الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 5 أبريل 2023

قرار المجلس التنفيذي رقم (79) لسنة 2022 بشأن اعتماد المُخالفات والغرامات الخاصّة بمكتبة محمّد بن راشد آل مكتوم

 قرار المجلس التنفيذي رقم (79) لسنة 2022

بشأن

اعتماد المُخالفات والغرامات الخاصّة

بمكتبة محمّد بن راشد آل مكتوم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

نحن   حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم     ولي عهد دبي     رئيس المجلس التنفيذي

 

بعد الاطلاع على القانون رقم (3) لسنة 2003 بشأن إنشاء مجلس تنفيذي لإمارة دبي،

وعلى القانون رقم (14) لسنة 2009 بشأن تسعير الخدمات الحُكوميّة في إمارة دبي وتعديلاته،

وعلى القانون رقم (1) لسنة 2016 بشأن النِّظام المالي لحُكومة دبي، ولائحته التنفيذيّة وتعديلاتها،

وعلى القانون رقم (8) لسنه 2016 بشأن تنظيم منح صفة الضبطيّة القضائيّة في حُكومة دبي ولائحته التنفيذيّة،

وعلى القانون رقم (14) لسنة 2016 بإنشاء مكتبة محمّد بن راشد آل مكتوم، ويُشار إليها فيما بعد بِـ "المكتبة"،

 

قررنا ما يلي:

الجزاءات والتدابير الإداريّة

المادة (1)

 

‌أ-        مع عدم الإخلال بأي عُقوبة أشد ينُص عليها أي تشريع آخر، يُعاقب كُل من يرتكِب أيّاً من الأفعال المُحدّدة في جدول المُخالفات المُلحق بهذا القرار بالغرامة المُبيّنة إزاء كُلٍّ منها.

‌ب-    تُضاعف قيمة الغرامة المُحدّدة في الجدول المُشار إليه في الفقرة (أ) من هذه المادة، في حال مُعاودة ارتكاب المُخالفة ذاتها خلال سنة واحدة من تاريخ ارتكاب المُخالفة السّابقة لها، وبما لا يزيد على (1000) ألف درهم.

‌ج-     بالإضافة إلى عُقوبة الغرامة المُشار إليها في الفقرة (أ) من هذه المادة، يجوز للمكتبة اتخاذ واحد أو أكثر من التدابير التالية بحق المُخالِف:

1.    الإنذار.

2.    الطّلب من المُخالِف مُغادرة المكتبة.

3.    الحرمان من الدُّخول إلى المكتبة للمُدّة التي يُحدِّدها المُدير التنفيذي للمكتبة.

4.    تعليق العُضويّة في المكتبة لمُدّة لا تزيد على (6) ستة أشهُر.

5.    إلغاء العُضويّة في المكتبة بشكلٍ دائم والحرمان من دُخولها.

‌د-       لا يحول فرض الغرامات والتدابير المُقرّرة بمُوجب هذه المادة، دون قيام المكتبة بإلزام المُخالِف بالتعويض عن قيمة الأضرار التي تسبّب بوقوعها، سواءً للمكتبة أو لأوعِية المعلومات، مُضافاً إليها ما نِسبتُه (25%) من قيمة التعويض كمصاريف إداريّة، ويُعتبر تقدير المكتبة لهذه التعويضات والمصاريف نهائيّاً.

‌ه-     لا يحول فرض الغرامات والتدابير المُقرّرة بمُوجب هذه المادة دون قيام المكتبة بإبلاغ السُّلطات المُختصّة في الإمارة في حال ارتكاب المُخالِف لأي جريمة مُعاقب عليها بمُوجب التشريعات السّارية.

 

الضبطيّة القضائيّة

المادة (2)

 

تكون لمُوظّفي المكتبة الذين يصدُر بتسمِيتهم قرار من رئيس مجلس إدارتها صفة الضبطيّة القضائيّة في إثبات المُخالفات المنصوص عليها في الجدول المُلحق بهذا القرار، ويكون لهُم في سبيل ذلك تحرير محاضر الضّبط اللازمة في هذا الشأن والاستعانة بأفراد الشُّرطة عند الاقتضاء.

 

التظلُّم

المادة (3)

 

يجوز لِكُل ذي مصلحة، التظلُّم خطّياً إلى المُدير التنفيذي للمكتبة من القرارات أو الإجراءات أو الجزاءات أو التدابير الإداريّة المُتّخذة بحقِّه بمُوجب هذا القرار، خلال (30) ثلاثين يوماً من تاريخ إخطاره بالقرار أو الإجراء أو الجزاء أو التدبير الإداري المُتظلّم منه، ويتم البت في هذا التظلُّم خلال (60) ستين يوماً من تاريخ تقديمه من قبل لجنة يُشكِّلها المُدير التنفيذي لهذه الغاية، ويكون القرار الصّادر بشأن هذا التظلُّم نِهائيّاً.

 

أيلولة الغرامات

المادة (4)

 

تؤول حصيلة الغرامات التي يتم استيفاؤها بمُوجب هذا القرار لحساب الخزانة العامّة لحُكومة دبي.

 

النّشر والسّريان

المادة (5)

 

يُنشر هذا القرار في الجريدة الرسميّة، ويُعمل به من تاريخ نشره.

 

 

حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم

ولي عهد دبي

رئيس المجلس التنفيذي

 

صدر في دبي بتاريخ 7 ديسمبر 2022م

الموافـــــــــــــق 13 جمادى الأولى 1444هـ


 

جدول المُخالفات والغرامات

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

م

وصف المُخالفة

الغرامة (بالدرهم)

1

الإضرار بمرافق المكتبة ومُقتنياتها من أجهِزة وأدوات وأثاث أو أي مُستلزمات أخرى، أو إساءة استخدامها.

50

2

التأخُّر في إعادة أوعِية المعلومات المُستعارة من المكتبة عن موعِد إعادتها.

50 فلس لِكُل وعاء عن كُل يوم تأخير وبحد أقصى 250 درهم

3

السّماح لشخص آخر باستخدام بطاقة عُضويّة المكتبة، لغرض الانتفاع من المزايا والخدمات التي تُقدِّمها المكتبة، ما لم يتم إبلاغ المكتبة مُسبقاً بفُقدان البطاقة أو سرقتها.

250

4

عدم الالتزام بالهُدوء داخل قاعات المكتبة والتسبُّب في إزعاج الغير.

250

5

دُخول الأماكن غير المُصرّح بدُخولها في المكتبة دون الحُصول على إذن مُسبق من المكتبة.

500

6

الدُّخول إلى المكتبة بلباس غير مُحتشِم وهيئة غير لائِقة.

250

7

التدخين داخل المكتبة ومرافِقها المُغلقة.

500

8

إدخال الحيوانات إلى المكتبة.

250

9

استخدام مخارج الطّوارئ الخاصّة بالمكتبة في الحالات غير الطّارئة.

500

10

التنظيم أو الدّعوة لعقد اجتماع أو تنفيذ فعاليّة في قاعات المكتبة دون الحُصول على التصريح المُسبق من المكتبة.

500

11

تناول الطّعام والشّراب في غير الأماكن المُخصّصة لذلك في المكتبة أو بشكل يضُر بمُقتنياتِها وبيئتها الداخليّة.

250

12

القيام بأي فعل من شأنه الإخلال بنظافة المكتبة.

250

13

جمع التبرُّعات أو الترويج لأي سِلعة أو بضاعة بأي طريقٍ من طُرُق الدِّعاية والإعلان، أو الدّعوة لأي أفكار أو مُعتقدات، أو توزيع المنشورات، دون الحُصول على المُوافقة المُسبقة من المكتبة والجهات المعنيّة في إمارة دبي.

500

14

القيام بإتلاف أو ضياع أوعِية المعلومات المُعارة.

50 درهم مُضافاً إليها تكلِفة الوعاء

15

مُخالفة أي التزامات أخرى تفرضها المكتبة بمُوجب النِّظام العام لها.

250

 

الطعن 3 لسنة 10 ق جلسة 18 / 4 / 1940 مج عمر المدنية ج 3 ق 52 ص 177

جلسة 18 إبريل سنة 1940

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وعلي حيدر حجازي بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك المستشارين.

--------------------

(52)
القضية رقم 3 سنة 10 القضائية

إقرار:
(أ) فهم المعنى المقصود منه. سلطة محكمة الموضوع في ذلك. حدّها.
(ب) الادعاء بوجود إكراه أو غلط في الإقرار. نفيه لأسباب مقبولة. الطعن في ذلك. لا يجوز.
(جـ) قيد وارد في إقرار. متى لا يعتبر شرطاً إرادياً؟ مثال. 

(المادة 103 مدني)

----------------
1 - لمحكمة الموضوع أن تحصل المعنى الذي قصده العاقدان من العقد مستهدية في كل دعوى بالملابسات والشواهد، وهي إذ تحصل هذا المعنى الواقعي وتستشهد عليه بأسباب مقبولة لا تتنافر مع ما هو ثابت في الأوراق لا رقابة عليها لمحكمة النقض. فإذا هي حصّلت من عبارات الإقرار أن المقرّ إنما قصد به التخارج من التركة، وكان هذا الذي حصّلته متسقاً مع الوقائع المشروحة في حكمها فليس لمحكمة النقض عليها من سبيل.
2 - إذا نفت المحكمة عن الإقرار وجود الإكراه أو الغلط المدّعى به؛ وأوردت الوقائع التي استندت إليها في قضائها بذلك، فلا يقبل لدى محكمة النقض التعرّض لهذا الاستدلال بنقد ما دامت المقدّمات التي اعتمد عليها الحكم تؤدّي إلى ما رتبه عليها من نتيجة.
3 - إذا كان الإقرار وارداً فيه أنه "إذا حصل مني بيع أو رهن لأحد خلافهم (إخوة المقرّ) فيكون لاغياً ولا يعمل به من الآن وقبل هذا التاريخ. وإذا طلبت البيع فيكون الثمن ستين جنيهاً عن كل فدان" فهذا القيد ليس من قبيل الشرط الإرادي الذي يكون تنفيذه متروكاً لمحض إرادة الملتزم فيه، وإنما هو قيد تقيد به المقرّ لمصلحة إخوته إذا ما اعتزم التصرف في ملكه.

الطعن 93 لسنة 9 ق جلسة 18 / 04 / 1940 مج عمر المدنية ج 3 ق 51 ص 161

جلسة 18 إبريل سنة 1940

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وعلي حيدر حجازي بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك المستشارين.

--------------------

(51)
القضية رقم 93 سنة 9 القضائية

أملاك عامة. 

بحيرة مريوط والأراضي المتاخمة لها. ملك عام. أرض متنازع عليها. استخلاص المحكمة من أوراق الدعوى أن هذه الأرض جزء من البحيرة المذكورة. موضوعي.
(دكريتو 3 أغسطس سنة 1901 والمادة 9 مدني)

----------------
إن عبارة الدكريتو الصادر في 3 من أغسطس سنة 1901 ومذكرته التفسيرية تقطعان بأن الغرض منه هو أن تكون منطقة بحيرة مريوط هي وما تاخمها من الأراضي المبينة بالرسم الملحق به خزاناً تنصب فيه مياه الصرف والأمطار حتى لا تطغى هذه المياه على الأراضي المجاورة، فهي لذلك من الأموال العامة. وإذا استخلصت المحكمة أن أرض النزاع هي جزء من البحيرة المذكورة بناء على ما تبين لها من المعاينة التي أجرتها بنفسها، وعلى ما توافر لديها من الدلائل الأخرى التي استظهرتها من الأوراق المقدّمة في الدعوى، وكان ما استخلصته من ذلك متسقاً مع وقائع الدعوى وأوراقها فإنه لا سبيل إلى محكمة النقض للتعرّض لها في هذا الأمر الموضوعي الذي يرجع إلى تحصيل فهم الواقع في الدعوى.


الوقائع

تتلخص وقائع هذه الدعوى - على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه وسائر المستندات المقدّمة من طرفي الخصومة وكانت من قبل تحت نظر محكمة الاستئناف - في أنه في أوائل سنة 1905 تبين للحكومة أن دائرة سموّ الأمير عمر طوسون قد شغلت نحو عشرة أفدنة من القطعة رقم 592 مساحة قديمة المعروفة بجزائر الشعران التابعة لبحيرة مريوط بأن أقامت على جزء منها "استراحة" وبعض خيام، ومهدت مسالك لصيد الطيور في البحيرة. ولما علمت مصلحة الأملاك بهذا خابرت إدارة القضايا للاستعلام ودّياً من الدائرة عن سبب استعمال الأراضي المذكورة. ثم حضر لمكتب إدارة القضايا المسيو بواليه بك مدير دائرة الطاعن وأبدى بأن سموّه يشغل العشرة الأفدنة المشار إليها من خمس عشرة سنة إذ أعدّها للإقامة بها مدّة الصيد، وأنه يميل لشرائها ولا يتمسك بحق امتلاكها بالمدّة الطويلة إذا تساهلت الحكومة في بيعها إليه. ثم أشار أيضاً إلى أنه يوجد حول هذه الأطيان مساحة أخرى تبلغ 16000 فدان تقريباً تكون مغمورة بالمياه في أغلب الأحيان في فصل الشتاء يود أن تؤجرها الحكومة إليه لمدّة طويلة أي لمدّة عشرين سنة على الأقل ويكون له حق الأولوية في الشراء متى عزمت الحكومة على بيعها وإنما يكون تعيين الثمن لذي يتم البيع على أساسه منذ الآن. ثم طلب بواليه بك تبليغ تلك الرغبات لمصلحة الأملاك فبلغت فعلاً من إدارة القضايا لتلك المصلحة. ولما لم توافق مصلحة الأملاك مبدئياً على بيع العشرة الأفدنة وتأجير الستة عشر ألف فدان المدّة الطويلة التي طلبها سموّ الأمير تقابل بواليه بك مع المستر أنتوني مدير مصلحة الأملاك لإقناعه بقبول رغبات سموّ الأمير فلم يوفق، وحصلت مشادة بينهما أعقبها ورود كتاب لمدير تلك المصلحة في 17 من يونيه سنة 1905 من المستر جيمس تومسون جاء فيه ما يأتي:
"طلب إلى سموّ الأمير أن أخبر جنابكم بأن سموّه لم يعهد إلى بواليه بك بمقابلتكم في المرة الثانية لاعتقاده بأن ما حصل بينكما من المشادة في المرة الأولى يحول دون تكليفه بهذه المأمورية. وإني أؤكد لكم أن بواليه بك كان في كل ما ألقاه إليكم معبراً عن رأيه الخاص. وقد شرحت لسموّ الأمير حقيقة المسألة فأظهر أسفاً كثيراً لما حصل من وكيله، وطلب مني السعي في نهو المسألة على القواعد الآتية بعد. وصرح لي سموّه أن لي صفة النيابة عن العائلة حيث إني كنت قبلاً الوكيل عن المرحومة شقيقته عصمت هانم ولا أزال إلى اليوم وكيلاً عن صهره. وإني أتقبل بكل سرور القيام بهذه المأمورية لما هو معروف عن سموّ الأمير من تقديره لمثل هذه الأعمال مما يجعلني واثقاً من لقاء عطفه ومساعدته. هذا وقد استفسرت عما إذا لم يكن للمسألة وجه خفي، وعما إذا كان الغرض من الشراء إنما هو حقيقة مجرّد الصيد فتبين لي صحة ذلك. هذا وسموّ الأمير يرغب في شراء عشرة أفدنة حول كل منزل (عشة صيد) وأن يستأجر الباقي وقدره 16000 فدان إلا عشرين فداناً مع إعطائه حق شراء هذه الأرض لمدّة خمس عشرة أو عشرين سنة إذا رغب، وهو يعرض ثمناً لشراء الفدان الواحد سواء من الأرض التي يزمع في شرائها حالاً أو التي يرغب في أن يترك له الخيار في شرائها في المستقبل كما تقدّم من جنيه إلى اثنين، ويعرض إيجاراً للفدان الواحد عن الأراضي التي يرغب في استئجارها من قرش إلى قرشين سنوياً. تلك هي رغبة سموّ الأمير فأتشرف بعرضها عليكم مضيفاً أنه يفضل على كل حال أدنى الأسعار أو متوسطها. وإني في انتظار رأيكم لإبلاغه إلى سموّ الأمير".
فتمهيداً للنظر في رغبات سموّ الأمير كلفت مديرية البحيرة معاون مركز كفر الدوّار بمعاينة المساحة التي يطلب سموّه استئجارها وإثبات حالتها وتقدير ما تساويه من الإيجار. فانتقل المعاون وحرر محضراً بتاريخ 9 من يوليه سنة 1905 أثبت فيه أن مياه الملاحة تحيط بجميع الأرض من حدودها الأربعة وفصل فيه إيجار كل جزء من القطع اليابسة.
ولما تبينت مصلحة الأملاك أن المساحة المرغوب استئجارها هي جزء من ملاحة مريوط لم توافق على التأجير المدّة التي طلبها سموّ الأمير. وترتب على ذلك أن بعث المسيو بواليه مدير الدائرة كتاباً للمستشار المالي في 30 من إبريل سنة 1906 ذهب فيه إلى أن الأمير وضع يده على 15000 فدان تقريباً منذ أكثر من خمس عشرة سنة وهو يستعملها للصيد وقد زرع فيها شعيراً وعمل طرقاً ومصارف، وأنه مظهر استعداده لإجراء تسوية ودية بدلاً من الدخول في إشكال مع الحكومة التي كانت تمتلك الأراضي قديماً، وأنه يقترح إجراء التسوية على أساس أن يدفع سموّ الأمير خمسة جنيهات عن كل فدان من العشرة الأفدنة الكائنة بجوار المنازل المقامة بمعرفته ويدفع قرشاً أو قرشين إيجاراً للفدان الواحد من باقي المساحة لمدّة عشرين سنة، وأنه في أثناء هذه المدّة يكون له الحق في شراء جزء من المساحة أو جميعها باعتبار ثمن الفدان الواحد جنيهاً أو اثنين.
وقد أجاب المستشار المالي على هذا الخطاب بكتاب في مايو سنة 1906 قال فيه إن الحكومة لا تسلم مطلقاً بما يزعمه سموّ الأمير من امتلاك للمساحة التي يدعيها، وإنه لا يمكنها أن تفكر في أمر تأجيرها لمدّة غير محدودة أو في تخويله حق مشتراها، وإنما تقبل مبدئياً أن يكون التأجير لمدّة سنة مع ترك أمر التجديد أو الفسخ لرغبة المتعاقدين. أما فيما يختص بشراء العشرة الأفدنة التي أقام عليها العزبة فلا ترى الحكومة مانعاً من النظر في اقتراح يعرض بشأنها.
وفي 6 من أغسطس سنة 1917 وجهت الحكومة المصرية النائب عنها مدير البحيرة الخصومة الحالية ضدّ حضرة صاحب السموّ الأمير عمر طوسون أمام محكمة إسكندرية الابتدائية بالدعوى رقم 360 كلي سنة 1917 طالبة الحكم بتثبيت ملكيتها إلى 13411 فداناً المبينة بإعلان الدعوى وتسليمها خالية في مدّة أسبوع من تاريخ إعلانه بالحكم الذي سيصدر وإلا فللحكومة إجراء ذلك بمصاريف ترجع بها عليه مع إلزامه بالمصاريف. وعند المرافعة ذكر الحاضر عنها أن هذه المساحة من ضمن بحيرة مريوط المعتبرة منافع عامّة، وأن إشغال سموّ الأمير لأجزاء صغيرة منها لأغراض الصيد المبنى على التسامح والمجاملة لا يمكن أن يؤدّي إلى اكتساب الملكية لها. واستند في ذلك إلى خرائط قديمة وحديثة وإلى كشوف رسمية وقوائم مساحة أطيان المسيرى التي زرعت خفية من أراضي النزاع من سنة 1893 وما بعدها، وإلى كتب متبادلة بين دائرة سمو المدّعى عليه والحكومة، وإلى عقود إيجار وصور أحكام صدرت لمصلحة الحكومة ضدّ من اعتدوا على هذه الأرض، وإلى دكريتو 3 من أغسطس سنة 1901 وأوراق أخرى مودعة بالملف. ودفع الحاضر عن المدّعى عليه الدعوى بأن أرض النزاع ليست من المنافع العامّة، وأنه تملكها بوضع اليد المدّة الطويلة المكسبة للملكية. واستند إلى عقود بيع صادرة إليه من الغير عن قطع من الأرض داخلة في المقدار المتنازع بشأنه وصور مكاتبات متبادلة بين دائرة الأمير وبين وزارة المالية في سنة 1905 عن هذه المساحة وصور أحكام صدرت لمصلحة الدائرة ضدّ آخرين من أرض يشملها النزاع وإلى أوراق مرفقة بالملف. كما استند إلى أن ما أحدثه من منشآت متعدّدة ومشروعات منفذة يؤيد وجهة نظره.
وبعد أن سارت القضية في الجلسات أمام محكمة أوّل درجة أصدرت تلك المحكمة في 3 من مارس سنة 1925 حكماً تمهيدياً قضى بندب ثلاثة خبراء من المهندسين لإجراء المأمورية المبينة بأسباب هذا الحكم وهي "الانتقال إلى الأرض المرفوع بشأنها الدعوى، وبعد معاينتها وتطبيق المستندات على الطبيعة يبينون ما إذا كانت هذه الأرض داخلة ضمن بحيرة مريوط أم لا مع مراعاة الحالة الطبيعية في الخرط والدكريتو الصادر في سنة 1901 والرسم المرافق له وهل العقود المقدّمة من سموّ الأمير المدّعى عليه تشملها أو جزءاً منها وهل الـ 17 قيراطاً و16 سهماً التي سبق أخذها منه للمنفعة العامّة تدخل ضمن الأرض المذكورة، وعليهم وصف حالة الأرض موضوع النزاع وصفاً دقيقاً مع بيان المغمور منها بالمياه والتي انكشف عنها والبور والمنزرع وبيان مساحة كل جزء من هذا النوع وسماع شهود الطرفين بخصوص وضع اليد على هذه الأطيان أو على جزء منها وسببه ومدّته".
وقد باشر الخبراء تلك المأمورية وقدّموا تقريرهم ومحاضر أعمالهم لقلم الكتاب في يوم 25 من ديسمبر سنة 1928 وقد جاء في نتيجته ما ملخصه: أن الأرض موضوع النزاع بحسب وضعها طبيعياً إذا ما طرح مدلول دكريتو سنة 1901 جانباً تبين أنها لم تكن داخلة نطاق البحيرة. أما في حالة اعتبار الدكريتو والرسم الملحق به فإن أرض النزاع تعتبر حوضاً ملحقاً بالبحيرة. ويتضح من المستندات المقدّمة من سموّ المدّعى عليه والتي بمقتضاها آلت إليه ملكية 574 فداناً أن المساحة الواردة بها خارجة عن أرض النزاع إلا أنها داخلة ضمن المنطقة التي شملها الدكريتو المشار إليه، كما شمل 178 فداناً تصرفت فيها الحكومة سنة 1925 إلى صبحي غالي بك، وأن الـ 17 قيراطاً و16 سهماً المنزوع ملكيتها من اسم المدّعى عليه للمنفعة العامة لم تكن داخلة أرض النزاع، وأنها تدخل ضمن المنطقة التي شملها الدكريتو المذكور وضمن الأراضي الموضوع اليد عليها من المدّعى عليه. ودلت المعاينة على أن الأرض التي شملها دكريتو سنة 1901 بما فيها أرض النزاع لم تزل على حالتها الطبيعية لعدم وجود مشروع ري بها. ولذا بقيت قاحلة جرداء لا نبت فيها، فهي في مجموعها بور إلا القليل منها مغطى بالحشائش الطبيعية، والمنزرع منها على مياه الأمطار أجزاء يعلو منسوبها عن 1.90 متر الذي نص عليه الدكريتو، وكذلك التلول المرتفعة. وبمساحة كل جزء منها كانت النتيجة:

سهمقيراطفدان
....1900مغمور بالمياه.
....10850بور بما في ذلك الأجزاء التي تغمرها المياه وتنسحب عنها للصيد بفعل سموّ المدّعى عليه.
1714659منزرع شعيراً على مياه الأمطار وتهيأ للزراعة.
171413409 

ودلت شهادة شهود المدّعى عليه في مجموعها على أن سموّه وضع يده على أرض النزاع من تاريخ يرجع إلى سنة 1883.
وجاء أيضاً في خلاصة هذا التقرير ما يأتي: "يتضح أن رفع الحكومة لهذه الدعوى أساسه يرجع إلى اعتبار أرض النزاع من المنافع العامة بناء على دكريتو سنة 1901. فهي لذلك محرّم تملكها لأي كان على اعتبار أن الدكريتو تنفذ منذ صدوره. وبما أن سموّ المدّعى عليه يدلل على عدم تنفيذه بالأدلة المبينة بالوجه الرابع من النتيجة، يضاف إلى ذلك الجزء المنزوع ملكيته من أرض تلك المنطقة مع القدر المشروع في نزع ملكيته، فكل ذلك لاحق على صدور الدكريتو المذكور وعلى اعتبار قيام الدكريتو ونفاذه، فإن الأرض موضوع النزاع وبالتالي أرض المنطقة التي شملها الدكريتو المذكور تكون من المنافع العامة. ولا يصح لأي فرد تملكها، وعلى اعتبار أن الإجراءات المذكورة ونعني بها تصرف الحكومة بالبيع فهي معطلة للدكريتو لأنها جاءت لاحقة له مما يدل على وقف تنفيذه، وتكون لذلك أرض المنطقة من الأملاك الخاصة التي يصح للأفراد تملكها بوضع اليد".
وبعد تقديم هذا التقرير والمناقشة فيه حكمت المحكمة الابتدائية في 9 من مايو سنة 1933 حضورياً برفض الدعوى وألزمت المدّعية بالمصاريف.
استأنفت مديرية البحيرة هذا الحكم واستأنفت معه أيضاً الحكم التمهيدي الصادر في 3 من مارس سنة 1925 أمام محكمة استئناف مصر بصحيفة أعلنتها للطاعن في 30 من يوليه سنة 1933 وقيدتها تحت رقم 967 سنة 50 قضائية بانية هذا الاستئناف على الأسباب التي دوّنتها في تلك الصحيفة وفي المذكرات المقدّمة منها، وطلبت الحكم بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع إلغاء الحكمين التمهيدي والموضوعي بكافة أجزائهما والقضاء أصلياً بطلباتهما الموضحة في صحيفة افتتاح الدعوى الابتدائية مع إلزام الطاعن بالمصاريف وأتعاب المحاماة عن الدرجتين، واحتياطياً الحكم تمهيدياً بانتقال المحكمة أو أحد أعضائها مصحوباً بخبير إذا اقتضت الحال لمعاينة الأرض موضوع الدعوى والتحقق من حالتها في الطبيعة مع إبقاء الفصل في الموضوع وفي المصاريف إلى ما بعد المعاينة.
وبعد أن حضرت الدعوى أحيلت إلى المرافعة لجلسة 14 من يناير سنة 1935 وفيها سمعت المحكمة أقوال وطلبات الطرفين، ثم أجل النطق بالحكم أخيراً لجلسة 12 من فبراير سنة 1935 وبتلك الجلسة قرّرت المحكمة فتح باب المرافعة لمناقشة الخبراء الذين عينتهم محكمة أوّل درجة ومناقشة الطرفين أيضاً في مستنداتهما وحدّدت لذلك جلسة 25 من مارس سنة 1935 وفيها حضر خبيران فقط وتبين أن ثالثهما توفى، فناقشت المحكمة الخبيرين الحاضرين بما هو مبين بمحضر الجلسة، ثم أجلت الدعوى ليوم 23 من إبريل سنة 1935 للحكم. وفي تلك الجلسة قرّرت المحكمة الانتقال إلى محل النزاع مصحوبة بالخبير المهندس حسن فؤاد أفندي لمعاينة الأرض موضوع النزاع والمنشئات التي أحدثها بها الطاعن وتكليف ذلك الخبير بما تراه لازماً لتنوير الدعوى وجعلها صالحة للحكم، وحدّدت للانتقال يوم 23 من مايو سنة 1935. بعد هذا قدّم وكيل الطاعن للمحكمة طلباً باستبدال الخبير حسن فؤاد أفندي لأنه موظف بالمساحة، فأشر على هذا الطلب بنظره في جلسة 7 من مايو سنة 1935 وفي تلك الجلسة قرّرت المحكمة تعيين محمد زكي بك المهندس الخبير بدلاً من حسن فؤاد أفندي المذكور، وأجل موعد الانتقال إلى يوم 29 من مايو سنة 1935. وفي ذلك اليوم تم الانتقال وأثبت في محضر جاء فيه أن المحكمة شاهدت بعض أكشاك مبنية بالطوب والبعض الآخر بالخشب يجاورها خيوش لأعراب ومصلى من الخشب، وأنه يفصل بين منطقة النزاع ومنطقة البحيرة حسب الخرط جسر مرتفع من الأرض المجاورة له من الجهتين بنحو نصف متر بعرض حوالي ثلاثة أمتار يصل إلى تل القصر وهو تل مرتفع أنشئت عليه استراحة لسموّ الأمير حولها بعض أكشاك بالطوب والخشب وشوهد خليج الرفاص وآثار لزراعة شعير محصود لم يزل بعضه بالجرن تحت الدراس والبعض الآخر قائماً وبعض نخيل مغروس في الطريق وصهريج كبير تحفظ فيه مياه الأمطار مستعمل وعدّة طرق تتخلل أرض النزاع في اتجاهات مختلفة أكثرها صالح لمرور السيارات. وهذا كل ما وجد من معالم وضع اليد في المنطقة التي اجتازتها المحكمة. أما الأراضي الغير المنزوعة فنابت بها بعض حشائش كالطرفة والخريزة ولوحظ بها بعض مرتفعات ولا طريق بها سوى مياه الأمطار. كما لم يشاهد أن المياه تغمر شيئاً من أرض النزاع في المنطقة التي مرت بها. ولوحظ أن منطقة البحيرة المفصولة عنها بالجسر السالف ذكره والمتصلة بهذا الجسر ليست مغمورة بالمياه أيضاً إلى مسافة بعيدة، ولكن لوحظ أن منسوبها أوطى من منسوب أرض النزاع. ثم عهدت المحكمة إلى الخبير محمد زكي بك الذي كان معها بما يأتي:
(أوّلاً) البحث فيما إذا كانت منطقة النزاع متصلة بالبحيرة الآن بواسطة فتحات طبيعية أو صناعية أو منفصلة عنها تماماً بواسطة الجسر السابق ذكره، وما تاريخ إنشاء هذا الجسر.
(ثانياً) بيان معالم وضع اليد الموجودة الآن بالطبيعة بدقة ومساحة الأراضي المزروعة والبحث فيما إذا كانت تزرع باستمرار أو في أوقات متفرّقة ومبدأ زراعتها ومساحة الأراضي القائمة عليها أبنية وملحقاتها وتاريخ إنشائها وبيان الطرق والمصارف التي أنشأها سموّ الأمير ومسطحاتها وتاريخ إنشائها والغرض من إنشائها سواء كان للزراعة أو الصيد أو لغير ذلك وتقدير تكاليف هذه المنشئات جميعها بالتقريب، على أن يشمل هذا التقدير قيمة الرفاصات التي أعدّها سموّه للانتقال إلى منطقة النزاع.
(ثالثاً) بيان منسوب الأراضي المزروعة والأراضي القائمة عليها المباني ومنسوب الأملاك التي باعتها الحكومة للأفراد والتي يتمسك بها سموّ المستأنف عليه في منطقة دكريتو سنة 1901 أو خارج هذه المنطقة من جهة البحيرة أو التي يملكها الأفراد بوضع اليد أو بأحكام في هاتين المنطقتين. وما إذا كانت هذه المناسيب جميعها أعلى أو أوطى من المنسوب المحدّد بدكريتو سنة 1901.
(رابعاً) إيضاح الغرض الفني من إنشاء منطقة دكريتو سنة 1901 وهل أدّى إنشاؤه إلى هذا الغرض ولم يزل يؤدّيه إلى الآن. وإذا كان لم يؤدّ الغرض المقصود منه أو أدّاه إلى تاريخ معين ثم بطل فما هو السبب في عدم تحقق الغرض وما تاريخ ذلك الانقطاع.
(خامساً) البحث فيما إذا كانت الأراضي التي لا تغمرها المياه من منطقة النزاع تظل كما هي الآن في كل فصول السنة أو تغمرها المياه في بعض الفصول الأخرى.
(سادساً) عمل رسم تفصيلي يبين جميع ما تقدّم من المقاسات والمناسيب. وصرحت المحكمة لحضرة الخبير بالاطلاع على مستندات الطرفين وسماع ملاحظاتهما وشهودهما بدون حلف يمين والاطلاع على ما يطلب كل من الطرفين الاطلاع عليه لتنوير الدعوى إذا وجد أن الطلب في محله وإجراء ما يراه هو لازماً لوصوله لهذا الغرض.
وقد قام الخبير بأداء هذه المأمورية وقدم تقريره بتاريخ 24 من فبراير سنة 1938 بقلم الكتاب مرفقاً به محاضر الأعمال ورسم تفصيلي.
وقد جاء في نتيجة ذلك التقرير ما يأتي:
(أوّلاً) إن مياه بحيرة مريوط أوطى الآن من أرض منطقة النزاع بسبب تخفيض منسوب البحيرة بواسطة طلمبات المكس المركبة على البحر الأبيض المتوسط وإحاطة منطقة النزاع من جميع جهاتها بجسر ثبت وجود جزء منه على خريطة سنة 1889. ولذلك فمياه البحيرة لا تدخل أرض النزاع إلا من الفتحة الطبيعية المنخفضة وهي باب المحار والفتحة الصناعية وهي خليج الرفاص، ولا توجد فتحات طبيعية أو صناعية الآن تصل مياه البحيرة إلى منطقة النزاع خلاف هاتين الفتحتين.
(ثانياً) معالم وضع يد سموّ المستأنف ضدّه هي عبارة عن الطرق والمصارف الكثيرة التي تتخلل عموم منطقة النزاع والمباني والأكشاك الخشبية المنتشرة في عموم المنطقة، وبناء صهريجين للمياه وزراعة بعض الأراضي على الأمطار لعدم وجود مشروعات ري في هذه الجهة وزراعة جزء بسيط منها على الماكينات والسواقي من مياه المصرف العمومي، وإيجاد وسائل النقل المائية والبرية واستمرار العمل على الدوام، وهي أعمال كثيرة مبينة بالتفصيل في محاضر الأعمال وعلى الخريطة المرافقة.
وتبلغ مساحة الأراضي المزروعة من منطقة النزاع 1244 فداناً و11 قيراطاً و12 سهماً في نقطة متفرّقة ملوّنة باللون الأخضر على الخريطة المرافقة. من ذلك 1204 فدادين و11 قيراطاً و12 سهماً يزرع شعيراً في فصل الشتاء على مياه الأمطار لعدم وجود مشروعات ري في هذه المنطقة والباقي وقدره حوالي أربعين فداناً يزرع في كل فصول السنة لأنه يروى رياً صناعياً من مياه مصرف العموم بواسطة الماكينات والسواقي. ويبلغ طول الطرق والمصارف التي عملت بمنطقة النزاع حوالي 87 كيلو متراً وتشغل مساحة تقرب من 91.5 فداناً.
وتشغل المباني المقامة مساحة قدرها 1950 متراً مربعاً خلاف حرمها، أما تاريخ عمل هذه المنشآت فقد ثبت من الاطلاع على الخرائط ومن شهادة الشهود أنها عملت بالتدريج من قبل سنة 1889 حيث ظهر منها الجسر البحري وخليج الرفاص وثكنات تل القصر على الخريطة التي عملت في تلك السنة وصارت تزيد بالتدريج حتى ظهرت كلها سنة 1915. وهذه الأعمال بطبيعتها ونوعها لا تعمل في وقت واحد بل تعمل بالتدريج لأنها أعمال كثيرة تحتاج وقتاً طويلاً وأموالاً كثيرة.
وتكاليف هذه المنشآت جميعها بلغت 12150 جنيهاً بوجه التقريب حسب التفصيل الوارد في المقايستين المرافقتين لهذا التقرير. والغرض من عمل هذه المنشآت هو الصيد والتملك بوضع اليد. على أن نية التملك بوضع اليد هي السبب الحقيقي في عمل هذه المنشآت.
(ثالثاً) مبين بمحاضر الأعمال وبهذا التقرير وبالخريطة المرافقة مناسيب جميع الأراضي التي طلبت المحكمة عمل مناسيب عنها وكلها أوطى من المنسوب المقرّر في دكريتو سنة 1901 ما عدا منسوب أغلب الأراضي المزروعة لأنها في أجزاء مرتفعة. كذا توضح منسوب المباني الواقعة فوق التلال المرتفعة.
(رابعاً) كان الغرض الفني من دكريتو سنة 1901 هو إنشاء منطقة منسوبها من 2.30 متر إلى 1.90 متر تحت سطح البحر الأبيض المتوسط تكون خزاناً لمياه صرف مديرية البحيرة ومياه الأمطار الكثيرة الوقوع في تلك الجهة ولكن هذا الغرض لم يتحقق لأن الحكومة في سنة 1892 ركبت طلمبات بجهة المكس لرفع مياه الصرف من بحيرة مريوط إلى البحر الأبيض المتوسط وبسبب استمرار رفع المياه بواسطة الطلمبات المذكورة ظل منسوب مياه البحيرة ثابتاً لغاية سنة 1913 لم يعل المنسوب المقرّر بدكريتو سنة 1901.
وفي سنة 1914 ركبت الحكومة طلمبات أخرى حتى صارت مياه البحيرة بمنسوب متوسط قدره 3.20 متراً في وسط البحيرة أي أوطى من غالبية مناسيب أرض النزاع ومن المنسوب المقرّر بدكريتو سنة 1901 بنحو المتر.
(خامساً) أرض النزاع جافة لا تغمرها المياه ومستعدّة للزراعة إذا عملت بها مشروعات الري والصرف. وهناك بعض أراض منحطة تتراكم فيها مياه الأمطار الكثيرة الوقوع في تلك الجهة في فصل الشتاء وتصرف هذه المياه في مصارف الحكومة المارة في وسط هذه المنطقة.
(سادساً) قد عملت خريطة تفصيلية مرافقة لهذا التقرير بينت عليها المقاسات والمناسيب ومعالم وضع اليد والأراضي المزروعة وما تملكه الأفراد وغير ذلك مما طلبته المحكمة.
وبعد أن سمعت محكمة الاستئناف الطلبات الختامية لطرفي الخصومة في جلسة 4 من إبريل سنة 1939 أجل النطق بالحكم لجلسة 30 من مايو سنة 1939 مع التصريح بتقديم مذكرات. ثم لجلسة 13 من يونيه سنة 1939 وفيها صدر بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وتثبيت ملكية الحكومة إلى 13411 فداناً المبينة الحدود والمواقع بإعلان الدعوى، وألزمت المستأنف عليه (سموّ الأمير عمر طوسون) بتسليمها خالية في مدّة ستة شهور من تاريخ إعلانه بهذا الحكم وإلا فللحكومة إجراء ذلك بمصاريف ترجع بها عليه وألزمته أيضاً بالمصاريف عن الدرجتين مبلغ خمسين جنيهاً مقابل أتعاب محاماة لها عنهما.
أعلن هذا الحكم للطاعن في 30 من سبتمبر سنة 1939 فطعن فيه وكيله بطريق النقض في 29 من أكتوبر سنة 1939 بتقرير أعلن للمطعون ضدّها في أوّل نوفمبر سنة 1939 إلخ.


المحكمة

وبما أن مبنى الطعن أوجه ثلاثة: أرجع الطاعن أوّلها إلى وقوع خطأ من المحكمة في تأويل وتطبيق القانون، وأرجع الثاني إلى...... إلخ.
وفي بيان الوجه الأوّل يقول الطاعن إن خطأ الحكم في تأويل القانون وتطبيقه بدا في ثلاث نواح:
الناحية الأولى - أنه لم يوفق إلى فهم وتطبيق الأمر العالي الصادر في 3 من أغسطس سنة 1901 إذ رأى أن معناه جعل حدّ يحيط بالأرض المراد اعتبارها حوضاً لبحيرة مريوط، وأن ما كان داخلاً في نطاق ذلك الحدّ يعتبر أملاكاً عامة مع أن الغرض الذي صدر من أجله هذا الأمر العالي - على ما يفهم من نصوصه - إنما هو نزع ملكية أراض بالمنسوب المطلوب لتكون خزاناً تنصب فيه مياه الصرف والأمطار.
الناحية الثانية - أخطأ الحكم أيضاً في اعتبار أرض النزاع جزءاً من بحيرة مريوط أي من المنافع العامة التي تنطبق عليها الفقرة الأخيرة من المادة التاسعة من القانون المدني في حين أن الحكومة تسلم في صحيفة افتتاح الدعوى بأن تلك الأرض مملوكة لها شرعاً بمقتضى المادة 57 من ذلك القانون أي أنها من أملاكها الخاصة، وقد كانت إجراءاتها بشأنها كلها مؤيدة لهذا النظر.
الناحية الثالثة - لقد أثبت انتقال محكمة الاستئناف كما أثبت تقرير الخبير محمد زكي بك إلى أرض النزاع أنها لا تتصل ببحيرة مريوط، فمن الخطأ إذن أن يطبق الحكم بشأنها الفقرة الرابعة من المادة التاسعة من القانون المدني. لا سيما وأن بحيرة مريوط نفسها لا تدخل في عداد البرك والمستنقعات المستملحة لأنها ليست متصلة بالبحر مباشرة ولا هي في عداد البحيرات المملوكة للحكومة وما كانت قط بحيرة بحسب التعريف العلمي أو القانوني.
وبما أن ما عابه الطاعن على الحكم المطعون فيه في الوجه الأوّل من تقرير الطعن بفروعه الثلاثة من خطأ في تطبيق القانون وإرجاعه ذلك بصفة خاصة إلى انحراف المحكمة في فهم دكريتو 3 من أغسطس سنة 1901 - هذا العيب ينصرف إلى الفقرات الآتية من الحكم:
"وحيث إنه يبين من استعراض وقائع الدعوى وما تم بها من إجراءات وما قرّره الخبراء الذين ندبوا فيها ومن مراجعة مستندات الطرفين والخرائط المودعة وما قدّمه كل طرف من مذكرات لتأييد وجهة نظره أن أرض النزاع هي جزء من بحيرة مريوط المخصصة بهذه الصفة للمنفعة العامة وذلك باعتبارها من مجرى البحيرة الأصلي أو من الأجزاء التي ألحقت بهذا المجرى بمقتضى دكريتو سنة 1901".
"وحيث إن مجرى البحيرة هو من المنافع العامة بمقتضى الفقرة الرابعة من المادة التاسعة من القانون المدني ونصها: "رابعاً... والبرك والمستنقعات المستملحة المتصلة بالبحيرة مباشرة وبالبحيرات المملوكة للميري". وقد خصصت الحكومة هذه البحيرة بالفعل لمنفعة عمومية بأن جعلتها محطة لصرف مياه مديرية البحيرة ومياه الأمطار إذ فيها تصب جميع مياه الصرف، وعلى الأخص مياه مصرفي العموم والدشورى، فهي على هذا الاعتبار من المنافع العامة بحكم الفقرة الأخيرة من المادة التاسعة سالفة الذكر التي جاء فيها: "وعلى وجه العموم كافة الأموال الميرية المنقولة أو الثابتة المخصصة لمنفعة عمومية بالفعل أو بمقتضى قانون أو أمر".
"وحيث إنه نظراً لأن مياه هذه البحيرة كانت تفيض وتطغى على الأراضي الزراعية المجاورة لها رأت الحكومة تخفيفاً لمنسوب المياه فيها وتخفيفاً للضغط الواقع عليها من مياه الصرف والأمطار أن تكلف إحدى الشركات بإقامة طلمبات بجهة المكس في نهاية مصرف العموم لسحب المياه منها وصبها في البحر الأبيض المتوسط، وأخذت هذه الطلمبات في العمل من سنة 1891 إلا أنه على إثر التوسع في الزراعة في مديرية البحيرة وتكاثر مياه الصرف والأمطار كان يعلو منسوب مياه البحيرة في بعض السنوات في فصل الشتاء وفي أثناء الفيضان، وكان يترتب على ذلك رفع دعاوى على الحكومة من أصحاب الأراضي المجاورة لها بطلب تعويض عما تلف من زراعتهم، فرأت الحكومة دفعاً للطوارئ وإخلاء لكل مسئولية أن تنشئ حرماً للبحيرة فأصدرت تحقيقاً لهذا الغرض أمراً عالياً في 3 أغسطس سنة 1901 بنزع ملكية الأراضي الواطئة المتاخمة لمجرى البحيرة. وبصدور هذا الأمر تأيد تخصيص البحيرة الفعلي لمنفعة عامة بنص قانوني، إذ ورد صراحة في الأمر العالي المشار إليه أن الغرض منه إيجاد طريق عمومي لمياه الصرف والأمطار. فقد جاء في المادة الأولى منه ما نصه "تنزع للمنفعة العمومية ملكية جميع الأراضي المتاخمة لبحيرة مريوط التي تكون أوطأ من سطح البحر المتوسط بأكثر من 1.90 متراً بحسب مقياس الملاحة، وذلك ما خلا الأراضي المعروفة بأملاك القبارى. والغرض من نزع ملكية الأراضي المذكورة إنما هو جعل الأراضي الواطئة التي هي أحط من ذلك المنسوب خزاناً تنصب فيه مياه الصرف والأمطار". وقد تنفذ هذا الأمر طبقاً للإجراءات المتبعة وذلك بوضع حدائد على الأجزاء التي دخلت في الخزان الملحق بالبحيرة المذكورة بفصل هذه المساحة عن باقي الأراضي المملوكة للأهالي أو للحكومة. ومن ثم أصبحت مساحة البحيرة محصورة داخل النطاق الذي أنشئ من الأراضي المنخفضة المتاخمة لها الموضحة على الرسم المرفق بالأمر العالي المشار إليه وتعتبر جميعها بما فيها المساحة المتنازع عليها من الأملاك العامة (بحيرة مريوط). ويؤيد ذلك ما دلت عليه المعاينة التي عملت بمعرفة هيئة محكمة الاستئناف والتي أجريت بمعرفة الخبراء من أن نحو سدس المساحة المذكورة مغمورة بمياه البحيرة، وأن الباقي المنسحبة عنه المياه يماثل في طبيعته ومعدنه ومنسوبه لقاع البحيرة وبه حشائش وأصداف من نوع وصنف الحشائش والأصداف الموجودة بها".
"وحيث إنه مما يؤيد ذلك أيضاً ما جاء في عقود تمليك سموّ المستأنف عليه بعض أراض كائنة في منطقة النزاع من أن الحدّ القبلي بحيرة مريوط وكذلك ورد هذا الحدّ في بعض العقود الصادرة عمن تلقى سموّه عنهم حق الملكية".
هذا هو ما ذكرته محكمة الاستئناف وكان مثار ما أخذه عليها الطاعن في الوجه الأوّل من طعنه.
وبما أن ما اعتمدت عليه محكمة ثاني درجة في التدليل على أن أرض النزاع جزء من بحيرة مريوط تسري عليه أحكام الأملاك العامة يرجع إلى تحصيل فهمها للواقع في الدعوى ثم إلى توكيدها هذا الفهم بما استخلصته من دكريتو 3 من أغسطس سنة 1901 ومذكرته التفسيرية وقد كان تحصيلها لما فهمته في الدعوى متسقاً مع الوقائع التي استعرضتها ومع المستندات التي أشارت إليها ولا ثلمة فيه تبرر تدخل محكمة النقض من طريق إثبات الحكم مصدراً وهمياً لأية واقعة استخلصها أو مصدراً يتناقض أو لا يؤدّي عقلاً لما استخلص منه، وهو الطريق الوحيد الذي حصر فيه قضاء هذه المحكمة وسيلة التعرض لفهم محكمة الموضوع الواقع في الدعوى.
أما ما ذهب إليه الحكم بشأن منحى دكريتو 3 من أغسطس سنة 1901 ومذكرته التفسيرية فقد كان على ما سبق ذكره توكيداً لفهم الواقع، وقد حصلت المحكمة موضوعياً أيضاً بشأنه أنه قد نفذ فعلاً بوضع الحدائد تعييناً للمنطقة التي ألحقها بالبحيرة، ثم إنه في الحق قد كان منحى الحكم هو المنحى السليم والمعنى المتبادر من عبارة الدكريتو ومن البيان الوارد في مذكرته تعليلاً لاستصداره، فإن كل ذلك يقطع بأن غرض المشرع كان أن تكون منطقة البحيرة هي وما تاخمها من أراض عينت في الرسم المرافق للدكريتو - أن تكون جميعاً خزاناً تنصب فيه مياه الصرف ومياه الأمطار أي جعلها ملكاً عاماً. ومع هذا الجلاء في بيان غرض الشارع ليس هناك أي مسوّغ لما أثاره الدفاع عن الطاعن من تخريجات وتأويل ابتغاء حمل الغرض الذي قصد إليه الشارع محملاً آخر وهو جعل الأرض المنزوعة ملكيتها وحدها دون البحيرة خزاناً للمياه وعدم إلحاقها بحال بمجرى البحيرة، وما أثاره من عدم تنفيذ الدكريتو بالنسبة لها إذ المحكمة قد أثبتت واقعياً أنه نفذ.
كذلك لا يلتفت لما استمسك به الدفاع عن الطاعن بأن الحكومة كانت تستند في صحيفة افتتاح الدعوى إلى المادة 57 من القانون المدني، وأن مفاد هذا أنها تقول بأن أرض النزاع من أملاكها الخاصة - لا يلتفت لهذا القول فإن الحكومة قد ظلت من أوّل خطوات الدعوى مستمسكة بأن أرض النزاع كانت دائماً ولا سيما بعد صدور دكريتو سنة 1901 مستعملة لمنفعة عامة وهي تخزين مياه الصرف والمطر أسوة بمجرى البحيرة الذي التحقت به. وقد ورد فعلاً في نفس صحيفة الدعوى إشارة إلى هذا المعنى كما أن محكمة الاستئناف قد فصلت موضوعياً على ما سبق ذكره بترجيح استدلالات الحكومة على خصمها في صفة الملكية العامة لأرض النزاع.
أما ما ذكره الدفاع عن استملاح بحيرة مريوط أو عدم استملاحها واتصالها أو عدم اتصال بالبحر فقول منقوض بصريح نص الفقرة الرابعة من المادة التاسعة من القانون المدني التي لا تدع أي شك في أن تلك البحيرة من الأملاك العامة.

الطعن 90 لسنة 9 ق جلسة 11 / 4 / 1940 مج عمر المدنية ج 3 ق 50 ص 160

جلسة 11 إبريل سنة 1940

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وعلي حيدر حجازي بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك المستشارين.

-----------------

(50)
القضية رقم 90 سنة 9 القضائية

إثبات. دليل. 

أوراق خاصة. إجبار الخصم على تقديم ورقة خاصة به للتدليل بها ضدّ مصلحته. لا يجوز.

---------------
لا يجبر خصم على أن يقدّم دليلاً يرى أنه ليس في مصلحته، فإن من حق كل خصم أن يحتفظ بأوراقه الخاصة به، وليس لخصمه أن يلزمه بتقديم مستند يملكه ولا يريد تقديمه.

الطعن 89 لسنة 9 ق جلسة 11 / 4 / 1940 مج عمر المدنية ج 3 ق 49 ص 153

جلسة 11 إبريل سنة 1940

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وعلي حيدر حجازي بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك المستشارين.

-------------------

(49)
القضية رقم 89 سنة 9 القضائية

هبة. 

هبة بمقابل. توثيقها بعقد رسمي. لا وجوب. عقد مشتمل على التزامات متبادلة بين طرفيه. التزام أحدهما بتمليك الآخر (مجلس مديرية المنيا) قطعة أرض بشرط أن يقيم عليها مؤسسة خيرية. عقد غير مسمى. لا تجب له الرسمية ولا يجوز الرجوع فيه. 

(المادتان 48 و138 مدني)

-----------------
إن الهبات التي يشترط فيها مقابل لا تعتبر من التبرعات المحض التي يجب أن توثق بعقد رسمي. فإذا كان العقد مشتملاً على التزامات متبادلة بين طرفيه إذ التزم أحدهما أن يملك الآخر (مجلس مديرية المنيا) قطعة أرض بشرط أن يقيم عليها مؤسسة خيرية فإنه لا يكون عقد تبرع، كما أنه ليس ببيع ولا معاوضة، وإنما هو عقد غير مسمى، فلا تجب له الرسمية ولا يجوز الرجوع فيه. وذلك على الرغم مما هو وارد في عقد الاتفاق من ألفاظ التنازل والهبة والتبرع، فإن كل هذه الألفاظ إنما سيقت لبيان الباعث الذي حدا بصاحب الأرض إلى تمليك المجلس إياها، فهي لا تؤثر بحال على كيان العقد وحقيقته.


الوقائع

تتلخص وقائع هذه الدعوى - على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق والمستندات المقدّمة والتي كانت من قبل تحت نظر محكمة الاستئناف - في أن الطاعن تعاقد مع مجلس مديرية المنيا في 31 من مايو سنة 1924 على أن يتنازل له عن قطعة أرض فضاء من ملكه بمعصرة سمالوط مساحتها 1060 متراً مبينة الحدود والمعالم بالعقد، وذلك مقابل أن يقيم عليها المجلس مدرسة أوّلية للبنات أو يخصصها لأي عمل خيري آخر. وقد صُدّر ذلك العقد بالعبارة الآتية:
"قد وهب وتبرع وتنازل الطرف الثاني للطرف الأوّل... إلخ". وجاء بالعقد أيضاً أن "الطرف الثاني (الطاعن) يشترط على الطرف الأوّل (مجلس المديرية) أن يقوم ببناء المعهد العلمي المذكور على الأرض الموهوبة في مدّة سنتين تبتدئ من تاريخ هذا التنازل، وإذا لم يتيسر للمجلس البناء في هذه المدّة فتجدّد لمدّة سنتين أخريين". وجاء به كذلك أنه "ليس للطرف الثاني حق الرجوع في هذا التبرع بأي حال من الأحوال ما دام مجلس المديرية استعمل هذه الأرض لبناء المدرسة الأوّلية للبنات عليها أو أي عمل خيري آخر".
وقد سجل العقد في قلم رهون محكمة مصر المختلطة في أوّل يونيه سنة 1924 برقم 186 المنيا. بعد ذلك رأت وزارة الداخلية - على ما تقول في أوراق الدعوى - أن مساحة الأرض صغيرة وموقعها غير صحي لإقامة مدرسة عليها فاتفقت مع الطاعن على إبرام عقد معاوضة بمقتضاه يعيد المجلس قطعة الأرض المحرّر بها عقد 31 مايو سنة 1924 إلى مالكها مقابل أن ينقل إليه ملكية قطعة أخرى تتوافر فيها الشروط المطلوبة. وفعلاً حرّر عقد معاوضة في 15 من فبراير سنة 1932 وسجل في 17 من ذلك الشهر نقل الطاعن بموجبه إلى ملكية المجلس قطعة أرض مساحتها 1500 متر المبينة الحدود بالعقد المذكور. وقد جاء في ذلك العقد العبارة الآتية:
"تنازل حضرة صاحب العزة يعقوب بباوى عطية بك بطريق البدل إلى حضرة صاحب العزة أحمد زكي مصطفى بك بصفته..... الذي قبل ذلك عن العقارات...... إلخ".
بعد هذا شرع المجلس في إعداد اللازم لبناء المدرسة فأنذره الطاعن في 13 من ديسمبر سنة 1934 بأنه يعتبر العقدين المؤرّخين في 31 من مايو سنة 1924 و15 من فبراير سنة 1932 باطلين لأن المجلس لم ينفذ ما فرض عليه، ولأن العقدين ليسا إلا هبة تمت بغير عقد رسمي، وكلف المجلس برد تكليف العقار إليه. ثم استولى على قطعة الأرض المحرّر بها عقد 15 من فبراير سنة 1932 وسوّرها.
فرفع المجلس الدعوى رقم 185 سنة 1937 كلي لدى محكمة المنيا الابتدائية الأهلية ضد الطاعن طالباً الحكم بتثبيت ملكيته لقطعة الأرض المبينة الحدود والمعالم بصحيفة الدعوى مع كف منازعته والتسليم وإزالة السور الذي أقامه عليها وحفظ حق المجلس في مطالبته بالريع عن مدّة الاغتصاب مع المصاريف والأتعاب وشمول الحكم بالنفاذ بلا كفالة.
وبعد أن سمعت تلك المحكمة دفاع وطلبات الطرفين قضت حضورياً في 28 من فبراير سنة 1938 برفض الدعوى مع إلزام رافعها بالمصاريف و300 قرش مقابل أتعاب المحاماة.
استأنف المجلس هذا الحكم أمام محكمة استئناف مصر الأهلية بصحيفة أعلنت في 22 من مايو سنة 1938 وطلب للأسباب التي أوردها بها قبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع إلغاء الحكم المستأنف والقضاء له بالطلبات الواردة بصحيفة الدعوى الابتدائية مع إلزام الطاعن بالمصاريف والأتعاب عن الدرجتين. فقضت تلك المحكمة بتاريخ 30 من مايو سنة 1939 حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وتثبيت ملكية المجلس إلى قطعة الأرض البالغ مساحتها 1500 متر مربع والمبينة الحدود والمعالم بصحيفة افتتاح الدعوى وبالعقد المسجل كلياً في 17 من فبراير سنة 1932 وكف منازعة الطاعن له فيها وإلزامه بتسليمها إلى المجلس مع إزالة السور الذي أقامه حولها وإلزامه أيضاً بالمصاريف عن الدرجتين و500 قرش مقابل أتعاب محاماة عنهما.
أعلن هذا الحكم إلى الطاعن في 12 من أكتوبر سنة 1939 فقرّر وكيله بالطعن فيه بطريق النقض في 18 من ذلك الشهر... إلخ.


المحكمة

وبما أن مبنى الطعن وجهان: يتلخص أوّلهما في أن الحكم المطعون فيه قد خالف المادتين 138 و48 من القانون المدني حين خرج في تفسير العقد الصادر من الطاعن في 31 من مايو سنة 1924 عن مرمى ذلك العقد وعن مبناه ومسخه مسخاً قد مس بالتكييف الصحيح لذلك العقد.
وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن شروط ذلك العقد القائم عليها النزاع قد بلغت من الوضوح غاية لا تفتقر بعدها إلى تفسير، وهي تعلن في صراحة بأنه عقد هبة، ومع هذا فقد كيفها الحكم المطعون فيه بأنها ليست كذلك، فخرج بما ذهب إليه على قانون العقد وعلى المادة 138 من القانون المدني وما تتطلبه من وجوب رسمية عقد الهبة صيانة له من الجدل.
ويتلخص الوجه الثاني في أن الطاعن قد طرح على محكمة الاستئناف استشكالاً طالباً إليها أن تفصل فيه وهو هل من المحتم أن تخضع الهبة في شكلها وفي موضوعها سواء بسواء إلى أحكام القانون المدني، أو أنها وفقاً للمادة 16 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية تخضع في شكلها فقط لأحكام ذلك القانون، أما في موضوعها فتسير عليها أحكام الشريعة الإسلامية - طرح الطاعن هذا السؤال على المحكمة فتنكبت الإشارة إليه في حكمها مع أهميته في استظهار أثر القاعدة الشرعية التي تجيز للواهب الرجوع في هبته. وبدهي أن هذا الرجوع إذا تقرّر قيام الحق فيه كانت دعوى مجلس مديرية المنيا منقوضة الأساس.
وبما أن الأسباب التي اعتمد عليها الحكم المطعون فيه تأييداً لنظره قد شملتها الفقرات الآتية:
"وحيث إن أساس هذه الدعوى يرجع إلى عقدين محررين بين طرفي الخصوم: أحدهما مؤرخ في 31 مايو سنة 1924 ومسجل كلياً في أوّل يونيه سنة 1924، وثانيهما مؤرّخ 17 فبراير سنة 1932 ومسجل كلياً في نفس التاريخ".
"وحيث إن مثار الخلاف بين طرفي الخصوم يدور حول قيمة كل من العقدين المذكورين من الوجهة القانونية إذ يذهب المستأنف إلى أن العقدين موضوع النزاع هما عقدا معاوضة بمقابل ولم يكونا عقدي هبة بالمعنى القانوني مما يشترط فيه أن يكون العقد رسمياً. ويخالفه في ذلك المستأنف عليه يعقوب بك بباوى ويقرّر أن العقد المؤرّخ 31 مايو سنة 1924 هو عقد هبة ظاهرة ولا تصح إلا إذا كانت حاصلة بعقد رسمي، وأن بطلان عقد الهبة المذكورة يترتب عليه قانوناً بطلان العقد المبنى عليه المؤرّخ سنة 1932".
"وحيث إنه للوقوف على الغرض الذي قصده المتعاقدان من تعاقدهما توصلا لمعرفة الوصف القانوني لكل من العقدين المتنازع عليهما يجب استظهار عبارة كل واحد منهما وبيان ظروف التعاقد والملابسات المحيطة به".
"وحيث إنه بتصفح العقد الصادر بتاريخ 31 مايو سنة 1924 والمسجل بقلم رهون المحكمة المختلطة في أوّل يونيه سنة 1924 تبين منه أن المستأنف عليه يعقوب بك بباوى ذكر به أنه وهب وتبرع وتنازل لمجلس المديرية المستأنف في شخص رئيسه وقتذاك عن قطعة أرض مساحتها 1060 متراً مربعاً كائنة بزمام سمالوط، واشترط في البند الثالث والرابع منه على أن يقوم مجلس المديرية ببناء مدرسة أوّلية للبنات أو أي عمل خيري آخر على الأرض الموهوبة، وذلك في مدّة سنتين تبدأ من تاريخ التعاقد. وإذا لم يتيسر للمجلس البناء في هذه المدّة فتجدّد لمدّة سنتين أخريين. كما أنه ظهر من الاطلاع على العقد اللاحق للعقد المشار إليه المؤرّخ 17 فبراير سنة 1932 والمسجل في نفس التاريخ أن المستأنف عليه يعقوب بباوى بك تنازل بطريق البدل عن 1500 متر مربع مبينة الحدود والمعالم بالعقد المذكور إلى مجلس المديرية المستأنف مقابل أخذه 1060 متراً مربعاً المبينة الحدود والمعالم بالعقد السابق المؤرّخ 31 مايو سنة 1924".
"وحيث إنه مما لا شك فيه أن العقد المؤرخ 17 فبراير سنة 1932 إنما هو وليد العقد المؤرّخ 31 مايو سنة 1924 لذلك يستلزم معرفة الوصف القانوني للعقد المؤرّخ 31 مايو سنة 1924 بادي الأمر ليتسنى للمحكمة تحديد مركز كل من المتعاقدين".
"وحيث إن ما انعقد عليه الإجماع فقهاً وقضاء أنه يشترط في عقود البيع أن يكون الثمن مبلغاً من النقود فإن كان الثمن غير نقد وجب اعتبار العقد مقايضة لا بيعاً".
"وحيث إنه وإن جاء بمستهل العقد الرقيم 31 مايو سنة 1924 أن المستأنف عليه يعقوب بك بباوى وهب وتبرع وتنازل لمجلس المديرية عن قطعة أرض مساحتها 1060 متراً مربعاً إلا أنه اشترط على المستأنف بالبندين الثالث والرابع منه أن يقوم ببناء مدرسة أوّلية للبنات عليها أو أي عمل خيري آخر، ولم يشترط عليه أن يقوم بدفع مبلغ من النقود ثمناً للأرض الموهوبة على زعم المستأنف عليه مما ينتفي معه اعتبار العقد عقد بيع لانعدام الثمن فيه، وما دام أن كلاً من المستأنف والمستأنف عليه المتعاقدين قد ألزم القيام بعمل معين في العقد المشار إليه، فالتزم المستأنف عليه بأن يملك المستأنف قطعة أرض معدّة للبناء على شرط أن يقوم المستأنف بدوره بتشييد مدرسة أوّلية للبنات أو يقوم بأي عمل خيري آخر فلا يعدّ إذن العقد عقد تبرع لأن عقد التبرع هو العقد الذي لا يأخذ فيه المتعاقد مقابلاً لما أعطاه ولا يعطي المتعاقد الآخر مقابلاً لما أخذه. وكذلك لا يعتبر العقد المذكور عقد معاوضة لأن المقايضة وإن كان لا ثمن فيها إلا أن كل عاقد من المتعاقدين يتعهد فيها بتمليك الآخر شيئاً على سبيل التبادل الأمر الذي لم يحصل في العقد المنوّه عنه آنفاً".
"وحيث إنه ما دام أن العقد المذكور يشتمل على التزامات متبادلة بين طرفي الخصوم فالتزم المستأنف عليه بتمليك قطعة أرض للمستأنف في مقابل التزام من قبل المستأنف في أن يقوم بعمل من جانبه هو تشييد مدرسة أوّلية للبنات عليها أو أي عمل خيري آخر فلا يعتبر العقد المذكور إذن عقد بيع ولا عقد مقايضة ولا عقد تبرع كما سبق البيان، بل يكون عقداً من العقود غير المعينة (راجع في ذلك بلانيول المطوّل طبعة سنة 1932 ص 28 نبذة 35 عن التكلم على الثمن في البيع ومؤلف نجيب بك الهلالي في البيع والمراجع الواردة به بند 272 و279). ولا عبرة بما جاء بمستهل العقد المذكور من الألفاظ الدالة على التبرع. فلفظ الهبة والتبرع والتنازل كلها ألفاظ تدل على أنها دوّنت عند تحرير العقد لبيان الباعث على تمليك المستأنف لقطعة الأرض، ولم يكن المراد من ذكرها الدلالة على ما يقصده المتعاقدان ولا تأثير لها على كيان العقد".
"وحيث إنه متى اتضح أن عقد سنة 1924 هو عقد غير مسمى ملزم للطرفين وواجب الاحترام وليس لأحد من الطرفين أن يتحلل من تنفيذ ما تعهد به بدون إرادة الآخر ورضائه، وينبني على ذلك أن ملكية قطعة الأرض تنتقل إلى المستأنف بمجرّد تسجيل العقد، وإذن يكون العقد اللاحق له سنة 1932 هو عقد مقايضة صحيحاً نافذاً التزم بموجبه المستأنف أن يملك المستأنف عليه قطعة الأرض المالك لها البالغة مساحتها 1060 متراً مربعاً، ويمتلك هو بدلاً عنها قطعة الأرض البالغة مساحتها 1500 متر مربع". هذا هو الأساس الذي دعمت به محكمة الاستئناف تكييفها لعقد 31 من مايو سنة 1924. وبما أن هذا الذي ذكره الحكم المطعون فيه يفيد أن محكمة الاستئناف قد حصّلت من فهمها لعبارات عقد 31 من مايو سنة 1924 الصريحة أنه يشتمل على التزامات متبادلة بين عاقديه فقد التزم الطاعن أن يملك مجلس المديرية قطعة الأرض في مقابل التزام ذلك المجلس بتشييد مدرسة أوّلية أو أي عمل خيري آخر عليها. وبناء على هذا الذي حصلته المحكمة واقعياً من عبارات العقد تحصيلاً لا تنبو عنه تلك العبارات قد كيفت المحكمة ذلك العقد بأنه ليس عقد بيع ولا عقد مقايضة ولا عقد تبرع، وإنما هو عقد من العقود غير المعينة، وأنه لا عبرة بما ورد فيه من ألفاظ التنازل والهبة والتبرع فقد سيقت تلك الألفاظ لبيان الباعث الذي حدا بالطاعن إلى تمليك المجلس أرض النزاع فهي لا تؤثر بحال على كيان العقد.
وبما أن تحصيل محكمة الموضوع لهذا الواقع تحصيلاً لا شائبة فيه وما بني عليه من تكييف لماهية العقد يجعل الحكم المطعون فيه بمنجى عن تدخل محكمة النقض ما دام هذا التكييف يقرّه القانون. ذلك أنه لا نزاع في أن الهبات المشروط فيها المقابل (avec charges) لا تعتبر تبرعاً محضاً يجب توثيقه رسمياً. ولا يجدي الطاعن ما ذهب إليه من أن التزام مجلس المديرية ببناء مدرسة لا يعتبر مقابلاً فقد فرغ من ذلك بتقدير محكمة الموضوع لهذا الالتزام بأنه مقابل، وهو في الواقع كذلك، فقد أصبح هذا الالتزام في عنق المجلس وليس عنه من محيص بعد أن تلقى ما يقابله وهو الأرض التي تنازل عنها الطاعن. يؤيد هذا النظر أنه في خصوصية الدعوى المطروحة ظاهرة بارزة وهي أن الطاعن بإبرامه عقد 15 من فبراير سنة 1932 الذي استرد به الـ 1060 متراً موضوع عقد 31 من مايو سنة 1924 في مقابل تقديمه 1500 متر أخرى، قد دل على أنه ما كان يفكر قط في أنه قد تحلل من الالتزام الأوّل بفوات توثيقه رسمياً أو بقعود المجلس عن تنفيذ شروط التنازل بل إنه يقرّ بقيام التزامه القديم وبنفاذه، ولكنه لاعتبارات جاء بها المجلس من ناحيته قد قبل استبدال الالتزام الثاني به، ثم حصل بعد ذلك أن طاف به الندم على الخير الذي قدّم فهمّ بالرجوع عنه متعللاً بما كان ساكتاً عن التعلل به ومستمسكاً بشيء جديد وهو أن له الحق في الرجوع عما وهب برغم ما كان ذكره صراحة في عقد 31 من مايو سنة 1924 من أنه لا حق له في الرجوع عن تبرعه بأية حال من الأحوال ما دام مجلس المديرية سينفذ تعهده.
وبما أنه متى وضح أن عقد 31 من مايو سنة 1924 ليس عقد هبة أصبح الوجه الأوّل من وجهي الطعن لا أساس له، وكذلك الوجه الثاني المؤسس على افتراض نفته محكمة الاستئناف وما كانت بعد نفيه بحاجة لبحث أحكام الهبة غير الموثقة رسمياً ولا أحكام الرجوع فيها، ذلك الرجوع الممتنع شرعاً في الصدقات والذي فات الطاعن حكمه عندما استمسك به أخيراً.

الطعن 85 لسنة 9 ق جلسة 4 / 4 / 1940 مج عمر المدنية ج 3 ق 48 ص 151

جلسة 4 إبريل سنة 1940

برياسة حضرة صاحب العزة محمد فهمي حسين بك وبحضور حضرات: علي حيدر حجازي بك ومحمد كامل الرشيدي بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك المستشارين.

----------------

(48)
القضية رقم 85 سنة 9 القضائية

إجارة:
(أ) الادّعاء بتجديد الإجارة تجديداً ضمنياً. مسألة موضوعية. مثال. قوانين تخفيض الإجارات الزراعية. الإجارات التي تدخل في متناولها. الإجارات المعقودة قبل أوّل يناير سنة 1930.
(المادة 386 مدني)
(ب) الاتفاقات الخاصة التي يمتنع معها الانتفاع بالقانونين رقم 103 سنة 1931 و32 سنة 1932. الاتفاقات الواردة على الأجرة في ذاتها. الاتفاق على تقسيط الأجرة. لا يمنع من الانتفاع. 

(القوانين رقم 103 سنة 1931 ورقم 32 سنة 1932 ورقم 12 سنة 1934 الخاصة بتخفيض الإجارات الزراعية)

-------------------
1 - إن الادعاء بأن الإجارة جدّدت تجديداً ضمنياً بناء على رضاء المتعاقدين من المسائل الموضوعية التي يترك الفصل فيها لقاضي الدعوى، ولا رقابة لمحكمة النقض عليه فيما يقضي به في ذلك ما دام قد أقام قضاءه على دليل مقبول مستمد من وقائع الدعوى وأوراقها. فإذا قالت المحكمة إن الإجارة لم تجدّد تجديداً ضمنياً لانعدام الرضا بذلك من المؤجر بناء على أن الاتفاق السابق على الإجارة منصوص فيه على التزام المستأجر بتسليم الأرض المؤجرة في نهاية مدة الإجارة، وأن المؤجر لذلك قد بادر قبل نهاية المدة إلى إشهار مزاد تأجير الأرض، وأن المستأجر نفسه دخل في المزايدة ولكن المؤجر (وزارة الأوقاف) رفض التأجير إليه وقبل عطاء شخص آخر، وأن هذا المستأجر لما امتنع عن تسليم الأرض رفع المؤجر ضدّه دعوى طلب فيها الحكم بإلزامه بالتسليم، ثم لما وجد تأمين المستأجر الجديد معيباً رفع ضدّه دعوى بفسخ الإجارة فتقدّم المستأجر القديم وقبل استئجار الأرض بأجرة تقل عن الأجرة التي كان قد قبل أن يستأجر بها عند المزايدة، فلا تثريب على المحكمة فيما قالت به. وإذن يكون استئجار المستأجر القديم للأرض (في مايو سنة 1930) إنما هو إجارة جديدة لا يصح له فيها أن ينتفع بأحكام القوانين رقم 103 سنة 1931 و32 سنة 1932 و12 سنة 1934 الخاصة بتخفيض الإجارات الزراعية. وذلك لأن جميع هذه القوانين تشترط أن تكون الإجارة عن سنة 1929 - 1930 الزراعية واستمرّت إلى ما بعدها، مما يدل على أن الإجارة يجب أن تكون قد عقدت قبل أول يناير سنة 1930.
2 - إن مجرّد الاتفاق على تقسيط الأجرة المتأخرة ليس من الاتفاقات الخاصة بالأجرة التي يمتنع معها الانتفاع بالتخفيض طبقاً لما جاء بالقانونين رقم 103 سنة 1931 ورقم 32 سنة 1932 فإن الاتفاقات الخاصة المعنية في هذا الصدد إنما هي التي تنصب على قدر الأجرة في ذاته بالزيادة أو النقص.

الطعن 53 لسنة 8 ق جلسة 28 / 3 / 1940 مج عمر المدنية ج 3 ق 47 ص 141

جلسة 28 مارس سنة 1940

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وعبد الفتاح السيد بك ومحمد كامل الرشيدي بك ومحمد زكي علي بك المستشارين.

----------------

(47)
القضية رقم 53 سنة 8 القضائية

محكمة الموضوع. 

سلطتها في تحرّي نية العاقدين. العرف. متى يرجع إليه في تفسير العقود؟

-----------------
لقاضي الموضوع أن يتحرّى نية العاقدين من أي طريق يراه وليس عليه أن يرجع في ذلك إلى العرف إلا إذا كان القانون لا يوجد فيه نص يحكم العقد أو كان العقد ليس فيه ما يكشف عن قصد المتعاقدين منه أو كان ذلك مبهماً فيه. فإذا كانت محكمة الموضوع قد حصّلت من فهمها للواقع تحصيلاً سائغاً أن العاقدين قد قصدا من اتفاقهما أن يكون الاحتكام فيما يختلفان فيه إلى ما نص عليه في التعاقد، وكان التعاقد جلياً في ذلك لا لبس فيه، وليس فيه مساس بالنظام العام، ثم أجرت حكمها بمقتضى ذلك على النزاع القائم بين طرفي العقد فلا غبار على قضائها، ولا سبيل إلى محكمة النقض عليها فيه.


الوقائع

تتلخص وقائع هذا الطعن - على ما جاء في الحكم الابتدائي والحكم المطعون فيه وسائر المستندات المقدّمة وكانت من قبل تحت نظر محكمة الاستئناف - في أن المدعى عليه في الطعن كان له بشونة بنك مصر نحو 135 ألف أردب من بذرة القطن فاتفق مع جرجس عماد الذي توفى وإيلى عماد (إلياس جرجس عماد الطاعن) بموجب عقد عرفي مؤرّخ في 21 من سبتمبر سنة 1928 على أن يورّد لهما هذا المقدار من البذرة ليقوما بعصره واستخراج الزيت ورواسبه (الموسيلاج) والكسب منه ويبيعا هذه المنتجات لحسابه ويودعا الثمن ببنك مصر بعد خصم 26 قرشاً عن كل أردب نظير ما كلفهما العقد بالقيام به في هذه العملية. وقد قام بركات بك بتوريد 135175 أردباً من بذرة القطن لإلياس جرجس عماد. وقام المذكوران بعملية استخراج الزيت والكسب منها، ودفعا لإسماعيل جاد بركات بك مبالغ تحت الحساب لحين تصفيته نهائياً. ثم شجر الخلاف بين الطرفين، وكانت أوّل بوادره أن طلب الطاعن إلى بركات بك بخطاب تاريخه 7 من ديسمبر سنة 1929 أن يوقع له على مخالصة بمبلغ 450 جنيهاً و45 مليماً رصيد حسابه عنده، فرفض بركات بك ذلك ورفض الطاعن أن يدفع هذا المبلغ إلا إذا أمضيت المخالصة ببراءة ذمته، فسحب بركات بك على الطاعن لشركة بركات التجارية كمبيالة بهذا المبلغ المعترف به أدت إلى عمل برتستو على الطاعن، ورفع الأمر للقضاء المختلط فحكمت محكمة الاستئناف المختلطة في 30 من مارس سنة 1932 في القضية رقم 569 سنة 6 قضائية (وكان أدخل فيها بركات بك) بإلزام الطاعن لشركة بركات التجارية بمبلغ التحويل المسحوب مع فوائده وبرفض طلب الطاعن الحكم ببراءة ذمته قبل بركات بك ورفض طلب التعويض الذي وجهه قبله.
بعد ذلك رفع بركات بك على الطاعن وعلى جرجس عماد الدعوى الحالية أمام محكمة إسكندرية الابتدائية بصحيفة أعلنها في 22 من سبتمبر سنة 1932 وقيدها تحت رقم 706 كلي سنة 1932، وقد ذكر في تلك الصحيفة زيادة على الوقائع المتقدّم بيانها أن خصميه رفضا تسليمه باقي فواتير البيع الذي قاما به داخل القطر المصري وخارجه طبقاً لنص العقد، كما رفضا إخطاره عن مقدار الزيت والكسب المستخرج من البذرة المسلمة منه إليهما مع أنه طلب منهما ذلك بعدّة خطابات، ثم إنهما خالفا البند الثاني حرف "ف" من عقد 21 من سبتمبر سنة 1928 بقبولهما بضائع أجنبية للعصير أثناء وجود بضائعه عندهما. وجاء أيضا بصحيفة الدعوى أن الفواتير المقدّمة للمحكمة المختلطة في القضية رقم 569 سنة 6 قضائية تكشف عن أن لبركات بك قبل خصميه ما يزيد على 14000 جنيه لذلك فهو يطلب إلى المحكمة إلزامهما متضامنين بأن يقدّما له في مدى أسبوعين من تاريخ الحكم حساباً مؤيداً بالمستندات عن عملية عقد 21 من سبتمبر سنة 1928 وإلا يدفعا غرامة جنيهين عن كل يوم من أيام التأخير. وبعد فحص الحساب الذي يقدّم واعتماده منه يحكم عليهما متضامنين بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة مع الأمر بالنفاذ العاجل. وعند نظر القضية بجلسة التحضير قصر بركات بك طلباته مؤقتاً على الطاعن وقرّر وكيل المذكور أن الطاعن هو صاحب محل تجارة جرجس عماد وأنهما شخص واحد، ثم أحيلت القضية إلى المرافعة.
وفي 30 من يناير سنة 1933 حكمت محكمة إسكندرية الابتدائية بتعيين الخبير محمود المرسي أفندي لمراجعة كشوف الحساب بين الطرفين، فباشر هذا الخبير مأموريته وقدّم تقريراً أثبت فيه أن ذمة الطاعن بريئة، فطعن بركات بك على ذلك التقرير بعدّة طعون وقدّم تقريراً استشارياً للخبير زكريا هيبة أفندي ينقض تقرير الخبير المرسي أفندي، فرأت المحكمة أن تستبدل المرسي أفندي بخبير آخر وأصدرت حكماً في 22 من يونيه سنة 1935 عينت بمقتضاه مسيو "إيلى يورجيل" مدير شركة التسليف خبيراً لإعادة فحص الحساب. وقد جاء في ذلك الحكم ما يأتي:
"حيث إن المحكمة ترى من الاطلاع على تقرير الخبير المنتدب في الدعوى والطعون الموجهة ضدّه تعيين خبير لإعادة فحص الحساب بين الطرفين وتصفيته على أساس نصوص عقد الاتفاق المحرّر بين الطرفين بتاريخ 21 من سبتمبر سنة 1928 والمستندات المقدّمة منهما مع عدم تطبيق قواعد العرف التجاري إلا في الأحوال الغير المنصوص عنها صراحة في العقد المذكور، وعليه الاطلاع على تقريري الخبيرين المنتدب والاستشاري المقدّمين في الدعوى ومذكرات الخصوم وبالجملة بحث كافة الطعون وبيان ما فيها من الخطأ والصواب في حدود نصوص العقد والمستندات المقدّمة من الطرفين بحضورهما أو من ينوب عنهما، وذلك بعد أن يحلف الخبير المذكور اليمين القانونية طبقاً للمادة 225 فقرة ثانية من قانون الخبراء".
"وحيث إن المحكمة ترى من ماهية النزاع بين الطرفين أنه عن معاملة تجارية تستلزم خبرة فنية خاصة في تجارة البذرة وعصرها وطرق تصريف ما يستخرج منها من الزيوت والكسبة في الداخل والخارج، ولهذا ترى المحكمة نظراً لخلو كشف الخبراء المقرّرين أمام هذه المحكمة ومحكمة الاستئناف العليا من خبير تتوفر فيه هذه المؤهلات ويلم بهذه الأعمال أن تندب مسيو إيلى يورجيل".
باشر هذا الخبير مأموريته وقدّم تقريراً أثبت فيه أن لبركات بك قبل الطاعن مبلغ 3806 جنيهات و29 مليماً، فطلب هذا بلسان محاميه تأجيل الدعوى ليقدّم مستندات دالة على أن الخبير تربطه ببركات بك معاملة تجارية فأجابته المحكمة إلى طلبه وأجلت الدعوى، ثم عاد وطلب ضم قضيتين كان رفعهما بطلب ردّ نفس الخبير وقضى فيهما بالرفض وهما القضيتان رقم 333 و347 كلي إسكندرية سنة 1935 فقضت المحكمة بضم هاتين القضيتين وقد ضمتا فعلاً إلى ملف الدعوى، ولكن الطاعن لم يقدّم المستندات التي طلب التأجيل لتقديمها.
وفي 20 من يونيه سنة 1936 حكمت المحكمة حكماً حضورياً بإلزام الطاعن بأن يدفع لبركات بك مبلغ 3806 جنيهات و29 مليماً وفوائده بواقع المائة سبعة سنوياً اعتباراً من 29 من أكتوبر سنة 1934 تاريخ المطالبة الرسمية لحين السداد مع المصاريف المناسبة لهذا المبلغ وثلثمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة وشملت الحكم بالنفاذ المعجل بلا كفالة.
استأنف الطاعن هذا الحكم أمام محكمة استئناف مصر بصحيفة أعلنها لخصمه في 8 أغسطس سنة 1936 وقيدها تحت رقم 966 سنة 53 قضائية طالباً للأسباب التي أوردها: (أوّلاً) وعلى وجه الاستعجال فيما يختص بالنفاذ المعجل بوجوب اشتراط الكفالة وإلزام المستأنف عليه بها مع إلغاء كافة إجراءات التنفيذ التي اتخذها ويتخذها المذكور قبله، وكذلك الحجوزات التي أوقعها، واعتبار جميع ذلك باطلاً وكأنه لم يكن. (وثانياً) فيما يختص بالموضوع إلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى بركات بك وإلزامه بكافة المصاريف والأتعاب عن الدرجتين.
وبجلسة 15 من سبتمبر سنة 1936 التي حدّدت لنظر هذا الاستئناف سمعت المحكمة طلبات ودفاع طرفي الخصومة ثم قضت بقبول الاستئناف شكلاً وفي موضوع النفاذ المعجل: (أوّلاً) بتعديل الحكم المستأنف وجعل النفاذ بشرط الكفالة. (وثانياً) بإلغاء إجراءات التنفيذ التي حصلت تنفيذاً للحكم المستأنف واعتبارها كأنها لم تكن. (وثالثاً) بإحالة الدعوى إلى جلسة 12 من أكتوبر سنة 1936 لتحضيرها.
وبعد أن تم التحضير أحيلت الدعوى إلى المرافعة وقد قدّم الطاعن لمحكمة الاستئناف تقريراً استشارياً من مسيو "سورفللى" أيد في نتيجته رأي الخبير محمود المرسي أفندي، وفي الجلسة الأخيرة المحدّدة للمرافعة سمعت طلبات وأقوال طرفي الخصومة، ثم أصدرت المحكمة بجلسة 19 من إبريل سنة 1938 حكمها في موضوع الدعوى برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف وألزمت المستأنف (الطاعن) بالمصاريف وبألف قرش مقابل أتعاب المحاماة للمستأنف عليه.
أعلن هذا الحكم للطاعن في أوّل مايو سنة 1938 فطعن فيه وكيله بطريق النقض في 31 من ذلك الشهر بتقرير أعلن للمدعى عليه في الطعن بتاريخ 6 من يونيه سنة 1938... إلخ.


المحكمة

وبما أن الطعن بني على وجهين يتلخصان فيما يأتي:
الوجه الأوّل - قد خالف الحكم المطعون فيه القانون باستبعاده العرف التجاري في تطبيق نصوص العقد المبرم بين طرفي الخصومة مع أن بعض تلك النصوص قد أشار صراحة وبعضها دلالة إلى ذلك العرف. كذلك خالف الحكم القانون حين قرّر أن ما ذكره في آخر البند الرابع من الاتفاق بشأن العرف وارد على حالة واحدة فلا يطبق في الحالات الأخرى إذ أن القاعدة القانونية تقضي بسريان العرف المتصل بموضوع التعاقد في جميع الأحوال التي لا تكون إرادة المتعاقدين قد استبعدته صراحة.
ويقول الطاعن إن مخالفة الحكم للقانون في هذا وفي ذاك قد بدا أثره في نواح ثلاث:
الناحية الأولى - قال الحكم إن مقادير الزيت والكسب المبينة في القائمتين رقم 2 و3 الملحقتين بعقد 21 من سبتمبر سنة 1928 لا تخضع للخصومات الواجب استنزالها من الثمن الإجمالي، مع أن هذه المقادير تعادل نصف المنتجات، ويجب أن تجرى عليها الخصومات لأن صفاتها تمت بعقود أثبتت في القائمتين والقائمتان ألحقتا بالعقد وصارتا جزءاً لا ينفصل عنه هما والعقود المشار إليها فيهما.
الناحية الثانية - رفض الحكم إجراء الخصومات عن المنتجات الأخرى مع أن العرف التجاري الذي نص صراحة في المادة الرابعة من عقد الاتفاق على سريانه على كافة البيوع كان يقتضي إجراء تلك الخصومات المتنازع عليها إذ هي من شرائط أداء الثمن والثمن هو أحد أركان البيع. ثم إن في النصوص الأخرى لعقد الاتفاق ما يفهم منه تحكيم العرف فقد جعل مثلاً تسليم منتجات البذرة على أبواب مصنع الطاعن لما يباع في مدينة الإسكندرية وفي القبارى لما يباع داخل القطر وعلى ظهر السفينة لما يباع في الخارج، وفي هذا دلالة ظاهرة على أن ما يتجاوز هذه المراحل من أعباء ونفقات لا يتحملها الطاعن بل يتحملها خصمه. وهذا هو حكم العرف المصطلح عليه. فهو إذن كان ملحوظاً بين المتعاقدين حين أبرما اتفاق 21 من سبتمبر سنة 1928.
الناحية الثالثة - إنه لو فرض ولم يأت في عقد الاتفاق ما يحتم اتباع العرف فإن المادة 245 مدني والمادة 29 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية تقضي بذلك.
الوجه الثاني - قد أخطأ الحكم المطعون فيه في تطبيق القانون. ذلك أنه انصرف عن حكم عقد الاتفاق المبرم بين طرفي الخصومة ومسخه حين ذهب إلى أن الالتزامات التي على عاتق الطاعن تعدو عملية عصر البذرة واستخراج منتجاتها مع أنها لا تعدوها. أما تصريف تلك المنتجات فإن عمل الطاعن بشأنها هو بصفته نائباً عن المطعون ضدّه ولحسابه. ولقد نتج عن هذا الخطأ في تكييف العلاقة القانونية بين المتعاقدين وعن مسخ حكم الاتفاق المبرم أن اعتبر الحكم أن الطاعن هو البائع في حين أنه وكيل عنه وحمّله المبالغ التي ألزمه بها على هذا الأساس.
هذا هو مبنى الطعن المقدّم.
عن الوجه الأوّل:
وبما أن جل ما يعتمد الطاعن عليه في هذا الوجه هو أن العقد المبرم بينه وبين خصمه في 21 من سبتمبر سنة 1928 تسمح نصوصه إما تصريحاً وإما تلميحاً بالرجوع فيما يختلفان عليه إلى حكم العرف التجاري، وأنه حتى لو فرض وأن نصوصه لا تسمح بذلك فإن القانون يقتضي هذا الرجوع.
وبما أنه فيما يتعلق بما يدّعيه الطاعن من انفراج نصوص العقد لإقحام أحكام العرف التجاري قد فصلت محكمة الموضوع في هذه النقطة ببيان واف ليس فيه أية ثغرة سواء أكان من ناحية اتساق المنطق أن من ناحية صحة الاستناد. فقد حللت تلك النصوص تحليلاً وتفهمت مراميها جملة وتفصيلاً ثم جزمت بأن المتعاقدين لم يريدا قط إلا تحكيم عقدهما في كل خلاف ولم ينصرفا إلى العرف إلا في ناحية واحدة أورداها في آخر البند الرابع من العقد وهي خاصة بكيفية دفع ثمن ما يباع في الخارج من المنتجات. فقد ذكر أن الدفع يكون عندئذ تلقاء مستندات الشحن طبقاً للعرف. هذا ما حصّلته محكمة الموضوع من فهمها للواقع في الدعوى ولم يلحق تحصيلها أي عيب كما تقدّم. ولقد رشحت لهذا الفهم بما أوردته في حكمها التمهيدي الصادر في 22 من يونيه سنة 1935 بتعيين مسيو إيلى يورجيل خبيراً في الدعوى حيث حدّدت في ذلك الحكم مأموريته في فحص الحساب بأن تكون "على أساس نصوص عقد الاتفاق والمستندات مع عدم تطبيق قواعد العرف التجاري إلا في الأحوال الغير المنصوص عنها صراحة في العقد المذكور". وكان مثار هذا التحديد ما وجه من المطاعن على تقرير الخبير السابق محمود المرسي أفندي. ومن تلك المطاعن أنه ناهض بالعرف نصوص العقد الصريحة، وقد باشر الخبير إيلى يورجيل مأموريته، ولم يعترض الطاعن وقت تنفيذها على أنها كانت محدّدة ذلك التحديد، وهنا تنكشف ضآلة حجته التي أوردها في الشق الثاني من الوجه الأوّل بأن القانون يقتضي الرجوع للعرف حتى لو لم تسمح نصوص العقد بذلك الرجوع، وهو قول عائم لا يؤخذ به، إذ لا شبهة إطلاقاً في أن العرف لا يكون الموئل الهادي للقاضي إلا عندما تستغلق عليه نصوص القانون، وكذلك عندما يسكت المتعاقدون عن تنظيم تعاملهم في ناحية مما تعاقدوا عليه أو ينظمونه في غموض.
وبما أنه متى استبان أن العرف لا يرجع إليه فيما سكت عنه القانون أو فيما انصرف عن تبيانه المتعاقدون أو أشاروا إليه في غموض - متى استبان ذلك، وكانت محكمة الموضوع في الدعوى المطروحة قد حصّلت من فهمها للواقع تحصيلاً سليماً - على ما تقدّم بيانه - ما قصده المتعاقدان من اتفاق 21 من سبتمبر سنة 1928 وهو أن لا يكون الفيصل في خلافهما سوى نصوص ذلك الاتفاق، ورأت تلك المحكمة أن تلك النصوص على جلاء لا يحتمل أي لبس وفيها كل الغناء، ثم هي لا يشوبها مساس بالنظام العام فأجرت حكمها على النزاع القائم، فإن قضاءها لا يلحقه أي غبار. ولا سبيل لمحكمة النقض لتتبع ما ينعاه عليه الطاعن من عيوب لأنه إنما يحاول بذلك طرح مسائل موضوعية على محكمة القانون.
عن الوجه الثاني:
وبما أن ما ذهب إليه الطاعن في هذا الوجه من انصراف الحكم المطعون فيه عن مقتضى عقد الاتفاق بتكييفه بأنه عقد تعدو التزاماته العملية الصناعية التي هي وحدها مهنة الطاعن - هذا القول مردود بأن محكمة الموضوع قد استظهرت في حدود اختصاصها الموضوعي من نصوص العقد الصريحة ما قصده العاقدان ومؤيدة نظرها في ذلك بأسانيد لا عيب فيها ومستخلصة استخلاصاً صحيحاً من المستندات المقدّمة في الدعوى بأنه تعاقد يشمل عملية صناعية ترتبط بها عملية تجارية حدّدت فيهما جميعاً واجبات وحقوق كل من المتعاقدين تحديداً جلياً. وقد ذهبت في عنايتها بتفهم هذه الواجبات والحقوق أن استعرضتها واحداً بعد الآخر، وجلت كل ما أثير حولها من تأويل في المرافعات والمذكرات، ونفت ما ادّعاه الطاعن فيما ادّعى من أن نفقات بيع المنتجات أبعدها العقد كما أبعدها العرف عن عاتق الطاعن. ومن أظهر ما تركزت فيه حجج الحكم الابتدائي المؤيدة أسبابه من محكمة الاستئناف عن أهم نقط النزاع ما أورده ذلك الحكم في الفقرات الآتية:
"وحيث عن المسألة الأولى المتعلقة بالعمولة وهي التي يتقاضاها الوسيط الذي سعى في إتمام الصفقة فالمحكمة ترى إلزام المدّعى عليه بها إذ فضلاً عن أن الخبير المنتدب أخيراً قد قال بهذا الرأي فإن نصوص العقد الرقيم 21 من سبتمبر سنة 1928 الذي هو قانون المتعاقدين تؤيد هذا المذهب تأييداً تاماً إذ جاء بالفقرة الثانية من البند الأوّل ما يأتي: "ويتعهد محل ج. عماد وولده (المدّعى عليه) أن يبيع لحساب إسماعيل بركات بك بعد الحصول على الموافقة منه أو من وكيله كل المحصولات التي تنتج من العصر إلخ". كما جاء بالبند الثالث ما نصه: "يتكلف محل ج. عماد وولده بالبذرة الموجودة في أكياس بداخل شون بنك مصر، وأن يقوم شخصياً بجميع المصاريف اللازمة اعتباراً من محل وجودها وبداخل الشون المذكورة لغاية ما تباع المحصولات التي تنتج من عصر البذرة المذكورة". وجاء بالبند الخامس ما يأتي: "وأما البيوع التي تحصل في القطر المصري فتكون بضمانة محل ج. عماد وولده الذي يقرّر من الآن بمقتضى هذا بأنه ضامن متضامن مع المشتري ووكيل له إلخ". وجاء في البند السادس ما يأتي: "يجب أن تباع المحصولات بمعرفة محل ج. عماد وولده وباسمه ولكن لحساب حضرة إسماعيل بركات بك، وكل المسئوليات التي تنتج من الضمانات الملقاة على عاتق البائع تلقى على عاتق محل ج. عماد وولده الذي يضمن شخصياً وبماله الخاص بدون أن يتحمل حضرة إسماعيل بركات بك بشيء ما عدا الخصم المنصوص عنه بالبند الثاني فقرة ثالثة". وجاء بالبند الثامن ما يأتي: "وبخصوص أجر محل ج. عماد وولده عن أتعابه ومصاريفه وضمانه ومسئوليته يتعهد إسماعيل بك أن يعطي محل ج. عماد وولده 26 قرشاً عن كل أردب بذرة قطن في كل الكمية التي قدرها 153000 أردباً إلخ". فمن هذه النصوص يتضح بجلاء أن المدّعى عليه أخذ على عاتقه عملية الإنتاج وما استلزم ذلك من مصاريف حتى تمام بيعها الذي التزم به كذلك نظير أجر 26 قرشاً عن الأردب الواحد. ولا جدال في أن العمولة التي يطالب بها المدّعى عليه هي عمل تقتضيه إجراءات البيع ومن مقدّماتها، ومتى كان المدّعى عليه قد أخذ على نفسه بذل المصاريف حتى تمام البيع، فليس له والحالة هذه التخلي عنها وقد ألزمته بها النصوص المتقدّم ذكرها مقابل الجعل الذي قدّر له".
"أما حجة المدّعى عليه في إضافة تلك العمولة على جانب المدّعي فترجع إلى أن هذه الأجرة لا تدفع إلا في الثغر الأجنبي المعدّ لتسليم البضاعة المباعة فيه، لهذا فهو غير ملزم بها ارتكاناً على أن مسئوليته تقف عند السفينة بالإسكندرية. أما ما يتم بعد ذلك من إجراءات فمصاريفه على عاتق المدّعي. واستند في ذلك على نص البند الثالث الذي جاء في ذيله ما نصه "أما شحن المحصولات فتكون فرانكو أورين بالنسبة إلى زبائن الإسكندرية وفرانكو قبارى لعملاء داخل القطر المصري، وفرانكو بور إلى الإسكندرية بالنسبة للعملاء في الخارج". كما استند على العرف التجاري المنصوص عنه بالبند الرابع من العقد".
"وحيث إن كون تلك العمولة تدفع في الثغور الأجنبية التي يحصل فيها تسليم البضاعة فهذا لا يغير من طبيعتها شيئاً ولا يبدل من موقف المدّعى عليه إزاءها إذ هي رغم هذا عمل من مستلزمات البيع وأمر تمهيدي لإبرامه، وعملية البيع إطلاقاً، أي سواء كانت في داخل القطر أو خارجه، من أخص واجبات المدّعى عليه، ومصاريفها واقعة عليه بصريح النصوص التي تقدّم ذكرها. ولا علاقة للعبارة التي يرتكن عليها المدّعى عليه في ذيل البند الثالث والتي صار إثباتها فيما تقدّم بموضوع العمولة إذ أن هذه العبارة تشير إلى كيفية شحن البضائع المصدّرة للخارج ولا شأن لأجر الوسيط في إتمام الصفقة بعملية الشحن والنولون المستحق عليها. أما ما يقضي به العرف التجاري الذي جاء ذكره في ذيل البند الرابع من العقد فلا محل لتطبيقه هنا إذ لا ينصب هذا حسب منطوق ذلك البند إلا على بيان الطريقة التي بمقتضاها يدفع الثمن ليس غير ولا يستقيم ما يذهب إليه المدّعى عليه مخالفاً لهذا من أن العرف التجاري قد قصد به هنا أن تكون البيوع كلها خاضعة للعرف التجاري. وذلك لسببين: (أوّلهما) أن تلك البيوع قد نص عليها صراحة بمشتملاتها في غير موضع من العقد بتفصيل لا يدع مجالاً لأي تدخل للعرف التجاري المدّعى به. (ثانيهما) أن البند الخامس الذي يقول عنه المدّعى عليه إن طريقة دفع الثمن قد نص عليها فيه بكل إسهاب وأن لا محل والحالة هذه إلى الالتجاء إلى ذكر العرف التجاري بهذا الخصوص، فهذا البند ينص في الواقع عن كيفية أداء الثمن من حيث ضمان المدّعى عليه به إذا ما عجز المشترون عن أدائه في الميعاد المحدّد".
هذا ا ذكره الحكم الابتدائي عن بعض أقلام النزاع وفيها يبدو ما حصّلته محكمة الموضوع واقعياً من "أن عملية البيع إطلاقاً أي سواء أكانت في داخل القطر أم خارجه من أخص واجبات المدّعى عليه (الطاعن) ومصاريفها واقعة عليه بصريح النصوص التي تقدّم ذكرها". وفيها يبدو أيضاً تقدير محكمة الموضوع للنص الصريح الوارد في البند السادس من عقد الاتفاق والذي جاء به "بأنه يجب أن تباع المحصولات بمعرفة محل ج. عماد وولده وباسمه، ولكن لحساب حضرة إسماعيل بك بركات، وكل المسئوليات التي تنتج من الضمانات الملقاة على عاتق البائع تلقى على عاتق محل ج. عماد وولده الذي يضمن شخصياً وبماله الخاص بدون أن يتحمل حضرة إسماعيل بركات بشيء ما عدا الخصم المنصوص عنه في البند الثاني فقرة ثالثة".
وبما أنه يبين من هذا الذي كشفت عنه محكمة الموضوع في هذه الفقرات، وأيضاً مما كشفت عنه في سائر فقرات الحكم أن ما نعاه الطاعن من خطأ المحكمة في تطبيق القانون بمسخ العقد المبرم بين طرفي الخصومة لا صحة له إطلاقاً. فالوجه الثاني من الطعن لا أساس له أيضاً.
وبما أنه يتعين بهذا رفض الطعن برمته.