الدعوى رقم 68 لسنة 40 ق "دستورية" جلسة 4 / 5 / 2019
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من مايو سنة 2019م، الموافق الثامن
والعشرين من شعبان سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمــد خيرى طه النجــار وسعيد مرعى عمـرو
ورجب عبد الحكيم سليم والدكتور حمدان حسن فهمى والدكتور محمد عماد النجار والدكتور
طارق عبد الجواد شبل نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس
هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
في الدعوى
المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 68 لسنة 40 قضائية
"دستورية"، بعد أن أحالت محكمة النقض – الدائرة المدنية والتجارية -
بحكمها الصادر بجلسة 22/4/2018، ملف الطعن رقم 7909 لسنة 85 قضائية.
المقام من
رئيس مجلس إدارة شركة مصر إيران للغزل والنسيج (عتاقة بالسويس)
ضد
1- اللجنة العامة لتنظيم تجارة القطن بالداخل
2- رئيس مجلس إدارة شركة الفريد لحليج وتجارة الأقطان
الإجراءات
بتاريخ الرابع عشر من يونيه سنة 2018، ورد إلى قلم كتاب المحكمة
الدستورية العليا، ملف الطعن رقم 7909 لسنة 85 قضائية، بعد أن قضت محكمة النقض
بجلسة 22/4/2018، بوقف الطعن، وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل
في دستورية المواد من (28) إلى (32) من قانون تنظيم تجارة القطن في الداخل الصادر
بالقانون رقم 210 لسنة 1994، والفقرة (ز) (وصحتها الفقرة الأخيرة) من المادة (4)،
والمادة (10) من اللائحة التنفيذية لهذا القانون الصادرة بقرار وزير الاقتصاد
والتجارة الخارجية رقم 389 لسنة 1994 ، فيما تضمنته تلك المواد من فرض التحكيم
جبرًا أمام لجان التصالح بالمحافظات، والطعن عليها أمام لجنة تحكيم الإسكندرية،
وجعل أحكامها نهائية.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم أصليًّا: بعدم قبول
الدعوى. واحتياطيًّا: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار
الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع
على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل –على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق– في
أن شركة مصر إيران للغزل والنسيج (عتاقة بالسويس) كانت قد أقامت ضد شركة الفريد
لحليج وتجارة الأقطان، الدعوى رقم 2 لسنة 68 قضائية تحكيم، أمام محكمة استئناف
الإسكندرية، بطلب الحكم ببطلان حكم التحكيم والقرار الصادر في التحكيم رقم 7 لسنة
2011 من لجنة تحكيم اللجنة العامة لتنظيم وتجارة القطن بالداخل. وقالت شرحًا
لدعواها إنها قد تقدمت بشكوى إلى اللجنة الفرعية لتنظيم تجارة القطن بالشرقية ضد
شركة الفريد لحليج وتجارة الأقطان، لعدم تنفيذها عقد الاتفاق المبرم بينهما بتاريخ
20/3/2010، وبتاريخ 18/6/2011، تم إخطارها بقرار اللجنة بإلزامها بسداد مبلغ
3,722,000 جنيه لتلك الشركة، والذى يمثل 40% من ثمن القطن مضافًا إليه 2,000,000
جنيه من المديونية السابقة، فاعترضت الشركة على هذا القرار أمام اللجنة العامة لتنظيم
تجارة القطن في الداخل، وفقًا لنص المادة (31) من قانون تنظيم تجارة القطن في الداخل
الصادر بالقانون رقم 210 لسنة 1994، فأحيل النزاع إلى لجنة تحكيم
القطن بالإسكندريـة وقيد برقم 7 لسنة 2011، وبتاريخ 2/12/2011، تم
إخطارها بقرار لجنة التحكيم الصادر بتاريخ 24/11/2011، بإلزامها بأن تؤدى للشركة
مبلغ 15,696,803,13 جنيهات، ومبلغ 100,000 جنيه، قيمة الرسوم القضائية
المقررة على طلب التحكيم، مما حدا بالشركة إلى إقامة الدعوى المشار إليها
أمام محكمـة استئناف الإسكندرية، استنادًا إلى أن حكم التحكيم قد شابه
البطلان، لفصله في مسائل لم يشملها اتفاق التحكيم، متجاوزًا نطاقه، ومخالفًا
للنظام العـــام، إذ قضى بفائدة 15% تزيد عن الحد الأقصى المنصوص عليه في القانون
المدنى. كما أقامت شركة الفريد لحليج وتجارة الأقطان الدعوى رقم 1 لسنة 69 تحكيم
الإسكندرية، أمام المحكمة ذاتها، بطلب الحكم بإلزام شركة مصر إيران للغزل والنسيح
بأن تؤدى لها مبلغ 50,000 جنيه، تعويضًا لها عما لحقها من أضرار من جراء إساءة
استعمال حق التقاضى، لما اتخذته من إجراءات الانتقال لتنفيذ حكم التحكيم المقام
بشأنه الدعوى الأولى، ثم تقدمت بطلب ترك الخصومة فيها قبل اللجنة العامة لتنظيم
تجارة القطن في الداخل، وبطلب تعديل مبلغ التعويض إلى مبلغ 1000 جنيه، وقررت
المحكمة ضم الدعويين للارتباط وليصدر فيهما حكم واحد، وبجلسة 24/2/2015، قضت
المحكمة :- أولاً: في الدعوى رقم 2 لسنة 68 قضائية "تحكيم إسكندرية"
بعدم قبولها، ثانيًا: في الدعوى رقم 1 لسنة 69 قضائية "تحكيم إسكندرية"
بإثبات ترك الخصومة بالنسبة للمطعون ضده الأول بصفته، وفى الموضوع برفضه. طعنت
شركة مصر إيران للغزل والنسيج (عتاقة بالسويس) في هذا الحكم بطريق النقض طالبة في الشق
المستعجل الحكم بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وفى الموضوع أصليًا: بنقض الحكم،
والحكم بطلباتها الواردة بمذكراتها المقدمة بجلسة 26/8/2012، واحتياطيًا: بنقض
الحكم وإعادة القضية إلى محكمة استئناف
الإسكندرية. وإذ عرض الطعن على محكمة النقض في غرفة مشورة، حددت لنظره
جلسة 14/5/2017، وبجلسة 22/4/2018، قضت بوقف نظر الطعن وإحالة الأوراق إلى المحكمة
الدستورية العليا؛ للنظر في دستورية نصوص المواد التى تضمنها قرار الإحالة المشار
إليه، والتى تتحدد في ضوء حقيقة ما قصدت إليه محكمة النقض من تلك الإحالة في نصوص
المواد من (28) إلى (32) من قانون تنظيم تجارة القطن في الداخل الصادر بالقانون
رقم 210 لسنة 1994، والفقرة الأخيرة من المادة (4)، والمادة (10) من اللائحة
التنفيذية لهذا القانون الصادرة بقرار وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية رقم 389
لسنة 1994 ، فيما تضمنته تلك المواد من فرض التحكيم جبرًا أمام لجان التصالح
بالمحافظات، والطعن عليها أمام لجنة تحكيم الإسكندرية، وجعل أحكامها نهائية.
وحيث إن المادة (3) من قانون تنظيم تجارة القطن في الداخل الصادر
بالقانون رقم 210 لسنة 1994 تنص على أنه "يُحظر على أى شخص طبيعى
أو اعتبارى مزاولة مهنة تجارة القطن في الداخل ما لم يكن اسمه مقيدًا في السجل
الذى يعد لهذا الغرض في الوزارة المختصة".
وتنص المادة (28) على أنه "تُشكل
سنويًا بكل محافظة منتجة للقطن لجنة تسمى "لجنة التصالح" برئاسة مدير
مكتب اللجنة العامة بالمحافظة وممثل واحد عن كل من التجار المقيدين والمنتجين
واثنين عن هيئة التحكيم واختبارات القطن أعضاء تختارهم اللجنة العامة.
ويصدر بتشكيل
لجنة التصالح قرار من رئيس اللجنة العامة".
وتنص المادة (29) على أنه "تختص
لجنة التصالح دون غيرها بالنظر فيما يُعرض عليها من المنازعات التى تقع بين
الأعضاء بشأن معاملاتهم القطنية، ويكون الاختصاص المحلى للجنة التصالح في المنازعات
التى بها موطن المدعى عليه أو يوجد فيها القطن محل النزاع أو تم فيها التعاقد ما
لم يتفق على غير ذلك".
وتنص المادة (30) على أنه "يُعرض
النزاع على لجنة التصالح بطلب يُقدم إلى مكتب اللجنة العامة بالمحافظة يتضمن
بيانًا مفصلاً لموضوع النزاع.
ولا يكون
الطلب مقبولاً إلا إذا سدد صاحبه لمكتب اللجنة العامة بالمحافظة الرسم المقرر،
وتحدد لجنة التصالح في قرارها من يتحمله.
وعلى مكتب اللجنة العامة بالمحافظة أن
يحيل النزاع إلى لجنة التصالح ويدعوها للاجتماع في موعد غايته أسبوع من تاريخ
تقديم الطلب إليه.
وتبلغ لجنة التصالح الطلب إلى الخصوم
في النزاع، وتحدد لهم في الإعلان تاريخ الجلسة المحددة لنظره والذى يجب أن يكون
بينه وبين تاريخ الإعلان أسبوعًا على الأقل.
وتسمع اللجنة أقوال طرفى النزاع ما لم
يقرر أحدهما أو كلاهما النزول عن سماع أقواله.
ويكون إعلان الأوراق إلى الخصوم ودعوة
أعضاء اللجنة إلى الحضور بواسطة مكتب اللجنة العامة بالمحافظة، ويرسل بكتاب موصى
عليه مصحوبًا بعلم الوصول.
ويعتبر عدم حضور الخصم رغم إخطاره
نزولاً منه عن سماع أقواله، وتستمر اللجنة في عملها وتصدر قرارها وتبلغه للخصم
المتخلف بكتاب موصى عليه مصحوب بعلم الوصول، ويعتبر القرار في هذه الحاله حضوريًا.
وتصـدر قرارات لجنة
التصالح بأغلبية الأصوات، فإذا لم يعترض الطرفان أو أحدهما
عليها أصبحت نهائية".
وتنص المادة (31) على أنه "فى
حالة الاعتراض على قرارات لجنة التصالح يحال النزاع إلى لجنة تحكيم بالإسكندرية
تشكل من أربعة أعضاء منهم عضو واحد من التجار المقيدين وعضوان من المنتجين وعضو من
هيئة التحكيم واختبارات القطن ويرأس اللجنة مستشار من مجلس الدولة يختاره رئيس
المجلس.
ويصدر بتشكيل
لجنة التحكيم قرار من الوزير المختص، ويكون انعقادها بمقر اللجنة العامة بمدينة
الإسكندرية".
وتنص المادة (32) على أنه "يُقدم
طلب التحكيم في القرارات المشار إليها في المادة السابقة إلى رئيس اللجنة العامة
خلال ثلاثين يومًا من إبلاغ القرار للخصم المعترض بخطاب موصى عليه، وتتبع في إجراءات
نظر التحكيم الأحكام المنصوص عليها في المادتين (30) ، (31) من هذا القانون، ولا
يكون الطلب مقبولاً إلا إذا سدد صاحبه الرسم المقرر، وتحدد لجنة التحكيم في قرارها
من يتحمله".
كما تنص الفقرة الأخيرة من المادة (4)
من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم تجارة القطن في الداخل الصادرة بقرار وزير
الاقتصاد والتجارة الخارجية رقم 389 لسنة 1994 على أنه "ويجب أن يتضمن العقد
شرطًا خاصًا بفض المنازعات الناشئة عن تنفيذه بواسطة لجان التصالح والتحكيم
طبقًا لأحكام الباب الرابع من قانون تنظيم تجارة القطن في الداخل".
وتنص المادة (10) من اللائحة ذاتها
على أنه "فى حالة عدم تنفيذ أحد الطرفين لالتزاماته، يحال النزاع إلى لجنة
التصالح المنصوص عليها في المادة (28) من قانون تنظيم تجارة القطن في الداخل،
بموجب طلب يقدم إلى مكتب اللجنة العامة بالمحافظة".
وحيث إن حكم الإحالة ينعى على هذه
النصوص - في حدود نطاقها المتقدم - إهدارها لحق التقاضى، إذ فرضت على المتعاملين
في بيع وتجارة القطن في الداخل، نظامًا لتسوية ما ينشب بينهم من نزاع أو اختلاف
بشأن معاملاتهم القطنية عن طريق التحكيم الإجبارى، دون أن يُلتفت إلى إرادتهم، ولا
يُعول على رضائهم، ويخضعهم لأحكامه جبرًا، مما يتنافى مع الأصل في التحكيم،
باعتباره لا يتولد إلا عن الإرادة الحرة، ولا يجوز إجراؤه تسلطًا وكرهًا، مما ترتب
عليه حرمان المتداعين من اللجوء إلى محاكم القانون العام، بوصفها قاضيهم الطبيعى،
بالمخالفة للمادة (97) من الدستور.
وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة
قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى لسابقة الفصل فيها بحكم المحكمة الدستورية العليا
الصادر بجلسة 13/1/2018، في الدعوى رقم 130 لسنة 34 قضائية "دستورية"،
المنشور بالجريدة الرسمية في العدد 3 مكرر (أ) في 23/1/2018، ولعدم توافر المصلحة
فيها، لأن النصوص المُحالة تتصل بتعيين مندوب الحكومة لدى الاتحاد وصلاحياته، وكذا
إجراءات تأديب أعضاء الاتحاد، وليس لها علاقة بمسألة التحكيم، فإن هذا الدفع
بوجهيه غير سديد، ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الحجية المطلقة للأحكام
الصادرة في الدعاوى الدستورية، يقتصر نطاقها على النصوص التشريعية التى كانت
مثارًا للمنازعة حول دستوريتهـــا، وفصلت فيها المحكمة فصلاً حاسمًا بقضائهـــا،
أما ما لم يكن مطروحًا على المحكمة، ولم تفصل فيه بالفعل، فلا تمتد إليه تلك
الحجية. ولما كان قضاء المحكمة الدستورية العليـا في الدعوى المشار إليها
قد اقتصر على الحكم: "أولاً: بعدم دستورية نص المادة (26) من قانون
اتحاد مصدرى الأقطان الصادر بالقانون رقم 211 لسنة
1994. ثانيًا: بسقوط الفقرة الأولى من المادة (25) من القانون المشار إليه، فيما
تضمنته من عبارة "وأن يتم التحكيم بالإسكندرية"، والفقرة الثانية منها،
والمادة (27) من القانون ذاته، وكذا المواد من (95) إلى (104) من اللائحة الداخلية
لاتحاد مصدرى الأقطان، الصادرة بقرار وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية رقم 507
لسنة 1994"، فإن النصوص المُحالة لم تكن معروضة على هذه المحكمة في حكمها
سالف الذكر، ولم تفصل فيها، كما أن ما أوردته هيئة قضايا الدولة من أن النصوص
المُحالة ليس لها علاقة بمسألة التحكيم، فإن ذلك يتعلق بنصوص المواد الواردة في قانون
اتحاد مصدرى الأقطان الصادر بالقانون رقم 211 لسنة 1994، بينما النصوص المُحالة
تتعلق بقانون تنظيم تجارة القطن في الداخل الصادر بالقانون رقم 210 لسنة 1994، مما
يتعين معه رفض هذا الدفع.
وحيث إن المصلحة في الدعوى
الدستورية، وهى شرط لقبولها، مناطها –على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن يكون
ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم
في المسألة الدستورية مؤثرًا في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، المطروحة على
محكمة الموضوع؛ ويستوى في شأن توافر هذه المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة
عن طريق الدفع أو الإحالة. والمحكمة الدستورية العليا هى وحدها التى تتحرى توافر
المصلحة في الدعاوى الدستورية للتثبت من شروط قبولها، بما مؤداه أن الإحالة من
محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا لا تفيد بذاتها توافر المصلحة، بل
يتعين أن يكون الحكم في المطاعن الدستورية لازمًا للفصل في النزاع المثار أمام
محكمة الموضوع. إذ كان ذلك، وكان جوهر النزاع الموضوعى يدور حول طلب شركة مصر
إيران للغزل والنسيج (عتاقة بالسويس) الحكم ببطلان القرار الصادر في التحكيم رقم 7
لسنة 2011 من لجنة تحكيم القطن بالإسكندرية، والمقام منها ضد شركة الفريد لحليج
وتجارة الأقطان، والذى صدر عقب اعتراضها أمام لجنة التصالح بمحافظة الشرقية في الشكوى
المقدمة منها إليها، وفقًا لأحكام قانون تنظيم تجارة القطن في الداخل المشار إليه
ولائحته التنفيذية، والتى تتضمن مواده من (28) إلى (32) تنظيميًا قانونيًا
متكاملاً لفض كافة المنازعات التى تنشأ بين الأعضاء المشتغلين في تجارة القطن في الداخل
بشأن معاملتهم القطنية، باعتباره السبيل الوجوبى الوحيد المتاح لفض هذه المنازعات،
وعلى النحو الذى أكدته الفقرة الأخيرة من المادة (4)، والمادة (10) من لائحته
التنفيذية، ومن ثم فإن الفصل في دستورية النصوص المُحالة يكون له انعكاس على
الدعوى الموضوعية ومن شأنه أن يؤثر على الطلبات المطروحة أمامها.
وحيث إن الدستور قد كفل لكل مواطن –
بنص مادته السابعة والتسعين – حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعى، مخولاً إياه بذلك أن
يسعى بدعواه إلى قاض يكون بالنظر إلى طبيعتها، وعلى ضوء مختلف العناصر التى
لابستها، مهيئًا دون غيره للفصل فيها، كذلك فإن لحق التقاضى غاية نهائية يتوخاها،
تمثلها الترضية القضائية، التي يناضل المتقاضون من أجل الحصول عليها، لجبر الأضرار
التي أصابتهم من جراء العدوان على الحقوق التى يطلبونها، فإذا أرهقها المشرع بقيود
تعسر الحصول عليها أو تحول دونها كان ذلك إخلالاً بالحماية التى كفلها الدستور
لهذا الحق، وإنكارًا لحقائق العدل في جوهر ملامحها.
وحيث إن قضاء
هذه المحكمة قد جرى على أن الأصل في التحكيم هو عرض نزاع معين بين طرفين على مُحكم
من الأغيار يُعيَّن باختيارهما أو بتفويض منها أو على ضوء شروط يحددانها، ليفصل
هذا المحكم في ذلك النزاع بقرار يكون نائيًا عن شبهة الممالأة، مجردًا من التحامل،
وقاطعًا لدابر الخصومة في جوانبها التي أحالها الطرفان إليه، بعد أن يدلى كل منهما
بوجهة نظره تفصيلاً من خلال ضمانات التقاضي الرئيسية. ولا يجوز بحال أن يكون
التحكيم إجباريًّا يذعن إليه أحد الطرفين، إنفاذًا لقاعدة قانونية آمرة، لا يجوز
الاتفاق على خلافها، وذلك سواء كان موضوع التحكيم نزاعًـــا قائمًا أو محتمــلاً،
ذلك أن التحكيم مصدره الاتفاق، إذ يحدد طرفاه – وفقًا لأحكامه – نطاق الحقوق
المتنازع عليها بينهما، أو المسائل الخلافية التى يمكن أن تعرض لهما، وإليه ترتد
السلطة الكاملة التى يباشرها المحكمون عند البت فيها، ويلتزم المحتكمون بالنزول
على القرار الصادر فيه، وتنفيذه تنفيذًا كاملاً وفقًا لفحواه، ليؤول التحكيم إلى
وسيله فنية لها طبيعة قضائية غايتها الفصل في النزاع مبناه علاقة محل اهتمام من
أطرافها، وركيزته اتفاق خاص يستمد المحكمون منه سلطاتهم، ولا يتولون مهامهم
بالتالى بإسناد من الدولة، وبهذه المثابة فإن التحكيم يعتبر نظامًا بديلاً عن
القضاء، فلا يجتمعان، ذلك أن مقتضى الاتفاق عليه؛ عزل المحاكم جميعها عن نظر
المسائل التى انصب عليها، استثناء من أصل خضوعها لولايتها. ومؤدى ما تقدم جميعه،
أنه إذا ما فرض المشرع التحكيم قسرًا بقاعدة قانونية آمرة، فإن ذلك يُعد انتهاكًا
لحق التقاضى الذى كفله الدستور.
وحيث إن البيّن من استقراء نص المادة
(29) من قانون تنظيم تجارة القطن في الداخل المشار إليه، أنه قد أسند للجنة
التصالح دون غيرها، الاختصاص بالفصل في المنازعات التى تنشأ بين الأعضاء بشأن
معاملاتهم القطنية، كما أن نص المادة (28) قد جعل تشكيل هذه اللجنة سنويًا بكل
محافظة منتجة للقطن، وذلك بقرار من رئيس اللجنة العامة، ويتولى رئاسة تلك اللجنة
مدير مكتب اللجنة العامة بالمحافظة، وعضوية ممثل واحد عن كل التجار المقيدين
والمنتجين، واثنين عن هيئة تحكيم واختبارات القطن، تختارهم اللجنة العامة، وتتصل
هذه اللجنة بتلك المنازعات – على نحو ما بينته المادة (30) من هذا القانون والمادة
(10) من لائحته التنفيذية – بطلب يقدم إلى مكتب اللجنة العامة بالمحافظة،
يتضمن بيانًا مفصلاً لموضوع النزاع، ولو تقدم به أحد طرفى النزاع
بمفرده، وعلى مكتب اللجنة العامة بالمحافظة –وفقًا لنص المادة (30) من القانون
المشار إليه- أن يحيل النزاع إلى لجنة التصالح، ويدعوها للاجتماع في موعد غايته
أسبوع، من تاريخ تقديم الطلب إليه، وتصدر قراراتها بأغلبية الأصوات، فإذا لم يعترض
الطرفان أو أحدهما عليها أصبحت نهائية. كما أسند نص المادة (31) من هذا القانون
إلى لجنة تحكيم بالإسكندرية، الاختصاص الحصري بنظر النزاع، في حالة الاعتراض على
قرارات لجنة التصالح، وعين تشكيل هذه اللجنة من أربعة أعضاء، منهم واحد من التجار
المقيدين، وعضوان من المنتجين، وعضو من هيئة التحكيم واختبارات القطن، ويرأس اللجنة
مستشار من مجلس الدولة يختاره رئيس المجلس، ويصدر بهذا التشكيل قرار من الوزير
المختص. وتتصل هذه اللجنة بالنزاع – على نحو ما أبانت المادة (32) من هذا القانون
– بطلب يقدم إلى رئيس اللجنة العامة، خلال ثلاثين يومًا من إبلاغ قرار لجنة
التصالح للخصم المعترض، بخطاب موصى عليه، لتنظره وفقًا للشروط والإجراءات التى
حددها نصا المادتين (30 ، 31) من هذا القانون. كما تطلب نص الفقرة الأخيرة من
المادة (4) من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم تجارة القطن في الداخل، أن تتضمن
نماذج العقود التى تعدها اللجنة العامة لتنظيم تجارة القطن في الداخل وفقًا لنص
المادة (3) من هذه اللائحة، والتى يكون إبرام الصفقات بيعًا وشراء للأقطان الزهر
والشعر ومخلفاتها بضاعة حاضرة طبقًا لها - شرطًا خاصًا بفض المنازعات الناشئة عن
تنفيذه بواسطة لجان التصالح والتحكيم طبقًا لأحكام الباب الرابع من قانون تنظيم
تجارة القطن في الداخــــل. وبناءً على ما تقــــدم، فإن النصـوص المُحالة، قد
جعلت الفصل في المنازعات التى تنشأ بين المشتغلين في تجارة القطن في الداخل، بشأن
معاملاتهم القطنية، بطريق التحكيم، على درجتين، أولاهما، ابتدائية ينعقد فيها
الاختصاص بنظر النزاع إلى لجنة التصالح، وفى حالة الاعتراض على قراراتها، ينعقد
الاختصــاص إلى ثانيتهما - وهى لجنة التحكيــم - بالفصل في هذا الاعتراض، وقد عين
المشرع تشكيل كل من اللجنتين، والجهة التى تتولى إصدار هذا التشكيل، وذلك بعيدًا
عن إرادة أطراف النزاع واختيارهم الحر، وتباشر اللجنتان اختصاصاتهما وفقًا
للإجراءات والشروط التى حددتها النصوص المُحالة، ليضحى اللجوء إليهما طريقًا
إلزاميًّا، فرضه المشرع على أطراف النزاع للفصل فيه.
وحيث إنه متى
كان ما تقدم، فإن النصوص المُحالة، تكون قد فرضت التحكيم قهرًا على أصحاب الشأن،
وخلعت قوة تنفيذية على القرارات التى تصدرها لجان التحكيم في حقهم عند وقوع النزاع
بشأن معاملاتهم القطنية، وبهذه المثابة فإن هذا النوع من التحكيم – الذى يبسط
مظلته على كل المنازعات بين المشتغلين في تجارة القطن في الداخل بشأن معاملاتهم
القطنية، والتى يحظر على أى شخص طبيعى أو اعتبارى مزاولتها ما لم يكن اسمه مُقيدًا
في السجل الذى يعد لهذا الغرض - يكون منافيًا للأصل فيه، باعتبار أن التحكيم لا
يتولد إلا عن الإرادة الحرة، ولا يجوز فرضه تسلطًا وكرهًا، بما مؤداه أن اختصاص
جهة التحكيم بدرجتيها، التى أنشأتها النصوص المحالة لنظر المنازعات التي أدخلها
جبرًا في ولايتها، يكون منتحلاً، ومنطويًا بالضرورة على إخلال بحق التقاضي، وحرمان
للمتداعين من اللجوء إلى قاضيهم الطبيعي، بالمخالفة لنص المادة (97) من الدستور،
ومنعدمًا بالتالى من زاوية دستورية.
وحيث إن
المادتين ( 33 ، 34) من قانون تنظيم تجارة القطن في الداخل الصادر بالقانون رقم
210 لسنة 1994، والفقرة الأخيرة من المادة (35) من هذا القانون، والمادة (44) من
القانون ذاته فيما تضمنته من عبارة "ولجنة التحكيم"، والمادة (15) من
لائحته التنفيذية الصادرة بقرار وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية رقم 389 لسنة
1994 فيما تضمنته من عبارة "بالتعويض الذى تقدره لجان التصالح والتحكيم
المختصة"، ترتبط ارتباطًا لا يقبل التجزئة بالنصوص المُحالة، في النطاق
المشار إليه، بحيث لا يمكن فصلها أو تطبيقها استقلالاً عنها، مما يترتب عليه
سقوطها تبعًا للحكم بعدم دستوريتها، إذ لا يتصور وجودها بدون هذه النصوص.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة:
أولاً: بعدم دستورية نصوص المواد (28 ، 29، 30، 31، 32) من قانون
تنظيم تجارة القطن في الداخل الصادر بالقانون رقم 210 لسنة 1994، ونص الفقرة
الأخيرة من المادة (4)، ونص المادة (10) من لائحته التنفيذية الصادرة بقرار وزير
الاقتصاد والتجارة الخارجية رقم 389 لسنة 1994.
ثانيًا: بسقوط نصى المادتين (33 ، 34)، ونص الفقرة الأخيرة من المادة
(35) من قانون تنظيم تجارة القطن في الداخل المشار إليه، وعبارة "ولجنة
التحكيم" الواردة بنص المادة (44) من هذا القانون، وعبارة "بالتعويض
الذى تقدره لجان التصالح والتحكيم المختصة" الواردة بنص المادة (15) من
لائحته التنفيذية الصادرة بقرار وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية رقم 389 لسنة
1994.