم ترد تعيينه أو نقله إلى جهة حكومية أخرى وهذا يعد بمثابة قرار ضمني بعدم التعيين مفروض فيه قيامه على سببه الصحيح قانوناً إلى أن يثبت العكس والقانون إذ احتفظ للموظف الذي لم يشمله إعادة التعيين في النيابة الإدارية بدرجته ومرتبه بصفة شخصية إبان الفترة التي حددها لكي تعمل الجهة الإدارية سلطتها في التقدير من حيث التعيين أو عدمه.. فذلك لأن الموظف في هذه الفترة يكون تحت تصرف السلطة العامة وكان من الجائز أن تصدر قراراً خلالها بتعيينه في وظيفة أخرى مماثلة وبالتالي فقد احتفظ له بدرجته ومرتبه إبانها فإذا انتهى الأجل المضروب فقد زالت كل صفة لهذا الموظف وانفصمت الرابطة القانونية التي كانت بينه وبين الحكومة بمقتضى القانون وليس بالقرار الإداري الصادر بإحالته إلى المعاش الذي لا يعدو أن يكون قراراً منفذاً لحكم القانون المشار إليه، فلا نصوص القانون ولا مذكرته التفسيرية يمكن أن تساير ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن تعيين من لم يشملهم قرار إعادة التعيين من أعضاء النيابة الإدارية في وظائف أخرى مماثلة إنما هو أمر وجوبي على جهة الإدارة إجراؤه إبان المدة المحددة أو بعدها - ذلك أن النص قد خلا من الوجوب وكلمة "يصدر" لا تفيد هذا الوجوب ومما يوضح الأمر أن التعيين لا يكون إلا بعد الاتفاق مع الجهات الإدارية التي كان سيلحق بها الموظف ومن الجائز أن هذا الاتفاق قد يتم أو لا يتم وبذلك تنتفي صفة الوجوب عن الحكم الوارد في الفقرة الثانية من المادة (48) المذكورة.
ومن حيث إنه على ضوء ما قد سلف بيانه فالمطعون ضده كان من موظفي النيابة الإدارية وعضواً فيها قبل صدور القانون رقم 117 لسنة 1958 ولم يشمله قرار إعادة التعيين كعضو في النيابة الإدارية كما وأنه لم يصدر قرار بإلحاقه في وظيفة أخرى مماثلة في الأجل الذي حدده هذا القانون في الفقرة الثانية من المادة (48) منه وبذلك فقد أنهت الجهة الإدارية خدمته في الحكومة اعتباراً من 3/ 3/ 1959 تاريخ انقضاء الستة شهور التي كان جائزاً تعيينه خلالها في وظيفة عامة أخرى إذ اعتبرت علاقته بها قد انتهت في هذا التاريخ بحكم القانون وقد رأت أن تضم له المدة من 3/ 3/ 1959 حتى بلوغه سن التقاعد في تسوية معاشه بصفة استثنائية لأنه في هذه الفترة لم يكن موظفاً في الحكومة، ومن ثم لا يكون فيما اتخذته جهة الإدارة حيال المطعون ضده أية مخالفة للقانون وبالتالي يكون القرار المطعون فيه بمنأى عن الطعن.
ومن حيث إنه لذلك، ولما كان كل ما تقدم، فإن الطعن يكون قائماً على أساس سليم من القانون، ويكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه، فيتعين إلغاؤه والقضاء برفض دعوى المطعون ضده وإلزامه المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.

الأحد، 14 يناير 2024

الطعن 2517 لسنة 59 ق جلسة 23 / 10 / 1989 مكتب فني 40 ق 133 ص 797

جلسة 23 من أكتوبر سنة 1989

برئاسة السيد المستشار/ نجاح نصار نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ مصطفى طاهر ومقبل شاكر نائبي رئيس المحكمة ومجدي الجندي وفتحي الصباغ.

--------------

(133)
الطعن رقم 2517 لسنة 59 القضائية

(1) إثبات "شهود". حكم "ما لا يعيبه" "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
إحالة الحكم في إيراد أقوال الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر. لا يعيبه. ما دامت متفقة مع ما استند إليه الحكم منها.
اختلاف أقوال شهود الإثبات في بعض تفاصيلها. لا يقدح في سلامه الحكم. شرط ذلك؟.
(2) سبق إصرار. إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
سبق الإصرار. ماهيته؟.
العبرة في سبق الإصرار ليست بمضي الزمن لذاته. وإنما بما يقع بين التصميم على الجريمة ووقوعها من تفكير وتدبير. ما دام الجاني انتهى بتفكيره إلى خطة معينة رسمها لنفسه قبل تنفيذها. المنازعة في ذلك أمام النقض. غير جائزة.
(3) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". سبق إصرار. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الخطأ في الإسناد. لا يعيب الحكم. طالما لم يتناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة.
(4) فاعل أصلي. شريك. مسئولية جنائية. سبق إصرار. اتفاق. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
مجرد إثبات سبق الإصرار على المتهمين. يلزم عنه الاشتراك بالاتفاق لمن لم يقارف بنفسه الجريمة من المصرين عليها.
عدم التزم المحكمة ببيان وقائع خاصة لإثبات الاتفاق غير ما يثبته مما يعتبر سبق إصرار.
إثبات الحكم تصميم المتهمين على ضرب المجني عليه الأول بما يرتب تضامناً في المسئولية. كفايته لمؤاخذة الطاعنين بوصفهما فاعلين أصليين - سواء كان الفعل الذي قارفه محدداً بالذات أم غير محدد. وبصرف النظر عن مساهمة هذا الفعل في النتيجة.
(5) ظروف مشددة. طعن "المصلحة في الطعن". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
سبق الإصرار. حكمه في تشديد العقوبة كحكم الترصد. لا جدوى من التمسك بتخلف أحدهما.

------
1 - من المقرر أنه لا يعيب الحكم أن يحيل في إيراد أقوال الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت متفقة مع ما استند إليه الحكم منها ولا يقدح في سلامة الحكم - على فرض صحة ما يثيره الطاعنان - عدم اتفاق أقوال شاهدي الإثبات في بعض تفاصيلها ما دام الثابت أنه حصل تلك الأقوال بما لا تناقض فيه ولم يورد تلك التفصيلات أو يركن إليها في تكوين عقيدته.
2 - من المقرر أن سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني قد لا يكون لها في الخارج أثر محسوس يدل عليها مباشرة وإنما هي تستفاد من وقائع وظروف خارجية يستخلصها القاضي منها استخلاصاً ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج، وليست العبرة في توافر ظرف سبق الإصرار بمضي الزمن لذاته بين التصميم على الجريمة ووقوعها - طال هذا الزمن أو قصر - بل العبرة هي بما يقع في ذلك الزمن من التفكير والتدبير، فما دام الجاني انتهى بتفكيره إلى خطة معينة رسمها لنفسه قبل تنفيذ الجريمة كان ظرف سبق الإصرار متوافراً ولا يقبل المنازعة فيه أمام محكمة النقض.
3 - من المقرر أن الخطأ في الإسناد لا يعيب الحكم إلا إذا تناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة.
4 - من المقرر أن مجرد إثبات سبق الإصرار على المتهمين يلزم عنه الاشتراك بالاتفاق بالنسبة لمن لم يقارف بنفسه الجريمة من المصرين عليها، وليست المحكمة ملزمة ببيان وقائع خاصة لإفادة الاتفاق غير ما تبينه من الوقائع المقيدة لسبق الإصرار، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت تصميم المتهمين على ضرب المجني عليه الأول بما يرتب تضامناً بينهما في المسئولية، يستوي في ذلك أن يكون الفعل الذي قارفه كل منهما محدداً بالذات أو غير محدد، وبصرف النظر عن مدى مساهمة هذا الفعل في النتيجة المترتبة عليه، فإن الحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى مؤاخذة الطاعنين بوصفهما فاعلين أصليين في جريمة الضرب المفضي إلى الموت التي وقعت تنفيذاً لذلك التصميم لا يكون قد أخطأ في شيء.
5 - من المقرر أن حكم ظرف سبق الإصرار في تشديد العقوبة كحكم ظرف الترصد وإثبات توافر أحدهما يغني عن إثبات توافر الآخر، فإنه لا يكون للطاعنين مصلحة فيما أثاراه من تخلف ظرف الترصد.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما قتلا....... عمداً مع سبق الإصرار والترصد بأن بيتا النية على قتله وأعدا لهذا الغرض آلات حادة "سكينتين" وكمنا له في الطريق الذي أيقنا مروره فيه وما أن ظفرا به حتى انهال عليه الأول طعنا بسكينة على رأسه وفي ظهره قاصداً من ذلك إزهاق روحه فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته وقد اقترنت هذه الجناية بجناية أخرى هي أنهما في الزمان والمكان سالفي الذكر شرعا في قتل........ عمداً مع سبق الإصرار والترصد بأن طعنه المتهم الثاني بآلة حادة "سكين" قاصداً من ذلك إزهاق روحه فأحدث به الإصابات المبينة بالتقرير الطبي المرفق وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه هو مداركة المجني عليه بالعلاج وأحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. وادعى ابن المجني عليه الأول وشقيق المجني عليه الثاني مدنياً قبل المتهمين بمبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات طنطا قضت حضورياً عملاً بالمادتين 236، 241 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم الأول بالأشغال الشاقة سبع سنوات ومعاقبة المتهم الثاني بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات وإلزامهما متضامنين بأن يؤديا للمدعي بالحق المدني مبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت وذلك باعتبار أن التهمة الأولى ضرب أفضى إلى موت والثانية ضرب بسيط.
فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعنين ينعيان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما بجريمتي الضرب المفضي إلى الموت والضرب البسيط مع سبق الإصرار والترصد قد شابه قصور في التسبيب وخطأ الإسناد ذلك بأن أحال في بيان أقوال الشاهد الثاني إلى ما أورده من أقوال الشاهد الأول رغم تناقضهما بشأن مكان وجود المتهمين حال تعديهما على المجني عليهما، واستخلصت المحكمة ظرف سبق الإصرار بما لا ينتجه وبما يخالف الثابت في الأوراق إذ أورد الحكم أن تحريات الشرطة تضمنت أن مشادة بين الطرفين حدثت عصر يوم الحادث رغم أن التحريات جاء بها أن المشاجرة حدثت في الصباح، كما ذهب الحكم إلى القول بأن الطاعن الثاني انصرف من الحقل قبل الحادث بنحو أربع ساعات رغم ما قرره الشاهد الأول أن الطاعنين انصرفا من الحقل قبل انصراف المجني عليهما بنصف ساعة بما يدل على أنهما كانا يعملان بالحقل ومن ثم تنتفي لديهما نية الانتقام، ولم يستظهر الحكم توافر الاتفاق بين الطاعنين وعول في إثبات توافر ظرف الترصد إلى ما أسنده إلى الشاهد..... من أن الطاعنين كانا يختبئان خلف سور رغم أنه قرر أن الطاعن الأول أطل على المجني عليها من جانب ساقيته دون أن تستظهر المحكمة ما إذا كانت هذه الساقية تحول دون رؤية من يكمن خلفها، وكل ذلك يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة الضرب المفضي إلى الموت مع سبق الإصرار والترصد التي دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها في حقهما أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها مستمدة من أقوال الشهود وتقرير الصفة التشريحية وما جاء بتحريات الشرطة. لما كان ذلك وكان لا يعيب الحكم أن يحيل في إيراد أقوال الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت متفقة مع ما استند إليه الحكم منها ولا يقدح في سلامة الحكم - على فرض صحة ما يثيره الطاعنان - عدم اتفاق أقوال شاهدي الإثبات في بعض تفاصيلها ما دام الثابت أنه حصل تلك الأقوال بما لا تناقض فيه ولم يورد تلك التفصيلات أو يركن إليها في تكوين عقيدته. ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني قد لا يكون لها في الخارج أثر محسوس يدل عليها مباشرة وإنما هي تستفاد من وقائع وظروف خارجية يستخلصها القاضي منها استخلاصاً ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج، وليست العبرة في توافر ظرف سبق الإصرار بمضي الزمن لذاته بين التصميم على الجريمة ووقوعها - طال هذا الزمن أو قصر - بل العبرة هي بما يقع في ذلك الزمن من التفكير والتدبير، فما دام الجاني انتهى بتفكيره إلى خطة معينة رسمها لنفسه قبل تنفيذ الجريمة كان ظرف سبق الإصرار متوافراً ولا يقبل المنازعة فيه أمام محكمة النقض، وكان الحكم قد استظهر توافر سبق الإصرار لدى الطاعنين في قوله بأنه "متوافر قبل المتهمين على عنصرين النفسي والزمني وذلك مما يثبت بالأوراق من سابقة تشاجر المجني عليهما مع المتهم الثاني قبل الحادث بحوالي أربع ساعات وانصرافه مهموماً بالرغبة في الانتقام لنفسه بسبب ما لحقه من إهانة. ثم تربصه والمتهم الأول باتفاق بينهما على ضرب المجني عليهما وكمونهما في طريق عودتهما والتعدي عليهما بالصور السالف بيانها". وكان المستفاد مما أورده الحكم أنه استظهر أن المشاجرة السابقة التي نشبت بين المجني عليهما والطاعن الثاني ولدت في نفس الطاعنين أمراً دفعهما إلى ارتكاب الجريمة بعد اتفاق وتربص بما يتضمنه ذلك من تفكير وتدبير ورسم خطة التنفيذ فإن استخلاصه لظرف سبق الإصرار يكون سليماً وصحيحاً في القانون. ولما كان من المقرر أن الخطأ في الإسناد لا يعيب الحكم إلا إذا تناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة وفيما استخلصته من نتيجة فإن خطأ الحكم بخصوص وقت المشاجرة التي سبقت وقوع الحادث أخذاً بما جاء في تحريات الشرطة - كما يذهب الطاعن - فهو بفرض صحته كان وقتاً أطول مما حدده الحكم وهو في كلا الحالين كاف لكي يمعن الطاعنان فكرهما وتدبيرهما في هدوء وروية قبل أن يقدما على ارتكاب جريمتهما. ومن ثم يكون النعي على الحكم في هذا الصدد غير قويم. لما كان ذلك، وكان ما ذهب إليه الطاعنان من خطأ الحكم في تحديد وقت انصراف الطاعن الثاني من الحقل قبل الحادث لا أساس له إذ لم يرد بالحكم تحديد لهذا الأمر، فإن منعى الطاعنين في هذا الخصوص لا يكون صحيحاً لما كان ذلك، وكان من المقرر أن مجرد إثبات سبق الإصرار على المتهمين يلزم عنه الاشتراك بالاتفاق بالنسبة لمن لم يقارف بنفسه الجريمة من المصرين عليها، وليست المحكمة ملزمة ببيان وقائع خاصة لإفادة الاتفاق غير ما تبينه من الوقائع المقيدة لسبق الإصرار، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت تصميم المتهمين على ضرب المجني عليه الأول بما يرتب تضامناً بينهما في المسئولية، يستوي في ذلك أن يكون الفعل الذي قارفه كل منهما محدداً بالذات أو غير محدد، وبصرف النظر عن مدى مساهمة هذا الفعل في النتيجة المترتبة عليه، فإن الحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى مؤاخذة الطاعنين بوصفهما فاعلين أصليين في جريمة الضرب المفضي إلى الموت التي وقعت تنفيذاً لذلك التصميم لا يكون قد أخطأ في شيء. لما كان ما تقدم، وكان حكم ظرف سبق الإصرار في تشديد العقوبة كحكم ظرف الترصد وإثبات توافر أحدهما يغني عن إثبات توافر الآخر، فإنه لا يكون للطاعنين مصلحة فيما أثاراه من تخلف ظرف الترصد. ومن ثم يكون الطعن برمته على غير أساس. متعيناً رفضه موضوعاً.

الطعن 924 لسنة 8 ق جلسة 11 / 5 / 1963 إدارية عليا مكتب فني 8 ج 3 ق 110 ص 1172

جلسة 11 من مايو 1963

برئاسة السيد/ الإمام الإمام الخريبي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة مصطفى كامل إسماعيل وحسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح ومحمد مختار العزبي المستشارين.

-------------

(110)

القضية رقم 924 لسنة 8 القضائية

موظف - تأديب 

- انطواء الفعل المنسوب إلى الموظف على إخلال خطير بواجبات الوظيفة يفقده الصلاحية للبقاء فيها دون نظر إلى ضآلة قيمة الشيء المنسوب إليه اختلاسه أو العبث به - أساس ذلك: تعلق ما ارتكبه بالذمة والأمانة وهما صفتان لا غنى عنهما للموظف - لا يغير من ذلك إحالة النيابة العامة الأمر إلى الجهة الإدارية رغم ثبوت التهمة اكتفاء الجزاء الإداري.

----------------
إذا كان الثابت أن الواقعة التي استظهرها الحكم المطعون فيه ونسبها إلى الطاعن تنطوي على إخلال خطير بواجبات الوظيفة إذ تتعلق بالذمة والأمانة وهما صفتان لا غنى عنهما في الموظف العامل فإذا افتقدهما أصبح غير صالح للبقاء في الوظيفة مهما تضاءلت قيمة الشيء المنسوب إليه اختلاسه أو العبث به، وهنا قد يختلف الأمر بالنسبة للعقوبة الجنائية أو النظرة الجنائية للموضوع عنه في مجال توقيع العقوبات الإدارية، وهذا ما حدا بالنيابة العامة مع ثبوت التهمة ضد هذا المتهم إلى أن تحيل الأمر إلى الجهة الإدارية اكتفاء منها بالجزاء الإداري بدلاً من محاكمته جنائياً.


إجراءات الطعن

في 25 من مارس سنة 1962 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة - بناء على طلب السيد/ زكي حسن وقاد - سكرتيرية هذه المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لوزارة المواصلات بجلسة 8 من فبراير سنة 1962 في الدعوى التأديبية رقم 11 لسنة 4 القضائية المقامة من النيابة الإدارية ضد الطاعن وآخر والقاضي "بعزل الطالب من وظيفته مع حفظ حقه فيما قد يستحقه من معاش أو مكافأة.." وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين "قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعن المصروفات".
وقد أعلن هذا الطعن لذوي الشأن، ثم نظر أمام دائرة فحص الطعون فقررت إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا التي بعد أن سمعت ما رأت لزوم سماعه من إيضاحات قررت إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن النيابة الإدارية أقامت الدعوى التأديبية ضد الطاعن السيد/ زكي حسن وقاد وآخر نسبت إليه فيها أنه بصفته فراشاً وخفيراً لمكتب بريد أبنوب أولاً: اشترك مع المتهم الأول في استعمال طوابع بريدية سبق استعمالها في التخليص على بعض الخطابات المسجلة والطرود الصادرة من مكتب بريد أبنوب يقصد الاستيلاء على قيمتها بدون وجه حق - ثانياً: أثبت بالدفتر (10) ث تسليم السجل رقم 406 إلى المرسل منه على خلاف الحقيقة - ثالثاً - استولى على أدوات مصلحية ورد ذكرها في الأوراق واحتفظ بها في منزله. "وطلبت النيابة الإدارية محاكمتهما طبقاً للمواد 73 و82 م و83 من القانون رقم 210 لسنة 1951 والقوانين المعدلة له والمادة (31) من القانون رقم 117 لسنة 1958، والمواد 44 و45 و47 من القرار الجمهوري 2191/ 1959 بشأن نظام موظفي هيئة بريد مصر والمادة (1) من القرار 634 لسنة 1960 بشأن قواعد تأديب عمال اليومية الحكوميين. وأرفقت النيابة الإدارية مذكرة بقرار الاتهام يبين منها أن الطاعن قد تولى أعمال الشباك بوصفه قائماً بعمل الفراز لمدة تسعة أيام من بينها التخليص على السجل رقم 406 الذي يحمل مظروفه طوابع سبق استعمالها كما ثبت وجود توقيع بالدفتر (10) ث منسوب إلى المرسل منه المدعوة أم كلثوم اتضح عدم صحته باعتراف الأخيرة كذلك ثبت أن الطاعن هو الذي أجرى التخليص على كل من المسجلين رقمي 317 و329 بتاريخ 13/ 8/ 1960 استناداً إلى ما ثبت من غياب الفراز (المتهم الآخر) عن المكتب في اليوم المذكور وإلى ما أجمع عليه المختصون ممن سئلوا بأن المسئول عن التخليص هو الذي يتولى تحرير الإيصالات طبقاً للتعليمات... وقد عثر في منزل الطاعن بمحضر التفتيش والضبط المؤرخ في 21/ 9/ 1960 على طوابع من فئة 35 و10 مليمات سبق استعمالها وعلى ثلاث لفات من الدوبارة ملفوفة بطريقة تتميز بها هيئة البريد.
قدم الطاعن مذكرة برده على التهمة المنسوبة إليه جاء فيها أن وكيل المكتب، كان يكلفه من حين لآخر بمساعدة فراز المكتب (المتهم الآخر) في أعمال التسجيل فكان يقوم بتحرير إيصالات التسجيل.. وحدث أثناء تفتيش مكتب بريد أبنوب أن وجد بأعمال المكتب عدة مخالفات إدارية ووجه إليه وإلى زميله الفراز تهمة الاشتراك في استعمال طوابع سبق استعمالها في التخليص على الخطابات المسجلة - وقد قامت النيابة بتفتيش منزل الطاعن فوجدت به بعض طوابع مستعملة مختلفة القيمة بعضها للجمهورية العربية المتحدة وبعضها الآخر لدول أجنبية وكلها عبارة عن طوابع تذكارية أو طوابع تمثل مجموعة البريد... وثابت من وقائع الدعوى أن أعمال التخليص على الخطابات المسجلة ليست من اختصاص الطاعن إذ أنه يعمل فراشاً بالمكتب وعندما كان يكلفه وكيل المكتب بالمساعدة في أعمال التسجيل كان يقوم فقط باستخراج الإيصالات الخاصة بها ويترك التخليص عليها للفراز المختص فالطوابع عهدة لديه وهو المختص بلصقها، وهذا ثابت من التعليمات المصلحية ومن أقوال السيد/ محمد حسن عبد الرحمن الذي قرر في محضر تحقيق النيابة الإدارية "بأنه إذا فرض وساعد الفراش في استخراج الإيصالات فالمعروف أن يقدم الفراش الخطابات والنقدية للفراز لأن الأول ليس لديه عهدة طوابع - وقرر أيضاً السيد وكيل مكتب البريد في محضر تحقيق النيابة الإدارية بأنه كان يكلف الطاعن بالمساعدة في أعمال الفراز من تحرير إيصالات التسجيل وفرز الخطابات... والثابت من وقائع الدعوى ومن محاضر التفتيش أنه لم يعثر مع الطاعن على طوابع والطوابع التي عثر عليها تخص شقيقه الذي يقيم معه ومع والده في مسكن مشترك. وقد أقر الشقيق بذلك في محضر التحقيق... والسير العادي للأمور والمنطق يستوجبان حتى يتمكن الشخص من استعمال طوابع سبق استعمالها أن يوجد مثل هذه الطوابع معه أو في محل عمله أما أن توجد بمنزله - مع التسليم - جدلاً بملكيته لها - فكيف يتسنى له استعمالها في المكتب وهي بعيدة عن متناول يده، ومما يؤكد أن حيازة الطوابع المضبوطة كانت حيازة هواية أنها طوابع تذكارية لبلاد مختلفة غير الجمهورية العربية المتحدة... أما بالنسبة للاتهام التالي وهو استيلاء الطاعن على أدوات مصلحية عبارة عن ثلاث بكرات من الدوبارة المستعمل في مكاتب البريد، فالثابت من التحقيق أن الدوبار الذي وجد بمنزل والد الطاعن هو ملك والده اشتراه بفواتير وله مثيل في السوق وليس خاصاً بهيئة البريد، وقد جاء بأقوال السيد وكيل مكتب بريد أبنوب أنه لم يلاحظ وجود أي تصرف في كرات الدوبارة عهدة المكتب طوال مدة عمله".
وبتاريخ 8 من فبراير سنة 1962 قضت المحكمة التأديبية المذكورة: "ببراءة المتهم الأول (عبد المنعم ميخائيل عبد المسيح المسيرى) من التهمة الأولى وإدانته في التهمة الثانية ومجازاته عنها بخصم خمسة أيام من راتبه - وبإدانة المتهم الثاني (الطاعن) في جميع التهم الموجهة إليه ومجازاته عنها بالعزل من وظيفته مع حفظ حقه فيما قد يستحقه من معاش أو مكافأة..." بانية حكمها بالنسبة للطاعن على أنه هو الذي أجرى التخليص على المسجلين رقمي 317 و329 بتاريخ 13/ 8/ 1960 استناداً إلى ما ثبت من غياب الفراز عن المكتب في هذا اليوم كما ثبت أيضاً أنه أجرى التخليص على الطرد برقم 26 المرسل إلى منفلوط وثبت أيضاً أن هذا المتهم تولى أعمال الشباك بوصفه قائماً بعمل الفراز بالمكتب في سنة 1959 وقام بالتخليص على المسجل رقم 604 في 8/ 10/ 1959 والذي يحمل مظروفه طابع بريد بمبلغ 35 مليمات سبق استعماله وثبت وجود توقيع بالدفتر 10 ث منسوب إلى المرسل منه المدعوة أم كلثوم التي نكرت توقيعها عليه بما يفيد إعادة المسجل إليها، وهذه الواقعة تنطوي على جريمتين، وهما التخليص على الخطاب بطابع مستعمل ثم حصول المتهم على المسجل والتوقيع بذلك بإمضاء مزور... بتفتيش منزل هذا المتهم عثر فيه على طوابع من فئة 35 و10 مليمات سبق استعمالها كما عثر فيه على ثلاث كرات دوبارة ملفوفة بطريقة تتميز بها هيئة البريد وقد قرر في محضر التفتيش والضبط المؤرخ 21/ 9/ 1960 أنه استحضر هذه اللفات من مكتب بريد أبنوب بإذن من وكيل المكتب لاستعمالها في شئونه الخاصة... وبسؤال المتهم عن هذه الموضوعات نفى الاتهام المنسوب إليه بدعوى أنه لا يختص أصلاً بالتخليص والمسئول عن ذلك هو الفراز (المتهم الأول)، وأن دوره في التسجيل أو الطرود كان لا يجاوز تحرير الإيصالات تنفيذاً للأمر الصادر إليه من وكيل المكتب بالمعاونة في أعمال الشباك، وأن عمله بالنسبة للمسجلين رقمي 317 و329 وحافظة الطرد رقم 26 كان قاصراً على تحرير الإيصالات ثم سلمها إلى الفراز (المتهم الأول) للصق الطوابع عليها بالاشتراك مع الوكيل ودلل على ذلك بوجود ختم المكتب عهدة الوكيل على حافظة الطرد - ونفى أيضاً علمه بأمر الطوابع المستعملة على المسجل رقم 604 قسيمة 8/ 10/ 1959 أو بالتوقيع المنسوب إلى المرسل منه. وقال عن الطوابع التي وجدت بمنزله أنها تخص أخيه وعن الدوبارة أنها تخص والده وكلاهما قد عجز عن إثبات مصدر ملكيته الأمر الذي يقلل من شهادتهما لصالح الفراش المتهم ويدعو المحكمة إلى استبعادها... وقد أجمع كل من سئل من المختصين بالمنطقة أن المسئول عن التخليص هو الذي يتولى تحرير الإيصالات طبقاً للتعليمات... ومن ثم فإنه يخلص من كل ما تقدم أن المتهم (الطاعن) هو الذي وضع الطوابع السابق استعمالها على الخطابات المسجلة وعلى حافظة الطرد وهي تصرفات في منتهى الخطورة وعدم الأمانة... وقد نفى وكيل المكتب علمه بأي شيء من هذا بدعوى أنه كان مشغولاً بأعمال الخزينة ولم يستبعد تعاون الفراش والفراز وتلاعبهما بدليل قيام الفراش (المتهم الطاعن) بالاستيلاء على ختم الخزينة وختم حافظة الطرد رقم 26 به للإيهام بعرضه على الوكيل على غير الحقيقة... هذه الاتهامات عرضت على النيابة العامة التي قررت أنه وإن كانت الواقعة تتضمن جناية اختلاس إلا أنه حرصا على مستقبل المتهمين حتى تكون أمامهم فرصة أخيرة لعلهم يسلكون السبيل المستقيم مما يدعو المجتمع إلى التغاضي عن حقه في محاكمتهم جنائياً جزء ما قدمت يداهم والاكتفاء بمحاكمتهم إدارياً.
ومن حيث إن المتهم زكي حسن وقاد الذي قضى بفصله من الخدمة قدم طلباً إلى هيئة المفوضين في 15/ 3/ 1962 للطعن في هذا الحكم لمجانبته الصواب بالتطبيق لنص المادة (32) من القانون رقم 117 لسنة 1958 وتنفيذاً لحكم القانون - والطعن في هذه الحالة وجوبي - قامت هيئة المفوضين بالتقرير بالطعن على النحو السالف الإشارة إليه ثم قدمت الهيئة المذكورة مذكرة برأيها القانوني في هذا الطعن انتهت فيها إلى قبوله شكلاً ورفضه موضوعاً تأسيساً على أن ما نسب إلى الطاعن قد ثبت في حقه ثبوتاً كافياً فهو الذي أجرى التخليص على المسجلين رقمي 317 و329 بتاريخ 13/ 8/ 1960 وكذلك على الطرد رقم 26 المرسل إلى منفلوط واستعمل في ذلك طوابع بريد سبق استعمالها كما ثبت أن الطاعن هو الذي قام بالتخليص على المسجل رقم 604 بتاريخ 8/ 10/ 1959 ووضع عليه أيضاً طابع بريد سبق استعماله وهو الذي أثبت إعادة هذا المسجل إلى المرسل منه بالدفتر (10) ث ثم ثبت عدم صحة هذه الواقعة إذ ثبت أن التوقيع الموجود بالسجل والمنسوب إلى المرسل منه ليس توقيعه وإنما هو توقيع مزور، وهذا إلى أنه عند تفتيش الطاعن عثر على بعض الطوابع المستعملة والتي لم يستطع أن يعلل سبب احتفاظه بها في منزله بعلة مقبولة كما عثر في منزله على كرات دوبار من متعلقات المصلحة... وهذه التصرفات واضحة الدلالة على انحراف الطاعن انحرافاً شديداً عن مقتضى الأمانة الواجبة لأعمال الوظيفة العامة الأمر الذي يفقده شرط الصلاحية للبقاء فيها... وطالما أن الأمور التي نسبت إلى الطاعن جاءت مستندة إلى وقائع صحيحة لها أصل ثابت في الأوراق وقد كيفتها المحكمة تكييفاً سليماً واستخلصت نتيجة سائغة تبرر اقتناعها الذي بنت عليه قضاءها وأوقعت لذلك الجزاء المناسب، فلا سبيل إلى أعمال الرقابة على ما كونت منه عقيدتها واقتناعها فيما انتهت إليه..."
ومن حيث إنه يخلص مما تقدم أن الطعن الحالي إنما ينصب فقط على الشطر من الحكم المطعون فيه الخاص بالطاعن، وعلى النحو السالف بيانه فقد قام هذا الحكم على أن هذا المتهم هو الذي وضع الطوابع السابق استعمالها على الخطابات المسجلة وعلى حافظة الطرد رقم 26 المرسل إلى منفلوط...
ومن حيث إنه يبين من الوقائع السالفة الذكر ومن الأوراق المودعة ملف الطعن أن المحررات التي تحمل الطوابع السابق استعمالها قد تم تسلمها وتسجيلها في وقت كان المتهم الطاعن هو القائم بأعمال الشباك نيابة عن الفراز المختص أصلاً بهذه الأعمال، وقد جاء في قرار اللجنة التي شكلت لفحص أعمال المكتب أن الوكيل قد أهمل إهمالاً جسيماً في عمله وأن الفراز استلم المسجلين 317 و329 من المتهم الطاعن بعد عودته من المأمورية المكلف بها بعد ظهر يوم 13/ 8/ 1960 دون مراجعة، وأن الفراش (المتهم الطاعن) هو الذي استلم المسجلين المشار إليهما وخلص على كل منهما برسوم قدرها 55 مليم في 13/ 8/ 1960 كما ثبت أيضاً أن هذا المتهم هو الذي استلم الطرد رقم 26 الصادر من أبنوب إلى منفلوط في 18/ 7/ 1960 وخلص على المحافظة بقيمة الرسوم المقررة بطوابع قدرها 65 مليماً منها ما قيمته طابع فئة 30 مليماً سبق استعماله ثم ختم الطوابع خلسة بخاتم الوكيل، وقد تبين كذلك أن المتهم المذكور استولى على المسجل الخاص بسيده تدعى أم كلثوم وموقع باسمها بأنها استلمته وخلص عليه بطوابع بريد فئة 35 مليماً، واتضح للجنة أن هذا المتهم كان يقوم بأعمال الفراز من تسجيل صادر ووارد وطرود فكلها بخطه وكان يقحم نفسه ويفرض شخصيته ليقوم بأعمال خارجة عن مهام وظيفته بسوء نية وبقصد العبث والتلاعب... وبسؤال المتهم الطاعن ومواجهته بما ظهر اعترف صراحة بأنه كان يقوم فعلاً بعمل الفراز في حالة غيابه وبمساعدته أثناء وجوده وأن عمله في ذلك كان قاصراً على استخراج الإيصالات فلم يكن من شأنه لصق الطوابع أو التخليص إذ هو من اختصاص الفراز أو الوكيل.
ومن حيث إن التحقيق الإداري وتحقيق النيابة العامة وما أدلى فيهما من أقوال على الوجه المفصل فيهما وما انتهى إليه الرأي في كليهما من مساءلة هذا المتهم عن العبث الذي وقع في المحررات المشار إليها، كذلك ما أسفر عنه محضر الضبط والتفتيش عن وجود طوابع بريدية مستعملة وبكر من الدوبار في منزل الطاعن واعترافه فيه بأن الدوبار من متعلقات المصلحة وأنه أخذه بإذن من وكيل المكتب لاستعماله الشخصي، وإنكار هذا الوكيل ما ادعاه المتهم المذكور وما ثبت أن العبث قد وقع في وقت انفراد فيه هذا المتهم بعمل الشباك لغياب الفراز وما انطوى عليه تصرفه حيال المسجل رقم 604 بتاريخ 8/ 10/ 1959 وتضارب أقواله في شأنه - كلها أدلة وشواهد قدمت ضد المتهم الطاعن انبنى عليها اتهامه ثم الحكم عليه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه إذ أقام قضاءه على وقائع لها أصول ثابتة في الأوراق واستخلص منها الدليل على اقتراف المتهم الطاعن أفعالاً تشكل ذنباً إدارياً يستوجب مؤاخذته عنه بما يتلاءم وهذا الذنب وأنه يكون بمنأى عن الطعن ما دام أن استخلاصه للدليل كان استخلاصاً سائغاً تؤدي إليه الوقائع الثابتة المطروحة ورقابة المحكمة الإدارية العليا لا تتعدى هذه الناحية، ولما كان الثابت أن الواقعة التي استظهرها الحكم المطعون فيه ونسبها إلى الطاعن تنطوي على إخلال خطير بواجبات الوظيفة إذ تتعلق بالذمة والأمانة وهما صفتان لا غنى عنهما في الموظف العامل فإذا افتقدهما أصبح غير صالح للبقاء في الوظيفة مهما تضاءلت قيمة الشيء المنسوب إليه اختلاسه أو العبث به، وهنا قد يختلف الأمر بالنسبة للعقوبة الجنائية أو النظرة الجنائية للموضوع عنه في مجال توقيع العقوبات الإدارية، وهذا ما حدا بالنيابة العامة مع ثبوت التهمة ضد هذا المتهم إلى أن تحيل الأمر إلى الجهة الإدارية اكتفاء منها بالجزاء الإداري بدلاً من محاكمته جنائياً.
ومن حيث إنه لذلك ولكل ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق في قضائه مما يتعين معه الحكم برفض الطعن.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.

الطعن 1707 لسنة 7 ق جلسة 11 / 5 / 1963 إدارية عليا مكتب فني 8 ج 3 ق 109 ص 1160

جلسة 11 من مايو 1963

برئاسة السيد/ الإمام الإمام الخريبي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة مصطفى كامل إسماعيل وحسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح ومحمد مختار العزبي المستشارين.

---------------

(109)

القضية رقم 1707 لسنة 7 القضائية

(أ) موظف - قرار إداري 

- طلب ترك الخدمة طبقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 - عدم موافقة لجنة شئون الموظفين عليه - لا يعدو أن يكون مجرد توصية - البت في هذا الطلب بصفة نهائية يكون بقرار من الوزير.
(ب) موظف 

- ترك الخدمة طبقاً للقانون 120 لسنة 1960 - هو بمثابة استقالة - تفيد الإدارة بحكم المادة 110 من قانون الموظفين وهو وجوب الفصل في الطلب خلال 30 يوماً من تاريخ تقديمه وإلا اعتبرت الاستقالة مقبولة بقوة القانون متى توافرت شروطها - القرار الصادر منه بالرفض بعد هذا الميعاد يكون قد ورد على غير محل.
(جـ) موظف - ترك الخدمة 

- إجازة القانون رقم 120 لسنة 1960 طلبه لمن بلغ سن الخامسة والخمسين أو يبلغها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ نفاذه مع ضم سنتين لمدة خدمته وحسابهما في المعاش ولو تجاوز بضمهما سن الستين، ومنحه علاوتين من علاوات درجته على ألا يتجاوز بهما نهاية مربوط الدرجة - الحكمة التشريعية من إصدار هذا القانون - قصد المشرع أساساً إلى معالجة مشكلة قدامى الموظفين المنسيين ووضع حد لتضخم الدرجات الشخصية والتخلص منها - عدم قصره الاستفادة من هذا القانون على أصحاب الدرجات الشخصية وإباحته طلب ترك الخدمة للموظفين كافة ممن تتوافر فيهم شروط الاستفادة من أحكامه - عدم جواز الحد من إطلاق حكم المادة الأولى من هذا القانون بقاعدة تنظيمية أدنى من الأداة التشريعية التي صدر بها - تقييد الإدارة طلب ترك الخدمة بألا تقل المدة الباقية للموظف حتى إحالته إلى المعاش عن سنة - اعتبار هذا القيد حكماً جديداً لا تملكه الإدارة وانطواؤه على مخالفة لقصد المشرع الذي لم يحدد سناً ما بين الخامسة والخمسين والستين لا تقبل ممن يبلغها الرغبة في اعتزال الخدمة - لا حجة في التذرع باحتمال اختلال سير العمل في الوزارات والمصالح والهيئات الحكومية بسبب خروج كثير من الموظفين بالتطبيق لهذا القانون - إباحة المشرع ترك الخدمة تفترض تقديره مقدماً ما يترتب عليه من نتائج لم تكن لتغيب عنه - عدم جواز التفرقة بين فريق وآخر من شاغلي الدرجات الشخصية ما دام القانون لم يقصد إليها ولا تقرها نصوصه.

-------------------
1 - لئن كانت لجنة شئون الموظفين بوزارة الداخلية قد رأت في 14 من مايو سنة 1960، أي قبل انقضاء ثلاثين يوماً على تاريخ تقديم الطلب الذي أعرب فيه المدعي عن رغبته في ترك الخدمة وتسوية حالته بالتطبيق لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960، وهو الطلب المقدم منه في 16 من إبريل سنة 1960 أي بعد الميعاد المقرر الذي نصت عليه المادة الأولى من هذا القانون عدم الموافقة على هذا الطلب، إلا أن رأيها هذا لا يعدو أن يكون مجرد توصية رفعتها إلى السيد وكيل الوزارة الذي وافق عليها في 15 من مايو سنة 1960 على أن يعرض الأمر على أن السيد الوزير تاركاً لهذا الأخير البت فيه نهائياً بصفته الرئيس الأعلى المختص.
2 - سبق لهذه المحكمة أن قضت بأنه ولئن صح القول بأن طلب ترك الخدمة طبقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 خاضع لتقدير الجهة الإدارية التي لها أن تقبله أو ترفضه وفقاً لمقتضيات الصالح العام على نحو ما أشارت إليه المذكرة الإيضاحية، إلا أنه من البديهي أن مثل هذا الطلب هو بمثابة استقالة وآية ذلك ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية للقانون المذكور من وجوب مراعاة أحكام نظام موظفي الدولة التي تحكم الاستقالة، وعلى الأخص المادة 110 منه. عدا الحكم باعتبار الاستقالة المقيدة بأي قيد أو المعلقة على شرط كأن لم تكن. وبذلك ينبغي على الإدارة أن تراعى ما تنص عليه الفقرة الأولى من المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 من وجوب الفصل في طلب ترك الخدمة طبقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تقديمه وإلا اعتبرت الاستقالة مقبولة بقوة القانون ومنتجه لآثارها متى توافرت في حق مقدم الطلب الشروط المنصوص عليها في المادة الأولى من القانون رقم 120 لسنة 1960. ومن ثم فإن قرار الرفض الصادر من السيد الوزير بعد ميعاد الثلاثين يوماً المذكورة يكون قد ورد على غير محل.
3 - سبق لهذه المحكمة أن قضت بأن المشرع عندما أصدر القانون رقم 120 لسنة 1960 إنما كان هدفه الأساسي هو معالجة مشكلة قدامى الموظفين الراسبين المنسيين بطريق تواجه في الوقت ذاته على نحو أنجع القضاء على ما نتج عن محاولات الإنصاف التي اتبعت في الماضي لرفع الغبن عن هؤلاء المستحلفين من تضخم في الدرجات الشخصية التي كان يلجأ إلى ترقيتهم عليها علاجاً لمشكلتهم مع ما في ذلك من مجافاة للأصول المقررة التي تقضي بالربط بين الدرجة والوظيفة على أساس من الواقع. وقد كانت كراهية هذه الأوضاع المفتعلة و الرغبة في اجتثاث منابتها هي الحافز الذي حدا بالمشرع إلى التفكير في إيجاد وسيلة للتخلص من تلك الدرجات الشخصية بإصدار القانون رقم 120 لسنة 1960 الذي قصد به أصلاً إباحة طلب ترك الخدمة بالشروط والأوضاع المنصوص عليها في المادة الأولى منه لمن بلغ من الموظفين الشاغلين لدرجات شخصية سن الخامسة والخمسين أو يبلغها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ نفاذه. إلا أنه روعي عدم قصر هذه الإباحة على أصحاب الدرجات الشخصية والتوسع في تيسير الإفادة منها بإتاحة سبيلها لغير هؤلاء من الموظفين الذين تتوافر فيهم تلك الشروط على أن يتقدموا بطلب اعتزال الخدمة بذات الشروط للمصالح والهيئات الحكومية والوزارات التي يكون لها البت في هذه الطلبات في ضوء المصلحة العامة. وقد أورد الشارع حكم المادة الأولى هذه استثناء من أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة والقوانين المعدلة وأخصها ما ورد في المادة 110 فيما يتعلق بالاستقالة المقترنة بقيد أو المعلقة على شرط وجعل طلب اعتزال الخدمة في هذه الحالة رخصة مباحة للموظف يستعملها بمشيئته متى تحققت فيه شروطها. وإذ كان هدف المشرع أصلاً هو علاج وضع الموظفين الشاغلين لدرجات شخصية بإيجاد وسيلة للتخلص من درجاتهم الشخصية أو التخفف منها قدر المستطاع عن طريق إصدار التشريع آنف الذكر، ولما كانت هذه الحكمة التشريعية إنما تعبر بذاتها عن مصلحة عامة ابتغاها الشارع بعد أن وزن ملاءمتها بالنسبة إلى كل من الموظف والخزانة العامة، فإن ثمة قرينة قانونية قاطعة لا تحتمل إثبات العكس على تحقق المصلحة العامة في ترك أمثال هؤلاء الموظفين خدمة الحكومة لما في ذلك من إلغاء لدرجاتهم الشخصية التي أعرب المشرع صراحة عن حرصه على التخلص منها سواء بهذا الطريق أو بما نص عليه في المادة الثانية من القانون رقم 120 لسنة 1960 من تنظيم لتسوية الدرجات الشخصية الباقية واستهلاكها. ولا يسوغ بقاعدة تنظيمية صادرة بأداة أدنى من الإدارة التشريعية التي صدر بها هذا القانون الحد من إطلاق حكم نص المادة الأولى منه فيما يتعلق بالمدة الباقية للموظف لبلوغ سن الإحالة إلى المعاش بإضافة قيد إليها لم يورده المشرع ذاته بل لم يرده بدليل افتراضه في المادة المذكورة أن ضم السنتين لمدة خدمة الموظف وحسابهما في معاشه قد يجاوز سن الستين، إذ أن هذا يكون حكماً تشريعياً جديداً لا تملكه الجهة الإدارية، وينطوي على مخالفة لصريح قصد الشارع الذي لم يحدد سناً ما بين الخامسة والخمسين والستين لا تقبل ممن بلغه الرغبة في ترك الخدمة. كما لا حجة في التذرع باحتمال اختلال سير العمل بالوزارات والمصالح والهيئات الحكومية بسبب خروج عدد كبير من الموظفين بالتطبيق لأحكام القانون المشار إليه ما دام هذا أمراً أباحه المشرع وقدر مقدماً ما يمكن أن يترتب عليه من نتائج لم تكن لتغيب عنه. ولا وجه في ضوء ما تقدم التفرقة بسبب السن أو بدعوى مصلحة العمل بين فريق وآخر من شاغلي الدرجات ما دام القانون لم يقض بهذه التفرقة ولا تقرها نصوصه.


إجراءات الطعن

في 31 من أغسطس سنة 1961 أودعت إدارة قضايا الحكومة بصفتها نائبة عن السيد وزير الداخلية بصفته سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 1707 لسنة 7 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لرئاسة الجمهورية ووزارات الداخلية والخارجية والعدل بجلسة 2 من يوليه سنة 1961 في الدعوى رقم 188 لسنة 8 القضائية المقامة من السيد/ علي المنيري خليل الشعراوي ضد وزارة الداخلية، القاضي "بإلغاء القرار الصادر برفض طلب المدعي اعتزال الخدمة بالتطبيق لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 واستحقاقه تسوية حالته على مقتضى أحكامه. وما يترتب على ذلك من آثار. وألزمت الحكومة المصروفات". وطلب السيد الطاعن للأسباب التي استند إليها في عريضة طعنه "إحالة هذا الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضي فيه بقبوله شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض دعوى المطعون ضده مع إلزامه المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين". وقد أعلن هذا الطعن إلى المطعون عليه في 16 من سبتمبر سنة 1961، فرد عليه بمذكرة طلب فيها "عدم قبول الطعن ورفضه وتأييد الحكم الصادر من المحكمة الإدارية للرياسة ضد وزارة الداخلية في القضية رقم 188 لسنة 8 القضائية القاضي بإلغاء القرار الصادر من السيد وزير الداخلية برفض طلب المطعون ضده باعتزال الخدمة من وزارة الداخلية بالتطبيق لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 واستحقاقه تسوية حالته على مقتضى أحكامه مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام وزارة الداخلية بالمصروفات والرسوم وأتعاب المحاماة عن الدرجتين مع شمول الحكم بالنفاذ المعجل وبلا كفالة" وعقبت عليه هيئة مفوضي الدولة بتقرير بالرأي القانوني مسبباً انتهت فيه لما أبدته به من أسباب إلى أنها ترى "قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً مع إلزام الحكومة بالمصروفات". وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 23 من فبراير سنة 1963 التي أبلغ بها الطرفان في 15 من يناير 1963. وقد قررت الدائرة إحالة الطعن إلى الدائرة الأولى بالمحكمة العليا حيث عين لنظره أمامها جلسة 13 من إبريل سنة 1963 التي أبلغ بها الطرفان في 13 من مارس سنة 1963. وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة. قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 188 لسنة 8 القضائية ضد وزارة الداخلية أمام المحكمة الإدارية لرياسة الجمهورية ووزارات الداخلية والخارجية والعدل بصحيفة أودعها سكرتيرية المحكمة في 16 من فبراير سنة 1961 ذكر فيها أنه التحق بخدمة وزارة الداخلية في 16 من أغسطس سنة 1926 بوظيفة كاتب واستمر في خدمتها لغاية 10 من أكتوبر سنة 1960. وقد صدر القانون رقم 120 لسنة 1960 الخاص بتعويض الموظفين القدامى عما أصابهم من رواسب الماضي بضم مدة سنتين إلى مدة خدمتهم المحسوبة في المعاش مع منح علاوتين من علاوات الدرجة للموظف الذي تزيد سنه على 55 سنة ويرغب في الإحالة إلى المعاش حتى ولو تجاوز الموظف بهذا الضم سن الستين. وعلى هذا تقدم في 16 من إبريل 1960 بطلب ترك الخدمة ومعاملته وفقاً لأحكام هذا القانون. إلا أن الوزارة أعلنته في 6 من سبتمبر سنة 1960 عن طريق قسم روض الفرج برفض هذا الطلب. وقد تظلم في 4 من أكتوبر سنة 1960 من هذا القرار لأن القانون أجاز له ذلك، إلا أن تظلمه رفض في 21 من نوفمبر سنة 1960 بدون إبداء أسباب، مع أن الوزارة قد طبقت القانون رقم 120 لسنة 1960 على موظفين أمثاله مع أن الباقي من خدمتهم كان أقل من سنة. ولذا فإنه يطلب "الحكم بإلغاء القرار الخاص برفض طلب خروج المدعي من خدمة وزارة الداخلية طبقاً للقانون 120 لسنة 1960 والآثار المترتبة عليه وإلزام الوزارة بالمصروفات والرسوم ومقابل أتعاب المحاماة وشمول الحكم بالنفاذ المعجل وبلا كفالة".
وقد ردت وزارة الداخلية على هذه الدعوى بمذكرة قالت فيها أن المدعي مولود في 10 من أكتوبر سنة 1900 وحاصل على شهادة البكالوريا في سنة 1930، وأنه دخل الخدمة في 16 من أغسطس سنة 1926، ورقى إلى الدرجة الرابعة الشخصية اعتباراً من 26 من مارس سنة 1960 خصماً على درجة ثامنة كتابية وأنه طلب تطبيق القانون رقم 120 لسنة 1960 الصادر في 26 من مارس على حالته، مع أن هذا القانون أجاز للموظفين اللذين بلغوا سن الخامسة والخمسين أو يبلغونها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ العمل به أن يتقدموا بطلب ترك الخدمة وفقاً للشروط الواردة به للمصالح والوزارات التي يكون لها البت في هذه الطلبات في ضوء المصلحة العامة وفي الحدود التي رسمتها مواد القانون رقم 210 لسنة 1951. ولما كان القانون المذكور قد أجاز ترك الخدمة للجهة الإدارية سلطة تقديرية في قبول طلب الترك إذا ما توافرت فيه الشروط التي نص عليها القانون في حدود المصلحة العامة، فإنه يكون بذلك قد أنشأ قاعدة تنظيمية عامة واجبة التنفيذ في حق جميع الموظفين في حدود السلطة التقديرية التي خولها للإدارة. ومن ثم فإنه لم ينشئ مركزاً قانونياً للمدعي يستمد منه الحق في المطالبة بوجوب إحالته إلى المعاش بالتطبيق لأحكامه. وقد نظم قرار السيد وزير شئون رياسة الجمهورية القواعد التي يجب الأخذ بها عند تنفيذ هذا القانون، وهي تقضي برفض الطلبات المقدمة من الموظفين الذين تقل المدة الباقية لهم في الخدمة عن سنة. وقد تقدم المدعي بتظلم من قرار رفض طلبه، إلا أنه تقرر رفض تظلمه.
وقد قدم السيد مفوض الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً انتهى فيه لما أبداه به من أسباب إلى أنه يرى "الحكم بإلغاء القرار الصادر برفض طلب المدعي اعتزال الخدمة مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المدعى عليها المصروفات".
وبجلسة 2 من يوليه سنة 1961 قضت المحكمة الإدارية لرياسة الجمهورية ووزارات الداخلية والخارجية والعدل "بإلغاء القرار الصادر برفض طلب المدعي اعتزاله الخدمة بالتطبيق لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960، واستحقاقه تسوية حالته على مقتضى أحكامه وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الحكومة المصروفات". وأقامت قضاءها على أن مفاد الأحكام التي تضمنها القانون رقم 120 لسنة 1960 في ضوء مذكرته الإيضاحية أن المشرع وإن قصد إتاحة الفرصة لطائفة الموظفين الذين بلغوا سن الخامسة والخمسين أو يبلغونها خلال ثلاثة الأشهر التالية لنفاذ القانون المشار إليه أن يتقدموا بطلبات اعتزال الخدمة خلال تلك المدة لإمكان الانتفاع بالمزايا المنصوص عليها فيه، إلا أنه قيد إجابة هذه الطلبات من جانب الإدارة بسلطة تترخص في تقديرها بما تمليه عليها مقتضيات الصالح العام. وإذا كان لجهة الإدارة أن تقبل أو ترفض طلب اعتزال الخدمة على الرغم من توافر الشروط التي يتطلبها القانون لإمكان الانتفاع بمزاياه وفقاً لاعتبارات المصلحة العامة، فإن هذا الرفض أو القبول مقيد بقيد زمني محدد في المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة ذلك أن طلب اعتزال الخدمة طبقاً لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 لا يخرج في حقيقته عن كونه استقالة من الخدمة بالاستثناء من أحكام الفقرة الأخيرة من القانون رقم 210 لسنة 1951، ومن ثم فإنه ينبغي الرجوع فيما خرج على هذا الاستثناء إلى القواعد العامة الواردة في هذا القانون، وهي التي تقضي بأن الاستقالة تعتبر مقبولة بقوة القانون إذا لم يفصل فيها خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تقديمها. ومؤدى ذلك أن عدم إجابة جهة الإدارة على طلب اعتزال الخدمة المقدم للانتفاع بأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 خلال المدة المحددة في المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 يعتبر قبولاً ضمنياً لطلب اعتزاله الخدمة يترتب عليه انتهاء خدمة الموظف بقوة القانون متى توافرت في حقه الشروط المتطلبة في المادة الأولى من القانون رقم 120 لسنة 1960، ولا يسوغ لجهة الإدارة بعد انقضاء مدة الثلاثين يوماً دون صدور قرار منها بالفصل في طلب ترك الخدمة أن تصدر قراراً برفض هذا الطلب، فإن هي فعلت ذلك كان قرارها منعدماً لوروده على غير محل، ولا يكون له أثر لمخالفته للقانون. والثابت من الأوراق أن المدعي كان يبلغ من العمر 59 سنة عند صدور القانون رقم 120 لسنة 1960، وأنه قدم طلب اعتزاله الخدمة في الميعاد القانوني، وأن الإدارة لم تفصل فيه خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تقديمه، وهذا التصرف من جانبها يحمل على معنى قبول اعتزاله الخدمة قبولاً ضمنياً وتعتبر خدمته منتهية بقوة القانون طبقاً للمادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 ويترتب له بناء على ذلك حق في الانتفاع بأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 لتوافر شروطه في حالته. ولا قيمة لرفض الإدارة الحاصل في 19 من مايو سنة 1960 أي بعد فوات الثلاثين يوماً المقررة للبت في الاستقالة، لأن رابطة التوظف قد انفصمت بمضي الثلاثين يوماً المذكورة واعتبار الاستقالة مقبولة ضمناً. ومن ثم يكون قرار الرفض قد وقع مخالفاً للقانون حقيقاً بالإلغاء.
وبعريضة مودعة سكرتيرية هذه المحكمة في 31 من أغسطس سنة 1961 طعنت وزارة الداخلية في هذا الحكم طالبة "إحالة هذا الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضي فيه بقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض دعوى المطعون ضده مع إلزامه المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين". وأسست طعنها على أن المادة الأولى من القرار الجمهوري الصادر بالقانون رقم 120 لسنة 1960 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة علقت إفادة الموظف من أحكامها على موافقة الإدارة على قبول تسوية حالته على أساسها إذ أن الأصل في القانون إن طلب الاستقالة، وهو الإفصاح عن الرغبة في فصم رابطة التوظف، يجب أن يكون مطلقاً غير مقيد بقيد أو مشروط بشرط، وإلا اعتبرت الاستقالة كأن لم تكن وفقاً لحكم الفقرة الأخيرة من المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951. وقد علق القانون رقم 120 لسنة 1960 تسوية حالة الموظف المستوفى لشروطه على قبول جهة الإدارة، وأشار في ديباجته إلى أنه استثناء من المادة 110 من قانون نظام موظفي الدولة قاصداً بذلك إخراج جميع أحكام هذا القانون بما فيها المادة المذكورة من مجال تطبيقه. وقد تكلمت المذكرة التفسيرية عن نوع من هذا الاستثناء وهو عدم إعمال نص الفقرة الأخيرة من المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 دون أن تقرر أن القانون رقم 120 لسنة 1960 قد صدر استثناء من حكم هذه الفقرة فقط، وإلا لكان الأولى بالمشرع أن ينص على ذلك صراحة دون ترك ذلك للمذكرة التفسيرية لأنها لا يجوز أن ترقى إلى درجة وإضافة حكم جديد لنص قانوني. والواقع أن القانون رقم 120 لسنة 1960 قد رخص للجهة الإدارية في قبول أو رفض الطلبات المقدمة لاعتزال الخدمة بعد الموازنة وترجيح كفة الصالح العام، حتى يمكنها الاحتفاظ بمن تريد الاحتفاظ به من الموظفين ذوي الكفاية الخاصة، وذلك دون مناقشتها في إعمالها لهذا الحق بسلطتها التقديرية، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه.
وقد رد المدعي على هذا الطعن بمذكرة طلب فيها "عدم قبول الطعن ورفضه وتأييد الحكم الصادر من المحكمة الإدارية للرياسة ضد وزارة الداخلية في القضية رقم 188 لسنة 8 القضائية القاضي بإلغاء القرار الصادر من السيد وزير الداخلية ورفض طلب المطعون ضده باعتزاله الخدمة من وزارة الداخلية بالتطبيق لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 واستحقاقه تسوية حالته على مقتضى أحكامه مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام وزارة الداخلية بالمصروفات والرسوم وأتعاب المحاماة عن الدرجتين، مع شمول الحكم بالنفاذ المعجل وبلا كفالة. واستند في ذلك إلى ما ورد في الحكم المطعون فيه من أسباب وإلى ما سبق أن قضت به المحكمة الإدارية العليا في مثل هذه الخصوصية، وأضاف أن ما جاء بالطعن من أن الإدارة لها حق القبول أو الرفض حتى بعد مضي الثلاثين يوماً المنصوص عليها في المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 معناه إهدار القيد الزمني الوارد بهذه المادة وأنه لا سبيل للقول بأن القانون رقم 120 لسنة 1960 قد أهدر جميع مواد القانون رقم 210 لسنة 1951 إذ واضح أن الاستثناء منصب على الفقرة الأخيرة من المادة 110 من هذا القانون فقط مع بقاء الفقرة الأولى من هذه المادة واستمرار إعمال حكمها.
وقد أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً انتهت فيه إلى أنها ترى "قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً مع إلزام الحكومة بالمصروفات". وأسست رأيها على أنه يتعين القول إعمالاً للمبدأ الذي قررته المحكمة الإدارية العليا في مثل هذه الحالة بأن طلب المدعي ترك الخدمة يعتبر مقبولاً بقوة القانون بانقضاء ثلاثين يوماً على تقديمه إلى الإدارة دون أن تفصل فيه ما دام مستوفياً الشروط المنصوص عليها في المادة الأولى من القانون رقم 120 لسنة 1960. أما القرار الصادر برفض هذا الطلب فقد ورد على غير محل بعد انقطاع رابطة التوظف بين المدعي ووزارة الداخلية قبل صدوره واكتساب المذكور بالفعل مركزاً قانوناً ذاتياً يخوله الانتفاع بأحكام القانون المشار إليه. وإذا كان الحكم المطعون فيه قد خالف القانون فيما قضى به من إلغاء القرار الصادر برفض طلب المدعي اعتزال الخدمة بالتطبيق لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 بالنظر إلى أن الدعوى الصادر فيها هي دعوى تسوية تتعلق بمنازعته في معاش لا دعوى طعن بالإلغاء، إلا أنه قد أصاب الحق فيما قضى به إلى جانب ذلك من استحقاق المدعي تسوية حالته وفقاً لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 وما يترتب على ذلك من آثار، ومن ثم فإنه يتعين القضاء برفض الطعن عليه.
وقد عقب المدعي بمذكرة أخرى ردد فيها دفاعه السابق وزاد عليه أنه قدم طلب استقالته في الميعاد القانوني في 16 من إبريل سنة 1960 وفقاً لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960، وأن هذا الطلب عرض على لجنة شئون الموظفين في 14 من مايو سنة 1960 فرأت عدم قبوله، وأن هذا الرفض مجاف لقصد المشرع وروح القانون، فضلاً عن أن اللجنة لا اختصاص لها في قبول أو عدم قبول طلبات ترك الخدمة. وإنما المرجع في ذلك إلى السيد الوزير الذي لم يفصل في الطلب بوصفه الرئيس المختص إلا في 19 من مايو سنة 1960 أي بعد مضي الثلاثين يوماً، الأمر الذي يجعل الاستقالة قائمة بقوة القانون ومنتجة لآثارها ويجعل رفضها وارداً على غير محل.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن المدعي من مواليد 10 من أكتوبر سنة 1900 وأنه حاصل على شهادة البكالوريا سنة 1930 ودخل الخدمة في 16 من أغسطس سنة 1926، ورقى إلى الدرجة الرابعة الكتابية الشخصية اعتباراً من 26 من مارس سنة 1960 خصماً على درجة ثامنة كتابية وأنه تقدم في 16 من إبريل سنة 1960 بطلب أبدى فيه رغبته في ترك الخدمة وتسوية حالته بالتطبيق لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960. وقد عرض هذا الطلب على لجنة شئون الموظفين بوزارة الداخلية في 14 من مايو سنة 1960 فرأت عدم الموافقة عليه لأن المدة الباقية لمقدمة لبلوغه السن القانونية تقل عن سنة. وقد وافق السيد وكيل الوزارة على ذلك في 15 من مايو سنة 1960 على أن يعرض الأمر على السيد الوزير ووافق السيد الوزير في 19 من مايو سنة 1960 وأخطر المدعي في 6 من سبتمبر سنة 1960 برفض طلبه، فتظلم من هذا القرار في 4 من أكتوبر سنة 1960، إلا أن تظلمه رفض في 21 من نوفمبر سنة 1960.
ومن حيث إنه ولئن كانت لجنة شئون الموظفين بوزارة الداخلية فقد رأت في 14 من مايو سنة 1960، أي قبل انقضاء ثلاثين يوماً على تاريخ تقديم الطلب الذي أعرب فيه المدعي عن رغبته في ترك الخدمة وتسوية حالته بالتطبيق لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960، وهو الطلب المقدم منه في 16 من إبريل سنة 1960 أي بعد الميعاد المقرر الذي نصت عليه المادة الأولى من هذا القانون عدم الموافقة على هذا الطلب، إلا أن رأيها هذا لا يعدو أن يكون مجرد توصية رفعتها إلى السيد وكيل الوزارة الذي وافق عليها في 15 من مايو سنة 1960 على أن يعرض الأمر على السيد الوزير تاركاً لهذا الأخير البت فيه نهائياً بصفته الرئيس الأعلى المختص.
وقد صدر قرار السيد الوزير بالموافقة على رفض الطلب في 19 من مايو سنة 1960 أي بعد مضي ثلاثين يوماً من تاريخ تقديمه وهو الميعاد الذي نصت عليه المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة للفصل في الطلب خلاله وإلا اعتبر مقبولاً.
وقد سبق لهذه المحكمة أن قضت بأنه ولئن صح القول بأن طلب ترك الخدمة طبقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 خاضع لتقدير الجهة الإدارية التي لها أن تقبله أو ترفضه وفقاً لمقتضيات الصالح العام على نحو ما أشارت إليه المذكرة الإيضاحية، إلا أنه من البديهي أن مثل هذا الطلب هو بمثابة استقالة وآية ذلك ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية للقانون المذكور من وجوب مراعاة أحكام قانون نظام موظفي الدولة التي تحكم الاستقالة، وعلى الأخص المادة 110 منه. عدا الحكم باعتبار الاستقالة المقيدة بأي قيد أو المعلقة على شرط كأن لم تكن. وبذلك ينبغي على الإدارة أن تراعي ما تنص عليه الفقرة الأولى من المادة 10 من القانون رقم 210 لسنة 1951 من وجوب الفصل في طلب ترك الخدمة طبقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تقديمه وإلا اعتبرت الاستقالة مقبولة بقوة القانون ومنتجة لآثارها متى توافرت في حق مقدم الطلب الشروط المنصوص عليها في المادة الأولى من القانون رقم 120 لسنة 1960. ومن ثم فإن قرار الرفض الصادر من السيد الوزير بعد ميعاد الثلاثين يوماً المذكورة يكون قد ورد على غير محل.
ومن حيث إنه ثابت من جهة أخرى أن المدعي كان وقت تقديمه طلب اعتزال الخدمة بالاستناد إلى القانون رقم 120 لسنة 1960 بشغل درجة رابعة كتابية شخصية وهي التي رقى إليها اعتباراً من 26 من مارس سنة 1960، وقد سبق لهذه المحكمة أن قضت بأن المشرع عندما أصدر القانون رقم 120 لسنة 1960 إنما كان هدفه الأساسي هو معالجة مشكلة قدامى الموظفين الراسبين المنسيين بطريق تواجه في الوقت ذاته على نحو أنجع القضاء على ما نتج عن محاولات الإنصاف التي اتبعت في الماضي لرفع الغبن عن هؤلاء المتخلفين من تضخم في الدرجات الشخصية التي كان يلجأ إلى ترقيتهم عليها علاجاً لمشكلتهم مع ما في ذلك من مجافاة للأصول المقررة التي تقضي بالربط بين الدرجة والوظيفة على أساس من الواقع. وقد كانت كراهية هذه الأوضاع المفتعلة والرغبة في اجتثاث منابتها هي الحافز الذي حدا بالمشرع إلى التفكير في إيجاد وسيلة للتخلص من تلك الدرجات الشخصية بإصدار القانون رقم 120 لسنة 1960 الذي قصد به أصلاً إباحة طلب ترك الخدمة بالشروط والأوضاع المنصوص عليها في المادة الأولى منه لمن بلغ من الموظفين الشاغلين لدرجات شخصية سن الخامسة والخمسين أو يبلغها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ نفاذه. إلا أنه رؤى عدم قصر هذه الإباحة على أصحاب الدرجات الشخصية والتوسع في تيسير الإفادة منها بإتاحة سبيلها لغير هؤلاء من الموظفين الذين تتوافر فيهم تلك الشروط، على أن يتقدموا بطلب اعتزال الخدمة بذات الشروط للمصالح والهيئات الحكومية والوزارات التي يكون لها البت في هذه الطلبات في ضوء المصلحة العامة وقد أورد الشارع حكم المادة الأولى هذه استثناء من أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة والقوانين المعدلة له وأخصها ما ورد في المادة 110 فيما يتعلق بالاستقالة المقترنة بقيد أو المعلقة على شرط، وجعل طلب اعتزال الخدمة في هذه الحالة رخصة مباحة للموظف يستعملها بمشيئته متى تحققت فيه شروطها. وإذا كان هدف المشرع أصلاً هو علاج وضع الموظفين الشاغلين لدرجات شخصية بإيجاد وسيلة للتخلص من درجاتهم الشخصية أو التخفف منها قدر المستطاع عن طريق إصدار التشريع آنف الذكر، ولما كانت هذه الحكمة التشريعية إنما تعتبر بذاتها عن مصلحة عامة ابتغاها الشارع بعد أن وزن ملاءمتها بالنسبة إلى كل من الموظف والخزانة العامة، فإن ثمة قرينة قانونية لا تحتمل إثبات العكس على تحقق المصلحة العامة في ترك أمثال هؤلاء الموظفين خدمة الحكومة لما في ذلك من إلغاء لدرجاتهم الشخصية التي أعرب المشرع صراحة عن حرصه على التخلص منها سواء بهذا الطريق أو بما نص عليه في المادة الثانية من القانون رقم 120 لسنة 1960 من تنظيم لتسوية الدرجات الشخصية الباقية واستهلاكها. ولا يسوغ بقاعدة تنظيمية صادرة بأداة أدنى من الأداة التشريعية التي صدر بها هذا القانون الحد من إطلاق حكم نص المادة الأولى منه فيما يتعلق بالمدة الباقية للموظف لبلوغ سن الإحالة إلى المعاش بإضافة قيد إليها لم يورده المشرع ذاته بل لم يرده بدليل افتراضه في المادة المذكورة أن ضم السنتين لمدة خدمة الموظف وحسابهما في معاشه قد يجاوز به سن الستين، إذ أن هذا يكون حكماً تشريعياً جديداً لا تملكه الجهة الإدارية، وينطوي على مخالفة لصريح قصد الشارع الذي لم يحدد سناً ما بين الخامسة والخمسين والستين لا تقبل ممن بلغه الرغبة في ترك الخدمة. كما لا حجة في التذرع باحتمال اختلال سير العمل بالوزارات والمصالح والهيئات الحكومية بسبب خروج عدد كبير من الموظفين بالتطبيق لأحكام القانون المشار إليه ما دام هذا أمراًً أباحه المشرع وقدر مقدماً ما يمكن أن يترتب عليه من نتائج لم تكن لتغيب عنه. ولا وجه في ضوء ما تقدم للتفرقة بسبب السن أو بدعوى مصلحة العمل بين فريق وآخر من شاغلي الدرجات الشخصية، ما دام القانون لم يقض بهذه التفرقة ولا تقرها نصوصه.
ومن حيث إنه لما تقدم، ونظراً إلى أن طلب المدعي ترك الخدمة بالحكومة وتسوية حالته بالتطبيق لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 مستوف الشرائط الشكلية والموضوعية المنصوص عليها في هذا القانون فإن حكم المحكمة الإدارية المطعون فيه يكون قد أصاب الحق في النتيجة التي انتهى إليها إذ أجاب المدعي إلى طلباته، ويكون الطعن فيه على غير أساس سليم من القانون متعيناً رفضه مع إلزام الحكومة بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الحكومة بالمصروفات.

الطعن رقم 10 لسنة 44 ق دستورية عليا " تنازع " جلسة 2 / 12 / 2023

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثاني من ديسمبر سنة 2023م، الموافق الثامن عشر من جمادى الأولى سنة 1445 ه.
برئاسة السيد المستشار / بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد وصلاح محمد الرويني نواب رئيس المحكمة وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر

أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 10 لسنة 44 قضائية تنازع

المقامة من
محمد عبد الله محمد عبد المنعم غراب، رئيس مجلس إدارة نادي الصيد المصري بالدقي
ضد
1- عمرو مصطفى كامل السعيد
2- وزير الشباب والرياضة
3- رئيس مجلس إدارة اللجنة الأولمبية المصرية

----------------

" الإجراءات "
بتاريخ العاشر من مارس سنة 2022، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الفصل في التنازع الإيجابي على الاختصاص بين محكمة القضاء الإداري بالقاهرة في الدعوى رقم 13005 لسنة 76 قضائية، ومركز التسوية والتحكيم الرياضي المصري، في الدعوى التحكيمية رقم 91 لسنة 5 قضائية لعام 2021 تحكيم رياضي، وتعيين جهة القضاء المختصة بنظر النزاع.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة. وفيها قدم المدعى عليه الثالث مذكرة، طلب فيها الحكم بعدم قبول الدعوى، وقررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.

--------------
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن المدعى عليه الأول، أقام أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة الدعوى رقم 13005 لسنة 76 قضائية، ضد المدعي والمدعى عليهما الثاني والثالث؛ طلبًا للحكم بوقف تنفيذ وإلغاء قرار جهة الإدارة السلبي بالامتناع عن إعلان بطلان إجراءات انتخابات مجلس إدارة نادي الصيد المصري بالدقي، التي عُقدت بتاريخ 12/ 11/ 2021، على منصب رئيس مجلس الإدارة، مع ما يترتب على ذلك من آثار. وبجلسة 30/ 1/ 2022، قررت المحكمة إحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة. كما أقام المدعى عليه الأول أمام مركز التسوية والتحكيم الرياضي المصري، الدعوى رقم 91 لسنة 5 قضائية لعام 2021 ضد المدعي والمدعى عليه الثاني، طالبًا الحكم بإلغاء قرار اللجنة الأولمبية المصرية باعتماد نتيجة انتخابات مجلس إدارة نادي الصيد المصري بالدقي، التي عقدت بتاريخ 12/ 11/ 2021، فيما تضمنه من فوز المدعي بمنصب رئيس مجلس إدارة النادي، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وإذ ارتأى المدعي أن ثمة تنازعًا إيجابيًّا على الاختصاص بنظر النزاع الموضوعي، حول بطلان انتخابات منصب رئيس مجلس إدارة نادي الصيد المصري بالدقي، التي عقدت بتاريخ 12/ 11/ 2021، بين محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة ومركز التسوية والتحكيم الرياضي المصري؛ فقد أقام دعواه المعروضة.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن مناط قبول دعوى تنازع الاختصاص وفقًا للبند ثانيًا من المادة (25) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، هو أن تطرح الدعوى عن موضوع واحد أمام جهتين من جهات القضاء أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي، ولا تتخلى إحداهما عن نظرها أو تتخلى كلتاهما عنها، وشرط انطباقه بالنسبة إلى التنازع الإيجابي أن تكون الخصومة قائمة في وقت واحد أمام الجهتين المتنازعتين، وأن تكون كل منهما قد تمسكت باختصاصها بنظرها عند رفع الأمر إلى المحكمة الدستورية العليا، مما يبرر الالتجاء إلى هذه المحكمة لتعيين الجهة المختصة بنظرها والفصل فيها وفقًا لقواعد الاختصاص الولائي.
وحيث إن المحكمة الدستورية العليا قضت بجلسة 14/ 1/ 2023، في الدعوى رقم 61 لسنة 42 قضائية دستورية، أولًا: بعدم دستورية صدر المادة (69) من قانون الرياضة الصادر بالقانون رقم 71 لسنة 2017، فيما نصت عليه من أنه يُصدر مجلس إدارة اللجنة الأولمبية المصرية قرارًا بالنظام الأساسي للمركز ينظم قواعد وإجراءات الوساطة والتوفيق والتحكيم فيه. ثانيًا: بسقوط لائحة النظام الأساسي لمركز التسوية والتحكيم الرياضي المصري الصادرة بقرار مجلس إدارة اللجنة الأولمبية المصرية رقم 88 لسنة 2017، وتعديلاته. وقد نُشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بالعدد رقم 2 مكرر (ه) بتاريخ 17/ 1/ 2023.
وحيث إن مفاد نص المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، معدلًا بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 168 لسنة 1998، أنه ما لم تحدد المحكمة تاريخًا لنفاذ أحكامها، فإن الأصل أن قضاءها بعدم الدستورية المتعلق بنص غير جنائي - عدا النصوص الضريبية -يكون له أثر رجعي ينسحب إلى الأوضاع والعلائق التي يتصل بها ويؤثر فيها، حتى ما كان سابقًا على نشره بالجريدة الرسمية، ما لم تكن الحقوق والمراكز القانونية التي ترتبط بها قد استقر أمرها بناء على حكم قضائي بات صدر قبل قضاء المحكمة الدستورية العليا، فإن مقتضى ذلك ولازمه؛ انعدام السند التشريعي لمباشرة مركز التسوية والتحكيم الرياضي المصري، بدرجتيه، اختصاصاته المقررة بلائحة نظامه الأساسي المقضي بسقوطها؛ إعمالًا لحجية حكم المحكمة الدستورية العليا السالف الذكر، ومن ثم زوال الدعوى التحكيمية رقم 91 لسنة 5 قضائية لعام 2021 تحكيم رياضي، وتبعًا لما تقدم، ينتفي مناط قيام التنازع الإيجابي على الاختصاص، الذي يستنهض ولاية المحكمة الدستورية العليا للفصل فيه، مما يتعين معه الحكم بعدم قبول الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى.