الدعوى رقم 150 لسنة 36 ق "دستورية" جلسة 5 / 12 / 2020
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الخامس من ديسمبر سنة 2020م، الموافق العشرين من ربيع الآخر سنة 1442 ه.
برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمد غنيم والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان والدكتور طارق عبدالجواد شبل وطارق عبد العليم أبو العطا نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 150 لسنة 36 قضائية "دستورية".
المقامة من
حاتم ليثى حسن محمد عبدالهادى
ضد
1- رئيس الجمهورية
2- رئيس مجلس الوزراء
3- وزير العدل
4- محمد عادل صلاح حسن
5- سها عوض محمد عوض
الإجراءات
بتاريخ الثاني من سبتمبر سنة 2014، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية نص الفقرة (ب) من المادة (948) من القانون المدني الصادر بالقانون رقم 131 لسنة 1948.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر جلسة 7/11/2020، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم في الدعوى بجلسة اليوم، مع التصريح للمدعى بتقديم مذكرات في أسبوع، قدم خلاله مذكرة صمم فيها على الطلبات.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن المدعى سبق أن أقام الدعوى رقم 859 لسنة 2010 مدني كلي، أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية (مأمورية حلوان)، ضد المدعى عليهما الرابع والخامسة، طالبًا الحكم بأحقيته في أخذ الحصة المباعة في كامل أرض وبناء العقار المبين الحدود والمعالم بصحيفة الدعوى بالشفعة، لقاء ما أودعه خزينة محكمة جنوب القاهرة الابتدائية من ثمن حقيقي وجميع الملحقات والمصروفات، وتسليمه الحصة المشفوع فيها، وحلوله محل المشترى في حقوقه والتزاماته. وذلك على سند من القول بأن المدعى عليها الخامسة أعلنته بتاريخ 29/6/2010، بموجب إنذار على يد محضر، بشرائها حصة المدعى عليه الرابع، وقدرها ستة قراريط، في كامل أرض وبناء العقار رقم (8) شارع 201 بناحية المعادي، وقد تم تسجيل عقد البيع وشهره تحت رقم 1062 لسنة 2009 شهر عقاري حلوان، بتاريخ 14/12/2009، وذلك دون علمه. ولرغبته في أخذ الحصة المباعة بالشفعة، أودع كامل الثمن والمصروفات خزينة المحكمة، وأقام دعواه بطلباته السالفة البيان. وحال نظر الدعوى، دفعت المدعى عليها الخامسة بسقوط حق المدعى في الأخذ بالشفعة لانقضاء أربعة أشهر من تاريخ تسجيل العقد، عملاً بنص الفقرة (ب) من المادة (948) من القانون المدنى، فدفع المدعى بجلسة 19/2/2014، بعدم دستورية تلك الفقرة، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، أجلت نظر الدعوى لجلسة 7/9/2014، لاتخاذ إجراءات الطعن بعدم الدستورية، فأقام الدعوى المعروضة.
وحيث إن المادة (948) من القانون المدني الصادر بالقانون رقم 131 لسنة 1948 تنص على أنه " يسقط الحق في الأخذ بالشفعة في الأحوال الآتية:
( أ ) إذا نزل الشفيع عن حقه في الأخذ بالشفعة ولو قبل البيع.
(ب) إذا انقضت أربعة أشهر من يوم تسجيل عقد البيع.
(ج) في الأحوال الأخرى التي نص عليها القانون".
وحيث إن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أنه يشترط لقبول الدعوى الدستورية توافر المصلحة فيها، ومناط ذلك أن يكون من شأن الحكم في المسألة الدستورية التأثير فيما أُبدى من طلبات أو دفوع في الدعوى الموضوعية. متى كان ذلك، وكانت رحى النزاع المردد أمام محكمة الموضوع، تدور حول طلب المدعى أخذ الحصة المباعة للمدعى عليها الخامسة في العقار المبين بصحيفة الدعوى بالشفعة، على سند من أنه لم يعلم بواقعة البيع إلا بتاريخ 29/6/2010، من خلال الإنذار الموجه إليه منها، كما دفعت المدعى عليها الخامسة طلبات المدعى بسقوط حقه في الأخذ بالشفعة، بانقضاء أربعة أشهر من يوم تسجيل عقد البيع بتاريخ 14/12/2009، إعمالاً لنص البند (ب) من المادة (948) من القانون المدني، التي أوردت حالات سقوط الحق في الأخذ بالشفعة، ومن ثم فإن الفصل في دستورية هذا البند يرتب أثرًا مباشرًا وانعكاسًا أكيدًا على الطلبات المطروحة على محكمة الموضوع، وقضائها فيها، وتتوافر للمدعى مصلحة شخصية ومباشرة في الطعن عليها. ويتحدد نطاق الدعوى المعروضة فيما نص عليه البند (ب) من المادة (948) من القانون المدني، من سقوط الحق في الأخذ بالشفعة إذا انقضت أربعة أشهر من يوم تسجيل عقد البيع.
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه، افتراضه علم الشفيع بالبيع بمرور أربعة أشهر من يوم تسجيل عقد البيع، ورتب على ذلك سقوط حقه في الأخذ بالشفعة، حال أن إجماع المذاهب الفقهية والأئمة، على وجوب العلم اليقيني وليس الظني، وأن افتراض العلم يفتح الباب للتحايل والغش، بالمخالفة لمبادئ الشريعة الإسلامية، ومن ثم نص المادة (2) من الدستور. فضلاً عن أن المشرع ألزم بموجب المواد (940، 941، 942) من القانون المدني، البائع أو المشترى بإنذار من له حق الأخذ بالشفعة، وحدد له مدة خمسة عشر يومًا لإعلان رغبته في الشراء، وهو ما يوفر علمه اليقينى، في حين أن النص المطعون فيه قد اتخذ من واقعة تسجيل عقد البيع قرينة على العلم بالبيع أو التصرف، وجعل ملاك الأمر في الحالين بيد البائع أو المشترى، بما يخل بالمساواة بين أصحاب المراكز القانونية المتماثلة، من الشفعاء، بالمخالفة لنص المادة (53) من الدستور.
وحيث إنه عن النعى بمخالفة النص المطعون فيه لنص المادة الثانية من الدستور، فمردود بما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن ما تضمنته تلك المادة بعد تعديلها في 22 مايو سنة 1980، يدل على أن الدستور، اعتبارًا من تاريخ العمل بهذا التعديل، قد أتى بقيد على السلطة التشريعية، مؤداه إلزامها فيما تقره من النصوص التشريعية بأن تكون غير مناقضة لمبادئ الشريعة الإسلامية، بعد أن اعتبرها الدستور أصلاً يتعين أن ترد إليه هذه النصوص أو تستمد منه لضمان توافقها مع مقتضاه، ودون ما إخلال بالضوابط الأخرى التي فرضها الدستور على السلطة التشريعية وقيدها بمراعاتها والنزول عليها في ممارستها لاختصاصاتها الدستورية. وكان المقرر كذلك أن كل مصدر تُرد إليه النصوص التشريعية أو تكون نابعة منه، يتعين بالضرورة أن يكون سابقًا في وجوده على هذه النصوص ذاتها، فإن مرجعية مبادئ الشريعة الإسلامية التي أقامها الدستور معيارًا للقياس في مجال الشرعية الدستورية، تفترض لزومًا أن تكون النصوص التشريعية المدعى إخلالها بمبادئ الشريعة الإسلامية - وتراقبها هذه المحكمة - صادرة بعد نشوء قيد المادة الثانية من الدستور، التي تقاس على مقتضاه، بما مؤداه أن الدستور قصد بإقراره هذا القيد، أن يكون مداه من حيث الزمان منصرفًا إلى فئة من النصوص التشريعية دون سواها، هي تلك الصادرة بعد نفاذ التعديل الذي أدخله الدستور على مادته الثانية، بحيث إذا انطوى نص منها على حكم يناقض مبادئ الشريعة الإسلامية، فإنه يكون قد وقع في حومة المخالفة الدستورية. ولما كان هذا القيد هو مناط الرقابة التي تباشرها هذه المحكمة على دستورية القوانين واللوائح، فإن النصوص التشريعية الصادرة قبل نفاذه تظل بمنأى عن الخضوع لحكمه. متى كان ذلك، وكان القانون المدني، المتضمن النص المطعون فيه، قد صدر بالقانون رقم 131 لسنة 1948 قبل نفاذ المادة الثانية من الدستور، بعد تعديلها في 22 مايو سنة 1980، ولم يُدخل المشرع تعديلاً بعد هذا التاريخ على النص المشار إليه، فإن قالة مخالفته حكم المادة الثانية من الدستور - أيًا كان الرأي في مدى تعارضه مع مبادئ الشريعة الإسلامية - يكون في غير محله.
وحيث إنه عن النعي بإخلال النص المطعون فيه بمبدأ المساواة، بالمخالفة لنص المادة (53) من الدستور، فمن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الدستور قد اعتمد بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ المساواة، باعتباره إلى جانب مبدأي العدل وتكافؤ الفرص، أساسًا لبناء المجتمع وصون وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، في الحقوق والحريات والواجبات العامة، دون تمييز بينهم لأى سبب، إلا أن ذلك لا يعنى أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية، ولا ينطوي بالتالي على مخالفة نصى المادتين (4، 53) المشار إليهما. بما مؤداه: أن التمييز المنهى عنه بموجبهما هو ذلك الذي يكون تحكميًّا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها، تعكس مشروعيتها، إطارًا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم.
وحيث إن المساواة تتحقق بتوافر شرطي العمومية والتجريد في التشريعات المنظمة للحقوق، ولكنها ليست مساواة حسابية، ذلك أن المشرع يملك بسلطته التقديرية ولمقتضيات الصالح العام، وضع شروط تتحدد بها المراكز القانونية التي يتساوى بها الأفراد أمام القانون، بحيث إذا توافرت هذه الشروط في طائفة من الأفراد وجب إعمال المساواة بينهم لتماثل ظروفهم ومراكزهم القانونية، وإذا اختلفت هذه الظروف، بأن توافرت الشروط في بعضها دون بعض، انتفى مناط التسوية بينهم، وكان لمن توافرت فيهم الشروط – دون سواهم – أن يمارسوا الحقوق التي كفلها المشرع لهم. ولا يُعد التجاء المشرع إلى أسلوب تحديد شروط موضوعية يقتضيها الصالح العام للتمتع بالحقوق، إخلالاً بشرطي العموم والتجريد في القاعدة القانونية، ذلك أنه يخاطب الكافة من خلال هذه الشروط.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة، قد جرى على أن النصوص القانونية التي ينظم بها المشرع موضوعًا محددًا لا يجوز أن تنفصل عن أهدافها، ذلك أن كل تنظيم تشريعى لا يصدر عن فراغ، ولا يعتبر مقصودًا لذاته، بل مرماه إنفاذ أغراض بعينها يتوخاها، وتعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التي أقام المشرع عليها هذا التنظيم باعتباره أداة تحقيقها، وطريق الوصول إليها.
وحيث إن المشرع أورد إجراءات الأخذ بالشفعة في المواد من (940) إلى (947) من القانون المدني، وأفرد نص المادة (948) منه، لأحوال سقوط الحق في الأخذ بالشفعة، فنصت المادة (940) على أن " على من يريد الأخذ بالشفعة أن يعلن رغبته فيها إلى كل من البائع والمشترى خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ الإنذار الرسمي الذي يوجهه إليه البائع أو المشترى وإلا سقط حقه. ويزاد على تلك المدة ميعاد المسافة إذا اقتضى الأمر ذلك ".
وتنص المادة (941) من القانون ذاته على أن "يشتمل الإنذار الرسمي المنصوص عليه في المادة السابقة على البيانات الآتية وإلا كان باطلاً:
( أ ) بيان العقار الجائز أخذه بالشفعة بيانًا كافيًا.
(ب) بيان الثمن والمصروفات الرسمية وشروط البيع واسم كل من البائع والمشترى ولقبه وصناعته وموطنه".
وتنص المادة (942) من ذلك القانون على أن " 1- إعلان الرغبة في الأخذ بالشفعة يجب أن يكون رسميًّا وإلا كان باطلاً. ولا يكون هذا الإعلان حجة على الغير إلا إذا سجل.
2- وخلال ثلاثين يومًا على الأكثر من تاريخ هذا الإعلان يجب أن يودع خزانة المحكمة الكائن في دائرتها العقار كل الثمن الحقيقي الذي حصل به البيع، مع مراعاة أن يكون هذا الإيداع قبل رفع الدعوى بالشفعة، فإن لم يتم الإيداع في هذا الميعاد على الوجه المتقدم سقط حق الأخذ بالشفعة".
وتنص المادة (948) من القانون ذاته على أن " يسقط الحق في الأخذ بالشفعة في الأحوال الآتية :
( أ ) إذا نزل الشفيع عن حقه في الأخذ بالشفعة ولو قبل البيع.
(ب) إذا انقضت أربعة أشهر من يوم تسجيل عقد البيع.
(ج) في الأحوال الأخرى التي نص عليها القانون".
وحيث إن مؤدى تلك النصوص أن المشرع أوجب - في المادة (940) من القانون المدني - على من يريد الأخذ بالشفعة إعلان رغبته فيها إلى كل من البائع والمشترى خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ الإنذار الرسمي الموجه له من أيهما، وإلا سقط حقه، على اعتبار أن ما ورد بهذا الإنذار يتحقق به علمه اليقيني بواقعة البيع. ونظرًا لأنه قد يتعذر على البائع أو المشترى توجيه إنذار لمن له الحق في الأخذ بالشفعة، إما لعدم العلم المحقق بمن هم الشفعاء، وما إذا كان حقهم في الأخذ بالشفعة ثابتًا لا يتطرق إليه الشك، أو خشية أن يقع الإنذار باطلاً فيظل الحق في الأخذ بالشفعة قائمًا، لا يسقط إلا بمرور مدة التقادم الطويل - حال أنه حق استثنائى يخل بحق المالك في التصرف في ملكه لمن يريد، ويُعد قيدًا على حرية التعاقد، ولهذه الاعتبارات، وتوخيًّا لاستقرار المعاملات العقارية، فقد نص المشرع في البند (ب) من المادة (948) من القانون المدني – النص المطعون فيه - على أن حق الأخذ بالشفعة، يسقط إذا انقضت أربعة أشهر من يوم تسجيل عقد البيع. ولكون العلم بواقعة البيع في هذه الحالة ليس إلا علمًا مفترضًا، فقد منح المشرع من له حق الأخذ بالشفعة مدة أكبر لإعلان رغبته، فجعلها أربعة أشهر من يوم تسجيل العقد، كونه يقوم على العلم بحكم القانون، فإذا أعلن رغبته هذه إلى كل من البائع والمشترى، خلال تلك المدة، فقد حفظ حقه من السقوط، وتعين عليه اتباع باقي الإجراءات المنصوص عليها في المادتين (942، 943) من ذلك القانون، ومنها رفع دعوى الشفعة خلال ثلاثين يومًا من تاريخ إعلان الرغبة، شأنه في ذلك شأن الشفيع الذي أنذره البائع أو المشترى بوقوع البيع. ومسلك المشرع على هذا النحو، يقع في نطاق سلطته التقديرية في تنظيم الحقوق، وجاء تنظيمه لسقوط الحق في الأخذ بالشفعة تنظيمًا متكاملاً، في صورة قاعدة عامة مجردة تنطبق على جميع الشفعاء، ولا يقيم تمييزًا بين مراكز قانونية تتحد العناصر التي تكونها، أو يناقض ما بينها من اتساق، بل يظل المخاطبون بها ملتزمين بقواعد موحدة في مضمونها وأثرها.
وحيث إنه لا ينال مما تقدم، قالة إن ما تضمنه النص المطعون فيه من إقامة قرينة العلم بالبيع، قد جاءت مناقضة لمبدأ المساواة بين البائع والمشترى وباقي الشفعاء في العقار، فذلك مردود بأن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن القرائن القانونية – قطعية كانت أم غير قطعية – هي التي يقيمها المشرع مقدمًا ويعممها بعد أن يصوغها على ضوء ما يكون راجح الوقوع عملاً. ويتوخى المشرع بتقريره لها، إعفاء الخصم من التدليل على واقعة بذاتها، بعد أن أحل غيرها محلها، وأقامها بديلاً عنها، ليتحول الدليل إليها، فإن أثبتها الخصم، اعتبر ذلك إثباتًا للواقعة الأصلية بحكم القانون، فلا تكون القرائن القانونية بذلك إلا إثباتًا غير مباشر، مرتبطًا أصلاً بالمسائل المدنية. ويشترط دائمًا في الواقعة البديلة أن ترشح في الأغلب الأعم من الأحوال لاعتبار الواقعة الأصلية ثابتة بحكم القانون، وأن تربطها بها علاقة منطقية، وإلا غدت القرينة غير مرتكزة على أسس موضوعية، ومجاوزة – تبعًا لذلك - للضوابط التي تحقق اتساقها مع أحكام الدستور.
وحيث كان ذلك، وكان المشرع قد أقام قرينة على علم الشفيع بوقوع البيع في العقار المشفوع فيه، بانقضاء أربعة أشهر من يوم تسجيل عقد البيع، باعتبار أن شهر الحقوق العينية عن طريق تسجيلها إعلامًا للكافة، يكون حجة عليهم، حرصًا على استقرار الملكية العقارية، وعدم شيوع الفوضى بشأنها، وتحقيق الأمن القانوني لكل من يتعامل على العقار، وفقًا للبيانات الثابتة بالشهر العقاري. ذلك أن قانون تنظيم الشهر العقاري – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - يتوخى حمل المتعاملين في الحقوق العينية العقارية الأصلية على تسجيل عقودهم، وجرد البيوع التي لا يتم تسجيلها من كل أثر في مجال نقل الملكية، سواء فيما بين المتعاقدين أو بالنسبة إلى الأغيار. ومن ثم أصبح نقلها فيما بين المتعاقدين متراخيًا إلى ما بعد التسجيل، بعد أن كان نتيجة لازمة للبيوع الصحيحة بمجرد عقدها. وصار الاحتجاج بها في مواجهة الغير - كذلك - متوقفًا على تسجيلها. ذلك أن المشرع لم يسن نظام الشهر العقاري – ومن بعده السجل العيني - إلا ضمانًا للائتمان في مجال التعامل في العقار في شأن حقوق عينية نافذة بطبيعتها في حق الكافة؛ وكان لازمًا بالتالي أن ييسر على من يتعاملون فيها العلم بوجودها، من خلال شهر الأعمال القانونية التي تعتبر مصدرًا لها، إثباتًا لحقائقها وبياناتها الجوهرية، فلا يكون أمرها خافيًا.
متى كان ما تقدم، وكان المشرع بموجب النص المطعون فيه - قد افترض علم من يرغب في الأخذ بالشفعة، بعقد البيع وشروطه، من تاريخ تسجيل العقد؛ لكون هذا التسجيل بمثابة إعلام للكافة بواقعة البيع. وفى الحين ذاته، لم يشأ المشرع مباغتته بتلك القرينة، فمنحه أجلاً لإعلان رغبته، قدره أربعة أشهر من يوم تسجيل العقد، وهي مدة كافية لافتراض العلم في حقه. حال أن نظيره الذي وجه إليه البائع أو المشترى إنذارًا رسميًّا بواقعة البيع، وتوافر له العلم اليقيني بها، أوجب عليه – وفقًا لنص المادة (940) من القانون المدني – إعلان رغبته في الأخذ بالشفعة خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ الإنذار، وإلا سقط حقه. ومن ثم، فالمغايرة الزمانية لإعلان الرغبة في الأخذ بالشفعة بين من افترض المشرع علمه بواقعة البيع، ومن توافر له العلم اليقيني بتلك الواقعة، نابعة من اختلاف المركز القانوني لكليهما، فأفرد المشرع لكل منهما – في إطار سلطته التقديرية في تنظيم الحقوق – أمدًا زمنيًّا لإعلان الرغبة، يتناسب مع وسيلة اتصال علمه بواقعة البيع. وأسس المشرع تلك المغايرة على اعتبارات موضوعية سعى لتحقيقها، حماية لاستقرار الاستثمار العقارى، بتعيين الزمن الذي يسوغ فيه إبداء الرغبة في الأخذ بالشفعة، وعدم تعليقها لأجل غير مسمى، يظل المشترى خلاله مهددًا بفقد ملكيته، وما ينجم عن ذلك من منازعات تهدد الثقة في المعاملات العقارية، واستقرار الائتمان في هذا القطاع المهم، مما ينال من الحماية الدستورية للملكية الخاصة، ويؤثر بالسلب على فرص الاستثمار فيه. ومن ثم، فإن القرينة التي أوردها النص المطعون فيه - بسقوط الحق في الأخذ بالشفعة إذا انقضت أربعة أشهر من يوم تسجيل عقد البيع - توخى بها المشرع تحقيق الصالح العام، دون أن يتضمن ذلك التنظيم إخلالًا بحقوق أصحاب المراكز القانونية المتماثلة، مما يعصم هذا النص من مظنة الخروج على الالتزام الدستورى بمراعاة مبدأ المساواة.
وحيث إن النص المطعون فيه لا يخالف أيًّا من أحكام الدستور الأخرى، فمن ثم يتعين القضاء برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات، ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.