الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 8 ديسمبر 2021

الطعن 5 لسنة 22 ق جلسة 4/ 8/ 2001 دستورية عليا مكتب فني 9 منازعة تنفيذ ق 40 ص 1313

جلسة 4 أغسطس سنة 2001

برئاسة السيد المستشار/ محمد ولي الدين جلال - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: حمدي محمد علي وعبد الرحمن نصير وماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله، وحضور السيد المستشار/ سعيد مرعي عمرو - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

-------------------

قاعدة رقم (40)
القضية رقم 5 لسنة 22 قضائية "منازعة تنفيذ"

(1) منازعة التنفيذ "قوامها".
قوام هذه المنازعة التي تختص المحكمة الدستورية العليا بالفصل فيها أن تنفيذ حكمها اعترضته عوائق تحول قانوناً دون اكتمال مداه، وتعرقل جريان آثاره كاملة دون نقصان.
(2) منازعة التنفيذ "صورها - إعمال سلطة التصدي".
يندرج ضمن صور منازعة التنفيذ أن يتبنى المشرع بتشريع جديد ذات أحكام نص تشريعي سبق للمحكمة الدستورية العليا القضاء بعدم دستوريته أو أن تستمر السلطة التنفيذية في إعمال حكم نص تشريعي سبق للمحكمة إبطال نص مطابق له في النطاق عينه؛ مؤدى ذلك: اعتبار هذا التشريع الجديد أو ما يصدر من قرارات تنفيذية له؛ عقبةً من عقبات التنفيذ، ويجوز لهذه المحكمة عندئذ أن تُعمل سلطتها في التصدي لدستوريته.
(3) دعوى دستورية "حكم فيها - عقبة أمام تنفيذه: قرار إداري".
سبق للمحكمة الدستورية العليا أن أصدرت حكمها بعدم دستورية نص المادة (25) من قانون هيئة قضايا الدولة فيما تضمنه من إسناد الفصل في طلبات إلغاء القرارات الإدارية المتعلقة بشئون أعضاء هيئة قضايا الدولة وطلبات التعويض المترتبة عليها للجنة التأديب والتظلمات بالهيئة - قرار رئيس الهيئة بوقف جلسات هذه اللجنة ثم النكوص عن ذلك القرار بقرار آخر استمرت بموجبه اللجنة في نظر تلك الطلبات، والإشارة في ديباجته إلى القانون رقم 88 لسنة 1998 الذي تضمن تعديل نص المادة (25) آنفة البيان؛ بمقولة أن هذا القانون استبقى ذات الحكم المتضمن اختصاص اللجنة بالفصل في الطلبات المشار إليها؛ مؤدى ذلك: اعتبار القرار الأخير عقبة أمام تنفيذ حكم هذه المحكمة.
(4) دستور "سلطة قضائية - هيئات قضائية - هيئات ذات اختصاص قضائي".
دل الدستور بنصوص الفصل الرابع من الباب الخامس منه على مفارقته في الاصطلاح بين السلطة القضائية من جهة وبين الهيئات القضائية من جهة أخرى والهيئات ذات الاختصاص القضائي من جهة ثالثة - قيام السلطة القضائية على ولاية القضاء، أما الهيئات القضائية فجامعها أنها هيئات تسهم في سير العدالة، وأما الهيئات ذات الاختصاص القضائي فهي الهيئات التي خولها المشرع ولاية الفصل في خصومات محددة حصراً؛ مؤدى ذلك: أن هيئة قضايا الدولة تعد هيئة قضائية، وأن لجنة التأديب والتظلمات المنصوص عليها في المادة 25 من قانونها هي هيئة ذات اختصاص قضائي تفصل في الدعوى التأديبية المتعلقة بأعضاء هيئة قضايا الدولة.
(5) هيئات قضائية "خصومة تأديبية: ولاية الفصل فيها".
ساوت قوانين الهيئات القضائية بين أعضائها في الحقوق والواجبات، ونظمت مساءلتهم تأديبياً على نحو يكفل للخصومة التأديبية خصوصيتها ودقائقها التي ينافيها أن يُطرح أمرها على غير أهلها؛ أساس ذلك: أن الدستور لا يحول دون أن يعهد المشرع بالفصل في الدعوى التأديبية - في مجال العمل القضائي - إلى هيئة ذات اختصاص قضائي.
(6) مبدأ المساواة "غايته - مجال إعماله - دور المشرع في تحقيقه".
يمثل مبدأ المساواة ركيزة أساسية للحقوق والحريات؛ غايته: صون الحقوق والحريات في مواجهة صور التمييز - لا يقتصر مجال إعماله على ما كفله الدستور من حقوق، بل يمتد كذلك إلى تلك التي يقررها القانون - مناط دستورية أي تنظيم تشريعي ألا تنفصل نصوصه عن أهدافها؛ لازم ذلك: أن على المشرع أن يتدخل دوماً بأدواته لتحقيق المساواة بين ذوي المراكز القانونية المتماثلة.
(7) السلطة القضائية "الولاية العامة للمحاكم - الاختصاص الاستثنائي للهيئات ذات الاختصاص القضائي".
أكد الدستور أن المحاكم هي التي تتولى السلطة القضائية - إذا ما قدر المشرع ملاءمة إسناد الفصل في بعض الخصومات استثناءً إلى إحدى الهيئات ذات الاختصاص القضائي؛ فإن سلطته في هذا الشأن تتقيد بعدم الخروج على نصوص الدستور.
(8) لجنة التأديب والتظلمات بهيئة قضايا الدولة "اختصاصها بنظر المنازعات الإدارية: إخلال بمبدأ المساواة في مجال حق التقاضي".
إفراد أعضاء هذه الهيئة وحدهم بالإبقاء على اختصاص اللجنة المشار إليها بنظر المنازعات الإدارية المتعلقة بهم؛ مؤداه: الإخلال بمبدأ المساواة عن طريق التمييز غير المبرر بينهم وبين أعضاء الهيئات القضائية الأخرى في مجال حق التقاضي.

-------------
1 - إن قوام منازعة التنفيذ التي تختص هذه المحكمة وحدها بالفصل فيها وفقاً للمادة 50 من قانونها - وعلى ما جرى عليه قضاؤها - أن تعترض تنفيذ أحد أحكامها عوائق تحول قانوناً - بمضمونها أو أبعادها - دون اكتمال مداه وتعطل بالتالي أو تقيّد اتصال حلقاته وتضاممها بما يعرقل جريان آثاره بتمامها أو يحد من مداها، ومن ثم تكون هذه العوائق هي محل دعوى منازعة التنفيذ التي تستهدف إنهاء الآثار القانونية الناشئة عنها أو المترتبة عليها، وهو ما لا يتسنى إلا بإسقاط مسبباتها وإعدام وجودها حتى يتم تنفيذ الأحكام الصادرة عن هذه المحكمة تنفيذاً مستكملاً لمضمونه ومداه ضامناً لفاعليته وإنفاذ فحواه.
2 - منازعات التنفيذ تتعدد صورها وتتنوع تطبيقاتها وإن كان يجمعها أنها تطرح عوائق التنفيذ سواء كانت مُعطِّلة له أو مُقيّدة مداه، ويندرج ضمن هذه المنازعات أن يتبنى المشرّع بتشريع جديد ذات أحكام نص تشريعي سبق لهذه المحكمة القضاء بعدم دستوريته أو أن تستمر السلطة التنفيذية في إعمال حكم نص تشريعي سبق للمحكمة - استناداً للأحكام الموضوعية في الدستور - إبطال نص مطابق له في النطاق عينه وموجه للمخاطبين به أنفسهم بحجة أنه نص جديد مستترة في ذلك وراء فكرة استقلال النصوص القانونية؛ إذ لا يعدو أن يكون ذلك تحايلاً على أحكام الشرعية الدستورية، ومن ثم يعتبر هذا التشريع الجديد أو ما يصدر من قرارات تنفيذاً له عقبة من عقبات التنفيذ، ويجوز لهذه المحكمة عندئذ أن تُعمل ما خولته إياها المادة 27 من قانونها من التصدي لدستورية النص الجديد الذي عرض لها بمناسبة نظرها منازعة التنفيذ المطروحة عليها لاتصاله بها، وذلك بعد اتباع الإجراءات المقررة لتحضير الدعوى الدستورية.
3 - سبق أن أصدرت المحكمة الدستورية العليا بجلسة 6/ 5/ 2000 حكمها في الدعوى رقم 193 لسنة 19 قضائية "دستورية" الذي قضى في منطوقة بعدم دستورية نص المادة (25) من قانون هيئة قضايا الدولة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 75 لسنة 1963 فيما تضمنه من إسناد الفصل في طلبات إلغاء القرارات الإدارية المتعلقة بشئون أعضاء هيئة قضايا الدولة وطلبات التعويض المترتبة عليها للجنة التأديب والتظلمات، فبادر رئيس الهيئة المدعى عليها بإصدار القرار رقم 1 لسنة 2000 بتاريخ 8/ 5/ 2000 - مشيراً في ديباجته إلى الحكم آنف الذكر - متضمناً وقف انعقاد جلسات لجنة التأديب والتظلمات فيما يتعلق بنظر المقدمة من أعضاء الهيئة وذلك لحين صدور التشريع المنفذ لذلك الحكم، بيد أنه جرى النكوص عن ذلك بالقرار رقم 2 لسنة 2000 الصادر بتاريخ 18/ 6/ 2000 الذي ألغى القرار رقم 1 سالف الذكر، ومن ثم استمرت اللجنة المذكورة في نظر طلبات إلغاء القرارات الإدارية المتعلقة بشئون أعضاء تلك الهيئة وطلبات التعويض المترتبة عليها، والإشارة في ديباجة القرار رقم 2 لسنة 2000 سالف البيان إلى القانون رقم 88 لسنة 1998 الذي تضمن تعديل نص المادة 25 من قانون هيئة قضايا الدولة الصادر بالقرار بالقانون رقم 75 لسنة 1963، بمقولة أنه استبقى ذات الحكم المتضمن اختصاص لجنة التأديب والتظلمات بالفصل في طلبات إلغاء القرارات الإدارية النهائية المتعلقة بشئون أعضائها وطلبات التعويض عنها، لا تنهض مبرراً يسوّغ إصداره وذلك بعد أن اتضح لتلك الهيئة بجلاء أن هذا الحكم الذي قرره مجدداً القانون رقم 88 لسنة 1998 قد انتظمه نص سابق ظاهر البطلان قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستوريته وهو نص المادة 25 المشار إليها قبل تعديلها بالقانون رقم 88 لسنة 1998، وما كان للهيئة أن تعود لتتبنى ذلك النص وتستند إليه بعد أن كانت قد هجرته في قرار سابق، خاصة وأن حكم المحكمة الدستورية العليا سالف الذكر قد أورد في أسبابه المكملة لمنطوقه صراحة أن لجنة التأديب والتظلمات ظلت تجمع بين اختصاصاتها سالفة الذكر - ومن بينها إلغاء القرارات الإدارية النهائية المتعلقة بشئون أعضاء الهيئة وطلبات التعويض عنها - بل أضاف إليها القانون 10 لسنة 1986، ومن بعده القانون 88 لسنة 1998 المعدلان لقانون هذه الهيئة طائفة أخرى من المنازعات هي تلك المتعلقة بالمرتبات والمكافآت والمعاشات الخاصة بأعضاء الهيئة أو بورثتهم. ومن ثم يكون القرار الجديد رقم 2 لسنة 2000 الصادر من رئيس الهيئة، عقبة أمام تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا السالف الإشارة إليه بحيث يجوز لكل من أضير من إعماله في حقه أن يتقدم إلى هذه المحكمة طالباً إزالة هذه العقبة.
4 - خصص الدستور الفصل الرابع من الباب الخامس للسلطة القضائية، فنص في المادة 165 على أن "السلطة القضائية مستقلة، وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها وتصدر أحكامها وفق القانون"، وفي المادة 167 على أن "يحدد القانون الهيئات القضائية واختصاصها وينظم طريقة تشكيلها ويبين شروط وإجراءات تعيين أعضائها ونقلهم"، وفي المادة 172 على أن "مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة، ويختص بالفصل في المنازعات الإدارية وفي الدعاوى التأديبية، ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى"، وفي المادة 173 على أن "يقوم على شئون الهيئات القضائية مجلس أعلى يرأسه رئيس الجمهورية. ويحدد القانون طريقة تشكيله واختصاصاته وقواعد سير العمل فيه، ويؤخذ رأيه في مشروعات القوانين التي تنظم شئون الهيئات القضائية"؛ فدل بذلك على مفارقته - في الاصطلاح - بين السلطة القضائية من جهة، وبين الهيئات القضائية من جهة أخرى، والهيئات ذات الاختصاص القضائي من جهة ثالثة. فالأولى: هي إحدى سلطات الدولة الثلاث، وتقوم على ولاية القضاء، وتستقل بشئون العدالة، في مقابلة السلطتين التشريعية والتنفيذية. وأما الثانية فجامعها أنها هيئات تسهم في سير العدالة، ويقوم على شئونها المشتركة، وينسق بينها مجلس أعلى يرأسه رئيس الدولة، وقد فوّض الدستور المشرّع في بيان طريقة تشكيله واختصاصاته بما لا يخل باستقلال هذه الهيئات، ولا يتعارض واختصاصات مجالسها الخاصة، فضلاً عن لزوم أخذ رأيه في مشروعات القوانين المنظمة لشئونها، وطبقاً لقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 82 لسنة 1969، يضم هذا المجلس في عضويته رئيس المحكمة الدستورية العليا، ورئيس محكمة النقض، ورئيس مجلس الدولة، ورئيس هيئة قضايا الدولة، ورئيس هيئة النيابة الإدارية. وأما الثالثة: فهي الهيئات التي خولها المشرع ولاية الفصل في خصومات محددة حصراً، بأحكام تصدرها بعد اتباع الإجراءات القضائية، وفي إطار من ضمانات التقاضي، فهي جهات - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ذات اختصاص قضائي استثنائي. ومؤدى ما تقدم، أن هيئة قضايا الدولة تعد هيئة قضائية؛ وأن لجنة التأديب والتظلمات المنصوص عليها في المادة 25 من قانونها هي هيئة ذات اختصاص قضائي، تفصل في الدعاوى التأديبية المتعلقة بأعضاء هيئة قضايا الدولة، بما لا مخالفة فيه لأحكام الدستور.
5 - البين من قوانين الهيئات القضائية المختلفة، أن المشرع - بعد أن جمع الدستور بينها في إطار مجلس أعلى واحد يقوم على شئونها، ويتولى التنسيق بينها - وضع لأعضائها قواعد موحدة تنتظم شئونهم الوظيفية، وحصنهم بضمانة عدم القابلية للعزل، كما حظر عليهم الاشتغال بالعمل السياسي بكافة صوره، مساوياً بذلك بينهم في الحقوق والواجبات؛ ونظم مساءلتهم تأديبياً على نحو يكفل للخصومة التأديبية - في مجال العمل القضائي - خصوصيتها ودقائقها التي ينافيها أن يطرح أمرها على غير أهلها، لتظل خفاياها وراء جدران مغلقة فلا يُهتك سترها، فعهد بولاية التأديب إلى "مجلس" أو "لجنة" خاصة مشكلة من أعضاء يمثلون من الهيئة التي ينتمون إليها أعلى مواقعها، توكيداً لأولويتهم في مجال البصر بأمورها، وضماناً لاستقلالها بشئون أعضائها؛ وتقديراً بأن الدستور لا يحول - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - دون أن يعهد المشرع بالفصل في الدعوى التأديبية - في مجال العمل القضائي - إلى هيئة ذات اختصاص قضائي.
6 - مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون رددته الدساتير المصرية جميعها، بحسبانه ركيزة أساسية للحقوق والحريات على اختلافها، وأساساً للعدل والسلام الاجتماعي، غايته صون الحقوق والحريات في مواجهة صور التمييز التي تنال منها، أو تقيد ممارستها، وباعتباره وسيلة لتقرير الحماية المتكافئة للحقوق جميعها؛ إلا أن مجال إعماله لا يقتصر على ما كفله الدستور من حريات وحقوق وواجبات، بل يمتد - فوق ذلك - إلى تلك التي يقررها التشريع. وإذا كانت صور التمييز المجافية للدستور يتعذر حصرها؛ إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق والحريات التي كفلها الدستور أو القانون، سواء بإنكار أصل وجودها أو تعطيل أو انتقاص آثارها، بما يحول دون مباشرتها على قدم من المساواة الكاملة بين المؤهلين قانوناً للانتفاع بها. ومن المقرر في قضاء هذه المحكمة، أن مناط دستورية أي تنظيم تشريعي ألا تنفصل نصوصه أو تتخلف عن أهدافها؛ ومن ثم، فإذا قام التماثل في المراكز القانونية التي تنتظم بعض فئات المواطنين، وتساووا بالتالي في العناصر التي تكونها، استوجب ذلك وحدة القاعدة القانونية التي ينبغي أن تنتظمهم، ولازم ذلك، أن المشروع عليه أن يتدخل دوماً بأدواته لتحقيق المساواة بين ذوي المراكز القانونية المتماثلة، أو لمداركة ما فاته في هذا الشأن.
7 - تنص المادة 65 من الدستور على أن "تخضع الدولة للقانون، واستقلال القضاء وحصانته ضمانان أساسيان لحماية الحقوق والحريات" وكان الدستور قد أكد في المادة 165 أن المحاكم هي التي تتولى السلطة القضائية، فإذا ما قدر المشرّع ملاءمة إسناد الفصل في بعض الخصومات استثناءً إلى إحدى الهيئات ذات الاختصاص القضائي، فإن سلطته في هذا الشأن تكون مقيدة بعدم الخروج على نصوص الدستور، وعلى الأخص تلك التي تضمنتها المواد 40، 68، 165، 172، بل يتعين عليه التأليف بينها في مجموعها، وبما يحول دون تناقضها فيما بينها أو تهادمها؛ ومن ثم فلا يجوز إيلاء سلطة القضاء في منازعات معينة إلى غير قاضيها الطبيعي إلا في أحوال استثنائية تكون الضرورة في صورتها الملجئة هي مدخلها، وصلتها بالمصلحة العامة - في أوثق روابطها - مقطوعاً بها، ومبرراتها الحتمية لا شبهة فيها؛ وهذه العناصر جميعها ليست بمنأى عن الرقابة القضائية لهذه المحكمة، بل تخضع لتقييمها بما لا يُخرج نص أي من المادتين 68 و172 من الدستور عن أغراضها التفافاً حولها، بل يكون لمضمونها مجاله الطبيعي الذي حرص المشرع الدستوري على عدم جواز إهداره. ذلك أن ما يقرره الدستور في المادة 167 لا يجوز اتخاذه موطئاً لاستنزاف اختصاص المحاكم أو التهوين من تخصيص الدستور بعضها بمنازعات بذواتها باعتبارها قاضيها الطبيعي وصاحبة الولاية العامة بالفصل فيها.
8 - قانون هيئة قضايا الدولة - بتعديلاته - وإن عهد بطلبات الإلغاء والتعويض إلى لجنة التأديب والتظلمات، بحسبانها هيئة ذات اختصاص قضائي، إلا أن المشرع وقد قدر بنفسه - على ما اتضح من مسلكه إزاء تحديد الاختصاص بنظر المنازعات الإدارية المتعلقة بأعضاء الهيئات القضائية الأخرى - أن المحاكم وحدها هي الأقدر على الفصل في هذا النوع من المنازعات؛ بالنظر إلى طبيعتها، وعلى ضوء مختلف العناصر التي تلابسها عادة، لكي ينال أعضاء هذه الهيئات الترضية القضائية إنصافاً؛ فإن إفراده أعضاء هيئة قضايا الدولة وحدهم بالإبقاء على اختصاص اللجنة المشار إليها في هذا الشأن، يعد إخلالاً بمبدأ المساواة في مجال حق التقاضي رغم توافر مناط إعماله، مكرساً بذلك تمييزاً غير مبرر بينهم وبين أعضاء الهيئات القضائية الأخرى في هذا المجال، معطلاً مبدأ خضوع الدولة للقانون، ومن ثم فإنه بذلك يكون قد خالف أحكام المواد 40، 65، 68، 165، 172 من الدستور.


الإجراءات

بتاريخ الخامس من أغسطس سنة 2000، أودع المدعي قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، صحيفة الدعوى الماثلة طالباً الحكم بوقف تنفيذ قرار رئيس هيئة قضايا الدولة رقم 2 لسنة 2000 فيما تضمنه من إلغاء قراره رقم 1 لسنة 2000 بوقف انعقاد جلسات لجنة التأديب والتظلمات بالهيئة للنظر في الطلبات المقدمة من أعضاء الهيئة الحاليين والسابقين وذلك لحين صدور التشريع المنفذ لحكم المحكمة الدستورية العليا، وفي الموضوع بعدم الاعتداد بالقرار رقم 2 لسنة 2000 المشار إليه، والاستمرار في تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر في القضية رقم 193 لسنة 19 قضائية "دستورية"، وما يترتب على ذلك من آثار.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت في ختامها الحكم أصلياً بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى واحتياطياً بعدم قبولها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى بجلسة 12 مارس سنة 2001، وفيها قررت المحكمة - تطبيقاً للمادة 27 من قانونها - إعادتها إلى هيئة المفوضين لتحضير المسألة الدستورية التي أثارتها طلبات المدعي بشأن مخالفة المادة 25 من قانون هيئة قضايا الدولة - بعد تعديلها بالقانون رقم 88 لسنة 1998 - للدستور.
وأودعت هيئة المفوضين تقريراً تكميلياً برأيها.
وأعيد نظر الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن هذه المحكمة كانت قد أصدرت بجلستها المعقودة بتاريخ السادس من مايو سنة 2000 حكمها في القضية المقيدة بجدولها برقم 193 لسنة 19 قضائية "دستورية" قاضياً بعدم دستورية نص المادة (25) من قانون هيئة قضايا الدولة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 75 لسنة 1963 فيما تضمنه من إسناد الفصل في طلبات إلغاء القرارات الإدارية المتعلقة بشئون أعضاء هيئة قضايا الدولة وطلبات التعويض المترتبة عليها للجنة التأديب والتظلمات، وعلى أثر صدور ذلك الحكم وفي 8/ 5/ 2000 أصدر رئيس تلك الهيئة القرار رقم 1 لسنة 2000 الذي نص في مادته الأولى على وقف انعقاد جلسات لجنة التأديب والتظلمات المحددة لنظر الطلبات المقدمة من أعضاء الهيئة الحاليين والسابقين لحين صدور التشريع المنفذ لحكم المحكمة الدستورية العليا المشار إليه، وفي مادته الثانية على استمرار اللجنة في نظر الدعاوى التأديبية. ثم أعقب ذلك صدور قرار رئيس هيئة قضايا الدولة رقم 2 لسنة 2000 ناصاً على إلغاء قراره السابق رقم 1 لسنة 2000؛ ومن جهة أخرى كان المدعي قد أقام أمام محكمة القضاء الإداري الدعوى رقم 11135 لسنة 54 قضائية طعناً على قرار تخطيه في الترقية. كما أخطرته أمانة اللجنة المشار إليها للحضور أمامها في 18/ 9/ 2000 لنظر تظلمه رقم 295 لسنة 1999؛ وأبدى المدعي أن قرار رئيس هيئة قضايا الدولة رقم 2 لسنة 2000 يشكل عقبة تعوق تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر في الدعوى رقم 193 لسنة 19 قضائية "دستورية" المشار إليه، ومن ثم فقد أقام دعواه الماثلة ابتغاء القضاء له بطلباته سالفة الذكر.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم اختصاص هذه المحكمة بالفصل في الدعوى الراهنة، تأسيساً على أمرين، أولهما: أن القرار المطعون فيه لا يعتبر عملاً تشريعياً مما تمتد إليه الرقابة القضائية التي تباشرها هذه المحكمة في شان الشرعية الدستورية، وثانيهما: أن إعمال أثر الحكم بعدم الدستورية هو مما تختص به محكمة الموضوع ولا تمتد إليه ولاية المحكمة الدستورية العليا.
وحيث إن هذا الدفع مردود بأن الدعوى الماثلة ليست - في أصلها - طعناً بعدم الدستورية، وبالتالي فلا محل فيها للتفرقة بين العمل التشريعي وغيره، وإنما أقيمت باعتبارها منازعة تنفيذ في حكم أصدرته المحكمة في دعوى دستورية، ومن ثم فإن ما تثيره هذه الدعوى هو مدى توافر الشروط المتطلبة في منازعات التنفيذ التي تختص بها المحكمة الدستورية العليا طبقاً للمادة 50 من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة قد دفعت أيضاً بعدم قبول الدعوى تأسيساً على انتفاء مصلحة رافعها بمقولة أنه يشترط لقبول دعوى منازعة التنفيذ أن تعود على رافعها منفعة يقرها القانون ويرتبط ذلك بمصلحته في الدعوى الموضوعية التي أثيرت منازعة التنفيذ بمناسبتها والتي يؤثر الحكم فيها على الحكم في الدعوى الموضوعية، وأن المدعي لم يكن طرفاً في الدعوى الدستورية المطلوب الاستمرار في تنفيذ الحكم الصادر فيها بل رُفض تدخله فيها، كما لم يرفع أي دعوى يتطلب الفصل فيها البت في منازعة التنفيذ الماثلة. وهذا الدفع بدوره مردود بأن المدعي يستهدف من دعواه ألا تفصل لجنة التأديب والتظلمات في طعنه على قرار تخطيه في الترقية لينعقد الفصل في ذلك الطعن للمحكمة المختصة - على ضوء قضاء المحكمة الدستورية العليا في هذا الشأن - مما يوفر له مصلحة في إقامة الدعوى الماثلة؛ ومن جهة أخرى فليس ثمة تلازم بين منازعة التنفيذ وبين دعوى موضوعية حتى يقال أن تلك المنازعة قد ثارت بمناسبتها، فهذا الربط بين الأمرين ليس إلا خلطاً بين منازعات التنفيذ والدعاوى الدستورية.
وحيث إن قوام منازعة التنفيذ التي تختص هذه المحكمة وحدها بالفصل فيها وفقاً للمادة 50 من قانونها - وعلى ما جرى عليه قضاؤها - أن تعترض تنفيذ أحد أحكامها عوائق تحول قانوناً - بمضمونها أو أبعادها - دون اكتمال مداه وتعطل بالتالي أو تقيّد اتصال حلقاته وتضاممها بما يعرقل جريان آثاره بتمامها أو يحد من مداها، ومن ثم تكون هذه العوائق هي محل دعوى منازعة التنفيذ التي تستهدف إنهاء الآثار القانونية الناشئة عنها أو المترتبة عليها، وهو ما لا يتسنى إلا بإسقاط مسبباتها وإعدام وجودها حتى يتم تنفيذ الأحكام الصادرة عن هذه المحكمة تنفيذاً مستكملاً لمضمونه ومداه ضامناً لفاعليته وإنفاذ فحواه.
وحيث إن منازعات التنفيذ تتعدد صورها وتتنوع تطبيقاتها وإن كان يجمعها أنها تطرح عوائق التنفيذ سواء كانت مُعطِّلة له أو مُقيّدة مداه، ويندرج ضمن هذه المنازعات أن يتبنى المشرّع بتشريع جديد ذات أحكام نص تشريعي سبق لهذه المحكمة القضاء بعدم دستوريته أو أن تستمر السلطة التنفيذية في إعمال حكم نص تشريعي سبق للمحكمة - استناداً للأحكام الموضوعية في الدستور - إبطال نص مطابق له في النطاق عينه وموجه للمخاطبين به أنفسهم بحجة أنه نص جديد مستترة في ذلك وراء فكرة استقلال النصوص القانونية؛ إذ لا يعدو أن يكون ذلك تحايلاً على أحكام الشرعية الدستورية، ومن ثم يعتبر هذا التشريع الجديد أو ما يصدر من قرارات تنفيذاً له عقبة من عقبات التنفيذ، ويجوز لهذه المحكمة عندئذ أن تُعمل ما خولته إياها المادة 27 من قانونها من التصدي لدستورية النص الجديد الذي عرض لها بمناسبة نظرها منازعة التنفيذ المطروحة عليها لاتصاله بها، وذلك بعد اتباع الإجراءات المقررة لتحضير الدعوى الدستورية.
وحيث إن هذه المحكمة سبق أن أصدرت المحكمة الدستورية العليا بجلسة 6/ 5/ 2000 حكمها في الدعوى رقم 193 لسنة 19 قضائية "دستورية" الذي قضى في منطوقة بعدم دستورية نص المادة (25) من قانون هيئة قضايا الدولة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 75 لسنة 1963 فيما تضمنه من إسناد الفصل في طلبات إلغاء القرارات الإدارية المتعلقة بشئون أعضاء هيئة قضايا الدولة وطلبات التعويض المترتبة عليها للجنة التأديب والتظلمات، فبادر رئيس الهيئة المدعى عليها بإصدار القرار رقم 1 لسنة 2000 بتاريخ 8/ 5/ 2000 - مشيراً في ديباجته إلى الحكم آنف الذكر - متضمناً وقف انعقاد جلسات لجنة التأديب والتظلمات فيما يتعلق بنظر الطلبات المقدمة من أعضاء الهيئة وذلك لحين صدور التشريع المنفذ لذلك الحكم، بيد أنه جرى النكوص عن ذلك بالقرار رقم 2 لسنة 2000 الصادر بتاريخ 18/ 6/ 2000 الذي ألغى القرار رقم 1 سالف الذكر، ومن ثم استمرت اللجنة المذكورة في نظر طلبات إلغاء القرارات الإدارية المتعلقة بشئون أعضاء تلك الهيئة وطلبات التعويض المترتبة عليها.
وحيث إن الإشارة في ديباجة القرار رقم 2 لسنة 2000 سالف البيان إلى القانون رقم 88 لسنة 1998 الذي تضمن تعديل نص المادة 25 من قانون هيئة قضايا الدولة الصادر بالقرار بالقانون رقم 75 لسنة 1963، بمقولة أنه استبقى ذات الحكم المتضمن اختصاص لجنة التأديب والتظلمات بالفصل في طلبات إلغاء القرارات الإدارية النهائية المتعلقة بشئون أعضائها وطلبات التعويض عنها، لا تنهض مبرراً يسوّغ إصداره وذلك بعد أن اتضح لتلك الهيئة بجلاء أن هذا الحكم الذي قرره مجدداً القانون رقم 88 لسنة 1998 قد انتظمه نص سابق ظاهر البطلان قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستوريته وهو نص المادة 25 المشار إليها قبل تعديلها بالقانون رقم 88 لسنة 1998، وما كان للهيئة أن تعود لتتبنى ذلك النص وتستند إليه بعد أن كانت قد هجرته في قرار سابق، خاصة وأن حكم المحكمة الدستورية العليا سالف الذكر قد أورد في أسبابه المكملة لمنطوقه صراحة أن لجنة التأديب والتظلمات ظلت تجمع بين اختصاصاتها سالفة الذكر - ومن بينها إلغاء القرارات الإدارية النهائية المتعلقة بشئون أعضاء الهيئة وطلبات التعويض عنها - بل أضاف إليها القانون 10 لسنة 1986، ومن بعده القانون 88 لسنة 1998 المعدلان لقانون هذه الهيئة طائفة أخرى من المنازعات هي تلك المتعلقة بالمرتبات والمكافآت والمعاشات الخاصة بأعضاء الهيئة أو بورثتهم. ومن ثم يكون القرار الجديد رقم 2 لسنة 2000 الصادر من رئيس الهيئة، عقبة أمام تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا السالف الإشارة إليه بحيث يجوز لكل من أضير من إعماله في حقه أن يتقدم إلى هذه المحكمة طالباً إزالة هذه العقبة.
وحيث إن المادة 25 من قانون هيئة قضايا الدولة معدلاً بالقانون رقم 88 لسنة 1998 تنص على أن "تشكل لجنة التأديب والتظلمات من رئيس الهيئة أو من يحل محله رئيساً، ومن عشرة أعضاء بحسب ترتيبهم في الأقدمية من بين نواب الرئيس والوكلاء والمستشارين.
وتختص هذه اللجنة - دون غيرها - بالفصل في الدعاوى التأديبية الخاصة بأعضاء الهيئة، وفي طلبات إلغاء القرارات الإدارية النهائية المتعلقة بشئونهم وطلبات التعويض عنها، وتفصل كذلك دون غيرها في كافة المنازعات الخاصة بمرتباتهم ومكافآتهم ومعاشاتهم المستحقة لهم أو للمستحقين عنهم.
وتفصل اللجنة في الدعاوى والطلبات والتظلمات المقدمة إليها بعد سماع أقوال العضو أو المستحقين عنه، والاطلاع على ما يبدونه من ملاحظات.
وتصدر اللجنة قراراتها في الدعاوى التأديبية بأغلبية ثلثي أعضائها، وفي غيرها بالأغلبية المطلقة لأعضائها.
ولا يجوز أن يكون عضواً باللجنة من طلب إقامة الدعوى التأديبية، أو شارك في إجراءات التحقيق أو أبدى رأياً أو أصدر القرار المطعون فيه أو المتظلم منه أو المطالب بالتعويض عنه.
ويكون قرار اللجنة نهائياً غير قابل للطعن بأي وجه من أوجه الطعن".
وحيث إن الدستور خصص الفصل الرابع من الباب الخامس للسلطة القضائية، فنص في المادة 165 على أن "السلطة القضائية مستقلة، وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها وتصدر أحكامها وفق القانون"، وفي المادة 167 على أن "يحدد القانون الهيئات القضائية واختصاصاتها وينظم طريقة تشكيلها ويبين شروط وإجراءات تعيين أعضائها ونقلهم"، وفي المادة 172 على أن "مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة، ويختص بالفصل في المنازعات الإدارية وفي الدعاوى التأديبية، ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى"، وفي المادة 173 على أن "يقوم على شئون الهيئات القضائية مجلس أعلى يرأسه رئيس الجمهورية. ويحدد القانون طريقة تشكيله واختصاصاته وقواعد سير العمل فيه، ويؤخذ رأيه في مشروعات القوانين التي تنظم شئون الهيئات القضائية"؛ فدل بذلك على مفارقته - في الاصطلاح - بين السلطة القضائية من جهة، وبين الهيئات القضائية من جهة أخرى، والهيئات ذات الاختصاص القضائي من جهة ثالثة. فالأولى: هي إحدى سلطات الدولة الثلاث، وتقوم على ولاية القضاء، وتستقل بشئون العدالة، في مقابلة السلطتين التشريعية والتنفيذية. وأما الثانية فجامعها أنها هيئات تسهم في سير العدالة، ويقوم على شئونها المشتركة، وينسق بينها مجلس أعلى يرأسه رئيس الدولة، وقد فوّض الدستور المشرّع في بيان طريقة تشكيله واختصاصاته بما لا يخل باستقلال هذه الهيئات، ولا يتعارض واختصاصات مجالسها الخاصة، فضلاً عن لزوم أخذ رأيه في مشروعات القوانين المنظمة لشئونها، وطبقاً لقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 82 لسنة 1969، يضم هذا المجلس في عضويته رئيس المحكمة الدستورية العليا، ورئيس محكمة النقض، ورئيس مجلس الدولة، ورئيس هيئة قضايا الدولة، ورئيس هيئة النيابة الإدارية. وأما الثالثة: فهي الهيئات التي خولها المشرع ولاية الفصل في خصومات محددة حصراً، بأحكام تصدرها بعد اتباع الإجراءات القضائية، وفي إطار من ضمانات التقاضي، فهي جهات - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ذات اختصاص قضائي استثنائي.
ومؤدى ما تقدم، أن هيئة قضايا الدولة تعد هيئة قضائية؛ وأن لجنة التأديب والتظلمات المنصوص عليها في المادة 25 من قانونها هي هيئة ذات اختصاص قضائي، تفصل في الدعاوى التأديبية المتعلقة بأعضاء هيئة قضايا الدولة، بما لا مخالفة فيه لأحكام الدستور.
وحيث إن البين من قوانين الهيئات القضائية المختلفة، أن المشرع - بعد أن جمع الدستور بينها في إطار مجلس أعلى واحد يقوم على شئونها، ويتولى التنسيق بينها - وضع لأعضائها قواعد موحدة تنتظم شئونهم الوظيفية، وحصنهم بضمانة عدم القابلية للعزل، كما حظر عليهم الاشتغال بالعمل السياسي بكافة صوره، مساوياً بذلك بينهم في الحقوق والواجبات؛ ونظم مساءلتهم تأديبياً على نحو يكفل للخصومة التأديبية - في مجال العمل القضائي - خصوصيتها ودقائقها التي ينافيها أن يطرح أمرها على غير أهلها، لتظل خفاياها وراء جدران مغلقة فلا يُهتك سترها، فعهد بولاية التأديب إلى "مجلس" أو "لجنة" خاصة مشكلة من أعضاء يمثلون من الهيئة التي ينتمون إليها أعلى مواقعها، توكيداً لأولويتهم في مجال البصر بأمورها، وضماناً لاستقلالها بشئون أعضائها؛ وتقديراً بأن الدستور لا يحول - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - دون أن يعهد المشرع بالفصل في الدعوى التأديبية - في مجال العمل القضائي - إلى هيئة ذات اختصاص قضائي.
وحيث إنه في مقام المنازعات الإدارية المتعلقة بشئون أعضاء هيئة قضايا الدولة؛ وعلى الأخص منها طلبات الإلغاء والتعويض، فقد كان قانونها الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 75 لسنة 1963 المشار إليه قد استحدث لجنة التأديب والتظلمات، واختصها - فضلاً عن تأديب أعضاء تلك الهيئة - بالفصل بقرارات قضائية نهائية في طلبات إلغاء القرارات الإدارية المتعلقة بشئونهم، وفي طلبات التعويض المترتبة عليها، وقد استمد هذا النظام في جوهره مما كان متبعاً بالنسبة لأعضاء مجلس الدولة، وهو ما دعا المحكمة العليا أن تقضي في الدعوى رقم 21 لسنة 6 قضائية دستورية برفض المطاعن الدستورية الموجهة إلى نص المادة 25 من قانون تلك الهيئة - في أصل شرعته - بيد أن مسيرة التشريع لم تتوقف عند هذا الحد بالنسبة للاختصاص بالمنازعات الإدارية المتعلقة بشئون أعضاء مجلس الدولة - الذين قيس عليهم أعضاء هيئة قضايا الدولة عند صدور قانونها سالف الذكر - ولا بالنسبة لأعضاء هيئة النيابة الإدارية، فقد صدر القانون رقم 50 لسنة 1973 الذي تناول بالتعديل نص المادة 104 من قانون مجلس الدولة بحيث أصبحت تقضي بأن تختص إحدى دوائر المحكمة الإدارية العليا دون غيرها بالفصل في الطلبات التي يقدمها أعضاء مجلس الدولة بإلغاء القرارات الإدارية المتعلقة بأي شأن من شئونهم وفي طلبات التعويض عنها؛ وبمثل هذا جري نص المادة 40 (مكرراً - 1) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية بعد تعديله بالقانون رقم 12 لسنة 1989، أما قانون السلطة القضائية فقد عهدت المادة 83 منه - معدلة بالقانون رقم 35 لسنة 1984 - بهذا الاختصاص في شأن رجال القضاء وأعضاء النيابة العامة إلى دوائر المواد المدنية والتجارية بمحكمة النقض. وقد دلت هذه القوانين جميعها؛ على أن رد هذا الاختصاص إلى المحاكم، يمثل ضمانة لازمة لأعضاء تلك الهيئات عند نظر طلبات الإلغاء والتعويض المتعلقة بشئونهم؛ مما لا مدعاة معه للجمع بين الاختصاص بالدعاوى التأديبية، والمنازعات الإدارية في صعيد واحد. ولا كذلك الحال بالنسبة للجنة التأديب والتظلمات بهيئة قضايا الدولة، فقد ظلت تجمع بين اختصاصاتها سالفة الذكر بل أضاف إليها القانون رقم 10 لسنة 1986، ومن بعده القانون رقم 88 لسنة 1998 - المعدلان لقانون هذه الهيئة - طائفة أخرى من المنازعات هي تلك المتعلقة بالمرتبات والمكافآت والمعاشات الخاصة بأعضاء الهيئة أو بورثتهم.
والبين من مضبطة الجلسة السادسة والسبعين من دور الانعقاد العادي الثالث لمجلس الشعب المعقودة بتاريخ 3 من مايو سنة 1998 أن أحد أعضاء المجلس كان قد تقدم - عند مناقشة مشروع القانون رقم 88 لسنة 1998 المشار إليه - باقتراح بمشروع قانون بتعديل قانون هيئة قضايا الدولة ليصبح على غرار قانون النيابة الإدارية سواء في شأن الاختصاص بالدعاوى التأديبية أو بالمنازعات الإدارية المتعلقة بشئون أعضاء هيئة قضايا الدولة؛ إلا أن هذا الاقتراح لم يحظ بالأغلبية اللازمة لإقراره.
وحيث إن تنظيم الحقوق منوط بالمشرع، وكان استعماله لسلطته في هذا الشأن رخصة يباشرها، كلما اقتضاها الصالح العام، وفي الوقت الذي يراه مناسباً؛ إلا أن تدخله يغدو لازماً إذا ما دعاه الدستور إلى تنظيم حق من الحقوق، كما هو الحال بالنسبة لحق التقاضي، فإن أدى مسلكه إلى الإخلال بهذا الحق، كان ذلك مخالفاً للدستور.
وحيث إن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون رددته الدساتير المصرية جميعها، بحسبانه ركيزة أساسية للحقوق والحريات على اختلافها، وأساساً للعدل والسلام الاجتماعي، غايته صون الحقوق والحريات في مواجهة صور التمييز التي تنال منها، أو تقيد ممارستها، وباعتباره وسيلة لتقرير الحماية المتكافئة للحقوق جميعها؛ إلا أن مجال إعماله لا يقتصر على ما كفله الدستور من حريات وحقوق وواجبات، بل يمتد - فوق ذلك - إلى تلك التي يقررها التشريع. وإذا كانت صور التمييز المجافية للدستور يتعذر حصرها؛ إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق والحريات التي كفلها الدستور أو القانون، سواء بإنكار أصل وجودها أو تعطيل أو انتقاص آثارها، بما يحول دون مباشرتها على قدم من المساواة الكاملة بين المؤهلين قانوناً للانتفاع بها.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة، أن مناط دستورية أي تنظيم تشريعي ألا تنفصل نصوصه أو تتخلف عن أهدافها؛ ومن ثم، فإذا قام التماثل في المراكز القانونية التي تنتظم بعض فئات المواطنين، وتساووا بالتالي في العناصر التي تكونها، استوجب ذلك وحدة القاعدة القانونية التي ينبغي أن تنتظمهم، ولازم ذلك، أن المشروع عليه أن يتدخل دوماً بأدواته لتحقيق المساواة بين ذوي المراكز القانونية المتماثلة، أو لمداركة ما فاته في هذا الشأن.
وحيث إن المادة 65 من الدستور تنص على أن "تخضع الدولة للقانون، واستقلال القضاء وحصانته ضمانان أساسيان لحماية الحقوق والحريات" وكان الدستور قد أكد في المادة 165 أن المحاكم هي التي تتولى السلطة القضائية، فإذا ما قدر المشرّع ملاءمة إسناداً الفصل في بعض الخصومات استثناءً إلى إحدى الهيئات ذات الاختصاص القضائي، فإن سلطته في هذا الشأن تكون مقيدة بعدم الخروج على نصوص الدستور، وعلى الأخص تلك التي تضمنتها المواد 40، 68، 165، 172، بل يتعين عليه التأليف بينها في مجموعها، وبما يحول دون تناقضها فيما بينها أو تهادمها؛ ومن ثم فلا يجوز إيلاء سلطة القضاء في منازعات معينة إلى غير قاضيها الطبيعي إلا في أحوال استثنائية تكون الضرورة في صورتها الملجئة هي مدخلها، وصلتها بالمصلحة العامة - في أوثق روابطها - مقطوعاً بها، ومبرراتها الحتمية لا شبهة فيها؛ وهذه العناصر جميعها ليست بمنأى عن الرقابة القضائية لهذه المحكمة، بل تخضع لتقييمها بما لا يُخرج نص أي من المادتين 68 و172 من الدستور عن أغراضها التفافاً حولها، بل يكون لمضمونها مجاله الطبيعي الذي حرص المشرع الدستوري على عدم جواز إهداره. ذلك أن ما يقرره الدستور في المادة 167 لا يجوز اتخاذه موطئاً لاستنزاف اختصاص المحاكم أو التهوين من تخصيص الدستور بعضها بمنازعات بذواتها باعتبارها قاضيها الطبيعي وصاحبة الولاية العامة بالفصل فيها.
وحيث إن قانون هيئة قضايا الدولة - بتعديلاته - وإن عهد بطلبات الإلغاء والتعويض إلى لجنة التأديب والتظلمات، بحسبانها هيئة ذات اختصاص قضائي، إلا أن المشرع وقد قدر بنفسه - على ما اتضح من مسلكه إزاء تحديد الاختصاص بنظر المنازعات الإدارية المتعلقة بأعضاء الهيئات القضائية الأخرى - أن المحاكم وحدها هي الأقدر على الفصل في هذا النوع من المنازعات؛ بالنظر إلى طبيعتها، وعلى ضوء مختلف العناصر التي تلابسها عادة، لكي ينال أعضاء هذه الهيئات الترضية القضائية إنصافاً؛ فإن إفراده أعضاء هيئة قضايا الدولة وحدهم بالإبقاء على اختصاص اللجنة المشار إليها في هذا الشأن، يعد إخلالاً بمبدأ المساواة في مجال حق التقاضي رغم توافر مناط إعماله، مكرساً بذلك تمييزاً غير مبرر بينهم وبين أعضاء الهيئات القضائية الأخرى في هذا المجال، معطلاً مبدأ خضوع الدولة للقانون، ومن ثم فإنه بذلك يكون قد خالف أحكام المواد 40، 65، 68، 165، 172 من الدستور.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة:
أولاً: بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة 25 من قانون هيئة قضايا الدولة الصادر بالقرار بالقانون رقم 75 لسنة 1963 معدلاً بالقانون رقم 88 لسنة 1998 فيما تضمنه من اختصاص لجنة التأديب والتظلمات بالهيئة بالفصل في طلبات إلغاء القرارات الإدارية النهائية المتعلقة بشئون أعضاء الهيئة وطلبات التعويض عنها.
ثانياً: بعدم الاعتداد بقرار رئيس هيئة قضايا الدولة رقم 2 لسنة 2000.

الطعن 7 لسنة 22 ق جلسة 7/ 7/ 2001 دستورية عليا مكتب فني 9 طلبات أعضاء ق 5 ص 1374

جلسة 7 يوليه سنة 2001

برئاسة السيد المستشار/ محمد ولي الدين جلال - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: حمدي محمد علي وعبد الرحمن نصير وماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله،

وحضور السيد المستشار/ محمد خيري طه عبد المطلب النجار - رئيس هيئة المفوضين،

وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

---------------

قاعدة رقم (5)
القضية رقم 7 لسنة 22 قضائية "طلبات أعضاء"

(1) دعوى دستورية "الحكم فيها: حجيته - عدم قبول الدعوى".
رفع دعوى لاحقة بعدم دستورية نص قانوني بعد نشر الحكم الصادر بعدم دستوريته؛ مؤداه: عدم قبول الدعوى.
(2) دعوى دستورية "الحكم فيها: أثر كاشف".
قضاء المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية نص تشريعي يُعد كاشفاً عما به من عوار دستوري مما يؤدي إلى زواله وفقده قوة نفاذه منذ بدء العمل به - سريان هذا القضاء على الوقائع والعلائق السابقة على صدور الحكم بعدم الدستورية والتي اتصل بها النص مؤثراً فيها، ما لم تكن الحقوق والمراكز التي يرتبط بها قد استقرت قبله بناءً على حكم قضائي بات.

---------------
1 - سبق أن حسمت المحكمة الدستورية العليا المسألة الدستورية المثارة في الطلب الماثل بحكمها الصادر بجلسة 6 مايو 2000 في القضية رقم 2 لسنة 21 قضائية "دستورية"، والذي قضى بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة 65 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 فيما تضمنه من حرمان العامل من البدل النقدي لرصيد أجازاته الاعتيادية فيما جاوز أربعة أشهر، متى كان عدم الحصول على هذا الرصيد راجعاً إلى أسباب اقتضتها مصلحة العمل. وإذ نشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بتاريخ 18/ 5/ 2000، وكان مقتضى نص المادتين 48 و49 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 أن يكون لقضاء هذه المحكمة في الدعاوى الدستورية حجية مطلقة في مواجهة الكافة وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة باعتباره قولاً فصلاً لا يقبل تأويلاً ولا تعقيباً من أي جهة كانت، فإن الخصومة بالنسبة للمسألة الدستورية المثارة في هذا الطلب تكون غير مقبولة.
2 - من المقرر أن قضاء المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية نص تشريعي يعد كاشفاً عما به من عوار دستوري مما يؤدي إلى زواله وفقده قوة نفاذه منذ بدء العمل به، فيسري هذا القضاء على الوقائع والعلاقات السابقة على صدور الحكم بعدم الدستورية، والتي اتصل بها النص مؤثراً فيها، ما لم تكن الحقوق والمراكز التي يرتبط بها قد استقر أمرها - قبل قضاء هذه المحكمة - بناءً على حكم قضائي بات. لما كان ذلك وكان النص المحكوم بعدم دستوريته قد حجب عن الطالب أصل حقه في الحصول على المقابل النقدي لرصيد أجازاته الاعتيادية فيما جاوز الشهور الأربعة المنصوص عليها، فإن مؤدى ذلك أحقية الطالب في هذا المقابل عن رصيد أجازاته الاعتيادية التي حرم منها بسبب مقتضيات العمل.


الإجراءات

بتاريخ الرابع من أكتوبر سنة 2000، أودع الطالب صحيفة الطلب الماثل قلم كتاب المحكمة، طالباً الحكم أصلياً بأحقيته في الحصول على المقابل النقدي لرصيد أجازته التي حرم منها بسبب ظروف ومقتضيات العمل طوال مدة خدمته، دون حد أقصى، على أن يحسب هذا المقابل على أساس ما كان يتقاضاه عند نهاية خدمته من أجر شامل متضمناً العلاوات الخاصة وبدل التمثيل وحافز تميز الأداء وغيرها. واحتياطياً دفع بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة 65 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 معدلاً بالقانون رقم 219 لسنة 1991 فيما تضمنه من وضع حد أقصى للمقابل النقدي لرصيد أجازات العامل لا يجاوز أجر أربعة أشهر.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الطلب.
وبعد تحضير الطلب، قدمت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظر الطلب على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيه بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الطلب وسائر الأوراق - تتحصل فيما ذكره الطالب من أنه قد استحق له رصيد من أجازاته الاعتيادية في الفترة من تاريخ تعيينه وحتى تاريخ نهاية خدمته بالمحكمة الدستورية العليا لبلوغه سن التقاعد في 6/ 9/ 1998 يجاوز مدة الأربعة أشهر المنصوص عليها في المادة 65 من نظام العاملين المدنيين بالدولة، وإذ ارتأى أنه يستحق بدلاً نقدياً عن هذا الرصيد محسوباً على أساس الأجر الشامل، متضمناً العلاوات الخاصة وبدل التمثيل والحوافز وغيرها، ولم يتم الصرف له على هذا النحو؛ فقد أقام الطلب الماثل، ودفع بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة 65 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 معدلاً بالقانون رقم 219 لسنة 1991.
وحيث إن هذه المحكمة سبق أن حسمت المسألة الدستورية المثارة في الطلب الماثل بحكمها الصادر بجلسة 6 مايو 2000 في القضية رقم 2 لسنة 21 قضائية "دستورية"، والذي قضى بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة 65 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 فيما تضمنه من حرمان العامل من البدل النقدي لرصيد أجازاته الاعتيادية فيما جاوز أربعة أشهر، متى كان عدم الحصول على هذا الرصيد راجعاً إلى أسباب اقتضتها مصلحة العمل. وإذ نشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بتاريخ 18/ 5/ 2000، وكان مقتضى نص المادتين 48 و49 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 أن يكون لقضاء هذه المحكمة في الدعاوى الدستورية حجية مطلقة في مواجهة الكافة وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة باعتباره قولاً فصلاً يقبل تأويلاً ولا تعقيباً من أي جهة كانت، فإن الخصومة بالنسبة للمسألة الدستورية المثارة في هذا الطلب تكون غير مقبولة.
وحيث إنه من المقرر أن قضاء المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية نص تشريعي يعد كاشفاً عما به من عوار دستوري مما يؤدي إلى زواله وفقده قوة نفاذه منذ بدء العمل به، فيسري هذا القضاء على الوقائع والعلاقات السابقة على صدور الحكم بعدم الدستورية، والتي اتصل بها النص مؤثراً فيها، ما لم تكن الحقوق والمراكز التي يرتبط بها قد استقر أمرها - قبل قضاء هذه المحكمة - بناءً على حكم قضائي بات. لما كان ذلك وكان النص المحكوم بعدم دستوريته قد حجب عن الطالب أصل حقه في الحصول على المقابل النقدي لرصيد أجازاته الاعتيادية فيما جاوز الشهور الأربعة المنصوص عليها، فإن مؤدى ذلك أحقية الطالب في هذا المقابل عن رصيد أجازاته الاعتيادية التي حرم منها بسبب مقتضيات العمل.
وحيث إنه عن طلب حساب المقابل النقدي المشار إليه على أساس الأجر الشامل المستحق للطالب عند نهاية خدمته، فإنه وقد خلصت المحكمة في حكمها الصادر في القضية رقم 2 لسنة 21 قضائية "دستورية" إلى أن المقابل النقدي المستحق عن رصيد الأجازات السنوية التي حالت ظروف العمل دون الحصول عليها، يعد تعويضاً عن الحرمان ومن هذه الأجازات، وأن اتخاذ المشرع الأجر الأساسي الذي وصل إليه العامل عند انتهاء خدمته - رغم تباين أجره خلالها - مضافاً إليه العلاوات الخاصة، أساساً لحساب هذا التعويض جبراً للضرر الناجم عن عدم حصوله على أجازاته السنوية، ليس مصادماً للعدالة ولا مخالفاً للدستور؛ فإن قضاءها في هذا الشأن - بما له من حجية طبقاً لما سلف بيانه - يحول بذاته دون معاودة المجادلة فيه أو إعادة طرحه عليها من جديد لمراجعته؛ ومن ثم يتعين رفض هذا الطلب.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بأحقية الطالب في المقابل النقدي لرصيد أجازاته الاعتيادية التي لم يحصل عليها بسبب مقتضيات العمل.

الورقة الرسمية في المضاهاة سامي عازر جبران المحامي

مجلة المحاماة - العدد العاشر
السنة الثامنة عشرة

الورقة الرسمية في المضاهاة

1 - نص قانون المرافعات الأهلي في المادة (261) منه على الأوراق التي تقبل المضاهاة عليها، وبالرجوع إلى الفقرات الأربع للمادة، لا نجد من بينها ما هو أغمض في مدلوله مما جاء في الفقرة الأولى: (الإمضاء أو الختم الموضوع على أوراق رسمية)Les signatures ou cachets apposés à des actes authentiques... وأما باقي أوراق المضاهاة فمن الوضوح بحيث لا يحتمل قيام جدل حول مدلوله.
2 - والآن ما المقصود من كلمة الإمضاء أو الختم الموضوع على أوراق رسمية وهل كل إمضاء أو ختم على ورقة رسمية يصلح للمضاهاة عليه؟ اللهم لا ولو قلت بالعكس لأضحت حقوق الناس في خطر.
3 - جاء تعريف الورقة الرسمية l’écrit authentique في المادة (226) مدني بأنها التي تحررت بمعرفة المأمورين المختصين بتحريرها، ولقد وقف الشارع المصري عند هذا الحد، فلم ينقل شيئًا من التفاصيل التي جاء بها الشارع الفرنسي في المادة (1317) مدني حيث ذكر وجوب توفر اختصاص الموظف بالنسبة لنوع المحرر، وبالنسبة لمكان التحرير، وذكر أيضًا ضرورة مراعاة الشروط المقررة والقواعد الموضوعة للتحرير.
كل هذا أغفله الشارع المصري ولا محل لبحثه هنا[(1)].
4 - على أن المشرع المصري فرق في المادة (226) مدني المذكورة بين قسمين من البيانات فأعطى لقسم منها حجية في الإثبات لا تسلب منه إلا بطريق الطعن بالتزوير، وأما القسم الآخر فلم يعطه هذه القوة فأجاز إثبات عكسه بجميع الطرق دون ضرورة لسلوك طريق الطعن بالتزوير.
قالت المادة: (وتكون – أي المحررات - حجة على أي شخص ما لم يحصل الادعاء بتزوير ما هو مدون بمعرفة المأمور المحرر لها).

(font preuve contre toute personne jusqu’à incription de faux des constations faites par l’officier rédacteur)

5 - ولهذا قالوا أن حجية المحرر الرسمي تختلف باختلاف البيانات الثابتة به، فهو حجة بالبيانات التي أثبتها الموظف العمومي، أثبتها على أنه قام بها بنفسه، أو رآها بعينه، أو سمعها بأذنه، كل ذلك أثناء تأدية وظيفته، وفي حدودها.
ولقد فرعوا على ذلك، أن الموثق لو أثبت إقرارًا من أحد الطرفين في المحرر، فإن من نسب إليه هذا الإقرار منهما، لا يستطيع أن يثبت عدم صدوره منه إلا بطريق الطعن بالتزوير.
ولكن، إذا كانت واقعة صدور الإقرار لا يمكن نفيها إلا بطريق الطعن بالتزوير، فالأمر بخلاف ذلك فيما يتعلق بصحة هذا الإقرار في ذاته، حيث يستطيع المقر أن يثبت مخالفة إقراره للواقع بكافة طرق الإثبات [(2)].
6 - أسهبنا في الكلام على الفقرة الأخيرة من المادة (226) مدني لأنها في الواقع هي كل الفقرة الأولى من المادة (261) مرافعات، وهي وحدها التي يمكن أن تحدد لنا غموضها، وتخصص لنا إطلاقها فإذا أردنا أن نجيب على السؤال الذي طرحناه في صدر هذا البحث وهو هل كل إمضاء أو ختم على ورقة رسمية يصلح لأن يكون أساسًا للمضاهاة طبقًا للفقرة الأولى من المادة (261) مرافعات أم لا؟ أجبنا بالإجمال أن لا، وإليك التفصيل:
7 - عندنا أن القاعدة السليمة في اعتماد ورقة رسمية للمضاهاة أن يكون الختم أو الإمضاء الموضوع عليه هو الختم أو هو الإمضاء الذي يدل على ذات صاحبه، ولن يوجد هذا الضمان إلا حيث توجب القوانين أو اللوائح على الموظف المختص بتحرير الورقة الرسمية أن يتحقق من شخصية الموقع أمامه.
وهذا التحديد مستفاد من المادة (226) مدني التي عرفت الورقة الرسمية في فقرتها الأولى، والتي حددت مدى حجية ما ورد بها في فقرتها الثانية، فقررت أن كل ما تدون بها، مما رآه الموظف أو سمعه constatations حجة بما ورد به، حتى يطعن فيه من يجحده بالتزوير، ويصبح المفهوم بطريق التدليل العكسي àcontraris، إن ما لم يره الموظف بعينه، وما لم يسمعه بأذنه وإنما اقتصر عمله على نقله من إقرارات الطرفين، يقبل إثبات العكس دون حاجة إلى طعن بالتزوير.
8 - ولعل أساس هذا الغموض الذي اكتنف الفقرة الأولى من المادة (261) مرافعات أهلي يرجع إلى عدم دقة المشرع المصري - القديم - وهو ينقل هذه المادة من المادة الفرنسية المقابلة لها وهي المادة (200) مرافعات، فلقد جاء في هذه المادة أن الأوراق التي يجوز للقاضي أن يقبلها للمضاهاة، عند عدم اتفاق الطرفين، هي:
أولاً: الإمضاء الموقع بها أمام موثق notaire، أو تلك الموضوعة على الأوراق القضائية actes judiciaires والتي حصل التوقيع بها أمام القاضي وكاتب المحكمة، أو في النهاية الورقة المكتوبة والممضاة من الشخص المطلوب جراء المضاهاة ضده، إذا كانت تلك الورقة قد صدرت منه بوصف كونه قاضيًا أو كاتبًا أو موثقًا، أو وكيلاً للدعوى، أو مُحضرًا، وبالجملة أن تكون قد صدرت منه بوصف كونه موظفًا عموميًا.
فاعتقد المشرع المصري، وهو يضع نصوصه، أنه من حسن التحرير أن يوجز فيه لأن المشرع الفرنسي ما فصل في المادة إلا على سبيل التمثيل بدليل قوله في نهاية هذه الفقرة التي نقلناها (وبالجملة أن تكون الورقة قد صدرت منه بوصف كونه موظفًا عموميًا).
قال المشرع: ما دام أن كاتبها موظف عمومي، فالورقة رسمية.
9 - ولكنك لا بد مدرك خطأ هذا المنطق الذي تردد في ذهن المشرع المصري بمجرد مطالعة المادة الفرنسية إذ أنها ما قبلت الورقة الصادرة من الموظف العمومي كورقة للمضاهاة إلا إذا كانت الإمضاء المطلوب إجراء المضاهاة عليها هي إمضاء الموظف الصادرة منه الورقة أو على الأصح المقول أنها صادرة منه كموظف مختص بتحريرها.
ولو أن الشارع المصري القديم تحرى الدقة في تتبع ما كان عليه العمل في فرنسا قبل وضع قانون المرافعات، لعرف أنه كان هناك أمر عالٍ صادر في سنة 1737 أباح للقاضي أن يقبل للمضاهاة – كورقة رسمية – كل توقيع على ورقة صادرة من موظف عمومي في حدود اختصاصه، حتى صدر قانون المرافعات وبه المادة (200) لا تعترف بالرسمية للمضاهاة من بين الأوراق الرسمية التي لم تحرر في مجلس القضاء إلا لأوراق الموثقين

les signatures apposées aux actes par devant notaire[(3)].

10 - أما عندنا فالأمر سهل - على ضوء التحديد الذي تقدمنا به - وتصبح الأوراق الرسمية التي يجوز قبولها للمضاهاة في إثبات التزوير ونفيه، هي الوثائق المحررة بمعرفة موظف مختص، وبشروط معينة، في إحدى الجهات التي تعينت للتوثيق، إذ أن هذه الوثائق محاطة بكثير من الضمانات كحضور الأشخاص الموقعين عليها، والتحقق من شخصياتهم بواسطة شهود عدول حائزين لشروط معينة، ومن المحتم أن يثبت الكاتب كل ذلك، ففي تلك الوثائق وحدها، يدخل ضمن مأمورية الموثق التحقق من شخصية صاحب الختم أو الإمضاء وتكون إذن مسألة أن (الموقع بختم زيد أو إمضائه هو زيد بنفسه) مما يدخل في نطاق ما رآه الموظف بعينه أو سمعه بإذنه، ذلك الذي أثبتنا أنه فيصل التفرقة بين البيانات الرسمية، والبيانات غير الرسمية طبقًا للمادة (226) مدني.
11 - ولقد صدر قانون التسجيل في 26 يونيه سنة 1923 – بالنسبة للمحاكم الأهلية والمختلطة على السواء - وختمت المادة (6) من قانون التسجيل الأهلي و 5 مختلط التصديق على إمضاءات وأختام الطرفين الموقع بها على المحررات العرفية المقدمة للتسجيل، ونصت على أن التصديق يكون بمعرفة أحد الموظفين أو المأمورين العموميين الذين يعينون بالقرارات المنصوص عنها في المادة (17).
12 - وبتاريخ 26 نوفمبر سنة 1923 أصدر وزير الحقانية - في حدود هذا الاختصاص الذي منحته له المادة (17) من قانون التسجيل الأهلي - قرارًا نص في المادة (3) منه على إعطاء المحاكم الشرعية والأهلية حق التصديق على الإمضاءات أو الأختام، حيث جاء في هذه المادة:
(التصديق على الإمضاءات أو الأختام المنصوص عليه في المادة (6) و (5) من القانونين رقمي (18) و (19) لسنة 1923 المشار إليهما يمكن أجراؤه في المحاكم الشرعية والأهلية الخ..)[(4)]
وبذلك أصبحت أقلام كتاب المحاكم الأهلية - والشرعية - جهات قانونية للتوثيق، ودبت الحياة - بصدور قانون التسجيل - في المادة (37) من الأمر العالي الصادر في 7 أكتوبر سنة 1897 بالتصديق على تعريفة الرسوم القضائية في المحاكم الأهلية، ونصها (يؤخذ رسم باعتبار 20 قرشًا) على التصديق على كل إمضاء، وإذا طلب انتقال الكاتب للتصديق الخ [(5)].
13 - وأن الباحث ليحار في تتبع أصل هذا الاختصاص الذي أشارت إلى بعض توابعه المادة (37) من تعريفه الرسوم القضائية، فلم نجد قانونًا أو لائحة أو قرارًا صادرًا ممن خولته القوانين واللوائح حق إصدار القرارات تنفيذًا لها فتكسب تلك القرارات قوة القانون، نقول لم نجد شيئًا من ذلك يعطي لكتبة المحاكم الأهلية اختصاصًا في التصديق على الإمضاءات، كما جاء في قرار مايو سنة 936 الصادر من وزير الحقانية في حدود المادة (17) من قانون التسجيل على ما بينا.
وغاية ما عثرنا عليه، هو أمر عالٍ أصدرته الحكومة المصرية في 27 يناير سنة 1876 بتعليمات لكتبة المحاكم المختلطة ومن ضمنها الشروط اللازم توافرها في تحرير العقود الرسمية [(6)].
ولم تكن لهذا الأمر العالي قوة القانون على المحاكم المختلطة، لأن الدول لم توافق عليه [(7)].
ولم يصدر له مثيل لكتبة المحاكم الأهلية وما ندري إلا وفي 7 أكتوبر سنة 1897 تصدر تعريفة الرسوم القضائية للمحاكم الأهلية وبها مادة (37) خاصة برسوم التصديق على الإمضاءات بمعرفة كتبة المحاكم الأهلية!
14 - هذا، ولأن الغرض الذي رمى إليه المشرع من إيجاب التصديق على الإمضاءات أو الأختام قبل تسجيل العقد هو وضع حد لتسجيل العقود المزورة، كما جاء في المذكرة الإيضاحية لقانون التسجيل، فلقد صدرت من وزارة الحقانية عدة منشورات إلى الموثقين، تحتم عليهم أن يتحققوا من شخصية طرفي العقد، سواء بأن يكونا معروفين لهم شخصيًا، أو بأن يتحققوا منهما بواسطة شاهدين معروفين للموثق، كما حتمت تلك المنشورات ذكر أسماء شهود المعرفة وعناوينهم بغاية الدقة في محاضر التصديق [(8)].
وهذا الذي حتمته المنشورات المشار إليها هو من قبيل ما كانت تحتمه المادتين (128) و (130) من الأمر العالي الصادر في سنة 1876 والذي أشرنا إليه.
15 - أما وقد انتهينا من تقرير رأينا فيما يجوز قبوله قانونًا للمضاهاة كورقة رسمية، وأقمنا الدليل، فيما نعتقد، على صحة هذا الرأي، فإننا ننتقل للكلام على بضعة أمثلة عملية قد تساعد على تجليته، وسنتكلم على إعلان الدعوى، ثم على عقود الزواج وإشهادات الطلاق، ثم على حوالات البريد وأذوناته، ثم خاتمة في التزوير الجنائي والمدني.

أولاً: وعن إعلان الدعوى

16 - رفع عليك زيد من الناس دعوى وأعلنك المحضر على أنه خاطبك مع شخصك، وقيل في أصل الإعلان أنك وقعت أمامه فهل يسوغ قانونًا، أن تكون تلك الإمضاء أو ذاك الختم المنسوب لك على إعلان الدعوى، أساسًا للمضاهاة كورقة رسمية؟
لا جدل في أن الجواب – على ضوء البيانات التي أوردناها - بالنفي، وإليك البيان، بادئين من التاريخ إلى المخاطبة..
17 - أما التاريخ فهو مما يدخل في نظر المحضر وسمعه ولا بد لإنكاره من الطعن فيه بالتزوير.
وأما قول المحضر أنه انتقل إلى الجهة الفلانية، محل إقامة المعلن إليه فقول ينقسم إلى قسمين القسم الأول (واقعة انتقاله) والقسم الثاني) مسألة أن المكان الذي انتقل إليه المحضر هو محل إقامة المعلن إليه أم لا).
أما (واقعة الانتقال) ذاتها، فلا بد لإنكارها والقول بأن المحضر لم ينتقل فعلاً من الطعن بالتزوير.
وأما مسألة أن المكان الذي انتقل إليه هو محل إقامة المعلن إليه أم لا فهي لا تدخل في نطاق الطعن بالتزوير.
ووجه التفرقة بين، إذ أن المسألة الأولى هي مما يدخل في البيانات التي أجراها المحضر بنفسه وأما المسألة الثانية - محل إقامة المعلن إليه - فتحديدها يتم بناءً على إرشاد طالب الإعلان، فهي من قبيل ما يثبته المحضر نقلاً عن إقرارات صاحب الشأن.
18 - ونصل بعد ذلك - في قراءتنا لإعلان الدعوى - إلى قول المحضر (وأعلنته مخاطبًا مع شخصه، أو تابعه قريبه مساكنه لغيابه).. وهذا هو بيت القصيد.
هذا القول ينشطر بدوره إلى شطرين: الأول (أنه سلم الإعلان إلى شخص ما).
والثاني (أن هذا الشخص هو المعلن إليه نفسه، أو أنه تابعه حقيقة، أو قريبه ومساكنه فعلاً).. فالأول يدخل في نطاق البيانات الواجب في إنكارها الطعن بالتزوير فلو قال المنكر أن المُحضر لم يسلم الإعلان لشخص ما، وأنه اكتفى مثلاً، بكتابة إعلان الدعوى على مكتبه وأثبت عليه كذبًا واقعة المخاطبة، لكان على المنكر أن يسلك طريق الطعن بالتزوير.
والثاني، ليس من نوع البيانات التي لها هذه القوة، فهو وإن كان مفروضًا فيه أن يتحرى الدقة في تسليم الإعلانات، إلا أنه ليس في إجراءاتهم المكلفين باتباعها عند إعلان الأوراق القضائية ما قيم الضمان الكافي للتحقق من شخصية متسلم الإعلان، ولا من حقيقته أهو نفسه المعلن إليه أم هل هو غيره ومما إذا كان هذا الغير الذي قال للمحضر أنه تابعه أنه حقيقة تابع له أو الذي قال أنه قريب له مساكنه، أنه حقيقة قريبه مساكنه.
ولهذا قالوا أن المُحضر غير مكلف بالتحقيق من صفة مستلم الإعلان ولا من حقيقته، ما دام ذلك الشخص يؤكد قيام الصفة التي تبيح له الاستلام [(9)] وقالوا أن تحقق هذه الصحة أمر خارج عن مقدوره فلا يستطيع تمحيصه - أولاً - لأنه لم يكن مأذونًا به من قبل القانون - وثانيًا - لأنه لا يمكنه عمل تحقيق في كل مسألة من المسائل المنوط بها فيصرف وقته فيما ليس له شأن به، بل هو من شأن الأنظمة القضائية أن تفصل فيه[(10)].
19 - ومما يؤيد هذا النظر الأمر العالي الصادر سنة 1876 بتعليمات لكتبة المحاكم المختلطة بشأن ما يتبع في تحرير الورقة الرسمية - وقد أشرنا إليه - ولقد رأينا ما أوجبه هذا الأمر العالي من حضور شاهدي معرفة يعرفهما الموظف العمومي ليتحقق بوساطتهما من شخصية المتعاقدين ثم رأينا ما يتطلبه قانون التسجيل من إجراءات للتحقق من شخصية طرفي العقد وكل هذه الاحتياطات لا وجود لمثلها بالنسبة لإعلان صحيفة الدعوى.
وغاية ما أورده قانون المرافعات في هذا الشأن، هو أن كلف المحضر في المادة (2) بأنه إذا انتقل لإحدى القرى لإجراء أمر من وظائفه يجب عليه أولاً أن يتوجه إلى شيخ البلد، ويطلب منه المساعدة فإن امتنع وجب عليه - أي على المحضر - إجراء الأمر المكلف به وذكر حصول الامتناع في المحضر الذي يحرره.
ثم عدد القانون في المادة (3) - بعد ذلك - بيانات الورقة التي يعلنها المحضر فقال تحت (سادسًا) أن على المحضر أن يثبت – ضمن محضره - المساعدة من شيخ البلد أو الامتناع من بذلها في الأحوال المبينة في المادة السابقة.
20 - وهنا قد يقوم بذهن من يقرأ هذه النصوص أنه يصح أن يكون لتوقيع متسلم الإعلان قوة البيانات التي أولتها المادة (226) مدني حجية لا يأتيها الشك إلا عن طريق الطعن بالتزوير في حدود حالة واحدة وهي الحالة التي تستوفى شرائط المادتين (2) و (3) فقط من قانون المرافعات، المشار إليها أن يكون المُحضر قد طلب مساعدة شيخ البلد وأن يكون هذا الشيخ قد لبى طلبه وانتقل معه وأن يكون المحضر قد أثبت حصول هذه المساعدة في إعلان الورقة كما هو مقتضى الفقرة السادسة من المادة (3) مرافعات التي أشرنا إليها [(11)].
21 - ولكن هذا الرأي مردود بأن شيخ بلد ما لا يمكن أن يكون شاهد معرفة لجميع سكان بلده أو لمن يقع في حصته منهم إن كانت القرية كبيرة وتعدد بسبب ذلك مشايخها.
هذا على فرض أن متسلم الإعلان هو نفس الخصم المراد إعلانه.
أما إن كان متسلم الإعلان هو خادمه، أو قريبًا له يساكنه، فإن ردنا السابق يصدق على الغرض من باب أولى، ذلك أننا لا نستطيع أن نتصور أو نفترض، أن شيخ البلد يعرف جميع خدام أهل بلده، وجميع أقاربهم، وأنه يستطيع من بين هؤلاء، أن يفرق بين من كان مساكنًا للمعلن إليه، ومن كان غير مساكن له لا نستطيع أن نتصور ذلك، أو نفترضه، لأنه مخالف لمنطق الأشياء[(12)].
22 - وأنه ليخلص لنا من هذا البيان، أن توقيع متسلم الإعلان سواء أكان هو ذات المعلن إليه، أو قريبه مساكنه، أو تابعه، وسواء ذكر في الإعلان أنه تم بمساعدة شيخ البلد، أو لم يذكر في الإعلان شيء من ذلك، هذا التوقيع لا يصلح أساسًا للمضاهاة كورقة رسمية، لأنه ليس في نطاق البيانات، التي أولتها المادة (226) مدني، بالإيضاح السابق، حجية لا تزول عنها إلا بالطعن بالتزوير.
على أنه لا بد لنا من أن نستثني من هذه القاعدة حالة واحدة، تلك أن يثبت المحضر في إعلانه، أنه يعرف المعلن إليه شخصيًا، فتصبح شخصية الموقع أمامه مما يدخل في البيانات التي أجراها بنفسه وهو لو قرر ذلك، أنما يعمل في حدود اختصاصه، حيث خولته المادة (6) مرافعات، أن يسلم الورقة المعلنة إما لمحل الخصم (وحينئذ لا تكليف عليه قانونًا للتثبيت من شخصيته) وإما لنفس الخصم (في أي مكان يجده، ولو عرضًا في الطريق، وهذا تكليف له ضمني، من قبل القانون، بالتحقق من شخصيته، في هذه الحالة فقط).
23 - وإننا لنتساءل الآن عما إذا كان توقيع طالب الإعلان، على أصل العريضة، أو توقيع وكيله، يصلح لأن يكون أساسًا للمضاهاة، باعتبار أنه توقيع حاصل على ورقة رسمية؟
لا جدال في أن أقلام المحضرين، لا تتحرى صحة شخصية من يقدمون إليها مشروعات إعلانات للقيام بإعلانها، وليس في القانون، ولا في العمل، ما يفيد أنها تتحقق من شخصية طالب الإعلان وكل ما هنالك أن نص قانون المرافعات في المادة (3) منه على أن من ضمن البيانات الواجب أن تشتمل عليها أوراق المحضرين عند إعلانها، اسم الخصم الذي تعلن هذه الأوراق في مصلحته ولقبه وصنعته أو وظيفته ومحله (فقرة (2).
فإذا ما أثبت قلم المحضرين أن زيدًا من الناس تقدم إليه بعريضة دعوى ليعلينها باسم زيد ووقَّع أمام الموظف المختص على أنه زيد فليست شخصية زيد بمحل تحقيق ولا يدخل ذلك ضمن مأموريته وإذن فإن مثل هذا التوقيع على عريضة الدعوى - أو غيرها - لا يصلح أساسًا للمضاهاة كورقة رسمية.
24 - ولكن محكمة النقض أصدرت حكمًا حديثًا في 8 مارس سنة 1937[(13)] قررت فيه أنه لا نزاع في أن عريضة الدعوى المعلنة محرر رسمي وأنها أعدت لإثبات ما جاء بها، وعلى الخصوص شخصية طالب الإعلان والقول بغير ذلك فيه إهدار لقيمة هذه العريضة الرسمية ولكل ما يترتب عليها من الإجراءات القضائية.
وأدانت على هذا الأساس شخصًا اتهم بأنه انتحل لنفسه في عريضة الدعوى اسمًا مكذوبًا لا وجود له وقدمها لقلم المحضرين على أنها صادرة من ذلك الشخص الذي لا وجود له فقام قلم المحضرين بإعلانها.
قالت محكمة النقض إن هذا تزوير معنوي في محرر رسمي بانتحال شخصية الغير supposition de personnes وهو صورة خاصة من التزوير المعنوي الذي يقع بجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة وإنما يشترط في هذه الحالة، لكي يكون التزوير معاقبًا عليه أن يكون المحرر صالحًا لأن يتخذ حجة في إثبات شخصية من نسب إليه.
25 - يبن من هذا أن محكمة النقض روعت بالآثار المترتبة على التلاعب في إعلان أوراق المحضرين فأرادت أن توقع على المتهم الجزاء المتناسب مع خطورة تلك الآثار ودللت على قيام التزوير تدليلاً هو محل النظر سنعرض لتفنيده تفصيلاً في خاتمة هذا البحث عند كلامنا على (التزوير الجنائي والتزوير المدني).
26 - بقى لنا بعد ذلك أن نتساءل عن قيمة توقيع المحضر نفسه على الإعلان وهل يصلح هذا التوقيع أساسًا للمضاهاة ضد المحضر باعتباره توقيعًا على ورقة رسمية؟
27 - الجواب على ذلك بالنفي لأن مثل هذه الحالة في القانون الفرنسي عليها نص خاص وفقرة خاصة ذلكم هو نص المادة 200 مرافعات فقرة أولى وترجمتها:
إذا لم يتفق الطرفان على أوراق المضاهاة، فإن القاضي لا يقبل إجراءها إلا على الأوراق الآتية:
1/ الإمضاءات المتوقع بها على العقود التي تحررت بمعرفة موثقين أو على الأوراق القضائية التي تحررت في حضرة القاضي وكاتب المحكمة أو في النهاية الأوراق الموقع عليها ممن يراد إجراء المضاهاة ضده، إذا كان قاضيًا، أو كاتب محكمة، أو موثقًا، أو وكيلاً للدعوى، أو محضرًا، وبالجملة أية ورقة صادرة من الخصم بصفته موظفًا عموميًا.
28 - ولو رجعت إلى قضائهم وفقههم للمست فيهما تبرمًا غير صريح بالنص الصريح
أما قضاؤهم، فلقد حاول قدر الإمكان، ألا يختار من بين الأوراق الموقع عليها من الموظف المراد تحقيق خطه، والصادرة منه في حدود وظيفته، إلا تلك التي يتحقق فيها ضمان التأكد من شخصيته إلى أبعد مدى ممكن.
29 - وتحقيقًا لهذا الضمان وضعت المحاكم هناك مقياسين تقيس بهما - أو على الأصح بأيهما درجة صلاحية الورقة المنسوبة للموظف العمومي، والمراد تحقيق خطة عليها.
والمقياس الأول، أن تكون الورقة مودعة في خزينة رسمية dépôt public ولقد استقى القضاء الفرنسي هذا المقياس من الأعمال التحضيرية للمادة (200) مرافعات فرنسي حيث قالوا إن الفكرة التي أوحت للمشرع الفرنسي بوضع المواد (199) مرافعات وما بعدها وهي المواد التي تتكلم عن اختيار أوراق المضاهاة وتقديمها، أن الأوراق الرسمية، تودع في خزائن رسمية dépôt public وهذه الخزائن هي ملك الجماعة، يشرف على حفظها موظفون عموميون وأن هذا إيداع يؤمن ضد الاحتمالات التي قد لا تخطر على البال [(14)].
30 - فذهبت محاكمهم - اتباعًا للمقياس الأول - إلى أن الأمر الاستبدادي [(15)] lettre de cachet والملحوظات المدونة بمعرفة كاتم سر الدولة sécétaire d'etate بصفته في كل منهما موظفًا عموميًا.. والمودع كل منهما في خزانة رسمية dépôt public طبقًا لقانون (12) برومير brumaire السنة الثانية[(16)]، هي أوراق رسمية، يصح أن تكون أساسًا للمضاهاة [(17)].
31 - وتقضي المحاكم هناك أيضًا، بأن المستخرجات الرسمية لإشهار الزواج les extraits de publication de mariage التي لم تكن في خزانة رسمية، والغير المعترف بها من العمدة المراد تحقيق إمضائه عليها، كورقة رسمية صدرت منه في حدود وظيفته، لا قيمة لها في المضاهاة.
على أن الحكم يختلف، إذا كانت تلك المستخرجات الرسمية قد كتبها العمدة، ووقع عليها، ثم أودعت في دار العمودية mairie، أي أن تكون - بالإجمال - قد اكتسبت قوة في الإثبات فإنها حينئذ تصلح أساسًا للمضاهاة[(18)].
هذا عن المقياس الأول
32 - أما المقياس الثاني فلقد كانت تلجأ إليه المحاكم عند فقدان ضمان الإيداع في خزانة رسمية ومحصلة أن تكون الورقة المنسوبة للموظف المراد تحقيق إمضائه أو خطة قد مرت في أدوار تؤكد إلى حد بعيد أنها صدرت منه فعلاً.
فقبلوا للمضاهاة، في عقد منسوب صدوره إلى طبيب، شهادات قدمها ذلك الطبيب، بناءً على تكليف من إدارة الجيش له بإعطاء معلوماته عن إعفاء بعض المقترعين من الخدمة العسكرية على اعتبار أن تلك الشهادات صادرة من موظف عمومي[(19)] ولعلهم اعتقدوا أن في مثل هذه الصورة، يقوم ضمان كبير للتحقق من شخصية الطبيب، ففيها يثبت اسمه في الأمر الصادر من إدارة الجيش بندبه وقد يستدعونه للمناقشة في البيانات التي أدلى بها ويثبتوت كل ذلك في محضر رسمي.
33 - وقبلوا أيضًا للمضاهاة - تحقيقًا لخط قاضٍ أنكر إمضاءه على عقد نسب إليه - تأشيرات ذلك القاضي على عرائض قدمت له بصفته قاضيًا ولم يستلزموا، بعد ذلك، أن تكون تلك العرائض قد تقدمت في قضية وتلا استصدار أمر القاضي عليها صدور حكم [(20)] ولعلهم اعتقدوا – في هذه العراض - أن الأدوار التي تمر بها تؤكد ضمانًا كبيرًا.. أنها صدرت من القاضي فعلاً ذلك أنها عرضت عليه بوساطة كتبة المحكمة مثلاً ومفروض في ذلك أن الشخصية مؤكدة.
وقبلوا أيضًا للمضاهاة، في عقد وصية منسوب صدوره إلى قائد تجريده عسكرية تفويضًا وقع عليه هذا القائد أمام مجلس إدارة فرقته، طبقًا للمواد (2) و (3) من قانون 16 فركيتدور fructidor السنة 11 من سني الجمهورية [(21)].
ولعلهم اطمأنوا إلى أن في توقيع قائد التجريدة أمام مجلس إدارة فرقته ضمان التحقق من شخصية ذلك القائد.
هذا عن القضاء الفرنسي، والمقياسين اللذين استقر عليهما، بالرغم من خلو النص منهما وذلك للتخلص من إطلاقه.
34 - أما الفقه الفرنسي، فلقد بزر فيه رأي للعلامة جارسونيه - حجة شراح قانون المرافعات في فرنسا، ومجمل رأيه أن أضاف شرطًا على المادة (200) مرافعات فقرة أولى وذلك الشرط أن تكون إمضاء الموظف غير منكورة [(22)] noncontesté لأنه في هذه الحالة - حالة الإنكار – يتعين تحقيق الصفة الرسمية للموظف المطلوب إجراء المضاهاة ضده وتتولد عن ذلك مضاعفات لا تنتهي وحلقة مفرغة لا تقف[(23)].
يبين من هذا أن العلامة جارسونيه لا يأخذ بنص المادة (200) مرافعات فقرة أولى على إطلاقه.
35 - وتكون خلاصة الموقف في القانون الفرنسي أنه مع وجود النص الخاص فإن المحاكم وضعت من عندياتها المقياسين اللذين أشرنا إليهما واللذين لا وجود لهما في النص وذلك تحديدًا لإطلاقه ويضيف جارسونيه شرط أن تكون إمضاء الموظف مسلمًا بها وهو شرط كما ترى غير مفهوم ذلك أن الفقرة الأولى من المادة (200) مرافعات إنما وضعت للخروج بالدعوى من المأزق الذي لم توجد فيه إلا بسبب عدم اتفاق الطرفين على أوراق المضاهاة.
على أن هذا الاستقراء يدلنا على عدم ارتياح إلى النص كما قلنا في موضع سابق.
36 - ويكون الرأي الذي يجب أن ننتهي إليه في القانون المصري أن توقيع المحضر على إعلان الدعوى لا يصلح أساسًا للمضاهاة ضد المحضر باعتباره توقيعًا منه على ورقة رسمية، ذلك أن القانون الفرنسي به نص خاص ومع عمومه فإن الفقه والقضاء هناك عملاً على تخصيصه طبقًا للبيان الذي تقدمنا به والنص، وما آثار حوله من تفسيرات يؤكد الحقيقة التي يجب أن نذكرها أن عندهم نص خاص لا وجود لمثله عندنا.
على أننا لو فهمنا أن التوقيع أمام الموثق فيه الضمان الكافي للتحقق من شخصية الموقع فإننا لا نفهم أي ضمان في أن تكون الورقة مزعوم صدورها من الموظف الخصم في حدود وظيفته!؟
37 - أما وقد انتهينا من مناقشة التوقيعات التي قد تشتملها صحيفة افتتاح الدعوى من طالب إعلان ومعلن إليه ومحضر يقوم بالإعلان فإننا ننتقل إلى صورة أخرى من صور الأوراق الرسمية.

ثانيًا: وعن عقود الزواج وإشهادات الطلاق

38 - باشر مأذون عقد الزواج أو إشهاد طلاق في حدود الاختصاص الذي خولته له المادتان (13) و (19) من لائحة المأذونين الصادرة في 7 فبراير سنة 1915 ثم قامت بينه وبين بعض الناس خصومة مدنية استلزم الفصل فيها تقديم أوراق رسمية للمضاهاة فقدم خصم المأذون صورة من عقد الزواج أو إشهاد الطلاق للمضاهاة عليها فهل للمحكمة أن تقرر باعتمادها على أنها من الأوراق الرسمية الوارد بها نص المادة (261) مرافعات فقرة أولى؟
ولو أن المعنى في الخصومة المدنية كان أحد الزوجين أو كان أحد شهود العقد فهل يمكن أن تعتمد تلك الصورة كورقة رسمية للمضاهاة؟
وإذا لم تكن للصورة قيمة فهل للأصل المحفوظ في المحكمة الشرعية قيمة ؟
39 - وقبل مناقشة هذه المسائل، نود أن نقرر أن الصورة لا قيمة لها كورقة رسمية إلا عن طريق مطابقتها للأصل ذلك أن المادة (133) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادرة بها المرسوم بقانون رقم (78) لسنة 1931 تنص على ما يأتي:
(كل سند شرعي صادر من المحاكم الشرعية مطابق لما في سجله، مستوفٍ شروطه الشرعية، يعد حجة فيما تحرر به على من كان شاهدًا عليه أو على من تلقى الحق عنه).
40 - ولفظ سند شرعي الوارد في المادة (133) يشمل جميع ما تقوم به المحاكم الشرعية من التوثيقات على اختلاف أنواعها من نحو بيع ورهن وهبة ووصية ووقف وزواج وطلاق[(24)].
والمادة (133) التي تناولها شراح اللائحة الشرعية الصادرة في سنة 1910 تطابق في نصها المادة (133) من لائحة سنة 1931 الجديدة.
وقد أولت المادة (133) للسندات الشرعية حجية معلقة على شرط مطابقة السند للأصل بدليل قولها: (كل سند شرعي مطابق لما في سجله يعد حجة..)
وقد أكدت اللائحة هذا الشرط في المادتين (362) و (363) حيث حددت المادة (362) اختصاص المحاكم الشرعية في (ضبط الإشهادات) و (كتابة سنداتها) و (تسجيلها) ثم عقبت عليها المادة (363) بتعريف لكل من هذه التعبيرات فعرفت تحرير السندات بأنه (كتابة صورة المتموغة مطابقة لأصلها).
41 - وإذن فلكي يعتبر السند الشرعي حجة فيما تدون به يجب أن تثبت مطابقته للأصل الوارد في سجل المحكمة الشرعية، ويؤيد هذا النظر المستمد من نصوص اللائحة الشرعية، ما كانت عليه حيرة المحاكم الشرعية من جهة وثائق الزواج وإشهادات الطلاق، أتعتبرها أوراقًا رسمية أو غير رسمية، ولهذا نص عليها الشارع صراحة في المادة (132) من لائحة سنة 1910 بعد أن لم يكن عليها نص خاص في المادة (132) من لائحة سنة 1897 [(25)] وأخيرًا جاءت المادة (132) من لائحة سنة 1931 مطابقة للمادة (132) من لائحة سنة 1910.
42 - بعد أن تقرر ذلك ألا عبرة بالصورة وأنها لا تحدث أية حجية إلا عن طريق مطابقتها للأصل ننتقل إلى مناقشة المسائل التي أثرناها في البند (38) من هذا البحث، وأولها ما كان خاصًا بقيمة توقيع المأذون على إشهاد الطلاق أو عقد الزواج قيمته كورقة رسمية للمضاهاة؟
43 - توقيع المأذون على إشهاد الطلاق أو عقد الزواج هو توقيع منسوب إلى موظف عمومي على ورقة منسوبة إليه صدرت منه في حدود اختصاصه وتلك هي الحالة التي عليها نص خاص في فرنسا هو نص المادة (200) مرافعات وفقرة خاصة هي الفقرة الأولى منها ولا مقابل لهذا النص في قانوننا المصري، فشأن المأذون هنا، شأن المحضر في صحيفة الدعوى، لا يمكن أن يؤخذ توقيعه على إشهاد الطلاق أو عقد الزواج أساسًا للمضاهاة.
44 - وتلك هي النتيجة التي لا بد وأن ننتهي إليها إذا ما رددنا هذا الفرض - ويجب أن نرده إلى المقياس الذي وضعناه في صدر هذا البحث، ومحصله، ضرورة الرجوع إلى المادة (226) مدني لنستوحي منها الحكم الصحيح على ورقة ما: هل تصلح أو لا تصلح للمضاهاة كورقة رسمية؟
ولقد عرفنا أن التوقيع الوحيد الذي يصلح أساسًا للمضاهاة - باعتباره توقيعًا على ورقة رسمية - هو التوقيع الذي يتم أمام موظف عمومي، من مهمته أن يتحقق من شخصية الموقع أمامه وقلنا أن تلك هي الصورة التي تصبح واقعة (إن الموقع بختم زيد أو إمضائه هو زيد بعينه) مما يدخل في مشاهدات الموظف الشخصية constatations.
45 - ولننتقل بعد ذلك إلى بيت القصيد:
يريد خصم المأذون أن يحتج بتوقيع المأذون على أصل إشهاد الطلاق أو عقد الزواج، فأين هو الموظف العمومي؟... وأين هي مشاهداته الشخصية؟ ليس أمامنا موظف عمومي شهد المأذون وهو يوقع ومن مهمته التحقق من شخصية هذا المأذون.
تلك هي النتيجة المنطقية مهما بدا فيها من غرابة وشذوذ، لا بد لنا من التسليم بها حتى تعدل المادة (261) مرافعات فقرة أولى على ضوء المقاييس والتقييدات التي وضعها القضاء والفقه في فرنسا شرحًا للمادة (200) مرافعات فقرة أولى.
46 - فإذا كان توقيع المأذون لا يصلح أساسًا للمضاهاة ضد المأذون نفسه – فهل يصلح توقيع أحد الزوجين أو توقيع أحد الشهود، أساسًا للمضاهاة ضد ذلك الزوج أو ذاك الشاهد؟
قرأنا الواحدة والأربعين المادة المكونة منها لائحة المأذونين فلم نجد من بينها مادة توجب عليه التحقق من شخصية الزوجين (أو الشهود) عن طريق شاهدي معرفة مثلاً، ولم نجد في اللائحة تكليفًا له بإثبات شيء من ذلك في العقد الذي يوثقه، أو الإشهاد الذي يحرره وكل ما أوجبته لائحة المأذونين في المادة (25) منها هو أن يتحقق المأذون من خلو الزوجين من الموانع الشرعية فليس من مهمته التحقق من شخصيتهما.
47 - ويؤيد هذا النظر، المستمد من خلو اللائحة من نص يحتم على المأذون التحقق من شخصية الزوجين، أن المعول عليه عند فقهاء الشريعة، صحة العقد بحضور شاهدين أعميين وأسسوا رأيهم هذا على أن الغرض هو التمييز ولو بالاسم وهو حاصل فيمكن أن يعرف الشاهد الأعمى أن فلانة بنت فلان تزوجت فلان بن فلان ولا يلزم معرفة شخصيهما بل المعرفة بالاسم غير شرط إذا انتفت الجهالة [(26)].
48 - ويؤيد خلو نصوص اللائحة، وما انعقد عليه الرأي من صحة شهادة الأعمى ما قضت به محكمة النقض الجنائية من أن تغيير الزوج اسمه باسم آخر غير ماس بشخص معين وبعلم نفس الزوجة والشهود للوصول إلى تحرير العقد بصفة رسمية، بغير ما حاجة إلى إذن بالزواج من مصلحة السجون المستخدم فيها الزوج المذكور، لا يعد تزويرًا في أوراق رسمية لأنه لا يضر بشيء من صحة عقد الزواج الذي تمت شرائطه بالإيجاب والقبول بين الزوجين المعروفين من بعضهما وبشهادة شاهدي العقد أمام المأذون المختص[(27)].
49 - يبين من هذا جميعه أن وثيقة الزواج وإشهاد الطلاق لم تعد أولاهما إلا لإثبات أن زواجًا قد حصل وأن إيجابًا وقبولاً قد صدرا في مجلس واحد في حضرة شاهدين يسمعان كلام العاقدين معًا ويفهمان أن الغرض من هذا الكلام هو عقد الزواج ولم تعد ثانيتهما إلا لإثبات أن فرقة بين زوجين قد وقعت ولم تعد أيهما لإثبات شخصية الزوجين وإلا لما أباحت محكمة النقض للزوج أن يغير اسمه ولما أعفته من العقاب، لمجرد أن الزوجة والشهود يعلمون لأنها تكون حينئذ قد أباحت العبث بالبيانات التي أعد المحرر الرسمي لإثباتها.
50 - كل هذه الأحكام التي سقتها منطبقة فيما اعتقد ومتمشية مع نص القانون وأحكام الشريعة الغراء ولكنني عثرت على منشور وجهته وزارة الحقانية إلى المحاكم الشرعية لإبلاغه إلى المأذونين، يقضي بوجوب إلفات المأذونين إلى التحقق من شخصية أرباب العقود وإشهادات الطلاق، حتى لا يقع شيء من التزوير في عملهم، وهدد من يثبت عليه شيء من الإهمال بالرفت من عمله، ومن يثبت اشتراكه بالمحكمة الجنائية [(28)].
وجرت عادة المأذونين، اتباعًا لهذا المنشور، على إثبات عبارة معرفة الزوجين سواء لهم شخصيًا أو بواسطة شهود.
فهل يغير ذلك من رأينا شيئًا؟
51 - ليست لهذا المنشور أية قيمة قانونية لأنه منشور إداري صادر من وزير الحقانية بغير أن تكون له - بمقتضى لائحة المأذونين - سلطة إصدار المنشورات أو القرارات المفسرة لأحكام اللائحة المذكورة.
أما ما درج عليه المأذونون في العمل فهو خروج منهم عن دائرة مهمتهم الرسمية التي حددتها اللائحة وأحكام الشريعة بأنها توثيق زواج بين رجل وامرأة، بعد التثبيت - لا من شخصيتهما - بل من خلوهما من الموانع الشرعية (مادة (25) من اللائحة).
وما دام الموظف العمومي قد جاوز اختصاصه، فإن الجزء من الورقة التي حررها، والذي خرج فيه عن اختصاصه، لا يعتبر من البيانات الرسمية التي لا تسلب منها حجيتها إلا عن طريق الطعن بالتزوير.
وقد حكم بأن المحضر إذا أثبت في الإعلان أن المدين اعترف بالدين، فلا يعتبر هذا حجة على المدين، لأنه ليس من اختصاصه سماع إقراره [(29)].
فلو أثبت المأذون أن اسم الزوج محمد ابن علي، وأنه تثبت من ذلك عن طريق الشهود فإنه يكون قد جاوز اختصاصه الذي رسمه له القانون ولا تكون لهذه الواقعة أية قوة رسمية وبالتالي لا يصلح توقيع الزوج أساسًا للمضاهاة.
وأما عن توقيعات الشهود، فهي توقيعات لا تصلح أساسًا للمضاهاة من باب أولى.. لأن كل مهمتهم في العقد أن يشهدوا على أن إيجابًا وقبولاً قد صدرا من العاقدين... وليس في لائحة المأذونين ما يوجب على هؤلاء التحقق من شخصيتهم... ولأن عقد الزواج لم يعد لإثبات صدور الشهادة، وبالتالي لم يعد لإثبات شخصية الشهود.

ثالثًا: عن أذونات وحوالات البريد

52 - أما الأذونات، فإن توقيع المرسل إليه عليها، لا يصلح أساسًا للمضاهاة ذلك أنه ليست من مهمة الموظف المختص بالصرف أن يتحقق من شخصية الموقع على الإذن.
وهذا الحكم مستفاد من صريح نص المادة الخامسة من المرسوم الصادر في 6 يوليه سنة 1915 بإنشاء أذونات البوستة: تقول المادة: أن مجرد دفع إذن مستكمل الشروط للشخص الذي يقدمه يخلى مصلحة البوستة من أية مسؤولية تترتب على دفعه ولا يشترط في ذلك سوى أن يكون الإيصال باسم صاحب الإذن).
53 - ثم جاءت تعليمات مصلحة البريد، التي أصدرتها المصلحة المذكورة، بناءً على الحق الذي خولته لها المادة (8) من المرسوم الرقيم يوليه سنة 1915 المشار إليه، مؤيدة وجهة نظر المشرع، في عدم ضرورة التحقق من شخصية طالب الصرف ذلك أن كل ما جاء بالتعليمات المذكورة هو وجوب التحقق من قيمة صحة الإذن.[(30)]
54 - أما الحوالات فلم نعثر على الدكريتو الصادر بإنشائها، وغاية ما عثرنا عليه، هو الدكريتو الصادر في 29 مارس سنة 1879 الخاص بأشغال البوستة [(31)] ولقد وردت في المادة (9) منه إشارة إلى أن قيمة إرساليات النقود التي يسكت مستحقوها عن المطالبة بها خمس سنوات تضاف إلى جانب الحكومة وإرساليات النقود تتم بوساطة الحوالات، مما يدخل على أنها أنشئت قبل ذلك، ونصت المادة (12) من دكريتو سنة 1879 المشار إليه أن على مصلحة البوستة أن تقرر ضمن لائحة خاصة الإجراءات اللازمة لتنفيذه.
55 - وتنفيذًا لهذا التكليف وفي حدوده أصدرت مصلحة البوستة تعليمات كثيرة يهمنا منها ما كان متعلقًا بصرف قيمة الحوالات إلى المرسل إليه فتقضي هذه التعليمات بأنه (إذا كان حامل إحدى الحوالات غير معروف شخصيًا لدى مستخدمي البوستة يجب عليه للحصول على قيمتها أن يثبت شخصيته بواسطة بعض الأوراق الرسمية أو بإبراز دفتر إثبات الشخصية (وهو يعطى بشهادة شهود معرفة) أو بشهادة شاهدين معروفين[(32)]).
وما دامت هذه التعليمات صادرة ممن له حق إصدارها بمقتضى التفويض الصادر من المشرع في الدكريتو المشار إليه فإن لها قوة القانون.
56 - فهل إذا قدم خصم في قضية تزوير حوالات بريد تحمل توقيع الخصم وتحمل في الوقت نفسه تأشيرات مصلحة البريد والموظف المختص تلك التأشيرات التي تؤكد الصفة الرسمية للحوالة هل تقبل منه هذه الحوالة أساسًا للمضاهاة كورقة رسمية؟
57 - مقياسنا مقياس المادة (226) مدني كلما كانت مهمة الموظف المختص أن يتثبت من شخصية الموقع أمامه قبلنا الورقة للمضاهاة على اعتبار أن التحقق من شخصية الموقع هي مما يدخل فيما أجراه الموظف بنفسه فهي من البيانات الرسمية التي لا بد لجحودها من الطعن فيها بالتزوير.
فإذا طبقنا هذا المقياس على صورة الفرض الذي نحن بسبيله لخرجنا من هذا التطبيق بأن هذه الحوالات تصلح أوراقًا رسمية للمضاهاة.

خاتمة
في التزوير الجنائي والتزوير المدني

58 - لا شبهة في أن من تسمى باسم غيره في صحيفة الدعوى طالب إعلان، أو معلن إليه، أو مخاطبًا معه أيًا كان أو من جعل من نفسه محضرًا وهو ليس بمحضر... أو ظهر زوجًا في وثيقة الزواج أو مأذونًا في إشهاد الطلاق وما هو بالزوج ولا هو بالمأذون نقول لا شبهة في أن من فعل شيئًا من ذلك وافتضح أمره فإنه يعد مرتكبًا لجريمة تزوير في أوراق رسمية ويحق عليه عقاب الجناية.
وهنا قد يقال: كيف يكون التوقيع الواحد رسميًا فيما يتعلق بالمسؤولية الجنائية وعرفيًا فيما يتعلق بعدم قبوله أساسًا للمضاهاة؟
59 - الواقع أنه لا تلازم بين جريمة التزوير في المحررات الرسمية وبين دعوى التزوير التي يجوز رفعها أمام المحاكم المدنية ذلك لأن صفة المحرر شيء، وحجيته شيء آخر فمتى كان المحرر صادرًا من موظفي عمومي، مختص بتحريره بمقتضى القوانين واللوائح فهو محرر رسمي وتغيير الحقيقة في أي جزء من أجزائه يعد تزويرًا في محرر رسمي.. ولو كان هذا التغيير واقعًا فيما صدر على لسان المتعاقدين أو ذوي الشأن على وجه العموم مما يجوز إدحاضه بطرق الإثبات العادية [(33)].
60 - ثم إن مناط العقوبة الجنائية غير مناط الحجية المدنية، فمناط العقوبة، هو العبث بالورقة الرسمية وما يترتب على هذا العبث، من الغض من قيمتها في نظر الجمهور، والتقليل من ثقة الناس بها واحترامهم لها.
ولهذا قالوا أن الأصل إن كل تغيير للحقيقة في المحرر الرسمي ينتج عنه حتمًا حصول الضرر أو احتمال حصوله ولم يستثنوا من ذلك سوى صورة واحدة هي تغيير المتهم لاسمه في محضر تحقيق جنائي لأسباب وبشروط ليس هنا محل تفصيلها[(34)].
61 - أما مناط الحجية المدنية فهو كما عرفنا دخول البيانات الرسمية فيما رآه الموظف المختص بعينيه أو سمعه بأذنه أو أجراه بنفسه كما هو مقتضى نص المادة (226) مدني.
ولعله من الواضح فرق ما بين مناط العقوبة، ومناط الحجية.
62 - ولهذا قلنا أن محكمة النقض لم تكن موفقة في حكمها الرقيم 8 مارس سنة 1937 والذي أشرنا إليه في بند (24) من هذا البحث، والذي أدانت فيه شخصًا اتهم بأنه انتحل لنفسه في عريضة الدعوى اسمًا مكذوبًا لا وجود له وقدمها لقلم المحضرين على أنها صادرة من ذلك الشخص الخيالي الذي لا وجود له فقام قلم المحضرين لإعلانها.
قالت محكمة النقض أن هذا تزوير معنوي في محرر رسمي بانتحال شخصية الغير supposition de personnes، وهو صورة خاصة من التزوير المعنوي، الذي يقع بجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة ولأنه يشترط في هذه الصورة لكي يكون التزوير معاقبًا عليه أن يكون المحرر صالحًا لأن يتخذ حجة في إثبات شخصية من نسب إليه قالت المحكمة أنه لا نزاع في أن عريضة الدعوى المعلنة، محرر رسمي، وأنها أعدت لإثبات ما جاءتها وعلى الخصوص شخصية طالب الإعلان والقول بغير ذلك فيه إهدار لقيمة هذه العريضة الرسمية ولكل ما يترتب عليها من الإجراءات القضائية.
63 - قلنا أن هذا الحكم محل نظر.
ذلك أن عريضة الدعوى لم تعد لإثبات شخصية طالب الإعلان[(35)] وليس من اختصاص أقلام المحضرين أن تتحرى شخصية مقدم الإعلان ومع أن المغفور له أحمد بك أمين يسلم بهذا إلا أنه يقول (أنه إذا كان العمل جاريًا على غير ما يجب أن يكون فالعيب عيب النظام ولا ينقص من قيمة أوراق الإعلانات من حيث هي مثبتة لشخصية من نسبت إليهم... [(36)]).
ثم جاءت محكمة النقض وأخذت بهذا الرأي في حكمها المشار إليه.
64 - على أنه يحق لنا أن نتساءل: إذا كان العيب هو عيب النظام، أو بعبارة أخرى إذا كان العيب هو عيب التشريع أفليس من مهمة القاضي أن يطبق التشريع كما هو لا كما يجب أن يكون ؟
وإلى هذا فإننا لم نفهم الداعي إلى التورط في هذا التدليل، والقول بأن العريضة أعدت لإثبات شخصية طالب الإعلان تمهيدًا للقول بأن التزوير هنا هو من قبيل انتحال شخصية الغير[(37)] مع أن متهمنا لم يفلت من العقاب إذا قلنا أن التزوير في هذا الغرض هو تزوير معنوي في ورقة رسمية بإثبات واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة.
وذلك هو ما قالته محكمة النقض في حكم حديث لها، وإنما سابق على الحكم الذي نحن بصدده [(38)].

سامي عازر جبران
المحامي

------------------
[(1)] رسالة الإثبات لنشأت بك طبعة (2) ص 64 بند (99).
[(2)] تعليقات دالوز على المادة (1319) مدني فرنسي ص 385 بند 32- ثم ص 387 بند (84) وما بعده، راجع أيضاً دي هلس جزء (1) ص 61 بند (25).
[(3)] كاربنتييه جزء (36) طبعة سنة 1905 ص 1089 بند (281).
[(4)] ص (15) و (16) من مجموعة القوانين والقرارات والمنشورات الخاصة بتسجيل العقود طبعة سنة 1928 بالمطبعة الأميرية وقد ألغي هذا القرار بقرار آخر في 26 مايو سنة 1926 وأحلت محل المادة (3) منه مادة أخرى بنفس المعنى عدا ما كان منها خاصاً بمحاكم الأخطاط مما لا يدخل في بحثنا الحالي- انظر المجموعة المشار إليها ص 29.
[(5)] مجموعة القوانين واللوائح المعمول بها في مصر جمع وترتيب أحمد محمد حسن بك وايزيدور فيلدمان 28 يونيه سنة 926 ص 1340.
[(6)] المواد (124) – (136) من التعليمات المذكورة بوريللي بك Borelly Bey تعليقاته على القوانين المختلطة بالفرنسية ص 618 – 620.
[(7)] نشأت بك رسالة الإثبات طبعة (2) ص 65 تكملة بند (99)
[(8)] وهو المنشور المبلغ في 3 يونيه سنة 1926 مجموعة القوانين والقرارات والمنشورات الخاصة بتسجيل العقود طبعة سنة 1928 ص 82 رقم (22).
[(9)] عشماوي بك مرافعات جزء (2) ص66 بند (111)
[(10)] عبد السلام ذهني بك في نظرية الإثبات الجزء الأول ص (153) وآخرها و ص (154).
[(11)] لأن العمل جرى على عدم ذكر حصول هذه المساعدة في إعلانات الأوراق القضائية والمحضرون في هذا يتساهلون في تنفيذ القانون.
[(12)] ثم إن إعلان الدعوى لم يعد- بغير جدل- لإثبات شخصية المخاطب معه من خادم أو قريب.
[(13)] محاماة سنة 17 عدد (9) ص (990) حكم رقم (507).
[(14)] تقرير مسيو بيرين Périne ص (383) بند (54) من الباندكت (19) طبعة سنة 1895.
[(15)] وكان منتشراً قبل الثورة الفرنسية، يعطيه الملك للأشراف، يستعملونه في التنكيل بأعدائهم.
[(16)] وهو الشهر الثاني من أشهر الجمهورية- بدل السنة الميلادية - التي أنشأها الثوار في فرنسا إمعاناً في ازدراء عهد ملكيتهم المستبدة.. والسنة الثانية هي بداهة السنة الثانية من إعلان الجمهورية.
[(17)] راجع داللوز تعليقًا على أن المادة (200) مرافعات جزء أول طبعة سنة 1910 ص (752) بند (44) – والباندكت جزء (19) طبعة سنة 1895 ص (384) بند (85).
[(18)] دالوز تعليقاً على المادة (200) مرافعات بند (49) – (52) ص (752).
[(19)] الباندكت جزء (19) ص (384) بند (88).
[(20)] المرجع السابق بند (90) و (91).
[(21)] وهو الشهر الثاني عشر من سنة الجمهورية الفرنسية- عقب انقلاب الثورة الذي أشرنا إليه- الباندكت (19) بند (83) ص (384).
[(22)] جارسونيه (2) طبعة (1912) ص (427) هامش رقم (29).
[(23)] المرجع السابق ص (426) هامش رقم (26).
[(24)] شرح لائحة الإجراءات الشرعية لعبد الفتاح السيد بك وقمحه بك طبعة سنة 1923 ص (307) بند (447).
[(25)] المذكرة الإيضاحية للقانون رقم (25) سنة 1909 ورقم (31) سنة 1910 الصادرين بلائحة ترتيب المحاكم الشرعية شرحاً للمادة (132) - كتاب طرق القضاء في الشريعة الإسلامية لأحمد بك إبراهيم ص (92).
[(26)] شرح الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية للشيخ زيد بك طبعة سنة 1911 الجزء الأول آخر ص (18) وأول ص (19).
[(27)] نقض 7 يونيه سنة 1927 المجموعة الرسمية السنة 29 حكم رقم (19).
[(28)] منشور رقم (2374) في 6 إبريل سنة 1916 في كتاب الدليل المرشد في القوانين والأوامر والمنشورات للمحاكم الشرعية والمجالس الحسبية جمع وترتيب محمد الغريب سنة 1935 ص (288) بند (760).
[(29)] رسالة الإثبات طبعة ثانية لنشأت بك ص (69) آخر بند (110) - إثبات الحقوق المدنية لعزيز باشا كحيل ص (93).
[(30)] التعليمات العمومية عن الأشغال البريدية الجزء (2) طبعة سنة 1937 ص (103) بند (226) بالمطبعة الأميرية.
[(31)] مجموعة القوانين واللوائح المعمول بها في مصر جمع وترتيب أحمد محمد حسن بك وايزيدور فيلدمان سنة 1936 ص (226).
[(32)] تعليمات عمومية عن المصلحة البريدية جزء أول طبعة سنة 1906 بالمطبعة الأميرية ص (126) و (127) بند (229). وقد أكدت مصلحة البوستة هذه التعليمات بتعليمات جديدة أشرنا إليها في بند (53) من بحثنا هذا تراجع ص (15) بند (39) التعليمات الجديد
[(33)] بلانيول طبعة (3) جزء (1) ص (190) بند (519) حاشية رقم (1) – نقض 5 يونيه سنة 1915 مجلة الشرائع السنة 2 ص (297)- وآخر بنفس المجلة السنة 4 ص (155)- جارو طبعة ثانية جزء (3) بند (1071).
[(34)] نقض جنائي 14 مايو سنة 1934 محاماة سنة 15 العدد (2) القسم الأول ص (61) رقم (31) ثم آخر في 4 يناير سنة 1937 محاماة السنة 17 عدد (8) ص (817) حكم رقم (414).
[(35)] محكمة جنايات أسيوط 8 فبراير سنة 1912 المجموعة الرسمية السنة 13 حكم رقم (60).
[(36)] أحمد بك أمين عقوبات طبعة أولى ص (208).
[(37)] لأنه يشترط في هذه الصورة من صور التزوير أن يكون المحرر صالحًا لأن يتخذ حجية في إثبات شخصية من نسب إليه أحمد بك أمين ص (207).
[(38)] نقض جنائي في 6 يناير سنة 1936 مجموعة القواعد القانونية في المواد الجنائية جزء (3) ص (536) قاعدة رقم (426).