جلسة 11 من يناير سنة 1966
برياسة السيد المستشار الدكتور/ عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد عبد اللطيف، وأحمد حسن هيكل، وأمين فتح الله، وعثمان زكريا.
-------------------
(9)
الطعن رقم 310 لسنة 30 القضائية
(أ) نقل. "نقل بحري". إثبات. "الإثبات بالكتابة". عقد. "عقد شكلي". بطلان.
عقد النقل البحري من العقود الرضائية. اشتراط الكتابة لإثباته استثناء من قاعدة جواز الإثبات بالبينة في المسائل التجارية. مشارطة إيجار السفينة وجوب تحريرها بالكتابة. م 90 من القانون البحري.
(ب) إثبات. "حجية الرسائل والبرقيات". "أوراق عرفية".
للرسائل والبرقيات حجية الورقة العرفية في الإثبات متى كانت الرسائل وأصل البرقيات موقعاً عليها من مرسلها.
(ج) عقد. "انعقاده". إثبات.
لا يلزم لانعقاد العقد إثبات الإيجاب والقبول في محرر واحد. جواز استخلاص ذلك من تسلسل البرقيات والمكاتبات المتبادلة بين الطرفين.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة، وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون عليه أقام ضد الشركة الطاعنة الدعوى رقم 1110 لسنة 1955 تجاري كلي القاهرة طلب فيها الحكم بإلزام الطاعنة بأن تدفع له مبلغ 1730 جنيهاً استرلينياً وخمسة شلنات أو ما يعادل هذا المبلغ بالعملة المصرية وقدره 1686 ج و750 م وقال بياناً للدعوى - إنه تم الاتفاق مع الشركة الطاعنة على أن تستأجر منه السفينة "الفريد" لتقوم بنقل شحنة من البصل من ميناء الإسكندرية إلى إحدى مواني الشاطئ الشرقي في المملكة المتحدة وحددت قيمة النولون بمبلغ 4000 جنيه استرليني يدفع مقدماً عند التوقيع على سندات الشحن، واتفق على أن يكون وصول السفينة إلى الإسكندرية خلال المدة من 12 إلى 30 مارس سنة 1954 وعلى أن يتم شحن البضاعة في ثلاثة أيام وأن يتم التفريغ بأسرع ما يمكن، وحددت غرامة التأخير في الشحن بواقع 120 جنيهاً استرلينياً عن اليوم الواحد، كما اتفق على تطبيق الشروط الأخرى التي تتضمنها مشارطة الإيجار "جنكون" التي عرضت نسخة منها عليه، وتم هذا الاتفاق بواسطة السمسار "أوجست بولتن" بهامبورج. واستطرد المطعون عليه يقول إنه أرسل مشارطة الإيجار بالشروط المتقدمة إلى الطاعنة للتوقيع عليها، ولكنها قامت بتحرير مشارطة جديدة يخالف بعض شروطها ما سبق الاتفاق عليه - من ذلك النص فيها على أن مدة الشحن والتفريغ تسعة أيام، وعلى أن يستخدم المستأجرون سمسارهم كوكيل بينما ينص الاتفاق على أن يعين أصحاب السفينة وكيلهم، وقد عدل المطعون عليه بدوره نصوص المشارطة إلى ما كانت عليه طبقاً للاتفاق وأعادها بعد التوقيع عليها للشركة الطاعنة فرفضت توقيعها وأبدت رغبتها في فسخها فلم تشحن البضاعة على السفينة التي وصلت إلى الإسكندرية في 13 مارس سنة 1954، واضطر الربان إزاء هذا الموقف إلى قبول شحن السفينة ببضاعة لشركة أخرى مقابل نولون إجمالي قدره 3350 جنيهاً استرلينياً فلحق المطعون عليه من جراء تصرف الشركة الطاعنة ضرر يقدر بمبلغ 650 جنيهاً استرلينياً هو الفرق بين قيمة النولون السابق الاتفاق عليه وقيمة النولون الذي تم الشحن بمقتضاه وبمبلغ 1080 جنيهاً استرلينياً وخمسة شلنات قيمة غرامة التأخير والوقت الضائع على السفينة أثناء رسوها بميناء الإسكندرية فيكون مجموع ذلك 1730 جنيهاً استرلينياً وخمسة شلنات وهو ما أقام به الدعوى - دفعت الشركة الطاعنة بأنه لم يتم الاتفاق على شروط الإيجار وأن موافقتها اقتصرت على مبدأ الشحن دون التفاصيل وأنه لما وصلتها المشارطة المعدلة من المطعون عليه أبرقت إلى السمسار "بولتن" بعدم موافقتها على التعديل الخاص بتعيين الوكيل - ومحكمة أول درجة قضت في 30/ 1/ 1958 برفض الدعوى - استأنف المطعون عليه هذا الحكم بالاستئناف رقم 409 لسنة 76 ق تجاري القاهرة ومحكمة الاستئناف قضت في 16/ 5/ 1960 بإلغاء الحكم المستأنف وبإلزام الشركة الطاعنة بأن تدفع إلى المطعون عليه مبلغ 1218 ج و750 م - طعنت الشركة في هذا الحكم بطريق النقض - وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 4/ 1/ 1964 وفيها صممت النيابة على رأيها الذي أبدته بمذكرتها بطلب رفض الطعن - وبعد استيفاء الإجراءات اللاحقة لصدور قرار الإحالة وبالجلسة المحددة لنظر الطعن أمام هذه الدائرة التزمت النيابة رأيها السابق.
وحيث إن الطعن بني على ثلاثة أسباب تنعى الطاعنة بالسببين الأول والثاني منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون - ذلك أنه استخلص من المراسلات والبرقيات المتبادلة بين الطرفين أن العقد قد تم على إيجار السفينة بينما توجب المادة 90 من القانون البحري أن تكون مشارطة الإيجار محررة بالكتابة مما يترتب عليه ألا يلتزم الطرفان بالاتفاقات التي أسفرت عنها المفاوضات السابقة على تحرير المشارطة والتي تضمنتها المراسلات المتبادلة بينهما.
وحيث إن هذا النعي في غير محله - ذلك أن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه على ما قرره من "أن المستفاد من تسلسل البرقيات والمكاتبات المتبادلة بين الطرفين على النحو السالف بيانه والتي لم تنكر المستأنف ضدها (الطاعنة) ما قدمه المستأنف (المطعون عليه) منها أن العرض الذي عرضه (بولتن) مبيناً فيه جميع الشروط السابقة قد صادف قبولاً من المستأنف ضدها بالبرقية التي أرسلتها إليه في 24/ 2/ 1954 وأبدت فيها قبولها لجميع الشروط التي عرضها عليها وطلبت منه تعزيز الارتباط فوراً، وقد أرسل (بولتن) هذا التعزيز في نفس اليوم وبهذا تلاقت إرادتا الطرفين وانعقد العقد - أما عن عدول المستأنف ضدها (الطاعنة) بعد ذلك في برقيتها المؤرخة 25/ 2/ 1954 وطلبها التأجيل للرد حتى ظهر الخميس التالي فإنه فضلاً عن عدم قانونية هذا العدول بعد أن أرسلت ردها النهائي بالقبول... فإن المستأنف ضدها نفسها (الطاعنة) عادت في برقيتها وخطابها المؤرخين 26/ 2/ 1954 واعتذرت عما جاء ببرقيتها المؤرخة 25/ 2/ 1954 وأكدت مرة أخرى قبولها السابق وأبدت تمسكها بما كان قد تم الاتفاق عليه" - وهذا الذي قرره صحيح في القانون - ذلك أن عقد النقل البحري ليس من العقود الشكلية حتى يصح القول ببطلانه إذا لم يحرر بالكتابة - وإنما هو من العقود الرضائية التي لا يجوز إثباتها إلا بالكتابة وإذ تنص المادة 90 من القانون البحري على أن "مشارطة إيجار السفينة، وتسمى سند الإيجار، يلزم أن تكون محررة بالكتابة" - فإن قصد المشرع من اشتراط الكتابة في هذا النص هو بيان الدليل الذي يقبل في إثبات مشارطة إيجار السفينة حتى تكون كغيرها من عقود النقل البحري التي تخضع لشرط الإثبات بالكتابة استثناء من قاعدة جواز الإثبات بالبينة في المسائل التجارية. ولما كانت المادة 396 من القانون المدني تنص في فقرتيها الأولى والثانية على أنه "تكون للرسائل الموقع عليها قيمة الورقة العرفية من حيث الإثبات وتكون للبرقيات هذه القيمة أيضاً إذا كان أصلها المودع في مكتب التصدير موقعاً عليه من مرسلها وتعتبر البرقية مطابقة لأصلها حتى يقوم الدليل على عكس ذلك" وكان مؤدى هذا النص أن الرسائل والبرقيات لها قيمة الورقة العرفية في الإثبات متى كانت هذه الرسائل وأصل تلك البرقيات موقعاً عليها من مرسلها، وكان المشرع قد قصد بهذا النص - على ما أفصح عنه بالمذكرة الإيضاحية - أن يستجيب لحاجة التعامل بالرسائل والبرقيات وبوجه خاص في المسائل التجارية فأدرجها بين طرق الإثبات بالكتابة وجعل لها حجية الورقة العرفية للتسوية بينهما في الحكم - لما كان ذلك، وكانت القاعدة أنه لا يلزم لانعقاد العقد إثبات الإيجاب والقبول في محرر واحد، وكان الحكم قد اعتمد في إثبات مشارطة إيجار السفينة على تسلسل البرقيات والمكاتبات المتبادلة بين الطرفين والمقدمة من المطعون عليه ولم تنكرها الشركة الطاعنة، وعلى ما استخلصه منها من أن العرض الذي بين فيه السمسار "بولتن" جميع شروط التأجير قد صادف قبولاً من الشركة الطاعنة بالبرقية التي أرسلتها في 24/ 2/ 1954 وأبدت فيها قبولها لجميع الشروط التي عرضها عليها - لما كان ما تقدم، فإن الحكم في قضائه على أساس ثبوت مشارطة الإيجار - لا يكون قد خالف القانون.
وحيث إن السبب الثالث يتحصل في النعي على الحكم المطعون فيه بالخطأ في تطبيق القانون - ذلك أنه أقام قضاءه بتمام عقد إيجار السفينة على أن الطرفين اتفقاً على المسائل الجوهرية فيه وعلى أن تعيين مندوب عن الطاعنة في ميناء الشحن يعد من المسائل التفصيلية التي احتفظ بها الطرفان للاتفاق عليها فيما
بعد - وفات الحكم أن جميع الشروط تعد شروطاً جوهرية وأن تعيين مندوب عن الطاعن في ميناء الشحن ليس من المسائل التفصيلية.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن الحكم المطعون فيه أورد في هذا الخصوص "أن هذه المحكمة ترى مع ذلك أن الاتفاق الذي تم بين طرفي الخصومة تناول فيما تناوله مسألة تعيين الوكيل وأنه تم بالنسبة لهذه المسألة على وجه يعطي لكل من الطرفين تعيين وكيل له في ميناء الشحن وعلى أن يقسم أجر الوكالة مناصفة على هذين الوكيلين" وبعد أن عرض الحكم للبرقيات والمكاتبات المتبادلة بين الطرفين عن شروط تأجير السفينة أورد ما يلي "إن إرادتي الطرفين تلاقتا على جميع شروط العقد ومن بينها الشرط الخاص بحق ملاك السفينة في تعيين وكيل عنهم في ميناء الشحن وأنه على الفرض الجدلي بعدم حصول اتفاق على هذا الشرط فإنه يعتبر شرطاً غير جوهري في عقد النقل البحري لا يمنع عدم الاتفاق عليه من انعقاده ما دام الطرفان لم يشترطا أن العقد لا يتم عند عدم الاتفاق على هذا الشرط" ولما كان الحكم قد أقيم أساساً على أن الطرفين قد اتفقا على أن لملاك السفينة حق تعيين وكيل عنهم في ميناء الشحن فإنه لا جدوى بعد ذلك من مجادلة الحكم فيما بحثه على سبيل الافتراض من عدم الاتفاق على هذا الشرط - إذ يبقى الحكم محمولاً على أساس دعامته الأصلية مع استبعاد ما افترضه زائداً عن حاجة الدعوى، ومن ثم يكون النعي على الحكم بهذا السبب في غير محله.