الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 25 مايو 2023

الطعنان 1875 ، 1914 لسنة 30 ق جلسة 9 / 3 / 1991 إدارية عليا مكتب فني 36 ج 2 ق 76 ص 724

جلسة 9 من مارس سنة 1991

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل - رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ محمود عبد المنعم موافي وإسماعيل عبد الحميد إبراهيم ود. محمود صفوت عثمان وأحمد شمس الدين خفاجي - المستشارين.

---------------------

(76)

الطعنان رقما 1875، 1914 لسنة 30 القضائية

أ - دعوى - إجراءاتها - بطلان صحيفة الدعوى لعدم توقيعها من محام مقبول للمرافعة أمام المحكمة.
يتعين للقضاء ببطلان إجراء معين ثبوت تحقق سبب البطلان وأن يكون منصوصاً عليه صراحة أو تكون الغاية من الإجراء لم تتحقق حتى الفصل في الدعوى وذلك في حالة عدم النص صراحة على البطلان - لم ينص المشرع صراحة على البطلان في حالة عدم توقيع العرائض المتعلقة بالدعاوى التي تختص بها محاكم مجلس الدولة فيما عدا المحكمة الإدارية العليا - تقديم شهادة تفيد بعدم الاستدلال على اسم المحامي لا يقطع في بيان عدم القيد أصلاً في أحد جداول المحامين غير المشتغلين - تطبيق.
ب - قرار إداري - إلغاؤه - حدود رقابة المحكمة لمشروعية القرار.
لا محل لرقابة القضاء الإداري على الملاءمات التقديرية التي تباشرها السلطة الإدارية المختصة عند إصدار قراراتها سواء من حيث اختيارها لمحل القرار أو وقت وأسلوب تنفيذه ما لم تنحرف عن الصالح العام - يكون القرار الإداري غير مشروع إذا تنكب غايات الصالح العام أو إذا استند إلى غاية من غايات الصالح العام يكون ظاهراً ومؤكداً أنها أدنى في أولويات الرعاية من غايات قومية أسمى وأجدر بالرعاية وأن الوقت الذي يراد تنفيذه فيه تتعارض مع الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي والأمن العام - مثال ذلك: قرار إزالة يترتب عليه تشريد آلاف الأسر وفقدهم مأواهم دون تدبير مساكن بديلة - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم السبت الموافق 12/ 5/ 1984 أودعت شركة المعادي للإسكان والتعمير قلم كتاب المحكمة تقرير الطعن رقم 1875 لسنة 30 ق، كما أنه في يوم الاثنين الموافق 14/ 5/ 1984 أودعت هيئة قضايا الدولة نيابة عن محافظ القاهرة بصفته تقرير الطعن رقم 1914 لسنة 30 ق، وذلك طعناً من كل منهما في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) بجلسة 15/ 3/ 1984 في الدعوى رقم 1681 لسنة 38 ق وذلك فيما قضى به من وقف تنفيذ القرار المطعون فيه الصادر من محافظ القاهرة بإزالة تعديات المطعون ضده وآخرين الواقعة على أرض مملوكة للدولة المعروفة بعزبة خير الله بمنطقة دار السلام، وطلب للأسباب التي ساقها كل منهما في طعنه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وبإلغائه مع القضاء برفض الدعوى وإلزام المطعون ضدهما بالمصروفات، ونظراً لارتباط الطعنين وقيامهما على الطعن في حكم واحد توصلاً إلى إلغائه والقضاء برفض دعوى الطاعنين، لذلك فقد أودع السيد الأستاذ المستشار يحيى نجم مفوض الدولة تقريراً مسبباً برأي هيئة مفوضي الدولة القانوني في الطعنين والذي خلصت في ختامه إلى أنها ترى الحكم: أولاً بعدم قبول الطعن رقم 1875 لسنة 30 ق المقام من شركة المعادي للتنمية والتعمير مع إلزامها بالمصروفات. ثانياً: في الطعن رقم 1914 لسنة 30 ق المقام من محافظ القاهرة برفض طلب وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات، وتحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 16/ 6/ 1986، وقد نظرت الدعوى في هذه الجلسة وقررت الدائرة ضم الطعن رقم 1914 لسنة 30 ق إلى الطعن رقم 1875 لسنة 30 ق ليصدر فيهما حكماً واحداً، وتدوول الطعنان أمام الدائرة ليقوم الطاعنان بإعلان المطعون ضدهما إعلاناً صحيحاً، وإذ لم ينفذ الطاعنان قرار المحكمة حتى جلسة 4/ 5/ 1987 لذلك فقد حكمت المحكمة بجلسة 18/ 5/ 1988 بوقف الدعوى لمدة ستة أشهر إعمالاً لحكم المادة 93 من قانون المرافعات وقد تم تعجيل الطعنين لجلسة 18/ 1/ 1988 واستمر تداول الطعنين أمام الدائرة على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وبتاريخ 10/ 1/ 1990 قامت الشركة الطاعنة بإعلان المطعون ضدهم في الطعن رقم 1875 لسنة 30 ق بعريضة تدخل انضمامي خلصت في ختامها إلى طلب قبولها خصماً منضماً للجهة الإدارية الطاعنة في الطعن رقم 1914 لسنة 30 ق، وبجلسة 25/ 7/ 1990 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (دائرة منازعات الأفراد والهيئات والتعويضات) التي حددت لنظره جلسة 27/ 10/ 1990، وقد نظر الطعنان أمام هذه المحكمة في هذه الجلسة وقررت إصدار الحكم بجلسة 1/ 12/ 1990، وفي هذه الجلسة أعيدت الدعوى للمرافعة لمناقشة أطراف الخصومة وتقديم بيانات ومستندات، وتدوول الطعنان أمام المحكمة على النحو الثابت بمحاضر الجلسات حتى قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 23/ 2/ 1991، وفي هذه الجلسة قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم 9/ 3/ 1991، وقد صدر الحكم فيها وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن وقائع هذه المنازعة تخلص على ما يبين من الأوراق في أن المطعون ضدهما...... و...... سبق لهما أن أقاما الدعوى رقم 1681 لسنة 38 ق أمام محكمة القضاء الإداري وطلبا الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وفي الموضوع بإلغاء القرار وباعتباره عديم الأثر وكأن لم يكن، وقال المدعيان (المطعون ضدهما) في شرح الدعوى أن محافظ القاهرة قد أصدر لصالح المدعى عليها الثانية شركة المعادي للإسكان والتعمير قراراً يقضي بتسليم الأرض المملوكة للدولة المعروفة بعزبة خير الله بمنطقة دار السلام التي يقيم فيها المدعيان وذلك مع هدم ما عليها من منشآت ومبان يبلغ عددها ما يقارب عشرين ألف مسكن ويقطن بها ما يقرب من خمسين ألف نسمة، ولما كان هذا القرار قد صدر معيباً فإنهما يطعنان عليه للأسباب الآتية:
1 - إن القرار يمس آلاف الكادحين الذي أقاموا مساكنهم من أموالهم الخاصة من عشرات السنين ويقيمون فيها بالكاد بما يحفظ كرامتهم ويلم شملهم.
2 - إن المحافظة التي تقوم بالهدم والتشريد سبق لها أن أصدرت قراراً يحمي حيازة هذه الجموع لمبانيهم التي شيدوها على أرض الدولة، وهو القرار رقم 892 بتاريخ 23/ 5/ 1970 الذي قرر عدم إزالة أية تعديات على أرض الدولة اكتفاء بالحصر وتحصيل رسم انتفاع من الشاغلين ونسبة 5% عن المدد السابقة.
3 - سبق للمحافظة أن أصدرت القرار رقم 53 في 29/ 5/ 1973 بالموافقة على بيع مثل تلك الأرض للأفراد طالما أقيمت عليها مبان تشغلها أرواح، وذلك بثمن مقداره 7 جنيهات للمتر، وقد تم تنفيذ هذا القرار في مناطق أخرى بعزبة دسوقي المجاورة لعزبة المدعيين وعزبة ناصر ومنطقة ترب اليهود من ذات منطقة عزبة المدعيين.
4 - إن قرار الإزالة والتشريد المطعون فيه ولد معدوماً لافتقاده شرط المصلحة العامة اللازم لإصدار مثل هذا القرار، إذ لا يعقل أن يتم تشريد عشرات الآلاف من الأرواح وهدم عشرات الألوف من المنازل بما يتناقض مع سياسة الدولة في التعمير، وذلك في سبيل إرضاء شركة لتقسيم الأراضي أو مشروع استثماري، وفي عهد سيادة القانون فإن حماية أعراض النساء وأرواح الأطفال أولى من فكرة عابرة جاشت بفكر من أصدر القرار، وقد أودع المدعيان حافظة مستندات أوردها الحكم المطعون فيه تفصيلاً بينما لم تقدم جهة الإدارة المدعى عليها ثمة دفع أو دفاع في الدعوى.
ومن حيث إنه بجلسة 15/ 3/ 1984 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها المطعون فيه قاضياً بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وأقامت المحكمة حكمها على أسباب حاصلها أنه وإن كان من المسلم قانوناً طبقاً لأحكام المادة 970 من القانون المدني ولأحكام قانون نظام الحكم المحلي رقم 43 لسنة 1979 أن للجهة الإدارية حق إزالة ما يقع من تعديات على أملاك الدولة بالطريق الإداري، إلا أن سلطتها في ذلك وإن كانت سلطة تقديرية فإنها تخضع لرقابة القضاء الإداري وقال الحكم إن الأصل في نشاط الإدارة أنه يستهدف الصالح العام، ويكون جوهر وظيفة الإدارة العامة هو إشباع الحاجات العامة تحقيقاً لهذا الهدف، وبالتالي فإنه يجب على جهة الإدارة أن تصدر تصرفاتها بما يراعي ذلك الصالح العام ويناسبه، وأنه وإن استهدف القرار المطعون فيه مصلحة عامة لا ريب فيها قوامها الحفاظ على ملك الدولة، إلا إنه في الجانب الآخر فإن القرار المطعون فيه في استهدافه تحقيق ذلك الوجه للمصلحة العامة يكون قد ضحى بوجه مصلحة عامة آخر يتمثل في وجوب عدم تشريد عدد كبير من المواطنين بأسرهم ومنقولاتهم ومتعلقاتهم، وإذ سيجد ذلك العدد الضخم من المواطنين نفسه من جراء تنفيذ القرار وقد فقد مأواه وحمل متاعه وساق أسرته إلى غير مقر، واستطرد الحكم المطعون فيه فأوضح أن قيام مجتمع من تناولهم القرار واستقراره على أرض الدولة لم ينشأ فجأة أو خفية من جهات الإدارة وأجهزتها، وإنما هي قد أسهمت في وجوده عندما لم تمنعه في بادئ أمره، أما وأنها قعدت عن ذلك ولم تنشط إلى منعه، فإن منعه الآن يعتبر إخلالاً منها بمسئوليتها نحو الحفاظ على المواطنين وتدبير شئونهم وإشباع حاجاتهم، وخلص الحكم إلى أن مؤدى القرار المطعون فيه هو التضحية بوجه المصلحة العامة الكامن في عدم تشريد العدد الضخم من الأفراد الذين يتناولهم هذا القرار والمدعيان منهم، وتغليب وجه مصلحة عامة أخرى عليه، وهو حماية أرض الدولة ورفع التعدي عنها، بينما الوجه الأول أظهر منه وأولى بالرعاية وأجدر بالعناية وأحق بالتغليب ويكون إهماله إخلالاً لا يجوز قانوناً بحكم طبيعة الوظيفة الإدارية، وبالتالي يكون القرار المطعون فيه قد شابه عوار في الغاية يبدو معه متنكباً صحيح حكم القانون، بعد إذ لم تكشف الجهة الإدارية عن أن قرارها قد استهدف من إخلاء الأرض مصلحة عامة أحق من تلك التي ضحى بها، ويقع من ثم مشوباً بما يرجح معه إلغاؤه عند الفصل في الطلب الموضوعي من الدعوى بالإلغاء، الأمر الذي يتوفر به في طلب وقف تنفيذه ركن الجدية المشروط في إجابته، ولما كان من شأن تنفيذ القرار أن يلحق بالمدعين قطعاً آثار يتعذر تداركها ويصيبهما بأضرار بالغة لا عوض لها، أقلها ما ينكبان فيه من أوضاع مالية ومادية وبعضها أن يصبحا بلا مأوى، ومن ثم يستوفي طلب وقف التنفيذ ما استوجبه القانون للحكم به، ويتعين لذلك القضاء بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، هذا علماً بأنه ليس من شأن القضاء بذلك ولا من لازم مقتضاه تكريس ما وقع من المدعيين - أو غيرهم - من وضع يد على مال الدولة بغير سبب قانوني ولا هو إضفاء ضرب من السلامة أو الشرعية عليه، ولكنه قضاء ينصب على مناسبة القرار المطعون فيه إذ اختلطت مشروعيته، ويؤكد بسند من القانون وبالمرد إليه، أن خلق القرار مشكلة واهمة لمن تناولهم من المواطنين، لا يصح أن يكون مقابله مجرد حماية أرض الدولة دون أن تجد حاجة عاجلة إليها لغرض هام وأولي تثبته عناصر الدعوى، ومن غير تدبير أمر هؤلاء المواطنين بوسيلة أخرى، وتدبير أمرهم مصلحة عامة لا محل للإخلال أو التضحية بها بمقتضى القرار في ظروف صدوره وبحجم من تناولهم، وفي ذلك يمكن عواره، وفيه الأساس الذي قام عليه قضاء المحكمة المطعون فيه.
ومن حيث إن هذا القضاء لم يلق قبولاً لدى الطاعنين فأقام كل منهما طعنه الماثل، وقد أوضحت شركة المعادي للتنمية والتعمير في طعنها رقم 1875 لسنة 30 ق ما مفاده أن الخصومة لم تنعقد بالنسبة لها أصلاً، ذلك أن الثابت من عريضة الدعوى أن المطعون ضدهما قد اختصما أمام محكمة القضاء الإداري شركة المعادي للإسكان والتعمير وهي شركة خلاف الشركة الطاعنة، وعند إعلان عريضة الدعوى فقد وردت إجابة المحضر بأن الشركة الموجودة هي شركة المعادي للتنمية والتعمير، وكان يتعين اختصامها وإعلانها إعلاناً قانونياً صحيحاً، وأنه لما كانت هي المالكة للأرض ولم تختصم في الدعوى ولم تنعقد الخصومة بالنسبة لها ولم يتم لها أن تقدم أي دفع أو دفاع فإن الحكم المطعون فيه يكون معدوماً قانوناً، ولا يعتبر أداة قانونية صالحة للتنفيذ ضدها لأنها تعتبر في حقيقة الأمر من الغير بالنسبة لهذه الخصومة مما يسوغ قانوناً بوقف تنفيذ هذا الحكم وأضافت الشركة أن الحكم المطعون فيه قد شابه قصور إذ قضى بوقف تنفيذ قرار إداري لا وجود له في عالم الواقع ولم يقدمه المطعون ضدهما ويثبتا قيامه أو صدوره، كما تناقض الحكم المذكور في أسبابه، ذلك أنه بعد أن سلم بملكية الدولة للأرض وأن من حقها إزالة أي اعتداء عليها عادت وقالت بأن سلطتها في ذلك هي سلطة تقديرية ويجب أن تستهدف الصالح العام، وأغفلت بذلك نص المادة (970) من القانون المدني عندما غلبت مصلحة المطعون ضدها على المصلحة العامة حيث اعتبرت الأولى مصلحة عامة أولى بالرعاية وعليه فإن المصلحة العامة المعتبرة قانوناً هي التي تستند إلى حق وقانون يحميها، أما المصلحة القائمة على العدوان والغصب فليست مصلحة يقرها القانون.
ومن حيث إن جهة الإدارة أقامت طعنها رقم 1914 لسنة 30 ق على أسباب تخلص في أن من المقرر أن جهة الإدارة حرة في تقدير مناسبة الأمر الإداري وملاءمة إصداره ولا سبيل إلى التعقيب على السلطة التقديرية إلا بعيب إساءة استعمال السلطة، وهو ما لم يقم عليه دليل، كما أن من المسلم به أن المراكز القانونية لا تقوم ولا تكتسب على خلاف أحكام القانون وقد سلم الحكم المطعون فيه بأن المطعون ضدهما لا سند لهما في وضع اليد على الأرض، وأن ذلك قد تم بطريق الغصب والبناء على أملاك الدولة دون أي مسوغ قانوني، وأنه إذ كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه يكون قد خالف القانون، لأن الغصب والاعتداء مهما طال أمده لا يتولد منه مركز قانوني يحميه القانون، وانتهى الطاعنان إلى طلب الحكم بأحقيتها فيما سبق بيانه من طلبات.
ومن حيث إنه بتاريخ 10/ 1/ 1990 تقدمت شركة المعادي للتنمية والتعمير الطاعنة في الطعن رقم 1875 لسنة 30 ق بطلب تدخل انضمامي في الطعن رقم 1914 لسنة 30 ق المقام من محافظ القاهرة ضد المطعون ضدهما وقامت بإعلانه إلى المذكورين ومحافظ القاهرة وقالت الشركة في بيان هذا الطلب أن الشركة طالبة التدخل كانت تسمى من قبل "شركة المعادي للإسكان والتعمير" ثم صدر قرار وزير الإسكان والتعمير رقم 50 لسنة 1975 ونص في المادة الأولى منه على تعديل اسم شركة المعادي للإسكان والتعمير إلى شركة المعادي للتنمية والتعمير، وعلى ذلك فإن الأمر لا يتعلق بشركتين مختلفتين حسبما ذهب إلى ذلك تقرير مفوض الدولة، وإنما هو مجرد تغيير لاسم الشركة لا يؤثر في مركزها القانوني، ومن ثم فإن اختصامها باسمها السابق هو مجرد خطأ مادي لا يحول دون عقد الخصومة بالنسبة إليها ولا يجعلها خارجاً عن هذه الخصومة.. لذلك فإنها تعتبر خصماً أصيلاً في الدعوى وإن كان ذلك لا ينفي بطلان الإجراءات اللاحقة لانعقاد الخصومة، وإن كان يتعين تصحيح الخطأ المادي الذي حدث وإعلان الشركة بالدعوى وبالجلسة التي حددت لنظرها، وإذ لم يتم ذلك فإنه أمر يصم إجراءات نظر الدعوى بالبطلان ويؤدي بالتالي إلى بطلان الحكم، ومتى كان فإنه يحق للشركة أن تتدخل خصماً منضماً إلى جهة الإدارة في الطعن المقدم منها عن الحكم المطعون فيه بناء على ما تقرره المادة 218/ 2 من قانون المرافعات التي تنص على أنه "إذا كان الحكم صادراً في موضوع غير قابل للتجزئة أو التزام بالتضامن أو في دعوى يوجب القانون فيها اختصام أشخاص معينين جاز لمن فوت ميعاد الطعن من المحكوم عليهم أو قبل الحكم أن يطعن فيه أثناء نظر الطعن المرفوع في الميعاد من أحد زملائه منضماً إليه في طلباته فإن لم يفعل أمرت المحكمة الطاعن باختصامه في الطعن.." أما إذا قيل بأن الشركة طالبة التدخل ليست خصماً في الدعوى التي صدر فيها الحكم المطعون فيه وأنها تعد خارجة عن الخصومة في هذه الدعوى تمشياً مع رأي مفوض الدولة - وهو رأي غير صحيح - فإنه يحق للشركة في هذه الحالة أن تتدخل في الطعن رقم 1914 لسنة 30 ق خصماً منضماً للجهة الإدارية الطاعنة عملاً بنص المادة 126 من قانون المرافعات التي تنص على أنه "يجوز لكل ذي مصلحة أن يتدخل في الدعوى منضماً لأحد الخصوم" ولا يتصور أن تكون مصلحة الشركة الطالبة محلاً للجدل، ذلك لأن أرض النزاع - محل القرار المطعون فيه بفرض وجوده - مخصصة لهذه الشركة وهي محل نشاطها وعلة وجودها والحكم المطعون فيه فيما قضى به يصيب مصالحها في الصميم، وخلصت الشركة إلى طلب قبول تدخلها مع حفظ كافة حقوقها في إبداء جميع أوجه الدفاع الشكلية والموضوعية.
ومن حيث إنه بجلسة 15/ 1/ 1990 أمام دائرة فحص الطعون أودع الحاضر عن الشركة مذكرة بأوجه دفاعها عرض فيها لمسألة قبول طعن الشركة أمام المحكمة العليا وخلص إلى أن الطاعنة هي خصم أصيل في الدعوى، وقد كانت مدعى عليها فيها وبالتالي لا يصدق عليها وصف الخارج عن الخصومة وأساس ذلك على ما سبق قوله وكما يبين من حافظة مستندات الشركة أنه لا يوجد في حقيقة الأمر شركتان مختلفتان بل شركة واحدة تغير اسمها مع بقاء جميع عناصر مركزها القانوني على حالها، إذ لا يؤدي تغيير الاسم إلى التأثير في مركزها أو النيل من حقوقها ولم يكن الأمر إلا مجرد خطأ مادي في الاسم يتعين معه التصحيح واختصام الطاعنة باسمها الجديد وهو اسمها الحالي، فهو خطأ في الاسم وليس في الشخص لا يمنع من انعقاد المنازعة طالما أن ظروف الحال تكشف عن حقيقة الشخص المراد اختصامه، ومن هنا فلا وجه لعدم قبول الطعن المرفوع منها في الحكم المطعون فيه لأنها خصم أصيل فيها، ونعت الشركة على الحكم المطعون فيه صدوره بناءً على صحيفة دعوى باطلة بطلاناً مطلقاً من النظام العام، ذلك أنه يتضح من نص المادة 25 من قانون مجلس الدولة وقانون المحاماة رقم 17 لسنة 1983 في مواده رقم 10، 37/ 1، 8/ 1، 58، 76 والتي أوردت مذكرة الشركة نصوصها، أن توقع عريضة الدعوى من محام مقبول أمام المحكمة التي ترفع إليها الدعوى، هو إجراء جوهري يجب أن يستكمله شكل العريضة وإلا كانت باطلة، وهذا مبدأ قررته المحكمة الإدارية العليا في العديد من أحكامها، كما أن قانون المحاماة الجديد قد أكد المبدأ سالف الذكر وهو بطلان صحيفة الدعوى التي لم توقع من محام مقيد أمام المحكمة التي ترفع إليها الدعوى، وقد حرص هذا القانون على تعيين هذا المبدأ وتأكيده على نحو يدل على أهمية هذا الحكم، هذا فضلاً عن أنه لا يجوز لمحامي الإدارات القانونية أن يزاولوا أعمال المحاماة لغير الجهات التي يعملون بها، وقد قرر قانون المحاماة الجديد على أهمية هذا الحكم على حتمية البطلان بما لا فكاك منه واستخلصت مذكرة الشركة إلي القول بأن البطلان الناتج عن عدم توقيع صحيفة الدعوى من محام مقبول أمام المحكمة المختصة أو الناتج عن توقيعها من محام بالقطاع العام بالمخالفة لأحكام القانون هو بطلان من صميم النظام العام، وأن تصحيح هذا البطلان يجب أن يتم في ذات مرحلة التقاضي التي اتخذ فيها الإجراء الباطل، أي أمام المحكمة التي قدمت إليها صحيفة الدعوى وقبل صدور حكم فاصل في النزاع، كما أنه من البداهة أن هذا التصحيح يجب أن يتم خلال الميعاد المقرر قانوناً لرفع الدعوى، ومثل هذا البطلان يستتبع لزوماً بطلان جميع الإجراءات اللاحقة حتى الحكم الصادر بناءً عليها، ومتى ثبت ذلك فإن المقطوع به أن صحيفة الدعوى قد أودعت في 31/ 12/ 1983 وأنها موقعة من الأستاذ/ محمد محمد حسن القرش المحامي، والدعوى قد أقيمت في ظل سريان أحكام قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 المعمول به اعتباراً من 1/ 4/ 1983، في حين أن الصحيفة لم تودع إلا بعد سريانه بتسعة أشهر، ويبين من الشهادة الصادرة من نقابة المحامين بتاريخ 7/ 3/ 1990 أنه بالكشف في جدول المحامين لم يستدل على اسم الأستاذ/ محمد محمد حسن القرش، ولكن يوجد اسم الأستاذ. محمد محمد حسن قرش، وقد أدرج المذكور بالجدول العام بتاريخ 25/ 9/ 1961 وحلف اليمين القانونية بتاريخ 1/ 10/ 1961 وقبل للمرافعة أمام المحاكم الابتدائية بتاريخ 18/ 7/ 1979 علماً بأنه لم يسبق له العمل بمعهد التخطيط القومي.. وكانت الشهادة المؤرخة في 12/ 2/ 1990 الصادرة بدورها من النقابة قد أشارت إلى ذات البيانات المتعلقة بالمحامي محمد محمد حسن قرش وخلصت المذكرة إلى أنه كان يستحيل على هذا المحامي الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى أن يقيد بجدول المحامين المقبولين أمام محاكم الاستئناف ومحكمة القضاء الإداري قبل خمس سنوات من 18/ 7/ 1979 تاريخ قيده أمام المحاكم الابتدائية أي أنه كان يستحيل عليه ذلك قبل 18/ 7/ 1984 في حين الدعوى قد أقيمت بصحيفة أودعت في 31/ 12/ 1983 لذلك فقد اجتمعت في صحيفة الدعوى جميع أوجه المخالفة المنصوص عليها في قانون المحاماة من ناحية توقيعها من محام غير مقبول أمام محكمة القضاء الإداري، وهو في ذات الوقت محام يحظر عليه مزاولة أعمال المحاماة إلا في معهد التخطيط القومي، واستطردت المذكرة إلى القول بأن من المقرر أن إعلان عريضة الدعوى وإن لم يكن ركناً في إقامتها أو شرطاً لصحتها إلا أنه إجراء جوهري، كما أنه يتعين إخطار الخصم بتاريخ الجلسة المحددة لنظر الدعوى فإذا تخلف أي من هذين الإجرائين فإن إجراءات الدعوى يكون قد شابها عيب جوهري يبطلها بطلاناً يؤثر في الحكم ذاته الصادر فيها، وقد خالف الحكم المطعون فيه القانون فيما قضى به ضمناً من قبول الدعوى بالرغم من عدم وجود قرار إداري يرد عليه الطعن، فلا يوجد قرار إداري في هذه المنازعة وإنما توهم المطعون ضدهما وجوده، بل أنه بافتراض قيامه فإنه لا يعتبر قراراً إدارياً ترد عليه دعوى الإلغاء ذلك لأنه سبق تخصيص هذه الأراضي للمشروعات التي تنفذها الشركة الطاعنة بموجب قرار رئيس الجمهورية رقمي 1187 لسنة 1972، 1420 لسنة 1974، ولقد يصح أن يكون كل من هذين القرارين قراراً إدارياً، لكن قرار المحافظ بتسليم تلك الأراضي للطاعنة هو مجرد تنفيذ لمقتضى تخصيصها لتلك المشروعات، فليس فيه إفصاح عن إرادة ملزمة وليس له بذاته أثر قانوني أو يرتب أي مركز قانوني، ومن المسلم به وبتعبيرات المحكمة الإدارية العليا أنه من اللازم قبل أن تتصدى المحكمة لبحث طلب وقف التنفيذ أن تفصل صراحة في بعض المسائل الفرعية مثل الدفع بعدم الاختصاص والدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد لأن القرار المطعون فيه ليس نهائياً وحتى لا يحمل قضاؤها في موضوع الطلب المستعجل قبل البت في هذه المسائل على أنه قضاء ضمني برفضها، ولقد خالف الحكم المطعون فيه القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله على النحو التالي:
أ - أقحم الحكم نفسه في عمق السلطة التقديرية لجهة الإدارة دون قيام شبهة تشير إلى وجود انحراف بهذه السلطة وأحل نفسه محل جهة الإدارة وهذا مسلك مرفوض حسبما قرره القضاء الإداري من فجر إنشائه حتى الآن.
ب - أخطأ الحكم فيما ذهب إليه من اعتبار حماية مراكز المعتدين مصلحة عامة على الرغم من عدم قيام أية علاقة قانونية تخول المطعون ضدها حيازة الأرض محل المنازعة أو البناء عليها وهكذا غلب تقديره حماية التعدي على حماية الحق.
ج - أخطأ الحكم عندما أخذ بأقوال المطعون ضدهما من أن المباني القائمة عشرون ألف مسكن وأنه يقطنها خمسون ألف نسمة، وهذا قول لم يقم عليه دليل وكان يتعين على المدعيين تقديم ما يفيد ذلك.. ولقد تأثر الحكم بهذا القول فيما بسطه من حماية لهذا العدد المهول، وهو خطأ فاحش لأن أحداً من هؤلاء لم يستفت المحكمة أو يلجأ إليها سوى المدعيين وبديهي أنهما لا ينوبان عن هذا الجمع الكبير.
د - وأخطأ الحكم حين اعتبر أن هدف القرار المطعون فيه - إن كان ثمة قرار - هو فقط حماية أرض الدولة من التعدي، ويتبدى خطأ هذا القول في إغفال ما أثبتته الأوراق من صدور قرارات جمهورية بتخصيص هذه الأرض لتتولى الشركة الطاعنة تعمير المنطقة واستغلالها وإجراء تقسيمها وفقاً للأسس العلمية في التخطيط وإنشاء المجتمعات العمرانية على أسس غير عشوائية وفقاً لتخطيط علمي سليم.. وإذا كان تعمير تلك الأراضي يتم بناء على تلك الأسس التزاماً بقوانين التخطيط العمراني، فكيف يقال بحماية تعدي على هذه الأراضي يتحصل شغلها دون تنظيم ولا تخطيط ببعض العشش أو المباني الحقيرة التي يتألف المبنى فيها من حجرة أو حجرتين، الأمر الذي يفسد تخطيط المنطقة من أساسه.. خاصة إذا روعي أن الشركة التي تقوم بالتعمير ليست مجرد شركة لتقسيم الأراضي أو مشروع استثماري على ما ذهب إليه المدعيان، بل هي شركة قطاع عام تقوم على تنفيذ مشروع اقتصادي وفقاً للسياسة العامة للدولة، لقد أخطأ الحكم المطعون فيه في الموازنة التي أجراها بين أوجه مصلحة عامة توهمها وحقيقة القائم هو مصلحة عامة واحدة واضحة هي حماية أرض الدولة والتمكين من تخطيطها وتعميرها بما يكفل توفير المساكن بصفة عامة ومساكن محدودي الدخل بصفة خاصة.. ولقد يجدر أن نشير إلى أن المنطقة التي تقع بها أرض النزاع قد تعرضت لتعديات شتى ولكن جهة الإدارة كانت لها بالمرصاد، لذلك توالت صدور قرارات إزالة التعديات ومن ذلك على سبيل المثال قرار محافظ القاهرة رقم 26 بتاريخ 18/ 2/ 1976 وغيره، وكذلك خالف الحكم المطعون فيه استقرار القضاء الإداري في هذا الخصوص، إذ قد درج على رفض طلبات وقف تنفيذ القرارات الصادرة بإزالة التعدي على المنطقة التي تقع بها أرض النزاع.. وخلصت الشركة الطاعنة إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً، وبوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه حتى يقضى في موضوع الطعن، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء في الدعوى بما يأتي:
بصفة أصلية ببطلان صحيفة الدعوى.
وبصفة احتياطية بعدم قبول الدعوى.
ومن باب الاحتياط الكلي برفض الدعوى وإلزام المطعون ضدهما بالمصروفات.
ومن حيث إنه عن الطعن رقم 1875 لسنة 30 ق المقام من شركة المعادي للتنمية والتعمير فإن الثابت من الإطلاع على تقرير الطعن أنه قد أقامته على قول منها إن الثابت من عريضة الدعوى أنها لم تختصم أصلاً في الدعوى لأن المطعون ضدهما قد اختصما شركة المعادي للإسكان والتعمير وهي شركة خلاف الشركة الطاعنة لأن الأخيرة هي خلف الأولى بحيث صارت لا وجود لها قانوناً، وقد وردت إجابة المحضر أن الشركة التي حددها المدعيان لم تعلن وأنه بذلك تكون الشركة الطاعنة لم تختصم في الدعوى ولم تنعقد خصومة بالنسبة لها ولم تمثل في الخصومة غير المنعقدة بالنسبة لها، لذلك فلم تحضر جلسات الدعوى ولم تبد ثمة دفوع أو دفاع ولم تقدم أية مستندات، وبذلك يكون الحكم منعدماً بالنسبة إليها، وقد عادت الشركة الطاعنة وقررت في مذكرة دفاعها المفصلة أن الأمر لا يتعلق بشركتين مختلفتين، وإنما هو مجرد تغيير لاسم الشركة لا يؤثر في مركزها القانوني.. وبذلك يكون اختصام الشركة باسمها السابق هو مجرد خطأ مادي لا يحول دون عقد الخصومة بالنسبة لها ولا يجعلها شخصاً خارجاً عنها.. وأنها بذلك تعتبر خصماً أصيلاً.. ولكن الأمر كان يتطلب تصحيح هذا الخطأ المادي بإعادة إعلانها بالاسم الجديد وإخطارها بالجلسة فإذ لم يحدث ذلك فإنه يضفي البطلان على الإجراءات اللاحقة.
ومن حيث إنه وأياً ما كان وجه القول في انصراف نية المدعيين إلى اختصام شركة المعادي للإسكان والتعمير أو إلى اختصام شركة المعادي للتنمية والتعمير، وأن الأخيرة هي خلف للأولى، ومع مسايرة منطق الطعن المقدم من الشركة بقولها إن الأمر لا يعدو أن يكون خطأ مادياً كان يستوجب التصحيح ويترتب على عدم إجرائه البطلان فإن المحصلة النهائية في كل ما وقع في هذا الخصوص قد انتهت إلى أن الشركة الطاعنة لم تختصم قانوناً أمام محكمة القضاء الإداري، فهي لم تعلن ولم تخطر بالجلسة ولم تقدم ثمة دفع أو دفاع، وظلت بعيدة عنها غير ماثلة في الدعوى التي تدوولت على أساس اختصام شركة المعادي للإسكان والتعمير التي لم يعد لها وجود، وقد صدر الحكم والشركة الطاعنة غير مختصمة فيها خارجة عنها.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على عدم جواز الطعن في الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري أمام المحكمة الإدارية العليا مباشرة ممن لم يكن طرفاً في الدعوى ولم يكن قد أدخل فيها، وإنما يتعين عليه في هذه الحالة متى مس الحكم مصلحة له أن يلجأ إلى طريق الطعن بالتماس إعادة النظر أمام المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه (يراجع في هذا الحكم الصادر من الدائرة المنصوص عليها في المادة 54 مكرراً من القانون رقم 47 لسنة 1972 معدلاً بالقانون رقم 136 لسنة 1984 في الطعن رقم 3387 لسنة 29 ق المنضم إلى الطعن رقم 3382 لسنة 29 ق) وعلى ذلك فإنه يتعين الحكم بعدم اختصاص هذه المحكمة بنظر هذا الطعن ويتعين إحالته إلى المحكمة التي أصدرت الحكم وهي محكمة القضاء الإداري لنظره إذا ما توافرت قيود وشروط اعتباره التماس بإعادة النظر طبقاً لأحكام القانون.
ومن حيث إنه عن طلب شركة المعادي للتنمية والتعمير التدخل الانضمامي في الطعن رقم 1914 لسنة 30 ق عليا، فإن المادة 126 من قانون المرافعات تنص على أنه "يجوز لكل ذي مصلحة أن يتدخل في الدعوى منضماً لأحد الخصوم أو طالباً الحكم لنفسه بطلب مرتبط بالدعوى، ويكون التدخل بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى قبل يوم الجلسة أو بطلب يقدم شفاهاً في الجلسة في حضورهم ويثبت في محضرها، ولا يقبل التدخل بعد إقفال باب المرافعة".
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة وإن كان يجري أن حق المتدخل في التدخل الانضمامي إنما يقتصر على مجرد تأييد أحد طرفي الخصومة الأصليين بما يترتب على ذلك من أنه لا يجوز له أن يتقدم بطلبات تغاير طلبات الخصم الذي تدخل لتأييده، وبحيث يجوز له أن يبدي وجوه دفاع تأييداً لطلباته، ومن ثم تقتصر وظيفة المحكمة على الفصل في موضوعها، إلا أن المتدخل الانضمامي يجوز له أن يتمسك بأي دفع موضوعي أو شكلي، أو بعدم القبول ولو لم يتمسك به الطاعن ما لم يكن قد سقط حق الآخر في الإدلاء به، فالمتدخل الانضمامي هو خصم في الدعوى إذا ما قبل تدخله وتقوم مصلحته في اتخاذ ما يراه من إجراءات في التمسك بما يرى التمسك به من دفوع فهو في بداية الأمر وقتها يعمل باسمه هو لأنه لا يمثل الخصم الذي تدخل إلى جانبه ولا يحل محله.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن الشركة طالبة التدخل قد سبق أن صدر لصالحها القراران الجمهوريان رقما 1187 لسنة 1972، 1420 لسنة 1974 على التوالي بتخصيص مساحات من الأراضي لها لتقيم بعض المشروعات عليها في إطار تخطيط عمراني مقرر ومعلوم، وقد أوردت ما مفاده أن أرض النزاع تقع في هذه المساحة، الأمر الذي يقيم لها بحسب ظاهر الأوراق مصلحة حالة أو محتملة في طلب إلغاء الحكم المطعون فيه، ويكون طلب التدخل الانضمامي المقدم منها في هذه المرحلة من مراحل النزاع مقبولاً ويتعين الحكم بذلك.
ومن حيث إنه عن الدفع المبدى من الشركة المتدخلة ببطلان صحيفة الدعوى بطلاناً من النظام العام وذلك استناداً إلى أن المحامي الذي أقام الدعوى نيابة عن المطعون ضدها ووقع عريضتها لم يكن مقيداً أمام محاكم الاستئناف والقضاء الإداري، وأنه كان محامياً بمعهد التخطيط القومي عند إقامة الدعوى، فإن الثابت من صحيفة الدعوى أنها تحمل خاتم وشعار مكتب السيد/ محمد محمد حسن القرش المحامي بالاستئناف العالي، وقد تقدم الحاضر عن الشركة المتدخلة بشهادتين صادرتين من نقابة المحامين أولاهما مؤرخة في 2/ 2/ 1990 وقد ورد بها أنه بالكشف من جدول المحامين اتضح أن اسم الأستاذ المرحوم محمد محمد حسن قرش أدرج بالجدول العام بتاريخ 25/ 9/ 1961، وحلف اليمين القانونية بتاريخ 1/ 10/ 1961 وقبل للمرافعة أمام المحاكم الابتدائية بتاريخ 18/ 7/ 1979 علماً بأنه لم يسبق له العمل بمعهد التخطيط القومي.. كما ورد بالشهادة الثانية المؤرخة في 7/ 3/ 1990 ما نصه: "بالكشف في جدول المحامين لم يستدل على اسم الأستاذ/ محمد محمد حسن القرش ولكن يوجد اسم الأستاذ محمد محمد حسن قرش وبياناته كالآتي أدرج بالجدول العام بتاريخ 25/ 9/ 1961، وحلف اليمين القانونية بتاريخ 1/ 10/ 1961، وقبل للمرافعة أمام المحاكم الابتدائية بتاريخ 18/ 7/ 1979 علماً بأنه لم يسبق له العمل بمعهد التخطيط القومي.." ويبين مما تقدم أن الشهادة الأولى قد صدرت متضمنة بيانات تتعلق بالسيد/ محمد محمد حسن قرش، بينما أن المحامي الموقع على عريضة الدعوى يدعى محمد محمد حسن القرش، وعلى ذلك فإنه يتعين إطراح هذه الشهادة المؤرخة 12/ 2/ 1990 لأنها لا تحمل في ذاتها ما يفيد أو يقطع بأن السيد/ محمد محمد حسن القرش رافع الدعوى هو المقصود بهذه الشهادة وأن ما تضمنه بياناتها يتعلق به لأن هناك خلافاً في الاسم الرابع، فرافع الدعوى يسمى القرش بينما صدرت الشهادة عن قرش والفارق واضح في أداة التعريف مما يجعل المحكمة لا تطمئن لهذه الشهادة وترى إطراحها والالتفات عنها، كما أن المحكمة تلاحظ أن بالنسبة للشهادة الثانية المؤرخة في 7/ 3/ 1990 فإنها قد أشارت إلى أنه بالكشف في جدول المحامين لم يستدل على اسم الأستاذ/ محمد محمد حسن القرش، وإنما يوجد اسم محمد محمد حسن قرش، وسجلت الشهادة ذات البيانات المتعلقة بالمذكور حرفياً كما وردت في الشهادة الأولى.
ومن حيث إنه وأياً ما كان وجه القول في حقيقة الجدول الذي يمكن أن يكون مقيداً فيه المحامي محمد محمد حسن القرش الذي أقام الدعوى.. فإن المادة الثالثة من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة تنص على أن: "تطبق الإجراءات المنصوص عليها في هذا القانون وتطبق أحكام قانون المرافعات فيما لم يرد فيه نص وذلك إلى أن يصدر قانون الإجراءات الخاصة بالقسم القضائي" ومقتضى هذا النص على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة أنه يتعين كأصل عام عدم الأخذ بإجراءات قانون المرافعات المدنية والتجارية أو أحكامه أمام القضاء الإداري إلا فيما لم يرد فيه نص خاص في قانون مجلس الدولة مع مراعاة عدم تعارض ذلك مع أوضاعه الخاصة وطبيعة المنازعة الإدارية بمعناها الواسع.
ومن حيث إن المادة 25 من قانون مجلس الدولة الواردة في الفصل الثالث الخاص بالإجراءات أمام محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية تنص على أن: "يقدم الطلب إلى قلم كتاب المحكمة المختصة بعريضة موقعة من محام مقيد بجدول المحامين المقبولين أمام تلك المحكمة، وتتضمن العريضة عدا البيانات العامة المتعلقة باسم الطالب ومن يوجه إليه الطلب وصفاتهم ومحال إقامتهم موضوع الطلب وتاريخ التظلم من القرار إن كان مما يجب التظلم منه.. ويعتبر مكتب المحامي الموقع على العريضة محلاً مختاراً للطالب، كما يعتبر مكتب المحامي الذي ينوب عن ذوي الشأن في تقديم ملاحظاتهم محلاً مختاراً لهم، كل ذلك إلا إذا عينوا محلاً مختاراً غيره". كما تنص المادة 44 من هذا القانون الواردة في الفصل الخاص بالإجراءات أمام المحكمة الإدارية العليا على أن: "ميعاد رفع الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا ستون يوماً من تاريخ صدور الحكم المطعون فيه، ويقدم الطعن من ذوي الشأن بتقرير يودع قلم كتاب المحكمة موقع من محام من المقبولين أمامها ويجب أن يشتمل التقرير علاوة على البيانات العامة المتعلقة بأعمال الخصوم وصفاتهم وموطن كل منهم على بيان الحكم المطعون فيه وتاريخه وبيان الأسباب التي بني عليها الطعن، وطلبات الطاعن، فإذا لم يحصل الطعن على هذا الوجه جاز الحكم ببطلانه". وحيث إنه يبين من هذين النصين وغيرهما من نصوص وردت في شأن الإجراءات أمام محاكم مجلس الدولة بدرجاتها المختلفة أن قانون مجلس الدولة قد تضمن بعض القواعد الإجرائية الخاصة التي تضمنتها نصوص خاصة تكون فقط هي الواجبة الإعمال باعتبار أنها تشكل في مجموعها وإلى أن يصدر قانون بالإجراءات الخاصة بالقسم القضائي تنظيماً خاصاً واجب الإعمال لاتفاقه مع طبيعة المنازعة الإدارية وقد حددت المادة 25 سالفة البيان إجراءات رفع الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري وشرطت أن تكون عريضة الدعوى التي تودع قلم كتاب المحكمة موقعة من محام مقيد بجدول المحامين المقبولين أمامها دون أن ترتب البطلان صراحة على عدم مراعاة ذلك، بينما جاء نص المادة 44 من القانون فنص على بطلان تقرير الطعن إذا لم يوقع تقرير الطعن من محام مقبول أمام المحكمة الإدارية العليا، ومن ثم فإذا لم يحصل الطعن على هذا الوجه فإن المشرع لم ينص على الحكم ببطلانه صراحة وهكذا فقد أغفل القانون النص على الحكم بالبطلان في هذه الحالة ليس لأنه لا تبطل العريضة بإغفال الإجراء وإنما لعدم جسامته على نحو ما قدره المشرع في تقرير الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا لما هو ظاهر من ضرورة توفر درجة من الخبرة والكفاءة يتم الطعن أمامها.
ومن حيث إن الشركة الطاعنة تنعى بالبطلان على صحيفة الدعوى على أساس أن الدعوى خاضعة لأحكام قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 المعمول به اعتباراً من 1/ 4/ 1983 بينما تم رفع الدعوى بعد ذلك بتسعة أشهر، وأن موقع الصحيفة الأستاذ/ محمد محمد حسن القرش كان في ذلك الوقت مقيداً بجدول المحامين أمام المحاكم الابتدائية كما أنه كان محامياً بمعهد التخطيط القومي، ولذلك ما كان يجوز له الحضور أو توقيع صحف الدعاوى لآحاد الناس.
ومن حيث إنه وفقاً للمبادئ العامة الحاكمة للإجراءات والمرافعات في التداعي عموماً وبصفة خاصة أمام محاكم مجلس الدولة، وأن هذه الإجراءات قصد بها المشرع تنظيم وحماية النظام العام وكفالة حق الدفاع الذي هو دستوري وأساس لكل مواطن أمام المحاكم وفقاً لنص المادة 69 من الدستور سواء بالإحالة أو بالوكالة وهو مكفول للكافة بل أنه تعين أن يكفل القانون لغير القادرين مالياً الالتجاء إلى القضاء والدفاع عن حقوقهم وذلك تفريعاً على أن الأصل الدستوري المسلم به أن سيادة القانون أساس الحكم في الدولة وأن الدولة تخضع للقانون (المواد 64، 65 من الدستور) وأنه لتحقيق ذلك يتعين أن يكون التقاضي حق مضمون ومكفول للناس كافة، ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي وهو ما تقضي به صراحة أحكام المادة 68 من الدستور بل أن على الدولة أن تكفل تقريب جهات القضاء من المتقاضين وسرعة الفصل في القضايا، ويحظر النص في أي قانون على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء.
ومن حيث إنه بناء على ما سلف بيانه فإنه بتطبيق المبادئ العامة للبطلان المقررة في قانوني مجلس الدولة والمرافعات المدنية والتجارية فإنه يتعين للقضاء ببطلان إجراء معين وبصفة خاصة في المنازعات الإدارية التي تختص بها محاكم مجلس الدولة وعلى الأخص في دعاوى الإلغاء التي تقوم على مبدأ المشروعية وسيادة القانون الذي يمثل أساساً حاكماً للنظام العام في الدولة بجميع سلطاتها وأجهزتها أن تثبت بيقين تحقق سبب البطلان، وأن يكون منصوصاً على تقريره صراحة في القانون أو أن لا تحقق الغاية من الإجراء الباطل حتى الفصل في الدعوى إذا لم يكن ينص المشرع صراحة وبصفة جازمة على هذا البطلان.
ومن حيث إنه بناء على ذلك فإنه حيث إن الثابت أن المشرع لم ينص على البطلان صراحة في حالة عدم توقيع العرائض المتعلقة بالدعاوى التي تختص بها محاكم مجلس الدولة فيما عدا المحكمة الإدارية العليا.
ومن حيث إن الشهادتين المقدمتين قد تضمنتا بيانات يتضح منها ما يلي: أن هذه البيانات تتعلق بالأستاذ محمد محمد حسن قرش المحامي وهو محام صاحب مكتب ثابت له عنوان أوضحته الشهادتين بينما رافع الدعوى هو الأستاذ محمد محمد حسن القرش، كما أن الأول لم يسبق له العمل في معهد التخطيط القومي، ومن باب أولى فلا يجوز القول بأن السيد/ محمد محمد حسن القرش هو المقصود بذلك لأن الشهادة الثانية السابق الإشارة إليها قد أوردت أنه لم يستدل في جدول المحامين على هذا الاسم، والثابت في يقين هذه المحكمة أن السيد/ محمد محمد حسن القرش شخص آخر غير السيد/ محمد محمد حسن قرش، ولا يمكن الجزم بأنهما شخص واحد لاختلاف الاسم الرابع، كما أن التعبير الذي استخدمته الشهادة الثانية بقولها إنه لم يستدل عليه هو تعبير لا تطمئن معه المحكمة للجزم بأن الأستاذ محمد محمد حسن القرش الذي أقام الدعوى تابعها حتى صدور الحكم فيها ليس مقيداً أصلاً في أحد جداول المحامين، فالعبارة الواردة في صدر الشهادة بعدم الاستدلال لم توضح ما إذا كان عدم الاستدلال عليه قد حدث في جدول المحامين العام أو في جدول المحكمة الابتدائية أو الاستئنافية أو النقض أو جدول العاملين في القطاع العام أو جدول غير المشتغلين، وأمام مثل هذا الغموض في القول ومع خطورة هذه المنازعة التي تتعلق بأمر يتوقف عليه مصير عشرات تلك الآلاف من المواطنين المصريين قاطني أرض النزاع فإن المحكمة في ضوء القواعد المقررة في قانون مجلس الدولة وما تضمنه من تنظيم خاص لإجراءات رفع الدعوى ولتعلقها بالمشروعية وسيادة القانون تطرح هاتين الشهادتين غير الدالتين بوضوح وقطع ويقين على حالة المحامي موقع العريضة مع الأخذ بظاهر الأوراق التي تفيد أن المطعون ضدهما قد تعاملا بحسن نية مع أحد المحامين الذي أعلن عن نفسه محامياً بالاستئناف وأقام الدعوى على هذا الأساس واستمر الأمر كذلك دون اعتراض من أحد أو ثبوت عدم توفر هذه الصفة حتى صدور الحكم الطعين مما يتعين معه حمل الأمر على محمل الصحة والسلامة التي لا يمسها تلك الشهادات غير الدقيقة أو الحاسمة المشار إليها وبصفة خاصة لأن الأمر يتعلق بمنازعة إدارية لها خطرها ووزنها وتوجب التصدي بالفصل فيها لإظهار وجه الحق ولإعلاء كلمة القانون وسيادته ورعاية للشرعية والمشروعية واستقرار المراكز القانونية.
ومن حيث إنه متى كان الأمر كذلك فإن هذا الدفع يكون غير قائم على أساس سليم من الواقع والقانون خليق بالرفض.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على حافظة مستندات المطعون ضدها المقدمة بجلسة 6/ 11/ 1989 أنها قد تضمنت شهادة رسمية صادرة من شركة توزيع كهرباء القاهرة بتاريخ 22/ 8/ 1989 بناء على قرار صادر من محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 1029 لسنة 41 ق، وثابت فيها أن عدد المنازل التي تم توصيل الكهرباء إليها بعزبة خير الله يبلغ 8650 مسكناً (ثمانية آلاف وستمائة وخمسون مسكناً) كما تضمنت الحافظة 24 كشفاً يتضمن كل كشف منها أسماء بعض القاطنين في هذه المنطقة التي تبلغ في المتوسط حوالي 60 اسماً في كل كشف، وهي كشوف مرسلة من حي مصر القديمة والمعادي إلى مرفق مياه القاهرة بطلب إدخال المياه لمنازل المذكورين تنفيذاً للأحكام التي حصلوا عليها وهو يكشف بدوره عن تلك الأعداد الضخمة التي تقطنت هذه المنطقة، كما تضمنت حافظة المستندات المقدمة بجلسة 19/ 1/ 1991 صورة من كتاب نائب محافظ القاهرة المرسل إلى مكتب السيد رئيس الوزراء بتاريخ 29/ 3/ 1986 ويفيد فيه أن الأرض التي تقع بها هذه التعديات تقع بمناطق عزبة خير الله واسطبل عنتر.. وأن هذه المناطق تقع في امتياز شركة المعادي للتنمية والتعمير وتبلغ مساحتها 1000 فدان يقطنها حوالي ستون ألف نسمة (60.000) يشغلون مبان بالطوب الأحمر وأسقف خرسانية وخشبية بعضها من طابق واحد والبعض الآخر من طابقين، وذكر نائب المحافظ أنه قد أرجى النظر في تنفيذ هذه القرارات الصادرة بإزالة التعديات على تلك المناطق، وقد أخطرت مديرية أمن القاهرة لعمل الدراسات الكافية بإمكانية تنفيذ هذه القرارات من الناحية الأمنية، كما أشار الكتاب إلى أنه تجرى حالياً دراسة وتخطيط وتعمير منطقة الفسطاط والتي تدخل في نطاقها تلك المناطق بالتنسيق مع وزارة الإسكان ومحافظة القاهرة وشركة المعادي للتنمية والتعمير.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم بما لا يدع مجالاً لأي شك أن أرض النزاع يقطنها عدد من السكان يبلغ في تقدير جهة الإدارة في مارس 1986 حوالي ستين ألف نسمة من المواطنين المصريين وأنه قد صدر قرار بإزالة التعدي على هذه الأرض ولكن رأت المحافظة إرجاء تنفيذه لما قد ينجم عنه من مشاكل أمنية يتعين دراستها والتروي بشأنها وحتى تنتهي الدراسات الخاصة بمنطقة الفسطاط وأرض النزاع داخلة فيها.
ومن حيث إن الماثل في وقائع الدعوى بحسب ظاهر الأوراق أن الأرض التي يقيم المطعون ضدهما وآخرون في مساكن أقاموها بها هي: أرض مملوكة للدولة صدرت قرارات جمهورية في عامي 1972، 1974 على التوالي بتخصيصها لشركة المعادي للتنمية والتعمير بهدف إعادة تخطيطها وتعميرها وبناء مساكن عليها، وأنه لا توجد علاقة قانونية من نوع ما تخولهم حيازة تلك الأرض والبناء عليها، وأن القرار المطعون فيه منذ عام 1983 اقتضى إزالة المساكن بما يترتب على ذلك من طردهم من الأرض.
ومن حيث إن أوراق الدعوى تكشف عن أن هدف هذا القرار وغايته هي حماية الأرض ملك الدولة والحرص عليها ومنع غصبها أو الاستحواز عليها دون سند قانوني واسترداد الأرض من حائزها لتسليمها إلى الخصم المنضم شركة المعادي للتنمية والتعمير والتي خصصت لها هذه الأرض منذ عامي 1972، 1974 على التوالي لتدخلها في المخطط العام لتعمير المنطقة وإعادة تخطيطها وبناء مساكن عليها.
ومن حيث إن تلك غاية يظهر منها من غير شك وجه مصلحة عامة لا ريب فيه قوامه الحفاظ على أرض الدولة والعمل على التعمير وفقاً للأسس العلمية للتخطيط بكل ما ينطوي عليه ذلك من فوائد للمجتمع العمراني، إلا أنه وفي الجانب الآخر - وكما ذهب إليه الحكم المطعون فيه بحق - فإن تنفيذ القرار وإن استهدف تحقيق ذلك الوجه للمصلحة العامة سوف يترتب عليه هدم آلاف المنازل وتشريد عشرات الآلاف من المواطنين بأسرهم ومنقولاتهم على النحو الذي كشفت عنه الأوراق بيقين ولا خلاف عليه.
ومن حيث إنه وإن كان صحيحاً أنه لا محل لرقابة من القضاء الإداري على الملائمات التقديرية التي تباشرها السلطة الإدارية المختصة عند إصدار قراراتها سواء من حيث اختيارها لمحل القرار أو وقت وأسلوب تنفيذه ما دام أن ذلك يكون في إطار من الشرعية وسيادة القانون وذلك ما لم تتنكب الإدارة الغاية وتنحرف عن حقيقتها إلى غاية أخرى لم يقصدها المشرع عندما خولها تلك السلطة التقديرية أو تتعمد تحقيق غايات خاصة لا صلة لها بالصالح العام إلا أن ذلك يتعين ألا يغفل عن أن السلطة القضائية وبين أركانها الأساسية محاكم مجلس الدولة مسئوليتها الأولى إقامة العدالة وحماية الشرعية والمشروعية وسيادة القانون وحماية الحقوق والحريات العامة والخاصة المشروعة للمصريين (المواد 165، 166، 172، 64، 65، 68 من الدستور) وفى إطار ما أوردته نصوص الدستور والقانون من أصول ومبادئ عامة حاكمة لنظام الدولة والمجتمع وغايات الصالح العام القومي وترتيب أولويات تلك الغايات وفقاً لمقتضيات السلام الاجتماعي والوحدة الوطنية والشرعية والمشروعية والنظام الاجتماعي وتكافؤ الفرص لجميع المصريين وعدالة توزيع الأعباء والتكاليف العامة، ومنع الاستغلال غير المشروع (المواد 3، 4، 7، 8 من الدستور) وكذلك رعاية وحماية ما تلزم الدولة والإدارة العامة بتحقيقه في خططها وسياساتها وعملها اليومي في تصريف الشئون الإدارية للبلاد من حماية الأسرة وطابعها الأصيل وما تقوم عليه من قيم قوامها الدين والأخلاق والوطنية والالتزام برعاية الأخلاق وحمايتها (المواد 11، 12 من الدستور) وكفالة الدولة للخدمات الثقافية والاجتماعية والصحية المادة 16 والالتزام في ذات الوقت بأن الملكية الخاصة مصونة في حدود الدستور والقانون وأنها تتمثل في رأس المال غير المستغل الذي ينظم القانون أداء وظيفتها الاجتماعية في خدمة الاقتصاد القومي وفى إطار خطة التنمية دون انحراف أو استغلال وكفالة ألا تتعارض في طرق استخدامها مع الخير العام للشعب (م 32، 34) من الدستور، وأن للمساكن الخاصة حرمة لا يجوز دخولها أو تفتيشها إلا بأمر قضائي مسبب وفقاً لأحكام القانون وهي كذلك لا يسوغ هدمها وإزالتها إلا طبقاً لأحكام القانون ولتحقيق الصالح العام ودون الاعتداء على الحقوق والحريات العامة والخاصة للمواطنين التي تكون جديرة بالحماية والرعاية ولها الأولوية على اعتبارات وملائمات الصالح العام المتعلقة بالإزالة والهدم فالصالح العام يندرج في الأهمية تدرجاً تشبه التدرج في مراتب الأدوات التشريعية المختلفة، فالصالح القومي الأعلى المتمثل في حماية كيان ووجود الدولة والمجتمع من العدوان من الخارج أو الداخل يسمو على الصالح العام الأدنى مرتبة ويعلو المصالح الخاصة بالأفراد، ومصالح وحريات جماعة غير محدودة من المواطنين تعلو مصلحة فرد أو عدد محدود وهكذا وطبقاً لهذا التدرج في مراتب الصالح العام يتعين على الإدارة العامة أن تختار محل قراراتها وتوقيت تنفيذها ولا رقابة عليها ما لم تهدر الصالح القومي وخاصة لو نص عليه في الدستور والقانون لصالح مصالح أدنى.
ومن حيث إنه بناء على ما سلف جميعه فإنه ليس فقط تتحقق عدم المشروعية للقرار الإداري بأن يتنكب غايات الصالح العام التي يحددها القانون وينحرف عنها وإنما أيضاً يكون القرار الإداري غير مشروع إذا استند إلى غاية من غايات الصالح العام يكون ظاهراً أو مؤكداً أنها أدنى في أولويات الرعاية من غايات وصوالح قومية أسمى وأجدر بالرعاية وترتبط بالقيم والمبادئ الأساسية للمجتمع، وتكون أساساً لسلامة الكيان القومي إذا تعارضت غاية القرار في الظروف والتوقيت الذي يراد تنفيذه فيه مع السلامة القومية العليا أو مع الوحدة الوطنية أو مع السلام الاجتماعي أو الأمن العام كان القرار غير مشروع.
ومن حيث إنه لا شك يؤكد هذا المبدأ أو ذلك التفسير لأحكام الدستور وحدود المشروعية ما هو مسلم به من مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع طبقاً للمادة 5 من الدستور من أن دفع الضرر مقدم على جلب المنافع وأن الضرورات تبيح المحظورات، وأن الضرورة تقدر بقدرها عند التصرف لرفعها.
ومن حيث إنه بمراعاة الالتزام بما سبق جميعه من أسس للمشروعية والشرعية أساسها صريح نصوص الدستور والمبادئ العامة الحاكمة للنظام العام للدولة والمجتمع المصري فإنه حيث إنه لا خلاف على أنه سوف يترتب على تنفيذ القرار الخاص بتسليم الأرض والإزالة والهدم للمباني والمساكن القائمة عليها تشريد عشرات الآلاف من الأفراد والأسر نتيجة فقد المأوى الوحيد لهم إلى غير مقر بكل ما ينطوي عليه ذلك من إهدار للأسس والقيم العامة التي يقوم عليها المجتمع من رعاية للأسرة وللأخلاق وحمايتها بين عشرات الآلاف من المواطنين وتمزيق للتضامن الاجتماعي وإثارة لمكامن السخط والحقد وخروج بالملكية الخاصة عن أداء وظيفتها الاجتماعية وبالتالي من تحقيق الخير العام للشعب إلى التحطيم لحياة عشرات الآلاف من المواطنين دون ضرورة ملجئة تدعو إلى ذلك، بل أن لذلك احتمالات مؤكدة لقيام خلل في الأمن العام لا يعرف مداه أو إيجابيته وقد استشعرته جهة الإدارة بعد صدور القرار وأشارت إليه في كتاب نائب محافظ القاهرة المرسلة إلى مكتب رئيس الوزراء، ومن هنا كان وجه المصلحة العامة القومية في عدم التسبب في نشؤ وجود هذه الظواهر الخطيرة بشقيها الإنساني والأمني بتنفيذ القرار محل النزاع وخاصة أن وجود التجمع السكاني الذي يحطمه ويهدر كيانه القرار المذكور واستقراره على أرض الدولة المخصصة لشركة المعادى للتنمية والتعمير منذ حوالي 18 عاماً، لم ينشأ فجأة وعلى حين غرة أو خفية من جهات الإدارة وأجهزتها والشركة التي خصصت لها الأرض ولكنه مجتمع سكاني نشأ على مدى زمني طويل أمامها، وهو ما لم يتم في الخفاء، وقد أسهمت في وجوده عندما لم تمنعه في بادئ الأمر ولم تحرص على منع اتساعه في مستهله سواء تم ذلك بإزالة التعديات فوراً، وتحديد مساكن بديلة لهؤلاء، وكانت الإدارة تملكه في حينه دون تثريب عليها، أما وقد قعدت عن ذلك ولم تنشط إليه في وقته فإن تدميره والقضاء عليه الآن وقد استفحل، ليس فقط مما لا يجوز للإدارة فعله ولكنه يكون بمثابة إخلال منها بمسئوليتها نحو الحفاظ على أمن وسلامة الموطنين وحماية السلام الاجتماعي وعدم السماح بأن يترتب على الملكية الخاصة التشريد والتحطيم لحياة عشرات الآلاف من المواطنين دون ضرورة ملجئة تبرر ذلك وتشريدهم دون تدبير شئونهم وإشباع حاجاتهم والحفاظ على الأمن والاستقرار بينهم ولا شك أن هذه النتائج تشكله وجه المصلحة العامة القومية الأكثر إلحاحاً وأخطر شأناً يتعين أن تكون في هذه المرحلة أولى بالرعاية من مجرد إزالة التعدي على أرض مملوكة للدولة وهو أمر مشروع ولكنه أدنى من أن يكون أحق بالتغليب، إذ في هذه الحالات تختلط مناسبة العمل بمشروعيته ويلزم دائماً ليكون مشروعاً أن يكون ملائماً ومناسباً وهو ما تنبسط عليه رقابة المشروعية من القضاء الإداري على نحو ما سلف بيانه وذلك دون أن يكون ذلك إقحام للقضاء في نطاق السلطة التقديرية للإدارة، ذلك أن هذه الإدارة يتعين أن تصدر في تصرفاتها بما يراعى الموازنة بين المصالح العامة المتفاوتة المدارج والوزن والأهمية على النحو الذي ألزمها به الدستور والقانون وإذا لم تلتزم بذلك كان للقضاء الإداري بحكم ولايته التي أناطها به الدستور أن يردها إلى مجال المشروعية وسيادة القانون بحسب صحيح التفسير السليم لأحكام الدستور والقانون وبما يدرأ ما يترتب على تنفيذ قراراتها غير المشروعة من قرارات اجتماعية وسكانية وأخلاقية وصحية وأمنية على النحو الظاهر والثابت في موضوع الطعن الماثل.
ومن حيث إنه متى كان ذلك فإن القرار المطعون فيه وبحسب ظاهر الأوراق يكون قد صدر مشوباً بعدم المشروعية لانحرافه عن الالتزام بغايات الصالح العام القومي بما يرجح معه إلغاؤه عند الفصل في طلب الإلغاء الأمر الذي يتوفر به في طلب وقف تنفيذه ركن الجدية المشروط في إجابته، هذا فضلاً عن توافر ركن الاستعجال بسبب ما سيلحقه تنفيذ القرار من أضرار مؤكدة سبق بيانها ويتعذر تداركها، ومن ثم يستوفي طلب وقف التنفيذ ما استوجبه القانون للحكم به.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد ذهب إلى القضاء بذلك فإنه يكون قد أصاب وجه الحق والقانون للأسباب التي سلف ذكرها ويكون الطعن عليه غير قائم على سنده الصحيح في الواقع والقانون خليق بالرفض.
ومن حيث إن من خسر الدعوى يلزم بمصروفاتها عملاً بحكم المادة 184 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الطعن رقم 1875 لسنة 30 ق عليا وأمرت بإحالته بحالته إلى محكمة القضاء الإداري على النحو المبين في الأسباب وأبقت الفصل في المصروفات.
وبقبول تدخل شركة المعادي للتنمية والتعمير خصماً منضماً إلى الطعن رقم 1914 لسنة 30 ق عليا.
وبقبول الطعن رقم 1914 لسنة 30 ق عليا شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الشركة المتدخلة مصروفات هذا التدخل وألزمت الجهة الإدارية الطاعنة بمصروفات الطعن.

الطعن 2230 لسنة 34 ق جلسة 2 / 3 / 1991 إدارية عليا مكتب فني 36 ج 2 ق 75 ص 707

جلسة 2 من مارس سنة 1991

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل - رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ محمود عبد المنعم موافي وإسماعيل عبد الحميد إبراهيم ود. محمود صفوت عثمان وأحمد شمس الدين خفاجي - نواب رئيس مجلس الدولة.

---------------------

(75)

الطعن رقم 2230 لسنة 34 القضائية

أ - دعوى - تكييف طلبات الخصوم.
لمحاكم مجلس الدولة تكييف طلبات الخصوم دون التقيد بتكييفهم لها - تلتزم المحاكم بالإرادة الحقيقية للخصوم في إطار أحكام القانون - العبرة في التكييف بالمقاصد والمعاني وليست بالألفاظ والمباني - تكييف الدعوى من المسائل القانونية التي تخضع لرقابة المحكمة الإدارية العليا - تطبيق.
ب - دعوى - مسألة أولية - الطبيعة القانونية للتصرف المطعون فيه وأثرها في الاختصاص. 

تحديد الطبيعة القانونية للتصرف المطعون فيه وبيان نوع القاعدة التشريعية الواجبة التطبيق وما إذا كانت تعد قانوناً أو قراراً جمهورياً أو لائحة - هو مسألة من المسائل الأولية المرتبطة بولاية المحكمة - يتعين على المحكمة الفصل فيها قبل الفصل في الموضوع - إذا تبين للمحكمة أن التصرف المطعون فيه هو في حقيقة الأمر قرار جمهوري بقانون فإنها تقضي بعدم ولايتها بنظر الطعن فيه - إذا تبين لها أن القرار الجمهوري هو مجرد قرار إداري لم تتوافر بشأنه مقومات القرار الجمهوري بقانون بسطت رقابتها عليه - لمحاكم مجلس الدولة الفصل في الوجود المادي والشكلي للقاعدة القانونية الواجبة التطبيق وتحديد مرتبتها في السلم التشريعي - لا وجه للقول بقصر هذا الاختصاص على المحكمة الدستورية العليا - أساس ذلك: أن مقتضى الصياغة التشريعية لنصوص الدستور الواردة بشأن هذه المحكمة وكذلك نصوص قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 - أنها تختص وحدها بالرقابة القضائية على موضوعية نصوص القوانين واللوائح من الزاوية الدستورية - تطبيق.
ج - قانون - القرار بقانون - عرضه على مجلس الشعب والموافقة عليه - استكمال الشكل الدستوري (دستور).
ح - قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 186 لسنة 1986 بشأن الإعفاءات الجمركية قدم لمجس الشعب في المواعيد المقررة وتمت مراجعته والموافقة عليه بعد إعادة عرضه - النعي عليه بأنه من الناحية الشكلية لم يستكمل شكله الدستوري والقانوني لا يقوم على سند من الواقع والقانون - لا وجه للقول بأنه مجرد قرار إداري - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأربعاء الموافق الثامن من يونيو سنة 1988 أودع الأستاذ محمد أحمد عيسى نائباً عن الأستاذ عصمت الهواري المحامي عن محمد كمال حسن الهواري - الممثل القانوني لشركة رمسيس لإنتاج مواد البناء - قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 2230 لسنة 34 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) بجلسة الثالث من مارس سنة 1981 في الدعوى رقم 86 لسنة 41 القضائية والقاضي بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى.
وطلب الطاعن - للأسباب الموضحة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبصفة مستعجلة (أصلياً) بأحقية الطاعن بصفته في التمتع بالإعفاء من الرسوم الجمركية المستحقة على واردات شركته من معدات وأجهزة لازمة لمشروعاته طبقاً للمادة (18) من القانون رقم 59 لسنة 1979 وكذلك المادة (3) فقرة (16) من القانون رقم 91 لسنة 1983 الصادرين بإعفاء وارداته من الرسوم الجمركية وبوقف تنفيذ المادة الرابعة من قرار رئيس الجمهورية رقم 186 لسنة 1986 بإصدار قانون تنظيم الإعفاءات الجمركية فيما تضمنه من فرض نسبة إجمالية مقدارها (5%) من قيمة وارداته من الآلات والمعدات والأجهزة كرسوم جمركية على هذه الواردات لمشروعه بمدينة السادس من أكتوبر مع إلزام المطعون ضدهم في جميع الأحوال بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
و(احتياطياً) بإحالة هذا النزاع إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في مدى دستورية أو عدم دستورية المادة الرابعة من القرار الجمهوري رقم 186 لسنة 1986 أو وقف الفصل في هذا الطعن وتكليف الطاعن رفع دعوى عدم الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا طبقاً لنص المادة (29) من قانون إنشاء المحكمة الدستورية العليا بفقرتيها.
وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضدهم على الوجه المبين بالأوراق.
وقد أودع السيد الأستاذ المستشار الدكتور حسني درويش تقرير هيئة مفوضي الدولة في الطعن رأى فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون لهذه المحكمة جلسة 20 من مارس سنة 1989 وتداولت نظره بالجلسات على النحو المبين بمحاضرها، وبجلسة 21 من مايو سنة 1990 قررت الدائرة المذكورة إحالة الطعن إلى هذه المحكمة وحددت لنظره أمامها جلسة 13 من أكتوبر سنة 1990، وبجلسة الثالث من نوفمبر سنة 1990 قررت المحكمة إصدار الحكم في الطعن بجلسة 29 من ديسمبر سنة 1990 وفيها قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم - لإتمام المداولة - إلى جلسة اليوم السبت الموافق الثامن من مارس سنة 1991 وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أنه في الخامس من أكتوبر سنة 1987 أقام الطاعن الدعوى رقم 86 لسنة 41 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري وطلب في ختامها الحكم بصفه مستعجلة بوقف تنفيذ القرار الجمهوري رقم 350 لسنة 1986 بإصدار التعريفة الجمركية فيما تضمنه من سريان المادة الرابعة على المشروع المخصص للشركة التي يمثلها.
وقال المدعي شرحاً لدعواه إنه في غضون مارس 1983 قامت هيئة المجتمعات العمرانية بتخصيص قطعتي أرض بمدينة السادس من أكتوبر باسم الشركة التي يمثلها ولصالحها وذلك وفقاً لأحكام القانون رقم 59 لسنة 1979 بشأن إنشاء المجتمعات العمرانية، وأنه كان ملحوظاً لدى الشركة - وقتئذ أن حكم المادة الثانية عشر من القانون المشار إليه والتي تتعلق بإعفاء الهيئة والأفراد والشركات والجهات المتعاقدة بإنشاء المجتمعات العمرانية الجديدة وذلك طبقاً للأحكام الواردة في القانون رقم 62 لسنة 1974، وبجلسة الثالث من مايو سنة 1988 حكمت محكمة القضاء الإداري بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وألزمت المدعي المصروفات.
وأقامت المحكمة قضاءها على أساس ما استظهرته بداءة من أن الطاعن إنما يوجه طعنه في الحقيقة إلى قرار رئيس الجمهورية بقانون رقم 186 لسنة 1986، واستندت المحكمة في ذلك إلى أن البين من الأوراق ومن صحيفة الدعوى أن دعوى المدعي تنصب على الحكم الخاص بتنظيم الإعفاءات الجمركية والمتعلق بتحصيل ضريبة جمركية بفئة موحدة هي (5%) من القيمة على ما يستورد من آلات ومعدات وأجهزة لازمة لإنشاء المشروعات التي يتم إنشاؤها طبقاً لبعض القوانين ومن بينها القانون رقم 59 لسنة 1979، إذ أن ذلك الحكم يؤدي إلى حرمان الشركة التي يمثلها المدعي والتي نشأت في ظل العمل بأحكام القانون 79 لسنة 1979 من التمتع بالإعفاء الجمركي، فإذا كان ذلك وكان الثابت أن ما ينصب عليه طعن المدعي هو في حقيقة الأمر نص المادة الرابعة من القرار الجمهوري بقانون رقم 186 لسنة 1986 بإصدار قانون تنظيم الإعفاءات الجمركية، إذ أن القرار الجمهوري رقم 350 لسنة 1986 والذي يوجه المدعي طعنه إليه في ختام صحيفة دعواه لم ترد بمادته الرابعة الأحكام التي يبغي المدعي من دعواه عدم الاعتداد بها، فضلاً عن أن المدعي أفصح في صراحة ووضوح في مذكرة مقدمة منه إلى أنه يوجه طعنه فعلاً ليس إلى القرار الجمهوري رقم 351 لسنة 1986 ولكن إلى القرار الجمهوري بقانون رقم 186 لسنة 1986، بحسبان أن هذا القرار بقانون هو الذي ألزم مباشرة المشروعات التي وردت به بأداء ضريبة جمركية بفئة موحدة مقدارها (5%) من القيمة على ما يستورد من آلات ومعدات وأجهزة وهو ما يهدف المدعي بصفته ممثلاً لأحد تلك المشروعات إلى طلب الحكم بإلغائه.
وبعد أن استظهرت محكمة القضاء الإداري حقيقة تكييف دعوى المدعي على نحو ما انتهت إليه، ذهبت إلى أن الدعوى على هذا النحو تكون غير موجهة ضد قرار إداري من القرارات التي يختص مجلس الدولة بطلب إلغائها، وإنما هي موجهة في حقيقة الأمر إلى مادة من مواد القرار الجمهوري بقانون رقم 186 لسنة 1986 وهو ما لا تختص هذه المحكمة بنظره.
ومن حيث إن جوهر طعن الطاعن إنما يقوم على أساسين:
الأساس الأول مفاده أن الحكم المطعون فيه وقد انتهى إلى عدم اختصاص القضاء الإداري بالفصل في موضوع مدى دستورية قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 186 لسنة 1986، فقد سبق هذا القضاء بالتعرض بالفعل لمدى دستورية هذا القرار بقانون وناقش إجراءات عرضه على مجلس الشعب، ونفى صحة ادعاء الطاعن بعدم اتخاذ إجراءات عرضه على نحو قانوني، ومن ثم فقد تعرض الحكم لما انتهى إلى عدم اختصاص المحكمة بالتعرض له.
والأساس الثاني أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تكييف طلبات المدعي وهي طلب الحكم بعدم قانونية القرار التنفيذي الصادر من الجهة الإدارية - مصلحة الجمارك بفرض ضريبة جمركية بنسبة موحدة مقدارها (5%) على واردات الشركة التي يمثلها المدعي من الآلات والمعدات، وأن النعي على القرار بقانون رقم 186 لسنة 1986 كان وسيلة المدعي في الادعاء بعدم قانونية القرار التنفيذي المطعون بعدم مشروعيته، والذي طبقته جهة الإدارة على الشركة التي يمثلها المدعي بأثر رجعي دون سند من القانون.
ومن حيث إنه يبين من الإطلاع على صحيفة الدعوى التي افتتح بها الطاعن دعواه أمام محكمة القضاء الإداري أنها لا تحوي طعناً على قرار إداري صادر بفرض ضريبة جمركية محددة على آلات أو معدات بعينها قام باستيرادها لصالح الشركة التي يمثلها على نحو ما ورد في أسباب طعنه، وإنما البادي بجلاء أن الطاعن قد أقام دعواه مستهدفاً الحكم له بعدم خضوعه للضريبة الجمركية استناداً إلى عدم صحة القرار بقانون رقم 186 لسنة 1986 دستورياً لعدم عرضه في الميعاد الدستوري على مجلس الشعب وعدم سريان هذا القرار بقانون على حالته لتمتعه بالإعفاء من الضرائب الجمركية طبقاً للقانون رقم 59 لسنة 1979 لعدم جواز سريان القرار بقانون المشار إليه لزواله لعدم عرضه على مجلس الشعب في الميعاد الدستوري ولعدم موافقة المجلس عليه من جهة ولعدم جواز تطبيقه بأثر رجعي من جهة أخرى.
ومن حيث إن قرار رئيس الجمهورية بقانون رقم 186 لسنة 1986 قد تضمنت المادة الرابعة منه فرض تحصيل ضريبة جمركية بفئة موحدة (5%) من القيمة على ما يستورد من الآلات والمعدات والأجهزة اللازمة لإنشاء المشروعات التي تتم الموافقة عليها تطبيقاً لأحكام القانون رقم 43 لسنة 1974 بإصدار نظام استثمار المال العربي والأجنبي والمناطق الحرة والقانون رقم 159 لسنة 1981 بإصدار قانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم ذات المسئولية المحدودة، ويخضع للفئة الموحدة المشار إليها ما يستورد من الآلات والمعدات ووسائل نقل المواد والسيارات ذات الاستعمالات الخاصة بالبناء (من غير سيارات الركوب) اللازمة لإنشاء مشروعات التعمير التي يتم تنفيذها طبقاً لأحكام القانون رقم 62 لسنة 1974 بشأن بعض الأحكام الخاصة بالتعمير، ويسري حكم هذه المادة على المشروعات التي يتم إنشاؤها في المجتمعات العمرانية الجديدة طبقاً لأحكام القانون رقم 59 لسنة 1979.
ولما كان القرار الصادر من رئيس الجمهورية بالقانون رقم 186 لسنة 1986 هو الذي تضمنت المادة الرابعة منه الحكم المتقدم، فإن الطاعن وإن كان قد وجه طعنه إلي هذا القرار بقانون كما قد جرى طعنه بخلاف ذلك في صحيفة دعواه، ثم تداركه في مذكراته اللاحقة على نحو ما استظهره بحق الحكم المطعون فيه إلا أن من المسلمات في قضاء هذه المحكمة أن لمحاكم مجلس الدولة الهيمنة على تحديد التكييف الصحيح للطلبات التي يتقدم بها الخصوم في الدعاوى التي تنظرها دون التقيد بتكييفهم لها أو بالعبارات التي يصوغون تلك الطلبات فيها على أن تلتزم في ذلك بالإرادة الحقيقية التي يبتغيها الخصوم من تلك الطلبات في إطار أحكام القانون وحقيقة نواياهم ومقاصدهم لأن العبرة في هذا التكييف هي بالقاصد والمعاني وليس بالألفاظ والمباني وذلك بمراعاة أحكام القانون ويتم تكييف المحكمة لتلك الطلبات بما يترتب عليه من ولاية أو اختصاص أو فصل في الموضوع على أساسه تحت رقابة هذه المحكمة.
ومن حيث إنه بمطالعة عريضة الدعوى وما تلاها من مذكرات فيها فإن حقيقة ما كان يستهدفه المدعي بدعواه هو عدم أحقية مصلحة الجمارك في فرض رسوم جمركية على الآلات والمعدات والأجهزة اللازمة لإنشاء مشروعات الشركة التي يمثلها واستمرار تمتعها بالإعفاء المقرر للمشروعات العمرانية استناداً إلي أحكام المادة 18 من القانون رقم 59 لسنة 1979 بشأن المجتمعات العمرانية الجديدة وعدم جواز تطبيق القرار بقانون رقم 186 لسنة 1986 على الشركة من ناحية لبطلان ولعدم صحة وسلامة القرار بقانون المذكور لسبب عدم عرضه على مجلس الشعب في الميعاد الذي حدده الدستور من جهة ولأنه لا يجوز أن يسري هذا القرار بقانون على الشركة لما في ذلك من أثر رجعي لا يجوز دستورياً.
ومن حيث إنه بناءً على ذلك التكييف السليم لحقيقة ما كان يطلبه المدعي أمام محكمة القضاء الإداري والتي صدر بشأنها الحكم محل الطعن الماثل فإن الحكم المطعون فيه فيما ذهب إليه من تكييف وتحديد لطلبات الطاعن على غير ذلك يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله نتيجة لخطئه في تحصيل حقيقة الواقع من حيث البحث عن النية الحقيقية للطاعن وغاياته من الطلبات التي قدمها لمحكمة القضاء الإداري، وحقيقة غاياته ومراميه من إثارة عدم سلامة القرار بقانون سالف الذكر وطبيعة المنازعة في استحقاق أو عدم استحقاق الضرائب الجمركية المقررة على المعدات والآلات.. إلخ اللازمة لإنشاء مشروع الطاعن بصفته، ومن حيث إنه غنى عن البيان أن استحقاق أو عدم استحقاق الضريبة الجمركية على الواردات هي واقعة الورود إلى المنطقة الجمركية وليس القرار الصادر بالربط والتحديد سوى قرار تنفيذي لأحكام القانون بشأن الخضوع والإعفاء وسعر الضريبة، ومن ثم فإنه يتعين النظر في هذا الطعن في إطار التكييف القانوني السليم لطلبات الطاعن.
ولما كان قد جرى قضاء هذه المحكمة تطبيقاً لأحكام قانوني مجلس الدولة والمرافعات المدنية والتجارية على أنه من المبادئ الأساسية الحاكمة للمنازعة الإدارية أمام محاكم مجلس الدولة أن الفصل في مدى ولاية أو اختصاص المحكمة بنظر النزاع ينبغي أن يسبق النظر في شكل الدعوى أو موضوعها.
ومن حيث إن الطاعن قد استند في صحيفة دعواه وفي أسباب طعنه إلى أن قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 186 لسنة 1986 هو مجرد قرار إداري صادر من رئيس الجمهورية متضمناً قاعدة موضوعية تخالف قاعدة موضوعية أخرى مقررة في قانون سابق على صدوره وأنه استناداً إلى هذا القول فإن هذا القرار الإداري يكون مخالفاً للقانون ومن ثم واجب الإلغاء لأن المادة الرابعة منه انطوت على فرض ضريبة جمركية على ما تستورده الشركة التي يمثلها كان قد أعفاها منها القانون رقم 59 لسنة 1979 في شأن إنشاء المجتمعات العمرانية بمقتضى نص المادة (18) التي تنص على أن "تعفى الهيئة والأفراد والشركات والجهات المتعاقدة معها من الرسوم الجمركية وغيرها من الرسوم على الواردات اللازمة للمشروعات المتعلقة بإنشاء المجتمعات العمرانية الجديدة وذلك طبقاً للأحكام الواردة في القانون رقم 62 لسنة 1974 في شأن بعض الأحكام الخاصة بالتعمير وتعديلاته".
ومن حيث إن الطاعن يستند فيما أبداه من أن قرار رئيس الجمهورية بالقانون المشار إليه إلى أن هذا القرار بقانون لم يعرض على مجلس الشعب ولم تتخذ بشأنه الإجراءات الدستورية ولم يوافق عليه من جانب مجلس الشعب.
ومن حيث إن الحكم على مدى اعتبار العمل القانوني الصادر عن رئيس الجمهورية في صورة قرار بقانون متمتعاً قانوناً بهذا الوصف أو متجرداً قانوناً من الاتصاف به بحيث يكون مجرد قرار إداري هو مما يدخل في اختصاص محاكم مجلس الدولة التي يتعين عليها أن تتحقق من الوصف الحقيقي للأحكام والقواعد القانونية التشريعية الواجبة التطبيق على النزاع والمرتبة التشريعية لهذه الأحكام بحسب تدرج ورودها في سلم الأدوات التشريعية المختلفة والتحقق من أنها تعد قانوناً أو قراراً جمهورياً تنظيمياً أو تشريعياً وفي مرتبة تتضمن قواعد تنظيمية أو لائحية وأنها بالتالي واجبة التطبيق على النزاع عامة وذلك باعتبار أن هذا البت والفحص والتحديد والبت في تكييف طبيعة ومرتبة تلك الأحكام والقواعد القانونية والتشريعية الحاكمة للنزاع المطروح أمامها مسألة من المسائل الأولية التي يتعين أن تقوم بها أية محكمة وترتبط بولايتها المحددة طبقاً للدستور والقانون بالفصل في المنازعات وتحقيق العدالة في إطار سيادة الدستور والقانون في نطاق الشرعية والمشروعية اللذان يحتمان أن تقوم محكمة مختصة طبقاً للقواعد الدستورية والقانونية المحددة والمنظمة لاختصاص محاكم مجلس الدولة سواء من حيث الولاية العامة أو نوع المنازعة أو محلها بالفصل في المنازعة تطبيقاً لنصوص القانون أو التشريع الواجبة الانطباق عليها المواد (165)، (166)، (167)، (172) والمواد (64)، (65)، (68) من الدستور، والمواد (10، 11، 13، 14، 15، 17) من القرار بقانون رقم 47 لسنة 72 بشأن مجلس الدولة وبصفة خاصة المواد (10، 11) والمواد (15، 16، 17) من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 72 وأحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية، ومن ثم فإنه يتعين على محاكم مجلس الدولة مثل غيرها تمهيداً للفصل في شأن تحديد ولايتها أو مدى اختصاصها بنظر النزاع المعروض أن تفصل في تلك المسائل الأولية بحيث إذا ما انتهت المحكمة إلى أن التصرف القانوني المطعون فيه هو في حقيقة الأمر قرار جمهوري بقانون قضت بعدم ولايتها بنظر الطعن فيه، وإذا ما استبان لها أن هذا القرار الجمهوري مجرد قرار إداري ليست تتوفر فيه مقومات القرار الجمهوري بقانون بسطت رقابتها على مدى مشروعيته في نطاق اختصاص محاكم مجلس الدولة المقرر في المادة (172) من الدستور التي يقضي نصها بأن "مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة، ويختص بالفصل في المنازعات الإدارية وفي الدعاوى التأديبية، ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى".
ومن حيث إنه فيما يختص بما ذهب إليه الطاعن من اختصاص المحكمة الدستورية العليا بالفصل في مدى اعتبار التصرف القانوني الصادر عن رئيس الجمهورية في صورة قرار بقانون متمتعاً قانوناً بهذا الوصف أو متجرداً قانوناً من الاتصاف به، فإن المادة (175) من الدستور تقضي بأن للمحكمة الدستورية العليا دون غيرها الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح وتتولى تفسير النصوص التشريعية وذلك كله على الوجه المبين في القانون ويعين القانون الاختصاصات الأخرى للمحكمة وينظم الإجراءات التي تتبع أمامها، وقد نص قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 في المادة (25) على اختصاص المحكمة بالرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح ثم نص في المادة (29) على أن "تتولى المحكمة الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح على الوجه التالي:
( أ ) إذا تراءى لإحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي أثناء نظر إحدى الدعاوى عدم دستورية نص في قانون أو لائحة لازم للفصل في النزاع أوقفت الدعوى وأحالت الأوراق بغير رسوم إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في المسألة الدستورية.
(ب) إذا دفع أحد الخصوم أثناء نظر دعوى أمام إحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة، ورأت المحكمة أو الهيئة أن الدفع جدي أجلت نظر الدعوى وحددت لمن أثار الدفع ميعاداً لا يجاوز ثلاثة أشهر لرفع الدعوى بذلك أمام المحكمة الدستورية العليا، فإذا لم يرفع الدعوى في الميعاد اعتبر كأن لم يكن".
كما نص القانون المذكور في المادة (30) على أنه "يجب أن يتضمن القرار الصادر بالإحالة إلى المحكمة الدستورية العليا أو صحيفة الدعوى المرفوعة إليها وفقاً لحكم المادة السابقة بيان النص التشريعي المطعون بعدم دستوريته والنص الدستوري المدعي بمخالفته وأوجه المخالفة".
ومن حيث إن مقتضى الصياغة التشريعية للنصوص سالفة الذكر سواء في الدستور أو في قانون المحكمة الدستورية العليا أن المحكمة المذكورة إنما تختص وحدها بالرقابة القضائية على موضوعية (نصوص) القوانين واللوائح من الزاوية الدستورية دون أن تمتد هذه الرقابة المقصورة على المحكمة الدستورية دون غيرها من المحاكم إلى مدى سلامة الإطار الشكلي والسياج الهيكلي للوعاء التشريعي الذي وردت به نصوص القانون أو اللائحة، ومن حيث إنه لا يؤيد هذا التفسير لنصوص الدستور وقانون المحكمة الدستورية العليا عبارات المذكرة الإيضاحية لقانون المحكمة الدستورية العليا سالف الذكر التي جاء بها أنه "يكون لهذه المحكمة دون غيرها القول الفصل فيما يثار من منازعات حول دستورية القوانين واللوائح سواء أكانت قوانين عادية صادرة من السلطة التشريعية أو تشريعات لائحية فرعية صادرة من السلطة التنفيذية في حدود اختصاصها الدستوري وسواء أكانت هذه اللوائح عادية أو لوائح لها قوة القانون وتوسعة لنطاق هذه الرقابة على دستورية القوانين أو اللوائح نص القانون على ثلاثة طرق لتحقيق هذه الغاية أولها التجاء جهة القضاء من تلقاء نفسها إلى المحكمة الدستورية العليا لتفصل في دستورية نص لازم للفصل في دعوى منظورة أمام هذه الجهة وذلك تثبيتاً لالتزام الأحكام القضائية بالقواعد الدستورية الصحيحة، والثاني الدفع الجدي من أحد الخصوم أمام إحدى جهات القضاء بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة وعندئذ تؤجل المحكمة نظر الدعوى وتحدد لمن أثار الدفع أجلاً لرفع الدعوى بذلك، والطريق الثالث تخويل المحكمة الدستورية العليا أن تقضي من تلقاء نفسها بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة يعرض لها بمناسبة جميع اختصاصاتها" فالدفع بعدم الدستورية الذي يقتصر الفصل فيه على المحكمة الدستورية العليا وحدها دون غيرها هو الدفع بعدم دستورية نص محدد في قانون أو لائحة وبعد أن تتحقق المحكمة التي تحيل الدفع من جديته.
ومن حيث إنه لا جدال في أنه لا يتصور دستورياً أو عقلاً أو منطقياً أن تقوم الشرعية وسيادة القانون وهما أساس الحكم في الدولة بصريح نص المادة (64) من الدستور، كما لا يمكن عملاً أن يتحقق ذلك وما يتفرع عنه من خضوع الدولة للقانون أو أن يتحقق استقلال القضاء وصيانته باعتبار كل ذلك من الضمانات الأساسية لحماية الحقوق والحريات في الوطن المصري إلا لو كان للقضاء ذاته أياً كان مرتبة المحكمة المنظور أمامها النزاع أن يبحث ويفحص ويتحقق ويفصل في مدى السلامة الشكلية للقاعدة القانونية الواجبة التطبيق على النزاع وللمرتبة التشريعية لهذه القاعدة وبصفة أساسية يتعين أن يكون لكل محكمة الفصل في ذلك وأيا كان مستواها في سبيل تحديد مدى ولايتها أو اختصاصها بنظر النزاع ذاته المطروح أمامها، ومن ثم فإنه إذا كان صحيحاً ومسلماً به طبقاً للدستور والقانون أن للمحكمة الدستورية العليا وحدها بطريق الإحالة من المحكمة المختصة سواء من تلقاء ذاتها أو بناءً على الدفع الجدي الذي لا يكون لذلك إلا حسبما تقدر ذلك المحكمة المقدم إليها الدفع، الفصل في مدى دستورية نص ما في قانون، أو بالتصدي لذلك من المحكمة الدستورية العليا ذاتها خلال نظرها نزاع مطروح عليها (المواد 25، 26، 27 من قانون المحكمة الدستورية العليا) فإن صحيح أحكام الدستور والقانون كذلك أن لمحاكم مجلس الدولة أن تفصل في مدى الوجود المادي والشكلي الصحيح والسليم للنص أو القاعدة القانونية الواجبة التطبيق ومدى صحتها وسلامتها من الوجهة الشكلية طبقاً للدستور والقانون ومرتبتها في السلم التشريعي وذلك سواء لتحديد أو إنزال حكم القانون على موضوع النزاع.
ومن حيث إن الطاعن (المدعي في الدعوى الصادر بها الحكم المطعون فيه) إنما ينعى على القرار بقانون رقم 186 لسنة 1986 أنه متجرد من وصف القرار بقانون لعيب شكلي لحق به هو عدم عرضه على مجلس الشعب وفقاً للقاعدة الدستورية المقررة في هذا الشأن وأنه قد تقلص بذلك إلى أن يكون مجرد قرار إداري صادر من رئيس الجمهورية متضمناً قواعد موضوعية تخالف قانوناً قائماً.
ومن حيث إنه بناء على ما سلف بيانه فإنه يتعين إعمالاً لأحكام الدستور والقانون أن على جهة القضاء الإداري أن تتصدى كما سبق البيان لبحث مدى اعتبار التصرف القانوني الصادر عن رئيس الجمهورية قراراً جمهورياً بقانون يخرج عن ولايتها التعرض له، أو مجرد قرار إداري يدخل في اختصاصها بحث مدى مشروعيته ومدى السلامة الشكلية للنصوص الواردة ومرتبته التشريعية لإعماله وتطبيق أحكامه على النزاع إعمالاً للمشروعية وسيادة القانون وتحقيقاً للعدالة.
ومن حيث إن دستور جمهورية مصر العربية قد تكفل بتنظيم حق رئيس الجمهورية في إصدار القرار بقانون، وذلك في نص المادة (147) الذي يقضي بأنه "إذا حدث في غيبة مجلس الشعب ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير جاز لرئيس الجمهورية أن يصدر في شأنها قرارات تكون لها قوة القانون، ويجب عرض هذه القرارات على مجلس الشعب خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدورها إذا كان المجلس قائماً، وتعرض في أول اجتماع له في حالة الحل أو وقف جلساته، فإذا لم تعرض زال بأثر رجعي ما لها من قوة القانون دون حاجة إلى إصدار قرار بذلك، وإذا عرضت ولم يقرها المجلس زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون، إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها في الفترة السابقة أو تسوية ما ترتب على آثارها بوجه آخر.
ومن حيث إن اللائحة الداخلية لمجلس الشعب قد نصت في المادة (173) على أن يحيل المجلس القرارات بقوانين التي تصدر بالتطبيق لأحكام أي من المواد (74)، (108)، (147) من الدستور إلى اللجان المختصة لإبداء رأيها فيها ويكون لبحث هذه القرارات بقوانين الأولوية على أية أعمال أخرى لدى اللجنة ويجوز للمجلس بناء على اقتراح رئيسه إحالة القرارات بقوانين ذات الأهمية الخاصة إلى اللجنة العامة أو لجنة خاصة تشكل طبقاً لأحكام المادة (83) من هذه اللائحة.
ومن حيث إن قرار رئيس الجمهورية بقانون رقم 186 لسنة 1986 قد صدر في 21/ 8/ 1986 ونشر بالعدد (34) من الجريدة الرسمية الصادر في 21/ 8/ 1986، ومن حيث إنه قد ورد بمضبطة مجلس الشعب عن الجلسة الثالثة من دور الانعقاد العادي الثالث من الفصل التشريعي الرابع المعقودة يوم 13/ 11/ 1986 أن قرار رئيس الجمهورية بالقانون 186 لسنة 1986 بإصدار قانون تنظيم الإعفاءات الجمركية قد عرض ضمن الرسائل الواردة للمجلس وقد أعلن رئيس المجلس أنه أحيل إلى لجنة الخطة والموازنة في هذا التاريخ وعقدت لجنة الخطة والموازنة خمسة اجتماعات لمناقشة قرار رئيس الجمهورية بالقانون المذكور حتى 25/ 1/ 1987 ثم تم حل المجلس ثم أعيد انتخاب المجلس في إبريل سنة 1987 وظل الموضوع محل بحث حتى عرض الموضوع بجلسة المجلس المعقودة في أول يوليه سنة 1989 وفيها أعلن رئيس المجلس أن القرار بقانون قد قدم للمجلس في المواعيد الدستورية وأحيل إلى اللجنة ثم حل المجلس وأجريت الانتخابات، وعاد المجلس للانعقاد واستمرت الدراسة وفي ختام المناقشة بتلك الجلسة تمت موافقة مجلس الشعب على القرار بقانون المذكور.
ومن حيث إن الثابت من واقع مضبطة مجلس الشعب (الجلسة 85 في 1/ 7 - 1989) أن قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 186 لسنة 1986 قدم للمجلس في المواعيد الدستورية المقررة وقد عرض على مجلس الشعب قبل حله ثم أعيد العرض بعد تشكيل المجلس الجديد وتمت مراجعة هذا المجلس أحكامه ووافق عليه، ومن ثم فإن النعي على القرار بقانون المذكور بأنه من الناحية الشكلية لم يأخذ شكله الدستوري والقانوني وفقاً للقواعد الدستورية يكون على غير سند من الواقع أو القانون، ومن ثم يكون الطعن عليه بادعاء أنه مجرد قرار إداري قول عار عن الصحة ولا أساس ولا سند له في الواقع أو القانون.
ومن حيث إن مقتضى ما سلف جميعه أن محل الدعوى الصادر فيها الحكم المطعون فيه والمتضمن وفقاً للتكييف السليم لطلبات المدعي عدم سلامة انطباق القرار بقانون رقم 186 لسنة 1986 على حالته لبطلانه كقرار إداري لعدم دستوريته هي في حقيقة الحال طعن ببطلان أو انعدام أو عدم دستورية قرار أصدره رئيس الجمهورية طبقاً للاختصاص الدستوري بقانون نظره وراجعه وأقره مجلس الشعب، ومن ثم يكون تشريعاً واجب الاحترام والتنفيذ فيما يخضع له من موضوعات وأشخاص.
ومن حيث إن النزاع في موضوع الدعوى الصادر فيها الحكم الطعين نزاع قانوني بحت يتعلق بمدى سريان القرار بقانون رقم 186 لسنة 1986 على المدعي وهي مهيأة للفصل في موضوعها أمام هذه المحكمة.
ومن حيث إنه بناء على ذلك فإنه إذ قضى هذه القرار بقانون في المادة الثانية من مواد إصداره بأن يلغي القانون رقم (91) لسنة 1983 تنظيم الإعفاءات الجمركية والنصوص التي تقرر هذه الإعفاءات الجمركية فيما وردت في القوانين واللوائح والقرارات التنظيمية الصادرة قبل العمل بالقانون سواء أكان الإعفاء من الضرائب الجمركية كلياً أو جزئياً أو تضمنت تلك النصوص تأجيل سداد الضريبة أو تقسيطها أو كان الإعفاء المقرر بها لسلع بذاتها أو لجهة معينة أو لقرض محدد، كما نصت المادة (4) من القرار بقانون المذكور على أن تحصل ضريبة جمركية بفئة موحدة (5%) من القيمة على ما يستورد من الآلات والمعدات بالأجهزة اللازمة لإنشاء المشروعات التي تتم الموافقة عليها تطبيقاً لأحكام القانون رقم (43) لسنة 1974 بإصدار نظام استثمار المال العربي والأجنبي والمناطق الحرة، والقانون رقم 159 لسنة 1981 بإصدار قانون الشركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة ويخضع للفئة الموجودة المشار إليها ما يستورد من الآلات والمعدات ووسائل النقل للمواد والسيارات ذات الاستعمالات الخاصة بالبناء من غير سيارات الركوب اللازمة لإنشاء مشروعات التعمير التي يتم تنفيذها طبقاً لأحكام القانون رقم 62 لسنة 1974 بشأن بعض الأحكام الخاصة بالتعمير.
ويسري حكم هذه المادة على المشروعات التي يتم إنشاؤها في المجتمعات العمرانية الجديدة طبقاً لأحكام القانون رقم 59 لسنة 1979 وكذا المشروعات التي تقوم بها وحدات التعاون الإسكاني الخاضعة للقانون رقم 14 لسنة 1981 ومشروعات الإسكان الشعبي التي تقوم عليها الجهات التي تحدد بقرار من وزير المالية بعد أخذ رأي الوزير المختص.
ومن حيث إنه وإن كان الأصل العام والمسلم به طبقاً لأحكام الدستور أن القوانين لا يعمل بها إلا من تاريخ نفاذها ما لم ينص على غير ذلك فيها صراحة وأنه لا ضريبة ولا إعفاء منها إلا بقانون فإنه يتعين لكي يتحقق وجود الأثر الرجعي للقانون أن يرتد أحكامه للمساس بمراكز قانونية ذاتية سبق لها أن تحددت واستقرت في ظل قانون سابق.
ومن حيث إنه لم يتضمن القرار بقانون رقم 186 لسنة 1986 أي إلغاء للإعفاء من الضريبة الجمركية بالنسبة لما سبق أن تقرر إلغاؤه من سلع أو مشروعات على تاريخ نفاذ القانون وقد نص البند (3) من المادة (4) منه صراحة على عدم إخلال هذا القرار بقانون بالإعفاءات الجمركية التي صدرت بقرارات من السلطات المختصة قبل العمل بهذا القانون تطبيقاً لأحكام المادتين (3)، (4) والبند (12) من المادة (5) من القانون رقم (93) لسنة 1983 بتنظيم الإعفاءات الجمركية فيما تقرر له من إعفاءات طبقاً للمادة (3) بند (16) ( أ )، (ب) للآلات والمعدات ومواد البناء الأساسية ووسائل نقل المواد والسيارات ذات الاستعمالات الخاصة بالبناء من غير سيارات الركوب اللازمة لتنفيذ المشروعات التي تقوم بها الجهات القائمة بالتعمير المنصوص عليها في القانون رقم (62) لسنة 1974 أو الجهات القائمة على إنشاء المجتمعات العمرانية الجديدة المنصوص عليها في القانون رقم 59 لسنة 1979 والتي وردت قبل تاريخ نفاذ القرار بقانون رقم 186 لسنة 1986 لا تخضع بأي وجه لما تضمنه من ضريبة جمركية موحدة السعر على النحو سالف البيان وبالتالي فلا يوجد فرض ضريبة بأثر رجعي في هذا القرار بقانون مما يحظره الدستور ويبرر عدم خضوع الطاعن بصفته للضريبة الجمركية منذ نفاذ أحكام القرار بقانون رقم 186 لسنة 1986 تطبيقاً لأحكام المادتين (119)، (187) من الدستور بل لقد راعى المشرع النص على عدم إخضاع ما تم إعفاؤه صراحة من الضريبة الجمركية وهو ما ورد بالفعل إلى المنطقة الجمركية قبل نفاذ القرار بقانون المذكور للضريبة الجمركية التي نص عليها القرار بقانون سالف الذكر.
ومن حيث إنه بناء على جميع ما سبق ذكره فإنه لا يكون ثمة سند من الواقع أو القانون لما كان يطلبه الطاعن (المدعي) في الدعوى التي صدر فيها الحكم المطعون فيه من استمرار تمتعه بالإعفاء الجمركي رغم صدور القرار الجمهوري رقم 186 لسنة 1986 ومن ثم فقد كان يتعين رفض الدعوى، ومن ثم فلا سند يقوم عليه الطعن الماثل الأمر الذي يتعين معه القضاء برفضه للأسباب السالف إيرادها.
ومن حيث إن من يخسر الدعوى يلزم بمصروفاتها عملاً بحكم المادة 184 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت الطاعن بالمصروفات.

الطعن 898 لسنة 51 ق جلسة 25 / 12 / 1985 مكتب فني 36 ج 2 ق 244 ص 1183

جلسة 25 من ديسمبر سنة 1985

برياسة السيد المستشار/ يحيى العموري نائب رئيس المحكمة؛ وعضوية السادة المستشارين: عبد العزيز فوده نائب رئيس المحكمة، ماهر قلاده واصف، مصطفى زعزوع وحسين علي حسين.

----------------

(244)
الطعن رقم 898 لسنة 51 القضائية

(1 - 2) حكم "تسبيب الحكم". دعوى "اعتبار الدعوى كأن لم تكن". دفوع.
(1) قضاء الحكم صراحة في مسألة ما بأسبابه المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمنطوق. يغني عن ذكره بالمنطوق.
(2) اعتبار الدعوى كأن لم تكن لعدم الإعلان خلال الثلاثة شهور. جوازي للمحكمة. م 70 مرافعات معدلة بالقانون رقم 75 لسنة 1976. سريان ذلك على الاستئناف.
(3 - 8) محكمة الموضوع. حكم. إيجار "التنازل عن الإيجار". إثبات. حوالة. بيع "بيع الجدك". خلف "خلف خاص". دعوى "تعدد الخصوم في الدعوى".
(3) الدفاع الذي تلتزم المحكمة بالرد عليه. شرطه.
(4) ترخيص المؤجر للمستأجر بالتنازل عن الإيجار. عدم جواز إثباته عند المنازعة فيه - كأصل - بغير الكتابة أو ما يقوم مقامها. جواز إثبات تنازل المؤجر ضمناً عن الشرط المانع من التنازل بالبينة. علة ذلك.
(5) التنازل عن الإيجار. تضمنه حوالة حق وحوالة دين. اعتبار المتنازل إليه خلفاً خاصاً للمستأجر الأصلي.
(6) الاستثناء المقرر بالفقرة الثانية من المادة 594 مدني قاصر على ما ينطبق عليه وصف المصنع أو المتجر. عدم جواز التوسع فيه أو القياس عليه. عدم انصرافه إلى بيع عيادة الطبيب. علة ذلك.
(7) المتنازل له عن عقد الإيجار. خلف خاص للمتنازل في حق الإجارة. عدم اعتباره كذلك بالنسبة لأداة حماية هذا الحق المتمثلة في الخصومة.
(8) تعدد الخصوم في الخصومة الواحدة ولو كان اعتبارياً. غير مانع من استقلال كل منهم. أثره. ليس لأي منهم الاحتجاج بدفاع خصم مثل معه في ذات الخصومة طالما لم يتبين هو هذا الدفاع. ليس له كذلك الطعن في الحكم الصادر ضد هذا الخصم. علة ذلك. مثال بشأن تنازل عن عيادة.
(9) حكم "تسبيب الحكم". استئناف.
إلغاء محكمة الاستئناف للحكم الابتدائي. عدم التزامها بالرد على أسبابه طالما أقامت قضاءها على ما يكفي لحمله.

----------------
1 - المقرر في قضاء هذه المحكمة أن قضاء الحكم صراحة في مسألة ما بأسبابه التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمنطوق وتكمله بحيث لا يمكن فصلها عنه يغني عن إيراده بالمنطوق.
2 - أعمال الخبراء الواردة بالمادة 70 من قانون المرافعات بعد تعديلها بالقانون رقم 75 لسنة 1976 أصبح جوازياً للمحكمة لها أن تعمله أو تعفي المدعي - ومثله المستأنف - منه إذا ما رأت في حدود سلطتها التقديرية أن تأخر إتمام الإعلان في خلال الثلاثة أشهر المقررة في تلك المادة لم يكن راجعاً إلى فعله.
3 - من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الدفاع الذي تلتزم محكمة الموضوع بالرد عليه هو الدفع الجوهري الذي من شأنه لو صح أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى، ويكون مدعيه قد أقام عليه الدليل أمام المحكمة أو طلب منها وفقاً للأوضاع المقررة في القانون تمكينه من إثباته وإلا فلا عليها إن أغفلته ولم ترد عليه.
4 - مؤدى نص المادة 31/ 3 من القانون 49 لسنة 1977 - الذي رفعت الدعوى في ظله - أن المشرع اشترط أن يكون الترخيص الصادر من المؤجر للمستأجر بالتنازل كتابة ليحول دونه ودون طلب الإخلاء بما مؤداه أنه في الأصل لا يجوز عند المنازعة في حصوله إثباته بغير هذه الوسيلة التي حددها المشرع، فإثبات الإذن بالتنازل الصريح يجب أن يكون بالكتابة أو ما يقوم مقامها من يمين أو إقرار، إلا أن الكتابة في الإذن الخاص ليست ركناً شكلياً بل هي مطلوبة لإثبات التنازل عن الشرط المانع لا لصحته فيمكن الاستعاضة عنها بالبينة أو القرائن في الحالات التي تجيزها القواعد العامة. استثناء، فيجوز إثبات التنازل الضمني بالبينة باعتبار أن الإرادة الضمنية تستمد من وقائع مادية وهي تثبت بجميع الوسائل.
5 - المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الحق في الإجارة ليس من الحقوق المتعلقة بشخص المستأجر خاصة وإنما هو حق مالي يجوز التصرف فيه والحجز عليه فإن التنازل عنه يعني حوالة في الخصومة وفي الالتزامات فتئول إلى المتنازل إليه حقوق المستأجر الأصلي والتزاماته، كما أنه يعتبر خلفاً خاصاً للمستأجر الأصلي (المتنازل).
6 - ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 594 من القانون المدني إنما هو استثناء من الأصل المقرر بالتزام المستأجر باحترام شروط حظر التنازل عن الإيجار وأن هذا الاستثناء يقتصر على الأماكن التي تمارس فيها الأعمال ذات الصبغة التجارية والتي ينطبق عليها وصف المصنع أو المتجر دون سواهما، ولا يجوز التوسع في تفسيره أو القياس عليه ومن ثم فلا ينصرف حكمه إلى بيع عيادة الطبيب إذ تجري فيها ممارسة مهنة لا تعتبر من قبيل الأعمال التجارية في مفهوم قانون التجارة وإنما تقوم أساساً على النشاط الذهني واستثمار الملكات الفكرية والمعلومات المكتسبة لصاحبها ولا تدر عليه ربحاً وإنما يحصل من جهده المبذول فيها على أجر يدخل في تقديره ظروفه الشخصية وظروف عمله والظروف العامة التي تحيط بممارسته لأعمال مهنته ومن ثم لا يشملها البيع بالجدك المنصوص عليه بالمادة 549 من القانون المدني ولا تعتبر مشروعاً تجارياً ولا تدخل ضمن تعبير المصنع أو المتجر، ولذلك فإن بيعها لا يعدو في حقيقته أن يكون تنازلاً عن الإيجار بمقابل.
7 - يعتبر المتنازل له خلفاً خاصاً للمستأجر الأصلي بتلقيه عن الأخير حقاً معيناً بالذات كان قائماً ومستقراً في ذمته أي فيما كان للمتنازل من مركز قانوني موضوعي هو الحق في الإجارة، أما ما يحمي هذا المركز الموضوعي من أداة تتمثل في الخصومة أمام المحكمة فلا خلافة فيها إذ للخلف العام إذا ما توفى الخصم أو انقضت شخصيته القانونية فيواصل الخلف العام السير في الخصومة.
8 - تعدد الخصوم ولو كان إجبارياً في الخصومة الواحدة أمام المحكمة لا ينال من استقلال كل منهم ومسلكه فيها وحريته في إبداء ما يراه من دفوع ووسائل دفاع والطعن على ما يصدره فيها من أحكام ويعد هذا من قبيل مباشرة الإجراءات ولا يعتبر في ذلك ممثلاً للآخرين، وبالتالي فليس لأي من الخصوم الاحتجاج بدفاع خصم مثل معه في ذات الخصومة طالما لم يتبن هو هذا الدفاع أو يشارك زميله فيه، وليس له كذلك الطعن في الحكم الصادر ضد هذا الخصم في هذا الخصوص باعتبار أن الطعن ولو بالطرق غير العادية لا يجوز إلا للدائن العادي إذا ما توافرت في ذلك شروط الدعوى غير المباشرة، إذ يقوم الدائن نيابة عن مدينه المحكوم عليه، لما كان ما تقدم جميعه، وكان البين أن الطاعنين - وهما المتنازل لهما عن الإيجار - قد أقاما الطعن الماثل وحدهما، وهما لا يمثلان في ذلك المطعون ضده الثالث، وقد أبديا هذا النعي كخلف له لتخطئه الحكم المطعون فيه في دفاع أبداه المذكور وهو يباشر إجراءات الخصومة أمام محكمة الموضوع ولم يشاركاه أو ينضما إليه فيه، ولم يطعن هو في الحكم الصادر ضده بشأن هذا الدفاع الذي انفرد به دونهما ومن ثم فليس لها استعمال حقه أو الخلافة فيه بالنعي بهذا السبب.
9 - المقرر في قضاء هذه المحكمة أن محكمة الاستئناف غير ملزمة بأن ترد على ما جاء بحكم محكمة أول درجة الذي ألغته طالما أقامت قضاءها على أسباب كافية لحمل حكمها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن المطعون ضدهما الأولين أقاما الدعوى رقم 2562 سنة 1979 مدني جنوب القاهرة الابتدائية بطلب الحكم بفسخ عقد الإيجار المؤرخ 23/ 4/ 1950 وإخلاء الطاعنين والمطعون ضده الثالث من العين المؤجرة وتسليمها لهما خالية، وقالا بياناً للدعوى أن المطعون ضده الأخير استأجر من مورثهما المرحوم...... شقة النزاع لاستعمالها عيادة طبية وأنه في شهر نوفمبر سنة 1978 أخطرهما الطاعنان بشرائهما العين المؤجرة من المطعون ضده الثالث بالجدك بعقد مؤرخ 21/ 10/ 1978 وإذ لم يستوف هذا العقد شروط البيع بالجدك فقد أقاما الدعوى بطلباتهما السالفة البيان. قضت محكمة الدرجة الأولى برفض الدعوى. استأنف المطعون ضدهما الأولان هذا الحكم بالاستئناف رقم 2116 سنة 97 ق القاهرة وبتاريخ 10/ 2/ 1981 حكمت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف ويفسخ عقد الإيجار وإخلاء العين وتسليمها خالية للمطعون ضدهما الأولين. طعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم. وإذ عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة رأت أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطاعنين ينعيان بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب من وجهين، وفي بيان ذلك يقولان أنهما تمسكا أمام محكمة الموضوع باعتبار الاستئناف كأن لم يكن لعدم إعلانهما بصحيفته في خلال ثلاثة أشهر من تاريخ تقديمها إلى قلم الكتاب إلا أن الحكم المطعون فيه لم يضمن منطوقة قضاءه برفض الدفع أو قبوله كما ورد بأسبابه ما قرره المطعون ضدهما الأولان بعدم تقيدهما في توجيه الإعلان في الميعاد للنيابة العامة لإتمامه عن طريق القضاء العسكري دون اشتراط وصول الإعلان إلى شخص المعلن إليه - وهو ما لم يتم حتى الآن - ومن ثم كان الحكم معيباً بالخطأ في تطبيق القانون والقصور بما يستوجب نقضه.
وحيث إن النعي في وجهيه غير صحيح، ذلك لأن من المقرر في قضاء هذه للمحكمة - أن قضاء الحكم صراحة في مسألة ما بأسبابه التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمنطوق وتكمله بحيث لا يمكن فصلها عنه يغني عن إيراده بالمنطوق، كما أن إعمال الجزاء الوارد بالمادة 70 من قانون المرافعات بعد تعديلها بالقانون رقم 75 لسنة 1976 أصبح جوازياً للمحكمة لها أن تعمله أو تعفي المدعي - ومثله المستأنف منه إذا ما رأت في حدود سلطتها التقديرية أن تأخر إتمام الإعلان في خلال الثلاثة أشهر المقررة في تلك المادة لم يكن راجعاً إلى فعله لما كان ذلك وإذ كان البين من محضر جلسة 3/ 11/ 1980 إقرار محامي المستأنف الثاني - الطاعن الأول - بأنه تم إعلانه بأصل الصحيفة فيما بعد وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه تناول الرد على الدفع باعتبار الاستئناف كأن لم يكن بأنه لم يكن للمستأنفين يد في تأخير الإعلان بالنسبة للمستأنف ضده الثاني - الطاعن الأول - إذ أعلنت إليه بصحيفة الاستئناف في 31/ 3/ 1980 في مواجهة النيابة لإعلانه عن طريق القضاء العسكري ولا يد لهما في تأخير تمامه لانعدام صلتهم بإرادة القضاء العسكري وبالإجراءات التالية لإعلان النيابة وهي أسباب سائغة لها أصلها الثابت في الأوراق أن تكفي لحمل قضاء الحكم المطعون فيه في استعمال الرخصة المخولة للمحكمة في رفض الدفع كما أنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمنطوق والذي جاء قاصراً على القضاء في الموضوع وتكمله ولا يمكن فصلها عنه باعتباره نتيجة طبيعية ومنطقية لرفض الدفع الشكلي صراحة بالأسباب، ومن ثم كان النعي بهذا السبب غير صحيح.
وحيث إن الطاعنين ينعيان بالسبب الأول من أسباب الطعن على الحكم المطعون فيه الإخلال بحق الدفاع والقصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقولان إن الحكم أغفل الرد على طلب المطعون ضده الثالث إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات واقعة موافقة المطعون ضدهما الأولين على بيع العيادة بالجدك، إذ بهذه الموافقة ولو كانت ضمنية يعتبر متنازلاً عن الشرط المانع من التنازل عن عقد الإيجار ويجوز إثبات هذه الواقعة بكافة طرق الإثبات عن طريق إثبات الوقائع المادية التي تستخلص منها الموافقة الضمنية، وإذ كانا خلفاً لسلفهما المطعون ضده الثالث ويحق لهما الاستفادة بما تمسك به، وهو دفاع جوهري ومن ثم كان إغفاله ما يصم الحكم بالإخلال بحق الدفاع والقصور في التسبيب بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول، ذلك لأنه ولئن كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الدفاع الذي تلتزم به محكمة الموضوع بالرد عليه هو الدفاع الجوهري الذي من شأنه لو صح أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى، ويكون مدعيه قد أقام عليه الدليل أمام المحكمة أو طلب منها وفقاً للأوضاع المقررة في القانون تمكينه من إثباته وإلا فلا عليها إن أغفلته ولم ترد عليه، ولئن كان من المقرر كذلك أن مؤدى نص المادة 31/ 3 من القانون 49 لسنة 1977 - الذي رفعت الدعوى في ظله - أن المشرع اشترط أن يكون الترخيص الصادر من المؤجر للمستأجر بالتنازل كتابة ليحول دونه ودون طلب الإخلاء بما مؤداه أنه في الأصل لا يجوز عند المنازعة في حصول إثباته بغير هذه الوسيلة التي حددها المشرع، فإثبات الإذن بالتنازل الصريح يجب أن يكون بالكتابة أو ما يقوم مقامها من يمين أو إقرار إلا أن الكتابة في الإذن الخاص ليست ركناً شكلياً بل هي مطلوبة لإثبات التنازل عن الشرط المانع لا لصحته فيمكن الاستعاضة عنها بالبينة والقرائن في الحالات التي تجيزها القواعد العامة استثناء فيجوز إثبات التنازل الضمني بالبينة باعتبار أن الإرادة الضمنية تستمد من وقائع مادية وهي تثبت بجميع الوسائل، وإذ كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة كذلك أن الحق في الإجارة ليس من الحقوق المتعلقة بشخص المستأجر خاصة وإنما هو حق مالي يجوز التصرف فيه والحجز عليه فإن التنازل عنه يعني حوالة في الحقوق وفي الالتزامات فتئول إلى المتنازل إليه حقوق المستأجر الأصلي والتزاماته، كما أنه يعتبر خلفاً خاصاً للمستأجر الأصلي (المتنازل) فإن من المقرر أيضا - في قضاء هذه المحكمة - أن ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 594 من القانون المدني إنما هو استثناء من الأصل المقرر بالتزام المستأجر باحترام شرط حظر التنازل عن الإيجار وأن هذا الاستثناء يقتصر على الأماكن التي تمارس فيها الأعمال ذات الصبغة التجارية والتي ينطبق عليها وصف المصنع أو المتجر دون سواهما، ولا يجوز التوسع في تفسيره أو القياس عليه، ومن ثم فلا ينصرف حكمه إلى بيع عيادة الطبيب إذ تجرى فيها ممارسة مهنة لا تعتبر من قبل الأعمال التجارية في مفهوم قانون التجارة وإنما تقوم أساساً على النشاط الذهني واستثمار الملكات الفكرية والمعلومات المكتسبة لصاحبها ولا تدر عليه ربحاً وإنما يحصل من جهده المبذول فيها على أجر يدخل في تقديره ظروفه الشخصية وظروف عمله والظروف العامة التي تحيط بممارسته لأعمال مهنته ومن ثم لا يشملها البيع بالجدك المنصوص عليه بالمادة 594 من القانون المدني ولا تعتبر مشروعاً تجارياً ولا تدخل ضمن تعبير المصنع أو المتجر، ولذلك فإن بيعها لا يعدو في حقيقته أن يكون تنازلاً عن الإيجار بمقابل ويعتبر المتنازل له خلفاً خاصاً للمستأجر الأصلي تبلغيه عن الأخير حقاً معيناً بالذات كان قائماً ومستقراً في ذمته أي فيما كان للمتنازل من مركز قانوني موضوعي وهو الحق في الإجازة، أما ما يحمي هذا المركز الموضوعي من أداة تتمثل في الخصومة أمام المحكمة فلا خلافة بها إذ للخلف العام إذا ما توفى الخصم أو انقضت شخصيته القانونية فيواصل الخلف العام السير في الخصومة وإذ كان تعدد الخصوم ولو كان إجبارياً في الخصومة الواحدة أمام المحكمة لا ينال كل منهم ومسلكه فيها وحريته في إبداء ما يراه من دفوع ووسائل دفاع والطعن على ما يصدر فيها من أحكام ويعد هذا منه من قبيل مباشرة الإجراءات ولا يعتبر في ذلك ممثلاً للآخرين، وبالتالي فليس لأي من الخصوم الاحتجاج بدفاع خصم مثل معه في ذات الخصومة طالما لم يتبن هو هذا الدفاع أو يشارك زميله فيه، وليس له كذلك الطعن في الحكم الصادر ضد هذا الخصم في هذا الخصوص باعتبار أن الطعن ولو بالطرق غير العادية لا يجوز إلا للدائن العادي إذا ما توافرت في ذلك شروط الدعوى غير المباشرة، إذ يقوم الدائن به نيابة عن مدينه المحكوم عليه، لما كان ما تقدم جميعه، وكان البين أن الطاعنين - وهما المتنازل لهما عن الإيجار - قد أقاما الطعن الماثل وحدهما، وهما لا يمثلان في ذلك المطعون ضده الثالث، وقد أبديا هذا النعي كخلف له لتخطئة الحكم المطعون فيه في دفاع أبداه المذكور وهو يباشر إجراءات الخصومة أمام محكمة الموضوع ولم يشاركاه أو ينضما إليه فيه، ولم يطعن هو في الحكم الصادر ضده بشأن هذا الدفاع الذي انفرد به دونهما ومن ثم فليس لها استعمال حقه أو الخلافة فيه بالنعي بهذا السبب ويضحى الطعن منهما بهذه المثابة سبباً جديداً لم يسبق لهما عرضه على محكمة الموضوع ومن ثم غير مقبول منهما التحدي به لأول مرة أمام محكمة النقض.
وحيث إن الطاعنين ينعيان بالسببين الثاني والرابع على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقولان إن العيادة الطبية مما يجوز بيعها بالجدك وقد استدل حكم محكمة الدرجة الأولى على ذلك بأسباب سائغة، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر مقرراً أنها ليست عملاً تجارياً ودون أن يناقش أسباب الحكم الابتدائي في هذا الصدد فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وعابه القصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي - بسببه - في غير محله، ذلك لأن العيادة الطبية لا تسري عليها أحكام البيع بالجدك حسبما سبق تفصيله في الرد على السبب الأول من أسباب الطعن، كما أن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن محكمة الاستئناف غير ملزمة بأن ترد على ما جاء بحكم محكمة أول درجة الذي ألغته طالما أقامت قضاءها على أسباب كافية لحمل حكمها، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد ألغى الحكم الابتدائي على سند من القول بأن "عيادة الطبيب ليست مشروعاً تجارياً ولا تدخل ضمن تعبير المصنع أو المتجر في المادة 594 مدني لأن هذا النص استثنائي إنما قصد به الإبقاء على الرواج المالي ولا محل للقول بأن مزاولة الطبيب لعمله يعد عملاً تجارياً وبالتالي فإن عيادة الطبيب لا يزاول فيها أي نشاط تجاري أو صناعي ومن ثم فلا تعتبر متجراً أو مصنعاً في حكم الفقرة الثانية من المادة 594 مدني" وكانت هذه الأسباب تتفق وصحيح القانون ولها أصلها الثابت بالأوراق وكافية لحمل قضائه وتؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها فلا عليه من بعد إن لم يرد على أسباب الحكم الابتدائي الذي ألغاه، ويضحى النعي عليه بهذين السببين في غير محله.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن برمته.

الطعنان 926 ، 930 لسنة 27 ق جلسة 26 / 2 / 1985 إدارية عليا مكتب فني 30 ج 1 ق 101 ص 662

جلسة 26 من فبراير سنة 1985

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد محمد عبد المجيد - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة عبد الرؤوف محمد محيي الدين وعبد اللطيف أحمد أبو الخير وعلي محمد حسن وفاروق علي عبد القادر - المستشارين.

------------------

(101)

الطعنان رقما 926 و930 لسنة 27 القضائية

تعويض - صدور حكم محكمة القضاء الإداري بإلغاء قرار فصل مدرسة.
رفض المحكمة الإدارية العليا الطعن في الحكم وصيرورته نهائياً - مسئولية الجهة الإدارية مدنياً عن تعويض الأضرار التي ترتبت على القرار - هذه المسئولية لا تنسب إلى العمل غير المشروع كمصدر من مصادر الالتزام وإنما تنسب إلى القانون مباشرة - أساس ذلك: القرارات الإدارية تصرفات قانونية وليست أعمالاً مادية - لا تسقط مسئولية جهة الإدارة إلا بمدة التقادم الطويل أي بمدة خمس عشر سنة - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الاثنين الموافق الحادي عشر من شهر مايو سنة 1981 أودع الأستاذ عبد المسيح يوسف المحامي بصفته وكيلاً عن الراهبة ماري لبيب واصف مديرة مدارس النوتردام بموجب التوكيل الرسمي العام رقم 3276 ح لسنة 1978 جنوب القاهرة، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد برقم 926 لسنة 27 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالقاهرة بجلسة 15/ 3/ 1981 في الدعوى رقم 649 لسنة 28 القضائية، الذي قضى:
أولاً: برفض الدفع بعدم اختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر الدعوى وباختصاصها.
ثانياً: برفض الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة بالنسبة لوزير التربية والتعليم.
ثالثاً: برفض الدفع بسقوط الحق في رفع الدعوى بالتقادم الخمسي.
رابعاً: برفض الدفعين بعدم جواز نظر الدعوى وبعدم قبولها بالنسبة لتعديل الطلبات.
خامساً : بإلزام المدعى عليها الرابعة (الطاعنة) والمدعى عليه الخامس (محافظ القاهرة) بأن يدفعا متضامنين للمدعية مبلغ ثلاثة آلاف جنيه ومصروفات الدعوى. وطلبت الطاعنة للأسباب التي تضمنها تقرير الطعن الحكم بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وبقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبسقوط حق المطعون ضدها الأولى في رفع الدعوى وبعدم جواز نظر الدعوى بالنسبة للطلبات المعدلة واحتياطياً بعدم قبولها ومن باب الاحتياط الكلي رفض الدعوى وإلزام المطعون ضدها المصروفات. وتم إعلان تقرير الطعن إلى المطعون ضدها الأولى (هدى فهيم حنين) في 6/ 6/ 1981 وإلى وزير التربية والتعليم ومحافظ القاهرة في 30/ 5/ 1981. وفي ذات التاريخ 11/ 5/ 1981 أودعت إدارة قضايا الحكومة نيابة عن وزير التربية والتعليم ومحافظ القاهرة، فلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد برقم 930 لسنة 27 القضائية، في ذات الحكم المشار إليه وطلبت الإدارة المذكورة للأسباب المبينة في تقرير الطعن الحكم بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وبقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم قبول الدعوى شكلاً بالنسبة لجهة الإدارة واحتياطياً برفض الدعوى مع إلزام المطعون ضدها بالمصروفات، وتم إعلان تقرير الطعن إلى المطعون ضدها في 6/ 6/ 1981.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً برأيها في الطعنين انتهت فيه للأسباب التي ارتأتها إلى رفض طلب وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وبقبول الطعنين شكلاً ورفضهما موضوعاً وإلزام كل طاعن بمصروفات طعنه. وحدد لنظر الطعنين أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة) جلسة 19/ 12/ 1984 وفيها قررت الدائرة ضم الطعن رقم 930 لسنة 27 قضائية إلى الطعن رقم 926 لسنة 27 قضائية ليصدر فيهما حكم واحد وحددت لإصدار الحكم جلسة 16/ 1/ 1985 وفيها قررت الدائرة إحالة الطعنين إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة) لنظرهما بجلسة 29/ 1/ 1985 وفيها قررت المحكمة المذكورة إصدار الحكم في الطعنين بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

من حيث إن كلا الطعنين قد استوفيا أوضاعهما الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص حسبما تبين من أوراق الطعنين في أن السيدة جميلة لوقا بصفتها وصية على ابنتها القاصر هدى فهيم حنين كانت قد أقامت الدعوى رقم 1378 لسنة 21 ق أمام محكمة القضاء الإداري ضد وزير التربية والتعليم ووكيل وزارة التربية والتعليم ومدير منطقة شمال القاهرة التعليمية ومدير مدرسة نوتردام بوتر وطلبت فيها الحكم بوقف التنفيذ وبإلغاء قرار فصل الابنة المذكورة من مدرسة نوتردام وإعادتها إليها لاستكمال تعليمها وبجلسة 5/ 3/ 1968 قضت المحكمة بوقف التنفيذ وبإلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار وطعنت الجهة الإدارية في هذا الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا بالطعن رقم 879 لسنة 14 ق، وبجلسة 4/ 5/ 1970 قضت دائرة فحص الطعون بالمحكمة المذكورة برفض الطعن، وفي 7/ 4/ 1974 أقامت هدى فهيم حنين الدعوى رقم 649 لسنة 28 ق أمام محكمة القضاء الإداري ضد ذات المدعى عليهم في الدعوى رقم 1378 لسنة 21 ق المشار إليها وطلبت فيها إلزام المدعى عليهم متضامنين بأن يدفعوا لها مبلغ ثلاث آلاف جنيه كتعويض عن الأضرار المادية والأدبية التي لحقتها من قرار الفصل تأسيساً على أنهم امتنعوا عن سحب القرار وتنفيذ الحكم. وبجلسة 14/ 3/ 1976 قضت المحكمة بإلزام المدعى عليهما الأولى والرابعة بأن يدفعا للمدعية متضامنين مبلغ ثلاثة آلاف جنيه، وطعنت الجهة الإدارية في هذا الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا بالطعن رقم 426 لسنة 22 ق كما طعنت مديرة مدرسة نوتردام في ذات الحكم بالطعن رقم 814 لسنة 24 ق، وبجلسة 1/ 1/ 1979 قررت دائرة فحص الطعون ضم الطعنين بجلسة 19/ 2/ 1979 وقضت الدائرة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وقررت إحالة الطعنين إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى) للفصل فيهما. وبجلسة 30/ 6/ 1979 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري للفصل في موضوعها وتنفيذاً لهذا الحكم أعادت محكمة القضاء الإداري نظر الدعوى وقضت فيها بجلسة 15/ 3/ 1981 بالحكم المطعون فيه بالطعن الماثل، وأسست المحكمة قضاءها على أن المحكمة الإدارية العليا فصلت في أمر الاختصاص الولائي بحكمها في الطعنين رقمي 814 و624 لسنة 24 ق بجلسة 14/ 3/ 1976 ولذا يتعين رفض الدفع بعدم الاختصاص، وأن اختصام وزير التربية والتعليم في الدعوى اختصام لذي صفة وقد تم أيضاً اختصام محافظ القاهرة ولذا يتعين رفض الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة، وأن الحق في التعويض يستند إلى القانون ولا يسقط الحق فيه بالتقادم إلا بمضي مدة خمس عشرة سنة، وعن الدفعين بعدم جواز نظر الدعوى وبعدم قبولها بالنسبة لتعديل الطلبات فإن المدعية قد عدلت طلباتها في الدعوى إلى المطالبة بتعويض قدره عشرة آلاف جنيه بعد أن ألغي الحكم لصالحها بتعويض قدره ثلاث آلاف جنيه، وإن إلغاء هذا الحكم الأخير يترتب عليه زواله ولا تكون له حجية على أي من أطراف الدعوى، ويحق للمدعية تعديل طلباتها، وأن أركان المسئولية الإدارية من خطأ وضرر وعلاقة سببية قد توافرت.
ومن حيث إن الطعن رقم 926 لسنة 27 ق يقوم على أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وتأويله للأسباب الآتية:
1 - أن الحكم أخطأ عندما رفض سقوط الحق في رفع الدعوى بانقضاء ثلاث سنوات منذ صدور حكم المحكمة الإدارية العليا في 7/ 4/ 1974 والذي بمقتضاه أصبح الحكم بإلغاء قرار الفصل نهائياً وذلك تأسيساً على أن المسئولية الإدارية أساسها القانون وبالتالي لا يسقط الحق في التعويض إلا بمضي خمس عشرة سنة، وهذا الخطأ لأن المدرسة الطاعنة ليست جهة إدارية إنما هي شخص من أشخاص القانون الخاص. والقرار الصادر منها بفصل المدعية ليس قراراً إدارياً وإنما هو فعل مادي أو هو مجرد خطأ تقوم به المسئولية التقصيرية وتتقادم دعوى التعويض عنه بمضي ثلاث سنوات طبقاً للمادة 182 مدني وقد أخذت المطعون ضدها بهذا النظر عندما أبدت في المذكرة المقدمة منها أنها تستند إلى المسئولية التقصيرية كأساس للتعويض.
2 - أخطأ الحكم برفضه الدفع بعدم جواز نظر الدعوى وبعدم قبولها بالنسبة للطلبات المعدلة تأسيساً على أن حكم المحكمة الإدارية العليا بإلغاء حكم محكمة القضاء الإداري وإعادة الدعوى إليها يزيل الحكم السابق فلا يكون له أية حجية على أي من أطراف الدعوى لأن من المقرر أن الطاعن لا يضار من طعنه وما دامت المدعية ارتضت الحكم بتعويض قدره ثلاثة آلاف جنيه ولم تطعن عليه فإنه يكتسب حجية بالنسبة لها ولا يجوز لها أن تعود بطلب زيادة التعويض ذلك الطلب الذي يسري بشأنه أيضاً الدفع بسقوط الدعوى بالتقادم طبقاً للمادة 182 مدني.
3 - أخطأ الحكم عندما استند إلى توافر ركن الخطأ في جانب المدرسة لأن الثابت من الأوراق أنها لم تمتنع عن تنفيذ الحكم ولم تطلب المدعية العودة إلى المدرسة لأنها لم تكن تنشد مواصلة الدراسة بل كان همها الحصول على تعويض وكان في مكنتها تحويل أوراقها إلى أية مدرسة أخرى بالقاهرة الأمر الذي لم يحدث.
4 - لم تحقق المحكمة دفاع الطاعنة أنه لم يلحق المطعون ضدها ضرر بسبب قرار الفصل فضلاً عن أنها هي التي تسببت في هذا الضرر إن كان قد وقع لتقاعسها عن تنفيذ الحكم الصادر لصالحها بإلغاء قرار الفصل.
5 - بالغت المحكمة في تقدير التعويض ففضلاً عن أنه لا يتناسب مع الضرر فإنه يزيد عن إمكانيات المدرسة التي تؤدي خدمة التعليم وتواجه التزامات متزايدة وتساهم في تعليم الفقراء بالمجان ومساعدتهم اجتماعياً وصحياً.
ومن حيث إن الطعن رقم 930 لسنة 27 ق ينعى على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون للسببين الآتيين:
1 - أن المدرسة التي أصدرت قرار الفصل مدرسة خاصة وسلطة الوزارة عليها هي سلطة إشرافية واقتصر دورها على اعتماد قرار الفصل، فإذا كان هذا القرار خاطئاً، فالمتسبب في الخطأ هو المدرسة وليس الوزارة أو المحافظة ولذا يكون الحكم صادراً على غير ذي صفة بالنسبة لمحافظة القاهرة ثم إن إضافة المنطقة أسباباً أخرى إلى سبب الفصل لا يغير من الأمر شيئاً لأن القرار ورد للمنطقة بالفصل قبل إضافة الأسباب الأخرى.
2 - بالغت المحكمة في تقدير التعويض ولم تبين الأضرار المادية والأدبية التي عوضت عنها.
ومن حيث إن الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 1378 لسنة 21 قضائية بجلسة 5/ 3/ 1968 بإلغاء قرار الفصل من المدرسة، قد حاز حجية الأمر المقضي بعد رفض المحكمة الإدارية العليا للطعن الذي أقيم في هذا الحكم، سواء في كون القرار المطعون فيه قراراً إدارياً أو في اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر دعوى إلغاء هذا القرار وما يتفرع عنها من دعوى التعويض عن هذا القرار ومن ثم تكون الجهة الإدارية مسئولة مدنياً عن تعويض الأضرار التي ترتبت على القرار دون مساس بحقها في الرجوع به على المدرسة التي أصدرت قرار الفصل، وهذه المسئولية حسبما جرى بذلك قضاء هذه المحكمة، لا تنسب إلى العمل غير المشروع كمصدر من مصادر الالتزام، وإنما تنسب إلى القانون مباشرة باعتبار أن القرارات الإدارية تصرفات قانونية وليست أعمالاً مادية، فلا تسقط مساءلة الإدارة عنها بثلاث سنوات مثل التقادم المقرر في دعوى التعويض عن العمل غير المشروع، وإنما تسقط كأصل عام بالتقادم الطويل أي بمدة خمس عشرة سنة، ولا يغير من ذلك القول بأن المسئولية الإدارية أساسها المسئولية التقصيرية لأن المقصود بذلك أنها تقوم على أساس الخطأ وليس على أساس تحمل تبعة المخاطر والخطأ في القرار الإداري لا يتحقق إلا إذا كان القرار مشوباً بعيب من العيوب التي تبرر طلب إلغائه طبقاً للمادة العاشرة من قانون مجلس الدولة وهي عيوب عدم الاختصاص والشكل ومخالفة القوانين أو اللوائح أو الخطأ في تطبيقها أو تأويلها أو إساءة استعمال السلطة.
ومن حيث إن المحكمة الإدارية العليا وقد ألغت الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة التعويضات) بجلسة 14/ 3/ 1976 في الدعوى رقم 649 لسنة 28 قضائية وأمرت بإعادة الدعوى إلى المحكمة المذكورة للفصل فيها من جديد، وذلك بحكمها الصادر في الطعنين رقم 426 لسنة 22 قضائية ورقم 814 لسنة 24 قضائية، فإن الحكم الملغي يزول من الوجود وتبقى الدعوى قائمة بما تضمنته من طلبات أصلية، ويحق للمدعية أن تعدل طلباتها في أي وقت قبل إعادة الفصل فيها من جديد طالما لم يسقط الحق فيها بالتقادم.
ومن حيث إنه عن عناصر المسئولية الإدارية، فإن خطأ الجهة الإدارية ثابت من حكم محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 1378 لسنة 21 قضائية بإلغاء القرار المطعون فيه، ذلك الحكم الذي أصبح نهائياً برفض الطعن المقام عنه، وحاز قوة الشيء المقضى به، ومن ثم فلا تجوز المجادلة في ثبوت هذا الخطأ، أما الضرر فقد لحق الطالبة بمجرد صدور قرار فصلها من المدرسة بغض النظر عن عودتها إلى المدرسة من عدمه أو رغبتها في مواصلة الدراسة من عدمه ورغم ما يكون لهذه العناصر من تأثير في تقدير التعويض المستحق، وقد توافرت علاقة السببية بين الخطأ والضرر، وتحققت بذلك عناصر المسئولية الإدارية، وإذ قدرت المحكمة التعويض المناسب للضرر الذي لحق بالطالبة بمبلغ ثلاث آلاف جنيه، وهو تقدير مقبول، فلا ينال منه القول بأنه قد غالى في التقدير بما يفوق الطاقة المادية للمدرسة ويخل بميزانيتها وبرسالتها في التعليم، لأن تقدير التعويض لا يتأثر بالحالة المادية للمحكوم عليه أو مدى يسره أو إعساره.
ومن حيث إنه عن مسئولية الجهة الإدارية عن التعويض، فقد شاركت الجهة الإدارية في الخطأ باعتمادها لقرار الفصل رغم مخالفته القانون، ولذا فإنها تكون مسئولة عن التعويض بالتضامن مع المدرسة دون إخلال بحقها في الرجوع على المدرسة بعد ذلك بالتعويض كلياً أو جزئياً.
من حيث إنه لذلك تكون أسباب الطعنين غير قائمة على أساس من الواقع أو القانون الأمر الذي يتعين معه الحكم برفض الطعنين وإلزام كل طاعن بمصروفات طعنه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلاً وبرفضهما موضوعاً وألزمت كل طاعن مصروفات طعنه.

الطعن 370 لسنة 29 ق جلسة 24 / 2 / 1985 إدارية عليا مكتب فني 30 ج 1 ق 100 ص 656

جلسة 24 من فبراير سنة 1985

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد صالح الساكت - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة محمد فؤاد عبد الرازق الشعراوي وصلاح الدين أبو المعاطي نصير والدكتور محمد عبد السلام مخلص وأحمد إبراهيم عبد العزيز - المستشارين.

-------------------

(100)

الطعن رقم 370 لسنة 29 القضائية

عاملون مدنيون بالدولة - ضم مدة الخدمة العسكرية - مفهوم الزميل.
مفاد نص المادة 63 من القانون رقم 505 لسنة 1955 بشأن الخدمة العسكرية والوطنية معدلاً بالقانونين رقمي 83 لسنة 1968 و38 لسنة 1971 أن المشرع اعتبر مدة الخدمة العسكرية كأنها قضيت بالخدمة المدنية وقرر حسابها للعاملين الذين يعينون بالجهاز الإداري للدولة والهيئات العامة، ويرد على هذا الأصل قيد مؤداه ألا يسبق العامل الذي ضمت له مدة الخدمة العسكرية زميله في التخرج الذي عين في ذات الجهة - أن مدلول الزميل ينصرف بطبيعة الحال إلى زميل المجند ممن يحمل ذات المؤهل في ذات التاريخ والذي يكون قد عين مع المجند في ذات التاريخ أو في تاريخ سابق - من يعين بعد ذلك لا يجوز اعتباره زميلاً في هذا الصدد - تطبيق.


إجراءات الطعن

بتاريخ 8 من يناير سنة 1983 أودعت هيئة مفوضي الدولة قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها برقم 370 لسنة 29 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الدائرة الاستئنافية) بجلسة 10 من نوفمبر سنة 1982 في الطعن رقم 16 لسنة 13 ق. س المقام من حمد قاسم شلبي ضد وزارة المالية والذي قضى بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وإلزام الطاعن المصروفات - وطلبت الهيئة الطاعنة للأسباب الواردة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبأحقية المدعي في حساب مدة خدمته العسكرية السابقة على تاريخ تعيينه في أول يونيه سنة 1970 في مدة خدمته المدنية مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات عن الدرجتين.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بذات الطلبات الواردة بتقرير الطعن.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 14 من مايو سنة 1984 وبجلسة 25 من يونيه سنة 1984 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثانية) حيث تحدد لنظره أمامها جلسة 21 من أكتوبر سنة 1984 وبعد تداول الطعن على النحو الموضح بمحاضر الجلسات وسماع ما رأت المحكمة لزوم سماعه من إيضاحات ذوي الشأن قررت إصدار الحكم بجلسة اليوم حيث صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 23 من فبراير سنة 1980 أقام حمد قاسم شلبي الدعوى رقم 87 لسنة 27 القضائية أمام المحكمة الإدارية لوزارة المالية ضد وزير المالية طالباً الحكم بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بضم مدة خدمته العسكرية في الفترة من 25 من سبتمبر سنة 1969 حتى 31 من مايو سنة 1970 (التاريخ السابق على تعيينه بمصلحة الضرائب) واعتباره في الدرجة السابعة التخصصية (القانون رقم 58 لسنة 1981) من 25 من سبتمبر سنة 1969 بدلاً من أول يونيه سنة 1970 مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقال المدعي شرحاً للدعوى أنه عين بمصلحة الضرائب في أول يونيه سنة 1970 في الدرجة السابعة التخصصية أثناء تجنيده في 25 من سبتمبر سنة 1969 وقد قدم طلباً سنة 1970 للإفادة من حكم المادة 63 من القانون رقم 505 لسنة 1963 المعدل بالقانون رقم 38 لسنة 1971 التي تعتبر مدة التجنيد لمن عين أثناء تجنيده كأنها قضيت بالخدمة المدنية وتحسب في الأقدمية وقد أصدرت المصلحة القرار رقم 566 لسنة 1971 بضم المدة التي قضاها المدعي في الخدمة العسكرية من 10 من نوفمبر سنة 1969 حتى تاريخ تعيينه بالمصلحة واعتباره في الدرجة السابعة من 10 من نوفمبر سنة 1969 بدلاً من أول يونيه سنة 1970 ثم أصدرت القرار رقم 1221 لسنة 1976 بتسوية حالته وترقيته إلى الدرجة السادسة اعتباراً من أول ديسمبر سنة 1972 غير أن المصلحة عادت فأصدرت القرار رقم 427 لسنة 1977 بسحب القرار رقم 566 لسنة 1971 واعتباره كأن لم يكن ثم سويت حالته بالقرار رقم 988 لسنة 1978 تطبيقاً لقانون الرسوب الوظيفي رقم 10 لسنة 1975 وقانون الإصلاح الوظيفي رقم 11 لسنة 1975 فاعتبرته في الدرجة الخامسة من أول يونيه سنة 1976 وأشار المدعي إلى أنه فضلاً عن أن المصلحة خالفت القانون رقم 505 لسنة 1955 حين اعتبرت أقدميته من 10 من نوفمبر سنة 1969 وليس من 25 من سبتمبر سنة 1969 (تاريخ تجنيده) وسحبت القرار رقم 566 لسنة 1971 فإنه كان قد عين بالمصلحة اعتباراً من أول يونيه سنة 1970 وفي الدرجة السابعة التخصصية أثناء تجنيده وأن المادة 63 من القانون رقم 505 لسنة 1955 يسري على حالته بإرجاع أقدميته في الدرجة السابعة إلى تاريخ تجنيده.
وردت الجهة الإدارية على الدعوى بمذكرة أوضحت فيها أن المدعي حاصل على ليسانس الحقوق في مايو سنة 1969 وعين في أول يونيه سنة 1970 بالأمر الإداري رقم 179 لسنة 1970 ثم صدر القرار رقم 566 لسنة 1971 بضم مدة خدمته التي قضاها بالقوات المسلحة اعتباراً من 10 من نوفمبر سنة 1969 واعتباره في الدرجة السابعة التخصصية من هذا التاريخ بدلاً من أول يونيه سنة 1970 وكان سند المصلحة في ذلك الكتاب الدوري رقم 6 لسنة 1970 الصادر من الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة بضرورة الالتزام بالأحكام الواردة بالمادتين 59، 63 من القانون رقم 505 لسنة 1955 والتفسيرات التي صدرت في شأنه بأنه لا يشترط للإفادة من أحكام المادة 63 أن يكون زميل المجند معيناً في ذات الوحدة الإدارية التي عين بها المجند غير أنه بناء على فتوى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع المؤرخة 10 من نوفمبر سنة 1975 التي انتهت إلى أنه يتعين على مصلحة الضرائب أن تسحب جميع القرارات التي أصدرتها بإرجاع أقدمية العاملين المعينين بها أثناء مدة تجنيدهم إلى تاريخ تعيين زملائهم في ذات دفعة تخرجهم في جهات أخرى فقد أصدرت المصلحة القرار رقم 427 لسنة 1977 بسحب القرار رقم 566 لسنة 1971 الذي أرجع أقدمية بداية تعيين المدعي إلى 10 من نوفمبر سنة 1969.
وبجلسة 8 من نوفمبر سنة 1980 حكمت المحكمة الإدارية لوزارة المالية بقبول الدعوى شكلاً ورفضها موضوعاً وإلزام المدعي المصروفات مع المقاصة في مقابل أتعاب المحاماة.
وقد طعن المدعي في هذا الحكم أمام محكمة القضاء الإداري (الدائرة الاستئنافية) حيث قيد الطعن برقم 16 لسنة 13 ق. س طالباً الحكم بذات الطلبات الواردة في عريضة دعواه.
وبجلسة 10 من نوفمبر سنة 1982 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها المطعون فيه ويقضي بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعن المصروفات - وأقامت قضاءها على أن المقصود بزميل التخرج الذي عين بالجهة ذاتها في مفهوم حكم المادة 63 من القانون رقم 505 لسنة 1955 المعدلة بالقانون رقم 83 لسنة 1968 والقانون رقم 38 لسنة 1971 هو زميل المجند ممن يحمل ذات مؤهله في ذات التاريخ والذي يكون قد عين مع المجند في ذات التاريخ أو في تاريخ سابق - أما من يعين بعد ذلك فلا يعتبر زميلاً، وأنه لا حجة فيما يثيره الطعن من أن مدلول الزميل إنما ينصرف فقط إلى من يكون عين فعلاً في تاريخ سابق على تاريخ تعيينه بحيث يخرج من هذا المدلول زملاؤه الذين عينوا معه في أول يونيه سنة 1970 إذ أن ذلك ينطوي على تخصيص لحكم المادة 63 سالفة الذكر بغير مخصص، فضلاً عن أن عبارة الذين عينوا هي في حقيقة الأمر وصف لحالة الزميل وليست شرطاً ينبغي تحققه في الماضي، كما أن القول بالتفسير الذي يدلي به الطاعن يؤدي في معظم الأحوال إلى أن يسبق المجند زملاءه الذين يعينون معه في ذات التاريخ وذات الجهة على الرغم من انتفاء حكمة الضم وسببه.
من حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه خالف القانون ذلك أن المادة 63 من القانون رقم 505 لسنة 1955 المعدل بالقانونين رقم 83 لسنة 1968 ورقم 38 لسنة 1971 تقرر أصلاً عاماً هو إرجاع الأقدمية للمجند إلى تاريخ تجنيده وأوردت قيداً وحيداً مؤداه ألا يترتب على حساب هذه المدة أن تزيد أقدمية المجند على أقدمية زميله في التخرج الذين عين في الجهة ذاتها وعبارة النص صريحة حيث وردت "الذين عينوا" بصيغة الماضي وذلك يوجب أن يكون الزميل قد عين فعلاً قبل تعيين الفرد الذي له مدة خدمة عسكرية فلا يشمل من عين في ذات قرار تعيين المجند وبطبيعة الحال من يعين بعده، هذا فضلاً عن أن المدعي يسبق زميله في التخرج الذي عين في أول سبتمبر سنة 1970 حتى قبل إعمال حكم المادة 63 على حالته فلا يتصور أن يضار هذا الزميل من سبق المجند له في الأقدمية لأنه سابق له فعلاً بقرار تعيينه.
ومن حيث إن المادة 63 من القانون رقم 505 لسنة 1955 بشأن الخدمة العسكرية والوطنية المعدلة بالقانون رقم 83 لسنة 1968 الذي عمل به اعتباراً من أول ديسمبر سنة 1968 والمعدلة أيضاً بالقانون رقم 38 لسنة 1971 الذي عمل به بدوره اعتباراً من التاريخ المذكور تنص على أن تعتبر مدة الخدمة العسكرية والوطنية الفعلية الحسنة بما فيها مدة الاستبقاء بعد إتمام مدة الخدمة الإلزامية للمجندين الذين يتم تعيينهم أثناء مدة تجنيدهم أو بعد انقضائها في وزارات الحكومة ومصالحها ووحدات الإدارة المحلية والهيئات العامة والمؤسسات العامة والوحدات الاقتصادية التابعة لها كأنها قضيت بالخدمة المدنية، وتحسب هذه المدة في الأقدمية بالنسبة إلى العاملين في القطاع العام. وتحدد تلك المدة بشهادة من الجهة المختصة بوزارة الحربية وفي جميع الأحوال لا يجوز أن يترتب على حساب هذه المدة على النحو المتقدم أن تزيد أقدمية المجندين أو مدة خبراتهم عن أقدمية أو مدة خدمة زملائهم في التخرج الذين عينوا بالجهة ذاتها ومفاد ذلك أن المشرع اعتبر مدة الخدمة العسكرية كأنها قضيت بالخدمة المدنية وقرر حسابها للعاملين الذين يعينون بالجهاز الإداري للدولة والهيئات العامة، كما اعتبرها مدة خبرة بالنسبة إلى العاملين بالقطاع العام وبهذا الوصف أصبح الأصل هو ضمها إلى خدمة العامل الحالية غير أن هذا الأصل لم يرد على إطلاقه بل أورد المشرع قيداً وحيداً عليه مؤداه ألا يسبق العامل الذي ضمت له مدة خدمته العسكرية زميله في التخرج الذي عين في ذات جهة العمل وغنى عن البيان أن مدلول الزميل في التخرج ينصرف بطبيعة الحال إلى زميل المجند ممن يحمل ذات المؤهل في ذات التاريخ والذي يكون قد عين مع المجند في ذات التاريخ أو في تاريخ سابق أما من يعين بعد ذلك فلا يجوز اعتباره زميلاً في هذا الصدد وعلى هذا فإذا وجد الزميل بهذا المعنى تعين إعمال القيد في حدوده الموضوعة له وهو عدم المساس بالمراكز القانونية لزملاء المجند في ذات دفعة تخرجه أو من دفعات سابقة عليه المعينين في ذات الجهة طالما كانوا سابقين له في تاريخ التعيين أو متحدين معه في هذا التاريخ أما حيث يكون زملاؤه في التخرج لاحقين له في تاريخ التعيين فإنهم لا يدخلون في مدلول الزميل الذي عنته المادة 63 سالفة الذكر.
ومن حيث إن الثابت من الاطلاع على ملف خدمة المدعي أنه حاصل على ليسانس حقوق دور مايو سنة 1969 وقد عين عن طريق وزارة القوى العاملة بمصلحة الضرائب ضمن خريجي هذه الدفعة وذلك بمقتضى قرار وزارة الخزانة رقم 400 - 1/ 800 في 26 من نوفمبر سنة 1970 الذي اعتبر أقدمية المجندين (ومن بينهم المدعي) اعتباراً من أول يونيه سنة 1970 وغير المجندين من أول سبتمبر سنة 1970، ومن ثم فإن أقدمية المدعي في درجة بداية التعيين تكون قد تحددت على وجه يتفق مع حكم القانون بحسبانه قد عين مع زملائه من ذات دفعة تخرجه في ذات الجهة التي عين بها وتكون الجهة الإدارية فضلاً عن ذلك قد قررت أفضلية له حيث اعتبرت أقدمية هؤلاء المجندين في تلك الدرجة سابقة على من عداهم من غير المجندين، وعلى ذلك يكون طلب المدعي غير قائم على أساس سليم من القانون واجب الرفض.
ومن حيث إنه لا يغير من هذا النظر ما أثاره تقرير الطعن من أن مدلول الزميل في التخرج إنما ينصرف فحسب إلى من قد عين فعلاً في تاريخ سابق على تاريخ تعيين المدعي لأن هذا القول ينطوي على تخصيص لحكم المادة 63 سالفة الذكر بدون مخصص، ولا يسعف في ذلك استخدام المشرع صيغة الماضي بقوله "الذين عينوا بالجهة ذاتها" إذ تقصد هذه العبارة وصف حالة الزميل ولا تعني شرطاً يتعين حدوثه في الماضي إذ لو أراد المشرع تحقيق ذلك لما أعوزه التعبير.
ومن حيث إنه تأسيساً على ذلك وإذ قضى الحكم المطعون فيه بالنظر المتقدم فإنه يكون قد صادف القانون في صحيحه ويكون النعي على الحكم المطعون فيه على غير سند من القانون مما يتعين معه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.

الطعن 589 لسنة 28 ق جلسة 24 / 2 / 1985 إدارية عليا مكتب فني 30 ج 1 ق 99 ص 651

جلسة 24 من فبراير سنة 1985

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد صالح الساكت - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأستاذة يوسف شلبي يوسف ومحمد فؤاد عبد الرازق الشعراوي ومحمد يسري زين العابدين عبد الله وصلاح الدين أبو المعاطي نصير - المستشارين.

----------------

(99)

الطعن رقم 589 لسنة 28 القضائية

1 - دعوى - تكييف الدعوى.
تكييف الدعوى إنما هو من تصريف المحكمة إذ عليها بما لها من هيمنة على تكييف الخصوم لطلباتهم أن تتقصى هذه الطلبات وأن تستظهر مراميها وما قصده الخصوم إزاءها وأن تعطي الدعوى وصفها الحق وتكييفها القانوني السليم.
2 - دعوى - طلب وقف التنفيذ - نطاقه.
المادة 49 من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة لا يترتب على رفع الطلب إلى المحكمة وقف تنفيذ القرار المطلوب إلغاؤه، على أنه يجوز للمحكمة أن تأمر بوقف تنفيذه إذا طلب ذلك في صحيفة الدعوى ورأت المحكمة أن نتائج التنفيذ قد يتعذر تداركها - بالنسبة إلى القرارات التي لا يقبل طلب إلغائها قبل التظلم منها إدارياً لا يجوز طلب وقف تنفيذها - مفاد المادة 49 أن طلب وقف التنفيذ ينصرف إلى القرار الإداري بمعناه الفني الدقيق - طلب وقف تنفيذ قرار صدر بالخصم من المرتب وفاء للعجز الذي تكشف في المخزن - وهو في حقيقته منازعة في مرتب وبالتالي يخرج عن نطاق القرارات الإدارية التي يجوز قضاء وقف تنفيذها - مؤدى نص المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة أن المنازعات الخاصة بالمرتبات لا تعتبر من القرارات الإدارية التي تترخص جهة الإدارة في إصدارها لسلطتها التقديرية وإنما تتعلق بحقوق مستمدة من القانون مباشرة فلا تترخص جهة الإدارة في منحها - نتيجة ذلك - أن القرار الصادر بالتحميل لا يجوز طلب وقف تنفيذه - تطبيق.


إجراءات الطعن

بتاريخ 11 من مارس سنة 1982 أودعت إدارة قضايا الحكومة نيابة عن الهيئة العامة للإنتاج الزراعي قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها برقم 589 لسنة 28 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة التسويات) بجلسة 11 من يناير سنة 1982 في الدعوى رقم 2720 لسنة 35 القضائية المقامة من عبد العظيم محمود الخولي ضد الهيئة العامة للإنتاج الزراعي والذي قضى بقبول الدعوى شكلاً وفي الطلب المستعجل بوقف تنفيذ القرار رقم 65 الصادر في 8 من إبريل سنة 1978 فيما تضمنه من تحميل المدعي وآخرين بمبلغ ألف وأربعمائة واثنين وثمانين جنيهاً وتسعمائة وثمانية وخمسين مليماً وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الإدارة مصروفات هذا الطلب - وطلبت الهيئة الطاعنة - للأسباب الواردة بتقرير الطعن - الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وإلزام المطعون ضده مصروفات هذا الطلب وبقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض الدعوى وإلزام المطعون ضده المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الهيئة الطاعنة المصروفات عن درجتي التقاضي.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 26 من ديسمبر سنة 1983 وبجلسة 28 من مايو سنة 1984 حكمت الدائرة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وألزمت المطعون ضده مصروفات هذا الطلب وقررت إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثانية) حيث عين لنظره أمامها جلسة 28 من أكتوبر سنة 1984، وبعد تداول الطعن على النحو الموضح بمحاضر الجلسات قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم حيث صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 5 من أغسطس سنة 1978 أقام عبد العظيم محمود الخولي الدعوى رقم 81 لسنة 6 القضائية أمام المحكمة التأديبية بطنطا ضد الهيئة العامة للإنتاج الزراعي طالباً الحكم بقبول الدعوى شكلاً وبصفة مستعجلة بوقف الخصم من مرتبه وبإلغاء القرار رقم 65 لسنة 1978 المتضمن تحميله وآخرين مبلغ 518 مليماً و1486 جنيهاً - وقال شرحاً للدعوى أنه بتاريخ 8 من إبريل سنة 1978 صدر قرار رئيس الهيئة العامة للإنتاج الزراعي بتحميله وآخرين مبلغ 518 مليماً و1486 جنيهاً وقد تظلم من هذا القرار في 20 من إبريل سنة 1978 ناعياً عليه مخالفته القانون لأن عمله كان ضمن لجنة مشكلة للقيام بعمل أمين مخازن محطة الغربلة بسخا المقبوض عليه في جناية اختلاس حتى لا يتعطل العمل بالمحطة، وعمل اللجنة إشرافي فقط ولم تقم بأي تسلم أو تسليم، كما أنه وباقي أعضاء اللجنة ليسوا من بين أرباب العهدة فضلاً عن أن قيمة العجز مرده التلف نتيجة هطول الأمطار وسبق إبلاغ ذلك للإدارة العامة للتقاوي.
وبجلسة 5 من إبريل سنة 1981 حكمت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري بالقاهرة حيث قيدت بجدولها تحت رقم 2720 لسنة 35 القضائية.
وبجلسة 11 من يناير سنة 1982 حكمت محكمة القضاء الإداري (دائرة التسويات) بقبول الدعوى شكلاً وفي الطلب المستعجل بوقف تنفيذ القرار رقم 165 الصادر في 8 من إبريل سنة 1978 فيما تضمنه من تحميل المدعي وآخرين بمبلغ 518 مليم و1486 جنيهاً وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الإدارة مصروفات هذا الطلب - وشيدت قضاءها على أن طلب وقف التنفيذ يقوم على ركني الاستعجال والجدية، ويتوافر الركن الأول إذا كان من شأن القرار المطعون فيه ترتيب نتائج يتعذر تداركها، كما يتوافر الركن الثاني عندما يحمل ظاهر الأوراق في طياتها سنداً لإلغاء القرار المطعون فيه، وهذان الركنان قد توافرا في شأن المنازعة الماثلة وبالتالي يحق طلب وقف تنفيذ ذلك القرار.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه خالف نص المادة 49 من قانون مجلس الدولة التي تقضي بعدم قبول طلبات وقف التنفيذ في القرارات الإدارية التي يجب التظلم منها إلا في حالة فصل العامل إذ يجوز للمحكمة أن تقرر صرف مرتبه أو بعضه، كما أن المدعي وهو عضو في لجنة مشكلة لفحص عهدة أمين المخزن السابق قد ثبت إهماله وآخرون في المحافظة على محتويات المخزن فيغدو مسئولاً معهم عن هذا الإهمال.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة جرى على أن تكييف الدعوى إنما هو من تصريف المحكمة إذ عليها بما لها من هيمنة على تكييف الخصوم لطلباتهم أن تتقصى هذه الطلبات وأن تستظهر مراميها وما قصده الخصوم إزاءها، وأن تعطي الدعوى وصفها الحق وتكييفها القانوني الصحيح على هدي ما تستنبطه من واقع الحال فيها وملابساتها وذلك دون أن تتقيد في هذا الصدد بتكييف الخصوم لها وإنما بحكم القانون فحسب.
ومن حيث إن المادة 49 من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة تنص على أنه "لا يترتب على رفع الطلب إلى المحكمة وقف تنفيذ القرار المطلوب إلغاؤه، على أنه يجوز للمحكمة أن تأمر بوقف تنفيذه إذا طلب ذلك في صحيفة الدعوى ورأت المحكمة أن نتائج التنفيذ قيد يتعذر تداركها - وبالنسبة إلى القرارات التي لا يقبل طلب إلغائها قبل التظلم منها إدارياً لا يجوز طلب وقف تنفيذها، على أنه يجوز للمحكمة بناء على طلب المتظلم أن تحكم مؤقتاً باستمرار صرف مرتبه كله أو بعضه إذا كان القرار صادراً بالفصل، فإذا حكم له بهذا الطلب ثم رفض تظلمه ولم يرفع دعوى الإلغاء في الميعاد اعتبر الحكم كأن لم يكن واسترد منه ما قبضه". ويتضح من هذه المادة أن طلب وقف التنفيذ ينصرف إلى القرار الإداري بمعناه الفني الدقيق، إذ يتعين أن يكون هناك قرار إداري بهذا الوصف أصدرته الجهة الإدارية كي يتسنى النظر في طلب وقف تنفيذه قضاء، فليس كل قرار يصدر من جهة إدارية يعد قراراً إدارياً مما يختص القضاء الإداري بطلب إلغائه أو وقف تنفيذه بل لا بد لتحقق وصف القرار الإداري أن يكون كذلك بحكم موضوعه.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى المنازعة المطروحة فالثابت أن المدعي ينازع في الخصم الذي أجرى على مرتبه وفاء للعجز الذي تكشف في المخزن المذكور، ويطلب بصفة مستعجلة الحكم بوقف هذا الخصم، وبهذه المثابة يغدو الحال متعلقاً في حقيقته بمنازعة في مرتب بعيدة عن قرار إداري بمعناه الفني، وبالتالي يخرج القرار الصادر بإجراء ذلك الخصم عن نطاق القرارات الإدارية التي يجوز قضاء طلب وقف تنفيذها - وقد أفصحت عن ذلك المادة 10 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 وهي بصدد تحديد اختصاص محاكم مجلس الدولة حيث قضت بأن تختص هذه المحاكم دون غيرها بالفصل في المسائل الآتية:
أولاً: ........
ثانياً: المنازعات الخاصة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت المستحقة للموظفين العموميين أو لورثتهم.
ثالثاً: الطلبات التي يقدمها ذوو الشأن بالطعن في القرارات الإدارية النهائية الصادرة بالتعيين في الوظائف العامة أو الترقية أو بمنح العلاوات.
رابعاً: الطلبات التي يقدمها الموظفين العموميون بإلغاء القرارات الإدارية الصادرة بإحالتهم إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم بغير الطريق التأديبي.
خامساً: الطلبات التي يقدمها الأفراد و الهيئات بإلغاء القرارات الإدارية النهائية..... الخ.
ومؤدى ذلك أن المنازعات الخاصة بالمرتبات لا تعتبر من القرارات الإدارية التي تترخص جهة الإدارة في إصدارها بسلطتها النقدية، وإنما تتعلق بحقوق مستمدة من القانون مباشرة فلا تترخص جهة الإدارة في منحها أو منعها.
ومن حيث إنه تأسيساً على ذلك وإذ قضى الحكم المطعون فيه في الطلب المستعجل بوقف القرار الصادر بتحميل المدعي وآخرين بالمبلغ المذكور في حين أن الأمر يتعلق - كما سلف - بمنازعة في مرتب مما لا يجوز معه طلب وقف تنفيذه قضاء ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله مما يتعين معه الحكم بإلغائه وبرفض طلب وقف تنفيذ الخصم الذي أجرته الجهة الإدارية من مرتب المدعي مع إلزامه المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض طلب وقف تنفيذ الخصم الذي أجرته جهة الإدارة من مرتب المدعي، وألزمته المصروفات.

الطعن 1517 لسنة 30 ق جلسة 23 / 2 / 1985 إدارية عليا مكتب فني 30 ج 1 ق 98 ص 643

جلسة 23 من فبراير سنة 1985

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمود عبد العزيز الشربيني - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة عبد العزيز أحمد سيد حمادة وثروت عبد الله أحمد عبد الله وجمال السيد دحروج وإسماعيل صديق راشد - المستشارين.

----------------

(98)

الطعن رقم 1517 لسنة 30 القضائية

(أ) الإدارات القانونية بالمؤسسات والهيئات العامة - تأديب أعضائها - العقوبات التأديبية.
المادة 19 من قانون مجلس الدولة و21 من القانون رقم 47 لسنة 1973 بشأن الإدارات القانونية بالمؤسسات العامة والهيئات العامة - العقوبات التأديبية التي يجوز توقيعها على شاغلي الوظائف الفنية الخاضعة لهذا النظام من درجة مدير عام ومدير إدارة قانونية - العقوبات التي يجوز توقيعها على باقي الوظائف - المشرع تولى على سبيل الحصر تحديد الجزاءات التي يجوز توقيعها على شاغلي الوظائف الفنية الذين يسري عليهم أحكام القانون رقم 47 لسنة 1973 وقرار وزير العدل رقم 731 لسنة 1977 بلائحة التفتيش الفني على الإدارات القانونية - إذا كان الطاعن يشغل وظيفة مدير إدارة قانونية فإن العقوبات التي يجوز توقيعها هي الإنذار أو اللوم أو العزل فقط - توقيع المحكمة التأديبية عقوبة خفض الأجر بمقدار علاوة - غير جائز قانوناً - تطبيق.
(ب) الإدارات القانونية بالمؤسسات والهيئات العامة - تأديب أعضائها.
متى صدر قرار السيد المستشار رئيس التفتيش الفني بإحالة الأوراق إلى إدارة الدعوى التأديبية تتم إحالة العضو على المحاكمة التأديبية على نحو ما ورد بتقرير الاتهام - حفظ أحد المخالفات في تاريخ لاحق على الإحالة للمحاكمة التأديبية - غير جائز قانوناً - أساس ذلك: متى أصبح الأمر في حوزة المحكمة يكون لها سلطة تقدير الاتهامات المنسوبة للعضو فلا تملك سلطة التحقيق أن تعدل من الاتهامات المنسوبة له - تطبيق.
(جـ) المحكمة الإدارية العليا - طعن - مدى ولاية المحكمة الإدارية العليا.
رقابة المحكمة الإدارية العليا لأحكام المحاكم التأديبية هي رقابة قانونية فلا تعني استئناف النظر بالموازنة والترجيح بين الأدلة المقدمة إثباتاً أو نفياً إذ أن ذلك من شأن المحكمة التأديبية وحدها - المحكمة الإدارية العليا لا تتدخل وتفرض رقابتها إلا إذا كان الدليل الذي اعتمد عليه قضاء الحكم المطعون فيه غير مستمد من أصول ثابتة بالأوراق أو كان استخلاص هذا الدليل لا تنتجه الواقعة المطروحة على المحكمة - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأربعاء الموافق 11/ 4/ 1984 أودع الأستاذ محمد عبد المجيد الشاذلي المحامي بصفته وكيلاً عن السيد....... قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 1517 لسنة 30 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية للعاملين بوزارة الصحة بجلسة 25/ 3/ 1984 في الدعوى رقم 23 لسنة 26 القضائية والقاضي بمجازاة...... بخفض أجره بمقدار علاوة وطلب الطاعن للأسباب المبينة بتقرير طعنه قبول الطعن شكلاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وأصلياً إلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء ببراءته واحتياطياً إلغاء الحكم المطعون فيه وإعادة الدعوى لإعادة المحاكمة أمام دائرة أخرى.
وبعد أن تم إعلان تقرير الطعن إلى ذوي الشأن على الوجه المبين بالأوراق قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً برأيها القانوني رأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وبصفة مستعجلة وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وإعادة الدعوى إلى المحكمة التأديبية لوزارة الصحة للفصل فيها مجدداً من هيئة أخرى.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون (الدائرة الثالثة) جلسة 20/ 6/ 1984 وبجلسة 17/ 11/ 1984 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى دائرة فحص الطعون (الدائرة الرابعة) بهذه المحكمة لنظره بجلسة 9/ 1/ 1985 وبجلسة 9/ 1/ 1985 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الرابعة) لنظره بجلسة 12/ 1/ 1985 وفيها استمعت المحكمة لما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن وقررت إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يستخلص من الأوراق - في أنه بتاريخ 9/ 11/ 1983 أقامت النيابة الإدارية الدعوى رقم 23 لسنة 26 القضائية بإيداع أوراقها قلم كتاب المحكمة التأديبية للعاملين بوزارة الصحة ضد...... مدير إدارة القضايا بشركة تنمية الصناعات الكيماوية (سيد) درجة أولى لأنه خلال الفترة من 1979 حتى 1981 خرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته ولم يؤد الواجبات المنوطة به بدقة بأن:
1 - أهمل وقصر في الرد على أسباب الطعن رقم 346/ 50 نقض مدني المرفوع ضد الشركة مما أدى إلى عدم إبداء أي دفاع بشأنه أمام محكمة النقض كما لم يعرض مذكرة برأيه على مدير عام الشئون القانونية بما يراه في هذا الخصوص.
2 - أهمل في تقديم المستندات التي طلبتها المحكمة مراراً في الحكم الصادر في الاستئناف رقم 833 لسنة 96 ق مما أدى إلى رفض الاستئناف المرفوع من الشركة وتأييد الحكم المستأنف.
3 - تقاعس ولم يحضر عن الشركة بجلسة 4/ 3/ 1981 في الدعوى رقم 161 لسنة 1981 تجاري جزئي القاهرة مما أدى إلى شطبها.
4 - أهمل ولم يتقدم بمذكرة برأيه في الطعن بالنقض من عدمه في الحكم الاستئنافي في قضية المرحوم مصطفى ربيع ضد الشركة بالمخالفة لقرار وزير العدل رقم 569 لسنة 1977 بلائحة تنظيم العمل بالإدارات القانونية.
5 - قام بالإشراف على القضايا الخاصة التي تباشرها ابنته مع علمه باستعمالها لاسمه في محاضر الجلسات وكذلك صحف الدعوى والأوراق الخاصة بها.
6 - أهان السيد مدير عام الشئون القانونية بأن وجه إليه ألفاظاً غير لائقة على مسمع من زملائه.
ورأت النيابة الإدارية أنه بذلك يكون قد ارتكب المخالفات الإدارية والمالية المنصوص عليها في المادتين 78، 80 من القانون رقم 48 لسنة 1978 بشأن نظام العاملين بالقطاع العام وطلبت محاكمته تأديبياً بالمادتين المشار إليهما وبالمواد 21، 22، 23 من القانون رقم 47 لسنة 1973 بشأن الإدارات القانونية بالمؤسسات العامة والهيئات العامة والوحدات التابعة لها والمادة 12 من القانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية والمادتين 15 و19 من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة وبجلسة 25/ 3/ 1984 حكمت المحكمة بمجازاة....... بخفض أجره بمقدار علاوة وأقامت قضاءها على أنه لا وجه لما دفع به المتهم من سقوط الدعوى التأديبية ذلك أن ميعاد السقوط لا يبدأ إلا من تاريخ علم الرئيس بحسبانه هو المخاطب دون سواه طالما كان زمام التصرف في المخالفة التأديبية في يده أما إذا خرج الأمر من سلطانه بإحالة المخالف للتحقيق أو الاتهام أو المحاكمة وأصبح التصرف فيها من اختصاص غيره انتفى تبعاً لذلك موجب سريان السقوط السنوي ويخضع أمر السقوط للأصل وهو ثلاث سنوات وتنقطع هذه المدة بأي إجراء من إجراءات التحقيق أو الاتهام أو المحاكمة وما كان الثابت من الأوراق أن المتهم أحيل إلى التحقيق الذي بدأ في 11/ 11/ 1981 وانتهى بإحالته إلى المحاكمة التأديبية وأن المخالفات المنسوبة إليه وقعت ما بين عامي 1979، 1981 فمن ثم فإن مدة ثلاث سنوات لم تكن قد انقضت بعد ويكون الدفع بسقوط الدعوى التأديبية في غير محله ثم استطردت المحكمة إلى المخالفات المنسوبة للمتهم وانتهت إلى ثبوت كل منها في حقه.
ومن حيث إن مبنى الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وذلك لتوقيعه عقوبة على المتهم لم ينص عليها القانون رقم 47 لسنة 1973 بشأن الإدارات القانونية والذي يحكم حالة المتهم وينظم تأديبه باعتباره مدير إدارة قانونية فضلاً عن بطلان الحكم لبطلان الإجراءات التي قام عليها ذلك أن الوقائع الست محل المساءلة أعيد تحقيقها بناء على تأشيرة المستشار وكيل وزارة العدل بتاريخ 12/ 2/ 1983 وأعد المحقق مذكرة التحقيق النهائية وقرر فيها حفظ التهمة السادسة لعدم ثبوت المخالفة ووافق على ذلك المستشار مدير التفتيش في 14/ 1/ 1983 وأن يعرض التحقيق على لجنة الإحالة للنظر في أمر محاكمته عن باقي التهم وهو ما لم يتم وقامت النيابة الإدارية بإحالته إلى المحكمة دون اتباع ذلك وأضاف بأن الحكم عاقبه عن تهمتين لا وجود لهما في الأوراق فالتهمة الرابعة كما وردت بالشكوى والتحقيقات وتقرير الاتهام "لم يتقدم بمذكرة برأيه في الطعن أو عدمه".. في الحكم الاستئنافي في قضية مصطفى ربيع، إلا أن الحكم عاقبه على أنه لم يقم بالطعن في الحكم بالنقض" والتهمة السادسة فإن الثابت من الأوراق أن التفتيش المختص قرر حفظها واستبعادها لثبوت براءة المتهم منها ولكن النيابة الإدارية أوردتها في تقرير الاتهام عن طريق الخطأ ورغم ذلك عاقبته المحكمة عنها، وأضاف بأن الحكم شابه قصور في التسبيب وإخلال بحق الدفاع على النحو الوارد تفصيلاً بتقرير الطعن تأسيساً على أن المحكمة كان يتعين عليها الاطلاع على ملفات القضايا المشار إليها في المخالفات المذكورة للتحقق من صحة أقوال المتهم وأنه قام بواجبه على خير وجه.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن إدارة التفتيش الفني على الإدارات القانونية بوزارة العدل قامت بإجراء تحقيق في الشكوى رقم 45/ 81 المقدمة من السيد مدير عام الإدارة القانونية بشركة تنمية الصناعات الكيماوية "سيد" والتي ينسب فيها إلى السيد..... مدير القضايا بتلك الشركة عشر مخالفات، قامت الإدارة بتحقيقها وانتهت لجنة الإحالة في اجتماعها بتاريخ 4/ 11/ 1982 بأن المشكو قد أخل بالسلوك اللائق وخرج على مقتضيات الواجب الوظيفي وأهمل في عمله وامتنع عن تأدية واجباته وانتهت إلى قيد الواقعة مخالفة إدارية ومالية ضد......... لأنه خلال الفترة من 1979 حتى 1981 خرج على مقتضيات الواجب في أعمال وظيفته ولم يؤد تلك الواجبات المنوطة به بدقة بأن ارتكب الأفعال الآتية:
1 - أهمل وقصر في الرد على أسباب الطعن رقم 346/ 50 نقض مدني المرفوع ضد الشركة مما أدى إلى عدم إبداء أي دفاع لها أمام محكمة النقض كما لم يعرض مذكرة برأيه على مدير عام الشئون القانونية بما يراه في هذا الخصوص.
2 - أهمل في تقديم المستندات التي طلبتها المحكمة مراراً في الحكم الصادر في الاستئناف رقم 833 لسنة 96 ق مما أدى إلى رفض الاستئناف المرفوع من الشركة وتأييد الحكم المستأنف على النحو الموضح بالأوراق.
3 - لم يحضر عن الشركة بجلسة 4/ 3/ 1981 في الدعوى رقم 161 لسنة 1981 تجاري جزئي القاهرة مما أدى إلى شطبها.
4 - لم يتقدم بمذكرة برأيه في الطعن أو عدمه في الحكم الاستئنافي في قضية المرحوم مصطفى ربيع ضد الشركة بالمخالفة لقرار وزير العدل رقم 569 لسنة 1977 بلائحة تنظيم العمل بالإدارات القانونية.
5 - قام بالإشراف على القضايا الخاصة التي تباشرها ابنته مع علمه باستعمالها لاسمه في محاضر الجلسات وكذلك على صحف الدعاوى والأوراق الخاصة بها.
6 - وجه ألفاظاً غير لائقة إلى مدير عام الشئون القانونية على مسمع من زملائه. وقد أرسلت الأوراق بكتاب السيد مدير التفتيش الفني رقم 4196 في 19/ 12/ 1982 إلى السيد وزير الصحة للموافقة على إحالة المخالف إلى المحكمة التأديبية وقد وافق على ذلك في 3/ 1/ 1983 وأرسلت الأوراق إلى النيابة الإدارية التي أعدت تقرير الاتهام في 26/ 10/ 1983 وأودعت الأوراق قلم كتاب المحكمة التأديبية في 9/ 11/ 1983، وبناء على شكوى مقدمة من المتهم إلى السيد وكيل وزارة العدل لشئون الإدارات القانونية في 3/ 2/ 1983 أحيلت إلى التفتيش الفني وتولى المستشار المحقق تحقيقها وضمها للشكوى رقم 45 لسنة 1981 وأعدت مذكرة تكميلية انتهت إلى حفظ التهمة الأخيرة لعدم ثبوتها ومساءلة المخالف عن باقي التهم بتقديمه إلى المحاكمة التأديبية ولا يبين من الأوراق أن هذه المذكرة قد عرضت على لجنة الإحالة.
ومن حيث إن المادة 19 من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة تنص في فقرتها الأولى على أن توقع المحاكم التأديبية الجزاءات المنصوص عليها في القوانين المنظمة لشئون من تجرى محاكمتهم...." وتنص المادة 21 من القانون رقم 47 لسنة 1973 بشأن الإدارات القانونية بالمؤسسات العامة والهيئات العامة والوحدات التابعة لها على أن "تنظم الأحكام الخاصة بالتحقيق وبالنظام التأديبي لمديري الإدارات القانونية وأعضائها وبإجراءات ومواعيد التظلم مما قد يوقع عليهم من جزاءات، لائحة يصدرها وزير العدل بعد موافقة اللجنة المنصوص عليها في المادة 7 من هذا القانون ويجوز أن تتضمن هذه اللائحة بياناً بالمخالفات الفنية والإدارية التي تقع من مديري الإدارات القانونية وأعضائها والجزاءات المقررة لكل منها والسلطة المختصة بتوقيعها ولا يجوز أن تقام الدعوى التأديبية إلا بناء على طلب الوزير المختص ولا تقام هذه الدعوى في جميع الأحوال إلا بناء على تحقيق يتولاه أحد أعضاء التفتيش الفني" وتضمنت المادة 22 بياناً بالعقوبات التأديبية فنصت على أن "العقوبات التأديبية التي يجوز توقيعها على شاغلي الوظائف الفنية الخاضعة لهذا النظام من درجة مدير عام ومدير إدارة قانونية هي:
1 - الإنذار.
2 - اللوم.
3 – العزل.
أما شاغلوا الوظائف الأخرى فيجوز أن توقع العقوبات الآتية:
1 - الإنذار.
2- الخصم من المرتب لمدة لا تجاوز خمسة عشر يوماً في السنة الواحدة بحيث لا تزيد مدة العقوبة في المرة الواحدة على خمسة أيام.
3 - تأجيل موعدة العلاوة الدورية لمدة لا تجاوز ثلاثة شهور.
4 - الحرمان من العلاوة الدورية المستحقة عن سنتين على الأكثر.
5 - الحرمان من الترقية لمدة لا تجاوز سنتين.
6 - العزل من الوظيفة.
وتنفيذاً لأحكام المادة 21 سالفة الذكر فقد صدر قرار وزير العدل رقم 731 لسنة 1977 بلائحة التفتيش الفني على الإدارات القانونية بالهيئات العامة وشركات القطاع العام ونصت المادة 20 منها على أنه "إذا تعلقت الشكوى بالسلوك الشخصي أو بتصرف إداري يتولى التفتيش الفني فحصها أو تحقيقها إن رأى وجهاً لذلك ولمدير التفتيش أن يطلب إلى الجهة المختصة حفظها أو أن يحيلها بعد التحقيق إلى اللجنة المشار إليها في المادة 12 للنظر في إحالتها إلى السلطة المختصة لتوقيع الجزاء فإن لم يقر مدير التفتيش الرأي الذي انتهت إليه اللجنة عرض الأمر على وكيل وزارة العدل لاتخاذ ما يراه".
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن المشرع قد تولى على سبيل الحصر تحديد الجزاءات التأديبية التي يجوز توقيعها على شاغلي الوظائف الفنية الذين يسري عليهم أحكام القانون رقم 47 لسنة 1973 وقرار وزير العدل رقم 731 لسنة 1977 المشار إليهما وإذ كان الطاعن يشغل وظيفة مدير إدارة قانونية بشركة تنمية الصناعات الكيماوية "سيد" فإن العقوبات التأديبية التي يجوز توقيعها عليه هي الإنذار أو اللوم أو العزل فقط فإذا كان الثابت أن المحكمة التأديبية قد وقعت عليه عقوبة خفض الأجر بمقدار علاوة فإنها تكون بذلك قد أخطأت في تطبيق القانون وهي بسبيل تحديد العقوبة التي توقع على المتهم.
ومن حيث إنه لا وجه لما يذهب إليه الطاعن من بطلان الحكم المطعون فيه لبطلان الإجراءات التي قام عليها تأسيساً على أن الوقائع الستة محل المساءلة أعيد تحقيقها وأعد المحقق مذكرة انتهى فيها إلى حفظ التهمة السادسة ووافق على ذلك مدير التفتيش الفني في 14/ 8/ 1983 وأن يعرض التحقيق على لجنة الإحالة للنظر في أمر محاكمته عن باقي التهم وهو ما لم يتم لا وجه لهذا القول ذلك أنه يبين من الوقائع على نحو ما سبق إيضاحه أن إدارة التفتيش الفني بعد أن أجرت التحقيق انتهت إلى مساءلة الطاعن عن المخالفات الستة المشار إليها وأرسلت الأوراق إلى السيد وزير الصحة بكتاب إدارة التفتيش الفني رقم 4196 في 19/ 12/ 1982 للموافقة على الإحالة إلى المحاكمة التأديبية بالقيد والوصف الواردين بالأوراق وقد وافق السيد الوزير على ذلك في 3/ 1/ 1983 ثم صدر قرار السيد المستشار مدير التفتيش الفني بتاريخ 6/ 1/ 1983 بإرسال الأوراق إلى إدارة الدعوى التأديبية لاتخاذ اللازم فإن إحالة الطاعن على هذا النحو إلى المحاكمة التأديبية على نحو ما ورد بتقرير الاتهام يكون قد تم طبقاً للقانون ولا وجه لما يثيره الطاعن في هذا الصدد ذلك أن أمر التهمة السادسة والتي انتهى المستشار المحقق بإدارة التفتيش الفني إلى حفظها في 14/ 8/ 1983 بعد أن أحيلت الأوراق إلى إدارة الدعوى التأديبية بقرار مدير التفتيش الفني في 9/ 1/ 1983 والحصول على موافقة الوزير المختص في 3/ 1/ 1983 لا يترتب عليها تعديل في الاتهامات المنسوبة للمتهم بعد أن استكملت إجراءات إحالته إلى المحاكمة التأديبية وأصبح الأمر في النهاية في حوزة المحكمة التي يكون لها سلطة تقدير الاتهامات المنسوبة إليه بمدى ثبوتها في حقه من واقع الأوراق والمستندات ولا تملك سلطة التحقيق في هذه الحالة أن تعدل من الاتهامات المنسوبة إليه.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه من إخلاله بحق الدفاع وقصوره في البحث والتسبيب وصدوره على خلاف الثابت بالأوراق فإن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن رقابة المحكمة الإدارية العليا لأحكام المحاكم التأديبية هي رقابة قانونية فلا تعني استئناف النظر في الحكم بالموازنة والترجيح بين الأدلة المقدمة إثباتاً ونفياً إذ أن ذلك من شأن المحكمة التأديبية وحدها وهي لا تتدخل وتفرض رقابتها إلا إذا كان الدليل الذي اعتمد عليه قضاء الحكم المطعون فيه غير مستمد من أصول ثابتة في الأوراق أو كان استخلاص هذا الدليل لا تنتجه الواقعة المطروحة على المحكمة فهنا فقط يكون التدخل لتصحيح القانون لأن الحكم في هذه الحالة يكون غير قائم على سببه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد تعرض لكافة المخالفات المنسوبة للمتهم وانتهى إلى ثبوتها في حقه مستنداً إلى الأوراق والتحقيقات وكان استخلاصه سليماً مستمداً من أصول ثابتة في الأوراق فإن لا وجه لما ينعاه الطاعن في هذا المجال ولا يلزم والحال كذلك اطلاع المحكمة على ملفات القضايا المشار إليها في المخالفات المنسوبة إليه.
ومن حيث إنه وقد ثبتت في حق المتهم المخالفات المنسوبة إليه فإن يحق توقيع الجزاء عليه من بين الجزاءات المحددة في المادة 22 من القانون رقم 47 لسنة 1973 بشأن الإدارات القانونية التي يجوز توقيعها على شاغلي الوظائف الفنية من درجة مدير عام ومدير إدارة قانونية وتقدر المحكمة هذا الجزاء بمراعاة المخالفات المنسوبة للمتهم بعقوبة اللوم.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من مجازاة المتهم بعقوبة خفض الأجر بمقدار علاوة وبمجازاته باللوم.