جلسة 9 من ديسمبر سنة 1957
برياسة السيد حسن داود
المستشار، وبحضور السادة: مصطفى كامل، وعثمان رمزي، وابراهيم عثمان يوسف، ومحمود
حلمي خاطر المستشارين.
----------------
(265)
طعن رقم 1244 سنة 27 ق
)أ) سبق إصرار. قتل عمد.
انصراف غرض المتهم إلى
الاعتداء على شخص غير معين وجده أو التقى به مصادفة. كفايته لتوفر ظرف سبق الإصرار.
)ب) اشتراك. فاعل. قتل
عمد.
إطلاق المتهم النار يمينا
وشمالا بقصد تمكين باقي المتهمين من تحقيق الغرض المتفق عليه بينهم وهو القتل وحمايتهم
في مسرح ارتكابها في فترة التنفيذ وتسهيل هربهم. اعتبارهم جميعا فاعلين لجريمة
القتل.
)ج) إثبات. شهادة. حكم
" تسبيب كاف".
عدم إشارة الحكم عند
القضاء بالإدانة إلى شهادة شهود النفي والرد عليها. لا عيب.
----------------
1 - لا يشترط لتوفر ظرف
سبق الاصرار أن يكون غرض المصر هو العدوان على شخص معين بالذات بل يكفي أن يكون
غرضه المصمم عليه منصرفا إلى شخص غير معين وجده أو التقى به مصادفة ومن ثم فان
تصميم المتهمين فيما بينهم قبل ارتكاب الجريمة على الفتك بأي فرد يصادفونه في السوق
من أفراد عائلة غريمهم يتوفر به ظرف سبق الاصرار.
2 - متى كان غرض المتهم
من إطلاق الرصاص من بندقيته يمينا وشمالا هو تمكين باقي المتهمين من تحقيق الغرض
المتفق عليه بينهم وهو القتل وحماية ظهريهما في مسرح الجريمة في فترة التنفيذ
وتسهيل هربهما بعد ذلك وقد انتج التدبير الذى تم بينهم النتيجة التي قصدوا إليها
وهى القتل، فذلك يكفى لاعتبارهم جميعا فاعلين لجريمة القتل عمدا من غير سبق إصرار.
3 - إن المحكمة غير ملزمة
بأن تشير في حكمها إلى شهادة شهود النفي والرد عليها ردا صريحا لأن قضاءها بالإدانة
اعتمادا على عناصر الإثبات التي بينتها يفيد دلالة أنها اطرحت تلك الشهادة ولم
تروجها للأخذ بها.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة كلا
من 1 – أحمد همام فرغلي و2 – أنور همام فرغلي و3 – محمود فراج ابراهيم و4 – همام
فرغلي أبو عبده – بأنهم: المتهمون الثلاثة الأول: قتلوا " محمد عبد
الحافظ" عمدا مع سبق الاصرار على ذلك والترصد بأن بيتوا النية على قتله
وأعدوا لذلك أسلحة نارية وكمنوا له في طريق مروره حتى إذا ما ظفروا به أطلقوا عليه
النار قاصدين قتله فأحدثوا به الإصابات المبينة بالتقرير الطبي الشرعي والتي أودت
بحياته – والمتهم الرابع: اشترك بطريق التحريض مع المتهمين الثلاثة الأول في ارتكاب
الجناية سالفة الذكر وذلك بأن دفعهم إلى ارتكابها وحرضهم على ذلك فوقعت الجريمة
بناء على هذا التحريض. وطلبت من غرفة الاتهام أن تحيلهم إلى محكمة جنايات أسيوط
لمحاكمة الثلاثة الأولين بالمواد 230 و231 و232 من قانون العقوبات والرابع بالمواد
40/ 1 و41/ 1 و230 و231 و232 و235 من قانون العقوبات, فقررت الغرفة بذلك وادعت
روحية حماد محمد زوجة المجنى عليه بحق مدنى قبل المتهمين متضامنين بقرش صاغ واحد
تعويضا مؤقتا. ومحكمة جنايات أسيوط قضت حضوريا وفى غيبة المتهم الرابع – عملا
بالمواد 230 و231 و17 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهمين الثلاثة الأول:
بمعاقبة كل من أحمد همام فرغلي وأنور همام فرغلي بالأشغال الشاقة خمس عشرة سنة
ومعاقبة محمود فراج ابراهيم بالأشغال الشاقة عشر سنوات وإلزامهم بأن يدفعوا
متضامنين للمدعية بالحق المدني روحية حماد قرشا صاغا على سبيل التعويض المؤقت
والمصاريف المدنية وعشرة جنيهات أتعابا للمحاماة – ثانيا – ببراءة همام فرغلي أبو
عبده مما أسند إليه ورفض الدعوى المدنية قبله. فطعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق
النقض... الخ.
المحكمة
وحيث إن مبنى وجهى الطعن
هو أن دفاع الطاعنين أمام محكمة الجنايات قام على أن أقوال شهود الاثبات مشكوك في صحتها
إذ لا يعقل أن يقدم الطاعنون على قتل المجنى عليه في وضح النهار وفى وسط سوق عام
مجاور لنقطة البوليس مع أن منازلهم تحيط بمحل الحادث فكان في وسعهم إطلاق الأعيرة
النارية من داخلها دون أن يراهم أحد وهو ما شهد به العسكري حمدان الذى قرر أن
الأعيرة النارية أطلقت من داخل المنازل وأيده تقرير الطبيب الشرعي الذى أثبت أن
إصابة الجذع في جسم المجنى عليه " محمد عبد الحافظ" حدثت من أسفل لأعلى
وليس على مستوى واحد وحدثت مثل هذه الإصابة بجسم القتيل الثاني عبد الشافي عبد
العال وجسم حمارة بائع البصل " محمود عثمان" كذلك أثار الدفاع أن طبيعة
محل الحادث لا تسمح بارتكاب الجريمة على النحو الذى رواه الشهود لأن السوق المقول
بأن الطاعنين اختاروها لارتكاب الجريمة من الضيق بحيث لا تتسع لهم ولروادها غير أن
المحكمة بالرغم من أهمية هذا الدفاع ضربت عنه صفحا ولم ترد عليه. هذا إلى أن
الدفاع عن الطاعنين أثار أيضا أن الباعث المقول بأنه دفع إلى ارتكاب الجريمة لا
يدعو لارتكابها لأن الاهانة المزعومة التي قيل أنها وجهت إلى والد الطاعنين
الأولين لم تصدر من المجنى عليه بل صدرت من شخصين آخرين من عائلته مازالا على قيد
الحياة وردت المحكمة على هذا الدفاع ردا غير سديد لا يستند إلى العرف والتقاليد
المرعية في بلاد الصعيد. يضاف إلى ذلك أن التقارير الطبية الشرعية تتعارض مع تصوير
الشهود للواقعة فالثابت من هذه التقارير ومن مناقشة الطبيب الشرعي بالجلسة أن
إصابات المجنى عليه لا تتفق مع ما قرره شهود الاثبات لا من حيث اتجاه المقذوف الناري
ومستواه في إصابة الجذع ولا من حيث اتجاهه بالنسبة لإصابة الفخذ، ولا تتفق مع
قولهم بإمكان سير المجنى عليه بعد حدوث إصابة الفخذ، وقد ردد الطبيب المذكور أكثر
من مرة قوله بعدم إمكان حصول الحادث على النحو الذى صوره الشهود ولكن المحكمة
انتهت إلى عدم وجود تعارض واعتمدت في رأيها هذا على أسباب متناقضة لا تتفق مع ما
قال به الطبيب الشرعي.
وحيث إن الحكم المطعون
فيه بين واقعة الدعوى بما محصله " إن مشادة وقعت بمنزل العمدة بتاريخ 8 من
يناير سنة 1952 بين على حنفي وصدقي عثمان من جهة وبين همام فرغلي أبو عبده والد الطاعنين
الأولين بسبب المطالبة بدين على الأول لعبد الحليم السنباطي صهر الأخير وفى هذه
المشادة دفع صدقي عثمان بيده والد الطاعنين المذكورين – فسقط طربوشه على الأرض
وعندئذ تدخل العمدة إلى أن هدأت الحالة وانطلق كل إلى حال سبيله" بيد أن ما
وقع لهمام المتهم الرابع من إهانة وهو كبير قومه أثار نفوس شباب عائلته ولم يشأ
المتهمون الثلاثة الأول (الطاعنون) وهم ولدا همام وزوج ابنته السكوت على ما لحق
الوالد من إهانة ورأوا الانتقام لذلك من أي فرد من أفراد عائلة صدقي عثمان وأخذوا
يعدون العدة وكان مما فكروا فيه أن اختاروا الساحة التي يعقد فيها سوق القرية
مسرحا للجريمة ليقينهم أنها لن تخلو من أفراد العائلة الذين يترددون عليها لقضاء
حاجياتهم وفى يوم الخميس 10 من يناير سنة 1952 وهو اليوم الذى ينعقد فيه السوق ذهب
المتهمون الثلاثة الأول مسلحين يحمل كل من الأول والثالث بندقية كما تسلح الثاني
بغدارة وحدث أن ذهب في هذا الوقت إلى السوق محمد عبد الحافظ وأحمد خليفه وعبد
الحليم على سيد وسامى على عبد اللطيف واجتمعوا هناك أمام باعة البصل حيث وقفوا
لشراء حاجياتهم منه وفى هذه الأثناء وصل المتهمون أحمد وأنور ومحمود الذين ما أن
شاهدوا محمد عبد الحافظ الذى يمت بصلة قرابة وثيقة لعلى حنفي وصدقي عثمان حتى
فكروا في الانتقام في شخصه تنفيذا لما عقدوا العزم عليه ما دام أنه أحد أفراد تلك
العائلة وكان أحمد همام يتقدم زميليه فأطلق عيارا نحو المجنى عليه محمد عبد الحافظ
أصابه في جذعه بعد أن كان هذا الأخير قد تنبه وحاول الهرب ثم عاجله أنور همام
بعيار آخر من غدارته بعد أن جرى المجنى عليه مسافة وصل بعدها أمام منزل القمص
غبريال بشاي ثم سقط صريعا وأخذ المتهم الثالث يطلق الرصاص من سلاحه يمينا وشمالا
إرهابا حتى لا يسعى أحد ممن في السوق إلى ضبطهم ولما رأى أحمد خليفه ذلك لاذ
بالفرار وتبعه عبد الحليم على سيد ثم ذهب الاثنان معا إلى عمدة البلدة وأفضى
أولهما إليه بنبأ الحادث وأسماء المتهمين وقدم له بلاغا بذلك وقام العمدة بدوره بإبلاغ
مخفر بوليس صدفا وقام مأمور المركز بضبط الواقعة ثم تولت النيابة التحقيق وبالبحث
عن المتهمين الثلاثة الأول فور الحادث لم يعثر على أي منهم وسئل منهم المتهم
الرابع الذى وجد في داره فذكر أن ولديه أحمد وأنور خرجا من المنزل في صباح يوم
الحادث ولم يعودا ولا يعرف أين ذهبا وقد ضبط المتهمون الثلاثة بعد ذلك وبعد وقوع
الحادث بأيام عديدة وأنكروا التهمة وأورد الحكم على وقوع الواقعة على هذه الصورة
أدلة مستخلصة من أقوال أحمد خليفة مصطفى في التحقيق وأقوال عبد الحليم على سيد
وسامى على عبد اللطيف في التحقيقات وفى جلسة المحاكمة بمشاهدة الطاعنين الثلاثة
مقبلين إلى مكان الحادث حاملين الأسلحة النارية وبرؤيتهم الطاعنين الأول والثاني
يطلقان النار على المجنى عليه ومن أقوال على حنفي على والعمدة فوزى عبد العال ومن
المعاينة والتقارير الطبية ومناقشة الطبيب الشرعي بالجلسة وهى أدلة سائغة من شأنها
أن تؤدى إلى النتيجة التي رتبها الحكم عليها. وعرض الحكم لما يثيره الدفاع في شأن
وجود خلاف بين تصوير شهود الإثبات للواقعة وبين ما أثبتته التقارير الطبية ورد
عليه بقوله " أما عن الطبيب الشرعي وما استمده من الكشف على المجنى عليه ومن
الصفة التشريحية فإنه يلاحظ عليه الحقائق الآتية أولا: لم ينف الطبيب الشرعي
احتمال حدوث إصابة الجذع والضارب إلى الخلف قليلا من المجنى عليه بما يتفق ورواية
الشهود عن موقف المتهم الأول وقت إطلاق العيار الذى أحدث هذه الإصابة كما فسر
اتجاه العيار في هذه الإصابة من أسفل إلى أعلى قليلا بقوله في الجلسة إنه ليس في ذلك
ما يتعارض ووقوف الاثنين – الضارب والمضروب – في مستوى واحد وقال إن الأمر يتوقف
على حركة كل منهما لحظة الإصابة وطول قامة كل منهما ويتعذر نفى احتمال أن يكون
العيار يميل من أسفل لأعلى قليلا". ثانيا – عن القول بعدم قدرة المجني عليه
على السير بعد إصابته في الفخذ لحدوث كسور تفتتية في عظامه فإنه أيضا لا يتعارض
وما ذكره الشهود في مراحل التحقيق الأخيرة وما استقر عليه الشاهدان عبد الحليم على
وسامى عبد اللطيف في الجلسة عن المجنى عليه وكيف أنه جرى بعد أن أطلق عليه العيار
الأول الذى أصاب الجذع بل أنه بدأ يتحرك من قبل أن يصيبه هذا العيار وبعد أن سمع
المتهم الأول وهو يقول (اخلى يا واد) وأن المتهم الثاني تعقبه حتى وصل إلى المكان
الذى سقط فيه وعندها عاجله بالمقذوف الذى أصاب الفخذ وأن تردد الشهود ترددا طفيفا
في أول الأمر في بيان ما إذا كان إطلاق المتهم الثاني للعيار قد حدث قبل الجري أو
بعده يعزى إلى حالة الاضطراب التي أصابتهم وهم يشاهدون الموت ينبعث من فوهات أسلحة
المتهمين مما دفعهم هم أيضا إلى المبادرة بالهرب حتى أن أولهم لم ينتظر ليرى ما
أحدثه العيار الثاني. وهذا أيضا ما يقال عن اتجاه عيار الجذع وأنه من اليمين إلى
اليسار وليس من اليسار إلى اليمين كما ذكر أحد الشهود وهو عبد الحليم سيد في المرحلة
الثالثة من التحقيق عند إعادة سؤاله بعد أن انقضى على الحادث عشرة شهور قد يعوق
عليه بعدها استخلاص الوقائع كما وقعت. ثالثا – عن إصابة الفخذ وأن محدثها كان أمام
المجني عليه وليس خلفه فإنه فضلا عن إمكان حدوث ذلك والمجنى عليه يتحرك ويدور
وينتفض بعد أن أصيب من العيار الأول في صدره وجرى فقد علله اليوم الشاهد سامى عبد
اللطيف وهو الذى انتظر حتى رأى العيار الثاني يستقر في جسم المجنى عليه بأن هذا
المقذوف لم يصبه إلا بعد أن جرى هذا الأخير ثم سقط أمام منزل القمص غبريال بشاي
ميخائيل وهو وإن لم يذكر ذلك في بعض أدوار التحقيق فإن العلة في ذلك كما سلف
البيان هو ذلك الاضطراب الذى لا يجوز معه افتراض إلمام الشاهد بكل صغيرة أو جزئية
من جزئيات هذه الواقعة وفى وقت كان فيه الجميع في كر وفر" ثم استطرد الحكم
يقول تعقيبا على البيان المتقدم " إنه يستفاد من كل ذلك أن هذه الثغرات
الطفيفة التي بانت عند مناقشة الشهود وتعلق بها المتهمون للنيل من شهادتهم لا يمكن
أن تؤثر بحال على تلك الوقائع الأساسية في الواقعة والتي اتفقت كلمتهم في بيانها
بعد أن رأوا الحادث في ضوء النهار ومن مسافة بعيدة لا يجوز بعدها القول بعدم إمكان
المعرفة........." ولما كان الواضح من هذا الذى قرره الحكم أن المحكمة كانت
عند قضائها بإدانة الطاعنين بينة من أمر الخلاف الظاهري بين أقوال الشهود وبين
التقارير الطبية ومتنبهة له فمحصته وفحصته واقتنعت بعدم وجوده في الواقع وبررت
اقتناعها باعتبارات سائغة تكفى للأخذ بهذين الدليلين معا دون أن يكون بينهما تعارض
حقيقي قائم. لما كان الأمر كذلك وكان للمحكمة في سبيل تكوين عقيدتها أن تأخذ بقول
للشاهد أبداه في إحدى مراحل التحقيق والمحاكمة وأن تعرض عن قول آخر مخالف له أبداه
في مرحلة أخرى إذ العبرة هي بما تقتنع به وتطمئن إلى صحته وكانت المحكمة قد تحدثت
عن الباعث على ارتكاب الجريمة واقتنعت بأنه كان كافيا في تقدير الطاعنين لأقدامهم
على ارتكابها وكانت البواعث مع ذلك مهما قل شأنها أو أخطأ الحكم في بيانها أو
أغفلها لا تأثير لها قانونا في كيان الجريمة ولا في سلامة الحكم وكان من المقرر أن
المحكمة لا تلزم بالرد صراحة على كل ما يثيره المتهم من أوجه دفاع موضوعية إذ يكفى
أن يكون الرد عليه مستفادا من قضائها بالإدانة استنادا إلى أدلة الثبوت التي
أوردتها – لما كان ذلك فإن ما يثيره الطاعنون فيما تقدم لا يكون له أساس.
(التقرير المؤرخ 27 من
نوفمبر سنة 1956 المقدم من الطاعن الثالث)
وحيث أن مبنى الطعن الذى
يضيفه الطاعن الثالث هو أن الحكم المطعون فيه استند في ثبوت توافر ظرف سبق الاصرار
إلى أن الطاعنين فكروا في الانتقام من المجنى عليه بمجرد أن شاهدوه مما يفيد أن
الجريمة لم تقع عن اصرار سابق وانما وقعت لساعتها أثناء مشاجرة وينبني على ذلك عدم
مساءلة الطاعن عن جناية القتل لا بوصفه فاعلا ولا شريكا لأنه أطلق الأعيرة النارية
بقصد تفريق المتشاجرين شأنه في ذلك شأن رجال البوليس عندما يطلقون أعيرة لفض
مشاجرة هذا فضلا عن تناقض أسباب الحكم واختلاف أقوال الشهود في نقط جوهرية
وتعارضها مع ما ورد بالتحقيقات مما يستوجب ضم المفردات للتحقق من ذلك, يضاف إلى ما
تقدم أن المحكمة أخذت بتقارير الطبيب الشرعي وبأقواله في الجلسة وهى تكذب رواية
الشهود تكذيبا قاطعا إذ جاء بتقريره المؤرخ في 26 من يناير سنة 1952 أن اصابة
المجنى عليه لا تتفق مع ما قيل عن كيفية حدوثها ولا مع ما قيل من أن المجنى عليه
سار عقب الاصابة خمسة عشر مترا ولأن الاصابة من بندقية حربية وليس من مسدس كما قرر
الشاهد، هذا عدا التناقض بين تقرير الطبيب الشرعي وبين أقواله في الجلسة إذ ذكر في
التقرير أن تهشم عظام الفخذ يمنع المجنى عليه من السير بينما قرر بالجلسة أن هذا
التهشم لا يعوقه عن السير مع أن المجنى عليه أصيب أيضا بكسور في الاضلاع وأصيب في الكبد
وفى القلب فكان يتعين على المحكمة أن تندب كبير الأطباء الشرعيين لتستعين برأيه
على الوصول إلى الحقيقة يضاف إلى ذلك كله أن المحكمة لم تشر إلى شهادة شهود النفي
الذين استشهد بهم الطاعن خلافا لما فعلت بالنسبة لشهود نفى الطاعنين الأول والثاني
وحيث إنه لا وجه لما
يثيره الطاعن الثالث فيما تقدم فقد عرض الحكم المطعون فيه لظرف سبق الاصرار
واستظهره واستدل على توافره في حق الطاعنين الثلاثة استدلالا سائغا يتحقق به قيام
هذا الظرف كما هو معرف به في القانون إذ ما دام قد أثبت عليهم أنهم صمموا فيما
بينهم قبل ارتكاب الجريمة على الفتك بأي فرد يصادفونه في السوق من أفراد عائلة
غريمهم صدقي عثمان انتقاما لكبيرهم المتهم الرابع فذلك يكفى ولا يشترط لتوفر هذا
الظرف أن يكون غرض المصر هو العد وأن على شخص معين بالذات بل يكفى أن يكون غرضه
المصمم عليه منصرفا إلى شخص غير معين وجده أو التقى به مصادفة، على أنه على فرض
عدم توفر هذا الظرف فانه لا جدوى مما يثيره الطاعن في هذا الصدد إذ ما دام الحكم
المطعون فيه فد أثبت عليه أنه اتفق مع الطاعنين الأول والثاني على ارتكاب جريمة
القتل العمد وأعدوا لذلك عدتهم وتسلح كل منهم بسلاح ناري وتوجهوا إلى السوق التي
اختاروها مسرحا للجريمة فلما وجدوا فيها المجنى عليه أطلق عليه كل من الطاعنين
الأول والثاني عيارا ناريا أصابه فسقط صريعا ثم جعل الطاعن الثالث يطلق الرصاص من
بندقيته يمينا وشمالا لإرهاب من في السوق وحتى يتمكنوا جميعا من الفرار مما مفاده
أن الدور الذى عهد به إليه وساهم به في تنفيذ الجريمة هو تمكين الطاعنين المذكورين
من تحقيق الغرض المتفق عليه بينهم وهو القتل وحماية ظهريهما في مسرح الجريمة في فترة
التنفيذ وتسهيل هربهما بعد ذلك وقد أنتج التدبير الذى تم بينهم النتيجة التي قصدوا
إليها وهى القتل فذلك يكفى لاعتبارهم جميعا فاعلين لجريمة القتل عمدا من غير سبق
اصرار المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 234 من قانون العقوبات. لما كان
ذلك وكانت العقوبة التي أنزلتها المحكمة بالطاعن الثالث وهي الأشغال الشاقة لمدة
عشر سنوات تدخل في نطاق العقوبة المقررة لهذه الجريمة الأخيرة وكان التناقض في أقوال
الشهود أو التعارض بين أقوال بعضهم. وأقوال البعض الآخر بفرض قيامه لا يعيب الحكم
ما دام ما أورده من أدلة وتقريرات مستمدا من أصول ثابتة بالأوراق ولا تناقض فيه
كما هو الحال في الدعوى وكان ما ينعاه الطاعن من وجود تعارض بين الأدلة القولية
والأدلة الفنية التي استند الحكم اليها قد سبق الرد عليه في التقرير الأول وكان لا
يبين من محضر جلسة المحاكمة أن الدفاع عن الطاعن طلب إلى المحكمة ندب كبير الأطباء
الشرعيين فليس له أن ينعى عليها عدم اجابة هذا الطلب – لما كان ذلك وكان الطاعن لم
يبين في طعنه على وجه التحديد موضع الخطأ في الاسناد الذى يدعيه ولا صلته بأدلة
الاثبات التي اعتمد عليها الحكم أو بالعقيدة التي كونتها المحكمة عند قضائها بإدانته،
فلا يلتفت إلى ما ينعاه في هذا الخصوص، وكانت المحكمة غير ملزمة بأن تشير في حكمها
إلى شهادة شهود النفي والرد عليها ردا صريحا، لأن قضاءها بالإدانة اعتمادا على
عناصر الاثبات التي بينتها يفيد دلالة انها اطرحت تلك الشهادة ولم تروجها للأخذ
بها، ولما كان كل ذلك فان ما يثيره الطاعن الثالث في التقرير المتقدم لا يكون له
محل.
وحيث إنه لذلك يكون الطعن
برمته على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.