جلسة 4 من مارس سنة 2020
برئاسة السيد القاضي/ محمد أبو الليل "نائب رئيس المحكمة"، وعضوية
السادة القضاة/ أمين محمد طموم، عمر السعيد غانم، محمد إبراهيم الشباسي "نواب
رئيس المحكمة"، والحسين صلاح.
--------------
(52)
الطعن 4132 لسنة 89 ق
(1 ، 2) استئناف "آثار الاستئناف: نطاق
الاستئناف".
(1) الاستئناف. اعتباره مرحلة ثانية للمحكوم
عليه في المرحلة الأولى ليعاود الدفاع عن حقه الذي لا يرتضى الحكم الصادر في شأنه.
(2) محكمة الدرجة الثانية. التزامها بنظر
الاستئناف على أساس
ما يقدم إليها من المحكوم عليه من أدلة وأوجه دفاع جديدة وما سبق تقديمه أمام
محكمة الدرجة الأولى.
(3 ، 4) استئناف "الطلبات الجديدة".
التقاضي على درجتين. مؤداه. حظر قبول أي طلب جديد أمام محكمة الدرجة
الثانية. التزام الأخيرة بعدم قبول الطلب الجديد من تلقاء نفسها. علة ذلك. م 235/
1 ق مرافعات.
(4) طلب الطاعن تحديد مسئوليته عن الحادث م
81، 83 من ق التجارة البحرية وبراءة ذمته والقضاء بالرد والفوائد القانونية من تاريخ
المطالبة وحتى تمام السداد. طلب جديد. عدم جواز إبداؤه لأول مرة أمام محكمة
الاستئناف. التزام الحكم المطعون فيه هذا النظر. صحيح.
(5) استئناف "الإحالة لأسباب أول درجة".
تأييد المحكمة الاستئنافية الحكم الابتدائي للنتيجة الصحيحة التي
انتهى إليها للأسباب الواردة به ولأسباب جديدة أنشأتها لنفسها. مفاده. أخذها من
حكم الدرجة الأولى بما لا يتعارض مع أسبابها أو نتائجها. مثال.
(6 - 8) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير
عمل الخبير".
(6) عمل الخبير. من أدلة الإثبات الواقعية.
خضوعه لتقدير محكمة الموضوع. شرطه. قيامه على أسباب سائغة لها أصلها في الأوراق وتؤدي إلى ما انتهى إليه.
أخذها به محمولا على أسبابه. مؤداه. عدم وجود ما يستحق الرد عليه في المطاعن
الموجهة إليه بأكثر مما تضمنه تقريره.
(7) الخبير. عدم التزامه بأداء عمله على وجه
محدد. كفاية قيامه بما يحقق الغاية من ندبه. خضوعه لتقدير المحكمة التي يحق لها
الاكتفاء بما أجراه لجلاء وجه الحق في الدعوى.
(8) قضاء الحكم المطعون فيه أخذا بتقرير
الخبير والذي له أصله الثابت بالأوراق. النعي عليه جدلا تستقل محكمة الموضوع
بتقديره. لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. النعي عليه غير مقبول.
(9) هيئات "هيئة قناة السويس".
هيئة قناة السويس. اختصاصها. تسيير مرفق قناة السويس بقوانينها
ولوائحها الخاصة دون التقيد بالأنظمة الحكومية. م 1، 2، 6 ق 30 لسنة 1975. مؤداه.
لها إثبات عناصر المسئولية وتقدير التلفيات ومطالبة المتسبب بالتعويض الجابر للضرر
عند وقوع حادث بالمجرى الملاحي. م 4 لائحة الملاحة وقواعد المرور في قناة السويس.
(10) نقل "نقل بحري: أشخاص الملاحة
البحرية: المرشد: تبعية المرشد للمجهز".
الأصل مسئولية ربان السفينة عن الأضرار التي تحدث تجاه الغير من
المرشد أثناء تنفيذ عملية الإرشاد. م 287 إلي 290 من ق 8 لسنة 1990.
(11) نقل "نقل بحري: أشخاص الملاحة
البحرية: المرشد: تبعية المرشد للمجهز".
المرشد. تبعيته للمجهز حال قيامه بعملية إرشاد السفينة ولو كان
الإرشاد إجبارياً. علاقة التبعية. مناطها. أن تكون للمتبوع سلطة فعلية في إصدار
الأوامر للتابع في طريقة أداء عمله وفي الرقابة عليه في تنفيذ هذه الأوامر
ومحاسبته حتى ولو لم يكن حرا في اختيار تابعه م 174 ق مدني. اتفاق ذلك مع قواعد
المصادمات البحرية بمعاهدة بروکسل م 5 من المعاهدة. مؤداه. ممارسة المجهز لسلطة
الرقابة والتوجيه على المرشد بواسطة ربانه. انسلاخ المرشد في فترة مباشرته نشاطه
على ظهر السفينة عن الجهة التي يتبعها أصلا. عدم مساءلة تلك الجهة عن الأخطاء التي
تقع منه في تلك الفترة. مسئولية مالك السفينة أو مجهزها عن التصادم الحاصل بسبب
خطأ المرشد دون الجهة التابع لها المرشد. علة ذلك. م 80، 95، 286، 287، 298 من ق 8
لسنة 1990.
(12 ، 13) التزام "تنفيذ الالتزام:
نظرية الظروف الطارئة".
(12) نظرية الظروف الطارئة. شرطها. أن يكون
الحادث استثنائيا وغير متوقع الحصول وقت انعقاد العقد. مناطه. توافر هذا الشرط. م
147 مدني.
(13) محكمة الموضوع. سلطتها. البحث إذا كان
الحادث الطارئ هو مما في وسع الشخص العادي توقعه أو أنه من الحوادث الطارئة.
مناطه. إقامة قضائها على أسباب مؤدية إلى ما انتهت إليه.
(14) نقل "نقل بحري: أشخاص الملاحة
البحرية: المرشد: تبعية المرشد للمجهز".
قضاء الحكم المطعون فيه بثبوت مسئولية الربان لا المرشد ورفض دعوى
ملاك السفينة ببراءة ذمتهم من قيمة التلفيات الناتجة عن الحادث استنادا لانعدام
القوة القاهرة. صحيح. علة ذلك.
(15 - 17) عقد "عيوب الإرادة: الإكراه".
(15) الإكراه المبطل للرضا. مناطه.
(16) تقدير كون الأعمال التي وقع بها الإكراه
مشروعة أو غير مشروعة. دخوله تحت رقابة محكمة النقض متى كانت تلك الأعمال مبينة في
الحكم.
(17) منع السفينة من مغادرة الميناء أو
التحرك لورش الإصلاح. أمر مشروع ولا يعتبر إكراها. مؤداه. سداد قيمة التلفيات
الناتجة عن حادث التصادم. صحيح.
----------------
1 - المقرر - في قضاء محكمة النقض – أن الاستئناف لا يعدو أن يكون
مرحلة ثانية أقامها القانون للمحكوم عليه في المرحلة الأولى ليعاود الدفاع عن حقه
الذي لم يرتض الحكم الصادر في شأنه.
2 - لئن كان القانون أجاز له تدارك ما فاته
في المرحلة الأولى للتقاضي من أسباب الدفاع عن حقه بأن يتقدم إلى محكمة الدرجة
الثانية بما يتوافر له من أدلة وأوجه دفاع جديدة وأوجب على تلك المحكمة أن تنظر
الاستئناف على أساس ما يقدم إليها منه فضلا عما سبق تقديمه إلى محكمة الدرجة
الأولى.
3 - التزاما بالأصل المقرر أن يكون التقاضي
على درجتين وتجنبا لاتخاذ الاستئناف وسيله لمباغته الخصم بطلب لم يسبق عرضه على
محكمة أول درجه فقد حظرت الفقرة الأولى من المادة 235 من قانون المرافعات قبول أي
طلب جديد أمام محكمة الاستئناف وأوجبت عليها الحكم بذلك من تلقاء نفسها.
4 - طلب الطاعن بصفته بتحديد مسئوليته عن
الحادث إعمالا للمادتين 81، 83 من قانون التجارة البحرية وجعله بمبلغ 2698200
جنيها وقيمته بالدولار الأمريكي 96, 152785 وبراءة ذمته من مبلغ 04, 1335834 دولار
أمريكي والقضاء برده والفوائد القانونية بواقع 5 % من تاريخ المطالبة الحاصلة في 2/
1/ 2018 حتى تمام السداد قدم لأول مرة أمام محكمة الاستئناف مما يعد طلبا جديدا
غير مقبول وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى رفضه وهو ما يستوي مع عدم قبوله
ومن ثم يضحى هذا السبب على غير أساس وبالتالي غير مقبول.
5 - المقرر - في قضاء محكمة النقض – أن تأييد
المحكمة الاستئنافية الحكم الابتدائي للنتيجة الصحيحة التي انتهت إليها للأسباب الواردة
به ولأسباب جديدة أنشأتها لنفسها مفاده أنها أخذت من أسبابه ما لا يتعارض منها مع
أسبابها ولا مع النتيجة الصحيحة التي أيدتها وأنها أطرحت ما عداه ولو لم تفصح عن
ذلك أو تخطي الحكم الابتدائي في أسباب المخالفة. لما كان ذلك وكان البين من مدونات
الحكم المطعون فيه أنه قد أقام قضاءه على أسباب جديده أنشأها وهي أسباب سائغة تكفي
لحمله وأردف القول بأنه يؤيد الحكم المستأنف الذي انتهى إلى رفض الدعوى يكون قد
صادف صحيح القانون لما تضمنه من أسباب لا تتعارض مع ما سلف من أسبابه مما مفاده
أنه لم يكن بحاجة إلى تعييب. هذا الحكم فيما تردى فيه من أسباب مخالفة ولا عليه إن
لم يخطئ تلك الأسباب على فرض مخالفتها للقانون ويضحي النعي على الحكم المطعون فيه
بهذا السبب على غير أساس.
6 - المقرر - في قضاء محكمة النقض – أن عمل
الخبير لا يعدو أن يكون عنصرا من عناصر الأثبات الواقعية في الدعوى يخضع لتقدير
المحكمة التي لها سلطة الأخذ بما انتهى إليه إذ رأت فيه ما يقنعها ويتفق وما رأت
أنه وجه الحق فيها ما دام قائما على أسباب لها أصلها وتؤدي إلى ما انتهى إليه، وأن
في أخذها بالتقرير محمولا على أسبابه ما يفيد أنها لم تجد في المطاعن الموجهة إليه
ما يستحق الرد عليه بأكثر مما تضمنه التقرير دون ما إلزام عليها بتعقب تلك المطاعن
على استقلال.
7 - المقرر - في قضاء محكمة النقض – أنه لا
إلزام في القانون على الخبير بأداء عمله على وجه محدد إذ بحسبه أن يقوم بما ندب له
على النحو الذي يراه محققا للغاية من ندبه ما دام عمله خاضعا لتقدير المحكمة التي
يحق لها الاكتفاء بما أجراه ما دامت ترى فيه ما يكفي لجلاء وجه الحق في الدعوى.
8 - أخذ الحكم المطعون فيه المؤيد للحكم
الابتدائي بتقرير الخبير المندوب في الدعوي والذي انتهى إلى أن ربان السفينة
المملوكة للطاعن بصفته هو المسئول عن الحادث موضوع الدعوى وما نشأ عنه من تلفيات
برصيف الحاويات - بميناء شرق قناة السويس لتداول الحاويات بشرق التفريعة - وذلك
بسبب الإيقاف التام لمحركات السفينة ورغم علمه بتأخر القاطرات المساعدة في عملية
التراكي وفي ظل قوة الرياح مع وجود تيارات مد بالقناة والاستمرار في عملية التراكي
وعدم انتظار القاطرات المساعدة اللازمة للتراكي وأن تلك الظروف لا تمكن طاقم
السفينة من السيطرة عليها وتوجيهها بالكفاءة المثلى وأن خطر الاصطدام بالرصيف
محتمل في تلك الحالة وهو ما وقع بالفعل وأن تقدير تكاليف إصلاح التلفيات التي لحقت
بالرصيف والتعويض عما فات الهيئة المطعون ضدها من كسب وما لحقها من خسارة من جراء
الحادث والمقدرة بتقرير مركز البحوث والاستشارات لقطاع النقل البحري بالأكاديمية
العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري مناسبة وكان ما خلص إليه الخبير له أصل
ثابت بالأوراق فإن النعي عليه على نحو ما جاء بهذين السببين لا يعدو أن يكون جدلا
فيما تستقل بتقديره محكمة الموضوع ولا يجوز إثارته أمام هذه المحكمة ومن ثم غير
مقبول.
9 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن النص
في المادة الأولى من القانون رقم 30 لسنة 1975 على أن "تتولى هيئة قناة السويس
القيام على شئون مرفق قناة السويس وإدارته واستغلاله وصيانته وتحسينه ويشمل
اختصاصها في ذلك مرفق القناة بالتجديد والحالة التي كان عليها وقت صدور القانون
رقم 285 لسنة 1956 بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية وللهيئة أن تنشئ
ما يقتضى الأمر من إنشاء المشروعات المرتبطة أو المتصلة بمرفق القناة أو أن تشترك
في إنشائها أو تعمل على تشجيع ذلك"، وفي المادة الثانية منه أن "هيئة
قناة السويس هيئة عامة تتمتع بشخصية اعتبارية مستقلة تخضع لأحكام هذا القانون وحده
ولا تسرى في شأنها أحكام القانون رقم 61 لسنة 1963 بإصدار قانون الهيئة العامة ولا
أحكام القانون رقم 60 لسنة 1971 بإصدار قانون المؤسسات العامة"، وفي المادة
السادسة على أن تختص الهيئة دون غيرها بإصدار اللوائح المتعلقة بالملاحة في قناة
السويس وغير ذلك من اللوائح التي يقتضيها حسن سير المرافق وتقوم على تنفيذها ... وقد
أصدرت الهيئة لائحة الملاحة وقواعد المرور في قناة السويس ونصت المادة الرابعة
منها على مسئولية السفينة عن الأضرار أو الخسائر التي تتسبب فيها بشكل مباشر أو
غير مباشر لمهمات الهيئة أو للوحدة العائمة نفسها أو لطرف ثالث وبمجرد وقوع الحادث
وإثبات المسئولية تشكل لجنة فنية لتقدير التعويضات وتكاليف الإصلاح والحصول على
التعويض الجابر للضرر من التوكيل التابع له السفينة ومفاد ذلك كله أنه نظرا لما
لقناة السويس من طبيعة خاصة واضطلاع هيئة قناة السويس بمهام تسيير المرفق أن يكون
لها من الصلاحيات ما يكفل لها تحقيق ذلك دون أن تتقيد بالأنظمة الحكومية وبالتالي
فإن للهيئة طبقا لقانونها واللائحة الخاصة بها عند وقوع حادث بالمجرى الملاحي
إثبات عناصر المسئولية وتقدير التلفيات بالكيفية التي تراها بواسطة أجهزتها الفنية
ولها إجراء ما تراه من معاينات توصلا لإثبات عناصر المسئولية على الوجه المقرر في
القانون سواء من حيث الخطأ والضرر وعلاقة السببية أو مطالبة المتسبب بالتعويض
الجابر للضرر.
10 - المقرر في قانون التجارة البحرية الصادر
بالقانون رقم 8 لسنة 1990 أن يظل الربان أثناء قيام المرشد بعمله سيد السفينة
وقائدها وأن المرشد مجرد ناصح يدلى بالرأي ولا يتولى تنفيذه. وهذا الأصل هو الذي
تقوم عليه أحكام المسئولية عن الأضرار التي تحدث أثناء تنفيذ عملية الإرشاد والتي
لها جملة وجوه تناولتها المواد من 287 إلى 290 من القانون سالف البيان منها
المسئولية تجاه الغير عن الأخطاء التي تقع من المرشد أثناء عملية الإرشاد والمسئول
عن هذه الأخطاء هو مجهز السفينة المخدومة لأن المرشد لا يحجب الربان فيظل الربان
في نظر الغير قائد السفينة المسئول عن كل ما يقع من أخطاء في قيادتها أو إدارتها.
11 - يعتبر المرشد أثناء تأدية عمله على
السفينة تابعا للمجهز فيسأل المجهز مسئولية المتبوع عن أعمال تابعة ولو كان
الإرشاد إجباريا وليس في هذا خروجا على الأحكام المقررة في القانون المدني في شأن
مسئولية المتبوع، ذلك أن الفقرة الثانية من المادة 174 منه تقضي بأن رابطة التبعية
تقوم ولو لم يكن المتبوع حرا في اختيار تابعه متى كانت له عليه سلطة فعلية في
رقابته وتوجيهه والمجهز يمارس سلطة الرقابة والتوجيه على المرشد بواسطة ربانه وقد
قررت القاعدة المتقدمة معاهدة بروكسل الخاصة بتوحيد بعض القواعد المتعلقة
بالمصادمات البحرية والتي وافقت مصر عليها وصدر مرسوم بالعمل بأحكامها إذ تقضى
المادة الخامسة منها ببقاء مسئولية السفينة في حالة ما إذا حصل التصادم بسبب خطأ
المرشد ولو كان الإرشاد إجباريا بما مؤداه أن المرشد ينسلخ في الفترة التي يباشر
فيها نشاطه على ظهر السفينة عن الجهة التي يتبعها أصلا وعلى ذلك لا تسأل هذه الجهة
عن الأخطاء التي تقع منه في تلك الفترة، وبذلك يكون المشرع قد وازن بدقة في اختيار
الحلول التي انتهجها لتحديد مسئولية كل من مالك السفينة أو مجهزها والربان أو
المرشد كل من مجال عمله وحدود مسئوليته. بأن جعل مالك السفينة أو مجهزها مسئولا عن
تعويض أي ضرر يصيب الغير من جراء أخطاء تابعية ومن بينهم المرشد باعتبار أن عائد
عمل المرشد يعود في المقام الأول إلى السفينة التي يرشدها، وتبعا لذلك فإن الأخذ
بعدم مسئولية الهيئة التابع لها المرشد خلال فترة أدائه لعمله على السفينة
واعتباره أثناء ذلك تابعا لمالكها أو مجهزها وهو ما يتفق وطبيعة العلاقة القانونية
الناشئة بينهما وانتقال السلطة الفعلية على المرشد وتبعته أثناء أدائه عمله على
السفينة للربان الذي يمثل مالك السفينة ليصير تقرير المسئولية المدنية للمالك
ومجهزها عن الأخطاء التي يقترفها المرشد على نحو ما تناولته نصوص المادتين 80، 287
من قانون التجارة البحرية رقم 8 لسنة 1980. غير مناقض لقواعد مسئولية المتبوع عن
أعمال تابعة ولا يستبعد تطبيق القواعد المنظمة لها في القانون المدني، وكل ما سعى
إليه المشرع بهذا التنظيم هو إيجاد ذمة مالية مليئة يستطيع المضرور اقتضاء التعويض
المستحق له منها وقد راعي المشرع في كل ذلك تحقيق التوازن بين مصلحة السفينة
المخدومة والمصلحة العامة في المحافظة على المجاري الملاحية باعتبارها أحد المرافق
العامة ذات الأهمية وعصب التجارة الدولية وضمان استمرار سير الملاحة فيها بانتظام
واضطراد وما سلكه القانون المصري في هذا الشأن ليس بدعا بين الدول إذ انتهجت
العديد من الدول ذات المنحى، كما أن من تلك الأحكام يدخل في نطاق السلطة التقديرية
للمشرع في مجال تنظيم الحقوق وذلك بوضعه الضوابط الحاكمة للعلاقة بين أطرافها سواء
في ذلك المرشد أو مالك السفينة ومجهزها وكذا الهيئة العامة للموانئ أو هيئة قناة
السويس، ملتزمة بالمعايير التي تكفل تحقيق التوازن بين المصالح المختلفة ودون ما
خروج على مبدأ خضوع الدولة للقانون أو إعفاء من التقيد بأحكامه لأي من أطراف تلك
العلاقة. والنص في المادة 80 من القانون رقم 8 لسنة
1990 بشأن إصدار قانون التجارة البحرية على أن "يسأل مالك السفينة أو مجهزها
مدنيا عن أفعال الربان والبحارة والمرشد وأي شخص آخر في خدمة السفينة متى وقعت
منهم أثناء تأدية وظائفهم أو بسببها كما يسأل عن التزامات الربان الناشئة عن
العقود التي يبرمها في حدود سلطاته القانونية"، والنص في المادة 95 من ذات
القانون "على الربان أن يتولى بنفسه توجيه قيادة السفينة عند دخولها الموانئ
أو المراسي أو الأنهار أو خروجها منها أو أثناء اجتياز الممرات البحرية وكذلك في
جميع الأحوال التي تعترض الملاحة عقبات خاصة ولو كان الربان ملزما بالاستعانة
بمرشد"، كما أن النص في المادة 286 من ذات القانون "تبقى قيادة السفينة وإدارتها
للربان أثناء قيام المرشد بعمله عليها"، والنص في المادة 298 من ذات القانون
"تترتب المسئولية المنصوص عليها في هذا الفصل ولو وقع التصادم بخطأ المرشد
ولو كان الإرشاد إجباريا وذلك مع عدم الإخلال بالقواعد العامة في المسئولية".
12 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن قوام
نظرية الحوادث الطارئة في معنى المادة 147 من القانون المدني هو أن يكون الحادث
استثنائيا وغير متوقع وقت انعقاد العقد والمعيار في توافر هذا الشرط معيار مجرد
مناطه ألا يكون في مقدور الشخص أن يتوقع حصوله لو وجد في ذات الظروف عند التعاقد
دون اعتداد بما وقر في ذهن هذا المدين بالذات من توقع الحصول أو عدم توقعه.
13 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن
البحث فيما إذا كان الحادث الطارئ هو مما في وسع الشخص العادي توقعه أو أنه من
الحوادث الطارئة مما يدخل في نطاق سلطة قاضي الموضوع طالما أقامها على أسباب مؤدية
إلى ما انتهى إليه.
14 - مالك السفينة أو مجهزها هو المسئول عن
التعويض عن أي ضرر يصيب الغير من جراء أخطاء تابعيه ومن بينهم المرشد باعتبار أن
عمله يعود في المقام الأول إلى السفينة التي يرشدها وأنه يترتب على ذلك عدم
مسئولية الهيئة التابع لها المرشد خلال فترة أدائه لعمله على السفينة واعتباره
أثناء ذلك تابعا لمالكها أو مجهزها وهو ما يتفق وطبيعة العلاقة القانونية الناشئة
بينهما وانتقال السلطة الفعلية على المرشد وتبعيته أثناء أدائه عمله على السفينة
للربان الذي يمثل مالك السفينة ليصبح تقرير المسئولية المدنية لمالك السفينة
ومجهزها عن الأخطاء التي يقترفها المرشد على نحو ما تناولته نصوص قانون التجارة
البحرية سالفة البيان غير مناقض مع قواعد مسئولية المتبوع عن أعمال تابعه وعليه
فإن امتثال ربان السفينة لأمر المرشد لا يعفيه من المسئولية عما يلحق الغير من
أضرار نتيجة عمل المرشد ومن ثم فلا يجدي الطاعن نفعا نعيه بأن المرشد هو المتسبب
في وقوع الحادث إذ هو المسئول قانونا عما يقع منه من أخطاء سببت أضرارا للغير. كما
أن القوة القاهرة التي تنهض سببا قانونيا للإعفاء هي التي تنشأ عن الأسباب
الطبيعية التي نص عليها القانون بأنها لا يمكن توقعها أو تفاديها كالصواعق ودوامات
البحر والتي يكفي إثبات حصولها للإعفاء من المسئولية وبالتالي فإن ما يدعيه الطاعن
من أن ارتفاع سرعة الرياح أثناء عمليه التراكي يعد قوة قاهرة غير صحيح باعتبار أنه
أمرا معروفا لديه ويتعين عليه اتخاذ الحيطة والحذر منه عند تراكي السفينة وكان
الحكم المطعون فيه قد خلص إلى ثبوت المسئولية عن الحادث موضوع الدعوى في حق ربان
السفينة ورتب على ذلك قضائه بتأييد الحكم الابتدائي برفض دعوى ملاك السفينة التابع
لهم الربان ببراءة ذمته من قيمة التلفيات ورفض رد ما قاموا بسداده ولا ينال من ذلك
ما ورد بتحريات جهة البحث باعتبار أنه صادر من غير مختص في مثل هذا الشأن ومن يكون
النعي على الحكم على نحو ما جاء بهذه الأسباب على غير أساس.
15 - الإكراه المبطل للرضا يتحقق - وعلى ما
جرى به قضاء محكمة النقض - بتهديد المكره بخطر جسيم محدق بنفسه أو بماله أو
باستعمال وسائل ضغط أخرى لا قبل له باحتمالها أو التخلص منها ويكون من نتيجة ذلك
حصول رهبه تحمله على الإقرار بقبول ما لم يكن ليقبله اختيارا.
16 - تقدير كون الأعمال التي وقع بها الإكراه
مشروعة أو غير مشروعة هو مما يدخل تحت رقابة محكمة النقض متى كانت تلك الأعمال
مبينه في الحكم لأن هذا التقدير يكون هو الوصف القانوني المعطي لواقعة يترتب على
ما قد يقع من الخطأ فيه الخطأ في تطبيق القانون.
17 - مجرد منع السفينة من مغادرة الميناء أو
التحرك لورش الإصلاح - وهو أمر مشروع في مثل هذه الحالة وتقتضيه الظروف - ولا يصح
اعتباره إكراها مبطلا لقيامة (الطاعن بصفته) بسداد قيمة التلفيات الناتجة عن حادث
السفينة المملوكة له ومن ثم يكون النعي على غير أساس.
----------
الوقائع
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق -
تتحصل في أن الطاعن بصفته أقام على المطعون ضده بصفته الدعوى رقم ... لسنة 2010
تجاري بورسعيد الابتدائية بطلب الحكم ببراءة ذمته من مبلغ قدره 1488620 دولار
أمريكي وإلزام المطعون ضده بصفته بأن يرد له هذا المبلغ سالف البيان والفوائد
القانونية بواقع 5% سنويا من تاريخ 11/ 8/ 2009 وحتى تمام السداد، وقال بيانا
لدعواه إنه بتاريخ 15/ 7/ 2009 وجهت الهيئة المطعون ضدها كتابا إلى توكيل (...)
للملاحة المسئولية عن (السفينة ...) التابعة له متضمنا الزعم بأنها تسببت في إحداث
تلفيات برصيف حاويات شرق بورسعيد فضلا عن حدوث تلوث بالمسطح المائي نتيجة تسرب زيت
وذلك أثناء (تراكيها) على الرصيف البحري بتاريخ 14/ 7/ 2009 ثم تبع ذلك منعها من
السفر أو التحرك للإصلاح بورش هيئة قناة السويس وبتاريخ 27/ 7/ 2009 طالب وكيل
السفينة بسداد المبلغ سالف البيان استنادا لما انتهى إليه تقرير مركز البحوث
والاستشارات التابع للنقل البحري مما اضطر معه الوكيل الملاحي رفعا للحجز الذي تم
توقيعه على السفينة ودرء لتعطيل مصالحها لسداد المبلغ رغم أن الحادث الحاصل
والأضرار الناجمة عنه لا يسأل عنها ربان السفينة ومن ثم انتفاء مسئولية المتبوع
سواء كان الوكيل الملاحي أو ملاكها وهو ما أسفرت عنه تحريات المباحث والتقارير
الفنية من أن ربان السفينة اتبع تعليمات المرشد إلا أن عامل الرياح وعدم وجود
القاطرات المساعدة في عملية التراكي أدى إلى الارتطام بالرصيف البحري وحصول فتحه
بجسم السفينة تسرب منها زيت بالمسطح المائي فضلا عن عدم وجود فنار بالرصيف لامتصاص
أثر الاصطدام وكل هذا يعد خطأ من جانب المضرور والغير فضلا عن ذلك فإن واقعة
السداد شابها إكراه تمثل في عدم السماح للسفينة بالمغادرة أو للإصلاح إلا بعد
تمامه ومن ثم أقامت الدعوي، ندبت المحكمة خبيرا وبعد أن أودع تقريره حكمت بتاريخ
23/ 11/ 2017 برفض الدعوى، استأنف الطاعن بصفته هذا الحكم لدى محكمة استئناف الإسماعيلية
"مأمورية بورسعيد" بالاستئناف رقم ... لسنة 59 ق وبتاريخ 25/ 12/ 2018
قضت بتأييد الحكم المستأنف، طعن الطاعن بصفته في هذا الحكم بطريق النقض وأودعت
النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة
مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
-------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي
المقرر، والمرافعة، وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على ثمانية أسباب ينعى الطاعن بصفته بالسبب الأول
منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وفي بيان ذلك يقول
إنه رفض طلبة المبدي في الاستئناف بتحديد مسئوليته عن الأضرار التي وقعت طبقا لنص
المادتين 81، 83 من قانون التجارة البحري بشأن تحديد المسئولية بفرض مقدار تجاوزه
التعويض بمبلغ معين لا يمكن تجاوزه واستند في قضائه إلى ثبوت الخطأ في جانب ربان
السفينة رغم أنه في حالة ثبوته لا يؤثر في هذا الطلب لأنه لا يمنع من الإجابة إليه
إلا عند ثبوت قصد الإضرار لديه وسوء نيته وهو ما لم يثبت بالأوراق وإذ خالف الحكم
المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون معيبا بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك أنه من المقرر - في قضاء هذه المحكمة
- أن الاستئناف لا يعدو أن يكون مرحلة ثانية أقامها القانون المحكوم عليه في
المرحلة الأولى ليعاود الدفاع عن حقه الذي لم يرتض الحكم الصادر في شأنه ولئن كان
القانون أجاز له تدارك ما فاته في المرحلة الأولى للتقاضي من أسباب الدفاع عن حقه
بأن يتقدم إلى محكمة الدرجة الثانية بما يتوافر له من أدلة وأوجه دفاع جديدة وأوجب
على تلك المحكمة أن تنظر الاستئناف على أساس ما يقدم إليها منها فضلا عما سبق
تقديمه إلى محكمة الدرجة الأولى إلا أنه التزاما بالأصل المقرر أن يكون التقاضي
على درجتين وتجنبا لاتخاذ الاستئناف وسيلة مباغتة الخصم بطلب لم يسبق عرضه على
محكمة أول درجه فقد حظرت الفقرة الأولى من المادة 235 من قانون المرافعات قبول أي
طلب جديد أمام محكمة الاستئناف وأوجبت عليها الحكم بذلك من تلقاء نفسها. لما كان
ذلك، وكان طلب الطاعن بصفته بتحديد مسئوليته عن الحادث إعمالا للمادتين 81، 83 من
قانون التجارة البحرية وجعله بمبلغ 2698200 جنيها وقيمته بالدولار الأمريكي 96،
152785 وبراءة ذمته من مبلغ 04, 1335834 دولار أمريكي والقضاء برده والفوائد
القانونية بواقع 5% من تاريخ المطالبة الحاصلة في 2/ 1/ 2018 حتى تمام السداد قدم
لأول مرة أمام محكمة الاستئناف مما يعد طلبا جديدا غير مقبول وكان الحكم المطعون
فيه قد انتهى إلى رفضه وهو ما يستوي مع عدم قبوله ومن ثم يضحي بهذا السبب على غير
أساس وبالتالي غير مقبول.
وحيث إن الطاعن بصفته ينعي بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه
القصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقول إنه لم يتناول أسباب الاستئناف بالبحث والرد
وأقتصر على الإشارة إليها دون إنزال حكم القانون بقالة إنه لا تثريب عليه في الأخذ
بأسباب حكم أول درجة رغم أن الأخير افترض أن الدعوى تتعلق بأضرار ناشئة عن تسريب
زيت من السفينة للمياه وقام بتطبيق معاهدة بروكسل لعام 1969 على النزاع في حين أن
دعواه هي براءة ذمته من مبلغ ألزم به لإحداث السفينة التابعة له تلفيات برصيف
ميناء حاويات بورسعيد وهو ما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أنه لما كان المقرر - في قضاء هذه
المحكمة - أن تأييد المحكمة الاستئنافية الحكم الابتدائي للنتيجة الصحيحة التي
انتهت إليها للأسباب الواردة به ولأسباب جديدة أنشأتها لنفسها مفاده أنها أخذت من
أسبابه ما لا يتعارض منها مع أسبابها ولا مع النتيجة الصحيحة التي أبدتها وأنها
أطرحت ما عداه ولو لم تفصح عن ذلك أو تخطى الحكم الابتدائي في أسباب المخالفة. لما
كان ذلك، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه قد أقام قضاءه على أسباب
جديدة أنشأها وهي أسباب سائغة تكفي لحمله وأردف القول بأنه يؤيد الحكم المستأنف
الذي انتهى إلى رفض الدعوى يكون قد صادف صحيح القانون لما تضمنه من أسباب لا
تتعارض مع ما سلف من أسبابه مما مفاده أنه لم يكن بحاجة إلى تعييب هذا الحكم فيما
تردى فيه من أسباب مخالفة ولا عليه إن لم يخطئ تلك الأسباب على فرض مخالفتها
للقانون ويضحى النعي على الحكم المطعون فيه بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن الطاعن بصفته ينعى بالسببين الثالث والسابع على الحكم المطعون
فيه القصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقول إنه استند في قضاءه لتقرير الخبير
المنتدب في الدعوى رغم ما شابه من عيوب إذ نسب إليه أنه لم ينكر حدوث الأضرار
بواسطة السفينة المملوكة له وهو ما يوحي بوجود إقرار منه بتحقيق الأضرار المزعومة
رغم خلو الأوراق من وجود مثل هذا الإقرار وبالتالي فهو استخلاص فاسد كما أنه لم
يحقق دفاعه بعدم وجود فنار زاوية لحماية الرصيف يعمل على امتصاص تأثير الاصطدام
وهو ما أكده تقرير المعاينة والتصور تحت الماء وتقرير مركز البحوث والاستشارات
لقطاع النقل البحري والخطاب الصادر من رئيس مجلس إدارة الهيئة المطعون ضدها والصور
الفوتوغرافية لرصيف التداعي واعتماده على تقرير مأجور تم إعداده بمبلغ 125 ألف
دولار وكذلك جاء مخالفا لما جاء بتقرير القوات البحرية فضلا عن المغالاة في تقدير
التعويض وإضافة عناصر لا دخل لها بالوقعة وهي إصلاح نظام مراقبة حركة السفن وهذا
لا شأن له بجسم الرصيف والمقدر عنها مبلغ 000، 100 دولار أمريكي واحتساب ضرر غير
محقق الوقوع هو الحرمان من عدم رسو السفن وذلك باعتباره حكم على المستقبل وهو ما
يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول ذلك أن من المقرر - في قضاء هذه المحكمة
- أن عمل الخبير لا يعدو أن يكون عنصرا من عناصر الإثبات الواقعية في الدعوى يخضع
لتقدير المحكمة التي لها سلطة الأخذ بما انتهى إليه إذا رأت فيه ما يقنعها ويتفق
وما رأت أنه وجه الحق فيها ما دام قائما على أسباب لها أصلها وتؤدي إلى ما انتهى
إليه، وأن في أخذها بالتقرير محمولا على أسبابه ما يفيد أنها لم تجد في المطاعن
الموجهة إليه ما يستحق الرد عليه بأكثر مما تضمنه التقرير دونما إلزام عليها بتعقب
تلك المطاعن على استقلال وكان لا إلزام في القانون على الخبير بأداء عمله على وجه
محدد إذ بحسبه أن يقوم بما ندب له على النحو الذي يراه محققا للغاية من ندبه ما
دام عمله خاضعا لتقدير المحكمة التي يحق لها الاكتفاء بما أجراه ما دامت تري فيه
ما يكفي لجلاء وجه الحق في الدعوى. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه المؤيد
للحكم الابتدائي قد أخذ بتقرير الخبير المندوب في الدعوى والذي انتهى إلى أن ربان
السفينة المملوكة للطاعن بصفته هو المسئول عن الحادث موضوع الدعوى وما نشأ عنه من
تلفيات برصيف الحاويات - بميناء شرق قناة السويس لتداول الحاويات بشرق التفريعة - وذلك
بسبب الإيقاف التام لمحركات السفينة ورغم علمه بتأخر القاطرات المساعدة في عملية
التراكي وفي ظل قوة الرياح مع وجود تيارات مد بالقناة والاستمرار في عملية التراكي
وعدم انتظار القاطرات المساعدة اللازمة للتراكي وأن تلك الظروف لا تمكن طاقم
السفينة من السيطرة عليها وتوجيهها بالكفاءة المثلى وأن خطر الاصطدام بالرصيف
محتمل في تلك الحالة وهو ما وقع بالفعل وأن تقدير تكاليف إصلاح التلفيات التي لحقت
بالرصيف والتعويض عما فات الهيئة المطعون ضدها من كسب وما لحقها من خسارة من جراء
الحادث والمقدرة - بتقرير مركز البحوث والاستشارات لقطاع النقل البحري بالأكاديمية
العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري مناسبة وكان ما خلص إليه الخبير له أصل
ثابت بالأوراق فإن النعي عليه على نحو ما جاء بهذين السببين لا يعدو أن يكون جدلا
فيما تستقل بتقديره محكمة الموضوع ولا يجوز إثارته أمام هذه المحكمة ومن ثم غير
مقبول.
وحيث إن الطاعن بصفته ينعى بالأسباب الرابع والخامس والسادس على الحكم
المطعون فيه مخالفة الثابت بالأوراق والقصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقول إنه
أورد بأسبابه أن ربان السفينة هو الذي أخذ القرار بالتراكي على رصيف الميناء رغم
أن الثابت بالأوراق - تحريات جهة البحث - أنه اتخذ هذا القرار بناء على إخطار مكتب
الميناء له بالتراكي خاصة وأنه إعمالا للمادة 282/ 1 من قانون التجارة البحرية أن
الإرشاد إجباري في قناة السويس وفي الموانئ المصرية فلا يجوز للربان مخالفتها كما
أنه قدم تقرير هيئة السلامة البحرية أمام محكمة الموضوع بدرجتيها والذي أكد شدة
الرياح التي كان اتجاهها شمال غرب وأنها بلغت سرعتها من 17 إلى 21 وتيارات المد
وأنها هي التي ساعدت على انحراف مؤخرة السفينة ناحية الرصيف مما أدى إلى وقوع
الحادث وهو ما يعد قوة قاهرة فضلا عن توافر خطأ المضرور في عدم تزويد الرصيف -
بفنادر زاوية - مما تسبب في الاحتكاك بالرصيف وتوافر خطأ الغير وهي هيئة قناة
السويس المتمثل في تأخر القاطرة المساعدة وتأخر عمال الرباط بالحبال وقدم
المستندات الدالة على ذلك إلا أن الحكم لم يعرض لها إيرادا وردا وهو ما يعيبه
ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أنه من المقرر أن النص في المادة
الأولى من القانون رقم 30 لسنة 1975 على أن "تتولى هيئة قناة السويس القيام
على شئون مرفق قناة السويس وإدارته واستغلاله وصيانته وتحسينه ويشمل اختصاصها في
ذلك مرفق القناة بالتجديد والحالة التي كان عليها وقت صدور القانون رقم 285 لسنة
1956 بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية وللهيئة أن تنشئ ما يقتضى الأمر
من إنشاء المشروعات المرتبطة أو المتصلة بمرفق القناة أو أن تشترك في إنشائها أو
تعمل على تشجيع ذلك"، وفي المادة الثانية منه أن "هيئة قناة السويس هيئة
عامة تتمتع بشخصية اعتبارية مستقلة تخضع لأحكام هذا القانون وحده ولا تسري في
شأنها أحكام القانون رقم 60 لسنة 1971 بإصدار قانون المؤسسات العامة" وفي
المادة السادسة على أن "تختص الهيئة دون غيرها بإصدار اللوائح المتعلقة
بالملاحة في قناة السويس وغير ذلك من اللوائح التي يقتضيها حسن سير المرافق وتقوم
على تنفيذها ..." وقد أصدرت الهيئة لائحة الملاحة وقواعد الملاحة وقواعد
المرور في قناة السويس ونصت المادة الرابعة منها على مسئولية السفينة عن الأضرار
أو الخسائر التي تتسبب فيها بشكل مباشر أو غير مباشر لمهمات الهيئة أو للوحدة
العائمة نفسها أو لطرف ثالث وبمجرد وقوع الحادث وإثبات المسئولية تشكل لجنة فنية
لتقدير التعويضات وتكاليف الإصلاح والحصول على التعويض الجابر للضرر من التوكيل
التابع له السفينة ومفاد ذلك كله أنه نظرا لما لقناة السويس من طبيعة خاصة واضطلاع
هيئة قناة السويس بمهام تسيير المرفق أن يكون لها من الصلاحيات ما يكفل لها تحقيق
ذلك دون أن تتقيد بالأنظمة الحكومية وبالتالي فإن للهيئة طبقا لقانونها واللائحة
الخاصة بها عند وقوع حادث بالمجرى الملاحي إثبات عناصر المسئولية وتقدير التلفيات
بالكيفية التي تراها بواسطة أجهزتها الفنية ولها إجراء ما تراه من معاينات توصلا
لإثبات عناصر المسئولية على الوجه المقرر في القانون سواء من حيث الخطأ والضرر
وعلاقة السببية أو مطالبة المتسبب بالتعويض الجابر للضرر، كما أنه من المقرر في
قانون التجارة البحرية الصادر بالقانون رقم 8 لسنة 1990 أن يظل الربان أثناء قيام
المرشد بعمله سيد السفينة وقائدها وأن المرشد مجرد ناصح يدلي بالرأي ولا يتولى
تنفيذه، وهذا الأصل هو الذي تقوم عليه أحكام المسئولية عن الأضرار التي تحدث أثناء
تنفيذ عملية الإرشاد والتي لها جملة وجوه تناولتها المواد من 287 إلى 290 من
القانون سالف البيان منها المسئولية تجاه الغير عن الأخطاء التي تقع من المرشد
أثناء عملية الإرشاد والمسئول عن هذه الأخطاء هو مجهز السفينة المخدومة لأن المرشد
لا يحجب الربان فيظل الربان في نظر الغير قائد السفينة المسئول عن كل ما يقع من
أخطاء في قيادتها أو إدارتها كما أن المرشد يعتبر أثناء تأدية عمله على السفينة
تابعا للمجهز فيسأل المجهز مسئولية المتبوع عن أعمال تابعه ولو كان الإرشاد
إجباريا وليس في هذا خروجا على الأحكام المقررة في القانون المدني في شأن مسئولية
المتبوع، ذلك أن الفقرة الثانية من المادة 174 منه تقضي بأن رابطة التبعية تقوم
ولو لم يكن المتبوع حرا في اختيار تابعه متى كانت له عليه سلطة فعلية في رقابته
وتوجيهه والمجهز يمارس سلطة الرقابة والتوجيه على المرشد بواسطة ربانه وقد قررت
القاعدة المتقدمة من معاهدة بروكسيل الخاصة بتوحيد بعض القواعد المتعلقة بالمصادمات
البحرية والتي وافقت مصر عليها وصدر مرسوم بالعمل بأحكامها إذ تقضى المادة الخامسة
منها ببقاء مسئولية السفينة في حالة ما إذا حصل التصادم بسبب خطأ المرشد ولو كان
الإرشاد إجباريا بما مؤداه أن المرشد ينسلخ في الفترة التي يباشر فيها نشاطه على
ظهر السفينة عن الجهة التي يتبعها أصلا وعلى ذلك لا تسأل هذه الجهة عن الأخطاء
التي تقع منه في تلك الفترة، وبذلك يكون المشرع قد وازن بدقة في اختيار الحلول
التي انتهجها لتحديد مسئولية كل من مالك السفينة أو مجهزها والربان أو المرشد كل
في مجال عمله وحدود مسئوليته بأن جعل مالك السفينة أو مجهزها مسئولا عن تعويض أي
ضرر يصيب الغير من جراء أخطاء تابعيه ومن بينهم المرشد باعتبار أن عائد عمل المرشد
يعود في المقام الأول إلى السفينة التي يرشدها، وتبعا لذلك فإن الأخذ بعدم مسئولية
الهيئة التابع لها المرشد خلال فترة أدائه لعمله على السفينة واعتباره أثناء ذلك
تابعا لمالكها أو مجهزها وهو ما يتفق وطبيعة العلاقة القانونية الناشئة بينهما
وانتقال السلطة الفعلية على المرشد وتبعيته أثناء أدائه عملة على السفينة للربان
الذي يمثل مالك السفينة ليصير تقرير المسئولية المدنية لمالك السفينة ومجهزها عن الأخطاء
التي يقترفها المرشد على نحو ما تناولته نصوص المادتين 80، 287 من قانون التجارة
البحرية رقم 8 لسنة 1980 غير مناقض لقواعد مسئولية المتبوع عن أعمال تابعه ولا
يستبعد تطبيق القواعد المنظمة لها في القانون المدني، وكل ما سعى إليه المشرع بهذا
التنظيم هو إيجاد ذمة مالية مليئة يستطيع المضرور اقتضاء التعويض المستحق له منها
وقد راعي المشرع في كل ذلك تحقيق التوازن بين مصلحة السفينة المخدومة والمصلحة
العامة في المحافظة على المجاري الملاحية باعتبارها أحد المرافق العامة ذات
الأهمية وعصب التجارة الدولية وضمان استمرار سير الملاحة فيها بانتظام واضطراد ما
سلكه القانون المصري في هذا الشأن ليس بدعا بين الدول إذ انتهجت العديد من الدول
ذات المنحى، كما أن سن تلك الأحكام يدخل في نطاق السلطة التقديرية للمشرع في مجال
تنظيم الحقوق وذلك بوضعه الضوابط الحاكمة للعلاقة بين أطرافها سواء في ذلك المرشد
أو مالك السفينة ومجهزها وكذا الهيئة العامة للموانئ أو هيئة قناة السويس، ملتزما
بالمعايير التي تكفل تحقيق التوازن بين المصالح المختلفة ودونما خروج على مبدأ
خضوع الدولة للقانون أو إعفاء من التقيد بأحكامه لأي من أطراف تلك العلاقة. والنص
في المادة 80 من القانون 8 لسنة 1990 بشأن إصدار قانون التجارة البحرية على أن
"يسأل مالك السفينة أو مجهزيها مدنيا عن أفعال الربان والبحارة والمرشد وأي
شخص آخر في خدمة السفينة متى وقعت منهم أثناء تأدية وظائفهم أو بسببها، كما يسأل
عن التزامات الربان الناشئة عن العقود التي يبرمها في حدود سلطاته
القانونية"، والنص في المادة 95 من ذات القانون "على الربان أن يتولى
بنفسه توجيه قيادة السفينة عند دخولها الموانئ أو المراسي أو الأنهار أو خروجها
منها أو أثناء اجتياز الممرات البحرية وكذلك في جميع الأحوال التي تعترض الملاحة
عقبات خاصة ولو كان الربان ملزما بالاستعانة بمرشد"، كما أن النص في المادة
286 من ذات القانون "تبقى قيادة السفينة وإدارتها للربان أثناء قيام المرشد
بعمله عليها"، والنص في المادة 298 من ذات القانون "تترتب المسئولية
المنصوص عليها في هذا الفصل ولو وقع التصادم بخطأ المرشد ولو كان الإرشاد إجباريا
وذلك مع عدم الإخلال بالقواعد العامة في المسئولية"، وأنه من المقرر قضاء أن
قوام نظرية الحوادث الطارئة في معني المادة 147 من القانون المدني هو أن يكون
الحادث استثنائيا وغير متوقع وقت انعقاد العقد والمعيار في توافر هذا الشرط - وعلى
ما جرى به قضاء هذه المحكمة - معيار مجرد مناطه ألا يكون في مقدور الشخص أن يتوقع
حصوله لو وجد في ذات الظروف عند التعاقد دون اعتداد بما وقر في ذهن هذا المدين
بالذات من توقع الحصول أو عدم توقعه والبحث فيما إذا كان الحادث الطارئ هو مما في
وسع الشخص العادي توقعه أو أنه من الحوادث الطارئة مما يدخل في نطاق سلطة قاضي
الموضوع طالما أقامها على أسباب مؤدية إلى ما انتهى إليه. لما كان ذلك، وكان مالك
السفينة أو مجهزها هو المسئول عن التعويض عن أي ضرر يصيب الغير من جراء أخطاء
تابعيه ومن بينهم المرشد باعتبار أن عمله يعود في المقام الأول إلى السفينة التي
يرشدها وأنه يترتب على ذلك عدم مسئولية الهيئة التابع لها المرشد خلال فترة أدائه
لعمله على السفينة واعتباره أثناء ذلك تابعا لمالكها أو مجهزها وهو ما يتفق وطبيعة
العلاقة القانونية الناشئة بينهما وانتقال السلطة الفعلية على المرشد وتبعيته
أثناء أدائه عمله على السفينة للربان الذي يمثل مالك السفينة ليصبح تقرير
المسئولية المدنية لمالك السفينة ومجهزها عن الأخطاء التي يقترفها المرشد على نحو
ما تناولته نصوص قانون التجارة البحرية سالفة البيان غير متناقض مع قواعد مسئولية
المتبوع عن أعمال تابعه وعليه فإن امتثال ربان السفينة لأمر المرشد لا يعفيه من
المسئولية عما يلحق الغير من أضرار نتيجة عمل المرشد ومن ثم فلا يجدي الطاعن نفعا
نعيه بأن المرشد هو المتسبب في وقوع الحادث إذ هو المسئول قانونا عما يقع منه من
أخطاء سببت أضرارا للغير. كما أن القوة القاهرة التي تنهض سببا قانونيا للإعفاء هي
التي تنشأ عن الأسباب الطبيعية التي نص عليها القانون بأنها لا يمكن توقعها أو
تفاديها كالصواعق ودوامات البحر والتي يكفي إثبات حصولها للإعفاء من المسئولية
وبالتالي فإن ما يدعيه الطاعن من أن ارتفاع سرعة الرياح أثناء عملية التراكي يعد
قوة قاهرة غير صحيح باعتبار أنه أمرا معروفا لديه ويتعين عليه اتخاذ الحيطة والحذر
منه عند تراکي السفينة وكان الحكم المطعون فيه قد خلص إلى ثبوت المسئولية عن
الحادث موضوع الدعوى في حق ربان السفينة ورتب على ذلك قضاءه بتأييد الحكم
الابتدائي برفض دعوى ملاك السفينة التابع لهم الربان ببراءة ذمته من قيمة التلفيات
ورفض رد ما قاموا بسداده ولا ينال من ذلك ما ورد بتحريات جهة البحث باعتبار أنها
صادرة من غير مختص في مثل هذا الشأن ومن ثم يكون النعي على الحكم على نحو ما جاء
بهذه الأسباب على غير أساس.
وحيث إن الطاعن بصفته ينعى بالسبب الثامن على الحكم المطعون فيه
مخالفة القانون والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع وفي بيان ذلك يقول إن
المطعون ضده بصفته منع السفينة من مغادرة الميناء أو التحرك إلى ورش الإصلاح مما
أجبره على سداد المبلغ محل الدعوى تحت إكراه يعيب إرادته ويوجب رد المبلغ المسدد
وإذ التفت الحكم عن هذا الدفاع إيرادا وردا فإنه يكون معيبا بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك بأن الإكراه المبطل للرضا يتحقق -
وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - بتهديد المكره بخطر جسيم محدق بنفسه أو بماله
أو باستعمال وسائل ضغط لا قبل له باحتمالها أو التخلص منها ويكون من نتيجة ذلك
حصول رهبة تحمله على الإقرار بقبول ما لم يكن ليقبله اختيارا وتقدير كون الأعمال
التي وقع بها الإكراه مشروعة أو غير مشروعة هو مما يدخل تحت رقابة محكمة النقض متى
كانت تلك الأعمال مبينة في الحكم لأن هذا التقدير يكون هو الوصف القانوني المعطي
لواقعة يترتب على ما قد يقع من الخطأ في تطبيق القانون، متى كان ما تقدم وكان مجرد
منع السفينة من مغادرة الميناء أو التحرك لورش الإصلاح - وهو أمر مشروع في مثل هذه
الحالة وتقتضيه الظروف - ولا يصح اعتباره إكراها مبطلا لقيامه بسداد قيمة التلفيات
الناتجة عن حادث السفينة المملوكة له ومن ثم يكون النعي على غير أساس، ولما تقدم
يتعين رفض الطعن.