جلسة 15 من نوفمبر 1964
برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف نائب ورئيس المجلس وعضوية السادة/ الأساتذة الدكتور أحمد موسى وعلي محسن مصطفى وحسنين رفعت محمد حسنين ومحمد طاهر عبد الحميد المستشارين.
---------------
(5)
القضية رقم 969 لسنة 7 القضائية
(أ) حكم - شروط صحته
- تشكيل المحكمة التي تصدر الحكم - زيادة عدد من اشتركوا في إصدار الحكم عن العدد المقرر قانوناً - أثره - بطلان الحكم - تعلق هذا البطلان بالنظام العام.
(ب) اختصاص
- اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري - المنازعات المتعلقة بالمرتبات - اقتطاع جزء من مرتب الموظف استيفاء لدين للإدارة عليه - منازعة الموظف في ذلك اختصاص القضاء الإداري بنظرها.
(جـ) موظف
- واجبات الوظيفة - مصدرها - هو القانون مباشرة.
(د) موظف
- التزامه برد مبلغ من النقود - إصابته بمرض عقلي بعد نشوء الالتزام بالرد لا يعتبر من قبيل الاستحالة المانعة من تنفيذ هذا الالتزام - حالة الإعسار الطارئة بعد نشوء الالتزام لا تعتبر من أسباب انقضاء الالتزام.
(هـ) تنفيذ
- التنفيذ الإداري المباشر - التزام الموظف بدفع مبلغ من النقود للحكومة - مشروعية وصحة التنفيذ الإداري المباشر بخصم جزء من راتبه لاقتضاء هذا الحق طبقاً للقانون رقم 324 لسنة 1956.
إجراءات الطعن
في يوم الأربعاء الموافق 15 من مارس سنة 1961 أودع السيد الأستاذ/ يحيى أبو علم المحامي بإدارة قضايا الحكومة نائباً عن السيد/ وزير الزراعة بصفته سكرتارية هذه المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر بجلسة 16/ 1/ 1961 في القضية رقم 26/ 7 القضائية والقاضي بإلغاء المادة الرابعة من القرار الوزاري رقم 538 لسنة 1959 والتي تقضي بخصم ربع مرتب المدعي استيفاء لمبلغ 537 جنيهاً و251 مليماً مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام وزارة الزراعة المصروفات ومائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة، وطلب الطاعن للأسباب الواردة في تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وأصلياً بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى واحتياطياً برفض دعوى المطعون ضده مع إلزامه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.... وقد أعلن الطعن...
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إنه تبين من الاطلاع على الأوراق أن المدعي المطعون ضده - أقام هذه الدعوى بعريضة أودعها سكرتارية المحكمة الإدارية لوزارة الزراعة في 2 من نوفمبر سنة 1959 ضد وزارة الزراعة وطلب في ختام عريضة دعواه إلغاء المادة الرابعة من القرار الوزاري رقم 538 لسنة 1959 مع ما يترتب على ذلك من آثار ومع إلزام المدعى عليها بالمصروفات والأتعاب. وبجلسة 16 من يناير سنة 1961 أجابت المحكمة المدعي إلى طلبه وقضت للأسباب المبينة في الحكم بإلغاء المادة الرابعة من القرار الوزاري رقم 538 لسنة 1959 والتي تقضي بخصم ربع مرتب المدعي استيفاء لمبلغ 537 جنيهاً و251 مليماً مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام وزارة الزراعة المصروفات ومائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة.
ومن حيث إن وجه الطعن على الحكم هو مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله وذلك تأسيساً على أن النزاع المطروح وإن كان ظاهره نزاع في الراتب المستحق صرفه إلى المدعي إلا أنه في حقيقته نزاع في مسئولية المدعي عن سداد المبالغ التي أجرت الوزارة الخصم من راتبه استيفاء لها وإذ كان هذا النزاع مدنياً بحتاً فكان يتعين على المحكمة الإدارية أن تقضي بعدم اختصاصها بنظره، أما عن موضوع الدعوى فتقول الوزارة الطاعنة في تقرير الطعن أن مصدر التزام المدعي برد المبالغ التي اختلسها والتي وقع الاستقطاع من المرتب استيفاء لها ليس هو العمل غير المشروع كما ذهب الحكم المطعون فيه إنما هو الإثراء بلا سبب ومن ثم وجب على المدعي رد هذه المبالغ حتى ولو كان غير مميز، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه إلى غير ذلك وقضى باختصاصه وبعدم مسئولية المدعي عن هذه المبالغ لانتفاء التمييز يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله ويتعين لذلك الحكم - بعد قبول الطعن شكلاً - بإلغائه والقضاء أصلياً بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى واحتياطياً برفض دعوى المطعون ضده مع إلزامه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
بطلان الحكم:
ومن حيث إنه قد تبين للمحكمة بالاطلاع على أوراق المدعي أن الحكم المطعون فيه على ما هو ثابت في ديباجة نسخة الحكم الأصلية قد صدر من أربعة قضاة هم السيد الأستاذ صادق حسن مبروك رئيساً والسادة علي محمد علي ومصطفى أحمد خفاجي ومحمد عبد الحميد حسن الشيمي أعضاء، وبالاطلاع على محضر الجلسة التي نظرت فيها الدعوى ثم حجزت للحكم فيها يتبين أن هؤلاء القضاة هم من سمعوا المرافعة في الدعوى وبالرجوع إلى مسودة الحكم المشتملة على أسبابه ومنطوقه يتضح أنهم جميعاً قد وقعوا على المسودة وعلى المنطوق. وإذا كان قانون مجلس الدولة رقم 55 لسنة 1959 قد قضى في الفقرة الأخيرة من المادة الخامسة منه على أن تصدر الأحكام من المحاكم الإدارية من دائرة ثلاثية أي أنه عين كيفية تشكيل المحكمة الإدارية على وجه التحديد وعليه فإن حضور عضو زيادة على العدد الذي عينه القانون على الوجه سالف الذكر وسماعه المرافعة واشتراكه في إصدار الحكم من شأنه أن يبطل الحكم وذلك طبقاً للمبادئ العامة في الإجراءات القضائية لما في ذلك من اعتداء على حقوق الدفاع إذ قد يكون لهذا العضو الرابع أثر في اتجاه الرأي في مصير الدعوى فضلاً عما فيه من تجهيل بأعضاء المحكمة الذين أصدروا الحكم والبطلان في هذه الحالة متعلق بالنظام العام تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها. ومن ثم ترى هذه المحكمة لزاماً عليها أن تقضي ببطلان ذلك الحكم المطعون فيه.
ومن حيث إن الدعوى مهيأة للفصل فيها.
ومن حيث إن وقائع الدعوى والتي لا خلاف عليها بين طرفي الخصومة تتحصل في أن النيابة العامة اتهمت المدعي - السيد/ نصيف برسوم معوض - بأنه في يوم أول أغسطس سنة 1950 بدائرة بندر المنيا أولاً وبصفته مندوب صراف: ( أ ) اختلس مبلغ 512 جنيهاً و251 مليماً قيمة مرتبات موظفي تفتيش الزراعة بالمنيا عن شهر سبتمبر سنة 1950 وكان قد سلم إليه من خزانة مديرية المنيا بسبب وظيفته. (ب) اختلس مبلغ 26 جنيهاً من خزانة تفتيش الزراعة بالمنيا والمملوكة للحكومة وكانت في عهدته وسلمت إليه بسبب وظيفته. ثانياً: بدد مبلغ 32 جنيهاً و743 مليماً قيمة إذن صرف باسم فؤاد نصحي سلم إليه على سبيل الوكالة لصرفه من خزينة مديرية المنيا فصرفه واختلس المبلغ المذكور لنفسه إضراراً بمالكه، وطلبت النيابة من قاضي الإحالة إحالته على محكمة جنايات المنيا لمعاقبة المتهم بالمادة 112 من قانون العقوبات عن تهمة الجناية وبالمادة 341 من قانون العقوبات عن تهمة الجنحة. وبجلسة 23/ 1/ 1951 قرر قاضي الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمادتين سالفتى الذكر. وبجلسته 28 من يناير سنة 1956 وبعد أن سمعت هذه المحكمة الدعوى أصدرت فيها حكمها حضورياً ببراءة المتهم نصيف برسوم معوض من التهمتين المسندتين إليه تأسيساً على أنه وإن كان استيلائه على المبالغ سالفة الذكر ثابت من شهادة الشهود ومن اعترافه بقبضه للمرتبات ولإذن الصرف الخاص بفؤاد نصحي وباحتفاظه بمفتاح الخزانة المودع بها مبالغ السلف المصلحية إلا أنه قد ثبت من التقرير الطبي الاستشاري وشهادة الطبيب الذي وضعه أن المتهم وقت ارتكاب الفعل كان فاقد الشعور بسبب مرض عقلي ويكون بذلك غير مسئول عن فعله هذا. وكانت الوزارة قد أحالت المتهم - والذي كان قد أوقف عن عمله منذ ارتكاب الحادث - إلى المحاكمة التأديبية بموجب الأمر رقم 400 بتاريخ 20 من أكتوبر سنة 1955 لمحاكمته تأديبياً عن التهم آنفة الذكر. وبتاريخ 17 من يوليه سنة 1957 قرر مجلس التأديب العادي لموظفي ومستخدمي وزارة الزراعة أولاً: براءة المتهم مما نسب إليه لانعدام مسئوليته. ثانياً: صرف نصف مرتبه إليه عن مدة وقفه، واستأنف السيد/ نصيف برسوم هذا القرار، وبالجلسة المنعقدة يوم الثلاثاء الموافق 24 من يناير سنة 1958 قرر مجلس التأديب العالي قبول الاستئناف شكلاً ورفضه موضوعاً وتأييد القرار المستأنف وكانت الوزارة قد أصدرت بعد قرار مجلس التأديب العادي ببراءة المتهم الأمر الإداري رقم 94 في 17 من أغسطس سنة 1957 بإعادته إلى العمل بدرجته السابعة الكتابية وبماهيته قبل الإيقاف، وبعد أن صدر قرار مجلس التأديب العالي وبعد استيفاء الإجراءات المقررة قانوناً أصدرت الوزارة القرار المطعون فيه رقم 538 لسنة 1959 في 19 من يونيه سنة 1959 بتسوية حالة المدعي متضمناً هذا القرار في البند الثالث منه مراعاة خصم دين الحكومة وقدره 537 جنيهاً و251 مليماً في حدود ربع المستحق إليه عن هذه التسوية وكذا في حدود ربع استحقاقاته الشهرية المقبلة وذلك حتى يتم تحصيل الدين بأكمله وهذا البند هو شق القرار المطعون فيه ومحل النزاع في الدعوى.
عن الدفع بعدم الاختصاص:
ومن حيث إن اختصاص القضاء الإداري بنظر المنازعات الخاصة بالمرتبات منصوص عليه في الفقرة الثانية من المادة الثامنة من القانون رقم 55 لسنة 1959 الخاص بتنظيم مجلس الدولة وهو اختصاص مطلق شامل لأصل تلك المنازعات ولجميع ما يشاكلها. وبهذه المثابة تنظر المحكمة في حدود اختصاصها الكامل ما يكون قد صدر بشأن تلك المرتبات من قرارات أو إجراءات وذلك باعتبارها من العناصر التي تثير المنازعة حول استحقاق هذا الراتب كاملاً خلال فترة معينة ومن ثم فإذا استقطعت الإدارة جزء من راتب المدعي استيفاء لدين عليه فإن الاستقطاع في ذاته هو مثار لمنازعة في الراتب فتختص المحكمة بنظرها بمقتضى اختصاصها الكامل ويكون الدفع المبدى من الحكومة والحالة هذه لا يعتمد على أساس سليم من القانون متعيناً رفضه والقضاء باختصاص المحكمة بنظر الدعوى.
عن الموضوع:
ومن حيث إنه يبين من الوقائع سالفة الذكر أن المدعي تسلم بسبب وظيفته وبصفته مندوب صراف، المبالغ التي نسب إليه اختلاسها ومن ثم وجب أن تجرى عليه في علاقته بالحكومة أحكام القوانين واللوائح السارية في شأن أفراد طائفته في علاقتهم بالحكومة، ذلك أن الموظف العام وإن تدخلت إرادته في قيام علاقة التوظف عند نشوئها، فإن القانون بعد صدور قرار تعيينه هو الذي يتكفل وحده بتحديد التزاماته طبقاً لمقتضيات هذه العلاقة التنظيمية، ومؤدى ذلك أن التزاماته في نطاق هذه العلاقة يكون مصدرها القانون مباشرة.
ومن حيث إن التزام المدعي برد المبالغ المعهود بها إليه، إذا كان ناشئاً عن القانون ومستنداً إلى واقعة قانونية هي تسلمه تلك المبالغ فإن التزامه يكون قد نشأ صحيحاً اعتباراً بأنه لم تقم أية شبهة حول سلامة عقله عند حصول هذا التسليم، ويترتب على ما سلف أن إصابته بمرض عقلي بعد نشوء التزامه قد تكون مفضية إلى تعذر رد ما سلم له ولكنها لا تعتبر من قبيل الاستحالة المانعة من تنفيذ التزامه، ذلك أن محل هذا الالتزام أشياء مثلية غير معينة إلا بمقدارها ونوعها ومثلها لا ينعدم بحكم طبائع الأمور، ومن ثم يتعين ردها في جميع الأحوال، ولا يحول دون ذلك التذرع بأن ما اعتراه من ذهول واضطراب قد أنشأ لديه حالة إعسار ناشئة عن فقد تلك المبالغ لأن الإعسار ولو كان بقوة قاهرة ليس سبباً في انقضاء التزامه بدفع مبلغ من النقود، أما إعفاؤه من العقاب عن تهمة الاختلاس فأمر مستقل عن التزامه برد المبلغ المشار إليه لعدم قيام الاستحالة المانعة من التنفيذ. حسبما ملف الإيضاح.
ومن حيث إنه إذا كان الالتزام بدفع مبلغ من النقود قابلاً للتنفيذ العيني في جميع الأحوال، فالتنفيذ الإداري المباشر في صورة خصم جزء من راتب المدعي لاقتضاء حقوق الحكومة قبله طبقاً لأحكام القانون رقم 324 لسنة 1956 يكون مشروعاً وصحيحاً، وتكون مجادلته فيما اتخذته الحكومة من ذلك غير قائمة - والحالة هذه - على أساس سليم من القانون.
ويتعين من ثم القضاء برفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات..
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً, وببطلان الحكم المطعون فيه، وباختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى وبرفضها موضوعاً وألزمت المدعي بالمصروفات