الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 27 فبراير 2021

مسئولية مدير الشركة مقترنة بثبوت مباشرته الإدارة الفعلية المتعلقة بتنفيذ الالتزام القانوني الذي يعد الإخلال به جريمة

الدعوى رقم 103 لسنة 34 ق "دستورية" جلسة 2 / 1 / 2021

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثاني من يناير سنة 2021م، الموافق الثامن عشر من جمادى الأولى سنة 1442 هـ.

برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو رئيس المحكمة

وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار ورجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان والدكتور طارق عبد الجواد شبل وطارق عبد العليم أبو العطا نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر


أصدرت الحكم الآتى

في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 103 لسنة 34 قضائية "دستورية".


المقامة من

مجدى محمد صالح موسى، العضو المنتدب لشركة ليبون للسمسرة في الأوراق المالية

ضــــد

1- رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة

2- رئيس مجلـــــس الـــــــــوزراء

3- رئيس الهيئة العامة للرقابــــــــــة الماليــة


الإجـراءات

بتاريخ الرابع والعشرين من يونيه سنة 2012، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية المادة (68) من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992.


وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.

وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.

ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمــــة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن النيابة العامة كانت قد قدمت المدعى للمحكمة الجنائية – بناء على طلب رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية – في الدعوى رقم 1646 لسنة 2011 جنح القاهرة الاقتصادية، متهمة إياه، أنه في يوم 28/6/2004، وبتاريخ سابق عليه، بدائرة قسم عابدين، بمحافظة القاهرة: 1- بصفته رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة ليبون لتداول الأوراق المالية، تصرف في الأوراق المالية على خلاف الأوضاع المقررة قانونًا، بأن قام بالتصرف في الأسهم الخاصة بالعميل.......، وقام ببيع تلك الأسهم بدون الحصول على أوامر بيع موقعة منه، وذلك على النحو المبين بتقرير الهيئة العامة للرقابة المالية. 2- بصفته الآنفة البيان، قام باتباع أساليب تنطوى على الغش والتدليس وإجراء عمليات من شأنها الإضرار بالمتعاملين معه والإخلال بحقوقهم، ولم يقم بمراعاة الأعراف التجارية ومبادئ العدالة والأمانة والحرص على مصالح العملاء، وذلك بأن قام بإجراء معاملات على حساب العميل السالف الذكر بدون إذن أو تفويض منه، وهو بيع الأسهم المملوكة له على النحو المبين بتقرير الهيئة العامة للرقابة المالية. وطلبت النيابة العامة عقابه بالمواد (66/1، 67، 68، 69/1) من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992، والمواد (90، 92، 214، 243/2) من اللائحة التنفيذية لهذا القانون، الصادرة بقرار وزير الاقتصاد رقم 135 لسنة 1993 والمعدلة بالقرارات أرقام 39 لسنة 1998، 44 لسنة 2000، 340 لسنة 2001. وقد تدوول نظر الدعوى بالجلسات، وحال حجزها ليصدر فيها للحكم بجلسة 24/4/2012، قدم المدعى مذكرة، ضمنها دفعًا بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (68) من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992، فقررت المحكمة إعادة الدعوى للمرافعة لجلسة 8/5/2012، وصرحت للمدعى بإقامة الدعوى الدستورية، وبالجلسة الأخيرة منحته أجلاً آخر للسبب ذاته، فأقام المدعى الدعوى الدستورية المعروضة بطلباته المتقدمة.

وحيث إن قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992، الذى ارتكبت الواقعة التى يحاكم عنها المدعى في ظل العمل بأحكامه - قبل تعديله بالقانونين رقمى 123 لسنة 2008 و17 لسنة 2018 - كان ينص في الفقرة الأولى من المادة (66) منه على أنه "يعاقب بغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد عن عشرة آلاف جنيه كل من يتصرف في أوراق مالية على خلاف القواعد المقررة في هذا القانون". وقد جرى استبدال نص هذه الفقرة بالقانون رقم 17 لسنة 2018، وصار نصها " يعاقب بغرامة لا تقـل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على مائة ألف جنيه، كل من تصرف في أوراق مالية أو أدوات مالية على خلاف القواعد المقررة في هذا القانون".

وتنص المادة (67) من قانون سوق رأس المال المشار إليه - قبل استبدالها بالقانون رقم 123 لسنة 2008 - على أنه "مع عدم الإخلال بأى عقوبة أشد منصوص عليها في أى قانون آخــــر، يعاقب بغرامــــة لا تقــــل عن ألفــــى جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه كل من يخالف أحد الأحكام المنصوص عليها في اللائحة التنفيذية لهذا القانون". وقد تم استبدال نص هذه المادة بالقانــــــــون رقم 123 لسنة 2008، ليصير "مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد منصوص عليها في أى قانون آخر، يعاقب بغرامة لا تقل عن ألفى جنيه، ولا تزيد على مليون جنيه، كل من يخالف الأحكام المنصوص عليها في اللائحة التنفيذية لهذا القانون".

وتنص الفقرة الأولى من المادة (68) من القانون ذاته على أنه "يعاقب المسئول عن الإدارة الفعلية بالشركة، بالعقوبات المقررة عن الأفعال التى ترتكب بالمخالفة لأحكام هذا القانون". وقد تم استبدال ذلك النص بموجب المادة الأولى من القانون رقم 17 لسنة 2018 – المعمول به اعتبارًا من 15/3/2018 – ليصير" يعاقب المسئول عن الإدارة الفعلية للشركة، بالعقوبات المقررة عن الأفعال التى ترتكب بالمخالفة لأحكام هذا القانون، متى ثبت علمه بها وكانت المخالفة قد وقعت بسبب إخلاله بواجباته الوظيفية".

وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكانت النيابة العامة قد أحالت المدعى للمحاكمة الجنائية – بناء على طلب رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية – بوصف أنه بتاريخ 28/6/2004، وبتاريخ سابق عليه، بصفته رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة ليبون لتداول الأوراق المالية 1- تصرف في الأوراق المالية على خلاف الأوضاع المقررة قانونًا، بأن قام ببيع الأسهم الخاصة بأحد عملائها بدون الحصول على أوامر بيع موقعة منه. 2- بصفته الآنفة البيان، قام باتباع أساليب تنطوى على الغش والتدليس وإجراء عمليات من شأنها الإضرار بالمتعاملين معه والإخلال بحقوقهم، ولم يقم بمراعاة الأعراف التجارية ومبادئ العدالة والأمانة والحرص على مصالح العملاء، وذلك على النحو المبين بوصف الاتهام الأول، بالمخالفــــة للمواد (66/1، 67، 68، 69/1) من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992، ومواد اللائحة التنفيذية المرتبطة بها. وكان الفصل في دستورية ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة (68) من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992، قبل استبدالها بالقانون رقم 17 لسنة 2018، وذلك في مجال انطباق أحكامها على نصى المادتين (66/1، 67) من القانون ذاته – قبل استبدال أولهما بالقانون رقم 17 لسنة 2018، وثانيهما بالقانون رقم 123 لسنة 2008 - باعتباره النص المؤثم للفعل المنسوب للمدعى ارتكابه، وقدم للمحاكمة الجنائية استنادًا إليه. سيكون له أثرً مباشرً، وانعكاسً أكيدً على موقف المدعى من الاتهام المسند إليه في الدعوى الموضوعية، وقضاء محكمة الموضوع فيه، الأمر الذى تتوافر معه للمدعى مصلحة شخصية ومباشرة في الطعن على دستوريته، ويتحدد فيه وحده نطاق الدعوى المعروضة، دون ما تضمنه من أحكام أخرى.

ولا ينال من ذلك سبق صدور حكمين برفض الدعوى المقامة طعنًا على دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (68) من القانون رقم 95 لسنة 1992 المشار إليه، أولهما: في الدعوى رقم 107 لسنة 23 قضائية "دستورية" بجلسة 14/3/2015، والآخر: في الدعوى رقم 186 لسنة 33 قضائية "دستورية" بجلسة 13/10/2018. ذلك أن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الحجية المطلقة للأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية يقتصر نطاقها على النصوص التشريعية التى كانت مثارًا للمنازعة حول دستوريتها، وفصلت فيها المحكمة فصلاً حاسمًا بقضائها، أما ما لم يكن مطروحًا على المحكمة، ولم تفصل فيه بالفعل، فلا تمتد إليه تلك الحجية. متى كان ذلك، وكان الحكم الصادر في الدعوى الدستورية رقم 107 لسنة 32 قضائية، قد اقتصر على الفصل في دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (68) من القانون رقم 95 لسنة 1992 المشار إليه، في مجال انطباقه على نص الفقـرة الأولى من المادة (65 مكررًا) من ذلك القانون المضافة بالقانون رقم 143 لسنة 2004. وكان الحكم الصادر في الدعوى الدستورية رقم 186 لسنة 33 قضائية، قد اقتصر على الفصل في دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (68) من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992 قبل استبداله بالقانون رقم 17 لسنة 2018، وذلك في مجال انطباقه على نص الفقرة الأولى من المادة (67) من ذلك القانون المستبدلة بالقانون رقم 123 لسنة 2008. ومن ثم، فإن نطاق حجية هذين الحكمين تكون بدورها مقصورة على هذا النطاق وحده، ولا تمتد إلى ما يجاوز ذلك من أحكامهما. ليبقى نص الفقرة الأولى من المادة (68) من ذلك القانون، في حدود النطاق المتقدم، خارجًا عن إطار النص الصادر في شأنه الحكمين المتقدمين، وقابلاً للطرح على هذه المحكمة لتقول كلمتها في شأن مدى اتفاقه وأحكام الدستور، أو مخالفته إياها.

ولا يغير مما تقدم تعديل نص المادة (67) من قانون سوق رأس المال المشار إليه، بموجب القانون رقم 123 لسنة 2008، وكذلك تعديل نص الفقرة الأولى من المادة (66) من القانون ذاته، بموجب القانون رقم 17 لسنة 2018. فقد شددت التعديلات التي جـرت على نصى المادتين (66/1، 67) من قانون ســوق رأس المال المار ذكره، الحد الأقصى لعقوبة الغرامة على الأفعال المؤثمة بهاتين المادتين، مما لا تُعد معه قانونًا أصلح للمتهم. ومن ثم، يظل المدعى مخاطبًا بنص الفقرة الأولى من المادة (68) من قانون سوق رأس المال المشار إليه، في حدود نطاقه المتقدم.

ولا ينال من ذلك أيضًا إصدار المشرع القانون رقم 17 لسنة 2018 بتعديل بعض أحكام قانون سوق رأس المال المشار إليه، ومن بينها نص الفقرة الأولى من المادة (68) منه، متبنيًّا في تعديلها الأسس ذاتها التي اعتنقتها هذه المحكمة عند بيانها لمقتضى أحكام ذلك النص، وضمنته مدونات حكمها الصادر في الدعوى رقم 107 لسنة 32 قضائية "دستورية" الآنف الذكر، وعينت فيه قواعد وضوابط المسئولية الجنائية للمسئول عن الإدارة الفعلية، وأسست عليه قضاءها برفض الدعوى، فأوجبت أن يكون ممن يعهد إليهم بقسط من نشاط الشركة يمارسه نيابة عنها، ويرتبط بتنفيذ الالتزام القانوني الذى فرضه المشرع على الشركة، واعتبر الإخلال به جريمة مؤثمة قانونًا، وهو يسأل عن فعله شخصيًّا، ولو كان ارتكابه الجريمة قد تم باسم الشركة ولحسابها ولمصلحتها وباستخدام إحدى وسائلها، وبحيث لا تتحقق المسئولية الجنائية عن الجريمة في هذه الحالة إلا بتوافر أركانها، التى تلتزم سلطة الاتهام بإثباتها كاملة في حقه. وبذلك أتى النهج الذى سلكه المشرع بالنص بعد التعديل المذكور، مواكبًا لذات أسس المسئولية الجنائية وعناصرها وأركانها للمسئول عن الإدارة الفعلية التي أوضحها وكشف عنها حكم المحكمة الدستورية العليا على النحو المتقدم ذكره. وعلى ذلك، لم يأت النص بعد استبداله بأحكام جديدة تخالف في مضمونها ومحتواها الحقيقي ما قرره النص المطعون فيه قبـل استبداله بالنص الجديد.

وحيث إنه بشأن الطعن على نص الفقرة الأولى من المادة (68) من قانون سوق رأس المال المشار إليه، قبل استبدالها بالقانون رقم 17 لسنة 2018، في مجال انطباق أحكامها على نص الفقرة الأولى من المادة (67) من القانون ذاته، قبل استبدالها بالقانون رقم 123 لسنة 2008. فقد سبق للمحكمة الدستورية العليا حسم تلك المسألة، وذلك ، بحكمها الصادر بجلسة 2/11/2019، برفض الدعوى رقــــم 156 لسنة 34 قضائية "دستوريـة"، المقامة طعنًا على دستوريتـه. وقد نُشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بالعدد رقم 44 مكرر (هـ) الصادر بتاريخ 5 نوفمبر سنة 2019. متى كان ذلك، وكان مقتضى نص المادة (195) من الدستور، ونصى المادتين (48، 49) من قانون هذه المحكمة الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن تكون أحكام هذه المحكمة وقراراتها ملزمة للكافة، وجميع سلطات الدولة، وتكون لها حجية مطلقة بالنسبة لهم، باعتبارها قولاً فصلاً في المسألة المقضي فيها، لا يقبل تأويلاً ولا تعقيبًا من أي جهة كانت، وهى حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيها، أو إعادة طرحها عليها من جديد لمراجعتها، ومن ثم يتعين الحكم بعدم قبول الدعوى المعروضة في هذا الشق منها.

وحيث إنه بخصوص الطعن على الفقرة الأولى من المادة (68) من قانون سوق رأس المال المشار إليه، في مجال انطباق أحكامها على الفقرة الأولى من المادة (66) من القانون ذاته، قبل استبدالها بالقانون رقم 17 لسنة 2018، فقد نعى عليه المدعى - في حدود النطاق المار ذكره - مخالفته نصوص المواد (41، 66، 67، 86، 165) من دستور سنة 1971، وتقابلها المواد (18، 19، 20، 46) من الإعلان الدستوري الصادر في 30/3/2011. قولاً منه إنه يخل بمبدأي شخصية المسئولية الجنائية، وشخصية العقوبة، لافتراضه مسئولية القائم بالإدارة الفعلية للشركة عن الأفعال التي ترتكب بالمخالفة لأحكام هذا القانون، وتحميله تبعة جريمة ارتكبها غيره، بما يمثل افتئاتًا على اختصاص السلطة القضائية، ويحول دون ممارستها الحق في التثبت من ارتكاب المسئول عن الإدارة الفعلية بالشركة للجريمة، فضلاً عما يمثله ذلك من مساس بالحرية الشخصية، وإنكار لأصل البراءة.

وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الرقابة التي تباشرها على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها القواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، ذلك أن هذه الرقابة تستهدف أصلاً صون هذا الدستور وحمايته من الخروج على أحكامه؛ لكون نصوصه تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكانت المناعي التي وجهها المدعى للنص التشريعي المطعون فيه – في النطاق السالف تحديده – تندرج تحت المناعي الموضوعية، التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي، ومن ثَمَّ فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على دستورية ذلك النص، الذى مازال ساريًا ومعمولاً بأحكامه، من خلال أحكام الدستور الصادر سنة 2014، باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.

وحيث إنه بشأن النعي بإخلال النص المطعون عليه - في حدود نطاقه المتقدم - بمبدأي شخصية العقوبة، والمسئولية الجنائية، ومساسه بالحرية الشخصية، فإنه مردود؛ ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الدستور في اتجاهه إلى ترسم النظم المعاصرة، ومتابعة خطاها والتقيد بمناهجها التقدمية؛ نص في المادة (95) منه على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على قانون، ولا عقاب إلا على الأفعــال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون الذى ينص عليها. وكان الدستور قد دل بهذه المادة على أن لكل جريمـة ركنًا ماديًّا لا قـوام لها بغيره، يتمثل أساسًا في فعل أو امتناع وقع بالمخالفة لنص عقابي، مفصحًا بذلك عن أن ما يركن إليه القانون الجنائي ابتداء، في زواجره ونواهيه، هو مادية الفعل المؤاخذ على ارتكابه، إيجابيًّا كان هذا الفعل أم سلبيًّا، ذلك أن العلائق التي ينظمها هذا القانون في مجـــــال تطبيقه على المخاطبين بأحكامه، محورها الأفعال ذاتها، في علاماتها الخارجية ومظاهرها الواقعية، وخصائصها المادية، إذ هي مناط التأثيم وعلته، وهي التي يتصور إثباتها ونفيها، وهي التي يتم التمييز على ضوئها بين الجرائم بعضها البعض، وهى التي تديرها محكمة الموضوع على حكم العقل لتقييمها وتقدير العقوبة المناسبة لها، بل إنه في مجال تقدير توافر القصد الجنائي، فإن محكمة الموضوع لا تعزل نفسها عن الواقعة محل الاتهام التي قام الدليل عليها قاطعًا واضحًا، ولكنها تجيل بصرها فيها منقبة من خلال عناصرها عما قصد إليه الجاني حقيقة من وراء ارتكابها، ومن ثَمَّ تعكس هذه العناصر تعبيرًا خارجيًّا وماديًّا عن إرادة واعية، ولا يتصور بالتالي وفقًا لأحكام الدستور أن توجد جريمة في غيبة ركنها المادي، ولا إقامة الدليل على توافر علاقة السببية بين مادية الفعل المؤثم، والنتائج التي أحدثها بعيدًا عن حقيقة هذا الفعل ومحتواه، ولازم ذلك أن كل مظاهر التعبير عن الإرادة البشرية - وليس النوايا التي يضمرها الإنسان في أعماق ذاته - تعتبر واقعة في منطقة التجريم كلما كانت تعكس سلوكًا خارجيًّا مؤاخذًا عليه قانونًا، فإذا كان الأمر غير متعلق بأفعال أحدثتها إرادة مرتكبها، وتم التعبير عنها خارجيًّا في صور مادية لا تخطئها العين، فليس ثمة جريمة.

وحيث إن الأصل في الجرائم، أنها تعكس تكوينًا مركّبًا، باعتبار أن قوامها تزامنًا بين يد اتصل الإثم بعملها، وعقل واع خالطها ليهيمن عليها محددًا خطاها، متوجهًا إلى النتيجة المترتبة على نشاطها؛ ليكون القصد الجنائي ركنًا معنويًّا في الجريمة مُكملاً لركنها المادي، ومتلائمًا مع الشخصية الفردية في ملامحها وتوجهاتها. وهذه الإرادة الواعية هي التي تتطلبها الأمم المتحضرة في مناهجها في مجال التجريم بوصفها ركنًا في الجريمة، وأصلاً ثابتًا كامنًا في طبيعتها، وليس أمرًا فجًّا أو دخيلاً مقحمًا عليها أو غريبًا عن خصائصها. ذلك أن حرية الإرادة تعنى حرية الاختيار بين الخير والشــر، ولكلٍ وجهة هو مُوَلِّيها، لتنحــــل الجريمة - في معناها الحق - إلى علاقة ما بين العقوبة التي تفرضها الدولة بتشريعاتها، والإرادة التي تعتمل فيها تلك النزعة الإجرامية التي يتعين أن يكون تقويمها ورد آثارها، بديلين عن الانتقام والثأر المحض من صاحبها. وغدا أمرًا ثابتًا – بوصفه أصلاً عاماً - ألا يجرم الفعل ما لم يكن إراديًّا قائمًا على الاختيار الحر، ومن ثَمَّ كان مقصودًا. ولئن جاز القول بأن تحديد مضمون تلك الإرادة وقوفًا على ماهيتها، مازال أمرًا عسرًا، إلا أن معناها - بوصفها ركنًا معنويًّا في الجريمة - يدور بوجه عام حول النوايا الإجرامية، أو الجانحة، أو النوازع الشريرة المدبرة، أو تلك التي يكون الخداع قوامها، أو التي تتمحض عن علم بالتأثيم، مقترنًا بقصد اقتحام حدوده، لتدل جميعها على إرادة إتيان الفعل بغيًا.

وحيث إن الجريمة في مفهومها القانوني - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - تتمثل في الإخلال بنص عقابي، وأن وقوعها لا يكون إلا بفعل أو امتناع يتحقق به هذا الإخلال. وأن الأصل في الجريمة أن عقوبتها لا يتحمل بها إلا من أدين كمسئول عنها، وهى عقوبة يجب أن تتوازن وطأتها مع طبيعة الجريمة وموضوعها، بما مؤداه أن الشخص لا يزر غير سوء عمله، وأن جريرة الجريمة لا يؤاخذ بها إلا جناتها، ولا ينال عقابها إلا من قارفها، وأن شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة محلها مرتبطان بمن يُعد قانونًا مسئولاً عن ارتكابها، ومن ثَمَّ تفترض شخصية العقوبة شخصية المسئولية الجنائية، بما يؤكد تلازمهما، ذلك أن الشخص لا يكون مسئولاً عن الجريمة ولا تفرض عليه عقوبتها إلا باعتباره فاعلاً لها أو شريكًا فيها، وهو ما يعبر عن العدالة الجنائية في مفهومها الحق.

وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان المشرع قد أثّم بموجب نص الفقرة الأولى من المادة (66) من قانون سوق رأس المال، قبل استبدالها بالقانون رقم 17 لسنة 2018، القيام بالتصرف في الأوراق المالية على خلاف القواعد المقررة بالقانون، وعَدَّ تلك الجريمة جنحة معاقبًا عليها بغرامة لا تقل عن خمسة ألاف جنيه، ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه، ويسأل عن هذه الجريمة المسئول عن الإدارة الفعلية للشركة إعمالاً لنص الفقرة الأولى من المادة (68) من القانون ذاته قبل استبدالها بالقانون رقم 17 لسنة 2018، الذى يجب دومًا أن يكون من الأشخاص الذين يُعهد إليهم بقسط من نشاط الشركة يمارسه نيابة عنها، ويرتبط بتنفيذ الالتزام القانوني الذى فرضه المشرع عليها، وجعل الإخلال به جريمة - حرصًا منه على التزام الشركات العاملة في سوق رأس المال بالضوابط التشريعيـــــــة؛ صونًا لحقوق عملائها، وبما ينعكس إيجابًا على العمل بسوق رأس المال - ليكون مناط مسئوليته عن هذه الجريمة ثبوت مسئوليته عن الإدارة الفعلية للشركة، في حدود الصلاحيات الممنوحة له، وهو يسأل عن فعله شخصيًّا، ولو كان ارتكابه للجريمة قد تم باسم الشركة ولحسابها ولمصلحتها وباستخدام إحدى وسائلها، دون أن يقيم النص المشار إليه مسئوليته عن فعل الغير، أو يقرر مسئوليته عن الجريمة المنسوب إليه ارتكابها خارج نطاق الاختصاص والسلطة المعهود له بمباشرتها نيابة عن الشركة، ذلك أن الجريمة لا تقوم بحقه إلا بتوافر أركانها، التى يتعين دومًا على سلطة الاتهام إثباتها كاملة، وبذلك يتحقق توافق قواعد المسئولية الجنائية التى نصت عليها المادة (68) المطعون عليها مع مبدأ شخصية العقوبة، على نحو يصون الحرية الشخصية .
وحيث إنه بشـأن النعي على نص الفقرة الأولى من المادة (68) من القانون المشار إليه - في حدود نطاقه المتقدم - إخلاله بأصل البراءة، ومساسه بمبدأ استقلال السلطة القضائية، فمن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الدستور إذ نص في المادة (96) منه على أن " المتهم برىء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه"، فمؤدى ذلك أن ضوابط المحاكمة المنصفة - التي عناها الدستور في هذه المادة - تتمثل في مجموعة من القواعد المبدئية، التي تعكس مضامينها نظامًا متكامل الملامح، يتوخى بالأسس التى يقوم عليها، صون كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية، ويحول بضماناته دون إساءة استخدام العقوبة بما يخرجها عن أهدافها، وذلك انطلاقًا من إيمان الأمم المتحضرة بحرمة الحياة الخاصة، وبوطأة القيود التي تنال من الحرية الشخصية التى عَدَّها الدستور من الحقوق الطبيعية الكامنة في النفس البشرية، فلا تنفصل عنها عدوانًا، ولضمان أن تتقيد الدولة - عند مباشرتها لسلطاتها في مجال فرض العقوبة صونًا للنظام الاجتماعي - بالأغراض النهائية للقوانين العقابية، التي ينافيها أن تكون إدانة المتهم هدفًا مقصودًا لذاته، أو أن تكون القواعد التي تتم محاكمته على ضوئها مصادمة للمفهوم الصحيح لإدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة، بل يتعين أن تلتزم هذه القواعد مجموعة من القيم التي تكفل لحقوق المتهم الحد الأدنى من الحماية، التي لا يجوز النزول عنها أو الانتقاص منها، ويندرج تحت هذه القواعد أصل البراءة كقاعدة أولية تفرضها الفطرة، وتوجبها حقائق الأشياء، وهى بعد قاعدة حرص الدستور القائم على إبرازها في المادة (96) منه.

وحيث إن افتراض البراءة لا يتمحض عن قرينة قانونية، ولا هو من صورهـا، ذلك أن القرينة القانونية تقوم على تحويل للإثبات من محله الأصلي - ممثلاً في الواقعة مصدر الحق المدعى به - إلى واقعة أخرى قريبة منها متصلة به، وهذه الواقعة البديلة هي التي يُعَدُّ إثباتها إثباتًا للواقعة الأولى بحكم القانون. وليس الأمر كذلك بالنسبة إلى البراءة التي افترضها الدستور، فليس ثمة واقعة أحلها الدستور محل واقعة أخرى، وأقامها بديلاً عنها، وإنما يُؤسس افتراض البراءة على الفطرة التي جبـل الإنسـان عليها، فقــــد ولد حــــرًا مبرءًا مــــن الخطيئة أو المعصية، ويفترض على امتداد مراحل حياته أن أصل البراءة مازال كامنًا فيه، مصاحبًا له فيما يأتيه من أفعال، إلى أن تنقض محكمة الموضوع بقضاء جازم بات لا رجعة فيه هذا الافتراض، على ضوء الأدلة التي تقدمها النيابة العامة مثبتة بها الجريمة التي نسبتها إليه في كل ركن من أركانها، وبالنسبة إلى كل واقعة ضرورية لقيامها، بما في ذلك القصد الجنائي بنوعيه إذا كان متطلبا فيها، وحق المتهم في مواجهة الشهود الذين قدمتهم النيابة العامة إثباتًا للجريمة، والحق في دحض أقوالهم وإجهاض الأدلة التي طرحتها بأدلة النفي التي يعرضها، وبغير ذلك لا ينهدم أصل البراءة، إذ هو من الركائز التي يستند إليها مفهوم المحاكمة المنصفة التي كفلها الدستور، ويعكس قاعدة مبدئية تُعَدُّ في ذاتها مستعصية على الجدل، واضحة وضوح الحقيقة ذاتها، تقتضيها الشرعية الإجرائية، ويُعَدُّ إنفاذها مفترضًا أوليًّا لإدارة العدالة الجنائية، ويتطلبها الدستور لصون الحرية الشخصية في مجالاتها الحيوية، وليوفر من خلالها لكل فرد الأمن في مواجهة التحكم والتسلط والتحامل، بما يحول دون اعتبار واقعة تقوم بها الجريمة ثابتة بغير دليل، وبما يرد المشرع عن افتراض ثبوتها بقرينة قانونية ينشئها.

وحيث إن من المقرر – أيضًا - في قضاء هذه المحكمة أن الدستور إذ اختص بموجب المادة (101) منه السلطة التشريعية بسن القوانين، كما نص في المادتين (184، 188) منه على استقلال السلطة القضائية، واختصاصها بالفصل في المنازعات والجرائم، فإن لازم ذلك أن اختصاص السلطة التشريعية بسن القوانين لا يخولها التدخل في أعمال أسندهــــا الدستور للسلطة القضائية وقصرها عليها، وإلا كان هذا افتئاتًا على عملها، وإخلالاً بمبدأ الفصل بين السلطات. وعلى ذلك، فإن الاختصاص المقرر دستوريًا للسلطة التشريعية في مجال إنشاء الجرائم وتقرير عقوباتها، لا يخولها التدخل بالقرائن التي تنشئها لغل يد المحكمة الجنائية عن القيام بمهمتها الأصلية في مجال التحقق من قيام أركان الجريمة التي عينها المشرع.

وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان نص الفقرة الأولى من المادة (68) من قانون سوق رأس المال المطعون فيه، في حدود النطاق الذى تطرحه الدعوى المعروضة، ألقى على عاتق المسئول عن الإدارة الفعلية للشركة المسئولية الجنائية عن ارتكاب الجرائم المشار إليها، وقرن ثبوتها في حقه بثبوت مباشرته الإدارة الفعلية المتعلقة بتنفيذ الالتزام القانونى، الذى عَدَّ المشرع الإخلال به جريمة، ولم يعف النيابة العامة من واجب إقامة الدليل على ثبوت أركان الجريمة في حقه، بما في ذلك ثبوت قيامه بالإدارة الفعلية، كما لم يحل بينه وبين نفى عناصر الاتهام جميعها بكافة طرق ووسائل الإثبات القانونية في شتى الدعاوى الجنائية. وعلى ذلك، فإن النص المطعون فيه - محددًا نطاقه على النحو المتقدم - يكون قد جاء خلوًا من أى قرينة قانونية تعارض أصل البراءة، ومن ثَمَّ فإن أحكامه تكون مبرأة من قالة الإخلال بأصل البراءة، أو المساس باستقلال السلطة القضائية.


وحيث إن النص المطعـون فيه لا يتعارض مع أى نص آخر في الدستور، الأمر الذى يتعين معه القضاء برفض الدعوى.


فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

دستورية العقاب على جريمة البناء بدون ترخيص

الدعوى رقم 199 لسنة 32 ق "دستورية" جلسة 2 / 1 / 2021

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثاني من يناير سنة 2021م، الموافق الثامن عشر من جمادى الأولى سنة 1442 هـ.

برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو رئيس المحكمة

وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر والدكتور محمد عماد النجار والدكتور عبد العزيز محمد سالمان والدكتور طارق عبد الجواد شبل وطارق عبد العليم أبو العطا نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر


أصدرت الحكم الآتى

في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 199 لسنة 32 قضائية "دستورية".


المقامة من

حنان فوزى سيد أحمد الغراب

ضـــد

1- رئيس الجمهوريــــــــــــــــــة

2- رئيس مجلس الوزراء

3- وزير العــــــــــدل

4- وزير الإسكان والمرافق والتنمية العمرانية

5- النائــــــــب العــــــــــــام


الإجراءات

بتاريخ الثامن من ديسمبر سنة 2010، أودعت المدعية صحيفة هذه الدعوى، قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبة الحكم بعدم دستورية نصوص المواد (38/1، 39/1، 102/1) من قانون البناء الصادر بالقانون رقم 119 لسنة 2008.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.

وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.

ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر جلسة 5/12/2020، وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم، أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها. وقررت المحكمة إصدار الحكم في الدعوى بجلسة اليوم.


المحكمــــة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن النيابة العامة، كانت قد أسندت إلى المدعية، في الجنحة رقم 775 لسنة 2010 مركز شبين الكوم، أنها بتاريخ 12/1/2010، أقامت بناء – دور ثالث علوى – بدون ترخيص. وقدمتها إلى المحاكمة الجنائية، بطلب عقابها بالمواد ( الأولى، والفقرة الأولى من المادة الثانية، والمادة الثالثة، و38، 39، 102) من قانون البناء الصادر بالقانون رقم 119 لسنة 2008. وبجلسة 9/2/2010، قضت المحكمة غيابيًّا بحبس المدعية ثلاثة أشهر مع الشغل. عارضت المدعية في الحكم، وإبان نظر المعارضة، قدمت مذكرة، دفعت فيها بعدم دستورية مواد الاتهام، وبجلسة 31/10/2010 ، قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، وصرحت لها بإقامة الدعوى الدستورية، فأقامت الدعوى المعروضة، بطلباتها السالفة البيان.

وحيث إن المادة (38) من قانون البناء الصادر بالقانون رقم 119 لسنة 2008، قبل تعديلها بالقانون رقم 23 لسنة 2015، تنص على أنه " تسرى أحكام هذا الباب في شأن تنظيم أعمال البناء على كافة أعمال العمران بوحدات الإدارة المحلية والمناطق السياحية والصناعية والتجمعات العمرانية الجديدة وعلى المباني والتجمعات السكنية التي يصدر بتحديدها قرار من الوزير المختص".

وتنص المادة (39) من القانون ذاته في فقرتها الأولى على أنه "يحظر إنشاء مبان أو منشآت أو إقامة أعمال أو توسيعها أو تعليتها أو تعديلها أو تدعيمها أو ترميمها أو هدم المباني غير الخاضعة لقانون هدم المباني غير الآيلة للسقوط جزئيًّا أو كليًّا أو إجراء أى تشطيبات خارجية دون الحصول على تراخيص في ذلك من الجهة الإدارية المختصة بشئون التخطيط والتنظيم وفقًا للاشتراطات البنائية وقت إصدار الترخيص ولما تبينه اللائحة التنفيذية لهذا القانون".

كما تنص الفقرة الأولى من المادة (102) من القانون السالف البيان على أنه " يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن خمس سنوات أو الغرامة التي لا تقل عن مثلى قيمة الأعمال المخالفة ولا تجاوز ثلاثة أمثال هذه القيمة، كل من قام بإنشاء مبان أو إقامة أعمال أو توسيعها أو تعليتها أو تعديلها أو تدعيمها أو ترميمها أو هدمها بدون ترخيص من الجهة الإدارية المختصة".

وحيث إن المدعية تنعى على نص المادة (38) من قانون البناء الصادر بالقانون رقم 119 لسنة 2008 – قبل تعديله بالقانون رقم 23 لسنة 2015 – مخالفته مبدأ المساواة، باستبعاد تطبيق أحكام ذلك القانون على بعض أعمال العمران، وقصر نطاق سريانه المكاني على أماكن محددة، منها وحدات الإدارة المحلية. وتنعى على نص المادة (39/1) من القانون ذاته، إخلاله بمبدأ تكافؤ الفرص، وعلى المادة (102/1) من القانون المشار إليه، عدم تناسب عقوبة الغرامة مع جسامة الجرم المنصوص عليه في ذلك النص، مما تنحل معه هذه الغرامة إلى افتئات على الحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية الخاصة.

وحيث إن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن المصلحة الشخصية المباشرة شرط لقبول الدعوى الدستورية، ومناط هذه المصلحة أن تتوافر رابطة منطقية بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية؛ وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع.

وكان المقرر أيضًا في قضاء هذه المحكمة أن إلغاء النص التشريعي المطعون فيه لا يحول دون الطعن عليه بعدم الدستورية من قبل من طبق عليهم ذلك النص خلال فترة نفاذه، وترتبت بمقتضاه آثار قانونية بالنسبة إليهم، وبالتالي توافرت لهم مصلحة شخصية في الطعن بعدم دستوريته.

وحيث إن البناء موضوع اتهام المدعية يقع بدائرة الوحدة المحلية لمركز شبين الكوم، وقد نسب إليها إقامته بدون ترخيص من الجهة الإدارية المختصة، بما تكون معه مواجهة بالعقوبة المقررة لهذا الفعل، المنصوص عليها بالشطر الأول من الفقرة الأولى من المادة (102) من القانون رقم 119 لسنة 2008، التي نصت في شطرها الثاني على تأثيم فعل إقامة مبان بدون ترخيص، متماهية، في الحكم عينه، مع حظر الفعل ذاته، الوارد بنص الفقرة الأولى من المادة (39) من القانون المشار إليه. وكانت المصلحة الشخصية المباشرة للمدعية تتحقق في الطعن على النص الذى خضع بمقتضاه البناء الذى أقامته لقانون البناء السالف البيان، كما تتحقق هذه المصلحة في إبطال النص العقابي لهذا الفعل، دون النص على حظر إقامة مبان بدون ترخيص من الجهة الإدارية المختصة، الوارد في الفقرة الأولى من المادة (39) من القانون رقم 119 لسنة 2008، مادام أن ذلك النص ، بذاته، لا يتضمن جزاءً جنائيًّا، له أي انعكاس على الدعوى الموضوعية، وإنما استغرق حكمة، في مجال حظر فعل البناء بدون ترخيص، نص الشطر الثاني من الفقرة الأولى من المادة (102) المار بيانها، التي استطالت بذلك الحظر إلى دائرة التأثيم الجنائي. ومن ثم يتحدد نطاق الدعوى المعروضة، فيما نص عليه صدر المادة (38) من القانون رقم 119 لسنة 2008 – قبل تعديله بالقانون رقم 23 لسنة 2015 – من أنه "تسرى أحكام هذا الباب في شأن تنظيم أعمال البناء على كافة أعمال العمران بوحدات الإدارة المحلية"، وكذلك ما تنص عليه الفقرة الأولى من المادة (102) من القانون ذاته من أنه " يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عـن خمس سنوات أو الغرامـة التي لا تقل عن مثلى قيمة الأعمال المخالفة ولا تجاوز ثلاثة أمثال هذه القيمة، كل من قام بإنشاء مبان .... بدون ترخيص من الجهة الإدارية المختصة".

وحيث إن من المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن الرقابة الدستورية على القوانين من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة تستهدف أصلاً صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، باعتبار أن نصوص هذا الدستور تمثل القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكانت المناعي التي أثارتها المدعية على النصين المطعون عليهما – محددين نطاقًا على ما سلف بيانه – تندرج تحت المطاعن الموضوعية، التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي، ومن ثم فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النصين المطعون عليهما، اللذين مازالا قائمين ومعمولاً بأحكامهما، في ضوء أحكام الدستور القائم الصادر سنة 2014.

وحيث إن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن المساواة أمام القانون ليست مبدأ تلقينيًّا منافيًا للضرورة العملية، ولا هو بقاعدة صمّاء تنبذ صور التمييز جميعها، ولا كافلاً لتلك الدقة الحسابية التي تقتضيها موازين العدل المطلق بين الأشياء. وإذا جاز للدولة أن تتخذ بنفسها ما تراه ملائمًا من التدابير، لتنظيم موضوع محدد وتوقى شر تقدر ضرورة رده، وكان دفعها الضرر الأكبر بالضرر الأقل لازمًا، فإن تطبيقها مبدأ المساواة لا يجوز أن يكون كاشفًا عن نزواتها، ولا منبئًا عن اعتناقها لأوضاع جائرة تثير ضغائن أو أحقادًا تتفلت بها ضوابط سلوكها، ولا هشيمًا معبرًا عن بأس سلطاتها، بل يتعين أن يكون موقفها اعتدالاً في مجال تعاملها مع المواطنين، فلا تمايز بينهم إملاءً أو عسفًا، ومن الجائز بالتالي، أن تغاير السلطة التشريعية – ووفقًا لمقاييس منطقية – بين مراكز لا تتحد معطياتها، أو تتباين فيما بينها في الأسس التي تقوم عليها، على أن تكون الفوارق بينها حقيقية لا اصطناع فيها ولا تخيل، ذلك أن ما يصون مبدأ المساواة، ولا ينقض محتواه، هو ذلك التنظيم الذى يقيم تقسيمًا تشريعيًّا ترتبط فيه النصوص القانونية التي يضمها، بالأغراض المشروعة التي يتوخاها.

وحيث إن البين من المذكرة الإيضاحية لمشروع قانون البناء الصادر بالقانون رقم 119 لسنة 2008، في شأن المادة (38) من ذلك القانون، قبل تعديلها بالقانون رقم 23 لسنة 2015، أنها حددت نطاق سريان باب تنظيم أعمال البناء على كافة وحدات الإدارة المحلية من المدن والقرى، وكان ما أوردته تلك المذكرة إنما هو استصحاب لمسئولية الدولة – في مجال تنظيم مرفق البناء والتشييد – عن وضع الخطط الاستراتيجية العامة للتنمية العمرانية، في ضوء الواقع العمراني القائم، واحتياجات التوسعة المستقبلية، بمراعاة الأحوزة العمرانية المعتمدة داخل كل وحدة محلية، والضرورات المرفقية القائمة، والطابع البيئي والسكاني لكل منطقة.

وحيث إن المادة (38) من القانون رقم 119 لسنة 2008، المار ذكرها، تقرر خضوع جميع أعمال العمران التي تتم بوحدات الإدارة المحلية لأحكام الباب الثالث من قانون البناء المشار إليه، وكان التنظيم المرفقي للبناء والعمران من أدخل ما تختص بإقراره السلطة التشريعية، وكان إقرارها إيّاه منضبطًا بدافع التنمية العمرانية ذات الوجه الحضاري، الذى يستشرف قيم العيش المتمدن، بما يفرضه على الدولة من التزام بمد المرافق الأساسية لجميع وحدات الحكم المحلى، وما يقابله من التزام القائمين على تنفيذ ترخيص البناء في تلك الوحدات المحلية، بالشروط البنائية التى تبينها اللائحة التنفيذية للقانون المذكور، وإذ أقرت المادة (53) من الدستور مبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق والحريات والواجبات العامة، فإن إعماله، في نطاق الدعوى المعروضة، يُلزم بالمساواة بين القائمين على أعمال العمران بالأماكن التي يسري في شأنها النص المطعون عليه، مع مفارقته غيرها من الأماكن التي لا ينطبق في شأنها ذلك النص، وهو عين ما أفصحت عنه عبارة النص ذاته، من خضوع أعمال العمران داخل جميع الوحدات المحلية لأحكام الباب الثالث في شأن تنظيم أعمال البناء. ومن ثم فإن قالة إخلال النص المطعون فيه بمبدأ المساواة، بقصر سريان أحكامه على أعمال البناء التي تقام في النطاق المكاني الوارد في ذلك النص، دون غيرها، إنما ينشد الانسلاخ التام من تطبيق أحكام القانون رقم 119 لسنة 2008، على كافة أعمال البناء بدون ترخيص، والمساواة في المعاملة القانونية مع غير المخاطبين بهذا القانون، وذلك على الرغم من اختلاف المراكز القانونية لكل منهم اختلافًا بيّنًا - على ما خُص به المخاطبون بحكم القانون المشار إليه من حقوق والتزامات – سلف بيانها – ومن ثم يضحى نعى المدعية على نص المادة (38) من قانون البناء الصادر بالقانون رقم 119 لسنة 2008 – قبل تعديله بالقانون رقم 23 لسنة 2015 – غير قائم على سند يقيمه، خليقًا بالالتفات عنه، ورفضه.

وحيث إن المتواتر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن نص التجريم يتحدد من منظور اجتماعي، وموافقته للدستور من عدمها، تحدده الضرورة التى اقتضتها ظروف الجماعة في مرحلة من مراحل تطورها، فإذا كان مبررًا من وجهة اجتماعية انتفت عنه شبهة المخالفة الدستورية.

وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن ترسم الدستور في اتجاهه إلى النظم المعاصرة ومتابعة خطاها والتقيد بمناهجها التقدمية، قد أورد في المادة (95) منه، أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون الذى ينص عليها، وكان الدستور قد دل بهذه المادة على أن لكل جريمة ركنًا ماديًّا لا قوام لها بغيره يتمثل أساسًا في فعل أو امتناع وقع بالمخالفة لنص عقابي، مفصحًا بذلك عن أن ما يركن إليه القانون الجنائي ابتداء في زواجره ونواهيه هو مادية الفعل المؤاخذ على ارتكابه، إيجابيًّا كان هذا الفعل أم سلبيًّا، ذلك أن العلائق التي ينظرها هذا القانون في مجال تطبيقه على المخاطبين بأحكامه، محورها الأفعال ذاتها، في علاماتها الخارجية ومظاهرها الواقعية وخصائصها المادية، إذ هي مناط التأثيم وعلته، وهي التي يتصور إثباتها ونفيها، وهي التي يتم التمييز على ضوئها بين الجرائم بعضها من بعض، وهي التي تديرها محكمة الموضوع على حكم العقل لتقييمها وتقدير العقوبة المناسبة لها، بل إنه في مجال تقدير القصد الجنائي، لا تعزل المحكمة نفسها عن الواقعة محل الاتهام التي قام الدليل عليها قاطعًا واضحًا، ولكنها تجيل بصرها فيها منقبة من خلال عناصرها عما قصد إليه الجاني حقيقة من وراء ارتكابها، ومن ثم تعكس هذه العناصر تعبيرًا خارجيًّا وماديًّا عن إرادة واعية، ولا يتصور بالتالي وفقًا لأحكام الدستور أن توجد جريمة في غيبة ركنها المادي، ولا إقامة الدليل على توافر علاقة السببية بين مادية الفعل المؤثم والنتائج التي أحدثها بعيدًا عن حقيقة هذا الفعل ومحتواه، ولازم ذلك أن كل مظاهر التعبير عن الإرادة البشرية – وليس النوايا التي يضمرها الإنسان في أعماق ذاته – تعتبر واقعة في منطقة التجريم كلما كانت تعكس سلوكًا خارجيًّا مؤاخذًا عليه قانونًا، فإذا كان الأمر غير متعلق بأفعال أحدثتها إرادة مرتكبها، وتم التعبير عنها خارجيًّا في صورة مادية لا تخطئها العين، فليس ثمة جريمة. وكان المقرر أيضًا في قضاء هذه المحكمة أن الأصل في الجرائم العمدية جميعها، أنها تعكس تكوينًا مركبًا، باعتبار أن قوامها تزامن بين يد اتصل الإثم بعملها، وعقل واع خالطها، ليهيمن عليها ويكون محددًا لخطاها، متوجهًا إلى النتيجة المترتبة على نشاطها، فلا يكون القصد الجنائي إلا ركنًا معنويًّا في الجريمة مكملاً لركنها المادي، ومتلائمًا مع الشخصية الفردية في ملامحها وتوجهاتها.

وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكانت الجريمة المنصوص عليها في الشطر الثاني من الفقرة الأولى من المادة (102) من قانون البناء الصادر بالقانون رقم 119 لسنة 2008 – محددة نطاقًا على ما سلف بيانه – تندرج ضمن الجرائم المضرة بالمصلحة العامة، الواردة خارج الكتاب الثاني من قانون العقوبات، بحسبان انطوائها على إخلال بمقتضيات الشروط البنائية داخل وحدات الحكم المحلى، وما يستتبعه ذلك من افتئات على ضوابط التخطيط العمراني والتنسيق الحضاري المقرر، وما ينطوي عليه أيضًا من أخطار تهدد حياة وأموال شاغلي المباني غير المرخص بها، التي أقيمت في غيبة من شروط وضوابط السلامة الإنشائية التي حددتها اللائحة التنفيذية للقانون المشار إليه، وما يمثله ذلك من إخلال بالتزام الدولة – بأجهزتها المختلفة – بالحفاظ على أمن وسلامة مواطنيها، فضلا عن الإضرار بالعناصر الإيجابية للذمة المالية للدولة، بالإفلات من سداد رسوم الترخيص، تلك الأضرار التي تتعاظم فيما لو أقيمت مبانٍ بدون ترخيص على أرض مملوكة للدولة ملكية عامة أو خاصة في دائرة وحدة محلية. إذ كان ذلك، وكانت عبارة النص المؤثم لفعل إقامة مبان في دائرة إحدى الوحدات المحلية بدون ترخيص من الجهة الإدارية المختصة، قد صيغت صياغة واضحة، لا خفاء فيها ولا غموض، مستظهرة، في إفصاح جهير، ماهية الركن المادي لتلك الجريمة، وحددته في إقامة مبانٍ في دائرة وحدة محلية – مدينة أو قرية – دون ترخيص من الجهة الإدارية المختصة، وقطعت بكونه من الأفعال العمدية، التي يقارنها قصد جنائي عام، يرنو إلى تحقيق النتيجة الإجرامية الناشئة عن الفعل المادي، ليتسق ركنا الجريمة، في وحدة تنال – حال تحققها – من المصلحة المحمية بالنص المطعون فيه، ومن ثم يغدو النص مستويًا على قواعد الدستور ومبادئه المقررة في شأن التجريم في المواد الجنائية.

وحيث إن الأصل في العقوبة – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – هو معقوليتها، فلا يكون التدخل فيها إلا بقدر، نأيًا بها عن أن تكون إيلامًا غير مبرر، يؤكد قسوتها في غير ضرورة، ذلك أن القانون الجنائي، وإن اتفق مع غيره من القوانين في تنظيم بعض العلائق التي يرتبط بها الأفراد فيما بين بعضهم البعض، أو من خلال مجتمعهم بقصد ضبطها، إلا أن القانون الجنائي يفارقها في اتخاذ العقوبة أداة تقويم ما يصدر عنهم من أفعال نهاهم عن ارتكابها. وهو بذلك يتغيا أن يحدد – من منظور اجتماعي - ما لا يجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم، وأن يسيطر عليها بوسائل يكون قبولها اجتماعيًّا ممكنًا، بما مؤداه أن الجزاء على أفعالهم لا يكون مبررًا إلا إذا كان مفيدًا من وجهة اجتماعية، فإن كان مجاوزًا تلك الحدود التي لا يكون معها ضروريًّا، غدا مخالفًا للدستور.

وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن العقوبة التخييرية، أو استبدال عقوبة أخف أو تدبير احترازي بعقوبة أصلية أشد – عند توافر عذر قانوني جوازي مخفف للعقوبة – أو إجازة استعمال الرأفة في مواد الجنايات بالنزول بعقوبتها درجة واحدة أو درجتين إذا اقتضت أحوال الجريمة ذلك التبديل، عملاً بنص المادة (17) من قانون العقوبات، أو إيقاف تنفيذ عقوبتي الغرامة أو الحبس الذى لا تزيد مدته على سنة إذا رأت المحكمة من الظروف الشخصية للمحكوم عليه أو الظروف العينية التي لابست الجريمة ما يبعث على الاعتقاد بعدم العودة إلى مخالفة القانون على ما جرى به نص المادة (55) من قانون العقوبات، إنما هي أدوات تشريعية يتساند القاضي إليها – بحسب ظروف كل دعوى – لتطبيق مبدأ تفريد العقوبة، ومن ثم ففي الأحوال التي يمتنع فيها إعمال إحدى هذه الأدوات، فإن الاختصاص الحصري بتفريد العقوبة المعقود للقاضي يكون قد استغلق عليه تمامًا، بما يفتئت على استقلاله ويسلبه حريته في تقدير العقوبة، ويفقد جوهر وظيفته القضائية، وينطوي على تدخل محظور في شئون العدالة.

وحيث إنه لما كان ما تقدم، وكانت العقوبة المنصوص عليها في الشطر الأول من الفقرة الأولى من المادة (102) من قانون البناء الصادر بالقانون رقم 119 لسنة 2008 – محددة في مجال تطبيقها على إقامة مبان بدون ترخيص من الجهة الإدارية المختصة – هي عقوبة تخييرية بين الحبس مدة لا تزيد عن خمس سنوات أو الغرامة التي لا تقل عن مثلى قيمة الأعمال المخالفة ولا تجاوز ثلاثة أمثال هذه القيمة، وكانت عقوبة الحبس السالف بيانها – وهى أخف العقوبات السالبة للحرية – إنما قررت لمواجهة جريمة عمدية، تهدد من ناحية سلامة شاغلي تلك المباني، وأموالهم، ومن ناحية أخرى تضر بمصلحة عامة مؤكدة، وتتصدى لظاهرة تفشى إقامة مبان غير مرخصة من جهة الإدارة، بما تحمله هذه الظاهرة من دلالات سلبية ، تنال من توجه الدولة نحو إنشاء بيئة حضارية، وتنتهك مشروعاتها في مجالات التخطيط العمراني والتنسيق الحضاري. وتقوض فرصها في القضاء على تجمعات بنائية عشوائية، تتداعى في وجودها كل فرص التنمية البشرية، فضلاً عما تُحمّله للمرافق الإنشائية من أحمال لا طاقة لها بحملها، وكانت عقوبة الغرامة المار بيانها، كعقوبة أصلية بديلة عن عقوبة الحبس، روعي عند إقرارها أنها ترد على الجانى قصده في شأن تحقيق منافع مالية من إقامة مبان غير مرخص بها من جهة الإدارة – على التفصيل السابق بيانه -، وكانت نسبية هذه الغرامة تهدف إلى رد الضرر الناشئ عن الجريمة، وإيلام مرتكبها بالنيل من العناصر الإيجابية لذمته المالية، بإلزامه بأداء مثلى قيمة الأعمال المخالفة أو ثلاثة أمثالها، مما يردع الجاني ردعًا يتحقق به أحد أغراض العقوبة. متى كان ذلك، وكانت العقوبة الواردة بالنص المطعون عليه، في مجال التفريد القضائي، قد التزمت ضوابطه، وانضبطت بحدوده، بدءًا من مراوحة عقوبة الحبس بين حد أدنى لا ينقص عن 24 ساعة، إلى حد أقصى لا يجاوز خمس سنوات، والشأن ذاته في عقوبة الغرامة المالية، التي يُقضى بها بين حد أدنى مقداره مثلى قيمة الأعمال المخالفة، وحد أقصى مقداره ثلاثة أمثال هذه القيمة، وكانت عقوبة الحبس – إن قُضى بها – مدة لا تزيد عن سنة، يجوز إيقاف تنفيذها، كما يجوز إيقاف تنفيذ عقوبة الغرامة في حديها الأدنى والأقصى، مما مؤداه أن النص المطعون عليه – في مجال العقوبة المقررة به – يتيح لمحكمة الموضوع أداتين تشريعيتين، أي منهما، تمكنها من إعمال سلطتها في تفريد العقوبة، بوزن إثم كل جانٍ على حده، ومن ثم يكون النص المطعون عليه -(102/1) من قانون البناء- في شأن التجريم والعقاب، جاء موافقًا لأحكام الدستور، ويغدو الطعن عليه لا أساس له، خليقًا بالالتفات عنه.

وحيث إن النصين المطعون عليهما – محددين نطاقًا على ما سلف بيانه – لا يخالفان أحكامًا أخرى في الدستور

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعية المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

انتفاء مصلحة الشركة في الدفع بعدم دستورية أسباب فصل العامل (لاستفادتها من احد الأسباب)

الدعوى رقم 378 لسنة 23 ق "دستورية" جلسة 2 / 1 / 2021

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثاني من يناير سنة 2021م، الموافق الثامن عشر من جمادى الأولى سنة 1442 هـ.

برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو رئيس المحكمة

وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر والدكتور محمد عماد النجار والدكتور عبد العزيز محمد سالمان والدكتور طارق عبد الجواد شبل وطارق عبد العليم أبو العطا نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر


أصدرت الحكم الآتى

في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 378 لسنة 23 قضائية "دستورية".

المقامة من

رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية لتصنيع وسائل النقل (غبور مصر)

ضــــد

1- رئيس مجلس النــــــواب

2- رئيس مجلس الـــــوزراء

3- وزيـــــــر العمـــل

4- رضا السباعى محمـــــد


الإجراءات

بتاريخ الثلاثين من ديسمبر سنة 2001، أودعت الشركة المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبة الحكم بعدم دستورية نصى المادتين (61 و66) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 137 لسنة 1981.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.

وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.

ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمــة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

حيث إن الوقائع تتحصل– على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن المدعى عليه الرابع كان يعمل مندوبًا للمبيعات بالشركة المدعية، إلى أن منعته من دخول الشركة، وأوقفته مؤقتًا عن العمـل، لتغيبه أكثر من عشرة أيام متصلة، وقامت بإنذاره، ثم قررت فصله، وقد نازع العامل في ذلك، وعُرض النزاع على اللجنة الثلاثية بمعرفة مكتب العمل، فقررت عدم الموافقة على فصل العامل، وإعادته إلى العمل، وإزاء عدم استجابة الشركة، تقدم العامل بشكوى إلى مكتب العمل، طلب فيها إيقاف تنفيذ قرار الفصل. وإذ تعذر تسوية النزاع، أحالته الجهة الإدارية إلى محكمة قليوب الجزئية، وقيدت الدعوى بجدولها برقم 245 لسنة 1999 مدني جزئي قليوب. وبجلسة 26/10/1999، قضت المحكمة بصفة مستعجلة، وقف قرار الفصل، وإلزام الشركة بأن تؤدى له ما يعادل أجره الشهري، بواقع (840) جنيهًا، اعتبارًا من 20/5/1999، وإعادة الدعوى للمرافعة للإعلان بالطلبات الموضوعة. فقام العامل - المدعى عليه الرابع - بإعلان طلباته للشركة، بإلزامها بأن تؤدى له مبلغ (450000) جنيه، تعويضًا عما لحقه من أضرار مادية وأدبية. قضت المحكمة بجلسة 28/3/2000، بعدم اختصاصها قيميًّا بنظر الدعوى، وإحالتها إلى محكمة بنها الكلية "مأمورية قليوب الكلية"، وقيدت الدعوى بجدولها برقم 513 لسنة 2000 مدنى كلى. وأثناء نظرها، أقامت الشركة المدعية دعوى فرعية ضد العامل، بطلب الحكم بإلزامه بأن يؤدى لها مبلغ (20000) جنيه، تعويضًا عما أصابها من أضرار جراء إقامة دعواه الأصلية، وبرفض تلك الدعوى. ندبت المحكمة خبيرًا في الدعوى لمباشرة المهمة المنوطة به، فأودع تقريرًا، خلص فيه إلى أن الشركة قامت بإنهاء علاقة العمـل مع العامل دون سبب أو مبرر، مما أصابه بأضرار مادية وأدبية، ولم يثبت أنه التحق بعمل آخر بعد إنهاء خدمته. وحال نظر الدعوى بجلسة 13/11/2011، دفعت الشركة بعدم دستورية نصى المادتين (61، 66) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 137 لسنة 1981، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، أجلت نظر الدعوى لجلسة 1/1/2002، لإقامة الدعوى الدستورية، فأقامت الشركة الدعوى المعروضة، ناعية على نص المادة (61): أنه بتحديده حالات بعينها لفصل العامـل، لا يجوز فصله في غيرها، يكون قد أهدر مبدأ المساواة، بإجبار رب العمل على استمرار تشغيله رغم ثبوت عدم كفاءته، مميزًا بذلك في الحقوق والواجبات بين العامل ورب العمل، ويتعارض مع سياسة الدولة في انتهاج نظام الاقتصاد الحر. كما نعت الشركة على المادة (66): أن فقرتها الأولى قررت أحقية العامل في طلب وقف تنفيذ قرار الفصل، وأسبغت فقرتها الثالثة وصف النهائية على حكم القضاء المستعجل بوقف تنفيذ قرار الفصل، بما يخول العامل حق تقاضى الأجر دون تأدية عمل، ويخل بحق صاحب العمل في الطعن على الحكم المستعجل، مهدرًا مبدأ التقاضي على درجتين. وقد استمرت محكمة الموضوع في نظر الدعوى، وقضت فيها بجلسة 30/4/2002، برفض الدفع بعدم دستورية نصى المادتين (61، 66) من القانون رقم 137 لسنة 1981 المشار إليه، وفى موضوع الدعوى الأصلية بإلزام الشركة المدعى عليها أن تؤدى للمدعى مبلغ خمسة عشر ألف جنيه تعويضًا عن الأضرار المادية والأدبية، وفي موضـوع الدعوى الفرعية برفضها. طعن العامل - المدعى عليه الأخير - على هذا الحكم، أمام محكمة استئناف طنطا "مأمورية استئناف بنها"، بالاستئناف رقم 169 لسنة 35 قضائية. وبجلسة 30/12/2002، قضت المحكمة بسقوط الحق في الاستئناف لإقامته بعد الميعاد القانوني.

وحيث إن قانون العمل الصادر بالقانون رقم 137 لسنة 1981 - قبل إلغائه بالقانون رقم 12 لسنة 2003 بإصدار قانون العمل - كان ينص في المادة (61) منه على أنه " لا يجوز فصل العامل إلا إذا ارتكب خطأً جسيمًا، ويعتبر من قبيل الخطأ الجسيم الحالات الآتية:

1- إذا انتحل العامل شخصية غير صحيحة أو قدم شهادات أو توصيات مزورة .

2- إذا ارتكب العامل خطأً نشأت عنه خسارة مادية جسيمة لصاحب العمل، بشرط أن يبلغ صاحب العمل الجهات المختصة بالحادث خلال 24 ساعة من وقت علمه بوقوعه.

3- إذا لم يراع العامل التعليمات اللازم اتباعها لسلامة العمال والمنشأة رغم إنذاره كتابةً، بشرط أن تكون هذه التعليمات مكتوبة ومعلنة في مكان ظاهر.

4- إذا تغيب العامل بدون سبب مشروع أكثر من عشرين يومًا متقطعة خلال السنة الواحدة أو أكثر من عشرة أيام متوالية، على أن يسبق الفصل إنذار كتابي من صاحب العمل للعامل بعد غيابه عشرة أيام في الحالة الأولى، وانقطاعه خمسة أيام في الحالة الثانية.

5- إذا لم يقم العامل بتأدية التزاماته الجوهرية المترتبة على عقد العمل.

6- إذا أفشى العامل الأسرار الخاصة بالمنشأة التي يعمل فيها.

7- إذا حكم على العامل نهائيًا في جناية أو جنحة ماسة بالشرف أو الأمانة أو الآداب العامة.

8- إذا وجد أثناء العمل في حالة سكر بين أو متأثرًا بما تعاطاه من مادة مخدرة.

9- إذا وقع من العامل اعتداء على صاحب العمل أو المدير المسئول أو إذا وقع منه اعتداء جسيم على أحد رؤساء العمل أثناء العمل أو بسببه.





ونصت المادة (66) منه على أنه " للعامل الذى يفصل من العمل بغير مبرر أن يطلب وقف تنفيذ هذا الفصل، ويقدم الطلب إلى الجهة الإدارية المختصة التي يقع في دائرتها محل العمل خلال مدة لا تجاوز أسبوعًا من تاريخ إخطار صاحب العمل للعامل بذلك بكتاب مسجل، وتتخذ هذه الجهة الإجراءات اللازمة لتسوية النزاع وديًّا، فإذا لم تتم التسوية تعين عليها أن تحيل الطلب خـلال مـدة لا تجاوز أسبوعًا من تاريخ تقديمه إلى قاضى الأمور المستعجلة بالمحكمة التي يقع في دائرتها محل العمل أو قاضى المحكمة الجزئية المختص بشئون العمل بوصفه قاضيًا للأمور المستعجلة في المدن التي أنشئت أو تنشأ بها هذه المحاكم، وتكون الإحالة مشفوعة بمذكرة من خمس نسخ تتضمن ملخصًا للنزاع وحجج الطرفين وملاحظات الجهة الإدارية المختصة.

وعلى قلم كتاب المحكمة أن يقوم في ظرف ثلاثة أيام من تاريخ إحالة الطلب إلى المحكمة بتحديد جلسة لنظر طلب وقف التنفيذ في ميعاد لا يتجاوز أسبوعين من تاريخ تلك الإحالة، ويخطر بها العامل وصاحب العمل والجهة الإدارية المختصة، ويرافق الإخطار صورة من مذكرة هذه الجهة، ويكون الإخطار بكتاب مسجل.

وعلى القاضي أن يفصل في طلب وقف التنفيذ في مدة لا تجاوز أسبوعين من تاريخ أول جلسة، ويكون حكمه نهائيًا، فإذا أمر بوقف التنفيذ ألزم صاحب العمل في الوقت ذاته أن يؤدى إلى العامل مبلغًا يعادل أجره من تاريخ فصله، وعلى القاضي أن يحيل القضية إلى المحكمة المختصة التي يقع في دائرتها محل العمل أو المحكمة المختصة لنظر شئون العمال في المدن التي توجد بها هذه المحاكم، وعلى هذه المحكمة أن تفصل في الموضوع بالتعويض إذا كان له محل وذلك على وجه السرعة خلال مدة لا تجاوز شهرًا من تاريخ أول جلسة، وإذا لم يتم الفصل في الدعوى الموضوعية خلال المدة المنصوص عليها في الفقرة السابقة جاز لصاحب العمل بدلاً من صرف الأجر للعامل أن يودع مبلغًا يعادل الأجر خزانة المحكمة حتى يفصل في الدعوى.

وتخصم المبالغ التي يكون العامل قد استولى عليها تنفيذًا لحكم قاضى الأمور المستعجلة أو من خزانة المحكمة من مبلغ التعويض الذى يحكم له به أو من أية مبالغ أخرى تكون مستحقة له. ويجب على المحكمة أن تقضى بإعادة العامل المفصول إلى عمله إذا كان فصله بسبب نشاطه النقابي.

ويكون عبء إثبات أن الفصل لم يكن لذلك السبب على عاتق صاحب العمل.

وتطبق القواعد الخاصة باستئناف الأحكام، المنصوص عليها في القوانين المعمول بها على الأحكام الصادرة في الموضوع، ويكون ميعاد الاستئناف عشرة أيام، وعلى المحكمة أن تفصل فيه خلال مدة لا تجاوز شهرًا من تاريخ أول جلسة".

وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة الدستورية من جوانبها العملية، وليس من معطياتها النظرية، أو تصوراتها المجردة، وهو كذلك يقيد تدخلها في تلك الخصومة القضائية، ويحدد نطاقها، فلا تمتد لغير المطاعن التي يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها علي النزاع الموضوعي، وبالقدر اللازم للفصل فيه، ومؤداه ألا تقبل الخصومة الدستورية من غير الأشخاص الذين يمسهم الضرر من جراء سريان النص المطعون فيه عليهم، سواء أكان هذا الضرر قد وقع فعلاً أم كان وشيكًا يتهددهم. ويتعين دومًا أن يكون هذا الضرر منفصلاً عن مجرد مخالفة النص المطعون فيه للدستور مستقلاً بالعناصر التي يقوم عليها؛ ممكنًا تحديده ومواجهته بالترضية القضائية لتسويته، عائدًا في مصدره إلي النص المطعون فيه، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلاً علي من ادعي مخالفته للدستور، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه، دل ذلك علي انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة. ذلك أن إبطال النص التشريعي في هذه الصور جميعها، لن يحقق للمدعي أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية، عما كان عليه قبلها. ولا يتصور بالتالي أن تكون الدعوى الدستورية أداة يعبر المتداعون من خلالها عن آرائهم في الشئون التي تعنيهم بوجه عام، أو طريقة للدفاع عن مصالح بذواتها لا شأن للنص المطعون فيه بها، بل تباشر المحكمة الدستورية العليا ولايتها بما يكفل فعاليتها، وأن تدور رقابتها وجودًا وعدمًا مع تلك الأضرار التي تستقل بعناصرها، ويكون ممكنًا، لتكون لها ذاتيتها. ومن ثم، يخرج من نطاقها ما يكون من الضرر متوهمًا، أو منتحلاً أو مجردًا، أو يكون على أساس الافتراض أو التخيل. ولازم ذلك، أن يقوم الدليل جليًّا علي اتصال الأضرار المدعي وقوعها بالنص المطعون فيه، وأن يسعى المضرور لدفعها عنه، لا ليؤمن بدعواه الدستورية، وكأصل عام، حقوق الآخرين ومصالحهم، بل ليكفل إنفاذ تلك الحقوق التي تعود فائدة صونها عليه. والتزامًا بهذا الإطار، جرى قضاء هذه المحكمة على أن المصلحة الشخصية المباشرة شرط لقبول الدعوى الدستورية، وأن مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المطاعن الدستورية لازمًا للفصل في النزاع الموضوعي.





وحيث إن نص المادة (61) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 137 لسنة 1981 المشار إليه قد حظر فصل العامل إلا إذا ارتكب خطأً جسيمًا، وحدد علي سبيل المثال لا الحصر، صور هذا الخطأ الجسيم المبرر للفصل، ومنها الحالة التي تضمنها البند رقم (4) منه الخاصة بتغيب العامل بدون سبب مشروع عن عمله أكثر من عشرين يومًا متقطعة، خلال السنة الواحدة، أو أكثر من عشرة أيام متوالية، واشترط أن يسبق الفصل إنذار كتابي من صاحب العمل للعامل بعد غيابه عشرة أيام في الحالة الأولى، وانقطاعه خمسة أيام في الحالة الثانية. وكانت الشركة المدعية قد استندت إلى هذا النص في إصدار قرارها بفصله بعد إنذاره، بدعوى انقطاعه عن العمل أكثر من عشرة أيام. ومن ثم، تكون الشركة قد أفادت من نص هذا البند، باعتباره النص الحاكم لهذه المسألة، الذى استندت إليها الشركة فيما اتخذته من إجراءات ضد العامل، ولا تكون لها مصلحة قائمة في الطعن بعدم دستوريته، كما تنتفى مصلحتها في الطعن على باقي الأحكام الواردة بنص المادة (61) المشار إليها، ذلك أن القضاء في دستوريتها لن يكون ذا أثر أو انعكاس على الدعوى الموضوعية، والطلبات المطروحة بها، وقضاء محكمة الموضوع فيها؛ مما يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى في هذا الشق منها.





وحيث إن نطاق الدعوى المعروضة بالنسبة لنص المادة (66) من القانون المشار إليه، إنما يتحدد بما قررته الفقرة الأولى من هذا النص من منح العامل الحق في طلب وقف تنفيذ قرار الفصل من العمل بغير مبرر، وما قضت به الفقرة الثالثة منه بأن يكون الحكم في طلب وقف التنفيذ نهائيًّا، وإذا أمر القاضي بوقف التنفيذ ألزم صاحب العمل في الوقت ذاته أن يؤدي إلى العامل مبلغًا يعادل أجره من تاريخ فصله. وكان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المشرع لم يجعل من الحكم المستعجل بوقف تنفيذ قرار فصل العامل، والإلزام بما يعادل أجر العامل، حكمًا له حجيته فيما فصل فيه، وإنما استهدف أن يسعف العامل بما يحفظ عليه حياته حتي يفصل علي وجه السرعة في التعويض الذي يطالب به. كما أوجب عند القضاء في موضوع التعويض أن يستنزل ما حصل عليه العامل تنفيذًا للحكم المستعجل مما يحكم به موضوعيًّا. وعلى ذلك يصبح الحكم المستعجل غير ذي موضوع، وتزايله حجيته بمجرد صدور الحكم الابتدائي في موضوع الدعوى، وقبل أن يكون هذا الأخير نهائيًّا. متى كان ذلك، وكان الثابت أن محكمة الموضوع قد استنفدت ولايتها في شأن الشق المستعجل من الدعوى رقم 245 لسنة 1999 مدنى جزئي قليوب، بقضائها بجلسة 26/10/1999، بوقف تنفيذ قرار الفصل، وإلزام الشركة بدفع مبلغ (840) جنيهًا للمدعى، بما يعادل أجره الشهري من تاريخ فصله، وبالتالي لم يعد مطروحًا على محكمة الموضوع في الدعوى رقم 513 لسنة 2000 مدنى كلي قليوب - التي أثير بشأنها الدفع بعدم الدستورية - سوى الطلبات الموضوعية المتعلقة بالتعويض عن الأضرار المادية والأدبية التى لحقت بالعامل، الذى قضت فيها المحكمة بجلسة 30/4/2002، بإلزام الشركة بدفع مبلغ (15000) جنيه، تعويضًا للعامل عن الأضرار المادية والأدبية، ورفض دعوى التعويض الفرعية التي أقامتها الشركة ضده. وقد قضت محكمة استئناف طنطا "مأمورية استئناف بنها"، في الاستئناف رقم 169 لسنة 35 قضائية – المقام من المدعى عليه الأخير - بسقوط الحق في الاستئناف. الأمر الذى تنتفى معه المصلحة الشخصية المباشرة بالنسبة للطعن على هذا النص، مما يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى بالنسبة له. وفى ضوء ذلك، وإذ انتهت المحكمة فيما تقدم إلى القضاء بعدم قبول الدعوى برمتها، فلا تثريب على محكمة الموضوع إن استمرت في نظر الدعوى الموضوعية، وانتهت فيها إلى القضاء المتقدم.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت الشركة المدعية المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

الطعن 20846 لسنة 4 ق جلسة 17 / 1 / 2015 مكتب فني 66 ق 16 ص 164

 جلسة 17 من يناير سنة 2015

برئاسة السيد القاضي / حمدي أبو الخير نائب رئيـس المحكمة وعضوية السادة القضاة / محمود خضر ، بدر خليفة ، الأسمر نظير وخالد جاد نواب رئيس المحكمة .
--------------

 (16)

الطعن رقم 20846 لسنة 4 القضائية

عمل . نقض " ما لا يجوز الطعن فيه من الأحكام " . غرامة .

الطعن بالنقض في الحكم الصادر بإدانة الطاعن بجريمتين معاقب عليهما بالغرامة التي لا تجاوز ألف جنيه تطبيقاً للقانون 12 لسنة 2003 . غير جائز ولو تعددت عقوبة الغرامة بعدد العمال . أساس وعلة ذلك ؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لما كانت الجريمتان اللتان دين الطاعن بهما تطبيقاً لأحكام القانون 12 لسنة 2003 معاقب على كل منهما بالغرامة التي لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تجاوز ألف جنيه ، فإن الطعن بطريق النقض في كلتيهما يكون غير جائز عملاً بالفقرتين الأولى والرابعة من المادة 30 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض المعدلة بالقانون رقم 74 لسنة 2007 والتي قصرت فقرتها الأولى الطعن على الأحكام الصادرة في الجنايات والجنح ، واستثنت في فقرتها الرابعة الجنح المعاقب عليها بالغرامة وحدها التي لا تجاوز عشرين ألف جنيه بما لا يجوز الطعن في الأحكام الصادرة فيها بطريق النقض ، فإنه يتعين التقرير بعدم جواز الطعن ومصادرة الكفالة وتغريم الطاعن مبلغاً مساوياً لها ، ولا يغير من ذلك ما نص عليه المشرع من تعدد عقوبة الغرامة بتعدد العمال إذ إنها جرائم ذات طابع خاص تتميز عن غيرها من الجرائم بأن أوجب الشارع عند تقرير العقوبة فيها أن تتعدد الغرامة بقدر عدد العمال الذين أجحفت الجريمة بحقوقهم وهذا التعدد ليس من شأنه أن يغير من نوع الجريمة واعتبارها من الجنح التي لا يجوز الطعن في الحكم الصادر فيها بطريق النقض.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المحكمـة

من حيث إن الجريمتين اللتين دين الطاعن بهما تطبيقاً لأحكام القانون 12 لسنة 2003 معاقب على كل منهما بالغرامة التي لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تجاوز ألف جنيه ، فإن الطعن بطريق النقض في كلتيهما يكون غير جائز عملاً بالفقرتين الأولى والرابعة من المادة 30 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض المعدلة بالقانون رقم 74 لسنة 2007 والتي قصرت فقرتها الأولى الطعن على الأحكام الصادرة في الجنايات والجنح ، واستثنت في فقرتها الرابعة الجنح المعاقب عليها بالغرامة وحدها التي لا تجاوز عشرين ألف جنيه بما لا يجوز الطعن في الأحكام الصادرة فيها بطريق النقض ، فإنه يتعين التقرير بعدم جواز الطعن ومصادرة الكفالة وتغريم الطاعن مبلغاً مساوياً لها ، ولا يغير من ذلك ما نص عليه المشرع من تعدد عقوبة الغرامة بتعدد العمال إذ إنها جرائم ذات طابع خاص تتميز عن غيرها من الجرائم بأن أوجب الشارع عند تقرير العقوبة فيها أن تتعدد الغرامة بقدر عدد العمال الذين أجحفت الجريمة بحقوقهم وهذا التعدد ليس من شأنه أن يغير من نوع الجريمة واعتبارها من الجنح التي لا يجوز الطعن في الحكم الصادر فيها بطريق النقض.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الطعن 7369 لسنة 79 ق جلسة 10 / 10 / 2015 مكتب فني 66 ق 98 ص 668

 جلسة 10 من أكتوبر سنة 2015

برئاسة السيد القاضي / محمد محمود محاميد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / على سليمان ، محمود عبد الحفيظ ، إبراهيم فـؤاد وحسام الدين لطفي نواب رئيـس الـمحكمة .
------------

(98)

الطعن رقم 7369 لسنة 79 القضائية

(1) بيئة . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .

المادتان 29/1، 88/1 من القانون 4 لسنة 1994 بشأن البيئة . مؤداهما ؟

استناد الحكم لقرار وزير الصحة والسكان رقم 104 لسنة 2003 في إثبات حظر تداول نفايات المستشفيات من عبوات محاليل التغذية والقساطر والدرنقات باعتبارها نفايات خطرة . صحيح .

(2) حكم " بيانات حكم الإدانة " " بيانات التسبيب " " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .

حكم الإدانة . بياناته ؟ المادة 310 إجراءات

عدم رسم القانون شكلاً خاصاً لصياغة الحكم . كفاية أن يكون ما أورده الحكم مؤدياً إلى تفهم الواقعة بأركانها وظروفها .

(3) إثبات "بوجه عام" " أوراق رسمية ". محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل ". نقض " أسباب الطعن. ما لا يقبل منها ".

الأدلة في المواد الجنائية إقناعية . للمحكمة الالتفات عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية . مادام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها .

الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .

(4) عقوبة " تطبيقها " . مصادرة . حكم " تسبيبه . تسبيب معيب ". نقض " حالات الطعن . الخطأ في تطبيق القانون " .

        المصادرة . عقوبة . الحكم بها . شرطه : أن تكون على شيء متحفظ عليه على ذمة الفصل في الدعوى . قضاء الحكم بمصادرة المضبوطات الثابت إعدام النيابة العامة لها . خطأ في تطبيق القانون . يوجب تصحيحه بإلغائها .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 – لما كانت المادة 29/1 من القانون رقم 4 لسنة 1994 بشأن البيئة تنص على أنه : " يحظر تداول المواد والنفايات الخطرة بغير ترخيص من الجهة الإدارية المختصة " ، كما تنص المادة 88/1 من ذات القانون على أنه : " يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات وغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تزيد عن أربعين ألف جنيه كل من خالف أحكام المواد 29 ، 32 ، 47 من هذا القانون " ، وكان الحكم المطعون فيه قد استند إلى قرار وزير الصحة والسكان رقم 104 لسنة 2003 في إثبات حظر تداول نفايات المستشفيات من عبوات محاليل التغذية والقساطر والدرنقات المضبوطة بمصنع الطاعنين المقام بدون ترخيص باعتبارها من النفايات الخطرة ، فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً ، بما يضحى ما يثيره الطاعنان في هذا الصدد غير سديد .

2- لما كانت المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية قد أوجبت في كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً تتحقق به أركان الجريمة التي دان الطاعن بها والظروف التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها منه ، وكان يبيّن مما سطره الحكم أنه بيّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعنين بهما ، وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتّبه الحكم عليها ، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، وكان القانون لم يرسم شكلاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، ومتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون ، ومن ثم فإن النعي على الحكم بالقصور يكون ولا محل له .

3- من المقرر أن الأدلة في المواد الجنائية إقناعيه فللمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ، مادام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها المحكمة مع باقي الأدلة القائمة في الدعوى ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفى سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها ، وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض .

4- لمّا كانت المصادرة عقوبة ، ولا يقضى بها بحسب القاعدة العامة ، إلَّا إذا كان الشيء موضوع المصادرة مازال متحفظاً عليه على ذمة الفصل في الدعوى ، وكان الثابت من المفردات المضمومة أن المضبوطات تم إعدامها بقرار من النيابة العامة ، فإن القضاء بالمصادرة يكون قد وقع على خلاف حكم القانون ، ومن ثم يتعيّن نقض الحكم جزئياً في هذا الخصوص وتصحيحه بإلغاء المصادرة .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم :

1- أقاما وأدارا محلاً صناعياً مصنع لجرش بلاستيك وإعادة تصنيعه قبل الحصول على ترخيص بذلك من الجهة المختصة .

2 - تداولا المواد والنفايات الخطيرة بغير ترخيص من الجهة الإدارية المختصة وعلى النحو المبين بالتحقيقات .

وأحالتهما إلى محكمة جنايات .... لمعاقبتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .

 والمحكمة المذكورة قضت حضورياً بمعاقبتهما بالحبس مع الشغل ثلاث سنوات والغرامة والمصادرة .

فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ .

ومحكمة النقض قضت بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه والإعادة .

ومحكمة الإعادة - بهيئة مغايرة - قضت حضورياً عملاً بالمواد 1/8 ، 19 ، 29 ، 88 ، 101 من القانون رقم 4 لسنة 1994 بشأن إصدار قانون في شأن البيئة ، والمادة 25 من لائحته التنفيذية ، والمواد 1/1 ، 2/1 ، 17/1 ، 18/ 2 ، 3 من القانون رقم 453 لسنة 1954 المعدّل بالقانونين 209 لسنة 1980 ، 177 لسنة 1981 . مع إعمال نص المادتين 17، 32 من قانون العقوبات ، بمعاقبة كلٍ منهما بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة والغرامة والمصادرة .

فطعن المحكوم عليهما - للمرة الثانية - في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المحكمــة

حيث إن الطاعنين ينعيان على الحكم المطعون فيه أنه إذا دانهما بجريمتي تداول نفايات خطرة وإدارة محل صناعي بدون ترخيص قد أخطأ في تطبيق القانون ، وشابه القصور في التسبيب ، والفساد في الاستدلال ، ذلك بأن مكان الضبط مصنع لجرش البلاستيك ، وليس مستشفى أو صيدلية التي عناها المشرع في قرار وزير الصحة رقم 104 لسنة 2003 ، بما لازمه خروج الواقعة عن نطاق التأثيم ، هذا إلى أن الحكم جاء في عبارة عامة معماه خلت من دليل قاطع على الإدانة ، والتفت عن المستندات التي تثبت أن المضبوطات مجرد بلاستيك مجروش ليس من بينه معدات أو سرنجات طبيّة ، وأخيراً فلقد قضى الحكم بمصادرة المضبوطات رغم إعدامها من قبل النيابة العامة ، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .

وحيث إنّ الحكم المطعون فيه قد بيَّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة الأركان القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعنين بهما ، وأورد على ثبوتهما في حقهما أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتّبه عليها . لما كان ذلك ، وكانت المادة 29/1 من القانون رقم 4 لسنة 1994 بشأن البيئة تنص على أنه : " يحظر تداول المواد والنفايات الخطرة بغير ترخيص من الجهة الإدارية المختصة " ، كما تنص المادة 88/1 من ذات القانون على أنه : " يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات وغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تزيد عن أربعين ألف جنيه كل من خالف أحكام المواد 29 ، 32 ، 47 من هذا القانون " ، وكان الحكم المطعون فيه قد استند إلى قرار وزير الصحة والسكان رقم 104 لسنة 2003 في إثبات حظر تداول نفايات المستشفيات من عبوات محاليل التغذية والقساطر والدرنقات المضبوطة بمصنع الطاعنين المقام بدون ترخيص باعتبارها من النفايات الخطرة ، فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً ، بما يضحى ما يثيره الطاعنان في هذا الصدد غير سديد . لما كان ذلك ، وكانت المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية قد أوجبت في كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً تتحقق به أركان الجريمة التي دان الطاعن بها والظروف التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها منه ، وكان يبيّن مما سطره الحكم أنه بيّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعنين بهما ، وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتّبه الحكم عليها ، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، وكان القانون لم يرسم شكلاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، ومتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون ، ومن ثم فإن النعي على الحكم بالقصور يكون ولا محل له . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الأدلة في المواد الجنائية إقناعيه ، فللمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ، مادام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها المحكمة مع باقي الأدلة القائمة في الدعوى ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفى سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها ، وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض . لمّا كان ذلك ، وكانت المصادرة عقوبة ، ولا يقضى بها بحسب القاعدة العامة ، إلَّا إذا كان الشيء موضوع المصادرة مازال متحفظاً عليه على ذمة الفصل في الدعوى ، وكان الثابت من المفردات المضمومة أن المضبوطات تم إعدامها بقرار من النيابة العامة ، فإن القضاء بالمصادرة يكون على خلاف حكم القانون ، ومن ثم يتعيّن نقض الحكم جزئياً في هذا الخصوص وتصحيحه بإلغاء المصادرة ورفض الطعن فيما عدا ذلك .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ