جلسة 21 مايو سنة 1936
برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وبحضور حضرات: مراد وهبة بك ومحمد
فهمى حسين بك وحامد فهمى بك وعلى حيدر حجازى بك المستشارين.
------------------
(369)
القضية
رقم 10 سنة 6 القضائية
(أ) تسجيل.
قانون التسجيل. عدم سريانه على المحرّرات الثابت تاريخها رسميا قبل
أوّل يناير سنة 1924.
(ب) تسجيل.
قانون التسجيل. محل تطبيقه.
(حـ) تسجيل.
صاحب اختصاص. متى يجوز له الاحتجاج بسبق تسجيل اختصاصه. وجوب توفر
حسن النية. (المادة 270 مدنى)
(د) اختصاص.
اختصاص الدائن بعقارات مدينه لحصوله على دينه. متى يعتبر أمر
الاختصاص سندا ثابتا صحيحا؟ (المادتان 595 مدنى و681 مرافعات)
------------------
1 - إن المادة 14 من قانون التسجيل قد نصت على عدم سريانه على
المحرّرات التي ثبت تاريخها رسميا قبل تاريخ العمل به (وهو أوّل يناير سنة 1924)،
بل هذه المحرّرات تبقى خاضعة من حيث الآثار التي تترتب عليها لأحكام القوانين التي
كانت سارية عليها.
2 - قانون التسجيل هو قانون خاص بتعديل نصوص القانون المدني فيما
يتعلق بتسجيل العقود الصادرة على الملكية والحقوق العينية الأخرى غير الرهون
والامتيازات والاختصاصات. يدل على ذلك عنوانه، ويدل عليه كذلك ما جاء في المادة
الأولى مؤكدا لمضمون هذا العنوان من وجوب مراعاة النصوص المعمول بها الآن في مواد
الامتياز والرهن العقاري والاختصاصات العقارية.
3 - لا يجوز لصاحب اختصاص الاحتجاج بسبق تسجيل اختصاصه إلا إذا كان
حسن النية كما هو مقتضى المادة 270 من القانون المدني.
4 - إن نصوص القانونين المدني والمرافعات المتعلقة باختصاص الدائن
بعقارات مدينه لحصوله على دينه فيها إشارات كافية توجب على طالب الاختصاص أن يكون
حسن النية صادقا فيما يجب ذكره من البيانات خاصا به هو ومدينه ودينه وعقارات مدينه
وقيمتها، حتى يكون رئيس المحكمة على بينة فيأمر بالاختصاص أو يرفضه ويكون له هو أن
يعارض في الأمر ويختصم مدينه. فالدائن الذى أخفى عن رئيس المحكمة أن بعض العقار
الذى أراد الاختصاص به قد باعه مدينه من قبل بعقد عرفي ثابت تاريخه رسميا قبل
قانون التسجيل وقبل نشوء حقه في الدين، وذكر في عريضته أن هذا العقار هو ملك مدينه
ولا يزال على ملكه فصدر له أمر الاختصاص وما كان ليصدر لو صدق وذكر عن أوصاف العقار
ما يجب عليه ذكره صدقا - هذا الدائن يعتبر أنه قد عمل عملا إيجابيا منطويا على سوء
النية يجعل الاختصاص الذى صدر له منطويا على سوء النية فلا يمكن اعتباره سندا
ثابتا صحيحا ولا اعتبار تسجيله مفيدا لحكمه قانونا في حق المشترين من المدين.
الوقائع
تتلخص وقائع الدعوى - على ما جاء بالحكم المطعون فيه - في أن
الطاعنين رفعوا على الخواجة روفان صيدناوي دعوى أمام محكمة إسكندرية الابتدائية
قيدت بجدولها برقم 33 سنة 1935 قالوا في صحيفة افتتاحها إنه بالنسبة لمديونية إسماعيل
عبد الرحمن ربيع للخواجة روفان صيدناوي في مبلغ 484 جنيها و490 مليما قد شرع هذا
الأخير في نزع ملكية 3 فدادين و20 قيراطا و16 سهما مبينة الحدود والمعالم بصحيفة
الدعوى باعتبارها ملك مدينه المذكور مع أن منها فدانين و3 قراريط قد تملكوها
بالشراء بعقد عرفي ثابت تاريخه رسميا في 2 يونيه سنة 1921 ومسجل في 16 أغسطس سنة
1933 وطلبوا الحكم بثبوت ملكيتهم للفدانين والثلاثة قراريط المبينة الحدود بصحيفة
الدعوى ومحو كافة التسجيلات المتوقعة عليها وإلزام المدّعى عليه الأوّل روفان صيدناوي
بالمصاريف وأتعاب المحاماة.
فأجاب المدّعى عليه
الأوّل بأن دينه الذى بموجبه يسير في إجراءات نزع الملكية قد نشأ عن عقد إيجار
انتهت مدّته في أكتوبر سنة 1927 وقد حكم له به على مدينه في 10 فبراير سنة 1931
وأخذ بحكمه هذا اختصاصا على عقارات مدينه وسجله في 15 أغسطس سنة 1933 وأن وقوع هذا
التسجيل سابقا لتسجيل عقد شراء المدّعين يبرر ما سار به من إجراءات نزع الملكية.
وبتاريخ 14 يناير سنة 1935 حكمت المحكمة الابتدائية حضوريا للمدّعى عليه الأوّل وفي
غيبة المدّعى عليه الثاني بثبوت ملكية المدّعين للفدانين والثلاثة القراريط
المبينة الحدود والمعالم بعريضة الدعوى ومحو كافة التسجيلات المتوقعة عليها وألزمت
المدّعى عليه الأوّل بالمصاريف ومائة قرش أتعاب محاماة، بانية حكمها هذا على أن
عقد الشراء يعتبر بحكم قانون التسجيل الجديد ناقلا للملك ابتداء من تاريخ صدوره
لثبوت تاريخه قبل سنة 1924 تاريخ بدء العمل بهذا القانون، وعلى أن هذا العقد صادر
قبل نشوء دين المدّعى عليه الأوّل فليس ثمة مظنة تواطؤ أو تدليس بحقوقه، وعلى أنه
لا وجه لهذا المدّعى عليه في الاحتجاج بأسبقية تاريخ تسجيل اختصاصه على تاريخ
تسجيل عقد شراء المدّعين لأنه تبين لها من الاطلاع على الحكم الصادر من محكمة كوم
حمادة بتاريخ 12 يوليه سنة 1932 في القضية رقم 932 سنة 1934 المرفوعة عليه هو
والمدين من المدّعين أنه حكم فيها بأحقية المدّعين لزراعة القمح الناتجة من العين
وأن عقد البيع هذا كان قد تقدّم فيها واطلع عليه، ولهذا فلا يستفيد المدّعى عليه
الأوّل من اختصاصه الذى حصل عليه بتاريخ لاحق. استأنف المدّعى عليه الأوّل روفان صيدناوي
هذا الحكم أمام محكمة استئناف مصر بتاريخ 20 و23 أبريل سنة 1935 طالبا إلغاءه ورفض
دعوى المستأنف عليهم الستة الأوّلين (أي الطاعنين) وإلزامهم بالمصاريف وأتعاب
المحاماة. وقيد هذا الاستئناف برقم 529 سنة 52 قضائية. وبجلسة المرافعة الأخيرة
أصر الحاضر عن المستأنف على هذه الطلبات وارتكن على مذكرته. والحاضر عن أولئك
المستأنف عليهم طلب تأييد الحكم المستأنف مرتكناً على مذكرته، ولم يحضر المستأنف
عليه الأخير مع إعلانه قانونا بحكم ثبوت الغيبة. وبتاريخ 12 نوفمبر سنة 1935 حكمت
محكمة الاستئناف بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف ورفض
دعوى المستأنف ضدّهم الستة الأوّلين وإلزامهم بالمصاريف عن الدرجتين وخمسمائة قرش
أتعاب محاماة. لم يعلن هذا الحكم. فطعن فيه الطاعنون في 8 يناير سنة 1936 بتقرير
أعلن إلى المدّعى عليه في 19 من الشهر المذكور، وقدّم الطاعنون لقلم الكتاب في 23
منه مذكرة بشرح الأسباب وحافظة مستندات، ولم يقدّم المدّعى عليه في الطعن شيئا،
وقدّمت النيابة مذكرة برأيها في الطعن بتاريخ 28 أبريل سنة 1936.
وبجلسة اليوم المحدّدة
لنظر القضية سمعت الدعوى على ما هو مبين في محضر الجلسة. وبعد المداولة صدر الحكم الآتي:
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة الشفوية والمداولة قانونا.
من حيث إن الطعن رفع
صحيحا في الميعاد عن حكم قابل له فهو مقبول شكلا.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن
محكمة الاستئناف - حين قضت بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض دعوى الطاعنين معتمدة على
قانون التسجيل فيما جاء به من أن العبرة في التفاضل بين العقود إنما هي بمجرّد
الأسبقية في التسجيل - قد خالفت المادة الرابعة عشرة من هذا القانون فيما نصت عليه
من عدم سريانه على المحرّرات التي ثبت تاريخها رسميا قبل بدء العمل به. ثم أخطأت
تلك المحكمة في عدم تطبيق الفقرة الأولى من المادة 266 والمادة 606 من القانون المدني
المنطبقتين على صورة الدعوى، لأن المادة الأولى تنص على أن مجرّد العقد الصحيح
ينقل ملكية المبيع إلى المشترى بالنسبة للعاقدين ولمن ينوب عنهما من وارث أو دائن،
ولأن المادة الثانية كانت تنص على أن الملكية والحقوق العينية تثبت في حق مالكها
السابق بعقد انتقال الملكية أو بأي شيء يترتب عليه هذا الانتقال قانونا. ويقول
الطاعنون إنهم أصبحوا على مقتضى هذه المواد مالكين للعين المبيعة من يوم صدور عقد
شرائهم بالنسبة للبائع لهم ولجميع مداينيه، وبخاصة أولئك الذين لم تنشأ حقوقهم إلا
بعد عقد الشراء المتقدّم الذكر.
وحيث إن محكمة الاستئناف
استهلت حكمها المطعون فيه بقولها إن النزاع في هذه القضية مداره على ما إذا كان
عقد البيع الثابت تاريخه رسميا في 2 يونيه سنة 1921 يفضل الاختصاص الذى حصل عليه
المستأنف بتاريخ 15 أغسطس سنة 1933 في حين أن العقد لم يسجل إلا في 16 أغسطس سنة
1933. ثم قالت: وحيث إن محكمة الدرجة الأولى ذهبت إلى تفضيل عقد المستأنف ضدّهم
استنادا إلى أن المستأنف كان يعلم قبل حصوله على الاختصاص بصدور ذلك العقد إليهم
وإلى أن مجرّد علمه بصدور العقد يحرمه من الاستفادة من سبق تسجيل اختصاصه لتاريخ
تسجيل العقد المذكور. وقد أخذت المحكمة في ذلك بظاهر نص المادة 270 من القانون المدني
التي تقضي بأن لا تنتقل ملكية العقار بالنسبة لغير المتعاقدين من ذوى الفائدة فيه
إلا بتسجيل عقد البيع متى كانت حقوقهم مبنية على سبب صحيح محفوظة قانونا وكانوا لا
يعلمون ما يضر بها. وحيث إن عبارة (لا يعلمون ما يضر بها) الواردة بالمادة
المذكورة منقولة عن الأصل الفرنسي لعبارة (qui sont de bonne foi) الواردة بالنسخة
الفرنسية، فليس المقصود بها مجرّد العلم وإنما حسن النية. ومن البديهي أن مجرّد
العلم لا يستلزم وجود سوء النية. وحيث إنه وإن قرّر المستأنف أنه كان يعلم بسبق
تصرف مدينه في العين التي أخذ هو عليها اختصاصه فانهم لم يقدّموا شيئا غير ذلك
ليدللوا به على سوء نيته. وزيادة على ذلك فلا محل هنا للقول بسوء نية المستأنف
لأنه إنما كان في حصوله على الاختصاص بعقارات مدينه وهو والد المستأنف عليهم ساعيا
للحصول على حقوقه، ولا يمكن أن يسند إليه في هذا الإجراء مظنة سوء النية أو
التدليس كما يحتمل وجوده في حالة شخص آخر اكتسب حقه السابق في التسجيل من نفس
البائع. وحيث إن إثبات تاريخ عقد البيع الذى يتمسك به المستأنف ضدّهم الستة
الأوّلون قبل صدور قانون التسجيل الجديد لا ينقل الملكية إلا فيما بين المتعاقدين
وليس له أثر بالنسبة للغير. وحيث إنه فضلا عما تقدّم فان قانون التسجيل رقم 18
لسنة 1923 قضى على نظرية علم المشترى الثاني بالبيع الأوّل أو سوء نيته وجعل
العبرة كلها بالتسجيل دون سواه. فما دام أن عقد المستأنف ضدّهم الستة الأوّلين لم
ينقل الملكية إليهم بالنسبة للغير فلا أثر له على حقوق المستأنف التي اكتسبها
بتسجيل اختصاصه قبل تسجيل ذلك العقد.
وحيث إن الطاعنين على حق
فيما أبدوه من عدم وجوب الأخذ في قضيتهم بما فسرت به المادة الأولى من قانون
التسجيل من أن العبرة في المفاضلة بين العقود الصادرة بين الأحياء على حق الملكية
إنما هي بالتسجيل وحده، وأن لا محل مطلقا للاحتجاج على صاحب العقد المسجل الذى
انتقلت إليه الملكية فعلا بتسجيله لا بسوء نية المتصرف ولا بالتواطؤ (الذى ليس
شيئا آخر سوى سوء النية لدى المتصرف والمتصرف إليه الثاني معا حكم النقض في 12
ديسمبر سنة 1935 في الطعن رقم 35 سنة 5 قضائية). إن الطاعنين لعلى حق فيما أبدوه
من ذلك لأن عقد شرائهم قد ثبت تاريخه رسميا في 2 يوليه سنة 1921، ولأن المادة 14
من قانون التسجيل قد نصت على عدم سريانه على المحرّرات التي ثبت تاريخها رسميا قبل
تاريخ العمل به (وهو أوّل يناير سنة 1924) وأبقتها خاضعة من حيث الآثار التي تترتب
عليها لأحكام القوانين التي كانت سارية عليها، ولأن هذا القانون من جهة أخرى هو
قانون خاص بتعديل نصوص القانون المدني فيما يتعلق بتسجيل العقود الصادرة على
الملكية والحقوق العينية الأخرى غير الرهون والامتيازات والاختصاصات على ما يدل
عليه عنوانه وعلى ما جاء به في المادة الأولى مؤكدا لمضمون هذا العنوان من وجوب
مراعاة النصوص المعمول بها الآن في مواد الامتيازات والرهن العقاري والاختصاصات
العقارية.
وحيث إن الطاعنين على حق
أيضا فيما أبدوه من وجوب الأخذ في قضيتهم في علاقتهم مع خصمهم بأحكام القانون المدني
التي تعتبر عقد شرائهم مفيدا بمجرّد عقده لنقل ملكية المبيع إليهم في حق بائعهم
ومن ناب عنه من وارث أو دائن (المادة 266 من القانون المدني) ولا تعتبر خصمهم صاحب
اختصاص يجوز له الاحتجاج عليهم بسبق تسجيل اختصاصه إلا إذا كان حسن النية (المادة
270 من القانون المدني).
وحيث إن الحجاج بسوء
النية وبالتواطؤ بين أصحاب الرهون والاختصاصات بعضهم وبعض أو بين بعضهم وبين من آل
إليهم الملك مصرح به في المادة 270 فيما بقى من عمومها (بعد الذى نسخه منها قانون
التسجيل نسخا جزئيا) وفى القانون رقم 79 لسنة 1933 بإضافة بعض أحكام إلى القانون المدني
(راجع المواد المضافة وهى المادة 55 مكررة و79 مكررة و136 مكررة و179 مكررة و256
مكررة) إذ في كل من هذه المواد ذكر المرتهنون موصوفين بحسن النية.
وحيث إن محكمة الاستئناف
تكون إذن قد أخطأت في تطبيق قانون التسجيل وفى عدم تطبيق أحكام القانون المدني
الواجب تطبيقها في الدعوى.
وحيث إن الثابت من بيانات
الحكم المطعون فيه ومن بيانات الحكم المستأنف التي لا نزاع فيها أن عقد الطاعنين
قد صدر لهم من مورّثهم بتاريخ 30 مايو سنة 1921 وأن تاريخه أثبت رسميا في 2 يونيه
سنة 1921 وأن دين الخواجة روفان صيدناوي هو إيجار استحق بذمة البائع سنة 1927 وحكم
به عليه في 10 فبراير سنة 1931 وأن هذا الدائن نفذ حكمه هذا على زراعة الأرض
المبيعة على اعتبار أنها ملك مدينه فادعى الطاعنون استردادها بالقضية رقم 932 سنة
1934 كوم حمادة لأنها زراعتهم ولأن الأرض التي قامت عليها تلك الزراعة هي ملكهم
بعقد البيع المتقدّم الذكر فقضت محكمة كوم حمادة بأحقيتهم للزراعة. وثبت أيضا
بالحكم المستأنف أن عقد البيع هذا قد قدّم في قضية كوم حمادة المذكورة واطلع عليه
روفان صيدناوي وقتئذ.
وحيث إن حكم هذا العقد
الذى صدر في 30 مايو سنة 1921 وأثبت تاريخه رسميا في 3 يونيه سنة 1921 أنه بمجرّد
عقده قد أفاد الملك للطاعنين في حق البائع لهم وفى حق من كان ومن يكون له من دائن.
وبذا صار العقد مفيدا للملك في حق روفان الذى لم ينشأ دينه إلا في سنة 1927 ولم يحكم
له به إلا في 10 فبراير سنة 1931. وقد حاج الطاعنون خصمهم بعقدهم في قضية
الاسترداد المتقدّمة الذكر فحجوه به وصدّقتهم في هذه الحجة محكمة كوم حمادة بحكمها
المؤرّخ في 12 يوليه سنة 1932.
وحيث إن الخواجة روفان صيدناوي
قد بقى محجوجا بعقد الطاعنين على اعتباره من دائني البائع وخلفائه إلى أن سعى لدى
رئيس المحكمة التي أخذ منها الاختصاص فاستصدر منه اختصاصه ببعض ما بقى لمدينه من
ملك وبما خرج من ملك مدينه للطاعنين بالعقد المذكور ثم رأى أن يحتمى في سبق تسجيل
اختصاصه هذا على تسجيل العقد المذكور، فادعى أنه بهذا التسجيل قد أصبح غيرا وأنه
يجوز له على هذا الاعتبار أن يحج الطاعنين بسبق تسجيل اختصاصه على تسجيل عقدهم.
وحيث إن القانون لا يجيز
اعتباره غيرا يصح منه هذا الاحتجاج إلا إذا كان حسن النية.
وحيث إن نصوص القانون المدني
وقانون المرافعات فيما أشارت إليه من أنه يجب على من يريد من الدائنين الحصول على
اختصاصه بعقارات مدينه أن يقدّم عريضة لرئيس المحكمة الابتدائية الكائن في دائرتها
العقار المراد الاختصاص به، وأن تكون العريضة مشتملة على بيان نوع العقار وموقعه
بيانا كافيا صحيحا، ومن أن رئيس المحكمة يجب عليه عند الترخيص بالاختصاص أن يراعى
مقدارا لدين وقيمة العقارات ويجعل الاختصاص قاصرا على بعض تلك العقارات أو على
واحد منها فقط أو على جزء من إحداها، ومن أنه إذا رفض رئيس المحكمة طلب الاختصاص
بعقارات المدين جاز لمن قدّم العريضة أن يرفع الأمر الصادر بذلك إلى المحكمة
الابتدائية مع طلب حضور المدين أمامها....". إن في هذه النصوص وغيرها من نصوص
الباب في القانونين المدني والمرافعات إشارات كافية تدل على إيجاب الصدق وحسن
النية على طالب الاختصاص فيما يجب ذكره من البيانات خاصا به هو ومدينه ودينه
وعقارات مدينه وقيمتها، وذلك حتى إذا أصدر رئيس المحكمة أمره بالاختصاص أصدره عن
بينة وحتى إذا رفض يكون رفضه كذلك عن بينة، ويكون له هو أن يعارض في الأمر ويختصم
مدينه.
وحيث إن الذى يؤخذ على
روفان صيدناوي ليس فقط علمه بصدور العقد للطاعنين فيقال فيه إنه مجرد علم لا يحرمه
من الاستفادة بسبق تسجيل اختصاصه، بل الذى يؤخذ عليه ويعتبر عملا إيجابيا منطويا
على سوء النية أنه أخفى عن رئيس المحكمة أن بعض العقار الذى أراد الاختصاص به قد
باعه مدينه من قبل بعقد عرفي ثابت تاريخه رسميا قبل قانون التسجيل وقبل نشوء حقه
في الدين، وذكر في عريضته أن هذا البعض هو ملك مدينه ولا يزال على ملكه، فصدر له
أمر اختصاص وما كان ليصدر لو صدق وذكر لرئيس المحكمة من أوصاف العقار ما كان يجب
عليه ذكره.
وحيث إنه متى كان
الاختصاص مشوبا من أساسه بسوء النية فلا يمكن اعتباره سندا ثابتا صحيحا ولا اعتبار
تسجيله مفيدا لحكمه قانونا في حق الطاعنين.
وحيث إنه ينتج من ذلك أن
الحكم المطعون فيه واجب النقض وأن الموضوع كما سبق عرضه صالح للفصل فيه.
وحيث إنه لهذه الأسباب
وللأسباب المبينة بالحكم المستأنف ترى هذه المحكمة تأييده.