الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 12 ديسمبر 2023

الطعن 1456 لسنة 8 ق جلسة 23 / 1 / 1965 إدارية عليا مكتب فني 10 ج 1 ق 49 ص 463

جلسة 23 من يناير سنة 1965

برئاسة السيد الأستاذ/ حسن السيد أيوب رئيس المحكمة وعضوية السادة الأساتذة/ الدكتور ضياء الدين صالح وعادل عزيز زخاري وعبد الستار آدم وأبو الوفا زهدي المستشارين.

----------------

(49)

القضية رقم 1456 لسنة 8 القضائية

(أ) محكمة إدارية عليا - اختصاص 

- تأديب - شرطة - مهمة المحكمة الإدارية العليا هي أصالة التعقيب النهائي على الأحكام واستثناء التعقيب على بعض القرارات الإدارية الصادرة من الهيئات التأديبية - ليس بدعاً في التشريع أن يطعن رأساً في قرار إداري أمام المحكمة الإدارية العليا - الطعن مباشرة أمام المحكمة الإدارية العليا في قرار مجلس تأديب هيئة الشرطة - جائز.
(ب) محاكمة - خبرة - يمين 

- بطلان - جواز الاستعانة بأهل الخبرة في دور المحاكمة - وجوب حلف الخبير اليمين قبل أداء مأموريته ما لم يكن قد سبق له حلف اليمين لتقريره أمام المحاكم وفقاً للمرسوم بقانون رقم 96 لسنة 1952 - إغفال حلف اليمين يستتبع بطلان الحكم الذي يبنى على تقرير الخبير الذي لم يؤدها.
(جـ) تأديب - خبرة 

- حق هيئات التأديب - الاستعانة برأي جهة فنية متخصصة في الكشف عن الحقيقة والوصول إلى الصواب - لا تحول دونه تبعية تلك الجهة من ناحية التنظيم الإداري للوزارة التي أحالت الموظف إلى المحاكمة التأديبية - امتناع الاستناد في ذلك إلى قواعد المرافعات المدنية والتجارية - أساس ذلك أن الإجراءات المدنية وضعت لصالح خاص على خلاف الحال بالنسبة إلى إجراءات المحاكمة التأديبية.
(د) تحقيق - بصمة 

- بيان البصمات وتعريفها - التعويل عليها ضمن أهم وسائل تحقيق شخصية الإنسان - أساس ذلك ما ثبت علمياً وعالمياً من عدم وجود شخصين لهما بصمتان متماثلتان في الخطوط والمميزات حتى ولو كانا توأمين من بويضة واحدة.
(هـ) دستور - شكوى 

- عريضة - حق الشكوى والتظلم - يكفله القانون للكافة ويحميه الدستور على أنه من الحريات المتصلة بصالح الأفراد - مرد ذلك إلى حق تقديم العرائض في مختلف الدساتير التي نادت بحقوق الإنسان - مخاطبة السلطات باسم الجماعات - لا تكون إلا للهيئات النظامية والأشخاص الاعتبارية - شروط وأوضاع ممارسة هذا الحق الدستوري.

---------------
1 - لئن كانت مهمة هذه المحكمة العليا هي أصالة التعقيب النهائي على الأحكام فليس هنالك ما يمنع من أن يدخل في نطاق هذه المهمة استثناء التعقيب أيضاً على بعض القرارات الإدارية الصادرة من الهيئات التأديبية لحكمة قد تجد سندها في اختصار مراحل التأديب حرصاً من الشارع على حسن سير الجهاز الحكومي، كما قد تجد سندها القانوني في أن قرارات تلك الهيئات، وإن كانت في حقيقتها قرارات إدارية إلا أنها أشبه ما تكون في نظر هذه المحكمة العليا بالأحكام وإن كانت ليست بذلك طالما أن الموضوع الذي تفصل فيه ليس منازعة قضائية وإنما هو محاكمة مسلكية تأديبية. ومن ثم يسقط التحدي بالمفارقة بين القرارات التأديبية الصادرة من المحاكم التأديبية، وبين مثيلاتها الصادرة من المجالس التأديبية فما هذه وتلك إلا قرارات إدارية تحمل في طياتها جزاءات تأديبية في مآخذ مسلكية وإخلالاً بواجبات الوظيفة ومقتضياتها تنشئ في حق الموظف الصادر في شأنه مركزاً قانونياً جديداً ما كان لينشأ لولا هذه القرارات. وليس بدعاً في التشريع أن يطعن رأساً في قرار إداري أمام المحكمة الإدارية العليا، فلهذا نظير في فرنسا حيث يجوز الطعن رأساً أمام مجلس الدولة الفرنسي بهيئة قضاء نقض في بعض القرارات الإدارية هناك. وفي الجمهورية العربية المتحدة على سبيل المثال، صدر القانون رقم 184 لسنة 1958 في شأن تنظيم الجامعات ونصت المادة 80 منه على أن تكون محاكمة أعضاء هيئة التدريس أمام مجلس تأديب يشكل على نحو معين. وجاء في الفقرة الأخيرة من هذه المادة (وتسري بالنسبة للمحاكمة أحكام القانون رقم 117 لسنة 1958 الخاص بتنظيم المحاكمة التأديبية. على أن تراعى بالنسبة للتحقيق والإحالة إلى مجلس التأديب أحكام المادة 76 من قانون تنظيم الجامعات). والفقرة الأخيرة من هذه المادة 76 تنص على أن (ويحيل مدير الجامعة العضو المحقق معه إلى مجلس التأديب إذا رأى محلاً لذلك) ومفاد ذلك أن المشرع التزم في تنظيم التأديب بالنسبة إلى الموظفين سياسة اختصار مراحله وسرعة البت في أمره فقصر التأديب على محاكمة واحدة أمام هيئة تتوافر فيها الضمانات اللازمة على أن يتاح التعقيب على القرار التأديبي الصادر منها أمام هذه المحكمة الإدارية العليا، وذلك ما نصت عليه المادة 32 من القانون رقم 117 لسنة 1958 الذي أحال إليه قانون تنظيم الجامعات. والمادة 32 المذكورة تنص على أن أحكام المحاكم التأديبية نهائية. ولا يجوز الطعن فيها إلا أمام المحكمة الإدارية العليا. فإذا كان القانون رقم 234 لسنة 1955 الصادر في 27 من إبريل سنة 1955 بنظام هيئة البوليس قد خصص الفصل السادس منه للتأديب ونظم أحكامه في المواد من 64 إلى 85 وقضى بأن الطعن في القرار الصادر من مجلس التأديب الابتدائي يكون أمام المجلس التأديبي الاستئنافي وأن القرار الصادر من مجلس التأديب الأعلى يكون نهائياً. فلا تثريب على الطاعن بعد إذ أنشأ القانون رقم 165 لسنة 1955 الصادر في 23 من مارس سنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة، المحكمة الإدارية العليا، وناط بها ولاية التعقيب النهائي على أحكام القضاء الإداري والمحاكم الإدارية والتأديبية وما أجراه الشارع وقضاء هذه المحكمة الإدارية العليا مجراها من قرارات مجالس التأديب فلا تثريب عليه إذا أقام هذا الطعن مباشرة أمام هذه المحكمة العليا في قرار مجلس تأديب موظفي هيئة الشرطة الابتدائي والاستئنافي الذي قضى بعزله من الخدمة.
(2) إن الخبرة (expértise) هي طريق من طرق التحقيق، يتخذ في الدور الابتدائي كما يتخذ في الدور النهائي منه. وقد أجاز قانون الإجراءات الجنائية رقم 150 لسنة 1950 الاستعانة بأهل الخبرة في دور التحقيق الابتدائي فأجازه لرجال الضبط القضائي، وأعضاء النيابة وقضاة التحقيق. ولكنه سكت عن ذلك في دور المحاكمة.
ومن المسلم أن للمحكمة أن تنتدب خبيراً أو أكثر للاستنارة برأيهم في المسائل الفنية التي تستدعي خبرة خاصة، وتنتدب المحكمة الخبير من تلقاء نفسها أو بناء على طلب الخصوم وأوجب هذا القانون أن يحلف الخبير اليمين قبل أداء مأموريته على أن يؤديها بالذمة، (المادة 86) من قانون الإجراءات الجنائية. ومن المسلم أيضاً أن الخبير يجب أن يحلف يميناً أمام المحكمة على أداء مأموريته بالذمة قبل أن يباشرها، إذا لم يكن سبق له حلف اليمين لتقريره أمام المحاكم وفقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم 96 لسنة 1952 بتنظيم الخبرة أمام جهات القضاء. ويترتب على إغفال حلف اليمين بطلان الحكم الذي ينبني على تقرير الخبير الذي لم يؤدها لأنه يشترط لصحة الأخذ بالدليل أن يكون قد استحصل عليه وفقاً للإجراءات المقررة في القانون.
3 - إن القواعد المتعلقة بتأديب الموظفين سواء جاءت في قانون نظام موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 ومن بعده القانون رقم 46 لسنة 1964 بإصدار قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، أم في قانون النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية رقم 117 لسنة 1958 أم في قانون هيئات البوليس رقم 234 لسنة 1955 لم تتضمن نصوصاً تنظم أعمال الخبرة لدى مجالس التأديب وكل ما توجبه هذه القواعد بصفة عامة هو أن يجري التحقيق الإداري أو التأديبي وتتم المحاكمة في حدود الأصول العامة للمحاكمات والتماثل ظاهر بين المحاكمة الجنائية والمحاكمة التأديبية، فكلها تطبق شريعة عقاب سواء في مجال الدولة بأكملها أم في مجال الوظيفة العامة وحدها. ولا جدال في أن لهيئات التأديب الاستعانة بآراء الخبراء وأن انتدابهم أمامها لمهمة خاصة يعتبر إجراء من إجراءات التحقيق. وليس في القواعد التي تنظم تأديب الموظفين أو محاكمتهم ما يمنع من الاستعانة برأي جهة فنية متخصصة في الكشف عن الحقيقة والوصول إلى الصواب. سواء أكانت تلك الجهة تتبع من ناحية التنظيم الإداري الوزارة التي أحالت الموظف إلى المحاكمة التأديبية أم لا تتبعها وليس في تلك القواعد ما يرتب جزاء البطلان على شيء من ذلك. ولا يمكن الاستناد إلى قواعد المرافعات المدنية والتجارية في كل ما لم يرد بشأنه نص في مجال التأديب. ذلك أن الإجراءات المدنية وضعت لصالح خاص أما إجراءات المحاكمة التأديبية وهي أقرب إلى المحاكمة الجنائية فقد نظمت لصالح عام وروعي فيها سير المرفق العام.
4 - من المسلم به علمياً أن البصمات تولد مع الإنسان وتظل على شكلها بدون تغيير حتى مماته. والبصمة عبارة عن تلك الخطوط البارزة (Ridges) التي تحاذيها خطوط أخرى منخفضة (Furraws) التي تتخذ أشكالاً مختلفة على جلد أصابع اليدين والكفين من الداخل وهذه الخطوط تترك طابعها على كل جسم تلمسه وتعتبر بصمات أصابع وراحة اليدين من أهم وسائل تحقيق شخصية الإنسان ويرجع ذلك إلى ما ثبت علمياً وعالمياً من عدم وجود شخصين لهما بصمتان متماثلتان في الخطوط والمميزات حتى ولو كانا توأمين من بويضة واحدة. وقد أخذت مصر بنظام البصمات كطريقة لتحقيق شخصية الفرد منذ عام 1896 إلى جانب طرق المقاسات البدنية التي ابتكرها (برتليون) ثم اعتمدت عليه اعتماداً رسمياً كلياً لتحقيق الشخصية من عام 1901.
5 - لا مراء في أن حق الشكوى والتظلم كحق التقاضي يكفله القانون للكافة ويحميه الدستور على أنه من الحريات المتصلة بمصالح الأفراد. فالمادتين 63، 62 من الدستور الجمهوري تنصان على أن: "للمصريين حق تقديم شكاوى إلى جميع هيئات الدولة عن مخالفة الموظفين العموميين للقانون أو إهمالهم واجبات وظائفهم. كما أن للمصريين مخاطبة السلطات العامة كتابة، وبتوقيعهم ولا تكون مخاطبة السلطات باسم الجماعات إلا للهيئات النظامية، والأشخاص الاعتبارية" ونصت المادة 22 من دستور سنة 1923 الملغي، على أن "لأفراد المصريين أن يخاطبوا السلطات العامة فيما يعرض عليهم من الشئون وذلك بكتابات موقع عليها بإمضائهم أما مخاطبة السلطات باسم المجاميع، فلا تكون إلا للهيئات النظامية والأشخاص المعنوية" ومرد هذا الأصل إلى حق تقديم العرائض (droit de setitio) في مختلف الدساتير التي نادت بحقوق الإنسان فلكل فرد أن يتقدم إلى السلطات العامة بشكوى يتظلم فيها من أمر يهمه كدفع حيف وقع عليه من عمل جائر ابتغاء رد هذا الجور والتعويض عن آثاره. ولممارسة هذا الحق الدستوري شروط وأوضاع في مقدمتها أن يكون الاستصراخ للسلطات في شكل عريضة أو شكوى - وليس بالطبع منشوراً - وأن تحمل الورقة توقيع صاحبها وذاتيته ما دامت الشكوى تهدف إلى تحقيق مصلحة شخصية متصلة بالحرية الفردية، فإذا كانت الشكوى أو العريضة باسم الجماعات فلا يكون الحق في مخاطبة السلطات بشأنها إلا للهيئة النظامية التي تمثل الجماعة صاحبة الحق في الشكوى. ويقتضي حق التقديم أن يكون بطريق إرسال مشروع لا مواربة فيه، ولا مستور ما دامت العريضة تحمل المطالبة بحق يحميه، ويكفله الدستور. كما أن للحق في مخاطبة السلطات العامة كتابة وبالتوقيع الصريح، أسلوباً معيناً ومسلكاً خاصاً ومستوى يرتفع ولا جدال عن الألفاظ النابية وعبارات التحدي والإثارة والتهديد، والاستفزاز والاستنكار. والعريضة المشروعة، وهي رسالة لدرء الحق ورفع الظلم ورد الحق، متى حسن مقصدها واستقام فإنما توجه، على قدر الإمكان إلى السلطة المباشرة المختصة بموضوعها والبت في أمرها. فإذا هي اندفعت متناثرة إلى غير جهاتها الأصيلة وإلى سلطاتها المختصة فإنها تكون قد ضلت سبيلها وأخطأت هدفها، وفقدت سندها المشروع بل إنها بذلك تكون قد انقلبت إلى فعل شائن وتصرف معيب غير مشروع يعاقب عليه القانون أياً كانت المبررات التي أوحت به والنزعات التي دفعت إليه. ومهما يكن من أمر، فإن هذا الحق الدستوري القديم، حق تقديم أفراد الشعب العرائض لمخاطبة السلطات العامة لا يعدو اليوم أن يكون ضماناً تضاءلت قيمته حقيقة وعملاً بعد إذ تعددت لدى الفرد طرق مشروعة فعالة منها القضائية ومنها الإدارية ومنها طريق القضاء الإداري بما يملكه من ولاية الإلغاء.


إجراءات الطعن

في 30 من يوليو سنة 1962 أودع الأستاذ المحامي عن الرائد بالمعاش أحمد عرفة المتبولي, بموجب قرار إعفاء رقم (350) لسنة 8 ق صادر بجلسة 21 من يوليو سنة 1962 سكرتارية المحكمة تقرير طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم (1456) لسنة 8 ق في القرار الصادر من مجلس التأديب الاستئنافي لموظفي هيئة الشرطة بجلسة 9 من مايو سنة 1962 في القضية التأديبية المقامة ضد الرائد المذكور وهو ضابط بمصلحة السجون وآخر بمصلحة الشرطة, والذي قضى: (بقبول الاستئنافين شكلاً, وفي الموضوع برفضها وبتأييد القرار المستأنف - بعزل هذا الطاعن، وآخر، مع حفظ حقهما في المعاش أو المكافأة أو صندوق الادخار.) وطلب الحاضر عن الطاعن للأسباب التي استند إليها في تقرير طعنه: (القضاء بقبول هذا الطعن شكلاً, وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر من مجلس تأديب موظفي هيئة الشرطة الابتدائي, والاستئنافي وبراءة الطاعن من التهمة التي أسندتها إليه الوزارة، مع ما يترتب على ذلك من آثار, وإلزام الوزارة مصروفات هذا الطعن, ومقابل أتعاب المحاماة). وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة الداخلية في 4 من أغسطس سنة 1962 وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 26 من يناير سنة 1963 ومنها إلى جلسة 16 من فبراير ثم إلى 9 من مارس, وفي أول إبريل قدم الحاضر عن الطاعن (عرفة المتبولي) مذكرة شارحة لتقرير طعنه معقباً على تقرير السيد مفوض الدولة قال فيها إنه أخذاً بالأحوط أقام طعنين اثنين على القرار التأديبي الصادر بعزله من وظيفته: أحدهما أمام محكمة القضاء الإداري بالدعوى رقم (1043 ق) لسنة 16 قضائية التي لا تزال بالتحضير وهي عن ذات الموضوع. والثاني هو الطعن رقم (1456) - لسنة 8 ق أمام المحكمة الإدارية العليا, وأن كل من الطعنين مقدم في الميعاد القانوني وإن كان الطاعن يقر السيد رئيس هيئة المفوضين, رأيه في أن هذا الطعن الثاني رقم (1456) لسنة 8 عليا يدخل في اختصاص هذه المحكمة العليا استناداً إلى ما سبق أن قررته المحكمة العليا في طعون متماثلة. أما عن موضوع الطعن فمذكرة الطاعن تنعى على مجلس التأديب الاستعانة بخبير موظف من وزارة الداخلية لفحص بصمات الطاعن (عرفه المتبولي) وفي ذلك مخالفة لأحكام قانون المرافعات. كما تنعى المذكرة على القرار التأديبي بالعزل أنه لم يراع الملاءمة بين الجزاء وبين الذنب الإداري على فرض صحة الاتهام المنسوب إلى الطاعن. وانتهت المذكرة إلى طلب الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر من مجلس تأديب موظفي هيئة الشرطة الابتدائي والاستئنافي وبراءة الطاعن من التهمة التي أسندتها إليه وزارة الداخلية مع ما يترتب على ذلك من آثار, وإلزام الوزارة مصروفات هذا الطعن, ومقابل الأتعاب.
وبجلسة 6 من إبريل سنة 1963 قررت دائرة فحص الطعون إحالة هذا الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا للمرافعة بجلسة 18 من مايو سنة 1963 ومنها إلى جلسة 26 من أكتوبر لضم مستندات مودعة في طعن آخر كان لا يزال معلقاً أمام دائرة فحص الطعون, وبجلسة 29 من فبراير سنة 1964 سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة ثم قررت المحكمة إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة 20 من يونيو سنة 1964 ولكن الحاضر عن الطاعن (المتبولي) طلب إعادة هذا الطعن إلى المرافعة بجلسة 31 من أكتوبر سنة 1964 لأن هذا الطعن رقم (1456) لسنة 8 ق عليا, ذو صلة بطعن آخر أمام هذه المحكمة العليا وهو رقم (1351) لسنة 8 ق مقدم من الرائد عيسى منصور عيسى يستهدف إلغاء ذات القرار الصادر من مجلس تأديب موظفي هيئة الشرطة الابتدائي والاستئنافي الذي قضى بعزل الرائدين الطاعنين من خدمة هيئة الشرطة بوزارة الداخلية. وبالجلسة المذكورة قدم الحاضر عن الرائدين الطاعنين (المتبولي, عيسى) حافظة جديدة ببعض المستندات ومذكرة علق فيها على تقرير كان قد أودع في 8 من إبريل سنة 1964 من السيد الدكتور المدير العام السابق لقسم أبحاث التزوير والتزييف بمصلحة الطب الشرعي. ثم قررت المحكمة إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة 12 من ديسمبر سنة 1964 ثم أودعت وزارة الداخلية مظروفاً به بعض الأوراق المتعلقة بكل من الطعنين, وقدم الحاضر عن الطاعنين مذكرة في أول ديسمبر سنة 1964 انتهى في ختامها إلى طلب الحكم في كل من الطعنين بإلغاء القرار الصادر من مجلس التأديب الابتدائي في 24 من يناير سنة 1962 والاستئنافي بتاريخ 9 من مايو سنة 1962 وطلب القضاء ببراءة كل من الرائدين الطاعنين من التهمة المسندة إلى كل منهما. وقدمت هيئة مفوضي الدولة مذكرة برأيها القانوني في هذا الطعن رقم (1456) لسنة 8 ق أوصت فيه بقبوله شكلاً وبرفضه موضوعاً مع إلزام الطاعن (عرفة المتبولي) بالمصروفات. وقد قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم إلى جلسة اليوم والتي صدر فيها أيضاً الحكم في الطعن رقم (1351) لسنة 8 ق المقدم من الرائد عيسى منصور عيسى.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق, وسماع الإيضاحات, وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة التأديبية حسبما يبين من أوراق الطعن تتحصل في أن السيد وكيل وزارة الداخلية أصدر في 9 من ديسمبر سنة 1961 قراراً بإحالة كل من الرائد أحمد عرفه المتبولي الضابط بمصلحة السجون - الطاعن في هذا الطعن رقم (1456) لسنة 8 ق والرائد عيسى منصور عيسى، الضابط بمصلحة الشرطة - الطاعن في الطعن رقم (1351) لسنة 8 ق إلى مجلس تأديب موظفي هيئة الشرطة لمحاكمتهما عن التهمة الآتية: (وذلك لإخلالهما إخلالاً خطيراً بواجبات وظيفتهما ومقتضياتها على وجه يخالف القانون والنظام. بأن قاما بإرسال منشورات باسم ضباط الشرطة خريجي قسم الكونستبلات دون توقيع عليها باسم السيد رئيس الجمهورية، والسادة نواب الرئيس، وبعض الوزراء، وكبار ضباط الشرطة، اشتملت على عبارات ماسة، وآراء تدعو إلى التشيع والفرقة بين أفراد جهاز الشرطة، وأسندت إلى المسئولين في وزارة الداخلية مجافاة العمل بالمبادئ الاشتراكية والتعاونية وقد أرسلا هذه المنشورات بوسائل خفية، وهما اللذان تقتضيهما طبيعة أعمالها محاربة هذه الوسائل والكشف عنها وذلك على النحو الموضح تفصيلاً في التحقيقات والمذكرات ومحاضر التفتيش والتقارير الفنية المرافقة). وفي 7 من يناير سنة 1962 انعقد مجلس التأديب الابتدائي وحضر الضابطان ومعهما الأستاذ المحامي عنهما وناقشهما المجلس تفصيلاً في التهمة المنسوبة إليهما واستمع إلى الدفاع على النحو الثابت تفصيلاً في محضر جلسة المحاكمة التأديبية وقرر المجلس ضم الدفوع وتأجيل النظر في القضية التأديبية لجلسة الأربعاء 10 من يناير سنة 1962 واستدعاء كل من السيد وكيل قسم الخبراء والمفتشين بمصلحة تحقيق الشخصية (وديع بشاره يوسف)، والسيد (عبد العزيز الدمرداش) الخبير لدى المحاكم للحضور أمام مجلس التأديب الابتدائي لمناقشتهما في التقريرين المقدمين منهما - وتكليف مصلحة التفتيش العام بوزارة الداخلية بإحضار الأربعة عينات) المنوه عنها في التقرير المقدم من الخبير (الدمرداش) والتي أجريت عليها عملية المضاهاة في الخطوط. وانعقد المجلس الابتدائي في 10 من يناير سنة 1962 وحضر الضابطان (المتبولي، وعيسى) وطلبا التأجيل لمرض المحامي عنهما. كما حضر الخبيران (بشاره والدمرداش) وقرر مجلس التأديب رفض طلب التأجيل لعدم وجود ما يبرره إذ كان الضابطان قد استوفيا دفاعهما الأصلي في الجلسة الأولى، ولم يبق إلا دفاعهما من ناحية موضوع (المنشور) وكانا قد أعدا مذكرة بشأنه، وناقش المجلس الخبيرين، كما سمح للضابطين بمناقشتهما، وذلك على النحو المفصل بمحضر جلسة التأديب ثم قرر مجلس التأديب الابتدائي إصدار القرار التأديبي.
وبجلسة 24 من يناير سنة 1962 أصدر مجلس التأديب الابتدائي لموظفي هيئة الشرطة، والمنعقد بديوان وزارة الداخلية والمشكل برئاسة السيد اللواء مدير عام مصلحة الإدارة العامة، وعضوية اللواء مدير مصلحة الأمن العام، والسيد النائب المختص بمجلس الدولة، أصدر قراره ويقضي: (بإدانة الرائد عيسى منصور عيسى، والرائد أحمد عرفه المتبولي، في التهمة المنسوبة إليهما، ومجازاتهما عنهما بعزلهما من الخدمة مع حفظ حقهما في المعاش أو المكافأة أو صندوق الادخار). وقد أقام هذا المجلس الابتدائي قراره التأديبي بعزل الرائد أحمد عرفة المتبولي - الطاعن في هذا الطعن - على أن (المنشور) موضوع المحاكمة قد تضمن كثيراً من العبارات الماسة، ومنها على سبيل المثال: أن وزارة الداخلية تعمل على عكس المبادئ التي ينادي بها السيد رئيس الجمهورية، وهي ذوبان الطبقية، وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية. كما أن عبارة "لسنا من الزنوج في جنوب أفريقيا، ولا من المنبوذين في الهند حتى نعامل هذه المعاملة" وهذه العبارة تدعو ولا شك لإثارة الأحقاد والحزازات في النفوس إذ أن كل من سيقرأ هذا المنشور من الضباط خريجي قسم الكونستبلات سيتأثر بالغ التأثير، ويعتقد أنه يعامل بطريقة مختلفة عن باقي الضباط كما أن عبارة "ليس في الدولة عامل أو كناس أو مدرس إلزامي أو عسكري صول في الشرطة، صدر له أي قانون مماثل لهذا القانون الذي لم يوضع مثله قط في الإقليم المصري، ولا من جميع دول العالم" هذه العبارة هي الأخرى تتضمن معاني التفرقة والكراهية والحط من شأنهم وتصويرهم في صورة المنبوذين المضطهدين. ويسترسل مجلس التأديب الابتدائي في أسبابه قائلاً إن عبارات هذا المنشور في جملتها تتضمن إثارة فتنة طائفية في المرفق الواحد، وتبث في نفوس الضباط خريجي قسم الكونستبلات روح الحقد والكراهية للمسئولين في الوزارة. كما أنها تعد سابقة خطيرة في البيئة المنوط في أفرادها أصلاً الطاعة العمياء. ثم استطرد المجلس الابتدائي يقول إن الدفاع عن الرائد أحمد عرفة المتبولي - الطاعن الراهن - قد ردد ما سبق أن أبداه من دفوع بشأن زميله الرائد عيسى منصور عيسى. والمجلس يرفضها لذات الأسباب - وكانت الدفوع ثلاثة: بطلان عملية المضاهاة بالنسبة لخط عيسى، وبطلان تقرير الخبير الدمرداش لأنه لم يؤد اليمين القانونية قبل أداء مهمته، والرائد عيسى لم يعترف بورقة المضاهاة في حين أن قانون المرافعات يوجب اعتراف المتهم بورقة المضاهاة حتى يمكن أن يعتد بنتيجتها - وقد رفض المجلس الابتدائي هذه الدفوع الثلاثة لأن الرائد عيسى كان قد أقر أمام ذلك المجلس بأن ورقة المضاهاة التي باشر عليها الدمرداش مأموريته هي بخطه وتوقيعه. أما عن الخبير الدمرداش فقد نوه المجلس بأنه كان قد أدى اليمين ابتداء يوم أن قبل خبيراً أمام لجنة الخبراء فلا يلزم أن يؤدي اليمين قبل كل تكليف.
وقد أضاف المجلس الابتدائي رداً على دفع جديد خاص بالرائد متبولي وحده، فقال المجلس إنه وإن كان خبير البصمات (وديع بشاره يوسف) لم يؤد اليمين القانونية ابتداء كما يؤديها خبراء الجدول إلا أن هذا الخبير يشغل وظيفة حكومية هي (وكيل قسم الخبراء والمفتشين بمصلحة تحقيق الشخصية ولا شك أن هذه الوظيفة هي من الوظائف الرئاسية التي يشترط فيمن يشغلها أن يكون ثقة في فنه أميناً في أدائه، وعلى ذلك فإن المجلس الابتدائي يطمئن إلى أنه أدى مأموريته بأمانة، وعلى أية حال فقد وجه إليه المجلس اليمين فحلفها أمامه بأنه أدى المأمورية الموكلة إليه بطريقة سليمة فنية، وأن البصمات التي وجدها على (المنشورات) المضبوطة هي نفسها بصمات الرائد أحمد عرفه المتبولي (الطاعن) واستطرد المجلس الابتدائي يقول إن الدفاع عن (المتبولي) ينعى على تقرير خبير البصمات (بشارة) أنه جاء قاصراً ومجافياً لروح القانون والفن مما يستوجب هدره، لأنه لم يوضح الأسباب الفنية التي استند إليها عندما قطع بأن البصمات المرفوعة هي بصمات الرائد المتبولي كما وأن تقريره بالصورة التي قدمها إلى المجلس الابتدائي يتضمن خطأ فنياً جسيماً إذ لم يبين فيه نوع بصمة الرائد المتبولي، وما هي الطريقة التي اتبعها عندما قرر ذلك. وما هي الطريقة التي عالج بها البصمة حتى أظهرها على المنشور وما هي العلامة المميزة التي جعلته يقطع برأيه الذي انتهى إليه إذ أن من المستقر علماً أنه لا يجوز التقرير بأن البصمة لشخص ما إلا إذا وجدت أكثر من سبعة علامات فنية مميزة إلى جانب الزاوية أو المركزية.... إلخ.... والمجلس الابتدائي رد على هذا الدفاع عن المتبولي فقال إن الثابت من تقرير خبير البصمات (بشارة) أنه فحص المنشورات بالمعمل الكيماوي بقسم الخبراء والمفتشين، وتبين له وجود أثار لبصمات لأجزاء من أصابع بعضها صالح للمضاهاة. والآخر غير صالح لذلك. فقام الخبير (بشارة) بتصوير البصمات الصالحة للمضاهاة بمصلحة تحقيق الشخصية، وأوضح مكانها في تقريره المقدم وأضاف الخبير إليه بأنه أحاط كلاً من هذه الآثار بدائرة المداد الأحمر ووقع عليها بالنظر. وعندما ذهب إلى إدارة كاتم أسرار الداخلية عرضت عليه ثلاثون شهادة تحقيق شخصية.... (أورنيك 56) لثلاثين ضابط بوليس، أوضح أسماءهم بتقريره، وتبين له من فحص هذه الشهادات أن الآثار الثلاثة التي أمكن رفعها تنطبق تماماً على بصمة السبابة من اليد اليمنى واليسرى للرائد أحمد عرفه المتبولي، صاحب شهادة تحقيق الشخصية رقم (30672/ 1935) والمحررة بالمصلحة في 14/ 9/ 1935 واستطرد المجلس الابتدائي أسبابه قائلاً إنه قد واجه الخبير (بشاره) باعتراضات الدفاع عن المتبولي فقرر هذا الخبير أن نوع البصمة، لا يعتبر أساساً في عملية المضاهاة إذ قد تتفق بصمتان في نوع واحد، وتختلفان في باقي التفاصيل، وأنه لم يشأ ذكر مسألة النوع واكتفى بوجود نقاط مميزة تطابقت في البصمتين، وهذه النقاط المميزة مستقر عليها علماً وعملاً.
وقد تبين للمجلس الابتدائي من مناقشة الخبير (بشارة) أن تطابق البصمتين كان من الوضوح بحيث لم يكن هناك مجالاً لأي شك، وأن ما أثاره الدفاع عن المتبولي في هذا الشأن لا يؤثر بحال على الرأي الذي انتهى إليه المجلس. وكذلك جاء في أسباب قرار المجلس الابتدائي أنه بالإضافة إلى ما تقدم فإن تخبط الرائد المتبولي في دفاعه عن نفسه يحمل الدليل بذاته على ثبوت التهمة قبله. ذلك أنه عندما ووجه بتقرير الخبير بشارة، ذكر أن بصمته التي تمت عليها المضاهاة قد مضى عليها أكثر من ربع قرن من الزمان، وهي والحالة هذه لا تصلح أساساً للمضاهاة. فلما أن وجه بأن بصمة الإنسان لا تتغير من المهد إلى اللحد، أسقط في يده ولجأ إلى دفاع ساذج مفاده أنه كثيراً ما كان يشتري أوراقاً من المكتبات العامة بشارع محمد علي بالقاهرة ليستعملها في عمله لقلة الأوراق التي تصرف من مخازن الوزارة، فربما يكون قد ترك بصماته على هذه الأوراق دون أن يشعر عندما كان يفحصها ولم يشترها فقام غيره بشرائها واستعمالها في المنشورات الموزعة. وقد رأى مجلس التأديب أن هذا الدفاع هو من السذاجة بحيث لا يستأهل حتى مجرد التعقيب. وقد ثبت لمجلس التأديب الابتدائي مما تقدم من أسباب قراره التأديبي أن البصمات التي وجدت على المنشورات المضبوطة هي بصمات الرائد عرفة المتبولي، وأنه قام بإرسال تلك المنشورات بطريقة خفية، فإن التهمة المنسوبة إليه تكون ثابتة قبله. وما ثبت في حق المتبولي وزميله، يعتبر إخلالاً خطيراً بواجبات وظيفتهما ومقتضياتها، وهما قد سلكا بتصرفاتهما هذه مسلك الخارجين على القانون الذين يروجون لمبادئهم بمثل هذه الطرق الملتوية. ولو كانا حقاً ينشدان إنصافاً أو رفع ظلم لحقهما، لتقدما بشكوى بإمضائهما صراحة إلى الجهات المسئولة وبالطريق القانوني. ولا شك أن المسئولين يضعون نصب أعينهم أنصاف كل ذوي حق، ورفع الظلم عن كافة المواطنين دون أي تفرقة. واستطرد المجلس الابتدائي يقول أن أحداً لم يقل بأن وزارة الداخلية تعامل الضباط خريجي قسم الكونستبلات وكأنهم من زنوج جنوب أفريقيا أو من المنبوذين بالهند. فهذه العبارات كشفت عن خبيئ ظنهما وسوء قصدهما إذ الغرض الأساسي من هذا المنشور الموزع والمضبوط هو إثارة فتنة طائفية مدمرة، فيختل النظام في المرفق الذي يحمي الوطن من الداخل. وكل هذا يحدث في وقت تتكاثف فيه قوى الأعداء، يتآمرون على الوطن من الخارج ومن الداخل ولذلك فإنه يتعين أخذ الرائدين: (المتبولي وعيسى) بالشدة جزاء وفاقاً لما وقع منهما من إساءة خطيرة لواجبات المهنة التي شرفتهما بالانتساب إليها. ثم استطرد مجلس التأديب الابتدائي يقول: "ولقد كان المجلس يود استعمال الرأفة مع الرائد عيسى منصور عيسى - الطاعن في طعن آخر رقم (1351) لسنة 8 ق بسبب المرض الذي ألم به إلا أن جسامة الخطأ الذي وقع فيه مع زميله المتبولي - الطاعن الراهن - وخطورة الآثار الناجمة عنه حالت دون ذلك". بل يرى المجلس لزاماً عليه أن تكون هذه الرأفة من نصيب هيئة الشرطة، ولا يتم ذلك إلا ببتر هذين الضابطين من البوليس حتى تظل بمنأى عن الطائفية البغيضة، فتؤدي واجبها الأسمى جبهة واحدة وروحاً واحدة.
وفي 25 من يناير سنة 1962 تقدم كل من الرائدين (عرفة المتبولي، وعيسى منصور) إلى السيد وكيل وزارة الداخلية لشئون الأمن العام والشرطة، ورئيس مجلس التأديب الاستئنافي، يطلبان استئناف قرار مجلس التأديب الابتدائي الصادر في 24 من يناير سنة 1962 بعزل كل منهما من وظيفته مع حفظ حقه في المعاش أو المكافأة أو صندوق الادخار. فانعقد مجلس التأديب الاستئنافي لموظفي هيئة الشرطة بجلسة 14 من مارس سنة 1962 بديوان وزارة الداخلية برئاسة اللواء وكيل الوزارة لشئون الأمن والشرطة، وعضوية السيد المحامي العام، والمستشار المساعد المختص بمجلس الدولة لنظر الاستئناف المرفوع من كل من الرائدين المعزولين. وفي هذه الجلسة قام المجلس الاستئنافي بأخذ بصمات الرائد أحمد عرفه المتبولي بمعرفة الخبير (شفيق اسكندر) رئيس قسم الخبراء والمفتشين بمصلحة تحقيق الشخصية بعد أن حلف اليمين القانونية أمام المجلس، وقرر المجلس الاستئنافي إرسال أوراق البصمات إلى مصلحة تحقيق الشخصية لإجراء المضاهاة بينهما، وبين البصمات الموجودة على المنشورات المضبوطة. فقدمت مصلحة تحقيق الشخصية تقريراً في 26 من مارس سنة 1962 انتهت فيه إلى ذات النتيجة التي أوردها خبيرها الأول (وديع بشارة يوسف) في 11 من يناير سنة 1962 المشار إليه في قرار مجلس التأديب الابتدائي.
وبجلسة 9 من مايو سنة 1962 أصدر مجلس التأديب الاستئنافي قراره وهو يقضي "بأن المجلس قرر حضورياً قبول الاستئنافين شكلاً، وفي الموضوع برفضهما، وبتأييد القرار المستأنف". وأقام قراره هذا في حق الرائد عرفة المتبولي على أن الثابت من تقريري مصلحة تحقيق الشخصية، وهي المصلحة ذات الاختصاص والقول الفصل في أمر مضاهاة البصمات، أن بصمات عديدة ببعض المنشورات المضبوطة هي لهذا المتهم دون سواه. واستطرد المجلس الاستئنافي يقول إنه لا يعول على الاعتراضات التي أثارها الدفاع بجلسة المرافعة الأخيرة، في هذا الخصوص لعدم جديتها، ولأن تقرير الخبير المعين من المجلس الاستئنافي (شفيق إسكندر) والمؤرخ 26 من مارس سنة 1962 قد أثبت في البند الأول منه (أنه توجد بصمات بالمنشورات تنطبق على بصمة أصابع السبابة اليسرى للرائد المتبولي، كما توجد بصمة أخرى، تنطبق على بصمة أصبع السبابة اليمنى لنفس المتهم. كما أثبت في البند الثاني من هذا التقرير أنه توجد خمس بصمات تنطبق جميعها على أصبع السبابة اليمنى للرائد المتبولي. وهذا كله بالإضافة إلى أن المجلس الاستئنافي يرى أن موضع بصمات المتهم على المنشورات المضبوطة بطرفيها الأيمن من الناحيتين العليا والسفلى، وبطرفها الأيسر من الناحية السفلى يدل دلالة واضحة على أن هذا المتهم (المتبولي) قد قام بدور إيجابي، وقت طباعة هذا المنشور على الآلة الكاتبة مما ينتفي معه القول بأن دوره كان سلبياً أو لغير ذلك من الاحتمالات التي أثارها الدفاع. ومن أجل ذلك يرى المجلس الاستئنافي أن القرار المستأنف في محله موضوعاً من ناحية ثبوت التهمة على المتهمين. كما أن العقوبة مناسبة لما بدر منهما من أثم يتنافى مع النظام العسكري الذي يدينان به، ويلتزمان بأحكامه. أما وقد خرجا خروجاً صارخاً على مقتضياته، فقد فقدا عنصر الصلاحية للبقاء في الخدمة مما يتعين معه تأييد القرار المستأنف موضوعاً.
وفي 7 من يوليو سنة 1962 طلب الطاعن (المتبولي) من لجنة المساعدة القضائية للمحكمة الإدارية العليا إعفاءه من رسوم هذا الطعن أمام هذه المحكمة في قرار مجلس التأديب الاستئنافي لموظفي هيئة الشرطة الصادر في 9 من مايو سنة 1962 فقررت اللجنة قبول طلبه بجلسة 21 من يوليو سنة 1962 وصدر له قرار الإعفاء رقم (350) لسنة 8 ق وأودع الأستاذ المحامي المنتدب سكرتارية هذه المحكمة في 30 من يوليو سنة 1962 تقريراً بالطعن رقم (1456) لسنة 8 ق ضد وزارة الداخلية وأقام طعنه هذا على أن قرار مجلس التأديب الاستئنافي الذي انتهى إلى تأييد القرار المستأنف بعزل الرائدين المتبولي وعيسى من الخدمة قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله للأسباب الآتية: (1) إن تقرير موظف مصلحة تحقيق الشخصية (وديع بشارة يوسف) وكيل قسم الخبراء الذي اعتمد عليه قرار مجلس التأديب الابتدائي وأيده المجلس الاستئنافي هو تقرير باطل قانوناً لأن هذا الموظف لم يحلف اليمين القانونية قبل مباشرته لمأموريته، ولا عند إسناد وظيفته إليه ولأن له مصلحة شخصية هي أن له شقيقاً من طائفة الضباط المرقيين من سلك الكونستبلات. وعلاوة على ذلك فإن تقرير الخبير (شفيق اسكندر) رئيس القسم المختص بمصلحة تحقيق الشخصية قد التزم طريقة زميله (بشارة) وحرص الرئيس على ألا يخالف الوكيل. (2) وكذلك فإن الخبيرين (بشارة ثم اسكندر) هما موظفان في وزارة الداخلية التي أقامت الدعوى ضد الطاعن (المتبولي) وزميله عيسى، وأنه لذلك يقوم بالخبيرين المذكورين المانع الذي نصت عليه الفقرة الرابعة من المادة (231) من قانون المرافعات (يجوز رد الخبير: إذا كان مستخدماً عند أحد الخصوم أو كان قد اعتاد مؤاكلة أحدهم أو مساكنته أو كان قد تلقى منه هدية قيمة). (3) يجادل هذا الوجه في صحة نسبة البصمات التي وجدت على المنشورات المضبوطة إلى الطاعن (عرفة المتبولي). (4) وحاصل هذا الوجه الرابع من تقرير طعن الرائد المتبولي يدور حول فحوى المنشورات المضبوطة فهي في نظر الرائد الطاعن لا تبرر إنزال عقوبة العزل من الوظيفة لأن حق التظلم يكفله القانون. والطائفة التي ينتمي إليها المتبولي وزميله عيسى كانت في حاجة إلى الشكوى من تصرفات وزارة الداخلية إلى السيد رئيس الدولة. وخلص تقرير هذا الطعن إلى طلب الحكم بقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر من مجلس تأديب موظفي هيئة الشرطة الابتدائي، وبراءة الطاعن أحمد عرفة المتبولي من التهمة التي أسندتها إليه وزارة الداخلية، مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الوزارة المصروفات.
عن مدى قبول هذا الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا:
ومن حيث إن السيد اللواء مدير إدارة كاتم أسرار وزارة الداخلية بعث في 15 من أغسطس سنة 1962 إلى السيد رئيس هذه المحكمة العليا كتاباً جاء فيه: "أنه بالنسبة لتقرير الطعن رقم 14565) لسنة 8 ق عليا المقام من الرائد بالمعاش أحمد عرفة المتبولي - الطاعن الراهن - ضد وزارة الداخلية مطالباً بإلغاء قرار مجلس تأديب موظفي هيئة الشرطة الاستئنافي الصادر في 9 من مايو سنة 1962 والقاضي بعزله وآخر من الخدمة مع حفظ حقهما في المعاش أو المكافأة نتشرف بإحاطة سيادتكم علماً بأن الطاعن (المتبولي) قد أقام في الوقت ذاته الدعوى رقم (1043) لسنة 16 ق عن نفس الموضوع أمام محكمة القضاء الإداري، وما زالت هذه الدعوى الأخيرة بالتحضير ولم يفصل فيها بعد، ومن ثم فما كان ينبغي لهذا الطاعن أن يطعن في نفس الموضوع أمام المحكمة الإدارية العليا قبل أن يصدر حكم بشأنه من محكمة القضاء الإداري، ولذا فإن هذا الطعن الراهن يصبح والحالة هذه غير مقبول شكلاً وقانوناً ويتحتم رفضه وتفضلوا بقبول.. توقيع.. وقد جاء في مذكرة هذا الطاعن (الرائد المتبولي) المقدمة لهيئة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا بجلسة 6 من إبريل سنة 1963 ما يفيد أنه أخذاً من جانبه بمبدأ الحيطة فقد أقام عن نفسه طعنين على القرار التأديبي الصادر بعزله من وظيفته. أحدهما - الدعوى رقم (1043) لسنة 16 ق أمام محكمة القضاء الإداري، والثاني وهو هذا الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا، وقدم كلاً من الطعنين في الميعاد القانوني، فلا تثريب عليه إذن في إقامة هذا الطعن.
ومن حيث إن المادة (15) من القانون رقم (165) لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة كانت تجري بأن لرئيس هيئة مفوضي الدولة، من تلقاء نفسه أو بناء على طلب ذوي الشأن، إن رأى الرئيس المذكور وجهاً لذلك، أن يطعن أمام المحكمة الإدارية العليا في الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري أو المحاكم الإدارية وذلك في أحوال محددة. فكانت وظيفة هذه المحكمة العليا الفصل في الطعون على الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري أو المحاكم الإدارية. ثم أدخل القانون رقم (55) لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة تعديلاً على هذه المادة الخامسة عشرة فصارت تجري بما يأتي: (يجوز الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا في الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري أو المحاكم الإدارية أو المحاكم التأديبية وذلك في الأحوال الآتية..... ويكون لذوي الشأن ولرئيس هيئة مفوضي الدولة أن يطعن في تلك الأحكام خلال ستين يوماً من تاريخ صدور الحكم...). فمفاد نص المادة الخامسة عشرة قبل، وبعد تعديلها أن المشرع ناط بهذه المحكمة الإدارية العليا، في الأصل، مهمة التعقيب النهائي على الأحكام سواء الصادرة من محكمة القضاء الإداري أو من المحاكم الإدارية أو من المحاكم التأديبية حتى تكون كلمتها هي القول الفصل في تأصيل أحكام القانون الإداري، وتنسيق مبادئه واستقرارها ومنع التناقض في الأحكام. فكان من أسباب وجود المحكمة الإدارية العليا أن تواجه مشكلة ضغط الكثيرة الهائلة من القضايا على محكمة القضاء الإداري مع مراعاة أن العدالة الإدارية لن تتحقق على خير وجه إلا إذا سارت على نمط يجمع بين التبسيط والسرعة في الإجراءات ولتأصيل أحكام القانون الإداري تأصيلاً يربط بين شتاتها ربطاً محكماً متكيفاً مع البيئة العربية خاصة وأن القانون الإداري يفترق عن القوانين الأخرى في أنه غير مقنن وأنه ما زال في مقتبل نشأته يكتنفه فراغ واسع من النصوص وفيه أوضاع حائرة تبحث لها عن سند تارة في مجال قانون المرافعات وأخرى في مجال قانون الإجراءات الجنائية في مادة التأديب مثلاً، وتارة أخرى في مجال تقنين آخر فما تزال طرق هذا القانون وعرة وعسيرة المسالك. ومن هنا صح القول بأن القضاء الإداري ليس مجرد قضاء تطبيقي وإنما هو في الأعم الأغلب قضاء تكويني إنشائي خلاق. ويبتدع الحلول المناسبة للروابط القانونية التي تنشأ بين جهات الإدارة في تيسيرها للمرافق العامة من جهة وبين الأفراد من جهة أخرى ويبتكر المخارج لما يعترض سبيله من مآزق أو مزالق تحقيقاً لمهمة المواءمة بين الصالح العام والمصلحة الخاصة.
لئن كانت مهمة هذه المحكمة العليا هي أصالة التعقيب النهائي على الأحكام فليس هنالك ما يمنع من أن يدخل في نطاق هذه المهمة استثناء التعقيب أيضاً على بعض القرارات الإدارية الصادرة من الهيئات التأديبية لحكمة قد تجد سندها في اختصار مراحل التأديب حرصاً من الشارع على حسن سير الجهاز الحكومي، كما قد تجد سندها القانوني في أن قرارات تلك الهيئات، وإن كانت في حقيقتها قرارات إدارية إلا أنها أشبه ما تكون في نظر هذه المحكمة العليا بالأحكام وإن كانت ليست بذلك طالما أن الموضوع الذي تفصل فيه ليس بمنازعة قضائية وإنما هو محاكمة مسلكية تأديبية. ومن ثم يسقط التحدي بالمقارنة بين القرارات التأديبية الصادرة من المحاكم التأديبية، وبين مثيلاتها الصادرة من المجالس التأديبية فما هذه وتلك إلا قرارات إدارية تحمل في طياتها جزاءات تأديبية في مآخذ مسلكية وإخلالاً بواجبات الوظيفة ومقتضياتها تنشئ في حق الموظف الصادرة في شأنه مركزاً قانونياً جديداً ما كان ينشأ لولا هذه القرارات. وليس بدعاً في التشريع أن يطعن رأساً في قرار إداري أمام المحكمة الإدارية العليا، فلهذا نظير في فرنسا حيث يجوز الطعن رأساً أمام مجلس الدولة الفرنسي بهيئة قضاء نقض في بعض القرارات الإدارية هناك. وفي الجمهورية العربية المتحدة على سبيل المثال، صدر القانون رقم (184) لسنة 1958 في شأن تنظيم الجامعات ونصت المادة (80) منه على أن تكون محاكمة أعضاء هيئة التدريس أمام مجلس تأديب يشكل على نحو معين. وجاء في الفقرة الأخيرة من هذه المادة (وتسري بالنسبة للمحاكمة أحكام القانون رقم (117) لسنة 1958 الخاص بتنظيم المحاكمات التأديبية. على أن تراعى بالنسبة للتحقيق والإحالة إلى مجلس التأديب أحكام المادة (76) من قانون تنظيم الجامعات). والفقرة الأخيرة من هذه المادة (76) تنص على أن (ويحيل مدير الجامعة العضو المحقق معه إلى مجلس التأديب إذا رأى محلاً لذلك.). ومفاد ذلك أن المشرع التزم في تنظيم التأديب بالنسبة إلى الموظفين سياسة اختصار مراحله وسرعة البت في أمره فقصر التأديب على محاكمة واحدة أمام هيئة تتوافر فيها الضمانات اللازمة على أن يتاح التعقيب على القرار التأديبي الصادر منها أمام هذه المحكمة الإدارية العليا، وذلك ما نصت عليه المادة (32) من القانون رقم (117) لسنة 1958 الذي أحال إليه قانون تنظيم الجامعات. والمادة (32) المذكورة تنص على أن أحكام المحاكم التأديبية نهائية. ولا يجوز الطعن فيها إلا أمام المحكمة الإدارية العليا. فإذا كان القانون رقم (234) لسنة 1955 الصادر في 27 من إبريل سنة 1955 بنظام هيئة البوليس قد خصص الفصل السادس منه للتأديب ونظم أحكامه في المواد من (64) إلى (85) وقضى بأن الطعن في القرار الصادر من مجلس التأديب الابتدائي يكون أمام المجلس التأديبي الاستئنافي وأن القرار الصادر من مجلس التأديب الأعلى يكون نهائياً. فلا تثريب على الطاعن بعد إذا أنشأ القانون رقم (165) لسنة 1955 الصادر في 23 من مارس سنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة، المحكمة الإدارية العليا، وناط بها ولاية التعقيب النهائي على أحكام القضاء الإداري والمحاكم الإدارية والتأديبية وما أجراه الشارع وقضاء هذه المحكمة الإدارية العليا مجراها من قرارات مجالس التأديب، فلا تثريب عليه إذا أقام هذا الطعن مباشرة أمام هذه المحكمة العليا في قرار مجلس تأديب موظفي هيئة الشرطة الابتدائي والاستئنافي الذي قضى بعزله من الخدمة.
والقرار التأديبي المطعون فيه صدر من تاريخ لاحق لتاريخ صدور القانون رقم (117) لسنة 1958 على ما سلف تفصيله. فيتعين رفض هذا الدفع.
عن موضوع هذا الطعن:
ومن حيث إن الطاعن (المتبولي) ينعى على تقرير السيد/ (وديع بشارة يوسف) وكيل قسم الخبراء والمفتشين بمصلحة تحقيق الشخصية، بطلانه إذ لم يحلف هذا الوكيل اليمين القانونية قبل أن يباشر مأموريته أمام مجلس التأديب الابتدائي، ولا عند إسناد الوظيفة التي يشغلها إليه، وفوق ذلك فإن له مصلحة شخصية تتمثل في أن له شقيقاً من طائفة الضباط المرقين في سلك الكونستبلات. أما عن تقرير السيد (شفيق اسكندر) رئيس قسم الخبراء والمفتشين بمصلحة تحقيق الشخصية، وهو التقرير المقدم إلى المجلس الاستئنافي بعد حلف اليمين القانونية أمام المجلس، فإن الطاعن ينعى عليه أيضاً مجاملة رئيس المصلحة لوكيلها وحرص الأول على التزام رأي الثاني.
ومن حيث إن الخبرة (Ľexpertise) هي طريق من طرق التحقيق، يتخذ في الدور الابتدائي كما يتخذ في الدور النهائي منه. وقد أجاز قانون الإجراءات الجنائية رقم (150) لسنة 1950 الاستعانة بأهل الخبرة في دور التحقيق الابتدائي فأجازه لرجال الضبط القضائي، وأعضاء النيابة وقضاة التحقيق. ولكنه سكت عن ذلك في دور المحاكمة. ومن المسلم أن للمحكمة أن تنتدب خبيراً أو أكثر للاستنارة برأيهم في المسائل الفنية التي تستدعي خبرة خاصة، وتنتدب المحكمة الخبير من تلقاء نفسها أو بناء على طلب الخصوم وأوجب هذا القانون أن يحلف الخبير اليمين قبل أداء مأموريته على أن يؤديها بالذمة. (المادة 86) من قانون الإجراءات الجنائية. ومن المسلم أيضاً أن الخبير يجب أن يحلف يميناً أمام المحكمة على أداء مأموريته بالذمة قبل أن يباشرها، إذا لم يكن سبق له حلف اليمين لتقريره أمام المحاكم وفقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم (96) لسنة 1952 بتنظيم الخبرة أمام جهات القضاء. ويترتب على إغفال حلف اليمين بطلان الحكم الذي ينبني على تقرير الخبير الذي لم يؤدها لأنه يشترط لصحة الأخذ بالدليل أن يكون قد استحصل عليه وفقاً للإجراءات المقررة في القانون. وفي قانون المرافعات المدنية والتجارية نظم الفصل السادس منه أعمال الخبرة وأجازت المادة (225) للمحكمة عند الاقتضاء أن تحكم بندب خبير وقضت المادة (229) منه بأنه إذا كان الخبير غير مقيد اسمه في جدول الخبراء، وجب أن يحلف أمام القاضي يميناً بأن يؤدي عمله بالصدق والأمانة، وإلا كان العمل باطلاً، وبالرجوع إلى أوراق المحاكمة التأديبية لهذا الطاعن (الرائد عرفة المتبولي) يبين من استقراء محضر اجتماع المجلس في 7 يناير سنة 1962 أن السيد وكيل قسم الخبراء والمفتشين بمصلحة تحقيق الشخصية (بشارة) قد حلف اليمين أمام مجلس التأديب في 10 من يناير سنة 1962 وقام المجلس بمناقشته كما أذن المجلس للمتهم (المتبولي) بمناقشة هذا الخبير - ص 15 من محضر تحقيق مجلس التأديب الابتدائي - وفضلاً عن ذلك فإن مجلس التأديب الاستئنافي قد رأى استدعاء السيد (شفيق اسكندر) - رئيس قسم الخبراء والمفتشين بمصلحة تحقيق الشخصية وحلف اليمين على الوجه الآتي - والله العظيم أؤدي واجبي بالذمة والصدق - ص 7 من محضر تحقيق جلسة 14/ 3/ 1962 وكلف المجلس الاستئنافي هذا الخبير بأخذ بصمات الرائد أحمد عرفة المتبولي على ورقة منفصلة وقع عليها بالنظر السيد رئيس المجلس الاستئنافي. وقد تم ذلك بحضور محامي المتهم (المتبولي) وأثبت المجلس بمحضر المحاكمة أنه قرر انتداب السيد كبير الخبراء بمصلحة تحقيق الشخصية، وهو السيد (شفيق اسكندر) لإجراء عملية المضاهاة بين بصمة الرائد المتبولي وهي (البصمة المأخوذة أمام المجلس اليوم على ورقة منفصلة) وبين البصمة الموجودة على أصل المنشورات المضبوطة موضوع التهمة وقرر المجلس تأجيل جلسة المحاكمة حتى يرد تقرير مصلحة تحقيق الشخصية عن بصمات (المتبولي)، وتقرير مصلحة الطب الشرعي عن مضاهاة خطوط المتهم الثاني (عيسى منصور). فلا يستساغ بعد ذلك النعي بالبطلان على هذا الإجراء من إجراءات التحقيق أمام مجلس التأديب كما لا يقبل قول الطاعن بأن للخبير (بشارة) مصلحة تتعلق بأخيه، هذا قول لا دليل عليه، وإن صح هذا القول فإنه منبت المصلحة بإدانة الطاعن في الاتهام المنسوب إليه. ولا يقدح في تقرير رئيس قسم الخبراء والمفتشين بمصلحة تحقيق الشخصية أنه جاء مطابقاً لما اتجه وانتهى إليه تقرير وكيل هذا القسم. وترتيباً على ذلك يكون الوجه الأول من أوجه الطعن غير قائم على سند من الواقع ولا من القانون متعيناً رفضه.
ومن حيث إن الطاعن ينعى على القرار التأديبي المطعون فيه أنه استند إلى تقريري الخبيرين (بشارة وشفيق) وفات مجلس التأديب أنهما موظفان في وزارة الداخلية التي أقامت عليه الدعوى التأديبية ووجهت الاتهام إليه. فخالفت بذلك الفقرة الرابعة من المادة (231) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، والتي تقرر جواز رد الخبير إذا كان مستخدماً عند أحد الخصوم. وهذا الوجه مردود بدوره لأنه لا يستقيم والفهم الصحيح لإجراءات المحاكمات التأديبية على النحو الذي أرسى قواعده القضاء الإداري، وضبطه قضاء هذه المحكمة العليا. ذلك أن القواعد المتعلقة بتأديب الموظفين سواء جاءت في قانون نظام موظفي الدولة رقم (210) لسنة 1951 ومن بعده القانون رقم (46) لسنة 1964 بإصدار قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، أم في قانون النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية رقم (117) لسنة 1958 أم في قانون هيئات البوليس رقم (234) لسنة 1955 لم تتضمن نصوصاً تنظم أعمال الخبرة لدى مجالس التأديب وكل ما توجبه هذه القواعد بصفة عامة هو أن يجري التحقيق الإداري أو التأديبي وتتم المحاكمة في حدود الأصول العامة للمحاكمات. والتماثل ظاهر بين المحاكمة الجنائية. والمحاكمة التأديبية، فكلها تطبق شريعة عقاب سواء في مجال الدولة بأكملها أم في مجال الوظيفة العامة وحدها. ولا جدال في أن لهيئات التأديب الاستعانة بآراء الخبراء وأن انتدابهم أمامها لمهمة خاصة يعتبر إجراء من إجراءات التحقيق. وليس في القواعد التي تنظم تأديب الموظفين أو محاكمتهم ما يمنع من الاستعانة برأي جهة فنية متخصصة في الكشف عن الحقيقة والوصول إلى الصواب. سواء أكانت تلك الجهة تتبع من ناحية التنظيم الإداري الوزارة التي أحالت الموظف إلى المحاكمة التأديبية أم لا تتبعها، وليس في تلك القواعد ما يرتب جزاء البطلان على شيء من ذلك. ولا يمكن الاستناد إلى قواعد المرافعات المدنية والتجارية في كل ما لم يرد بشأنه نص في مجال التأديب. ذلك أن الإجراءات المدنية وضعت لصالح خاص أما إجراءات المحاكمة التأديبية وهي أقرب إلى المحاكمة الجنائية، فقد نظمت لصالح عام وروعي فيها سير المرفق العام. وترتيباً على ذلك لا يقبل من الطاعن أن الخبيرين اللذين ندبهما مجلس التأديب (بشارة، وشفيق) هما موظفان تابعان لوزارة الداخلية، فما كان يجوز الاعتداد بما جاء في تقريرهما. فكل من الخبيرين قدم تقريره ووضح فيه أعماله والنتيجة التي انتهى إليها. وقد ضم هذان التقريران إلى أوراق المحاكمة وعرضا للمناقشة أمام المجلس وتمكن الطاعن من الرد على ما جاء بهما - ص 15 من محضر جلسة المجلس الاستئنافي بتاريخ 25/ 4/ 1962 - وقدر مجلس التأديب ما جاء بالتقريرين من حيث الوقائع الثابتة فيهما ومن حيث الرأي والنتيجة واطمأن المجلس إلى ما توافق عليه الخبيران ورأى أن الدفوع التي وجهت إليهما غير جدية وهي من قبيل مقتضيات الدفاع - فهذا الوجه من الطعن لا أساس له من القانون متعيناً رفضه.
ومن حيث إنه عن الوجه الثالث لهذا الطعن فإنه يقوم على المجادلة في نسبة البصمات التي وجدت على المنشورات المضبوطة إلى الطاعن (المتبولي) وقد تبين لهذه المحكمة من الاطلاع على أوراق الطعن الراهن، أن منشورات مطبوعة على الآلة الكاتبة باللغة العربية كانت قد أرسلت بطريق البريد داخل مظاريف باسم السيد رئيس الجمهورية، والسادة نواب الرئيس، وبعض السادة الوزراء وكبار ضباط الشرطة ورؤساء تحرير الصحف. وفي آخر كل منشور عبارة (ضباط الشرطة خريجي قسم الكونستابلات) فقط وبدون توقيع. واشتملت هذه المنشورات على عبارات عدتها وزارة الداخلية ماسة، وبها ألفاظ غير لائقة، وآراء تدعو إلى التشيع والتفرقة بين أفراد جهاز الشرطة، وأسندت إلى المسئولين في وزارة الداخلية مجافاة العمل بالمبادئ الاشتراكية والتعاونية. وفي 27 من نوفمبر سنة 1961 ورد لمصلحة التفتيش العام بوزارة الداخلية الكتاب رقم (1229) سري من السيد وكيل الوزارة لشئون الأمن العام والشرطة يتضمن أن السيد نائب الرئيس ووزير الداخلية أمر بأن تقوم مصلحة التفتيش العام بإجراء تحقيق في موضوع هذه المنشورات التي أرسلت داخل مظاريف مغلقة باسم السيد الرئيس ورجال الدولة والصحافة، وهي صادرة من بعض خريجي ضباط الشرطة قسم الكونستابلات. وثابت من أوراق الطعن أن الفنيين بمصلحة تحقيق الشخصية تولوا فتح هذه المظاريف. فتبين لهم أن خمسة من المنشورات التي بداخلها تحمل بعض بصمات تحفظوا عليها ثم رفعوها وأجروا مضاهاتها فظهر أنها تطابق بصمة رائد اسمه (أحمد عرفة المتبولي) الضابط بمصلحة السجون, وهو من الضباط الكونستابلات الأصل. قامت المباحث العامة فوراً بتحرياتها وإجراءاتها لمعرفة من أرسل أو اشترك في إرسال هذه المنشورات. فندبت خبيراً من قسم الخبراء بمصلحة تحقيق الشخصية لإجراء مضاهاة بصمات بعض الضباط من خريجي قسم الكونستابلات ممن اشتبه في إرسالهم لها على ما ظهر من بصمات على المنشورات. وعرضت نماذج من خطوط الضباط المشتبه في إرسالهم للمنشورات والخطوط التي وجدت على بعض المظاريف التي أرسلت بداخلها تلك المنشورات على خبير لدى المحاكم لإجراء الأبحاث والمضاهاة بين هذه الخطوط. فجاء بالتقرير الذي أعده الخبير (وديع بشارة يوسف) وكيل قسم الخبراء والمفتشين بمصلحة تحقيق الشخصية والمؤرخ 22/ 11/ 1961 ما يأتي: (في 16/ 11/ 1961 حضر للمصلحة الرائد طاهر شكري بإدارة المباحث العامة وقدم عدد (23) مظروفاً مغلقاً لفضها بمعرفة مصلحة تحقيق الشخصية ورفع ما قد يوجد بداخلها من أوراق لآثار بصمات. وقد قمت بنفسي بفض هذه المظاريف ووجدت بداخل كل منها منشوراً عبارة عن ورقتين في حجم الفولسكاب مطبوع على الجستتنر معنون (السيد المحترم) وينتهي بعبارة (ضباط الشرطة خريجي قسم الكونستبلات) وبفحص هذه المنشورات بالمعمل الكيماوي بالقسم تبين وجود آثار لبصمات لأجزاء من أصابع بعضها صالح للمضاهاة والآخر غير صالح. فأجريت تصوير آثار البصمات الصالحة للمضاهاة بالمصلحة، وبيانها كالآتي: أولاً: الأثر المرموز لصورته الفوتوغرافية بالرقم (1) وهو عبارة عن بصمة أصبع وجد بنهاية الصفحة الأولى من المنشور الذي كان موجوداً بداخل المظروف المعنون (السيد أنور السادات رئيس مجلس الأمة). ثانياً: الأثر المرموز لصورته الفوتوغرافية بالرقم (2) عبارة عن جزء من بصمة أصبع وجد بنهاية الصفحة الأولى على يمين القارئ من المنشور الذي كان موجوداً بداخل المظروف المعنون (السيد فتحي الشرقاوي وزير العدل). ثالثاً: الأثر المرموز لصورته الفوتوغرافية بالرقم (3) وهو عبارة عن جزء من بصمة أصبع وجدت بنهاية الصفحة الأولى من المنشور الذي كان موجوداً بالمظروف المعنون السيد نائب رئيس الجمهورية، ووزير الداخلية زكريا محيي الدين) وقد أحيطت هذه الآثار بدائرة أجريتها بالمداد الأحمر ووقعت عليها بالنظر، ثم قمت بإخطار المباحث العامة فرع القاهرة بنتيجة الفحص فأرسلت ضابطاً بإدارة المباحث ليصحبني إلى إدارة كاتم أسرار وزارة الداخلية أيام السبت والاثنين والثلاثاء 18، 20، 21 من نوفمبر سنة 1961 حيث عرضت على شهادات تحقيق شخصية (وأرنيك 56) خاصة بالآتي أسماؤهم: (أسماء ثلاثين ضابطاً) فتبين من فحص هذه الشهادات: ( أ ) الأثر المرموز لصورته بالرقم (1) والمنوه عنه بالبند أولاً من هذا التقرير ينطبق تماماً على بصمة السبابة من اليد اليسرى للسيد/ (أحمد عرفة المتبولي) صاحب شهادة تحقيق الشخصية رقم (30672/ 1935) والمحررة بالمصلحة في 14/ 9/ 1935، (ب) الأثر المرموز لصورته بالرقم (2) والمنوه عنه بالبند ثالثاً من هذا التقرير ينطبق كذلك على بصمة السبابة من اليد اليسرى للسيد أحمد عرفه المتبولي وأنه. (ج) الأثر المرموز لصورته بالرقم (3) المنوه عنه بالبند ثالثاً من هذا التقرير ينطبق على بصمة السبابة من اليد اليمنى للسيد/ أحمد عرفة المتبولي ذاته. ونتيجة التقرير هي: أنني أقرر بصفة قاطعة أن الآثار المرموز لصورها الفوتوغرافية بالأرقام (1، 2، 3) والمرفوعة من على المنشورات الثلاث المشار إليها سابقاً بهذا التقرير هي للسيد/ أحمد عرفة المتبولي (الطاعن الراهن) صاحب شهادة تحقيق الشخصية رقم (30673/ 1935) والمستخرجة من هذه المصلحة بتاريخ 14/ 9/ 1935 لأجل طالب كونستابل. ومرفق من هذا المنشورات المرفوع من عليها الآثار المذكورة وكذلك الصور الفوتوغرافية لتلك الآثار وشهادة تحقيق الشخصية الخاصة بالسيد المذكور، وموقع على كل ذلك مني بالنظر.). وفي ملف الطعن تقرير ثان من مصلحة تحقيق الشخصية مؤرخ في 11 من يناير سنة 1962 وموقع عليه أيضاً من السيد وكيل قسم الخبراء والمفتشين (وديع بشارة يوسف) جاء فيه: (بتاريخ 7، 9 من ديسمبر سنة 1961 حضر إلى المصلحة رائد بإدارة المباحث العامة وقدم عدد (57) مظروفاً مغلقاً لفضها بمعرفة هذه المصلحة، ولرفع ما قد يوجد على ما بداخلها من آثار لبصمات على أوراقها. فقمت بفحص هذه المظاريف، ووجدت بداخل كل منها منشوراً عبارة عن ورقتين في حجم الفولسكاب مكتوب على الآلة الكاتبة ومطبوع بالجستتنر ومعنون باسم (السيد) وينتهي بعبارة (ضباط الشرطة خريجي قسم الكونستبلات) وبفحص هذه المنشورات بالمعمل الكيماوي بعد معالجتها بالمواد الكيمائية بالقسم تبين وجود أثر لبصمات أصابع، وأجزاء من أصابع أجريت تصويرها بالمصلحة وبيانها كالآتي: أولاً: الآثار المرموز لصورها بالأرقام (1، 3، 9، 10، 11، 12، 13 ب) عبارة عن بصمات أصابع وجدت على سبعة من هذه المنشورات. ثانياً: الآثار المرموز لصورها بالأرقام (2، 4، 5، 6، 7، 8، 13، 14) عبارة عن أجزاء لبصمات أصابع وجدت على خمسة من هذه المنشورات. وبفحص الصور الفوتوغرافية لهذه الآثار تبين أنها جميعاً غير واضحة، ولا تصلح للمضاهاة لذلك فقد استبعدناها. وقد أحيطت هذه الآثار جميعها بدائرة بالمداد الأحمر موقع عليها مني بالنظر... وفي 11 من ديسمبر سنة 1961 حضر للمصلحة ضابط بإدارة المباحث العامة، وسلمنا ثلاث شهادات تحقيق شخصية (أورنيك رقم 56) أرقامها 28435/ 1935 باسم شفيق شنودة فام، ورقم (3899/ 1941) باسم أنيس نجيب ورقم 30672/ 1935) باسم أحمد عرفة المتبولي، والمسحوبة من ملفات الخدمة الخاصة بالسادة المذكورين، وذلك لمضاهاة الآثار المرفوعة من على المنشورات السالفة الذكر على البصمات المأخوذة على شهادات تحقيق الشخصية الخاصة بالمذكورين: المضاهاة: وبإجراء المضاهاة الفنية تبين الآتي: أولاً: الأثر المرموز لصورته بالرقم (9) والذي وجد بأعلى الصفحة الأولى من الجهة اليمنى للمنشور المرسل داخل مظروف معنون باسم السيد الرئيس جمال عبد الناصر، ينطبق تماماً على بصمة السبابة اليمنى للسيد أحمد عرفه المتبولي - الطاعن - المأخوذة له على شهادة تحقيق الشخصية رقم (30672/ 935) ثانياً: الأثر المرموز لصورته بالرقم (10) والذي وجد بأعلى الصفحة الأولى من الجهة اليمنى للمنشور المرسل داخل مظروف معنون باسم السيد/ المشير عبد الحكيم عامر، تنطبق تماماً على بصمة السبابة اليمنى لأحمد عرفة المتبولي. ثالثاً الأثر المرموز لصورته بالرقم (11) والذي وجد بأعلى الصفحة الأولى من الجهة اليمنى للمنشور المرسل داخل مظروف معنون باسم السيد/ زكريا محيي الدين تنطبق تماماً على بصمة السبابة اليمنى للسيد أحمد عرفة المتبولي... رابعاً: الأثر المرموز لصورته بالرقم (12) للمنشور المرسل باسم السيد/ كمال الدين حسين ينطبق تماماً على بصمة السبابة اليمنى للسيد المتبولي. خامساً: الأثر المرموز لصورته بالرقم (13 ب) والمعنون باسم السيد/ عبد اللطيف البغدادي ينطبق تماماً على بصمة السبابة اليمنى للسيد المتبولي. سادساً: الأثر المرموز بالرقم (11) والمعنون باسم السيد/ أنور السادات ينطبق تماماً على بصمة السبابة اليمنى للسيد المتبولي. سابعاً: الأثر المرموز لصورته بالرقم (2) والذي وجد بظهر الصفحة الثانية من المنشور المعنون باسم السيد/ كمال الدين حسين يختلف اختلافاً كلياً عن البصمات المأخوذة على شهادات تحقيق الشخصية الخاصة بكل من السادة: شفيق شنودة فام، وأنيس نجيب، وأحمد عرفه المتبولي. والنتيجة: أقرر بصفة قاطعة أن الآثار المرموز لصورها الفوتوغرافية بالأرقام (1، 9، 10، 11، 12، 13 ب) والمرفوعة من على المنشورات - السابق ذكرها - هي للسيد/ (أحمد عرفة المتبولي) وذلك لتوافر العلامات الفنية المميزة اللازمة لتقرير التطابق. وذلك مع الإحاطة بأن الأثر المرموز لصورته الفوتوغرافية بالرقم (3) ما زال لمجهول. كما وأن الآثار المرموز لصورها الفوتوغرافية بالأرقام (2، 4، 5، 6، 7، 13 أ، 14) قد استبعدت لعدم وضوحها. ومرفق مع هذا صور فوتوغرافية للآثار التي وجدت على المنشورات، وصورة فوتوغرافية مكبرة للأثر المرموز له بالرقم (12)، وأخرى للسبابة اليمنى للسيد (المتبولي) موضحاً بكل منها العلامات الفنية المميزة المماثلة، وذلك على سبيل المثال. ومرفق مع هذا أيضاً المنشورات التي رفع من عليها الآثار المشار إليها، وعددها (11) منشوراً وشهادات تحقيق الشخصية الخاصة بكل من السادة أحمد عرفة المتبولي، وشفيق شنودة فام، وأنيس نجيب، موقع على الجميع مني بالنظر.). وقد أمر السيد نائب رئيس الجمهورية ووزير الداخلية بأن تقوم مصلحة التفتيش العام بالداخلية بإجراء تحقيق مع هذين الرائدين (المتبولي وعيسى) وقد تطلبت إجراءات التحقيق تفتيش مسكن كل منهما بعد أن أذنت النيابة العامة بذلك، كما جرى تفتيش مكتب كل منهما. وقد أسفر تفتيش مسكن هذا الطاعن (المتبولي) عن وجود الأوراق الآتية: (1) صورة من تقرير بالرأي القانوني لهيئة مفوضي الدولة لمحكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم (284) لسنة 14 قضائية المرفوعة من المقدم السابق عبد الفتاح عبد العزيز غنيم، وهي قضية يحنو عليها ضباط خريجي قسم الكونستبلات، ضد وزارة الداخلية (2) كذلك أسفر التفتيش عن وجود مذكرة مطبوعة تتناول قضية الضباط من خريجي قسم الكونستبلات وتنطوي هذه المذكرة على تظلم من أحكام القانون رقم (140) لسنة 1944 - الخاص بنظام هيئة البوليس مما يقطع بأنها كانت قد أعدت قبل صدور القانون رقم (234) - لسنة 1955 بشأن نظام هيئة الشرطة. وفي التحقيق الذي أجرته وزارة الداخلية مع هذين الرائدين أنكر كل منهما علمه بهذه المنشورات الموزعة والمضبوطة كما أنكرا مجرد الاشتراك في الإعداد والإرسال. ورد الرائد عرفة المتبولي - الطاعن - على ما قام ضده من دليل البصمات التي وجدت على المنشورات المضبوطة، بقوله إن بصماته بتذكرة تحقيق الشخصية الموجودة بملف خدمته قديمة جداً وترجع إلى عام تخرجه من كلية البوليس قسم الكونستبلات سنة 1935 ومن ثم فإنها لا تصلح أبداً للمضاهاة. ولكن خبير تحقيق الشخصية عقب على دفاعه هذا بأن من الأصول المقررة علمياً ودولياً في أبحاث البصمات finger prints)) أن بصمات الإنسان تبقى ثابتة مدى حياته منذ مولده إلى ما بعد وفاته وإلى أن يتحلل جسده.
(eneradicable and show no change from childhood to extreme old age).
ومن حيث إن السيد وكيل الداخلية أصدر في 9 من ديسمبر سنة 1961 القرار رقم (1) بإحالة كل من الرائدين (المتبولي، وعيسى إلى مجلس تأديب موظفي هيئة الشرطة عملاً بأحكام القانون رقم (234) لسنة 1955 بشأن موظفي هيئة الشرطة وبعد الاطلاع على التحقيقات التي أجرتها مصلحة التفتيش العام وتقريرها المؤرخ 6/ 12/ 1961 بنتيجة هذه التحقيقات وذلك لإخلالهما إخلالاً خطيراً بواجبات وظيفتهما ومقتضياتها على وجه يخالف القانون والنظام. بأن قاما بإرسال منشورات باسم ضباط الشرطة خريجي قسم الكونستبلات دون توقيع عليها، وباسم السيد رئيس الجمهورية والسادة نواب الرئيس وبعض الوزراء وكبار ضباط الشرطة، واشتملت على عبارات ماسة وأراء تدعو إلى التشيع والفرقة بين أفراد جهاز الشرطة، وأسندت إلى المسئولين في وزارة الداخلية مجافاة العمل بالمبادئ الاشتراكية والتعاونية وقد أرسلا هذه المنشورات بوسائل خفية، وهما اللذان تقتضيهما طبيعة أعمالها محاربة هذه الوسائل والكشف عنها، وذلك كله على النحو الموضح تفصيلاً في التحقيقات والمذكرات والمحاضر والتقارير الفنية المرافقة. وعلى رئيس مجلس تأديب هيئة الشرطة تنفيذ هذا القرار. ونظر مجلس التأديب الابتدائي الدعوى التأديبية بجلستي 7، 10 من يناير سنة 1962 وقد حضر الرائدان المتهمان وأنكرا ما نسب إليهما، ولم يعترفا بالنتائج التي أوردتها تقارير الخبراء، وأثار الدفاع عنهما عدة دفوع حققها مجلس التأديب ورد على كل منها في أسباب قراره. وقد ردد الرائد المتبولي (الطاعن في هذا الطعن) ما دفع به زميله (عيسى) من دفوع شكلية رد عليها المجلس بأن الخبير بشارة وكيل قسم الخبراء والمفتشين بمصلحة تحقيق الشخصية، وهي وظيفة رئاسية لا يشغلها إلا من تحققت له الكفاية الفنية وتوافرت فيه الثقة التامة. ومع ذلك فقد وجه إليه مجلس التأديب الابتدائي اليمين فحلفها أمام المجلس وأكد أن البصمات التي وجدت على المنشورات المضبوطة هي بصمات الرائد المتبولي - وعندما ووجه الرائد المتبولي في جلسة مجلس التأديب بالقاعدة العلمية العالمية في مادة البصمات قدم إلى مجلس التأديب مذكرة بخط يده جاء فيها: "أرجو أن يثبت في التحقيق أني كثيراً ما اشتريت ظروفاً من ميدان العتبة وكنت أفحص أوراق الأظرف قبل شرائها فربما فحصت بعض الأظرف قبل شرائها ولم اشتريها لعدم الاتفاق مع البائع على الثمن، وتركت بصماتي عليها عفواً فاشتراها غيري، واستعملها وكثيراً ما اشتريت أوراقاً من مكاتب شارع محمد علي لاستعمالها في عملي حيث كنت استعمل أوراقاً كثيرة في التحقيقات بالأقسام لقلة الأوراق التي تصرف من المخازن، وربما فحصت هذه الأوراق قبل شرائها وتركتها لعدم الاتفاق عليها، فانطبعت بصماتي على بعض منها واشتراها من بعدي غيري واستعملها في هذه المنشورات". وطلب الطاعن (المتبولي) إعادة عمل المقارنة والمضاهات للبصمات بمعرفة خبير آخر. ولكن المجلس الابتدائي أعرض عن هذا الدفاع الجديد وقدر أنه من السذاجة بحيث لا يستأهل الرد عليه.
ومن حيث إن مجلس التأديب الاستئنافي قد استجاب إلى مطلب الرائد المتبولي (الطاعن) وسأله عما إذا كان قد قدم تقريره الاستشاري في دليل البصمات المنسوبة إليه. فأجاب المحامي عنه أنه بحث عن المختصين في فن البصمات فوجد اثنين: أحدهما كان موظفاً بوزارة الداخلية واستقال لخلافات بينه وبين رؤسائه، والثاني كان مفتشاً بتحقيق الشخصية ببور سعيد (طعيمه) الذي قدم للرائد المتبولي تقريراً غير قاطع ولذلك فإنه لن يقدم لمجلس التأديب الاستئنافي تقريراً في ذلك الشأن - محضر جلسة المجلس الاستئنافي صفحة 15 - فقرر المجلس الاستئنافي ندب خبير جديد آخر غير (بشارة) واستدعى السيد (شفيق اسكندر) رئيس قسم الخبراء والمفتشين بمصلحة تحقيق الشخصية بالقاهرة ووجه إليه المجلس الاستئنافي اليمين فحلفها أمام المجلس، وأخذ في الجلسة بصمات جديدة للرائد (المتبولي) على ورقة مستقلة مؤشر عليها من السيد اللواء رئيس المجلس في 14/ 3/ 1962 وعليها (26) بصمة لأصابع الرائد المتبولي لإجراء المضاهاة الفنية بينها وبين بصمات المنشورات الموزعة والمضبوطة. وفي 26 من مارس سنة 1962 قدم رئيس قسم الخبراء والمفتشين بالمصلحة تقريره موقعاً عليه منه ومن السيد اللواء مدير عام مصلحة تحقيق الشخصية بالجمهورية. وجاء في هذا التقرير الجديد الأخير ما يأتي:
(كلفني رئيس المجلس التأديبي الاستئنافي لموظفي هيئة الشرطة بإعادة فحص آثار البصمات التي وجدت على المنشورات ومضاهاتها على بصمات الرائد عرفة المتبولي، الماثل أمام هيئة المجلس. وقد قمت بأخذ بصمات سيادته على ورق أبيض من ثلاث نسخ أمام هيئة المجلس وأشر عليها السيد رئيس المجلس الاستئنافي. وفي 20 من مارس سنة 1962 تسلمت أصول المنشورات الثلاث المشار إليها بتقرير المصلحة المؤرخ 22/ 11/ 1961 من قلم المحاكمات التأديبية بمصلحة التفتيش العام كما تسلمت أصول المنشورات الإحدى عشر المشار إليها بتقرير المصلحة المؤرخ 11/ 1/ 1962 من إدارة المباحث العامة، وذلك لإجراء الفحص والمضاهاة المطلوبة. ثم استطرد التقرير يقول: عن الفحص والمضاهاة: بفحص البصمات التي وجدت على جميع المنشورات السالفة الذكر ومضاهاتها ببصمات الرائد (أحمد عرفة المتبولي) المأخوذة لسيادته بمعرفتي أمام هيئة المجلس بالجلسة المنعقدة في 14/ 3/ 1962 تبين الآتي: أولاً: البصمات التي وجدت على الثلاث منشورات المرافقة لتقرير المصلحة المؤرخ 22/ 11/ 1961 وهي ثلاث بصمات لأصابع منفردة المشار لصورها بأرقام (1، 2، 3) تنطبق البصمتان رقمي (1، 2) منها على بصمة أصابع السبابة اليسرى. كما تنطبق البصمة رقم (3) على بصمة أصبع السبابة اليمنى للسيد الرائد المتبولي المأخوذة لسيادته بمعرفتي أمام هيئة المجلس بجلسة 14/ 3/ 1962 وذلك لتوافر النقط المميزة بالبصمات الثلاث التي وجدت على المنشورات المشار إليها، والمطابقة لنظائرها ببصمتي أصبعي السبابة اليسرى، والسبابة اليمنى للسيد الرائد (المتبولي) وأقرر بصفة قاطعة أن هذه البصمات الثلاث التي وجدت على المنشورات هي لسيادته. ثانياً: البصمات التي وجدت على المنشورات المشار إليها بتقرير المصلحة المؤرخ 11/ 1/ 1962 والمرقومة صورها بأرقام (1، 9، 10، 12، 13 ب) تنطبق جميعها على بصمة أصبع السبابة اليمنى للرائد (عرفة المتبولي) المأخوذة لسيادته بمعرفتي أمام هيئة المجلس الاستئنافي بجلسة 14/ 3/ 1962 وذلك لتوافر النقط المميزة بالبصمات المذكورة التي وجدت على المنشورات والمطابقة لنظائرها ببصمات السبابة اليمنى للسيد الرائد المتبولي, وأقرر بصفة قاطعة أن هذه البصمات التي وجدت على المنشورات هي لسيادته. ثالثاً: قد أعدت تصوير البصمات المرقومة صورها بأرقام (4، 5، 7، 14) التي وجدت على المنشورات المشار إليها في تقرير المصلحة المؤرخ 11/ 1/ 1962 من واقع أصول هذه المنشورات، وبمضاهاتها على بصمات الرائد (المتبولي) تبين أن الأثر المشار لصورته بالرقم (14) ينطبق على بصمة السبابة اليمنى للرائد (عرفة المتبولي) وذلك لتوافر النقط المميزة بهذه البصمة والمطابقة لنظائرها ببصمة أصبعه السبابة اليمنى وأقرر بصفة قاطعة أن ذلك الأثر هو لسيادته. فأما عن الآثار المرقومة صورها (4، 5، 7) فإنها تختلف عن بصمات أصابع السيد عرفه المتبولي، وكذلك الأثر رقم (3) المشار بتقرير المصلحة المؤرخ 11/ 1/ 1962. رابعاً: الأثر المشار لصورته بالرقم (11) الذي وجد على إحدى المنشورات المشار إليها بتقرير المصلحة المؤرخ 11/ 1/ 1962 وجد به ست نقط مميزة مطابقة لنظائرها ببصمة السبابة اليمنى للرائد (المتبولي) ولا تتوافر بذلك الأثر النقط المميزة اللازمة لتقرير التطابق بصفة قاطعة أما باقي الآثار التي وجدت على المنشورات المشار إليها بتقرير المصلحة المؤرخ 11/ 2/ 1962 فإنها غير واضحة، ولا تصلح للمضاهاة. ومرفق بهذا التقرير بصمات أصابع الرائد (عرفة المتبولي) المأخوذة أمام المجلس بجلسة 14/ 3/ 1962 والصور الفوتوغرافية للآثار المشار إليها بأرقام (4، 5، 7، 14) التي أعدت تصويرها، والمنشورات الأربعة المشار إليها كلها داخل حرز مختوم بالجمع الأحمر، وقد توقع مني بالنظر عليها في تاريخه. وتفضلوا.)... وقد عرض السيد رئيس مجلس التأديب الاستئنافي على المتهم الرائد (عرفة المتبولي) بحضور محاميه في جلسة المحاكمة، تقرير رئيس قسم الخبراء والمفتش (شفيق اسكندر) لمناقشته فيه فقال الدفاع عن هذا المتهم أن السيد شفيق اسكندر، وهو رئيس الخبير السابق (وديع بشارة) قد اطلع بحكم العمل على تقرير وكيله ولا شك أنه تأثر به وقانون المرافعات يجيز رد الخبير. وكان من الطبيعي والحالة هذه أن لا يعول المجلس الاستئنافي على مثل هذا الدفاع وقرر رفضه. وكون المجلس الاستئنافي عقيدته التي استخلصها استخلاصاً سائغاً معقولاً مما هو ثابت بالأوراق، وقد توافقت التقارير الفنية على أن البصمات التي ظهرت على صفحات العديد من المنشورات إنما هي للرائد المتبولي دون سواه.
المسلم به علمياً أن البصمات تولد مع الإنسان وتظل على شكلها بدون تغيير حتى مماته. والبصمة عبارة عن تلك الخطوط البارزة (Ridges) التي تحاذيها خطوط أخرى منخفضة (furraws) التي تتخذ أشكالاً مختلفة على جلد أصابع اليدين والكفين من الداخل، وهذه الخطوط تترك طابعها على كل جسم تلمسه وتعتبر بصمات أصابع وراحة اليدين من أهم وسائل تحقيق شخصية الإنسان ويرجع ذلك إلى ما ثبت علمياً وعالمياً من عدم وجود شخصين لهما بصمتان متماثلتان في الخطوط والمميزات حتى ولو كانا توأمين من بويضة واحدة. وقد أخذت مصر بنظام البصمات كطريقة لتحقيق شخصية الفرد منذ عام (1896) إلى جانب طرق المقاسات البدنية التي ابتكرها (برتليون) ثم اعتمدت عليه اعتماداً رسمياً كلياً لتحقيق الشخصية من عام 1901.
ولقد انتهى مجلس التأديب الاستئنافي، وبحق، إلى الإعراض عما ساقه الطاعن من جدل حول نسبة البصمات إليه وثبوتها في حقه، جدل لا يستسيغه عقل، ولا يستقيم عليه دفاع. ويتعين رفض هذا الوجه الثالث من تقرير الطعن.
ومن حيث إنه عن الوجه الرابع لهذا الطعن، فإنه يدور حول فحوى المنشورات الموزعة والمضبوطة، وهي سبب القرار التأديبي المطعون فيه. فالطاعن (المتبولي) يذهب إلى أن ما انطوت عليه تلك المنشورات، على الرغم من إنكاره صلته بها، لا يستحق تلك الضجة التي أقامت وزارة الداخلية وأقعدتها ثم استتبعت إنزال أشد الجزاء الإداري على الطاعن وعلى زميل له. فالطاعن يرى أن حق التظلم مكفول وأن طائفة الضباط الكونستبلات في حاجة إلى الشكوى من تصرفات وزارة الداخلية إلى السيد الرئيس ونوابه باعتبارهم ملاذ الشاكين. وقد كانت تصرفات الوزارة سبباً أدى بالكثيرين من الضباط الكونستبلات إلى مقاضاة الحكومة أمام مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري. وتذهب وزارة الداخلية في ردها على هذا الوجه إلى أن ما ثبت في حق الطاعن عن طريق تعدد بصمات كلتا يديه على المنشورات مما يدل على أنه قام بدور إيجابي وقت طباعتها على الآلة الكاتبة، ثم قام بإرسالها بطرق خفية أقلقت بال رجال الأمن واستغرقت كل اهتمامهم ونشاطهم لفترة من الزمن، هذا الذي ثبت في حقه يعتبر إخلالاً خطيراً بواجبات وظيفته ومقتضياتها فقد سلك هذا الرائد مسلك الخارجين على القانون الذين يروجون لأفكارهم بمثل هذه الطرق الملتوية. ولو كان هو وزميله - الرائد عيسى منصور عيسى الطاعن في الطعن رقم (1351) لسنة 8 قضائية عليا - ينشدان حقاً إنصافاً أو رفع ظلم وقع عليهما، لتقدما صراحة بتظلم أو شكوى قانونية إلى الجهات المسئولة أمام الإدارة أو أمام القضاء. وتضيف وزارة الداخلية أن المسئولين فيها يضعون نصب أعينهم إنصاف كل ذي حق ورفع الظلم عنه دون أي تفرقة، فمن التجني عليها القول والتشهير بأنها تعامل ضباط خريجي قسم الكونستبلات وكأنهم زنوج جنوب أفريقيا أو المنبوذين في الهند أو أنها تعاملهم معاملة الكناسين إلى غير ذلك من العبارات المسجلة بالمنشورات التي تؤدي في جملتها إلى إثارة فتنة طائفية في المرفق الواحد لجهاز الشرطة المسئول عن الأمن في البلاد، وتبث في نفوس الضباط من خريجي قسم الكونستبلات روح الحقد والمقت والكراهية بين الضابط الكونستابل الأصل، والضابط الشرطي الأصل، وكل منهما زميل لأخيه، وكل منهما ينتمي إلى طائفة تعتز بها وزارة الداخلية، وكل منهما مؤتمن على سلاح لصيانة الأمن في حدود القانون.
ومن حيث إنه لا مراء في أن حق الشكوى والتظلم كحق التقاضي يكفله القانون للكافة ويحميه الدستور على أنه من الحريات المتصلة بمصالح الأفراد. فالمادتين (63، 62) من الدستور الجمهوري تنصان على أن: "للمصريين حق تقديم شكاوى إلى جميع هيئات الدولة، عن مخالفة الموظفين العموميين للقانون أو إهمالهم واجبات وظائفهم. كما أن للمصريين مخاطبة السلطات العامة كتابة، وبتوقيعهم ولا تكون مخاطبة السلطات باسم الجماعات إلا للهيئات النظامية، والأشخاص الاعتبارية" ونصت المادة (22) من دستور سنة 1923 الملغي، على أن "لأفراد المصريين أن يخاطبوا السلطات العامة فيما يعرض لهم من الشئون وذلك بكتابات موقع عليها بإمضائهم أما مخاطبة السلطات باسم المجاميع، فلا تكون إلا للهيئات النظامية والأشخاص المعنوية" ومرد هذا الأصل إلى حق تقديم العرائض (droit de setition) في مختلف الدساتير التي نادت بحقوق الإنسان. فلكل فرد أن يتقدم إلى السلطات العامة بشكوى يتظلم فيها من أمر يهمه كدفع حيف وقع عليه من عمل جائر ابتغاء رد هذا الجور والتعويض عن آثاره. ولممارسة هذا الحق الدستوري شروط وأوضاع في مقدمتها أن يكون الاستصراخ للسلطات في شكل عريضة أو شكوى - وليس بالطبع منشوراً - وأن تحمل الورقة توقيع صاحبها وذاتيته ما دامت الشكوى تهدف إلى تحقيق مصلحة شخصية متصلة بالحرية الفردية، فإذا كانت الشكوى أو العريضة باسم الجماعات فلا يكون الحق في مخاطبة السلطات بشأنها إلا للهيئة النظامية التي تمثل الجماعة صاحبة الحق في الشكوى. ويقتضي حق التقديم أن يكون بطريق إرسال مشروع لا مواربة فيه، ولا مستور ما دامت العريضة تحمل المطالبة بحق يحميه، ويكفله الدستور. كما أن لحق مخاطبة السلطات العامة كتابة وبالتوقيع الصريح، أسلوب معين ومسلك خاص ومستوى يرتفع ولا جدال عن الألفاظ النابية وعبارات التحدي والإثارة والتهديد، والاستفزاز والاستنكار. والعريضة المشروعة، وهي رسالة لدرء الحق ورفع الظلم ورد الحق، متى حسن مقصدها واستقام فإنها توجه، على قدر الإمكان إلى السلطة المباشرة المختصة بموضوعها والبت في أمرها. فإذا هي اندفعت متناثرة إلى غير جهاتها الأصلية وإلى سلطاتها المختصة فإنها تكون قد ضلت سبيلها وأخطأت هدفها. وفقدت سندها المشروع. بل إنها بذلك تكون قد انقلبت إلى فعل شائن وتصرف معيب غير مشروع يعاقب عليه القانون أياً كانت المبررات التي أوحت به والنزعات التي دفعت إليه. ومهما يكن من أمر، فإن هذا الحق الدستوري القديم، حق تقديم أفراد الشعب لعرائض لمخاطبة السلطات العامة لا يعدو اليوم أن يكون ضماناً تضاءلت قيمته حقيقة وعملاً بعد إذ تعددت لدى الفرد طرق مشروعة فعالة منها القضائية ومنها الإدارية ومنها طريق القضاء الإداري بما يملكه من ولاية الإلغاء.
ومن حيث إن الفعل المعيب، والمنسوب إلى الطاعن، والذي كان هو سبب القرار التأديبي المطعون فيه، بعيد كل البعد عن الحقوق المقررة على النحو المتقدم وعن ممارستها المشروعة فمجلس تأديب موظفي هيئة الشرطة لم يحاكم الطاعن لأنه تقدم بشكوى موقعة باسمه أو باسم من أعدها، مخاطباً السلطات العامة لرفع حيف أو درء جور وقع عليه أو لحق الطائفة الرسمية التي ينتمي الطاعن إليها وفي أسلوب يرتفع إلى مستوى المطلب الذي ينادي به وإلى مصاف الجهات الرسمية العليا التي وصلت إليها صور تلك الشكوى. وإنما حوكم الطاعن محاكمة عادلة استقصت نسبة الجريمة إليه، وثبوت التهمة قبله فأدانته وحكمت عليه بالعزل من وظيفته كرائد بالشرطة لأنه أعد وأرسل منشورات عديدة باسم زملائه ضباط الشرطة خريجي قسم الكونستبلات بمدرسة البوليس، دون توقيع عليها باسم السيد رئيس الدولة والسادة نواب الرئيس، وبعض السادة الوزراء من مختص بالموضوع أو غير مختص به وباسم ضباط الشرطة على مختلف رتبهم وصفوفهم وتلك المنشورات مشبعة بعبارات ماسة سامة تدعو إلى التشيع والفرقة بين أفراد جهاز واحد للشرطة وتبعث على القلق والاضطراب بين الصفوف المسلحة. ولقد راجعت هذه المحكمة صفحات تلك المنشورات فقرأت فيها: (لسنا من الزنوج، ولا من المنبوذين. وهل في الدولة عامل أو كناس له قانون مماثل لقانون الضباط خريجي قسم الكونستبلات. لقد قاسى زملاؤنا مرارة شظف العيش والهوان بما لا يتفق مع كرامتهم وكرامة رتبهم، فإذا لم تتداركوا إنصاف الموجودين بالخدمة ستتكرر المأساة.. فلنحارب هذا الإقطاع المهني. لقد نفذ الصبر وطال الانتظار. فجنبونا يا سيدي هذا الشر المستطير، وهذا السيف المسلط على رقابنا، إنه أسلوب التهديد والوعيد أسلوب السجن والتشريد، مشكلة مزمنة هي مشكلة الكونستبلات..). ثم أرسلت هذه المنشورات بوسائل خفية إلى عشرات الجهات مبتدئة من السيد رئيس الجمهورية إلى محرري الصحف والمجلات. أن هذا الفعل الجريء إذا صدر من أحد موظفي الدولة أو العاملين المدنيين فإن صاحبه لا ينجو من أشد جزاءات القانون الإداري وقد يقع تحت طائلة قانون العقوبات - فإذا ما وقع من أحد أعضاء هيئة الشرطة ومن مرتبة رائد، وهو الأمين على الأمن والنظام وهو المسئول عن مطاردة كل من تسوله نفسه ولو من الأفراد العامة بإرسال مثل تلك المنشورات، وقام الدليل عليه يقيناً وبما لا يحتمل مظنة أو شكاً على أنه الفاعل الخارج عن القانون. ففي ذلك ولا ريب إخلال مزدوج وخطير بواجبات وظيفة الشرطة التي يشغلها وبمقتضياتها الدقيقة على وجه يعافه القانون ويستنكره النظام. وتكون الإدانة على ما سبق سرده وتفصيله قد استخلصها مجلس التأديب استخلاصاً سائغاً وسليماً لا عوج فيه، ويكون جزاء الطاعن عليه بالعزل من وظيفته متسماً بقدر كبير من الملاءمة بعيداً عن الإسراف فيه، ولا سبيل إلى إعمال الرقابة عليه. فهذا الجزاء من جنس العمل...
ومن حيث إنه لكل ما تقدم، يكون الطعن قد قام على غير سند سليم من القانون متعيناً رفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً, وبرفضه موضوعاً، وألزمت الطاعن بالمصروفات.

الطعن 8230 لسنة 58 ق جلسة 7 / 3 / 1989 مكتب فني 40 ق 56 ص 355

جلسة 7 من مارس سنة 1989

برئاسة السيد المستشار/ أحمد محمود هيكل نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ طلعت الاكيابى ومحمود إبراهيم عبد العال ومحمود عبد الباري وأمين عبد العليم.

----------------

(56)
الطعن رقم 8230 لسنة 58 القضائية

(1) سرقة. إكراه. فاعل أصلي. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الإكراه في معنى المادة 314 عقوبات. يصح أن يكون بالوسائل المادية التي تقع على الجسم مباشرة. كما يصح أن يكون بالتهديد باستعمال السلاح.
يشترط لاعتبار المتهمين فاعلين أصليين في جريمة السرقة بالإكراه. أن يرتكب كل منهم فعل الاختلاس أو الإكراه.
(2) فاعل أصلي. سرقة. إكراه. سلاح. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
إثبات الحكم في حق الطاعن مساهمته بنصيب في الأفعال المادية المكونة للجريمة ومنها حمله مدية وتواجده مع آخر على مسرحها. كفايته لاعتبارهما فاعلين أصليين.
(3) إثبات "شهود". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
صحة الأخذ بأقوال المجني عليه ولو تأخر في الإبلاغ أو كانت بينه وبين المتهم خصومة قائمة. ما دامت المحكمة قد أفصحت عن اطمئنانها إلى شهادته.
(4) دفوع "الدفع بكيدية الاتهام". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الدفع بكيدية الاتهام. موضوعي. لا يستوجب رداً صريحاً. ما دام الرد مستفاداً ضمناً من القضاء بالإدانة.
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
(5) إكراه. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير توافر الإكراه من عدمه. حق لمحكمة الموضوع. المجادلة في ذلك أمام النقض. غير جائز.
(6) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
محكمة الموضوع غير ملزمة بتعقب المتهم في كل جزئية من جزئيات دفاعه الموضوعي والرد عليها استقلالاً. قضاؤها بالإدانة. مفاده. إطراحها له.
(7) عقوبة "تطبيقها" "العقوبة المبررة". ظروف مخففة. نقض "المصلحة في الطعن".
العبرة في إعمال المادة 17 عقوبات. بالواقعة الجنائية ذاتها لا بوصفها القانوني.
إدانة المتهم بجريمة سرقة بإكراه ومعاقبته بالعقوبة المقررة لجنحة السرقة بعد إعمال نص المادة 17 عقوبات، انتفاء مصلحته في المجادلة في توافر ركن الإكراه.

----------------
1 - من المقرر أنه لا يشترط لاعتبار المتهمين فاعلين أصليين في جناية السرقة بإكراه أن يقع من كل منهم فعل الإكراه وفعل الاختلاس - بل يكفي لعدهم كذلك أن يرتكب كل منهم أي الفعلين متى كان ذلك في سبيل تنفيذ السرقة المتفق عليها بينهم جميعاً. وكان من المقرر أن تعطيل مقاومة المجني عليه كما يصح أن يكون بالوسائل المادية التي تقع مباشرة على جسم المجني عليه يصح أن يكون بالتهديد باستعمال السلاح.
2 - لما كان الحكم قد أثبت أن الطاعن كان على مسرح الجريمة حاملاً مطواة وهدد المجني عليه بها بقصد سرقته فشل بذلك مقاومته حتى تمت السرقة، وكان الطاعن لا ينازع في أن هذا الذي أثبته الحكم له أصله الثابت في الأوراق، فإن ذلك يكفي لاعتباره فاعلاً أصلياً في جريمة السرقة بإكراه، ويضحى نعيه على الحكم بالخطأ في الإسناد غير سديد.
3 - لما كان تأخر المجني عليه في الإبلاغ عن الواقعة لا يمنع المحكمة من الأخذ بأقواله - ولو كانت بينه وبين المتهم خصومة قائمة - ما دامت قد أفصحت عن اطمئنانها إلى شهادته، ذلك أن تقدير قوة الدليل من سلطة محكمة الموضوع، وكل جدل يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً لتعلقه بالموضوع لا بالقانون.
4 - من المقرر أن الدفع بكيدية الاتهام من الدفوع التي لا تستوجب في الأصل رداً صريحاً من الحكم ما دام الرد مستفاداً ضمناً من القضاء بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردها، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن ينحل إلى جدل موضوعي حول حق محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
5 - لما كان ما يثيره الطاعن من أن إكراهاً لم يقع على المجني عليه إنما هو جدل موضوعي في أدلة الدعوى وفي صورة الواقعة التي اعتنقها الحكم مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
6 - من المقرر أن محكمة الموضوع ليست ملزمة بتعقب المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال إذ في قضائها بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردتها ما يفيد ضمناً أنها أطرحتها ولم تعول عليها.
7 - من المقرر أنه لا مصلحة للطاعن فيما يثيره من أن الواقعة تعد جنحة سرقة طالما أن العقوبة المقضى بها عليه وهي الحبس لمدة سنتين مع الشغل تدخل في حدود العقوبة المقررة لجنحة السرقة، ولا يغير من ذلك كون المحكمة قد عاملت الطاعن بالمادة 17 من قانون العقوبات ذلك بأنها إنما قدرت مبررات الرأفة بالنسبة للواقعة الجنائية ذاتها بغض النظر عن وصفها القانوني، ولو أنها قد رأت أن الواقعة - في الظروف التي وقعت فيها - تقتضي النزول بالعقوبة إلى أكثر مما نزلت إليه لما منعها من ذلك الوصف الذي وصفتها به.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه سرق وآخر "حدث" النقود والأشياء المبينة الوصف والقيمة بالتحقيقات المملوكة لـ....... بطريق الإكراه الواقع عليه بأن هدده بمطواة وتمكن بتلك الوسيلة من الإكراه من شل مقاومته وإتمام السرقة، وأحالته إلى محكمة جنايات طنطا لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادة 314/ 1 من قانون العقوبات مع تطبيق المادة 17 من ذات القانون بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل لمدة سنتين.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة السرقة بالإكراه قد شابه الخطأ في الإسناد، والقصور في التسبيب، ذلك أنه حصل واقعة الدعوى بما مفاده أن الطاعن هدد المجني عليه بالمطواة وقام بتفتيشه والاستيلاء منه على جنيه ونظارة شمسية، في حين أن المتهم الآخر الحدث هو الذي ضربه بيده على وجهه وقام بتفتيشه واستولى على المسروقات، وأن دور الطاعن اقتصر على تواجده مع هذا الحدث حاملاً مطواة. هذا فضلاً عن أن دفاع الطاعن قام على تأخر المجني عليه في الإبلاغ وأن الاتهام كيدي، وأنه لم يقع إكراه على المجني عليه، بيد أن الحكم التفت عن هذا الدفاع ولم يرد عليه، كما أن الواقعة لا تعدو وأن تكون جنحة سرقة لانتفاء ركن الإكراه فيها، ولو فطنت المحكمة إلى ذلك، واستعملت الرأفة مع الطاعن لنزلت بالعقوبة إلى أدنى مما نزلت إليه، مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما مفاده أنه أثناء سير المجني عليه في الطريق قابله الطاعن وآخر حدث، وهدده الطاعن بمطواة كانت معه وطلب منه السير معه حتى وصلا إلى أحد الأزقة، وهدده بالمطواة بقصد سرقته فشل بذلك مقاومته وقام بتفتيشه والاستيلاء على مبلغ جنيه ونظارة شمسية، وساق الحكم على ثبوت الواقعة على هذه الصورة في حق الطاعن أدلة مستمدة من أقوال المجني عليه وما جاء بتحريات الشرطة وهي أدلة سائغة ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان لا يشترط لاعتبار المتهمين فاعلين أصليين في جناية السرقة بإكراه أن يقع من كل منهم فعل الإكراه وفعل الاختلاس - بل يكفي لعدهم كذلك أن يرتكب كل منهم أي الفعلين متى كان ذلك في سبيل تنفيذ السرقة المتفق عليها بينهم جميعاً. وكان من المقرر أن تعطيل مقاومة المجني عليه كما يصح أن يكون بالوسائل المادية التي تقع مباشرة على جسم المجني عليه يصح أن يكون بالتهديد باستعمال السلاح. وإذ ما كان الحكم قد أثبت أن الطاعن كان على مسرح الجريمة حاملاً مطواة وهدد المجني عليه بها بقصد سرقته فشل بذلك مقاومته حتى تمت السرقة، وكان الطاعن لا ينازع في أن هذا الذي أثبته الحكم له أصله الثابت في الأوراق، فإن ذلك يكفي لاعتباره فاعلاً أصلياً في جريمة السرقة بإكراه، ويضحى نعيه على الحكم بالخطأ في الإسناد غير سديد. لما كان ذلك، وكان تأخر المجني عليه في الإبلاغ عن الواقعة لا يمنع المحكمة من الأخذ بأقواله - ولو كانت بينه وبين المتهم خصومة قائمة - ما دامت قد أفصحت عن اطمئنانها إلى شهادته، ذلك أن تقدير قوة الدليل من سلطة محكمة الموضوع، وكل جدل يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً لتعلقه بالموضوع لا بالقانون. ولا على الحكم إذ التفت عن الرد عليه، ويكون النعي عليه في هذا الشأن في غير محله. لما كان ذلك، وكان الدفع بكيدية الاتهام من الدفوع التي لا تستوجب في الأصل رداً صريحاً من الحكم ما دام الرد مستفاداً ضمناً من القضاء بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردها، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن ينحل إلى جدل موضوعي حول حق محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن من أن إكراهاً لم يقع على المجني عليه إنما هو جدل موضوعي في أدلة الدعوى وفي صورة الواقعة التي اعتنقها الحكم مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. هذا إلى أن محكمة الموضوع ليست ملزمة بتعقب المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال إذ في قضائها بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردتها ما يفيد ضمناً أنها أطرحتها ولم تعول عليها. وفضلاً عن ذلك فإنه لا مصلحة للطاعن فيما يثيره من أن الواقعة تعد جنحة سرقة طالما أن العقوبة المقضى بها عليه وهي الحبس لمدة سنتين مع الشغل تدخل في حدود العقوبة المقررة لجنحة السرقة، ولا يغير من ذلك كون المحكمة قد عاملت الطاعن بالمادة 17 من قانون العقوبات ذلك بأنها إنما قدرت مبررات الرأفة بالنسبة للواقعة الجنائية ذاتها بغض النظر عن وصفها القانوني، ولو أنها قد رأت أن الواقعة - في الظروف التي وقعت فيها - تقتضي النزول بالعقوبة إلى أكثر مما نزلت إليه لما منعها من ذلك الوصف الذي وصفتها به. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.

السبت، 9 ديسمبر 2023

الطعن 1351 لسنة 8 ق جلسة 23 / 1 / 1965 إدارية عليا مكتب فني 10 ج 1 ق 48 ص 439

جلسة 23 من يناير سنة 1965

برئاسة السيد الأستاذ/ حسن السيد أيوب رئيس المحكمة وعضوية السادة الأساتذة/ الدكتور ضياء الدين صالح وعادل عزيز زخاري وعبد الستار آدم وأبو الوفا زهدي المستشارين.

-----------------------

(48)

القضية رقم 1351 لسنة 8 القضائية

(أ) محكمة إدارية عليا 

- قرار إداري - مشروعية - رقابة محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية على القرارات الإدارية - رقابة قانونية تسلطها عليها لتتعرف مدى مشروعيتها من حيث مطابقتها أو عدم مطابقتها للقانون - الأمر في ذلك هو عين الموضوع الذي تتناوله المحكمة العليا عند رقابتها القانونية لتلك الأحكام والقرارات.
(ب) إثبات - تحقيق خطوط 

- عملية تحقيق الخطوط - هي مجموع الإجراءات التي رسمها القانون لإثبات صحة الورقة العرفية التي ينكرها الشخص المنسوب إليه صدورها منه - وسيلة ذلك البينة والمضاهاة بواسطة أهل الخبرة في الخطوط.
(جـ) إثبات - خبرة -

 تحقيق خطوط - قواعد وأصول عملية تحقيق الخطوط - لا التزام على المحكمة برأي الخبير الذي انتدبته - أساس ذلك أنها لا يمكن أن تقضي بغير ما تقتنع هي به ويرتاح إليه ضميرها - استخلاص قضائها ينبغي أن يكون استخلاصاً سائغاً مما أمرت به ومما يكون في ملف الدعوى من مستندات وقرائن.
(د) قضاء إداري - قرار إداري 

- سبب - رقابة القضاء الإداري في مجال القرار الإداري تجد حدها الطبيعي في التحقق مما إذا كانت النتيجة التي انتهى إليها القرار مستمدة من أصول موجودة أو غير موجودة ومستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً أو قانونياً أم لا.

--------------
1 - إن الطعن أمام هذه المحكمة العليا، يفتح الباب أمامها لتزن الحكم أو القرار التأديبي المطعون فيه بميزان القانون، وزناً مناطه استظهار ما إذا كانت قد قامت به حالة أو أكثر من الأحوال التي تعيبه والمنصوص عليها في المادة الخامسة عشرة من القانون رقم (165) لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة فتلغيه ثم تنزل حكم القانون في المنازعة أم أنه لم تقم به أية حالة من تلك الأحوال وكان صائباً في قضائه أو قراره التأديبي فتبقي عليه وترفض الطعن. ومن المسلم كذلك أن ليس لمحكمة القضاء الإداري أو للمحاكم الإدارية أو التأديبية وما جرى مجراها من قرارات - المجالس التأديبية من حيث جواز الطعن فيها أمام هذه المحكمة، سلطة قطعية في فهم الواقع أو الموضوع تقصر عنها سلطة هذه المحكمة العليا، والقياس في هذا الشأن على نظام النقض المدني هو قياس مع الفارق. ذلك أن رقابة محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية على القرارات الإدارية هي رقابة قانونية تسلطها عليها لتتعرف مدى مشروعيتها من حيث مطابقتها أو عدم مطابقتها للقانون، وهذا بدوره هو عين الموضوع الذي ستتناوله هذه المحكمة العليا عند رقابتها القانونية لتلك الأحكام والقرارات. فالنشاطان وإن اختلفا في المرتبة إلا أنهما متماثلان في الطبيعة لأن مردهما في النهاية إلى مبدأ المشروعية، تلك تسلطه على القرارات الإدارية، وهذه تسلطه على هذه القرارات ثم على الأحكام.
2 - إن عملية تحقيق الخطوط La vérification ďécriture هي مجموع الإجراءات التي رسمها القانون لإثبات صحة الورقة العرفية التي ينكرها الشخص المنسوب إليه صدورها منه. ويحصل التحقيق بالبينة والمضاهاة بواسطة أهل الخبرة في الخطوط أو بإحدى الطريقتين. وتبين المحكمة في حكمها الصادر بإجراء التحقيق الطريقة التي يحصل بها، وتعيين الخبراء الذين يستعان برأيهم في عملية المضاهاة.
3 - إن عملية تحقيق الخطوط يجريها خبراء الخطوط الفنيون. فيقوم الخبير بفحص الخط الذي حصل إنكاره ودراسة خطوط الكتابة باليد لها قواعد وأصل أساسها أن لكل شخص طريقة معينة في الكتابة لا يشترك معه فيها أحد غيره حتى لو كانا قد تعلما الكتابة معاً منذ الصغر. هذا بالإضافة إلى عوامل أخرى كثيرة منها درجة الثقافة والتعليم وطريقة إمساك الشخص للقلم أو الريشة، وطريقة جلوسه أو قيامه أثناء كتابته وحالته النفسية.
وتعتمد عملية مضاهاة الخطوط على خبرة القائمين بها، مع التقيد بالقواعد والأصول التي يتعين على الخبير أن يلتزم بها أثناء فحصه للخط، ومنها شكل الخط بصفة عامة وهل هو كبير أو صغير، وطريقة كتابة السطور، ومدى الضغط على الخطوط في أجزاء الكلمات المختلفة، ثم وقفات اليد عليها، واستقامة الخط أو ميله إلى إحدى الجهات أو تقطعه في مواضع مختلفة. ولقد تقدم اليوم علم دراسة خطوط الكتابة باليد، (علم الجرافولوجيا) حتى أصبح من المستطاع معرفة أخلاق المرء من خط يده، فلا تقتصر أهمية فحص الخط على معرفة الشخص الذي كتبه وإنما تمتد إلى معرفة عاداته وأخلاقه. ويقدم أهل الخبرة في الخطوط تقاريرهم للمحكمة. ولئن كانت المحكمة لا تلتزم برأي الخبير الذي انتدبته فلها أن تحكم بما يخالفه لأنها لا يمكن أن تقضي بغير ما تقتنع هي به ويرتاح إليه ضميرها، ولئن كان للقاضي الحرية التامة في تقدير عمل الخبير الذي ندبه فله أن يأخذ برأيه وله ألا يأخذ به، وله أن يأمر بإجراءات أخرى من إجراءات الإثبات إلا أن استخلاص قضائه لابد وأن يكون استخلاصاً سائغاً مما مر به ومما يكون في ملف الدعوى من مستندات وقرائن.
4 - إن رقابة القضاء الإداري تجد حدها الطبيعي في التحقق مما إذا كانت النتيجة التي انتهى إليها القرار مستمدة من أصول موجودة أو غير موجودة، وما إذا كانت هذه النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً أو قانونياً أم لا، إذ يتوقف على وجود هذه الأصول أو عدم وجودها وعلى سلامة استخلاص النتيجة التي انتهى إليها القرار في هذه الأصول أو فسادها، وعلى صحة التكييف القانوني للوقائع بفرض وجودها مادياً أو عدم صحة هذا التكييف يتوقف على هذا كله قيام أو عدم قيام ركن السبب في القرار الإداري ومطابقته أو عدم مطابقته للقانون.


إجراءات الطعن

في 7 من يوليو سنة 1962 أودع الأستاذ المحامي عن الرائد بالمعاش عيسى منصور عيسى, سكرتارية المحكمة تقرير طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم (1351) لسنة 8 ق في القرار الصادر من مجلس التأديب الاستئنافي لموظفي هيئة الشرطة بجلسة 9 من مايو سنة 1962 في القضية التأديبية المقامة ضده وآخر بمصلحة السجون والذي قضى: (بقبول الاستئنافين شكلاً, وفي الموضوع برفضهما, وبتأييد القرار المستأنف - بعزل هذا الطاعن وآخر - المتبولي - مع حفظ حقهما في المعاش أو المكافأة أو صندوق الادخار.) وطلب الحاضر عن الطاعن للأسباب التي استند إليها في تقرير طعنه: (القضاء بقبول هذا الطعن شكلاً, وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر من مجلس تأديب موظفي هيئة الشرطة الابتدائي, والاستئنافي, وبراءة الطاعن من التهمة التي أسندتها إليه الوزارة مع ما يترتب على ذلك من آثار, وإلزام الوزارة مصروفات هذا الطعن, ومقابل أتعاب المحاماة). وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة الداخلية في 10 من يوليو سنة 1962 وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 4 من يناير سنة 1964. ولما كان هذا الطعن رقم (1351) لسنة 8 ق, قد سبقه إلى دائرة فحص الطعون الطعن الآخر رقم (1456) لسنة 8 ق وقد قررت الدائرة إحالة هذا الطعن الآخر إلى المحكمة الإدارية العليا للمرافعة بجلسة 6 من إبريل سنة 1963 ومنها إلى جلسة 25 من يناير سنة 1964 للمرافعة فيه, ونظراً لأن هذا الطعن الراهن رقم (1351) لسنة 8 ق ذو صلة وثيقة وأكيدة بالطعن الذي سبق أن أحالته دائرة فحص الطعون إلى المحكمة العليا للمرافعة فيه, فقد بادرت دائرة فحص الطعون بجلستها المنعقدة في 4 من يناير سنة 1964 إلى إحالة هذا الطعن أيضاً إلى المحكمة العليا ليلحق بالطعن الآخر الموازي له, بجلسة 25 من يناير سنة 1964. ولما كان هذا الطعن الراهن رقم (1351) لسنة 8 ق غير مهيئ للمرافعة بسبب نقص الكثير من الأوراق والمستندات اللازمة للفصل فيه فقد قررت المحكمة الإدارية العليا ضم ملف المحاكمة التأديبية من إدارة كاتم أسرار وزارة الداخلية. وقررت تأجيل النظر في الطعنين المقدمين من الرائدين (عيسى رقم 1351, المتبولي رقم (1456) إلى جلسة 29 من فبراير سنة 1964 للمرافعة. وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات المحامي الوكيل عن الرائدين عيسى والمتبولي في الطعنين المذكورين. فقال الوكيل المترافع عن الرائد عيسى أن تقرير مصلحة الطب الشرعي هو المعول عليه في تحقيق الخطوط والمضاهاة وليس تقرير خبير وزارة الداخلية لأنها خصم للطاعن. وأبرز المحامي التناقض الواضح بين تقريري خبيري الخطوط في قضية الرائد عيسى وقال إنه لا مرجح بين التقريرين المتناقضين وطلب من هذه المحكمة أن تمكنه وتسمح له بتقديم تقرير استشاري من خبير آخر مختص. فقررت المحكمة تأجيل النظر في الطعن إلى جلسة 11 من إبريل سنة 1964 مع الترخيص بالاطلاع وتقديم مستندات. وترافع الحاضر عن وزارة الداخلية وصمم على رفض هذا الطعن كما صمم أيضاً على رفض الطعن المقدم من (أحمد عرفة المتبولي). وفي 26 من ماس سنة 1964 تقدم الطاعن في هذا الطعن الراهن رقم (1351) لسنة 8 ق وهو الرائد عيسى منصور إلى السيد رئيس هذه المحكمة العليا يقول: (أشرنا في جلسة 29 من فبراير سنة 1964 أن هناك تقريرين مودعان بملف التحقيق المودع بملف الطعن رقم (1351) لسنة 8 ق, وهذان التقريران متعارضان تماماً, وقد طلبنا من هيئة المحكمة الترخيص بتقديم تقرير استشاري للترجيح بينهما. وقد قررت المحكمة في تلك الجلسة التأجيل لجلسة 11/ 4/ 1964 مع الترخيص بالاطلاع وتقديم المستندات. وقد حضرت اليوم مع الدكتور محمود عبد المجيد الذي اطلع على الملف بسكرتارية المحكمة وطلب الإذن من هيئة المحكمة بتصوير بعض المستندات المتعلقة بالتقريرين المقدمين من خبير الجدول (الدمرداش) وخبير مصلحة الطب الشرعي (عثمان). ولما كان من المتعذر نقل جهاز الطبع إلى السكرتارية فإن الطاعن عيسى يلتمس الإذن للسيد سكرتير الجلسة (أو من تندبه المحكمة باستلام المستندات لتصويرها معناً والعودة بها). وقد أشر السيد رئيس هذه المحكمة على الطلب المذكور في 28 من مارس سنة 1964 بما يأتي:
(يسلم المستند إلى موظف من مجلس الدولة ليذهب به إلى الإدارة المختصة بالتصوير ليقوم بتصويره في حضوره وإعادته إلى ملف الدعوى.) وبجلسة 11 من إبريل سنة 1964 أودع الحاضر عن الطاعن - عيسى - حافظة بمستندات جديدة فيها (1) تقرير استشاري مقدم من الدكتور محمود عبد المجيد, مدير عام أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي سابقاً والتقرير بتاريخ 8 من إبريل سنة 1964 - (2) ثلاث صور فوتوغرافية لثلاث ورقات استكتاب لخط الطاعن كتبت أمام مجلس التأديب الاستئنافي - (3) صور فوتوغرافية لثلاث طلبات مسحوبة من ملف الطاعن عيسى, وهي بخطه. (4) عدد أربع صور فوتوغرافية لمظاريف معنونة باسم السيد الرئيس, والسيد أنور السادات, والسيد فتحي الشرقاوي, والسيد زكريا محيي الدين وهي التي أجريت عليها عملية المضاهاة في التقارير الثلاثة بمعرفة خبير الجدول (الدمرداش) وقسم أبحاث التزييف والتزوير, والدكتور عبد المجيد مدير الطب الشرعي سابقاً. (5) صورة فوتوغرافية من تقرير خبير الجدول (الدمرداش) بتاريخ 4/ 12/ 1961 وثابت فيه أنه قام بمهمته بناء على تكليف السيد العقيد مفتش المباحث العامة فرع القاهرة في 2/ 12/ 1961 وهو تكليف للخبير من جهة غير قضائية. ثم قررت المحكمة حجز الطعن للحكم بجلسة 20 من يونيو سنة 1964 فقدم الحاضر عن الطاعن مذكرة جديدة في 24 من مايو سنة 1964 انتهى فيها إلى طلب الحكم بإلغاء قرار مجلس التأديب الاستئنافي الذي قضى بعزله من وظيفته واعتباره كأن لم يكن مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام وزارة الداخلية بمصروفات هذا الطعن. وبالجلسة المذكورة قررت المحكمة إعادة الطعن إلى المرافعة بجلسة 31 أكتوبر سنة 1964 لمناقشة الطرفين في بعض نقاط هذا الطعن، والطعن الآخر المقدم من الرائد المتبولي، ولتبدي الحكومة وجهة نظرها فيما قدمه الطاعن من أوراق ومستندات. فقررت المحكمة إرجاء النطق بالحكم في الطعن لجلسة 12 من ديسمبر سنة 1964 مع الترخيص في تقديم مذكرات ومستندات وفي أول ديسمبر سنة 1964 قدم الطاعن عيسى مذكرة أخيرة في هذا الطعن رقم (1351) لسنة 8 انتهى فيها إلى أن الاتهام ضد الرائد عيسى قام على تقرير الخبير (عبد العزيز دمرداش) وهذا التقرير مردود بتقرير مصلحة الطب الشرعي الذي قطع بأن كتابة المظاريف ليست بخط الطاعن عيسى منصور عيسى. ومردود بتقرير الخبير الاستشاري الدكتور عبد المجيد الذي ناقض خبير الجدول الدمرداش. ومردود بتقرير مصلحة تحقيق الشخصية الذي أثبت عدم وجود بصمات للطاعن على أي من الأوراق موضوع المحاكمة, ومردود بثبوت عدم وجود أصول للأوراق موضوع المحاكمة أو مسوداتها في منزل الطاعن عيسى, ومردود بثبوت الصلة الوثيقة بين الشرطة وبين خبير الجدول, (دمرداش) الذي عين أخيراً في خدمة المؤسسة الاستهلاكية لضباط الشرطة وكان يكتب المقالات في مجلة الأمن العام التي تصدرها وزارة الداخلية, الأمر الذي يستدعي عدم الالتفات إلى تقريره وعدم التعويل عليه. وانتهت المذكرة الأخيرة للطاعن بطلب إلغاء قرار مجلس التأديب والحكم ببراءته مما هو منسوب إليه. ولم تقدم وزارة الداخلية دفاعاً غير ما جاء بأوراق وزارة الداخلية وما أبدته في جلسات المرافعة من ملاحظات. ثم قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم إلى جلسة اليوم - والتي صدر فيها أيضاً الحكم في الطعن رقم (1456) لسنة 8 ق المقدم من الرائد أحمد عرفة المتبولي.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق, وسماع الإيضاحات, وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة, حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن السيد وكيل وزارة الداخلية، أصدر في 9 من ديسمبر سنة 1961 قراراً بإحالة كل من الرائد عيسى منصور عيسى، الضابط بمصلحة الشرطة - الطاعن في هذا الطعن رقم (1351) لسنة 8 ق، والرائد أحمد عرفة المتبولي الضابط بمصلحة السجون - الطاعن في الطعن رقم (1456) لسنة 8 ق، إلى مجلس تأديب موظفي هيئة الشرطة لمحاكمتهما عن التهمة الآتية (وذلك لإخلالهما، إخلالاً خطيراً بواجبات وظيفتهما ومقتضياتها على وجه يخالف القانون والنظام. بأن قاما بإرسال منشورات، باسم ضباط الشرطة خريجي قسم الكونستبلات، دون توقيع عليها باسم السيد رئيس الجمهورية، والسادة نواب الرئيس وبعض الوزراء وكبار ضباط الشرطة، اشتملت على عبارات ماسة وآراء تدعو إلى التشيع والفرقة بين أفراد جهاز الشرطة، وأسندت إلى المسئولين، في وزارة الداخلية مجافاة العمل بالمبادئ الاشتراكية التعاونية. وقد أرسلا هذه المنشورات، بوسائل خفية، وهما اللذان تقتضيهما طبيعة أعمالهما محاربة هذه الوسائل والكشف عنها، وذلك على النحو الموضح تفصيلاً في التحقيقات والمذكرات ومحاضر التفتيش والتقارير الفنية المرافقة). وفي 7 من يناير سنة 1962 انعقد مجلس التأديب الابتدائي، وحضر الضابطان ومعهما الأستاذ المحامي عنهما، وناقشهما المجلس تفصيلاً في التهمة المنسوبة إليهما، واستمع إلى الدفاع على النحو الثابت تفصيلاً في محضر جلسة المحاكمة التأديبية، وقرر المجلس ضم الدفوع للموضوع, وتأجيل النظر في القضية التأديبية لجلسة الأربعاء 10 من يناير سنة 1962 واستدعاء كل من السيد وكيل قسم الخبراء والمفتشين بمصلحة تحقيق الشخصية (وديع بشارة يوسف) والسيد (عبد العزيز الدمرداش) الخبير لدى المحاكم للحضور أمام مجلس التأديب الابتدائي لمناقشتهما في التقريرين المقدمين منهما. وتكليف مصلحة التفتيش العام بإحضار (الأربعة عينات) المنوه عنها في التقرير المقدم من السيد (الدمرداش) والتي أجريت عليها عملية المضاهاة في الخطوط. ثم انعقد المجلس الابتدائي في 10 من يناير سنة 1962 وحضر الضابطان (عيسى والمتبولي) وطلبا التأجيل لمرض المحامي عنهما. كما حضر الخبيران (بشارة عن بصمات المتبولي، والدمرداش عن مضاهاة خطوط عيسى) وقرر مجلس التأديب رفض طلب التأجيل لعدم وجود ما يبرره إذ كان الضابطان قد استوفيا دفاعهما الأصلي في الجلسة الأولى ولم يبق إلا دفاعهما من ناحية الموضوع (المنشور) وكانا قد أعدا مذكرة بشأنه، وناقش مجلس التأديب الابتدائي الخبيرين المذكورين، كما سمح للضابطين بمناقشة الخبيرين، وذلك على النحو المفصل بمحضر جلسة التأديب ثم قرر مجلس التأديب الابتدائي إصدار القرار التأديبي.
وبجلسة 24 من يناير سنة 1962 أصدر مجلس التأديب الابتدائي لموظفي هيئة الشرطة، والمنعقد بديوان وزارة الداخلية، والمشكل برئاسة السيد اللواء مدير عام مصلحة الإدارة العامة. وعضوية اللواء مدير مصلحة الأمن العام، والسيد النائب المختص بمجلس الدولة، أصدر قراره ويقضي: (بإدانة الرائد عيسى منصور عيسى، والرائد أحمد عرفة المتبولي، في التهمة المنسوبة إليهما، ومجازاتهما عنها بعزلهما من الخدمة، مع حفظ حقهما في المعاش أو المكافأة أو صندوق الادخار). وقد أقام هذا المجلس الابتدائي قراره التأديبي بعزل الرائد عيسى منصور عيسى - الطاعن - على أن الدفاع عن هذا المتهم - عيسى - يدفع ببطلان عملية المضاهاة التي تمت بالنسبة لخط هذا الضابط، ويقر بأنها باطلة بطلاناً مطلقاً. ولا يمكن الاعتداد بها إذ المعلوم قانوناً أن تتم عملية المضاهاة بتوقيع وإمضاء المحقق على ورقة المضاهاة، بعد استكتاب المتهم أمام المحقق، وهذا لم يحصل في هذه القضية - كما يدفع ببطلان تقرير هذا الخبير لأنه لم يؤد اليمين القانونية قبل أداء مهمته كما يستوجب القانون، وأضاف دفعاً ثالثاً مفاده أن المادة (269) من قانون المرافعات توجب اعتراف المتهم بورقة المضاهاة، والضابط المتهم لا يدري عن ورقة المضاهاة شيئاً ولا يعترف بها، ويقرر بأنها ليست بخطه. وقال مجلس التأديب الابتدائي أن هذه الدفوع الثلاثة مردودة ولا يعتد بها. ذلك أن هذا الضابط قد أقر صراحة أمام المجلس بأن ورقة المضاهاة التي باشر عليها الخبير مأموريته هي بخطه وتوقيعه، ومن ثم فإن الدفعين الأول والثاني ينهاران من أساسهما، وأنه وإن لم يوقع المحقق على ورقة المضاهاة سالفة الذكر إلا أن التوقيع في هذه الحالة لم يكن له ما يبرره، ذلك أن المقصود من توقيع المحقق على ورقة الاستكتاب أن لا يعود المتهم فينكر ما كتبه. أما عن الدفع الثاني فإنه مردود كذلك لأن السيد الدمرداش خبير لدى المحاكم، وقد أدى اليمين ابتداء عندما قبل خبيراً أمام لجنة الخبراء، وليس بلازم عليه أن يؤدي اليمين قبل البدء في كل مأمورية يكلف بها. وقد قرر سيادته أمام المجلس أنه يؤدي عمله في المأموريات التي توكلها إليه المحاكم المختلفة دون أن يؤدي اليمين عن كل مأمورية بذاتها. ومن أجل ذلك تكون هذه الدفوع الثلاثة مرفوضة. ولما كان الدفاع ينعى على تقرير الخبير (الدمرداش) قصوره وعدم وضوحه إذ لم يبين الأركان الفنية التي استند عليها للوصول إلى النتيجة التي انتهى إليها كما أنه أبدى عدم ارتياحه لاختيار هذا الخبير بالذات، لأنه يكتب في مجلة الأمن العام، وكان من الصواب اختيار خبير آخر لا علاقة له برجال الشرطة حتى يكون بعيداً عن كل مظنة أو شبهة. وأصر المتهم - عيسى - على أن الخط الذي كتبت به هذه الظروف المضبوطة ليس بخطه، وهذا يبدو في كثير من الأحرف لو ضوهيت بالعين المجردة إذ الاختلاف فيها واضح. وأضاف المتهم بأن المسودات التي ضبطت في منزله تعتبر دليلاً له وليس عليه، ذلك أنه لو كان هو الذي تولى تحرير المنشور المضبوط، لاشتملت عباراته على بعض العبارات التي وردت في المسودات المضبوطة وهي أعنف وأشد مما جاء بالمنشور الموزع. وقال إن تفتيش منزله لم يسفر عن ضبط أي منشور مشابه للمنشورات المضبوطة، وهذه المسودات المضبوطة لا تعدو أن تكون عدة خواطر اعتملت في نفسه عندما أحس بالظلم الذي لحقه من جراء تكليفه بأعمال لا طاقة له بها، وهو المريض المحتاج لكل رعاية ورحمة. فإذا ما نفث عن نفسه بكتابة ما اعتقد أنه ظلم يلاحقه فلا تثريب عليه في ذلك إذ لم تخرج هذه الخواطر من حيز الأوراق التي سطرت عليها وبقيت في مكتبه إلى أن تم ضبطها. وليس في الكتابة لأحد الزملاء لمطالبته بجمع بعض المال لمساعدة زميل لهم أحيل إلى المعاش، فأقام دعوى أمام مجلس الدولة لإنصافه من ظلم اعتقد أنه وقع عليه، وليس في هذا التصرف أية مؤاخذة، إذ حق الالتجاء إلى القضاء مكفول للكافة وأن من يلجأ لمثل هذا العمل جهاراً ونهاراً ليس هو بحاجة إلى الالتجاء لطرق المنشورات السرية. كما أن المضبوطات التي وجدت في منزله كان من بينها صور من الشكاوى التي رفعها للجهات المختصة بتوقيعه، وقد احتوت هذه الشكاوى على كل ما أراده أن يصل إلى مسامع المسئولين، ومن كان يفعل ذلك فلا يلجأ إلى الطريق المحفوف بالمخاطر وهو طريق المنشورات السرية. وانتقل الدفاع إلى موضوع المنشورات فقرر أنه مع تمسكه بأن موكله (عيسى) لم يشترك فكراً ولا تنفيذاً في إرسال أو إعداد المنشورات إلا أنه يرى أنه لا يجوز مساءلة الضابط لمجرد إرسال هذه المنشورات إلى السادة رئيس الجمهورية ونوابه والوزراء وكبار الضباط. ذلك أن هؤلاء الأشخاص هم المسئولون في الدولة، ولا وجه لمساءلة أي متظلم يجأ بشكواه إلى الجهات العليا. كما أن المنشور لم يحتو على أية عبارات ماسة، وإذا ما التقطت بعض العبارات على سبيل التجاوز لتبين أنها لا تعد ماسة بأية حال مثال ذلك رجاء كاتب المنشورات أن تفسح وزارة الداخلية صدرها: "أين ما يثبت أن وزارة الداخلية تعمل بتنفيذ المبادئ التي ينادي بها رئيس الدولة، وهي ذوبان الطبقة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية..."..
فهذه العبارات لا يمكن القول بأنها ماسة ذلك أنها لا تعدو أن تكون مناشدة وتوسلاً وتذكرة بتطبيق المبادئ التي ينادي بها رئيس الدولة، وأنهم ليسوا من غير أبناء هذا البلد حتى يقع عليهم ظلم بهذا لشكل.. فهل هذه الألفاظ والمعاني تعتبر ماسة؟ وليس بالمنشور أية آراء تدعو إلى التشيع والفرقة، وليس في إيراد بعض الأمثلة عن الإنصاف الذي صدر أخيراً لصالح الضباط الذين كانوا في بدء خدمتهم عساكر بأن يبقوا في الخدمة حتى سن الستين، ليس في هذا أي نوع من التفرقة بل هو مناداة بعكس ذلك حتى يكون الجميع صفاً واحداً لا حاسد ولا محسود. ولم يرد بالمنشور أية عبارة تتضمن المساس بأية فئة من الفئات. ولم يطالب المنشور أية فئة بأي عمل من الأعمال حتى يمكن القول بأن المنشور دعا إلى التشيع والفرقة. وأن العبارة التي وردت بهذا المنشور من أن المسئولين بوزارة الداخلية لا يعلمون بالمبادئ الاشتراكية والتعاونية هذه العبارة مقصوداً بها المادة (103) من قانون هيئة الشرطة رقم (234) لسنة 1955، ولا يمكن القول بغير ذلك إذ أن المنشور يناشد اللجنة التي أمر بتشكيلها السيد وزير الداخلية أن يكون نصب أعينها إلغاء المادة (103) من القانون المذكور، فكل الاعتراض منصب على مضمون هذه المادة وليس على أحد من المسئولين بالوزارة.
وقد أنهى المتهم (الرائد عيسى) دفاعه بقوله إنه، وهو المريض بالصورة الخطيرة التي تبينها المجلس لا يمكن أن يجازف بصحته فيشترك في عمل يعاقب عليه القانون، كما أن الله قد بسط عليه من سعة الرزق فلا يغامر بمستقبله بمثل هذه التصرفات الخرقاء. وقد رد مجلس التأديب الابتدائي على دفاع الرائد عيسى بما يجري: أن هذا الدفاع لا يعتد به، ويدحضه ما هو ثابت في الأوراق - فالخبير الذي عهدت إليه الوزارة بمأمورية مضاهاة الخطوط قدم تقريره المرافق بأوراق الطعن، وخلص فيه إلى أن الضابط المذكور (عيسى) هو الذي كتب بخطه ستة عشر مظروفاً من بين الستة والعشرين مظروفاً المضبوطة وأورد في تقريره الأسباب الفنية التي استند إليها، وأوضح بالصور الفوتوغرافية المكبرة خواص الأحرف وتماثلها مع الأحرف المكتوبة في الطلب الذي أجريت عليه عملية المضاهاة. وحيث إن إنكار الضابط عيسى بعد ذلك لواقعة كتابة العناوين على الأظرف المضبوطة لا يؤبه به، وما دفع به من وجود خلاف في كيفية كتابة بعض النقط على الحروف أو كتابة حرف معين بذاته هذا الدفاع لا يعدو أن يكون من باب الجدل فحسب. والمجلس يطمئن إلى ما جاء بتقرير الخبير الدمرداش ولا يلتفت إلى الطعن الموجه إلى الخبير الدمرداش بمقولة إنه يكتب في مجلة الأمن العام ولا مصلحة لهذا الخبير إطلاقاً في أن يحنث باليمين التي حلفها، ويغير رأيه باتهام رجل برئ لمجرد أنه يكتب في مجلة الأمن العام. واستطرد مجلس التأديب الابتدائي يقول إن الأوراق التي ضبطت بمنزل الرائد عيسى - الطاعن هنا - تحمل الدليل بذاتها على أنه يتولى دوراً رئيسياً في هذه العملية، ولا يتصور أن تكون الأوراق التي أقر بكتابتها مجرد خواطر، كما أن اتصاله بزميله الرائد (إبراهيم رضوان سالم) مطالباً إياه بجمع المال من زملائه لمساعدة زميل لهم أحيل إلى المعاش، وأقام قضية ضد الوزارة أمام مجلس الدولة، هذا الاتصال يؤيد ويؤكد أن الرائد عيسى غارق لأذنيه في هذه العملية. ولا جدال في أن حق الشكوى مكفول للكافة، ولا يرى عليه أي قيد إلا أن الشكوى المرسلة في صورة منشور غفل من الإمضاء وترسل رأساً إلى السيد رئيس الجمهورية ونوابه والوزراء هذه الطريقة هي موضع المؤاخذة إذ أن هيئة الشرطة لها نظامها وطابعها وتقاليدها التي تصل إلى حد القداسة ولأي فرد من الهيئة أن يتظلم لمن يشاء بشرط أن تسير الشكوى في طريقها الذي رسمته الأوامر والتعليمات فإذا ما خالف الشرطي الطريق المرسوم للشكوى حق عليه الجزاء. والمنشور موضوع المحاكمة قد تضمن كثيراً من العبارات الماسة لا محل لتكرارها في هذا الطعن بعد أن ورد ذكرها في الحكم الصادر من هذه المحكمة العليا بجلسة اليوم في الطعن رقم (1456) لسنة 8 ق عليا المرفوع من أحمد عرفة المتبولي - واستطرد قرار مجلس التأديب الابتدائي يقول إن عبارات هذا المنشور في جملتها تتضمن إشارة فتنة طائفية في المرفق الواحد وتبث في نفوس الضباط خريجي قسم الكونستبلات روح الحقد والكراهية للمسئولين في الوزارة، كما أنها تعد سابقة خطيرة في البيئة المنوط في أفرادها أصلاً الطاعة العمياء. وانتهت أسباب القرار التأديبي الابتدائي فيما يتعلق بالرائد عيسى منصور عيسى، بالنتيجة الآتية: (وحيث إنه قد ثبت مما تقدم أن الخط الذي كتبت به عناوين الستة عشر ظرفاً المضبوطة هو خط الرائد عيسى منصور عيسى، وأنه قام بإرسال المنشورات المضبوطة والتي تضمنت العبارات الماسة سالفة الذكر بطريقة مخالفة للتعليمات، فإن التهمة المنسوبة إليه تكون ثابتة قبله).
ولذلك فإنه يتعين أخذ هذين الضابطين (المتبولي وعيسى) جزاء وفاقاً لما اقترفاه من إساءة خطيرة لواجبات المهنة التي شرفتهما بالانتساب إليها. ولقد كان المجلس يود استعمال الرأفة مع الرائد عيسى منصور عيسى - الطاعن الراهن - بسبب المرض الذي ألم به، إلا أن جسامة الخطأ الذي ارتكبه هو وزميله، وخطورة الآثار الناجمة عنه، حالت دون ذلك،.. فلهذه الأسباب قرر المجلس الابتدائي إدانة الرائد عيسى والرائد عرفة المتبولي في التهمة المنسوبة إليهما، ومجازاتهما عنها بعزلهما من الخدمة مع حفظ حقهما في المعاش أو المكافأة أو صندوق الادخار.
وفي 25 من يناير سنة 1962 تقدم كل من الرائدين (عيسى، والمتبولي) بطلب استئناف قرار مجلس التأديب الابتدائي الصادر في 24 من يناير سنة 1962، فانعقد مجلس التأديب الاستئنافي لموظفي هيئة الشرطة نزولاً على حكم المادتين (72 و73) من القانون رقم 234 لسنة 1955 بنظام هيئة البوليس، بجلسة 14 من مارس سنة 1962 بديوان وزارة الداخلية برئاسة اللواء وكيل الوزارة لشئون الأمن والشرطة، لنظر الاستئناف المرفوع من كل من الرائدين المعزولين. وفي هذه الجلسة قال المتهم عيسى إن تقرير الخبير الدمرداش لم يعرض علي ولم أره إلا بعد صدور القرار الابتدائي بعزلي. وأنا أقسم أني لم أكتب هذه الظروف ولم اشترك في المنشورات ولو جاء خبير واحد من مائة خبير وقرر أن هذا خطي فإني أخضع لحكمكم. وأنا أوافق على أي خبير تختارونه لتقارنوا بين المكتوب على الظروف وبين خطي. وقال نعم أرسلت كتاباً موقعاً عليه باسمي إلى السيد مدير المخابرات بالقصر الجمهوري لأشكو من ظلم صارخ وقع ضدي لأني مريض وقرر القومسيون الطبي إعفائي من الخدمات المجهدة ومع ذلك كلفتي مصلحة الشرطة بأعمال تخالف قرار القومسيون وأنا مصاب بانسداد في الشريان التاجي للقلب فلا استطيع صعود 330 درجة سلم كل يوم في عملي الذي كلفت به. ولما تظلمت من ذلك لم يستمع أحد لشكواي فكتبت أطلب مقابلة وزير الداخلية لأشرح له شكواي وكتب باسمي صراحة إلى مخابرات القصر الجمهوري. وقال الدفاع عن الرائد عيسى أنه طلب من مجلس التأديب الابتدائي اختيار خبير استشاري ولو على نفقته الخاصة لأن تقرير خبير الجدول (الدمرداش) خاطئ والنتيجة التي انتهى إليها تقريره لا تطابق الحقيقة. ولكن المجلس الابتدائي رفض هذا الطلب وأقام قراره بالإدانة على تقرير فني خاطئ وهو تقرير (الدمرداش). وكان يتعين على المجلس الابتدائي قبول طلب المتهم واختيار خبير فني آخر. والمتهم عيسى ينكر ورقة المضاهاة ولا يعترف بها. ويلتمس المتهم من المجلس الاستئنافي أن يأمر ويختار بنفسه من يشاء من الخبراء الفنيين لمضاهاة خط المتهم على المظاريف التي أرسلت بداخلها المنشورات موضوع الاتهام. وقال إن المتهم عيسى مريض بمرض خطير وقد صدر قرار السيد الرئيس بإيفاده على نفقة الدولة إلى الخارج (السويد) للعلاج السريع، وكان الرائد عيسى يستعد للسفر إلى الخارج تنفيذاً لقرار القصر الجمهوري ولكن هذا الاتهام حال دون سفره فضاعت عليه فرصة العلاج وقرر أنه مظلوم من التهمة المنسوبة إليه (ص 5 من محضر جلسة المحاكمة الاستئنافية). ثم قرر المجلس الاستئنافي استكتاب الرائد عيسى منصور عيسى أمامه، وأملى عليه عبارات الظروف المضبوطة وذلك على ثلاث ورقات منفصلة أشر عليها السيد رئيس المجلس بالنظر والتاريخ 14/ 3/ 1962، والمجلس الاستئنافي قرر إرسال استكتابات الرائد عيسى مرفقاً به طلب إجازة قديم من ملف خدمته مكتوب بخط يده واعترف به الرائد عيسى، قرر المجلس إرسالها كلها إلى قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي لإجراء المضاهاة عليها مع إخطار القسم المذكور بإرسال التقرير المطلوب على وجه السرعة - ص 8 من محضر جلسة المحاكمة الاستئنافية - وبجلسة 5 من إبريل سنة 1962 كان قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي قد قدم تقريراً بالمطلوب منه مؤرخاً في 21 من مارس سنة 1962، وحاصل هذا التقرير المطول أنه يخلص مما تقدم (أن خط العبارات المدونة على الظروف الثلاثة موضوع البحث تختلف عن خط الرائد عيسى منصور عيسى - الطاعن هنا - بأوراق استكتابه، وبأوراق المضاهاة الأخرى، وأن عبارات الظروف المذكورة كتبت بيد شخص آخر غيره). وقرر المجلس الاستئنافي تأجيل القضية لجلسة 25 من إبريل سنة 1962 لإعلان خبيري الخطوط (الدمرداش ومحمد صالح عثمان من مصلحة الطب الشرعي) المعينين في الدعوى لمناقشتهما أمام المجلس وبالجلسة المذكورة حضر الخبيران كما حضر الضابطان المتهمان وأخذ المجلس في مناقشة الخبير الدمرداش على ضوء ما جاء بتقرير الطب الشرعي بعد أن حلف الخبيران اليمين أمام المجلس الاستئنافي. فأدلى كل خبير بوجهة نظره الفنية مؤيداً التقرير الذي تقدم به، والتقريران متعارضان. تقرير الدمرداش يقول إن الظروف مكتوبة بخط الرائد عيسى، وتقرير الطب الشرعي يؤكد أنها ليست بيده على الإطلاق.
وبجلسة 9 من مايو سنة 1962 أصدر مجلس التأديب الاستئنافي قراره ويقضي: (بأن المجلس قرر حضورياً قبول الاستئنافين شكلاً، وفي الموضوع برفضهما، وبتأييد القرار المستأنف). وجاء في أسباب هذا القرار بشأن الطاعن عيسى منصور عيسى ما يأتي: "ومن حيث إنه عن الاتهام المسند إلى الرائد عيسى، فإن المجلس بعد أن استعرض تقرير خبير الجدول - الدمرداش - وتقرير مصلحة الطب الشرعي - عثمان - وبعد أن ناقش هذين الخبيرين في الأسس التي بني عليها كل منهما تقريره، يطمئن إلى أن الكاتب لخط المظاريف المضبوطة هو هذا المتهم، للأسباب الواردة بتقرير خبير الجدول وبمحضر مناقشته في جلسة المرافعة الأخيرة، ولا يعول المجلس على اعتراضات الكيماوي الشرعي، في هذا الخصوص، لأنها لا تعدو أن تكون خلافات ظاهرية مردها إلى السرعة في الكتابة أو البطء فيها، أو إجادة الكاتب للخط أو عدم إجادته، وهي أمور قد تختلف في الشخص الواحد منها مع نفسه حتى في المحرر الواحد. وقد دلل الخبير - الدمرداش - على ذلك بوضوح في الجلسة الأخيرة بما يرتاح هذا المجلس الاستئنافي إلى الأخذ به والتعويل عليه. ومن حيث إنه مما يؤكد هذا الأمر أنه ضبط لدى المتهم - عيسى - بمسكنه أوراق تعد في مجموعها وثيقة الصلة بما جاء بالمنشورات موضوع هذه الدعوى. ولا أدل على ذلك من مسودة التظلم المقدم منه إلى السيد مدير عام المخابرات بالقصر الجمهوري الذي ورد به حرفياً: (اتخذت ضدي إجراءات تعسفية خيل إلي أنني زنجي بأمريكا أو أسود بجنوب أفريقيا). وهي تماثل الألفاظ الواردة بالمنشورات محل الاتهام. ولقد لجأ في إرسال هذا التظلم إلى تخطي المرفق الذي ينتمي إليه مما يحمل في طياته المعنى الوارد بتقرير الاتهام من إرساله للمنشورات المضبوطة بوسائل خفية وغير نظامية. لم يلتزم فيها التدرج الرئاسي، والاختصاص المصلحي بنظر مثل هذه المحررات. وثابت من الأوراق أن هذا المتهم - عيسى - قام بنشاط توجيهي لزملائه من أبناء طائفته نحو مطالبهم الخاصة المشار إليها بالمنشورات المضبوطة. ولا أدل على ذلك من الخطاب المضبوط بمنزله والمرسل إليه من زميله الرائد إبراهيم رضوان سالم والذي يتضمن أنه أي المتهم عيسى، كان قد أرسل خطاباً لزميله رضوان يطلب منه جمع بعض المال من زملائه وتشير الدلائل إلى أن هذا الطلب كان متعلقاً بالقضية التي أقامها زميله المقدم بالمعاش عبد الفتاح عبد العزيز غنيم، ومما يؤكد هذا النشاط أيضاً اعتراف المتهم عيسى بالمحضر المؤرخ 6/ 12/ 1961 والمحرر من العقيد محمد حسن المفتش بالوزارة من أنه كانت ترد إليه مذكرات عديدة بطريق البريد من زملائه أبناء طائفته تتضمن مطالبتهم بتحسين حالتهم، وأنه وردت إليه ذات مرة مذكرة محررة على الآلة الكاتبة بشأن التفرقة بين الضباط خريجي كلية الشرطة، والضباط خريجي قسم الكونستبلات وقد قام المتهم بمراجعة هذه المذكرات وأراد التعديل فيها فحرر مسودة بالمعنى الوارد بها.
ومن حيث إن هذا الطعن يقوم على أن مجلس التأديب المطعون في قراره قد خانه التوفيق في المبررات التي أقام عليها ترجيحه لرأي خبير الجدول على رأي مصلحة الطب الشرعي فلم يسلك العمل الذي تسلكه المحاكم عادة من الاستعانة في مثل هذه الحالات برأي خبير مرجح على ما يجري عليه القضاء الجنائي والمدني فضلاً على أن الثابت أن خبير الجدول على صلة بوزارة الداخلية ويعمل عندها بأجر وأن هذا الخبير لم يتبع الطريقة التي رسمها قانون المرافعات وقانون الإجراءات الجنائية عند إجراء عملية المضاهاة. وكذلك فات مجلس التأديب الاستئنافي أن المنشورات المضبوطة جاءت خالية تماماً من أي بصمة عليها للطاعن عيسى منصور مع أن المجلس التأديبي أقام إدانته لزميل هذا الطاعن وهو الرائد أحمد عرفه المتبولي على أساس تقرير خبير البصمات. وفضلاً عن ذلك فإن الطاعن ينعى على القرار التأديبي المطعون فيه ارتكازه على قرائن غير قاطعة تدور كلها حول استنتاج أن الرائد عيسى على صلة بمشكلة الضباط خريجي قسم الكونستبلات ومن ثم فإنه غارق إلى أذنيه في تهمة المنشورات. ثم عرج تقرير الطعن إلى فحوى المنشورات المضبوطة وقال ما سبق أن قاله بشأنها في الطعن رقم (1456) لسنة 8 ق من أنها لا تستحق هذه الضجة ولا تبرر إنزال أشد العقاب ما دام حق المتظلم مكفولاً للكافة. واختتم تقرير الطعن أسبابه بأن للقضاء رقابة على تقدير الجزاء التأديبي إذا ما تبين عدم الملاءمة بين الذنب الإداري والجزاء الموقع على الطاعن عيسى. وطلب الطاعن قبول هذا الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر من مجلس تأديب موظفي هيئة الشرطة الابتدائي والاستئنافي وبراءة الطاعن عيسى منصور عيسى من التهمة التي أسندتها إليه وزارة الداخلية ومن العزل الذي أنزله به مجلس التأديب.
ومن حيث إن الطعن أمام هذه المحكمة العليا، يفتح الباب أمامها لتزن الحكم أو القرار التأديبي المطعون فيه بميزان القانون، وزناً مناطه استظهار ما إذا كانت قد قامت به حالة أو أكثر من الأحوال التي تعيبه والمنصوص عليها في المادة الخامسة عشرة من القانون رقم (165) لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة فتلغيه ثم تنزل حكم القانون في المنازعة أم أنه لم تقم به أية حالة من تلك الأحوال وكان صائباً في قضائه أو قراره التأديبي فتبقي عليه وترفض الطعن. ومن المسلم كذلك أن ليس لمحكمة القضاء الإداري أو للمحاكم الإدارية أو التأديبية وما جرى مجراها من قرارات المجالس التأديبية من حيث جواز الطعن فيها أمام هذه المحكمة، سلطة قطعية في فهم الواقع أو الموضوع تقصر عنها سلطة هذه المحكمة العليا، والقياس في هذا الشأن على نظام النقض المدني هو قياس مع الفارق. ذلك أن رقابة محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية على القرارات الإدارية هي رقابة قانونية تسلطها عليها لتتعرف مدى مشروعيتها من حيث مطابقتها أو عدم مطابقتها للقانون، وهذا بدوره هو عين الموضوع الذي ستتناوله هذه المحكمة العليا عند رقابتها القانونية لتلك الأحكام والقرارات. فالنشاطان وإن اختلفا في المرتبة إلا أنهما متماثلان في الطبيعة لأن مردهما في النهاية إلى مبدأ المشروعية، تلك تسلطه على القرارات الإدارية، وهذه تسلطه على هذه القرارات ثم على الأحكام.
ومن حيث إن مجلس التأديب لموظفي هيئة الشرطة بدرجتيه الابتدائي والاستئنافي قد استند في إثبات التهمة المحددة في قرار الإحالة، إلى الطاعن الرائد عيسى منصور عيسى، إلى تقرير خبير الجدول الدكتور عبد العزيز الدمرداش، واستمد منه أصالة دليل الاقتناع. وهذا التقرير محرر في 4/ 12/ 1961 وتجري عباراته بالآتي: تقرير في مضاهاة الخطوط مقدم إلى إدارة المباحث العامة بوزارة الداخلية، السيد العقيد مفتش المباحث العامة. إيماء إلى تكليف سيادتكم لي بتاريخ 2/ 12/ 1961 بالمأمورية المبينة بعد أقدم رأيي الآتي: المأمورية. بيان خط الظروف المقدمة، وعددها (23) ومضاهاتها على عينات الخطوط المرفقة بهذه المظاريف لمعرفة الكاتب للظروف موضوع البحث: الأوراق المقدمة هي (23) مظروفاً كتبت بالمداد. ثم أربعة (4) عينات لخطوط مختلفة. وقد دل الفحص على الآتي: أولاً - بعد فحص خطوط الـ (23) مظروفاً وجدت أن (16) ستة عشر كتبت بخط شخص واحد والباقي كتبت بخط شخص آخر. ثانياً: بمضاهاة خط الـ (16) ظرفاً وخط الـ (7) ظروف على عينات الخطوط المقدمة لي، تبين لي أن خط الستة عشر ظرفاً تتفق مع خط السيد الرائد عيسى منصور - الطاعن في هذا الطعن - وذلك من حيث الخواص الخطية الطبيعية للكاتب. ونقدم على سبيل المثال ما يأتي: (1) يلتزم كاتب الظروف كتابة حرف اللام المفرد بزائدة تكون مع بداية عمود اللام زاوية حادة، وهذه الخاصة الطبيعية للكاتب لها نظائر من عينة خط الرائد عيسى (2) ثم إن حرف الراء المتصل التزم كاتب الظروف كتابته مقوساً على شكل ربع دائرة أسفل أيمن، وهذه الخاصة الطبيعية التزم كتابتها الرائد عيسى في كتابته المقدمة للمضاهاة. (3) وكذلك فإن حرف الراء مع الشين اختلفت في تكوينها عما هو مشاهد عند اتصالها بحرف اللام، فكتبت بطرف منتهى منعقف إلى أعلى يميناً، وهذه الخاصة الطبيعية نجدها ماثلة التكوين في خط الرائد عيسى... (4) وكذلك التفاف حرف الطاء المبتدئ مع الهاء المعقودة التزم كاتب الظروف كتابة الالتفاف بيضاوي صغير، وشرطة الطاء عمودية الوضع ومنفصلة عن التفاف، وهذه الخاصة الطبيعية التزمها الرائد عيسى. والصور الفوتوغرافية تبين بوضوح هذه الخاصة. (5) وبالإضافة إلى ذلك فإن مسار اليد الكاتبة للظروف الـ (16) تتحدد مع مسار يد الرائد عيسى في كتابتها الطبيعية المقدمة للمضاهاة. والخلاصة: للأسباب الفنية الواردة بصلب هذا التقرير نرى أن الرائد عيسى هو الكاتب للظروف الستة عشر المذكورة بصدر هذا التقرير. توقيع الخبير الدمرداش". فلما أن أبدى الطاعن اعتراضه على هذا التقرير لأسباب جوهرية مستقاة من عيون الأوراق وتمس الضمانات الجوهرية لعملية مضاهاة الخطوط من ذلك أن عملية المضاهاة قد أجريت دون عمل استكتاب قانوني، وقبل البدء في التحقيق وجرت لا بناء على طلب مجلس التأديب وإنما بناء على طلب من المباحث العامة على النحو الثابت بصدر التقرير المقدم للمجلس الابتدائي من خبير لا يطمئن الطاعن إلى حيدته لسبب أو لآخر فإن مجلس التأديب الابتدائي لم يلتفت إلى هذه الملاحظات وأعرض عنها ولم يستجب إلى طلب الطاعن أن يعين المجلس خبير آخر يقوم بمضاهاة الأوراق التي يستكتبها المجلس الابتدائي للطاعن ويطلب من الخبير المعين من المجلس أن يقوم بمضاهاة العبارة المستكتبة بالمجلس مع خطوط الظروف جسم الجريمة وصلب الاتهام.
ومن حيث إن مجلس التأديب الاستئنافي كان قد اتجه إلى تحقيق دفاع الطاعن عيسى وبدأ الطريق السليم عندما قرر استدعاء أحد خبراء قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي بالقاهرة، وهي الإدارة الرسمية الأولى في جهاز الدولة لهذه المهمة الدقيقة فندبه لذلك بعد أن قام بحلف اليمين القانونية أمام المجلس الاستئنافي، كما استكتب هذا المجلس الطاعن عيسى لذات العبارات الواردة على الظروف المضبوطة وطلب المجلس إلى هذا الخبير الشرعي المختص أن يقوم بعملية المضاهاة بين أوراق الاستكتاب وأوراق المضاهاة (piéces de Comparaison) فقدم هذا الخبير المنتدب، (محمد صالح عثمان) تقريره المفصل المستفيض إلى المجلس الاستئنافي بتاريخ 21/ 3/ 1962 وانتهى فيه إلى أنه يقرر مما تقدم: (أن خط العبارات المدونة على الظروف الثلاثة موضوع البحث يختلف عن خط الرائد عيسى منصور بأوراق استكتابه، وبأوراق المضاهاة الأخرى، وأن عبارات الظروف المذكورة كتبت بيد شخص آخر غيره). - وقد أبلغ السيد رئيس المجلس عن هذا التقرير الشرعي وأشير عليه بالنظر وبأن يضم إلى أوراق التحقيق - وهذه التأشيرة تحمل تاريخ 5/ 4/ 1962 - أما تقرير مصلحة الطب الشرعي هذا فإنه قام على الأسباب الآتية: (بناء على كتاب السيد اللواء رئيس مجلس التأديب الاستئنافي لموظفي هيئة شرطة رقم (331 سري في 15/ 3/ 1962) وانتدابي أنا الكيمائي الشرعي محمد صالح عثمان الخبير بقسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي بالقاهرة أثبت أني تسلمت المظروف المرسل، وهو مغلق وموقع عليه بتوقيع بمداد أزرق بتوقيع عبد العظيم والتاريخ 15/ 3 ومعنون أن بداخله ما يأتي: (1) ثلاث أوراق استكتاب بخط الرائد عيسى إمام مجلس التأديب الاستئنافي بجلسة 14/ 3/ 1962 وموقع عليها من هيئة المجلس (2) طلب إجازة مؤرخ 18/ 7/ 1961 مسحوب من ملف خدمة الطاعن ومعترف بصدوره منه بجلسة 14/ 3/ 1962 أمام المجلس (3) طلب إجازة مؤرخ 10/ 6/ 1961 مسحوب من ملف خدمته (4) طلب مؤرخ 11/ 3/ 1961 مسحوب من ملف خدمته (5) ثلاث مظاريف معنونة الأول إلى السيد نائب رئيس الجمهورية ووزير الداخلية زكريا محيي الدين، والثاني إلى السيد أنور السادات رئيس مجلس الأمة والثالث إلى السيد فتحي الشرقاوي وزير العدل (6) أربع صور فوتوغرافية الأولى لطلب الإجازة المعترف بصدوره منه، والمسحوب من ملف خدمته مؤرخ 18/ 7/ 1961 والثانية للمظروف المرسل لوزير الداخلية، والثالثة للمظروف المرسل لرئيس مجلس الأمة والرابعة لوزير العدل (7) تقرير في مضاهاة الخطوط من خمس ورقات مؤرخ 4/ 12/ 1961 ومقدم من الدكتور عبد العزيز الدمرداش الخبير لدى المحاكم، والمطلوب تنفيذاً لانتداب السيد رئيس المجلس وهو إجراء المضاهاة لمعرفة ما إذا كانت الظروف قد كتبت بخط الرائد المستكتب أمام المجلس (عيسى) من عدمه، الفحص:
أولاً - بالإطلاع على الظروف الثلاثة المرسلة موضوع الفحص وجدت تحتوي على العبارات الآتية: الظرف الأول: ويحتوي على عبارات. القاهرة. وزارة الداخلية. السيد نائب رئيس الجمهورية ووزير الداخلية زكريا محيي الدين. والظرف الثاني إلى أنور السادات، والظرف الثالث إلى فتحي الشرقاوي.. وقد حررت هذه العبارات جميعها بمداد أزرق بقلم رفيع نسبياً، وبخط رقعي القاعدة جيد الدرجة ينم عن تمكن صاحبه من الكتابة وإجادته لها ويتفق فيها من حيث الدرجة والخواص والمميزات الخطية وطريقة كتابة الألفاظ والمقاطع المشتركة مما يشير إلى وحدة اليد الكاتبة لها جميعها....
ثانياً - وبالاطلاع على ورقات استكتاب الرائد عيسى الثلاث أمام المجلس التأديبي الاستئنافي بجلسة 14/ 3/ 1961 وجدت محررة بمداد أزرق فاتح وتحتوي على العبارات المدونة على الظروف الثلاثة، مكتوبة مرتين بخط رقعي القاعدة حسن الدرجة، وتسير الكتابة في هذا الاستكتاب على مستوى واحد من القوة والثبات والمكرر من الألفاظ والمقاطع كتبت بطريقة متحدة تخلو من محاولات التصنع والتلاعب والتنويع، وقد تأشر على كل من هذه الورقات الثلاثة بعبارة كتب أمامنا. يتلوها ثلاث توقيعات على شكل فرمة من رئيس المجلس. وبالاطلاع على الورقات الثلاثة المسحوبة من ملف خدمة الرائد عيسى الذي اعترف أمام رئيس المجلس بصدورها منه.
وبفحص هذه الورقات الثلاث، وجدت محررة بمداد بنفسجي اللون وبخط رقعي القاعدة حسن الدرجة يتفق في درجته ومميزاته وخصائصه مع خط استكتاب الرائد عيسى بالورقات الثلاث أمام مجلس التأديب الاستئنافي مما يشير إلى وحدة اليد الكاتبة لهذه الورقات الست جميعها. وقد وجدنا أن ورقات المضاهاة الست المذكورة قد اكتملت لها العناصر الفنية التي تكسبها الصلاحية في إعطاء صورة كاملة صادقة لخط كاتبها، ومجمل هذه العناصر الفنية هو طبيعة الكتابة في هذه الأوراق وسلامتها من محاولات التصنيع والتلاعب ومعاصرتها في التاريخ للأوراق موضوع الفحص، فضلاً عن احتوائها على عدد كاف من الألفاظ والمقاطع التي تكفل دراسة وافية لمميزات خط الكاتب. ثانياً: وبإجراء عملية المضاهاة بين خط العبارات المدونة على الظروف الثلاثة موضوع البحث، وخط ورقات المضاهاة الست المذكورة بالبند السابق وجدنا أن الخطين يختلفان من حيث الدرجة والخواص الخطية وطريقة كتابة الألفاظ: ونجمل فيما يلي أوجه الخلاف الرئيسية بين الخطين: - (1) أن خط العبارات المدونة على الظروف أرقى في درجته، وكاتبه أكثر تمكناً في الكتابة وإجادته لها من كاتب ورقات المضاهاة، وترى هذه الظاهرة أوضح ما يكون في المقطع المكون من حرفي اللام والجيم من لفظي الجيزة، والجمهورية، وفي لفظ محيي وفي حرف النون في لفظ (الدين) أن كاتب ورقات المضاهاة الست التزم في تنقيط الأحرف ذات النقطتين، وهي الفاء المفتوحة والمربوطة والياء والقاف كتابة هاتين النقطتين منفصلتين، وفي وضع رأسي أو مائل قليلاً يميناً أو يساراً. أما في العبارات المدونة على الخطابات الثلاثة فقد التزم كاتبها بكتابة هاتين النقطتين: إما على شكل خط أفقي كما هو الحال في لفظ السيد، ولفظ رئيسي أو على شكل رقم (8) صغير كما هو الحال في لفظ القاهرة، ولفظ الأمة. (3) أن المقطع المكون من حرفي اللام والجيم من لفظي الجيزة والجمهورية كتب في ورقات المضاهات بحركة قلمية واحدة، بينما في الظروف الثلاثة كتب هذا المقطع بحركتين قلميتين مستقلتين عن بعضهما أولاهما عبارة عن عمود حرف اللام والثانية عبارة عن حرف الجيم (4) أن الذراع الرأسي الذي يرتكن عليه حرف التاء المربوطة الأخير من لفظي (الداخلية) المكرر مرتين، (الأمة) كتب في الظروف موضوع البحث مقوساً بشكل ظاهر ناحية اليسار بينما نجد هذا الحرف في أوراق المضاهاة، في اللفظين المذكورين، وفي غيرهما من الألفاظ المحتوية عليه مثل لفظ السنوية (بالطلب المؤرخ 18/ 7/ 1961) لفظ الصحية, ولفظ الشرطة (بالطلب المؤرخ 11/ 3/ 1961) كتب مرتكناً إلى ذراع مستقيم التكوين رأسي الوضع خال من التقويس (5) أن لفظ (محيي) بالظرف المعنون إلى زكريا محيي الدين، كتب تبعاً للقواعد الإملائية بحرفي ياء كاملي التكوين بينما أهملت كتابة الياء الأولى، وأهمل تنقيطها كذلك في هذا اللفظ باستكتاب الرائد عيسى - وهذا الخلف يعزز ما ذهبنا إليه من اختلاف المستوى الكتابي في كل من الظروف موضوع البحث وأوراق المضاهاة. (6) أن من مميزات كاتب ورقات المضاهاة الست الخطية، وضع حرف الألف تحت حرف اللام في أول الألفاظ، ونذكر منها على سبيل المثال، الألفاظ: القاهرة، الداخلية، السيد، الجمهورية، العقيد، التصريح، الصالح، المحامي.. وغير ذلك. أما في الظروف الثلاثة فالسائد فيها وضع الألف على يمين عمود اللام ومواز له. (7) الخلاف في طريقة كتابة الألفاظ وتكوينها. نذكر منها على سبيل المثال: ألفاظ فتحي، بالجيزة، الدين.
رابعاً: أطلعنا (الخبير الشرعي صالح عثمان) على التقرير المقدم من السيد عبد العزيز الدمرداش في 4/ 12/ 1961 وقد وجدنا أن الاتفاق الخطي الذي ذكره في التقرير لا يعدو أن يكون تشابهاً ظاهرياً يتفق وجوده بين أي خطين تقاربت الدرجة الخطية في كل منهما. وأن هذا التشابه الظاهري لا يرتقي إلى مرتبة اللازمة الخطية التي يتميز بها خط الكاتب وتدخل في تكوين شخصيته الكتابية الفردية، وأن الأمثلة التي ساقها سيادته في تقريره لخير دليل على ما نقول، وسنبين ذلك فيما يلي: ( أ ) حرف اللام المنفصل - أن الدراسة الفنية لهذا الحرف لتظهر أن عمود هذا الحرف والأحرف المماثلة في ورقات المضاهاة كتب مقوساً في جزئه الأول ناحية اليسار. أما في الظروف الثلاثة فقد كتب هذا العمود مقوساً في البداية ناحية اليمين. كما أن تقويس كاسة هذا الحرف يختلف في كل من الخطين في درجة التقويس وتدرج ضغط القلم ومساره (ب) حرف الراء المتصل - كتب في الظروف أكثر تقويساً وعمقاً من نظائره في أوراق المضاهاة (جـ) حرف الطاء من لفظ الشرطة بالصورة الفوتوغرافية المكبرة بالصفحة الرابعة من التقرير كتب بيضي التكوين، وجراته مقوسة بينما نظائره بأوراق المضاهاة كتبت مثلثة التكوين، وتغلب على جراتها الاستقامة وزاوية الاتصال. (خامساً) لإظهار ما ذكرناه من خلافات جوهرية بين خط الظروف الثلاثة موضوع البحث، وخط الرائد عيسى - الطاعن - بأوراق استكتابه الثلاث والأوراق المسحوبة من ملف خدمته قمنا بعمل صور فوتوغرافية وأرفقت بهذا التقرير. إمضاء).
ومفاد هذا التقرير الفني المفصل، والمقدم بناء على طلب مجلس التأديب الاستئنافي من مصلحة الطب الشرعي على أسس قانونية وفنية سليمة، أن الخطوط التي تحملها ظروف المنشورات السرية هي ليست للرائد عيسى وإنما هي خطوط لشخص آخر سواه. ولم يثبت أن ظرفاً واحداً من الظروف المضبوطة يمكن أن ينسب إليه.
ومن حيث إن عملية تحقيق الخطوط La verification ďécriture هي مجموع الإجراءات التي رسمها القانون لإثبات صحة الورقة العرفية التي ينكرها الشخص المنسوب إليه صدورها منه. ويحصل التحقيق بالبينة والمضاهاة بواسطة أهل الخبرة في الخطوط أو بإحدى الطريقتين. وتبين المحكمة في حكمها الصادر بإجراء التحقيق الطريقة التي يحصل بها، وتعيين الخبراء الذين يستعان برأيهم في عملية المضاهاة وهذه العملية يجريها خبراء الخطوط الفنيون. فيقوم الخبير بفحص الخط الذي حصل إنكاره، ودراسة خطوط الكتابة باليد، لها قواعد وأصول أساسها أن لكل شخص طريقة معينة في الكتابة لا يشترك معه فيها أحد غيره حتى لو كانا قد تعلما الكتابة معاً منذ الصغر. هذا بالإضافة إلى عوامل أخرى كثيرة منها درجة الثقافة والتعليم، وطريقة إمساك الشخص للقلم أو الريشة، وطريقة جلوسه أو قيامه أثناء كتابته وحالته النفسية. وتعتمد عملية مضاهاة الخطوط على خبرة القائمين بها، مع التقيد بالقواعد والأصول التي يتعين على الخبير أن يلتزم بها أثناء فحصه للخط، ومنها شكل الخط بصفة عامة وهل هو كبير أو صغير، وطريقة كتابة السطور، ومدى الضغط على الخطوط في أجزاء الكلمات المختلفة، ثم وقفات اليد عليها، واستقامة الخط أو ميله إلى إحدى الجهات أو تقطعه في مواضع مختلفة. ولقد تقدم اليوم علم دراسة خطوط الكتابة باليد، (علم الجرافولوجيا) حتى أصبح من المستطاع معرفة أخلاق المرء من خط يده، فلا تقتصر أهمية فحص الخط على معرفة الشخص الذي كتبه وإنما تمتد إلى معرفة عاداته وأخلاقه. ويقدم أهل الخبرة في الخطوط تقاريرهم للمحكمة. ولئن كانت المحكمة لا تلتزم برأي الخبير الذي انتدبته فلها أن تحكم بما يخالفه لأنها لا يمكن أن تقضي بغير ما تقتنع هي به ويرتاح إليه ضميرها، ولئن كان للقاضي الحرية التامة في تقدير عمل الخبير الذي ندبه، فله أن يأخذ برأيه وله ألا يأخذ به، وله أن يأمر بإجراءات أخرى من إجراءات الإثبات إلا أن استخلاص قضائه لابد وأن يكون استخلاصاً سائغاً مما أمر به ومما يكون في ملف الدعوى من مستندات وقرائن.
ومن حيث إنه ليس فقط مصلحة الطب الشرعي قد أكدت في تقريرها الشرعي المقدم إلى مجلس التأديب الاستئنافي في 21/ 3/ 1962 أن الرائد عيسى منصور - الطاعن - منبت الصلة بخط العبارات المدونة على ظروف المنشورات السرية وأن خطه يختلف عن خطوط اليد التي كتبت الظروف، وإنما أيضاً بعثت مصلحة تحقيق الشخصية بتقرير مؤرخ 7/ 2/ 1962 إلى السلطات المختصة تتضمن نتيجة مضاهاة بصمات الطاعن عيسى على الآثار المرفوعة من على المنشورات السرية. وقد تم هذا الإجراء بناء على كتاب إدارة كاتم أسرار الداخلية في 1/ 2/ 1962 وجاء في هذا التقرير أنه قد تم أخذ بصمات الرائد عيسى في 3/ 2/ 1962 وبإجراء المضاهاة المطلوبة تبين: أن الأثر الباقي الذي لا يزال لمجهول والمرموز لصورته بالرقم (3) والمرفوع من على إحدى منشورات الدفعة الثانية التي أجري فحصها بالمصلحة يختلف اختلافاً بيناً عن بصمات الرائد عيسى المأخوذة له بالمصلحة يوم 3/ 2/ 1962. وهذا مع الإحاطة بأن الآثار المرموز لصورها بالأرقام (1 و9 و10 و11 و12 و13 ب) والتي وجدت على المنشورات الواردة للفحص انطبقت على بصمات الرائد - أحمد عرفه المتبولي - الطاعن في الطعن رقم (1456) لسنة 8 ق فإذا أضيف إلى ذلك أنه بجلسة المرافعة أمام هذه المحكمة العليا في 26 من مارس سنة 1964 تقدم الطاعن بطلب إلى السيد رئيس هذه المحكمة الترخيص له بتقديم استشاري ليرجح بين تقرير خبير الجدول الدمرداش وتقرير مصلحة الطب الشرعي فقررت المحكمة الترخيص بالاطلاع وبتقديم مستندات ثم أشر رئيس المحكمة على الطلب المقدم إليه بما يفيد تمكين الطاعن من تصوير بعض المستندات المودعة بملف الطعن وعلى أثر ذلك قدم الطاعن حافظة في 8/ 4/ 1964 بها تقرير استشاري مقدم من الدكتور محمود عبد المجيد مدير عام أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي سابقاً، وجاء في هذا التقرير المفصل ما يؤكد: (1) أن العبارات التي كتبت بها عناوين المظاريف ليست بخط هذا الطاعن (2) أن تقرير السيد الخبير الدمرداش لا يستند إلى أساس علمي لأنه لم يقم بدراسة الخصائص الخطية لكل من الأوراق موضوع الفحص وأوراق المضاهاة للإلمام بالعناصر الخطية (3) وأنه يتفق في الرأي مع التقرير المقدم للمجلس الاستئنافي من مصلحة الطب الشرعي.
ومن حيث إن الثابت مما تقدم أن اتهام الطاعن - عيسى منصور عيسى - والتقرير بإدانته والحكم عليه بالعزل من وظيفته إنما قام كل ذلك أصالة على تقرير السيد خبير الجدول بأن الطاعن هو الكاتب المحرر لمظاريف المنشورات السرية. وقد بان بوضوح من كل ما سبق أن هذا التقرير لا ينهض دليلاً ولا يقوى على مساندة الاتهام بعد إذ تقدمت مصلحة الطب الشرعي بتقرير مفصل سليم تطمئن إليه هذه المحكمة لما انطوى عليه من دقة وتأصيل خلص إلى رأي فني قاطع بأن الطاعن ليس هو الكاتب لمظاريف المنشورات السرية وأنها كتبت بخط يخالف خطه. أكد ذلك أيضاً التقرير الاستشاري المقدم من الطاعن ولم تعلق عليه الحكومة بشيء، وقد فند هذا التقرير الاستشاري تقرير خبير الجدول ورماه بالبعد عن الأساليب العلمية في البحث والتمحيص مما أدى إلى نتيجة عكسية بعيدة عن حقيقة الأوضاع وكذلك أكد تقرير مصلحة تحقيق الشخصية عدم وجود بصمات للطاعن في الطعن الراهن على أي من الأوراق موضوع المحاكمة التأديبية كما دلت المعاينة وأظهر التفتيش المفاجئ الذي أجرته السلطات بمنزل الطاعن وبمكتبه، على عدم وجود أصول للمنشورات السرية أو مسودات لها. وكل ما وجد من أوراق بمنزله لا يعدو أن يبين أنه من ضباط خريجي قسم الكونستبلات وأنه على صلة بأمرهم المعروض على جهة القضاء الإداري للفصل فيه وفقاً لأحكام القانون. كما وجدت أصول الشكاوى وتظلمات أرسلها بخطه وتوقيعه إلى السلطات المختصة وفي مقدمتها ما يتعلق بالمرض الدفين الذي يقاسي منه وقد شهد بذلك القومسيون الطبي العام وأشارت إليه أسباب القرار المطعون فيه. ولئن كان القضاء الإداري لا هيمنة له على ما تكون منه الإدارة عقيدتها واقتناعها في شيء من هذا، فإنما الرقابة التي للقضاء المذكور تجد حدها الطبيعي في التحقق مما إذا كانت النتيجة التي انتهى إليها القرار مستمدة من أصول موجودة أو غير موجودة، وما إذا كانت هذه النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً أو قانونياً أم لا، إذ يتوقف على وجود هذه الأصول أو عدم وجودها، وعلى سلامة استخلاص النتيجة التي انتهى إليها القرار من هذه الأصول أو فسادها، وعلى صحة التكييف القانوني للوقائع بفرض وجودها مادياً أو عدم صحة هذا التكييف يتوقف على هذا كله قيام أو عدم قيام ركن السبب في القرار الإداري ومطابقته أو عدم مطابقته للقانون.
وإذ كان الثابت من كل ما تقدم أن القرار التأديبي المطعون فيه كان، في شأن هذا الطاعن عيسى منصور عيسى، وليد استخلاص غير سائغ ولا مقبول فإن الأسباب التي ارتكز عليها تخالف الوقائع المادية والأسانيد الفنية والقانونية التي أحاطت بالاتهام المنسوب إليه فجاء قرار مجلس التأديب بعزل الطاعن من الخدمة مخالفاً لأحكام القانون - ويكون هذا الطعن فيه سليماً فيما انتهى إليه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر من مجلس تأديب موظفي هيئة الشرطة الاستئنافي فيما قضى به من تأييد القرار الابتدائي الصادر بعزل الرائد عيسى منصور عيسى (الطاعن) من الخدمة, وببراءته من التهمة المسندة إليه مع ما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الوزارة المطعون عليها بالمصروفات.

الطعن 2580 لسنة 6 ق جلسة 23 / 1 / 1965 إدارية عليا مكتب فني 10 ج 1 ق 47 ص 433

جلسة 23 من يناير سنة 1965

برئاسة السيد الأستاذ/ حسن السيد أيوب رئيس المحكمة وعضوية السادة الأساتذة/ الدكتور ضياء الدين صالح ومحمد شلبي يوسف وعادل عزيز زخاري وأبو الوفا زهدي المستشارين.

---------------

(47)

القضية رقم 2580 لسنة 6 القضائية

(أ) سكك حديدية - وظيفة 

- القانون رقم 468 لسنة 1954 - شرط وجود الوظائف الخالية المنصوص عليه فيه - العبرة هي بتوافره بعد العمل بهذا القانون لا قبل ذلك.
(ب) موظف - سكك حديدية 

- وظيفة - القانون رقم 468 لسنة 1954 - حظره تقليد الموظف غير اللائق صحياً وظيفة أدنى عند عدم خلو وظيفة معادلة بغير قبوله - لا عبرة بالقبول السابق على نفاذ القانون المشار إليه.

-----------------
1 - إن العبرة فيما يتعلق بشرط وجود الوظائف الخالية الواردة بالقانون رقم 468 لسنة 1954 بشأن نقل موظفي مصلحة السكك الحديدية الذين يرسبون في الكشف الطبي إلى وظائف الكادر الفني المتوسط بها، هي بتوافر هذا الشرط بعد العمل بهذا القانون لا قبل ذلك.
2 - إنه لا حجة فيما ذهب إليه الطاعن من أن المطعون ضده قد قبل طائعاً مختاراً وظيفة كاتب بوسطة التي هي وظيفة أدنى من وظيفته السابقة إذ تقدم بعدة طلبات يطلب فيها إعادة تعيينه في أية وظيفة خالية دون قيد، لأن المفهوم أن طلباته السابقة هذه التي تستخلص منها جهة الإدارة قبوله للوظيفة الأدنى كانت قبل تعيينه في وظيفة كاتب بوسطة في 27 يناير سنة 1954 أي قبل العمل بالقانون رقم 468 لسنة 1954 الذي نهى عن تقليد الموظف غير اللائق صحياً وظيفة أدنى - عند عدم خلو وظيفة معادلة - بغير قبوله، فلا اعتداد بقبول الموظف للوظيفة الأدنى قبل أن يقرر الشارع هذا الحكم ويجعل الأمر في نقله أو تقليده للوظيفة الأدنى رهناً بقبوله.


إجراءات الطعن

في 29 من أغسطس سنة 1960 أودعت إدارة قضايا الحكومة بالنيابة عن المدير العام للهيئة العامة لشئون السكك الحديدية سكرتارية المحكمة تقرير طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 2580 لسنة 6 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية بالإسكندرية بجلسة 2 من يوليه سنة 1960 في الدعوى رقم 357 لسنة 6 القضائية المقامة من السيد/ رزق الله ميخائيل ضد الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية والقاضي باستحقاق المدعي تسوية حالته طبقاً لأحكام القانون رقم 468 لسنة 1954 على أساس نقله إلى الدرجة السابعة بالكادر الفني المتوسط اعتباراً من 26 من ديسمبر سنة 1954 وما يترتب على ذلك من آثار وصرف الفروق المالية من تاريخ الاستحقاق مع إلزام الحكومة بالمصروفات - وطلب الطاعن للأسباب المبينة بتقرير الطعن "قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض دعوى المطعون ضده مع إلزامه بالمصاريف والأتعاب" وقد أعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضده في 15 من فبراير سنة 1961 وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 19/ 1/ 1963 وتداول الطعن في الجلسات حتى جلسة 16/ 2/ 1963 وفيها قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا وعين لنظره أمامها جلسة 12 من ديسمبر سنة 1964 وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق, وسماع إيضاحات ذوي شأن, وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المدعي بعد أن حصل على قرار بالإعفاء من الرسوم أقام الدعوى رقم 357 لسنة 6 القضائية أمام المحكمة الإدارية بالإسكندرية ضد الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية بصحيفة أودعها سكرتارية المحكمة في 26 من أغسطس سنة 1959، وقال بياناً للدعوى إنه كان يشغل وظيفة معاون توضيب بالدرجة السابعة الفنية بالكادر الخاص بملاحظي البلوك والمناورة، وبسبب إصابته أثناء العمل في 6 من أغسطس سنة 1952 تقرر فصله من الخدمة لعدم اللياقة الطبية اعتباراً من 31 من أكتوبر سنة 1952 ثم صدر القانون رقم 468 لسنة 1954 ونص في مادته الثانية على ما يأتي: "إذا اتضحت عدم اللياقة أثناء الخدمة لأحد من الشاغلين للوظائف المبينة في الجدول المرافق وكانت هناك في مصلحة السكك الحديدية وظائف أخرى خالية في الكادر الفني المتوسط معادلة لوظيفته في الدرجة وفقاً لنهاية مربوطها وتتناسب معها في طبيعة العمل يجب نقله إليها إذا ثبتت لياقته الطبية لشغلها. فإذا كانت أدنى منها فلا ينقل الموظف إليها إلا إذا قبلها ومع ذلك إذا لم توجد إلا وظيفة أعلى يندب إليها ويمنح مرتبه وعند خلو وظيفة معادلة في الدرجة لوظيفته السابقة ينقل إليها بالمرتب الذي وصل إليه على أن تحتسب الأقدمية بمراعاة مدة الخدمة السابقة". وأضاف المدعي أنه يحق له أن يطلب تسوية حالته وفقاً لأحكام هذه المادة لأن وظيفته من بين وظائف ملاحظي البلوك الواردة في الجدول المرافق للقانون المشار إليه وبناء على أن المادة الرابعة من ذلك القانون نصت على أنه يسري على من تم فصله من الخدمة اعتبار من أول يوليه سنة 1952، وذكر المدعي أيضاً أن التسوية التي قامت الجهة الإدارية بإجرائها لحالته مخالفة لأحكام القانون رقم 468 لسنة 1954 لأنها تضمنت تنزيله إلى وظيفة بالدرجة الخصوصية أي أقل من وظيفته الأولى بدرجتين وذلك اعتباراً من 27 من يناير سنة 1954 دون الحصول على موافقته في هذا الصدد، وقد انتهى المدعي إلى طلب الحكم بتسوية حالته وفقاً لأحكام القانون رقم 468 لسنة 1954 وما يترتب على ذلك من آثار وصرف الفروق مع إلزام الجهة الإدارية بالمصاريف.
وقد أودع السيد مفوض الدولة لدى المحكمة الإدارية تقريراً بالرأي القانون في الدعوى انتهى فيه إلى أنه يرى الحكم بأحقية المدعي في تسوية حالته تسوية صحيحة طبقاً لأحكام القانون رقم 468 لسنة 1954 وما يترتب على ذلك من آثار منها صرف كامل الفروق المستحقة له اعتباراً من 2/ 9/ 1954 مع إلزام الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية المصاريف - وقد تضمن التقرير أن الهيئة المذكورة "دفعت الدعوى في ردها على طلب المساعدة القضائية بأن المدعي كان يشغل وظيفة معاون توضيب بالدرجة السابعة الفنية بالكادر الخاص بملاحظي البلوك والمناورة بماهية قدرها 12 جنيهاً و150 مليماً وفصل لعدم اللياقة الطبية اعتباراً من 20/ 10/ 1952 وأعيد إلى الخدمة في وظيفة كاتب بوسطة في الدرجة الخصوصية 72/ 108 بأول مربوطها اعتباراً من 27/ 1/ 1954 ورفع الدعوى رقم 372 لسنة 8 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري طالباً إلغاء قرار فصله واعتباره بماهيته السابقة، ونظراً لصدور القانون رقم 468 في 2/ 9/ 1954 اعتبر قرار فصله لاغياً واعتبر منقولاً إلى وظيفة كاتب بوسطة في الدرجة الخصوصية خارج الهيئة 72/ 108 بالماهية التي كان يتقاضاها في وظيفته السابقة وقدرها 12 جنيهاً و150 مليماً، وطبقاً للمادة 4 من القانون سالف الذكر لم تصرف فروق عن المدة من تاريخ فصله إلى 2/ 9/ 1954 تاريخ العمل وقد نقل المدعي إلى هذه الوظيفة التي لا تعادل وظيفته الأصلية في الدرجة وفقاً لنهاية مربوطها ولا تتناسب معها في طبيعة العمل تطبيقاً لنص المادة الأولى من القانون رقم 468 لسنة 1954 سالف الذكر حيث لم تكن هناك وظائف خالية معادلة لوظيفته، وقد قبل إعادته إلى الوظيفة التي نقل إليها، ومن ثم لا يحق له أن يطالب بتسوية حالته من جديد لإعادته إلى وظيفة مناسبة لوظيفته السابقة".
وفي 2 من يوليه سنة 1960 أصدرت المحكمة الإدارية بالإسكندرية حكمها في الدعوى قاضياً باستحقاق المدعي تسوية حالته طبقاً لأحكام القانون رقم 468 لسنة 1954 على أساس نقله إلى الدرجة السابعة بالكادر الفني المتوسط اعتباراً من 26/ 12/ 1954 وما يترتب على ذلك من آثار وصرف الفروق المالية من تاريخ الاستحقاق وإلزام الحكومة بالمصروفات، وأقامت المحكمة قضاءها على أنه بان لها من استظهار حالة المدعي من واقع ملف خدمته أنه كان يشغل وظيفة معاون توضيب في الدرجة السابعة الفنية بالكادر الخاص بملاحظي البلوك والمناورة بماهية قدرها 12 جنيهاً و150 مليماً وفصل من الخدمة لعدم لياقته الطبية اعتباراً من 22/ 10/ 1952. وبناء على الطلبات المقدمة منه لتعيينه في أية وظيفة عين في 27/ 1/ 1954 في وظيفة كاتب بوسطة بالدرجة الخصوصية 60/ 84 ج ببداية مربوطها بعد أن ثبتت لياقته طبياً لشغلها. ولما صدر القانون رقم 468 لسنة 1954 اعتبر في هذه الوظيفة وتلك الدرجة وبنفس مرتبه الذي كان يتقاضاه قبل فصله من وظيفته السابقة ودون صرف فروق عن الفترة السابقة على نفاذ هذا القانون، وأنه يبين من ذلك أن الشرطين اللذين تطلبهما القانون رقم 468 لسنة 1954 متوافران في حق المدعي إذ كان وقت فصله في 22/ 10/ 1952 شاغلاً لإحدى الوظائف المبينة بالجدول الملحق بالقانون، كما أن فصله من الخدمة بسبب عدم اللياقة الطبية تم بعد 1/ 7/ 1952 ومن ثم فإنه يفيد من أحكام هذا القانون، بحيث إنه كان يتعين على الإدارة أن تنقله إلى إحدى الوظائف التي تتناسب مع وظيفته السابقة في الدرجة. وأن وظيفة كاتب بوسطه التي نقل إليها أدنى من حيث الدرجة من وظيفته السابقة وليس بملف خدمته ما يفيد قبوله التعيين في هذه الوظيفة، ولا يخل بذلك أنه كان قد تقدم عقب فصله من الخدمة بطلبات لتعيينه في أية وظيفة، ذلك أن هذه الطلبات سابقة على تاريخ العمل بالقانون رقم 468 لسنة 1954 كما أنها لم تنصب على وظيفة بالذات بحيث تفصح عن قبوله إياها، كما أن الثابت من البيان الخاص بالدرجات السابعة التي خلت بميزانية الهيئة في ميزانية 53/ 1954 والميزانيات اللاحقة المقدمة من الإدارة ضمن حافظة مستنداتها المودعة في 23/ 5/ 1950 أنه كانت هناك 17 درجة سابعة خالية لطائفة البلوك شغلت في 26/ 12/ 1954 أي بعد تاريخ العمل بالقانون رقم 468 لسنة 1954 وكان على الإدارة أن تسوي حالة المدعي على إحدى هذه الدرجات.
وبالصحيفة المودعة في 29 من أغسطس سنة 1960 طعن المدير العام للهيئة العامة للسكك الحديدية في الحكم سالف الذكر طالباً إلغاءه ورفض دعوى المدعي مع إلزامه بالمصاريف والأتعاب، وأقام الطاعن طعنه على أنه لما كان الثابت من الأوراق أنه لم يكن بالإدارة وظائف خالية معادلة من حيث الدرجة للوظيفة التي كان يشغلها المطعون ضده أو أعلا منها أو تتناسب معها فإنه لا محل لإعمال النص الوارد في القانون لاستحالة تنفيذه، وفضلاً عن ذلك فإن وظيفة كاتب بوسطة التي أعيد تعيين المطعون ضده عليها وإن كانت أدنى من وظيفته السابقة إلا أنه قد قبلها طائعاً مختاراً، إذ تقدم بعدة طلبات يطلب فيها إعادة تعيينه في أية وظيفة خالية دون قيد، ومن ثم فإن قبوله وظيفة أدنى وفقاً لنص المادة يمنعه من المطالبة بمثل هذه التسوية ولا محل لما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أنه كانت هناك وظائف خالية عددها 17 درجة سابعة لطائفة البلوك وقد شغلت في 26/ 12/ 1954، ذلك أن المطعون ضده قد عين في الوظيفة اللاحقة في 27/ 1/ 1954 ولم يثبت أن تلك الدرجات كانت خالية وقت هذا التعيين ومن الجائز أن تكون قد خلت بعد ذلك وبعد قبوله لهذه الوظيفة.
وقد أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن انتهت فيه إلى أنها ترى أنه غير قائم على سند من القانون ويتعين رفضه.
ومن حيث إن ما ذهب إليه الطاعن من أنه لا محل لإعمال حكم القانون رقم 468 لسنة 1954 ما دام أنه لم تكن هناك بالإدارة وظائف خالية معادلة من حيث الدرجة للوظيفة التي كان يشغلها المطعون ضده أو أعلا منها أو تتناسب معها، فإنه مردود بما هو ثابت من الكشف المقدم من الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية إلى المحكمة الإدارية في 23 من مايو سنة 1960 ضمن حافظتها رقم 21 دوسيه من أنه كانت توجد لطائفة البلوك (التي ينتمي إليها المطعون ضده أصلاً) 17 درجة سابعة فنية خالية وشغلت في 26 من ديسمبر سنة 1954 أي بعد العمل بالقانون رقم 468 لسنة 1954 المشار إليه، ولا يغير من الأمر شيئاً قول الطاعن أن المطعون ضده كان قد عين قبل ذلك في 27 من يناير سنة 1954 في وظيفة كاتب بوسطة ولم يثبت أن الوظائف أو الدرجات المشار إليها كانت خالية في هذا الوقت، ذلك أن العبرة فيما يتعلق بشرط وجود الوظائف الخالية هي بتوافره بعد العمل بالقانون رقم 468 لسنة 1954 لا قبل ذلك، وهذا القانون لم يكن في 27 من يناير سنة 1954 قد صدر أو عمل به بعد، وهو إنما عمل به منذ 2 من سبتمبر سنة 1954 وقد وجدت آنئذ 17 درجة سابعة خالية تسنى لجهة الإدارة شغلها في 26 من ديسمبر سنة 1954 وكان في وسعها أن تنقل المطعون ضده إلى إحداها ما دامت شروط القانون قد توافرت فيه دون أن تمتنع عن ذلك بذريعة سبق تعيينه قبل القانون في وظيفة أدنى.
ومن حيث إنه لا حجة فيما ذهب إليه الطاعن من أن المطعون ضده قد قبل طائعاً مختاراً وظيفة كاتب بوسطة التي هي وظيفة أدنى من وظيفته السابقة إذ تقدم بعدة طلبات يطلب فيها إعادة تعيينه في أية وظيفة خالية دون قيد، لأن المفهوم أن طلباته السابقة هذه التي تستخلص منها جهة الإدارة قبوله للوظيفة الأدنى قبل تعيينه في وظيفة كاتب بوسطة في 27 من يناير سنة 1954 أي قبل العمل بالقانون رقم 468 لسنة 1954 الذي نهى عن تقليد الموظف غير اللائق صحياً وظيفة أدنى - عند عدم خلو وظيفة معادلة - بغير قبوله، فلا اعتداد بقبول الموظف للوظيفة الأدنى قبل أن يقرر الشارع هذا الحكم ويجعل الأمر في نقله أو تقليده للوظيفة الأدنى هنا بقبوله والمذكرة الإيضاحية للقانون رقم 468 لسنة 1954 صريحة في توكيد هذا الاتجاه.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الطعن غير قائم على سند من القانون متعين الرفض مع إلزام الهيئة الطاعنة بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً, وبرفضه موضوعاً وألزمت الهيئة الطاعنة بالمصروفات.