جلسة أول مارس سنة 1966
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: اميل جبران، وأحمد حسن هيكل، والسيد عبد المنعم الصراف، وعثمان زكريا.
--------------
(67)
الطعن رقم 347 لسنة 31 القضائية
(أ) استئناف "الخصوم في الاستئناف". تجزئة. بطلان.
اختصام رئيس مكتب الشهر العقاري ليصدر الحكم في مواجهته دون توجيه طلبات إليه بالذات. عدم اعتباره خصماً حقيقياً في النزاع. بطلان الاستئناف بالنسبة له لا يتعداه إلى باقي الخصوم ولو كان الموضوع غير قابل للتجزئة.
(ب) بيع. دعوى. "دعوى صحة ونفاذ العقد". "نطاق الدعوى". تسجيل. صورية.
دعوى صحة ونفاذ العقد دعوى موضوعية. وتستلزم أن يكون من شأن البيع موضوع التعاقد نقل الملكية حتى إذا ما سجل الحكم قام تسجيله مقام تسجيل العقد في نقلها. مقتضى ذلك أن يفصل القاضي في أمر صحة العقد. اتساع نطاق الدعوى لبحث كل ما يتعلق بوجود العقد أو انعدامه أو بصحته أو بطلانه وكذلك صوريته صورية مطلقة.
(ج) دعوى. "دعوى صحة العقد". صورية. قوة الأمر المقضي. إثبات.
القضاء السابق بصحة العقد يتضمن حتماً أنه عقد غير صوري وصحيح ومن شأنه نقل الملكية. اكتسابه قوة الأمر المقضي مانع للخصوم من العودة للمناقشة في هذه المسألة التي فصل فيها في دعوى تالية ولو بأدلة قانونية أو واقعية لم يسبق إثارتها في الدعوى الأولى.
(د) تسجيل. "المفاضلة بين محررات مشهرة في يوم واحد". "أثر تسجيل صحيفة دعوى صحة التعاقد". دعوى.
السابق واللاحق في التسجيل يتعين حتماً - إن تما في يوم واحد - بأسبقية رقم التسجيل في دفتر الشهر. ملكية العقار لا تنتقل إلى المشتري إلا بتسجيل عقد البيع أو بتسجيل الحكم النهائي بإثبات التعاقد أو التأشير به على هامش تسجيل صحيفة الدعوى. الحق الذي قرره الحكم ينسحب إلى تاريخ تسجيل العريضة إذا كان قد تأشر بهذا الحكم دون أن يتأثر بتصرفات البائع المشهرة اللاحقة لهذا التاريخ.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 565 سنة 1956 كلي طنطا ضد المرحوم عباس إبراهيم الشيخ مورث الفريق الأول من المطعون عليهم وضد المطعون عليه الثاني وفي مواجهة المطعون عليه الثالث يطلب الحكم بتثبيت ملكيته إلى 17 ط و18 س الموضحة الحدود بصحيفة الدعوى وتسليم هذا القدر وشطب جميع التسجيلات الموقعة عليه، وبطلان عقد البيع المؤرخ أول يناير سنة 1953 الصادر من محمد عثمان إلى المرحوم عباس إبراهيم الشيخ - وقال شرحاً لدعواه إنه بموجب عقد بيع ابتدائي مؤرخ 7/ 3/ 1954 باعه المطعون عليه الثاني مصطفى إسماعيل أحمد قطعة أرض زراعية مساحتها 18 ط ظهر من عملية المساحة أنها 17 ط و18 س مقابل ثمن أداه له قدره 241 ج، وأنه رفع الدعوى رقم 344 سنة 1954 مدني السنطة بصحة هذا العقد وسجل صحيفة دعواه في 5/ 4/ 1954 برقم 2623 - وانتهت هذه الدعوى صلحاً وصدقت المحكمة على عقد الصلح وقام بشهر الحكم. وأضاف الطاعن أن المرحوم عباس إبراهيم الشيخ مورث الفريق الأول من المطعون عليهم حصل من محمد عثمان وكيل المطعون عليه الثاني بعد عزله من الوكالة على عقد بيع 1 ف 11 ط 20 س يدخل فيها القدر المبيع إلى الطاعن وأن هذا المورث رفع الدعوى رقم 263 سنة 1954 كلي طنطا بصحة ونفاذ عقده وسجل صحيفتها في نفس اليوم الذي سجل فيه الطاعن صحيفة دعواه ثم استصدار حكماً بصحة التعاقد الصادر إليه، وإذ كانت الملكية قد خلصت للطاعن بشهر الحكم فضلاً عن أن عقد البيع الصادر لمورث الفريق الأول من المطعون عليهم باطل لصوريته المطلقة ولصدوره من شخص لم تكن له صفة الوكالة وقت التعاقد فقد أقام الطاعن الدعوى الحالية للحكم له بطلباته. وتوفى المرحوم عباس إبراهيم الشيخ أثناء سير الدعوى وبعد أن حكم بانقطاع سير الخصومة عجلت الدعوى في مواجهة ورثته وهم الفريق الأول من المطعون عليهم - دفع الورثة الطلب الخاص ببطلان عقد البيع الصادر لمورثهم بعدم جواز نظره لسبق الفصل فيه في القضية رقم 263 سنة 1954 كلي طنطا تأسيساً على أن الطاعن كان قد تدخل خصماً ثالثاً في هذه الدعوى التي رفعها مورثهم بصحة ونفاذ عقده وطلب فيها بطلان هذا البيع لصدوره من وكيل المطعون عليه الثاني بعد عزله من الوكالة، ثم صدر الحكم بصحة ونفاذ هذا العقد وصار نهائياً بعدم استئنافه فتكون لهذا الحكم حجيته في مواجهة الطاعن، وفي الموضوع طلب الورثة رفض الدعوى لأن مورثهم كان أسبق في تسجيل صحيفة دعواه بصحة التعاقد إذ سجلها في يوم 5/ 4/ 1954 برقم 2622 بينما سجل الطاعن صحيفة دعواه برقم 2623 في نفس اليوم فيكون عقد الورثة مفضلاً على عقد الطاعن. وبتاريخ 22/ 12/ 1959 حكمت المحكمة برفض الدفع وتثبيت ملكية الطاعنة إلى 17 ط 18 س الموضحة الحدود بصحيفة الدعوى مع التسليم وشطب التسجيلات الموقعة عليها وذلك في مواجهة المطعون عليه الثالث. استأنف الفريق الأول من المطعون عليهم هذا الحكم بالاستئناف رقم 138 سنة 10 ق طنطا طالبين الحكم بإلغائه ورفض الدعوى كما رفع الطاعن استئنافاً فرعياً قيد برقم 70 سنة 11 ق طنطا طالباً الحكم ببطلان عقد البيع الصادر لمورث الفريق الأول من المطعون عليهم لصوريته صورية مطلقة. دفع الطاعن ببطلان الاستئناف الأصلي لعدم قيام المستأنفين - الفريق الأول من المطعون عليهم - بإعلانه إلى المستأنف عليه الثالث - المطعون عليه الثالث - خلال الثلاثين يوماً التالية لتقديم عريضة الاستئناف إلى قلم الكتاب ولأن أثر هذا البطلان يمتد إلى باقي المستأنف عليهم - الطاعن والمطعون عليه الثاني - لعدم قابلية موضوع الدعوى للتجزئة. ومحكمة الاستئناف قضت في 30/ 5/ 1961 ببطلان الاستئناف بالنسبة للمستأنف عليه الثالث - المطعون عليه الثالث - وبرفض الدفع ببطلان الاستئناف بالنسبة للمستأنف عليهما الأول والثاني - الطاعن والمطعون عليه الثاني - وبقبول الاستئناف شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى المستأنف عليه الأول - الطاعن - بتثبيت ملكيته إلى القدر المتنازع عليه وبرفض الاستئناف الفرعي، وضمنت المحكمة أسباب حكمها القضاء بقبول الدفع بعدم جواز نظر الطلب الخاص ببطلان عقد البيع المؤرخ 1/ 2/ 1953 الصادر لمورث الفريق الأول من المطعون عليهم. وفي 27/ 6/ 1961 طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 12/ 1/ 1965، وفيها صممت النيابة العامة على رأيها الذي ضمنته مذكرتها بطلب رفض الطعن، وقررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى هذه الدائرة. وبالجلسة المحددة لنظره تمسكت النيابة برأيها السابق.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب حاصل أولها مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون إذ قضى ببطلان الاستئناف بالنسبة للمطعون عيه الثالث وحده لعدم إعلانه به خلال الثلاثين يوماً التالية لتقديم العريضة إلى قلم الكتاب، في حين أن الحكم الابتدائي تضمن قضاء غير قابل للتجزئة وهو الخاص بشطب التسجيلات الموقعة على العين المتنازع عليها وكان يتعين لذلك أن يمتد أثر البطلان إلى باقي المستأنف عليهم - الطاعن والمطعون عليه الثاني - وإن كان سبب البطلان لا علاقة له بهم.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أنه يبين من تقريرات الحكم المطعون فيه أن المستأنف عليه الثالث - المطعون عليه الثالث - هو وحده الذي لم يعلن بالاستئناف إعلاناً صحيحاً خلال الثلاثين يوماً التالية لتقديم عريضة الاستئناف إلى قلم الكتاب طبقاً لما كانت توجبه المادة 406 مكرراً من قانون المرافعات التي رفع الاستئناف في ظلها، ولما كان الثابت أن الطاعن أقام دعواه ضد مورث الفريق الأول من المطعون عليهم وضد المطعون عليه الثاني للحكم بتثبيت ملكيته إلى 17 ط و18 س وبطلان عقد البيع الصادر إلى المورث ولم يختصم المطعون عليه الثالث وهو رئيس مكتب الشهر العقاري بطنطا إلا ليصدر الحكم في مواجهته بشطب التسجيلات الموقعة على هذه العين دون أن يوجه إليه طلبات بالذات، وكان مقتضى ذلك أن المطعون عليه الثالث لم يكن خصماً حقيقياً في النزاع وأن الدعوى تصح بغير اختصامه، لما كان ذلك، فإن بطلان الاستئناف بالنسبة للمطعون عليه الثالث لا يتعداه إلى الطاعن والمطعون عليه الثاني ولو كان الموضوع غير قابل للتجزئة، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر - فإن النعي عليه بمخالفة القانون يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثاني من الحكم المطعون فيه مخالفة القانون إذ قبل الدفع بعدم جواز نظر طلب البطلان لسابقة الفصل فيه بالدعوى رقم 263 سنة 1954 كلي طنطا التي رفعها مورث الفريق الأول من المطعون عليهم بصحة ونفاذ عقده، في حين أن الحكم الصادر في تلك الدعوى لم يفصل في ملكية العين موضوع النزاع بل ترك الفصل في المفاضلة بين العقد الصادر لمورث هؤلاء المطعون عليهم وعقد الطاعن إلى دعوى الملكية التي يرفعها أحد الطرفين على الآخر، فضلاً عن أن الطاعن طلب في الدعوى الحالية بطلان عقد المورث لصوريته وهو سبب جديد لم يكن معروضاً على المحكمة في الدعوى رقم 263 سنة 1954 كلي طنطا ولا يحول الحكم فيها دون طلب البطلان لهذا السبب الجديد في الدعوى الحالية.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أنه لما كان الحكم الصادر في الدعوى الأولى رقم 263 سنة 1954 كلي طنطا التي تدخل فيها الطاعن قد حسم النزاع بينه وبين مورث الفريق الأول من المطعون عليهم في خصوص صحة البيع المؤرخ 1/ 1/ 1953 وقضى بصحته ونفاذه، وكانت دعوى صحة ونفاذ العقد - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هي دعوى موضوعية تمتد سلطة المحكمة فيها إلى بحث موضوع العقد ومداه ونفاذه، وهي تستلزم أن يكون من شأن البيع موضوع التعاقد نقل الملكية حتى إذا ما سجل الحكم قام تسجيله مقام تسجيل العقد في نقلها، وهذا يقتضي أن يفصل القاضي في أمر صحة العقد ومن ثم فإن تلك الدعوى تتسع لبحث كل ما يثار من أسباب تتعلق بوجود العقد أو انعدامه وبصحته أو بطلانه، ومنها أنه صوري صورية مطلقة إذ من شأن هذه الصورية لو صحت أن يعتبر العقد ولا وجود له قانوناً فتحول دون الحكم بصحته ونفاذه؛ لما كان ذلك، فإن الحكم السابق - وهو حكم نهائي يحوز قوة الأمر المقضي في شأن صحة العقد - يمنع الخصوم أنفسهم من التنازع في هذه المسألة بالدعوى الحالية، ولا يغير من ذلك ما قاله الطاعن من أن الحكم السابق ترك الفصل في المفاضلة بين العقدين إلى دعوى تثبيت الملكية التي يرفعها أحد الطرفين على الآخر أو أن طلب البطلان في الدعوى الثانية يستند إلى سبب جديد هو صورية العقد، ذلك أن القضاء السابق بصحة العقد يتضمن حتماً أنه عقد غير صوري وصحيح ومن شأنه نقل الملكية، ولا يعدو أن يكون هذا القول من الطاعن من الأدلة الواقعية والحجج القانونية وهو وارد على ذات المسألة السابق الفصل فيها فلا يحوز قانوناً النظر فيه إذ أنه متى حاز الحكم قوة الأمر المقضي فإنه يمنع الخصوم في الدعوى التي صدر فيها من العودة إلى المناقشة في المسألة التي فصل فيها بأية دعوى تالية يثار فيها هذا النزاع ولو بأدلة قانونية أو واقعية لم يسبق إثارتها في الدعوى الأولى أو أثيرت ولم يبحثها الحكم الصادر فيها، وإذ التزم الحكم المطعون فيه حجية الحكم السابق وقضى بقبول الدفع بعدم جواز الطلب الخاص ببطلان العقد المؤرخ 1/ 1/ 1953 الصادر لمورث الفريق الأول من المطعون عليهم لسبق الفصل فيه، فإنه لا يكون مخالفاً للقانون.
وحيث إن حاصل السبب الثالث خطأ الحكم المطعون فيه في تطبيق القانون ذلك أنه قضى برفض دعوى الطاعن بتثبيت ملكيته إلى 17 ط و18 س تأسيساً على أن مورث الفريق الأول من المطعون عليهم كان أسبق في تسجيل صحيفة دعواه وأن الورثة قاموا بشهر الحكم الصادر فيها فتكون الملكية قد انتقلت إليهم ومن قبلهم إلى المورث منذ تاريخ تسجيل العريضة، في حين أن كلاً من المورث والطاعن قد سجل صحيفة دعواه في يوم واحد فيتعين أن تكون الأفضلية للأسبق في تسجيل الحكم وهو الطاعن لأنه وقد سجل الحكم الصادر له بصحة التعاقد فقد خلصت له الملكية بالنسبة للقدر الذي اشتراه ولم يبق هناك محل يقع عليه تسجيل الحكم الصادر للمورث.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أن المواد 25 و28 و31 من القانون رقم 114 لسنة 1946 بتنظيم الشهر العقاري الذي يحكم شهر التصرفات موضوع الدعوى إذ تقضي بأن كلاً من طلبات التسجيل ومشروعات المحررات والمحررات تثبت في دفاتر تعد لذلك بمأموريات ومكاتب الشهر العقاري على حسب تواريخ وساعات تقديمها فإن في ذلك ما يفيد - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن السابق واللاحق في التسجيل يتعين حتماً بأسبقية الرقم في دفتر الشهر. وقد عنى المشرع بوضع هذا النظام ولم يترك الأمر فيه لمحض الصدفة نظراً لما يترتب على أسبقية التسجيل من أثر في المفاضلة بين المتنازعين على ملكية عقار واحد - ذلك أن مؤدى نصوص المواد 9 و15 و17 من هذا القانون أن ملكية العقار لا تنتقل من البائع إلى المشتري إلا بتسجيل عقد البيع أو بتسجيل الحكم النهائي بإثبات التعاقد أو بالتأشير بذلك الحكم على هامش تسجيل صحيفة الدعوى إذا كانت قد سجلت، وتسجيل هذه الصحيفة يحفظ لرافعها حقوقه من تاريخ حصوله بحيث إنه متى حكم له بطلباته فإن الحق الذي قرره الحكم ينسحب إلى يوم تسجيل العريضة إذا كان قد تأشر بهذا الحكم طبقاً للقانون دون أن يتأثر بما يصدر من البائع من تصرفات أشهرت بعد هذا التاريخ، لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر وجعل الأفضلية لعقد مورث الفريق الأول من المطعون عليهم لأنه كان أسبق في تسجيل صحيفة دعواه، فإن النعي عليه بهذا السبب يكون على غير أساس.
(1) راجع نقض 13 مايو سنة 1965 مجموعة المكتب الفني س 15 ص 577.
(2) راجع نقض 13/ 5/ 1965 مجموعة المكتب الفني لسنة 15 ص 577.
(3) راجع نقض مدني 15/ 5/ 1958 مجموعة المكتب الفني س 9 ص 494.
(4) وراجع نقض 15/ 2/ 1966 مجموعة المكتب الفني س 17 ص 295 في الطعن رقم 213 لسنة 31 ق.