جلسة 24 من نوفمبر سنة 1993
برئاسة السيد المستشار/ مصطفى حسيب نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة
المستشارين/ شكري العميري، عبد الصمد عبد العزيز، عبد الرحمن فكري نواب رئيس
المحكمة وسعيد فهيم.
--------------------
(336)
الطعن
رقم 2083 لسنة 58 القضائية
(3 - 1)دستور. حكم "حجية
الحكم". قانون.
(1) الدعاوى
الدستورية عينية بطبيعتها. الأحكام الصادرة فيها حجيتها مطلقة قبل الكافة وتلتزم
بها جميع سلطات الدولة.
(2)النصوص التشريعية المحكوم
بعدم دستوريتها. عدم نفاذها من تاريخ تشر الحكم بالجريدة الرسمية.
(3)النص في المادة الثانية
من الدستور على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع هي دعوة للشارع كي
يتخذها مصدراً رئيسياً فيما يستنه من قوانين.
(4)تعويض. مسئولية
"الضرر". محكمة الموضوع.
تقدير الضرر ومراعاة
الظروف الملابسة في تقدير التعويض. استقلال قاضي الموضوع بها. شرطه.
------------------
1 - المقرر في قضاء هذه المحكمة والمحكمة الدستورية العليا أن
الأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية هي بطبيعتها دعاوى عينية توجه الخصومة فيها
إلى النصوص التشريعية المطعون عليها لعيب دستوري تكون لها حجية مطلقة بحيث لا
يقتصر أثرها على الخصوم في الدعاوى التي صدرت فيها وإنما ينصرف هذا الأثر إلى
الكافة وتلتزم بها جميع سلطات الدولة.
2 - النصوص التشريعية
المحكوم بعدم دستوريتها لا تنفذ إلا من تاريخ نشر الحكم بالجريدة الرسمية.
3 - إذ كان ما نص عليه الدستور في المادة الثانية منه من أن مبادئ
الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع - ليس واجب الإعمال بذاته - وإنما هو
دعوة للشارع كي يتخذ الشريعة الإسلامية مصدراً رئيسياً فيما يستنه من قوانين ومن
ثم فإن أحكام تلك الشريعة لا تكون واجبة التطبيق بالتعويل على نص الدستور المشار
إليه إلا إذا استجاب المشرع لدعوته وأخرج هذه الأحكام في نصوص تشريعية محددة
منضبطة تنقلها إلى مجال العمل والتنفيذ.
4 - تقدير التعويض الجابر للضرر هو ما تستقل به محكمة الموضوع ما
دام لا يوجد في القانون نص يلزمها بإتباع معايير معينة في خصوصه.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار
المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى
أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما
يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن الطاعنين أقاما الدعوى
رقم 3547 لسنة 85 مدني كلي بني سويف على المطعون ضدهم بطلب الحكم بصفه أصلية
بإلزامهم بالتضامن بدفع دية قتل نجلهما المفروضة شرعاً وتسليمها عيناً ومقدارها
4250 جرام من الذهب أو ما يعادل قيمتها نقداً حسب سعر الذهب عند تنفيذ الحكم
تعويضاً مادياً وأدبياً وموروثاً مستحق لهما، وبصفة احتياطية الحكم بإلزام المطعون
ضدهم متضامنين بأن يدفعوا لهما مبلغ 74376 جنيه بالإضافة إلى مبلغ التعويض المؤقت
المحكوم به لصالحهما وقالا شرحاً لذلك إنه بتاريخ 11/ 12/ 1984 تسبب المطعون ضده
الأول أثناء قيادته للسيارة النقل المبينة بالأوراق المملوكة للمطعون ضدها الثانية
في قتل ابنها نتيجة خطئه وإهماله في قيادتها وتحرر عن الحادث الجنحة رقم 4298/ 84
جنح أهناسيا التي أدين فيها قائدها جنائياً وقضى لهما بتعويض مؤقت وأصبح الحكم
الصادر فيها باتاً وإذ كانت السيارة سبب الحادث مؤمن عليها لدى الشركة المطعون
ضدها الثالثة فقد أقاما الدعوى للحكم لهما بالطلبات قضت محكمة أول درجة بإلزام
المطعون ضدهم بالتضامن فيما بينهم بأن يؤدوا للطاعنين مبلغ خمسة آلاف جنيه تعويضاً
موروثاً يقسم بينهما حسب الفريضة الشرعية ومبلغ ستة آلاف جنيه تعويضاً مادياً
ومثله تعويضاً أدبياً يقسمان مناصفة فيما بينهما مع المقاصة فيما قضى به من تعويض
مؤقت. استأنف الطاعنان هذه الحكم بالاستئناف رقم 138 سنة 24 ق بني سويف كما
استأنفته الشركة المطعون ضدها الثالثة بالاستئناف رقم 146 لسنة 24 ق بني سويف.
وبتاريخ 10/ 3/ 1988 قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف على أن يكون الالتزام
بسداد المبلغ المقضي به بالتضامن بين المطعون ضدهما الأول والثانية وبالتضامم
بينهما وبين المطعون ضدها الثالثة. طعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت
النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة
مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث أن الطعن أقيم على
أربعة أسباب ينعي الطاعنان بها على الحكم المطعون فيها مخالفة القانون والخطأ في
تطبيقه والقصور في التسبب وفي بيان ذلك يقولان بأن الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم
المطعون فيه خالف مبادئ الشريعة الإسلامية التي أصبحت طبقا للمادة الثانية من
الدستور المصدر الرئيس للتشريع التي وضعت قيداً على النص العام الوارد بالمادة 221
من القانون المدني والذي يقيد سلطة القاضي عند تقديره للتعويض بما ورد في الحديث
الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من تحديد دية القتل الخطأ بألف دينار من
الذهب بما يعادل 40250 جرام من الذهب على ما ورد بفتوى فضيلة مفتي الجمهورية رقم
345 لسنة 1983 فيكون هذا التحديد واجب الإتباع وإذ قضى الحكم المطعون فيه بالتعويض
مستنداً إلى نص المادة 221 من القانون المدني ورفض الحكم لهما بالدية المفروضة شرعاً
دون بيان سبب الرفض فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وشابه القصور في
التسبب بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود،
ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة والمحكمة الدستورية العليا أن الأحكام الصادرة
في الدعاوى الدستورية هي بطبيعتها دعاوى عينية توجه الخصومة فيها إلى النصوص
التشريعية المطعون عليها لعيب دستوري تكون لها حجية مطلقة بحيث لا يقتصر أثرها على
الخصوم في الدعاوى التي صدرت فيها وإنما ينصرف هذا الأثر إلى الكافة وتلتزم بها
جميع سلطات الدولة وأن النصوص التشريعية المحكوم بعدم دستوريتها لا تنفذ إلا من
تاريخ نشر الحكم بالجريدة الرسمية. وأن إلزام المشرع باتخاذ مبادئ الشريعة
الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع لا ينصرف إلا إلى التشريعات التي تصدر بعد
التاريخ الذي فرض فيه الإلزام أما التشريعات السابقة على ذلك التاريخ فلا يتأتى
إنفاذ حكم الإلزام عليها لصدورها فعلاً قبله فيكون هذه التشريعات بمنأى عن إعمال
هذا القيد وأن ما نص عليه الدستور في المادة الثانية منه من أن مبادئ الشريعة
الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع - ليس واجب الإعمال بذاته - وإنما هو دعوة
للشارع كي يتخذ الشريعة الإسلامية مصدراً رئيسياً فيما يستنه من قوانين ومن ثم فإن
أحكام تلك الشريعة لا تكون واجبة التطبيق بالتعويل على نص الدستور المشار إليه إلا
إذا استجاب المشرع لدعوته وأخرج هذه الأحكام في نصوص تشريعية محددة منضبطة تنقلها
إلى مجال العمل والتنفيذ.
لما كان ذلك وكان تقدير
التعويض الجابر للضرر هو ما تستقل به محكمة الموضوع ما دام لا يوجد في القانون نص
يلزمها بإتباع معايير معينة في خصوصه وإذ كان الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم
المطعون فيه قد قضى للطاعنين بالتعويض عن الضرر اللاحق بهما بما له من سلطة
تقديرية لعدم وجود معايير معينة يلزم إتباعها عملاً بالمادة 221 من القانون المدني
وكان هذا النص سابقاً على التعديل الدستوري الوارد بالمادة الثانية من الدستور فلا
على الحكم المطعون فيه إن أعمل سلطته التقديرية في تقدير التعويض والتفت عما أثاره
الطاعنان في هذا الشأن ويضحى الطعن برمته على غير أساس.