الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 9 يونيو 2019

عدم دستورية التحكيم الاجباري في منازعات القطن

الدعوى رقم 68 لسنة 40 ق "دستورية" جلسة 4 / 5 / 2019
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من مايو سنة 2019م، الموافق الثامن والعشرين من شعبان سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمــد خيرى طه النجــار وسعيد مرعى عمـرو ورجب عبد الحكيم سليم والدكتور حمدان حسن فهمى والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل      نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع  أمين السر

أصدرت الحكم الآتى

      في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 68 لسنة 40 قضائية "دستورية"، بعد أن أحالت محكمة النقض – الدائرة المدنية والتجارية - بحكمها الصادر بجلسة 22/4/2018، ملف الطعن رقم 7909 لسنة 85 قضائية.
المقام من
رئيس مجلس إدارة شركة مصر إيران للغزل والنسيج (عتاقة بالسويس)
ضد
1-    اللجنة العامة لتنظيم تجارة القطن بالداخل
2-    رئيس مجلس إدارة شركة الفريد لحليج وتجارة الأقطان
الإجراءات
بتاريخ الرابع عشر من يونيه سنة 2018، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، ملف الطعن رقم 7909 لسنة 85 قضائية، بعد أن قضت محكمة النقض بجلسة 22/4/2018، بوقف الطعن، وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية المواد من (28) إلى (32) من قانون تنظيم تجارة القطن في الداخل الصادر بالقانون رقم 210 لسنة 1994، والفقرة (ز) (وصحتها الفقرة الأخيرة) من المادة (4)، والمادة (10) من اللائحة التنفيذية لهذا القانون الصادرة بقرار وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية رقم 389 لسنة 1994 ، فيما تضمنته تلك المواد من فرض التحكيم جبرًا أمام لجان التصالح بالمحافظات، والطعن عليها أمام لجنة تحكيم الإسكندرية، وجعل أحكامها نهائية.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم أصليًّا: بعدم قبول الدعوى. واحتياطيًّا: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
      بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل –على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق– في أن شركة مصر إيران للغزل والنسيج (عتاقة بالسويس) كانت قد أقامت ضد شركة الفريد لحليج وتجارة الأقطان، الدعوى رقم 2 لسنة 68 قضائية تحكيم، أمام محكمة استئناف الإسكندرية، بطلب الحكم ببطلان حكم التحكيم والقرار الصادر في التحكيم رقم 7 لسنة 2011 من لجنة تحكيم اللجنة العامة لتنظيم وتجارة القطن بالداخل. وقالت شرحًا لدعواها إنها قد تقدمت بشكوى إلى اللجنة الفرعية لتنظيم تجارة القطن بالشرقية ضد شركة الفريد لحليج وتجارة الأقطان، لعدم تنفيذها عقد الاتفاق المبرم بينهما بتاريخ 20/3/2010، وبتاريخ 18/6/2011، تم إخطارها بقرار اللجنة بإلزامها بسداد مبلغ 3,722,000 جنيه لتلك الشركة، والذى يمثل 40% من ثمن القطن مضافًا إليه 2,000,000 جنيه من المديونية السابقة، فاعترضت الشركة على هذا القرار أمام اللجنة العامة لتنظيم تجارة القطن في الداخل، وفقًا لنص المادة (31) من قانون تنظيم تجارة القطن في الداخل الصادر بالقانون رقم 210 لسنة 1994، فأحيل النزاع إلى لجنة تحكيم القطن بالإسكندريـة وقيد برقم 7 لسنة 2011، وبتاريخ 2/12/2011، تم إخطارها بقرار لجنة التحكيم الصادر بتاريخ 24/11/2011، بإلزامها بأن تؤدى للشركة مبلغ 15,696,803,13 جنيهات، ومبلغ 100,000 جنيه، قيمة الرسوم القضائية المقررة على طلب التحكيم، مما حدا بالشركة إلى إقامة الدعوى المشار إليها أمام محكمـة استئناف الإسكندرية، استنادًا إلى أن حكم التحكيم قد شابه البطلان، لفصله في مسائل لم يشملها اتفاق التحكيم، متجاوزًا نطاقه، ومخالفًا للنظام العـــام، إذ قضى بفائدة 15% تزيد عن الحد الأقصى المنصوص عليه في القانون المدنى. كما أقامت شركة الفريد لحليج وتجارة الأقطان الدعوى رقم 1 لسنة 69 تحكيم الإسكندرية، أمام المحكمة ذاتها، بطلب الحكم بإلزام شركة مصر إيران للغزل والنسيح بأن تؤدى لها مبلغ 50,000 جنيه، تعويضًا لها عما لحقها من أضرار من جراء إساءة استعمال حق التقاضى، لما اتخذته من إجراءات الانتقال لتنفيذ حكم التحكيم المقام بشأنه الدعوى الأولى، ثم تقدمت بطلب ترك الخصومة فيها قبل اللجنة العامة لتنظيم تجارة القطن في الداخل، وبطلب تعديل مبلغ التعويض إلى مبلغ 1000 جنيه، وقررت المحكمة ضم الدعويين للارتباط وليصدر فيهما حكم واحد، وبجلسة 24/2/2015، قضت المحكمة :- أولاً: في الدعوى رقم 2 لسنة 68 قضائية "تحكيم إسكندرية" بعدم قبولها، ثانيًا: في الدعوى رقم 1 لسنة 69 قضائية "تحكيم إسكندرية" بإثبات ترك الخصومة بالنسبة للمطعون ضده الأول بصفته، وفى الموضوع برفضه. طعنت شركة مصر إيران للغزل والنسيج (عتاقة بالسويس) في هذا الحكم بطريق النقض طالبة في الشق المستعجل الحكم بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وفى الموضوع أصليًا: بنقض الحكم، والحكم بطلباتها الواردة بمذكراتها المقدمة بجلسة 26/8/2012، واحتياطيًا: بنقض الحكم وإعادة القضية إلى محكمة استئناف الإسكندرية. وإذ عرض الطعن على محكمة النقض في غرفة مشورة، حددت لنظره جلسة 14/5/2017، وبجلسة 22/4/2018، قضت بوقف نظر الطعن وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا؛ للنظر في دستورية نصوص المواد التى تضمنها قرار الإحالة المشار إليه، والتى تتحدد في ضوء حقيقة ما قصدت إليه محكمة النقض من تلك الإحالة في نصوص المواد من (28) إلى (32) من قانون تنظيم تجارة القطن في الداخل الصادر بالقانون رقم 210 لسنة 1994، والفقرة الأخيرة من المادة (4)، والمادة (10) من اللائحة التنفيذية لهذا القانون الصادرة بقرار وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية رقم 389 لسنة 1994 ، فيما تضمنته تلك المواد من فرض التحكيم جبرًا أمام لجان التصالح بالمحافظات، والطعن عليها أمام لجنة تحكيم الإسكندرية، وجعل أحكامها نهائية.

وحيث إن المادة (3) من قانون تنظيم تجارة القطن في الداخل الصادر بالقانون رقم 210 لسنة 1994 تنص على أنه "يُحظر على أى شخص طبيعى أو اعتبارى مزاولة مهنة تجارة القطن في الداخل ما لم يكن اسمه مقيدًا في السجل الذى يعد لهذا الغرض في الوزارة المختصة".
      وتنص المادة (28) على أنه "تُشكل سنويًا بكل محافظة منتجة للقطن لجنة تسمى "لجنة التصالح" برئاسة مدير مكتب اللجنة العامة بالمحافظة وممثل واحد عن كل من التجار المقيدين والمنتجين واثنين عن هيئة التحكيم واختبارات القطن أعضاء تختارهم اللجنة العامة.
      ويصدر بتشكيل لجنة التصالح قرار من رئيس اللجنة العامة".
      وتنص المادة (29) على أنه "تختص لجنة التصالح دون غيرها بالنظر فيما يُعرض عليها من المنازعات التى تقع بين الأعضاء بشأن معاملاتهم القطنية، ويكون الاختصاص المحلى للجنة التصالح في المنازعات التى بها موطن المدعى عليه أو يوجد فيها القطن محل النزاع أو تم فيها التعاقد ما لم يتفق على غير ذلك".
      وتنص المادة (30) على أنه "يُعرض النزاع على لجنة التصالح بطلب يُقدم إلى مكتب اللجنة العامة بالمحافظة يتضمن بيانًا مفصلاً لموضوع النزاع.
      ولا يكون الطلب مقبولاً إلا إذا سدد صاحبه لمكتب اللجنة العامة بالمحافظة الرسم المقرر، وتحدد لجنة التصالح في قرارها من يتحمله.
      وعلى مكتب اللجنة العامة بالمحافظة أن يحيل النزاع إلى لجنة التصالح ويدعوها للاجتماع في موعد غايته أسبوع من تاريخ تقديم الطلب إليه.
      وتبلغ لجنة التصالح الطلب إلى الخصوم في النزاع، وتحدد لهم في الإعلان تاريخ الجلسة المحددة لنظره والذى يجب أن يكون بينه وبين تاريخ الإعلان أسبوعًا على الأقل.
      وتسمع اللجنة أقوال طرفى النزاع ما لم يقرر أحدهما أو كلاهما النزول عن سماع أقواله.
      ويكون إعلان الأوراق إلى الخصوم ودعوة أعضاء اللجنة إلى الحضور بواسطة مكتب اللجنة العامة بالمحافظة، ويرسل بكتاب موصى عليه مصحوبًا بعلم الوصول.
      ويعتبر عدم حضور الخصم رغم إخطاره نزولاً منه عن سماع أقواله، وتستمر اللجنة في عملها وتصدر قرارها وتبلغه للخصم المتخلف بكتاب موصى عليه مصحوب بعلم الوصول، ويعتبر القرار في هذه الحاله حضوريًا.
      وتصـدر قرارات لجنة التصالح بأغلبية الأصوات، فإذا لم يعترض الطرفان أو أحدهما عليها أصبحت نهائية".
      وتنص المادة (31) على أنه "فى حالة الاعتراض على قرارات لجنة التصالح يحال النزاع إلى لجنة تحكيم بالإسكندرية تشكل من أربعة أعضاء منهم عضو واحد من التجار المقيدين وعضوان من المنتجين وعضو من هيئة التحكيم واختبارات القطن ويرأس اللجنة مستشار من مجلس الدولة يختاره رئيس المجلس.
      ويصدر بتشكيل لجنة التحكيم قرار من الوزير المختص، ويكون انعقادها بمقر اللجنة العامة بمدينة الإسكندرية".
      وتنص المادة (32) على أنه "يُقدم طلب التحكيم في القرارات المشار إليها في المادة السابقة إلى رئيس اللجنة العامة خلال ثلاثين يومًا من إبلاغ القرار للخصم المعترض بخطاب موصى عليه، وتتبع في إجراءات نظر التحكيم الأحكام المنصوص عليها في المادتين (30) ، (31) من هذا القانون، ولا يكون الطلب مقبولاً إلا إذا سدد صاحبه الرسم المقرر، وتحدد لجنة التحكيم في قرارها من يتحمله".

      كما تنص الفقرة الأخيرة من المادة (4) من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم تجارة القطن في الداخل الصادرة بقرار وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية رقم 389 لسنة 1994 على أنه "ويجب أن يتضمن العقد شرطًا خاصًا بفض المنازعات الناشئة عن تنفيذه بواسطة لجان التصالح والتحكيم طبقًا لأحكام الباب الرابع من قانون تنظيم تجارة القطن في الداخل".
      وتنص المادة (10) من اللائحة ذاتها على أنه "فى حالة عدم تنفيذ أحد الطرفين لالتزاماته، يحال النزاع إلى لجنة التصالح المنصوص عليها في المادة (28) من قانون تنظيم تجارة القطن في الداخل، بموجب طلب يقدم إلى مكتب اللجنة العامة بالمحافظة".
      وحيث إن حكم الإحالة ينعى على هذه النصوص - في حدود نطاقها المتقدم - إهدارها لحق التقاضى، إذ فرضت على المتعاملين في بيع وتجارة القطن في الداخل، نظامًا لتسوية ما ينشب بينهم من نزاع أو اختلاف بشأن معاملاتهم القطنية عن طريق التحكيم الإجبارى، دون أن يُلتفت إلى إرادتهم، ولا يُعول على رضائهم، ويخضعهم لأحكامه جبرًا، مما يتنافى مع الأصل في التحكيم، باعتباره لا يتولد إلا عن الإرادة الحرة، ولا يجوز إجراؤه تسلطًا وكرهًا، مما ترتب عليه حرمان المتداعين من اللجوء إلى محاكم القانون العام، بوصفها قاضيهم الطبيعى، بالمخالفة للمادة (97) من الدستور.
      وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى لسابقة الفصل فيها بحكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 13/1/2018، في الدعوى رقم 130 لسنة 34 قضائية "دستورية"، المنشور بالجريدة الرسمية في العدد 3 مكرر (أ) في 23/1/2018، ولعدم توافر المصلحة فيها، لأن النصوص المُحالة تتصل بتعيين مندوب الحكومة لدى الاتحاد وصلاحياته، وكذا إجراءات تأديب أعضاء الاتحاد، وليس لها علاقة بمسألة التحكيم، فإن هذا الدفع بوجهيه غير سديد، ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الحجية المطلقة للأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية، يقتصر نطاقها على النصوص التشريعية التى كانت مثارًا للمنازعة حول دستوريتهـــا، وفصلت فيها المحكمة فصلاً حاسمًا بقضائهـــا، أما ما لم يكن مطروحًا على المحكمة، ولم تفصل فيه بالفعل، فلا تمتد إليه تلك الحجية. ولما كان قضاء المحكمة الدستورية العليـا في الدعوى المشار إليها قد اقتصر على الحكم: "أولاً: بعدم دستورية نص المادة (26) من قانون اتحاد مصدرى الأقطان الصادر بالقانون رقم 211 لسنة 1994. ثانيًا: بسقوط الفقرة الأولى من المادة (25) من القانون المشار إليه، فيما تضمنته من عبارة "وأن يتم التحكيم بالإسكندرية"، والفقرة الثانية منها، والمادة (27) من القانون ذاته، وكذا المواد من (95) إلى (104) من اللائحة الداخلية لاتحاد مصدرى الأقطان، الصادرة بقرار وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية رقم 507 لسنة 1994"، فإن النصوص المُحالة لم تكن معروضة على هذه المحكمة في حكمها سالف الذكر، ولم تفصل فيها، كما أن ما أوردته هيئة قضايا الدولة من أن النصوص المُحالة ليس لها علاقة بمسألة التحكيم، فإن ذلك يتعلق بنصوص المواد الواردة في قانون اتحاد مصدرى الأقطان الصادر بالقانون رقم 211 لسنة 1994، بينما النصوص المُحالة تتعلق بقانون تنظيم تجارة القطن في الداخل الصادر بالقانون رقم 210 لسنة 1994، مما يتعين معه رفض هذا الدفع.

      وحيث إن المصلحة في الدعوى الدستورية، وهى شرط لقبولها، مناطها –على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية مؤثرًا في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، المطروحة على محكمة الموضوع؛ ويستوى في شأن توافر هذه المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو الإحالة. والمحكمة الدستورية العليا هى وحدها التى تتحرى توافر المصلحة في الدعاوى الدستورية للتثبت من شروط قبولها، بما مؤداه أن الإحالة من محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا لا تفيد بذاتها توافر المصلحة، بل يتعين أن يكون الحكم في المطاعن الدستورية لازمًا للفصل في النزاع المثار أمام محكمة الموضوع. إذ كان ذلك، وكان جوهر النزاع الموضوعى يدور حول طلب شركة مصر إيران للغزل والنسيج (عتاقة بالسويس) الحكم ببطلان القرار الصادر في التحكيم رقم 7 لسنة 2011 من لجنة تحكيم القطن بالإسكندرية، والمقام منها ضد شركة الفريد لحليج وتجارة الأقطان، والذى صدر عقب اعتراضها أمام لجنة التصالح بمحافظة الشرقية في الشكوى المقدمة منها إليها، وفقًا لأحكام قانون تنظيم تجارة القطن في الداخل المشار إليه ولائحته التنفيذية، والتى تتضمن مواده من (28) إلى (32) تنظيميًا قانونيًا متكاملاً لفض كافة المنازعات التى تنشأ بين الأعضاء المشتغلين في تجارة القطن في الداخل بشأن معاملتهم القطنية، باعتباره السبيل الوجوبى الوحيد المتاح لفض هذه المنازعات، وعلى النحو الذى أكدته الفقرة الأخيرة من المادة (4)، والمادة (10) من لائحته التنفيذية، ومن ثم فإن الفصل في دستورية النصوص المُحالة يكون له انعكاس على الدعوى الموضوعية ومن شأنه أن يؤثر على الطلبات المطروحة أمامها.
      وحيث إن الدستور قد كفل لكل مواطن – بنص مادته السابعة والتسعين – حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعى، مخولاً إياه بذلك أن يسعى بدعواه إلى قاض يكون بالنظر إلى طبيعتها، وعلى ضوء مختلف العناصر التى لابستها، مهيئًا دون غيره للفصل فيها، كذلك فإن لحق التقاضى غاية نهائية يتوخاها، تمثلها الترضية القضائية، التي يناضل المتقاضون من أجل الحصول عليها، لجبر الأضرار التي أصابتهم من جراء العدوان على الحقوق التى يطلبونها، فإذا أرهقها المشرع بقيود تعسر الحصول عليها أو تحول دونها كان ذلك إخلالاً بالحماية التى كفلها الدستور لهذا الحق، وإنكارًا لحقائق العدل في جوهر ملامحها.
      وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الأصل في التحكيم هو عرض نزاع معين بين طرفين على مُحكم من الأغيار يُعيَّن باختيارهما أو بتفويض منها أو على ضوء شروط يحددانها، ليفصل هذا المحكم في ذلك النزاع بقرار يكون نائيًا عن شبهة الممالأة، مجردًا من التحامل، وقاطعًا لدابر الخصومة في جوانبها التي أحالها الطرفان إليه، بعد أن يدلى كل منهما بوجهة نظره تفصيلاً من خلال ضمانات التقاضي الرئيسية. ولا يجوز بحال أن يكون التحكيم إجباريًّا يذعن إليه أحد الطرفين، إنفاذًا لقاعدة قانونية آمرة، لا يجوز الاتفاق على خلافها، وذلك سواء كان موضوع التحكيم نزاعًـــا قائمًا أو محتمــلاً، ذلك أن التحكيم مصدره الاتفاق، إذ يحدد طرفاه – وفقًا لأحكامه – نطاق الحقوق المتنازع عليها بينهما، أو المسائل الخلافية التى يمكن أن تعرض لهما، وإليه ترتد السلطة الكاملة التى يباشرها المحكمون عند البت فيها، ويلتزم المحتكمون بالنزول على القرار الصادر فيه، وتنفيذه تنفيذًا كاملاً وفقًا لفحواه، ليؤول التحكيم إلى وسيله فنية لها طبيعة قضائية غايتها الفصل في النزاع مبناه علاقة محل اهتمام من أطرافها، وركيزته اتفاق خاص يستمد المحكمون منه سلطاتهم، ولا يتولون مهامهم بالتالى بإسناد من الدولة، وبهذه المثابة فإن التحكيم يعتبر نظامًا بديلاً عن القضاء، فلا يجتمعان، ذلك أن مقتضى الاتفاق عليه؛ عزل المحاكم جميعها عن نظر المسائل التى انصب عليها، استثناء من أصل خضوعها لولايتها. ومؤدى ما تقدم جميعه، أنه إذا ما فرض المشرع التحكيم قسرًا بقاعدة قانونية آمرة، فإن ذلك يُعد انتهاكًا لحق التقاضى الذى كفله الدستور.




      وحيث إن البيّن من استقراء نص المادة (29) من قانون تنظيم تجارة القطن في الداخل المشار إليه، أنه قد أسند للجنة التصالح دون غيرها، الاختصاص بالفصل في المنازعات التى تنشأ بين الأعضاء بشأن معاملاتهم القطنية، كما أن نص المادة (28) قد جعل تشكيل هذه اللجنة سنويًا بكل محافظة منتجة للقطن، وذلك بقرار من رئيس اللجنة العامة، ويتولى رئاسة تلك اللجنة مدير مكتب اللجنة العامة بالمحافظة، وعضوية ممثل واحد عن كل التجار المقيدين والمنتجين، واثنين عن هيئة تحكيم واختبارات القطن، تختارهم اللجنة العامة، وتتصل هذه اللجنة بتلك المنازعات – على نحو ما بينته المادة (30) من هذا القانون والمادة (10) من لائحته التنفيذية – بطلب يقدم إلى مكتب اللجنة العامة بالمحافظة،    يتضمن بيانًا مفصلاً لموضوع النزاع، ولو تقدم به أحد طرفى النزاع بمفرده، وعلى مكتب اللجنة العامة بالمحافظة –وفقًا لنص المادة (30) من القانون المشار إليه- أن يحيل النزاع إلى لجنة التصالح، ويدعوها للاجتماع في موعد غايته أسبوع، من تاريخ تقديم الطلب إليه، وتصدر قراراتها بأغلبية الأصوات، فإذا لم يعترض الطرفان أو أحدهما عليها أصبحت نهائية. كما أسند نص المادة (31) من هذا القانون إلى لجنة تحكيم بالإسكندرية، الاختصاص الحصري بنظر النزاع، في حالة الاعتراض على قرارات لجنة التصالح، وعين تشكيل هذه اللجنة من أربعة أعضاء، منهم واحد من التجار المقيدين، وعضوان من المنتجين، وعضو من هيئة التحكيم واختبارات القطن، ويرأس اللجنة مستشار من مجلس الدولة يختاره رئيس المجلس، ويصدر بهذا التشكيل قرار من الوزير المختص. وتتصل هذه اللجنة بالنزاع – على نحو ما أبانت المادة (32) من هذا القانون – بطلب يقدم إلى رئيس اللجنة العامة، خلال ثلاثين يومًا من إبلاغ قرار لجنة التصالح للخصم المعترض، بخطاب موصى عليه، لتنظره وفقًا للشروط والإجراءات التى حددها نصا المادتين (30 ، 31) من هذا القانون. كما تطلب نص الفقرة الأخيرة من المادة (4) من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم تجارة القطن في الداخل، أن تتضمن نماذج العقود التى تعدها اللجنة العامة لتنظيم تجارة القطن في الداخل وفقًا لنص المادة (3) من هذه اللائحة، والتى يكون إبرام الصفقات بيعًا وشراء للأقطان الزهر والشعر ومخلفاتها بضاعة حاضرة طبقًا لها - شرطًا خاصًا بفض المنازعات الناشئة عن تنفيذه بواسطة لجان التصالح والتحكيم طبقًا لأحكام الباب الرابع من قانون تنظيم تجارة القطن في الداخــــل. وبناءً على ما تقــــدم، فإن النصـوص المُحالة، قد جعلت الفصل في المنازعات التى تنشأ بين المشتغلين في تجارة القطن في الداخل، بشأن معاملاتهم القطنية، بطريق التحكيم، على درجتين، أولاهما، ابتدائية ينعقد فيها الاختصاص بنظر النزاع إلى لجنة التصالح، وفى حالة الاعتراض على قراراتها، ينعقد الاختصــاص إلى ثانيتهما - وهى لجنة التحكيــم - بالفصل في هذا الاعتراض، وقد عين المشرع تشكيل كل من اللجنتين، والجهة التى تتولى إصدار هذا التشكيل، وذلك بعيدًا عن إرادة أطراف النزاع واختيارهم الحر، وتباشر اللجنتان اختصاصاتهما وفقًا للإجراءات والشروط التى حددتها النصوص المُحالة، ليضحى اللجوء إليهما طريقًا إلزاميًّا، فرضه المشرع على أطراف النزاع للفصل فيه.

      وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن النصوص المُحالة، تكون قد فرضت التحكيم قهرًا على أصحاب الشأن، وخلعت قوة تنفيذية على القرارات التى تصدرها لجان التحكيم في حقهم عند وقوع النزاع بشأن معاملاتهم القطنية، وبهذه المثابة فإن هذا النوع من التحكيم – الذى يبسط مظلته على كل المنازعات بين المشتغلين في تجارة القطن في الداخل بشأن معاملاتهم القطنية، والتى يحظر على أى شخص طبيعى أو اعتبارى مزاولتها ما لم يكن اسمه مُقيدًا في السجل الذى يعد لهذا الغرض - يكون منافيًا للأصل فيه، باعتبار أن التحكيم لا يتولد إلا عن الإرادة الحرة، ولا يجوز فرضه تسلطًا وكرهًا، بما مؤداه أن اختصاص جهة التحكيم بدرجتيها، التى أنشأتها النصوص المحالة لنظر المنازعات التي أدخلها جبرًا في ولايتها، يكون منتحلاً، ومنطويًا بالضرورة على إخلال بحق التقاضي، وحرمان للمتداعين من اللجوء إلى قاضيهم الطبيعي، بالمخالفة لنص المادة (97) من الدستور، ومنعدمًا بالتالى من زاوية دستورية.

      وحيث إن المادتين ( 33 ، 34) من قانون تنظيم تجارة القطن في الداخل الصادر بالقانون رقم 210 لسنة 1994، والفقرة الأخيرة من المادة (35) من هذا القانون، والمادة (44) من القانون ذاته فيما تضمنته من عبارة "ولجنة التحكيم"، والمادة (15) من لائحته التنفيذية الصادرة بقرار وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية رقم 389 لسنة 1994 فيما تضمنته من عبارة "بالتعويض الذى تقدره لجان التصالح والتحكيم المختصة"، ترتبط ارتباطًا لا يقبل التجزئة بالنصوص المُحالة، في النطاق المشار إليه، بحيث لا يمكن فصلها أو تطبيقها استقلالاً عنها، مما يترتب عليه سقوطها تبعًا للحكم بعدم دستوريتها، إذ لا يتصور وجودها بدون هذه النصوص.
فلهذه الأسباب
      حكمت المحكمة:
أولاً: بعدم دستورية نصوص المواد (28 ، 29، 30، 31، 32) من قانون تنظيم تجارة القطن في الداخل الصادر بالقانون رقم 210 لسنة 1994، ونص الفقرة الأخيرة من المادة (4)، ونص المادة (10) من لائحته التنفيذية الصادرة بقرار وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية رقم 389 لسنة 1994.
ثانيًا: بسقوط نصى المادتين (33 ، 34)، ونص الفقرة الأخيرة من المادة (35) من قانون تنظيم تجارة القطن في الداخل المشار إليه، وعبارة "ولجنة التحكيم" الواردة بنص المادة (44) من هذا القانون، وعبارة "بالتعويض الذى تقدره لجان التصالح والتحكيم المختصة" الواردة بنص المادة (15) من لائحته التنفيذية الصادرة بقرار وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية رقم 389 لسنة 1994.

استحالة استرداد أرض من يد القوات المسلحة يتعلق بحق التنفيذ بمقابل ويخرج من نطاق اعمال السيادة

الدعوى رقم 35 لسنة 40 ق "تنازع" جلسة 4 / 5 / 2019
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من مايو سنة 2019م، الموافق الثامن والعشرين من شعبان سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمــد خيرى طه النجــار وسعيد مرعى عمرو ورجب عبد الحكيم سليم والدكتور حمدان حسن فهمى والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل    نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى    رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع         أمين السر

أصدرت الحكم الآتى
     في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 35 لسنة 40 قضائية "تنازع".
المقامة من
شركة وادى كوم امبو لاستصلاح الأراضى- إحدى الشركات التابعة للشركة القابضة لاستصلاح الأراضى وأبحاث المياه الجوفية
ضد
1-    وزيــر الدفــاع
2-    مدير مديرية المساحة بأسوان
3-    رئيس مجلس الـــــوزراء
الإجراءات
بتاريخ العاشر من سبتمبر سنة 2018، أودعت الشركة المدعية صحيفة هذه الدعوى، قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبةً الحكم بتحديد جهة القضاء المختصة بنظر النزاع من بين:
1-    محكمة أسوان الابتدائية، التى أصدرت حكمها في الدعوى رقم 417 لسنة 1996 كلى حكومة أسوان.
2-    محكمة استئناف قنا- مأمورية استئناف أسوان- التى أصدرت حكمها في الاستئناف رقم 1577 لسنة 24 قضائية.
3-    محكمة النقض، التى أصــدرت حكمها في الطعــن رقم 1132 لسنة 76 قضائية.
4-    هيئة التحكيم التى أصدرت حكمها في طلب التحكيم رقم 38 لسنة 2016.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى.
     وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
     ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن الشركة المدعية، أقامت الدعوى رقم 417 لسنة 1996 مدنى كلى حكومة أمام محكمة أسوان الابتدائية، ضد المدعى عليهما الأول والثانى، طلبًا للحكم:
أولًا: بثبوت ملكية الشركة المدعية للمساحة المبينة بصحيفة الدعوى.
ثانيًا: بإلزام المدعى عليه الأول، بتسليم الأطيان المشار إليها، والموضحة الحدود والمعالم بصحيفة الدعوى، إلى الشركة المدعية، بما عسى أن يكون عليها، وقت التنفيذ، من مبانٍ أو منشآت أو خلافه، دون مقابل.
ثالثًا: بإلزام المدعى عليه الأول، بأن يؤدى للشركة المدعية، مقابل الإشغال وعدم الانتفاع، عن تلك المساحة اعتبارًا من 1/7/1957، طبقًا للأسس السابق الاتفاق عليها، على سند من القول: بأن الشركة المدعية، تمتلك قطعة أرض تبلغ مساحتها أربعة وخمسين فدانًا وأحد عشر قيراطًا وأربعة عشر سهمًا، كائنة بناحية منيحة، حوض السبيل، نمرة (1) بكوم امبو بمحافظة أسوان، وذلك بموجب العقد المسجل رقم 11 لسنة 1935 محكمة مصر المختلطة، وقد تعدى المدعى عليه الأول على تلك المساحة بطريق الغصب، وبدون أي سند قانوني، منذ عام 1957 حتى الآن.
      وقد ندبت المحكمة خبيرًا انتهى في تقريره إلى صحة ما ذكرته الشركة المدعية، وإلى أن الأرض عين النزاع في يد المدعى عليه الأول بصفته منذ 1/7/1957، حتى الآن، وأن وضع يــــده عليهــا ليس له أى سند مــن القانــون، وبطريق الغصب، وأن الأرض عليها الوحــدة رقم (52) رادار، وقــد تقــدم المدعى عليه الأول بطلب عارض في الدعوى، دفع فيه بتملك أرض التداعى بوضع اليد، المدة الطويلة المكسبة للملكية، وبسقوط طلبات الشركة المدعية بالتقادم. وبجلسة 27/6/2005، قضت المحكمة برفض الطلب العارض وفى موضوع الدعوى الأصلية:
1- بتثبيت ملكية الشركة المدعية، على الأرض موضوع النزاع.
2- بإلزام المدعى عليه الأول بتسليم الأرض، موضوع النزاع للشركة المدعية.
3- بإلزام المدعى عليه الأول، بأن يؤدى للشركة المدعية بصفتها مبلغ مائتين وواحد وخمسين ألفًا ومائتين واثنين وخمسين جنيهًا وثمان مائة وخمسين مليمًا، قيمة الريع المستحق، عن شغل الأرض موضوع النزاع، عن المدة من 1/7/1957 وحتى 30/6/1995، وإذ لم يرتض المدعى عليه الأول هذا القضاء، طعن عليه، أمام محكمة استئناف قنا- مأمورية استئناف أسوان - بالاستئناف رقم 1577 لسنة 24 قضائية، طلبًا للحكم بإلغاء الحكم المستأنف بكل قضائه، ومشتملاته، والقضاء مجددًا:
* في الدعوى الأصلية: أصليًا: بعدم اختصاص المحاكم ولائيًّا، بنظر الدعوى المستأنف حكمها، لتعلق موضوعها بعمل من أعمال السيادة.
      واحتياطيًا: برفض الدعوى، المستأنف حكمها.
- وفى الطلب العارض: بثبوت ملكية وزارة الدفاع للأرض، سالف الإشارة إليها، والتى تشغلها الكتيبة رقم (52) رادار التابعة للقوات المسلحة.
وقد شيد المدعى عليه الأول استئنافه، على سند من القول: بأن الأرض محل النزاع، يوجد عليها منشآت عسكرية هى الكتيبة (52) رادار، وأن الاستيلاء عليها، كان أمرًا يتعلق بتمركز القوات المسلحة والوحدات العسكرية التابعة لها، ويتصل بتأمين نطاق أعمالها العسكرية المنوطة بها، حفاظًا على أمن الوطن وسلامة أراضيه، وهو ما يعد عملًا من أعمال السيادة التى تخرج عن ولاية المحاكم جميعها، فضلاً عن أن أرض النزاع تكون، بهذه المثابة، قد خُصصت فعليًّا للمنفعة العامة، بما عليها من مبانٍ ومنشآت عسكرية، إذ إنها خُصصت لمرفق من أهم المرافق العامة هو مرفق الدفاع، وأصبحت من الأملاك العامة، التى لا يجوز التصرف فيها، بأى وجه من الوجوه. وتأسيسًا على ما تقدم، أضحى رد أرض النزاع للشركة المدعية مستحيلاً، ولم يعد لها من حق على الأرض محل النزاع، سوى التعويض، وهو ما سقط حقها فيه بالتقادم. وبجلسة 16/12/2005، قضت المحكمة: بقبول الاستئناف شكلًا، وفى موضوعه: بإلغاء الحكم المستأنف، والقضاء بعدم اختصاص المحكمة ولائيًا بنظر النزاع. وشيدت قضاءها على أن مفاد نص المادة (56) من القانون رقم 97 لسنة 1983، في شأن هيئات القطاع العام وشركاته، أن يتم الفصل في المنازعات التى تقع بين شركات القطاع العام بعضها البعض، أو بين شركة قطاع عام من ناحية، وبين جهة حكومية مركزيـــــة أو محلية أو هيئة عامة أو هيئة قطاع عام أو مؤسسة عامة، من ناحية أخرى، عن طريق التحكيم، دون غيره. ولما كانت المنازعة قائمة بين كل من شركة كوم امبو لاستصلاح الأراضي، وهى إحدى شركات قطاع الزراعة التابع لوزارة الزراعة، وتمثل وحدة اقتصادية تابعة لها، وتُعد من الشركات المساهمة المصرية، وبين وزارة الدفاع، ومن ثم ينعقد الاختصاص بنظر النزاع، لهيئة التحكيم المشار إليها، دون غيرها، وهو اختصاص متعلق بالنظـام العـام، لا يجــــــوز الاتفاق على مخالفته. فطعنت الشركة المدعية على هذا الحكم، أمام محكمة النقض بالطعن رقم 1132 لسنة 76 قضائية، طالبةً الحكم بنقض الحكم المطعون فيه، وإعادة الدعوى إلى محكمة الاستئناف، للحكم في موضوعها مجددًا من دائرة أخرى. وقد أقامت طعنها، على سند من أنها شركة مساهمة، خاضعة لأحكام قانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة الصادر بالقانون رقم 159 لسنة 1981، وليست من شركات القطاع العام، ومن ثم فلا يسرى عليها نظام التحكيم الإجباري المفروض بنص المادة (56) من القانون رقم 97 لسنة 1983 المشار إليه. وبجلسة 26/1/2015، أمرت محكمة النقض - منعقدة في غرفة مشورة - بعدم قبول الطعن، مشيدةً قرارها على أن استيلاء المدعى عليه الأول على أرض النزاع، هو عمل من أعمال السيادة، باعتباره من أعمال الأمن والدفاع، المتعلقة بتمركز إحدى كتائب الرادار التابعة للقوات المسلحة، فيكون الحكم المطعون فيه، قد انتهى    إلى النتيجة الصحيحة، ويكون النعى عليه بأن الشركة المدعية ليست هيئة عامة وغير ملزمة بالتحكيم، غير منتج. فتوجهت الشركة المدعية إلى هيئة التحكيم بوزارة العدل بطلب التحكيم رقم 38 لسنة 2016، طلبًا للحكم:
أولًا: بثبوت ملكية الشركة للمساحة موضوع التداعى.
ثانيًا: بإلزام المدعى عليهما بصفتيهما بتسليم العين محل التداعى للشركة الطالبة، بما عسى أن يكون عليها وقت التنفيذ من زراعات ومبان وخلافه.
ثالثًا: بإلزام المدعى عليه الأول، بأن يدفع للشركة المدعية، مقابل الانتفاع عن هذه المساحة ومقــداره 251247 جنيهًا، عن الفترة من 1/7/1957 حتـــــــى 30/6/1995، بخلاف ما يستجد من هذا التاريخ وحتى تاريخ التسليم، ووفقًا للثابت بالحكم الصادر في الدعوى رقم 417 لسنة 1996 مدنى كلى أسوان.

            وبجلسة 31/12/2017، حكمت الهيئة بعدم اختصاص هيئات التحكيم ولائيًا بنظر النزاع، مشيدة قضاءها على أن الثابت من تقارير الخبرة أمام المحكمة الابتدائيـــــة، أن أرض النزاع تتمركز عليها الوحـدة رقم (52) رادار، التابعة للقوات المسلحة المصرية، ومن ثم، فإن الهدف من استيلاء القوات المسلحة على أرض النزاع، هو تأمين أعمالها العسكرية. لما كان ذلك، وكان مؤدى المادة (17) من قانون السلطة القضائية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 46 لسنة 1972، والمادة (11) من قانون مجلس الدولة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 47 لسنة 1972، منع المحاكم من النظر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في أعمال السيادة. ولما كان استيلاء القوات المسلحة على الأرض محل النزاع، يتعلق بتمركز وحدات القوات المسلحة في الأماكن، التى من شأنها الحفاظ على أمن الوطن وسلامة أراضيه، وهو ما يُعد من أعمال السيادة بما يخرج النزاع عن ولاية القضاء، وإذ تراءى للشركة المدعية، أن ثمة تنازعًا سلبيًا على الاختصاص بين جهة القضاء العادي، وبين هيئة التحكيم بوزارة العدل، إذ قضت كل منهما بعدم اختصاصها بنظر النزاع، أقامت الدعوى المعروضة، لتعيين الجهة المختصة بنظر النزاع.



      وحيث إن المادة (25) من قانون المحكمة الدستورية العليا، الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، تنص على أنه "تختص المحكمة الدستورية العليا، دون غيرها، بما يأتى:
أولاً: ..........
ثانيًا: الفصل في تنازع الاختصاص، بتعيين الجهة المختصة، من بين جهات القضاء، أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي، وذلك إذا رفعت الدعوى عن موضوع واحد، أمام جهتين منها، ولم تتخل إحداهما عن نظرها، أو تخلت كلتاهما عنها .......".

      وحيث إن المقرر في قضاء هــــذه المحكمة أن مناط قبــــول طلب الفصل في تنازع الاختصاص السلبى، وفقًا للبند "ثانيًّا" مـــــن المـــــادة (25) من قانون المحكمة الدستورية العليا، الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن تكون الدعوى، قد طُرحت عن موضوع واحد، أمام جهتين من جهات القضاء، أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي، وتخلت كلتاهما عن نظرها، وكان المقرر كذلك، ومن زاوية دستورية، أن الولاية التى أثبتها المشرع للمحكمة الدستورية العليا، دون غيرها، والتى اختصها، بموجبها، بالفصل في التنازع السلبى على الاختصاص، غايتها أن يكون لكل خصومة قضائية قاض، يعود إليه أمر نظرها، بقصد إنهاء النزاع موضوعها، ضمانًا لفاعلية إدارة العدالة، بما يكفل إرساء ضوابطها، واستيفاء متطلباتها، وتوكيدًا لحق كل فرد في النفاذ إلى القضاء، نفاذًا ميسرًا، لا تثقله أعباء مالية، ولا تقيده عوائق إجرائية، وكان حق التقاضي لا يبلغ الغاية المقصودة منه ما لم توفر جهة القضاء للخصومة، في نهاية مطافها، حلاً منصفًا يمثل التسوية التي يعمد من يطلبها، إلى الحصول عليها، بوصفها الترضية القضائية، التى يسعى إليها، لمواجهـة الإخـلال بالحقوق التي يدعيها. متى كان ذلك، فإن هذه الترضية، وبافتراض مشروعيتها، واتساقها مع أحكام الدستور، تندمج في الحق في التقاضي، لارتباطها بالغايــــة النهائية، التي يتوخاها، ذلك أن الخصومــــة القضائية لا تقام للدفاع عن مصلحة نظرية، لا تتمخض عنها فائدة عملية؛ بل غايتها اقتضاء منفعة يقرها القانون، وتتحدد على ضوئها حقيقة المسألة المتنازع عليها وحكم القانون بشأنها.

      وحيث إن ما تهدف إليه الشركة المدعية من الدعوى الموضوعية، مثار التنازع، هو الحكم بثبوت ملكيتها للمساحة محل التداعي، وإلزام المدعى عليه الأول بتسليمها لها، بما عسى أن يكون عليها وقت التنفيذ من زراعات ومبان وخلافه، وإلزامه أيضًا بأن يدفع لها مقابل انتفاع عن هذه المساحة، والصادر فيها حكمان: أولهما من جهة القضاء العادى، منتهيًّا إلى عدم اختصاصها، ولائيًّا، بنظر الدعوى، وثانيهما من هيئة التحكيم، قاضيًّا بعدم اختصاصها ولائيًّا، أيضًا، بنظرها، إذ كان ذلك، فإن النزاع الموضوعي قد بات بغير قاض يفصل فيه، وقام بالتالي مناط الفصل في طلب التنازع السلبى على الاختصاص، وأصبح، حتمًا مقضيًّا، على هذه المحكمة التدخل لفض هذا التنازع، بتحديد الجهة المختصة، التى تتولى الفصل في النزاع الموضوعى .
      وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المنازعات المتعلقة بالأموال والملكية والحيازة هى - بحسب الأصل - من المنازعات الناشئة عن روابط القانون الخاص؛ مما يدخل الفصل فيه في اختصاص جهة القضاء العادي باعتباره صاحب الولاية العامة في نظر كافة المنازعات إلا ما استُثنى بنص خاص؛ طبقًا للمادة (15) من قانون السلطة القضائية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 46 لسنة 1972.
      وحيث إن الحكمين محل دعوى التنازع السلبى المشار إليهما، قد استندا، في قضائيهما بعدم الاختصاص ولائيًّا بنظر النزاع الذى كان معروضًا عليهما، إلى أنه عملٌ من أعمال السيادة، التى تنأى بطبيعتها عن رقابة جهات وهيئات القضاء كافةً.
      وحيث إن الثابت بالأوراق أن الشركة المدعية هى شركة تابعة للشركة القابضة لاستصلاح الأراضي وأبحاث المياه الجوفية، الخاضعة لأحكام قانون شركات قطاع الأعمال العام الصادر بالقانــــون رقم 203 لسنة 1991، ولا يســـــرى عليها - طبقًا لنص المادة الأولى من هذا القانون - أحكام قانون هيئات القطاع العام وشركاته الصادر بالقانون رقم 97 لسنة 1983، ومن ثم لا تُعد من المخاطبين بنص المادة (56) من ذلك القانون، وتنحسر عن النزاع الدائر بينها وبين المدعى عليه الأول حول ملكية أرض النزاع، ولاية هيئة التحكيم المشكلة طبقًا للنص المذكور.

      وحيث إن من المقرر أن تحويل المال المملوك لأحد الأفراد أو الأشخاص الاعتبارية الخاصة إلى مال عام يقتضى إما إدخاله أولاً في الملكية الخاصة للدولة أو الأشخاص الاعتبارية العامة الأخرى، بطريق من طرق كسب الملكية المبينة في القانون المدني، ثم نقله بعد ذلك إلى الملك العام، بتخصيصه للمنفعة العامة، وإما بنزع ملكيته للمنفعة العامة، فينتقل فورًا من ملكية صاحبه إلى الملكية العامة، على نحو ما بينه القانون 577 لسنة 1954 بشأن نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة أو التحسين، ومن بعده القانون رقم 10 لسنة 1990 بشأن نزع ملكية العقارات للمنفعــــة العامة، وأن تخصيص الدولــــة العقار المملوك لأحد الأفراد أو الأشخاص الاعتبارية الخاصة للمنفعة العامة بالفعل، دون اتباع الإجراءات التي رسمها القانون المذكور، وذلك باستيلائها عليه، ونقل حيازته إليها، وإدخاله في المال العام، يتفق في غايته مع نزع الملكية باتخاذ إجراءاته القانونية، ومن ثم يستحق ذوو الشأن جميع ما يرتبه قانون نزع الملكية من حقوق، بما في ذلك الحق في تعويض يعادل الثمن. متى كان ذلك، وكـان تخصيص أرض النزاع لتمركز الكتيبة رقم(52) رادار التابعة للقوات المسلحة، بغــــرض تأمين نطاق أعمالها العسكرية المنوطــــة بها - سواء تم بالإجراءات المقررة قانونًا أم بالفعل - يدخل ضمن أوجه النفع العام التي تستهدف تحقيق مصلحة عامة جوهرية، لاتصالها بصيانة أمـن الوطن وحماية مقدسـاته مما يصبح معه استرداد أرض النزاع من يد القوات المسلحة مستحيلاً، ومن ثم يتعلق حق صاحب الشأن بالتنفيذ بمقابل ممثلاً في التعويض النقدي، وتبعًا لذلك؛ فإن المنازعة في أثر ذلك على ملكية الشركة المدعية لأرض النزاع، واستحقاقها مقابل الانتفاع بها، يُعد في حقيقته نزاعًا حول الملكية واستحقاق المالك لغلة أمواله، بما يخرج عن مفهوم أعمال السيادة؛ ويدخل في صميم اختصاص جهة القضاء العادي.

      وحيث إن نص المادة (192) من الدستور، ونص البند ثانيًا من المادة (25) من قانون هذه المحكمة الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، قد ناطا بالمحكمة الدستورية العليا - دون غيرها - الفصل في تنازع الاختصاص الولائي بتعيين الجهة القضائية المختصة، فإن الحكم الصادر عنها بتعيين هذه الجهة، والذى تثبت له، طبقًا لنص المادة (195) من الدستور، الحجية المطلقة في مواجهة الكافة وجميع سلطات الدولة، بما فيها جهات القضاء، ويكون ملزمًا بالنسبة لهم، مؤداه إسباغ الولاية، من جديد، على تلك الجهة، بحيث تلتزم بنظر الدعوى، غير مقيدة بسبق تخليها عن نظرها، ولو كان حكمها في هذا الشأن قد أصبح باتًّا.

فلهذه الأسباب
      حكمت المحكمة بتعيين جهة القضاء العادي جهة مختصة بنظر النزاع.

عدم اختصاص مجلس الدولة بالمنازعات بين الصحفي والصحيفة لخضوعها لقانون العمل


الدعوى رقم 33 لسنة 40 ق "تنازع" جلسة 4 / 5 / 2019
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من مايو سنة 2019م، الموافق الثامن والعشرين من شعبان سنة 1440 هـ.

برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى   رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمــــد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبدالعليم أبو العطا.   نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى    رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع             أمين السر


أصدرت الحكم الآتى
      في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 33 لسنة 40 قضائية "تنازع".


المقامة من
رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط
ضــــــد
عصام مصطفى كمال عبدالمجيد الكاشف


الإجراءات
 بتاريخ الثامن والعشرين من أغسطس سنة 2018، أودعت الوكالة المدعية صحيفة هذه الدعوى، قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبةً الحكم بصفة مستعجلة: بوقف تنفيذ:1- الحكم الصادر من محكمة جنوب القاهرة الابتدائية في الدعوى رقم 1080 لسنة 2014 عمال، المؤيد بالحكم الصادر من محكمة استئناف القاهرة في الاستئنافين رقمى 746 و841 لسنة 134 قضائية "عمال"، 2- الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى في الدعوى رقم 69960 لسنة 69 قضائية، وفى الموضوع: تحديد أى من حكمى جهتى القضاء العادى والإدارى واجب الاعتداد به دون الآخر.


وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة بجلسة 6/4/2019، إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم، وصرحت بإيداع مذكرات في أسبوع، وفى الأجل المشار إليه أودعت الوكالة المدعية مذكرة، رددت فيها الطلبات ذاتها الواردة بصحيفة دعواها، وأرفقت بها حافظتى مستندات.


المحكمـــــة
   بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
      حيث إن الوقائع تتحصل– على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أنه إبان فترة عمل المدعى عليه مديرًا لتحرير الوكالة المدعية، صدر قرار بنقله للعمل بمكتب الوكالة بمدينة صنعاء بجمهورية اليمن، خلال المدة من 25/12/2011، وحتى 31/12/2013، وبعد عودته، أقام ضد الوكالة الدعوى رقم 1080 لسنة 2014 عمال، أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية، طالبًا الحكم بإلزامها بأن تؤدى له راتبه عن شهر ديسمبر سنة 2013، ومبلغ التأمين الصحى "فئة الخارج" عن الشهر ذاته، والمقابل النقدى للمناسبات المختلفة، وبدل التكنولوجيا والتدريب خلال مدة عمله بالخارج، وتكاليف العملية الجراحية التى أجراها خلال تلك المدة، والمقابل النقدى لرصيد الإجازات والعطلات الرسمية التى لم يحصل عليها خلال المدة من 1/1/2012 حتى 31/12/2013، وبجلسة 29/12/2016، قضت المحكمة بإلزام الوكالة بأن تؤدى له مبلغ 2903,60 دولارات أمريكية، قدر راتبه عن شهر ديسمبر سنة 2013، ورفضت ما عدا ذلك من طلبات. لم يصادف هذا الحكم قبول الطرفين، فطعنت عليه الوكالة المدعية بالاستئناف رقم 746 لسنة 134 قضائية، أمام محكمة استئناف القاهرة، كما طعن المدعى عليه على ذلك الحكم بالاستئناف رقم 841 لسنة 134 قضائية، أمام المحكمة ذاتهــــــا. وبعد أن قررت المحكمة ضم الاستئنافين للارتباط، قضت فيهما بجلسة 26/9/2017، بقبولهما شكلاً، ورفضهما موضوعًا، وتأييد الحكم المستأنف. ومن جانب آخر، كان المدعى عليه قد أقام الدعوى رقم 69960 لسنة 69 قضائية، أمام محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة، ضد الوكالة المدعية وآخرين، طالبًا الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القــــــــــرار السلبى بالامتناع عن صرف بدل التدريب والتكنولوجيا عن الفترة من 1/1/2012 حتى 31/12/2012، وما يترتب على ذلك من آثار، أخصها أحقيته في صرف هذا البدل، وبجلسة 6/9/2016، قضت المحكمة بأحقيته في صرف البدل المشار إليه من تاريخ وقف صرفه. وإذ ارتأت الوكالة المدعية وجود تناقض بين حكم محكمة القضاء الإدارى، وحكم محكمة استئناف القاهرة الصادر بجلسة 26/9/2017، في الاستئنافين رقمى 746 و841 لسنة 134 قضائية، المؤيد للحكم الصادر من محكمة جنوب القاهرة في الدعوى رقم 1080 لسنة 2014 عمال كلى، أقامت الدعوى المعروضة.

      وحيث إن مناط قبول طلب الفصل في النزاع الذى يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين، طبقًا للبند (ثالثًا) من المادة (25) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يكون أحد الحكمين صادرًا من أية جهة من جهات القضاء أو هيئة ذات اختصاص قضائى، والآخر من جهة أخرى منها، وأن يكونا قد تعامدا على محل واحد، وحسما النزاع في موضوعه، وتناقضا بحيث يتعذر تنفيذهما معًا. متى كان ذلك، وكان الثابت بالأوراق أن موضوع ومنطوق الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالقاهرة بجلسة 6/9/2016، في الدعوى رقم 69960 لسنة 69 قضائية، قد انصب على أحقية المدعى عليه في بدل التدريب والتكنولوجيا، وما يترتب على ذلك من آثار، أخصها صرف هذا البدل له من تاريخ وقف صرفه، حال أن أحقية المدعى عليه في هذا البدل تحديدًا، كان أحد طلباته في الدعوى رقم 1080 لسنة 2014 عمال كلى جنوب القاهرة، وقضت المحكمة برفضه بحكمها الصادر بجلسة 29/12/2016، والذى تأيد استئنافيًّا بموجب الحكم الصادر من محكمة استئناف القاهرة، بجلسة 26/9/2017، في الاستئنافين رقمى 746 و841 لسنة 134 قضائية. ومن ثم، غدا الحكمان موضوع دعوى التناقض المعروضة متعامدين في هذا النطاق على محل واحد، وحسما النزاع في موضوعه، وتناقضا بحيث يتعذر تنفيذهما معًا، بما يتحقق معه مناط التناقض في الدعوى المعروضة، في هذا النطاق.

      وحيث إن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن بحثها في المفاضلة بين الحكمين النهائيين المتناقضين الصادرين من أكثر من جهة من جهات القضاء أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي، يكون على أساس من قواعد الاختصاص الولائي، لتحدد على ضوئها أيهما صدر من الجهة التى لها ولاية الفصل في الدعوى، وأحقهما بالتالي بالتنفيذ.
      وحيث إن القانون رقم 96 لسنة 1996 بشأن تنظيم الصحافة، تناول في الفصل الثانى من الباب الأول، بيان حقوق الصحفيين، ناصًا في المادة (14) منه على أن "تخضع العلاقة بين الصحفي والصحيفة لعقد العمل الصحفي الذى يحدد مدة التعاقد ونوع عمل الصحفى ومكانه والمرتب وملحقاته والمزايـا التكميلية بما لا يتعارض مع القواعد الآمرة في قانون عقد العمل الفردي أو مع عقد العمل الجماعي في حالة وجوده"، وتنص المادة (16) من ذلك القانون على أن "تلتزم كافة المؤسسات الصحفية وإدارات الصحف بالوفاء بجميع الحقوق المقررة للصحفي في القوانين وعقد العمل الصحفي المبرم معها". واشتمل الباب الثاني من ذلك القانون على أحكام إصدار الصحف وملكيتها، مخصصًا فصله الأول لإصدار الصحف، ناصًا في المادة (45) منه على أن "حرية إصدار الصحف للأحزاب السياسية والأشخاص الاعتبارية العامة والخاصة مكفولة طبقًا للقانون"، مبينًا في المواد من (46) إلى (51) شروط إصدار تلك الكيانات للصحف، وتناول في الفصل الثانى ضوابط ملكيتها للصحف. وأفرد المشرع الباب الثالث من ذلك القانون للصحف القومية، في المواد من (55) إلى (66)، ناصَّا في المادة (55) على أن "يقصد بالصحف القومية في تطبيق أحكام هذا القانون الصحف التى تصدر حاليًا أو مستقبلاً عن المؤسسات الصحفية ووكالات الأنباء وشركات التوزيع التى تملكها الدولة ملكية خاصة، ....". وتنص المادة (56) على أن "ينظم العلاقة بين المؤسسات القومية الصحفية وجميع العاملين بها من صحفيين وإداريين وعمال أحكام عقد العمـــــــل الفردى المنصوص عليها في قانون العمل ....". ونصت المادة (58) منه على أن "تكون لكل مؤسسة صحفية قومية الشخصية الاعتبارية، ولها مباشرة جميع التصرفات القانونية، ويمثلها رئيس مجلس الإدارة". وتنص المادة (59) على أن "يجوز للمؤسسات الصحفية القومية، بموافقة المجلس الأعلى للصحافة، تأسيس شركات لمباشرة نشاطها الخاص بالنشر أو الإعلان أو الطباعة أو التوزيع ......". ومن جانب آخر، نصت المادة (27) من قانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام، الصادر بالقانون رقم 92 لسنة 2016، على أن "الهيئة الوطنية للصحافة هيئة مستقلة، تتمتع بالشخصية الاعتبارية ....."، ونصت المادة (29) منه على أن "تتولى الهيئة الوطنية للصحافة إدارة المؤسسات الصحفية المملوكة للدولة ملكية خاصة".
      وحيث إن مؤدى النصوص التشريعية المشار إليها، خضوع العلاقة بين الصحفي والصحيفة لعقد العمل الصحفي؛ خاصة فيما يتعلق بالمرتب والمزايا التكميلية، بما لا يتعارض والأحكام الواردة في قانون العمل، وتلتزم كافة المؤسسات الصحفية وإدارات الصحف بالوفاء بجميع الحقوق المقررة للصحفي في القوانين وعقد العمـــــل الصحفي المبرم معهـــــا. ولئن كانت المؤسسـات القومية الصحفية، بما تشتمل عليه من صحف ووكالات أنباء وشركات توزيع، مملوكة للدولة، إلا أن ملكيتها تلك لا تعدو أن تكون ملكية خاصة، وتقوم على إدارتها الهيئة الوطنية للصحافة. ومن ثم، فإنه وفقًا للقواعد القانونية المنظمة لكافة المؤسسات الصحفية، سواء المملوكة للأحزاب السياسية أو للأشخاص الاعتبارية العامـــــة أو الخاصة، أو المؤسسات الصحفية القومية المملوكة للدولة ملكية خاصة، فجميعها تُعد من أشخاص القانون الخاص، العاملة في مجالات النشر والإعلان والطباعة والتوزيع، وتنظم العلاقة بين كافة هذه المؤسسات الصحفية وبين العاملين فيها من صحفيين وإداريين وعمال، أحكام عقد العمل الفردي المنصوص عليها في قانون العمـــــل. متى كان ذلك، وكانت الأحكام محل دعوى التناقض المعروضة تتعلق بالحقوق المدعى بها من أحد العاملين بوكالة أنباء الشرق الأوسط، ضد هذه الوكالة، وكانت الوكالة المذكورة تعد من أشخاص القانون الخاص، الذى يحكم علاقتها بالعاملين بها، ومن ثم ينعقد الاختصاص بنظر تلك المنازعة، والفصل فيها، لمحاكم جهة القضاء العادي، دون جهة القضاء الإداري، الذى ينحسر عن اختصاصه هذا النوع من المنازعات، الأمر الذى يتعين معه الاعتداد بالحكم الصادر من محكمة جنوب القاهرة الابتدائية، المؤيد استئنافيًّا من محكمة استئناف القاهرة، دون حكم محكمة القضاء الإداري.

      وحيث إنه عن طلب وقف التنفيذ، فإنه يُعد فرعًا من أصل النزاع حول طلب فض التناقض بين الحكمين المشار إليهما، وإذ تهيأ النزاع المعروض للفصل في موضوعه، فإن قيام رئيس المحكمة الدستورية العليا بمباشرة اختصاص البت في طلب وقف التنفيذ وفقًا لنص المادة (32) من قانون هذه المحكمة المشار إليه، يكون قد صار غير ذى موضوع.
فلهـذه الأسبـاب
حكمت المحكمة بالاعتداد بالحكم الصادر من محكمة جنوب القاهرة الابتدائية بجلسة 29/12/2016، في الدعوى رقم 1080 لسنة 2014 عمال، المؤيد بالحكم الصادر من محكمة استئناف القاهرة بجلسة 26/9/2017، في الاستئنافين رقمي 746 و841 لسنة 134 قضائية، دون الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالقاهرة بجلسة 6/9/2016، في الدعوى رقم 69960 لسنة 69 قضائية.

دستورية وضع حد أدنى للتعويض الذي يلتزم به رب العمل تجاه العامل الذي أنهى خدمته دون مبرر (فصل تعسفي) .


الدعوى رقم 5 لسنة 37 ق "دستورية" جلسة 4 / 5 / 2019
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من مايو سنة 2019م، الموافق الثامن والعشرين من شعبان سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمــد خيرى طه النجــار وسعيد مرعى عمرو ورجب عبد الحكيم سليم والدكتور حمدان حسن فهمى والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل   نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى    رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع       أمين السر

أصدرت الحكم الآتى

      في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 5 لسنة 37 قضائية "دستورية".


المقامة من
رئيس مجلس إدارة شركة جيزة للغزل والنسيج
ضد
1-    رئيس الجمهوريـة
2-    رئيـس مجلس الـوزراء
3-    وزير القوى العاملة والهجرة
4-    مختــار عبده أحمــــد محمـد


الإجراءات
بتاريخ الخامس عشر من يناير سنة 2015، أودعت الشركة المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبةً الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (122) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 المعدل بالقانون رقم 180 لسنة 2008.


وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
      وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
      ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة
      بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصــل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن المدعى عليه الرابـع كان يعمل بالشركة المدعية، وإذ جرى بتاريخ 6/8/2011، منعه من أداء عمله، فقد أقام الدعوى رقم 1382 لسنة 2011 عمال كلى الجيزة، بطلب الحكم بإلزام الشركة بأن تدفع له مبلغ مائة ألف جنيه تعويضًا ماديًا وأدبيًا عما أصابه من أضرار، ومبلغ (2850) جنيهًا، بدل مهلة إخطار، وتسليمه شهادة خبرة وأوراق تعيينه، وأحقيته في مبلغ تسعة عشر ألف جنيه، تعويضًا يقدر بأجر شهرين على الأقل عن كل سنة من سنوات خدمته، وفقًا لنص المادة (122) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003. وبجلسة 29/11/2014، دفعت الشركة المدعية بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة (122) من قانون العمل، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، وصرحت للشركة برفع الدعوى الدستورية، فقد أقامت الدعـــــــوى المعروضة.



وحيث إن المادة (122) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 تنص على أنـــــــــــــه " إذا أنهى أحد الطرفين العقد دون مبرر مشروع وكافٍ، التزم بأن يعوض الطرف الآخر عن الضرر الذى يصيبه من جراء هذا الإنهاء.
فإذا كان الإنهاء بدون مبرر صادرًا من جانب صاحب العمل، للعامل أن يلجأ إلى المحكمة العمالية المشار إليها في المادة (71) من هذا القانون بطلب التعويض، ولا يجوز أن يقل التعويض الذى تقرره المحكمة العمالية عن أجر شهرين من الأجر الشامل عن كل سنة من سنوات الخدمة.
ولا يخل ذلك بحق العامل في باقى استحقاقاته المقررة قانونًا".



وحيث إن مناط المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. ويتغيّا هذا الشرط أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة الدستورية من جوانبهـــــــا العملية، وليس من معطياتها النظرية أو تصوراتها المجردة. وهو كذلك يقيد تدخلهـــــا في تلك الخصومة، ويرسم تخوم ولايتها، فلا تمتد لغير المطاعن التى يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها على النزاع الموضوعى، وبالقدر اللازم للفصل فيه.



لما كان ذلك، وكان النزاع المثار في الدعوى الموضوعية التى أقيمت هذه الدعوى الدستورية بمناسبتها يدور حول مطالبة المدعى عليه الرابع بمستحقاته لدى الشركة المدعية عن فترة عمله بها، ومنها تعويضه عن إنهاء عقد العمل الخاص به دون مبرر، بما لا يقل عن أجر شهرين عن كل سنة من سنوات الخدمة، وفقًا لنص الفقرة الثانية من المادة (122) من قانون العمل، ومن ثم فإن المصلحة الشخصية تكون متحققة في الطعن على هذا النص، إذ يكون للقضاء في دستوريته أثره وانعكاسه الأكيد على الدعوى الموضوعية، والطلبات المطروحة بها، وقضاء محكمة الموضوع فيها.



وحيث إن الشركة المدعية تنعى على النص المطعون فيه إخلاله بالأسس الموضوعية لاستحقاق التعويض التى قررها المشرع بالمواد (163، 170، 221) من القانون المدنى، مما يخل بالمساواة بين العاملين في شأن استحقاق التعويض، ويتضمن تمييزًا تحكميًّا بين أصحاب الأعمال ممن يخضعون لأحكام قانــــون العمــــــــل وبين غيرهم ممن لا يخضعون لأحكام هذا القانون، بالمخالفة لنص المادتين (4 ، 53) من الدستور، وكذلك مساس هذا النص بالملكية الخاصة متمثلة في أموال رب العمل الذى يترتب في ذمته هذا التعويض، مما يؤدى إلى إثراء العامل على حساب رب العمل، بالمخالفة لمبدأ العدالة الاجتماعية المنصوص عليه في المادة (8) من الدستور، كما أن إلزام القاضى بالحكم بهذا الحد الأدنى من التعويض، يمثل سلبًا لسلطته في تحقيق العدالة بالقضاء بالتعويض الجابر للضرر دون زيادة، مما يمثل مساسًا بخصائص الوظيفة القضائية، بالمخالفة لنص المادة (184) من الدستور.

وحيث إن الدستور قد اعتمد بمقتضى نص المادة (4) مبدأ المساواة، باعتباره، إلى جانب مبدأي العدل وتكافؤ الفرص، أساسًا لبناء المجتمع وصون وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، وفى الحقوق والحريات والواجبات العامة، دون تمييز بينهم لأى سبب، إلا أن ذلك لا يعنى – وفقًـا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة – أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوى بالتالي على مخالفة لنصى المادتين (4 ، 53) المشــــار إليهما، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبهما هو ذلك الذى يكون تحكميًّا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التى يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم.


وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن لكل حق أوضاعًا يقتضيها، وآثارًا يرتبها، من بينها – في مجال حق العمل – ضمان الشروط التى يكون أداء العمل في نطاقها منصفًا وإنسانيًّا ومواتيًا، فلا تنتزع هذه الشروط قسرًا من محيطها، ولا ترهق بفحواها بيئة العمل ذاتها، أو تناقض بأثرها ما ينبغى أن يرتبط حقًّا وعقلاً بالشروط الضرورية لأداء العمل بصورة طبيعية لا تحامل فيها. ومن ثم لا يجوز أن تنفصل الشروط التى يتطلبها المشرع لمباشرة عمل أو أعمال بذواتها، عن متطلبات ممارستها، وإلا كان تقريرها انحرافًا بها عن غايتها يستوى في ذلك أن يكون سندها علاقة عقدية أو رابطة لائحية.



وحيث إن النص المطعون فيه – وعلى نحو ما ورد بالمذكرة الإيضاحية – استحدث حكمًا، حدد فيه الحد الأدنى للتعويض الذى يستحقه العامل حال إنهاء عقد العمل إنهاءً تعسفيًّا، دون أن يخل ذلك بسلطة القاضي في الحكم بالتعويض المستحق بما يزيد عن ذلك في ضوء تقدير المحكمة لجسامة الضرر الذى يصيب العامل جراء إنهاء العقد دون مبرر قبل انتهاء مدته. وقد جاء هذا النص متضمنًا قاعدة عامة مجردة تنطبق على كافة العاملين الخاضعين لأحكام قانون العمل، دون تمييز بينهم، ولا تسرى على غيرهم ممن يخضعون لأحكام قوانين التوظف الأخرى، وبالتالي تأتى مراكزهم القانونية مغايرة لمن يخضعون لأحكام ذلك قانون، وقد أكدت المذكرة الإيضاحية لقانون العمل أن التعويض الذى يلتزم صاحب العمل به في هذه الحالة إنما يكون عن المدة التي قضاها العامل في خدمة رب العمل، الذى أنهى عقد العمل معه، دون أرباب الأعمال الآخرين ممن عمل لديهم العامل المتضرر. وقد جاء هذا النص مستهدفًا حماية العامل من تعسف رب العمل حال إنهاء عقد العمل قبل انتهاء مدته، بمنحه تعويضًا مناسبًا يحقق له حياة كريمة خلال فترة تعطله عن العمل ولحين حصوله على عمل آخر، ودون إجحاف بحقوق رب العمل أو سلطته في تنظيم منشأته، ومن ثم فإن هذا النص لا يخالف مبدأ المساواة.

وحيث إنه ولئن كان الدستور قد كفل حق الملكية الخاصة، وأحاطه بسياج من الضمانات التي تصون هذه الملكية، وتدرأ كل عدوان عليها، إلا أنه في ذلك كله لم يخرج عن تأكيده على الدور الاجتماعي لحق الملكية، حيث يجوز تحميلها ببعض القيود التي تقتضيها أو تفرضها ضرورة اجتماعية، طالما لم تبلغ هذه القيود مبلغًا يصيب حق الملكية في جوهره أو يُعدم جل خصائصه.
متى كان ذلك، وكان المشرع في إطار الوفاء بالتزامه الدستوري المقرر بنص المادة (27) من الدستور، بتحقيق التوازن بين مصالح الأطراف المختلفة في علاقة العمل، بما يحفظ حقوق العاملين، ضمَّن النص المطعون فيه تحديدًا قانونيًّا للحد الأدنى للتعويض الذى يلتزم به رب العمل تجاه العامل الذى أنهى خدمته دون مبرر، مقدرًا هذا التعويض بأجر شهرين عن كل سنة من سنوات خدمة العامل لدى رب العمل، فإذا لم يزد التعويض العادل المقابل للأضرار التى أصابت العامل عن ذلك، اكتفى بهذا الحد الأدنى، أما إذا فاق التعويض العادل عن هذه الأضرار قيمة هذا الحد الأدنى، استحق العامل التعويض العادل لما لحقه من أضرار جراء الإنهاء التعسفي لعقد العمـل الخاص به، ولا يعد ذلك مساسًا بملكية رب العمل أو انتقاصًا منها، ومن ثم فإن النص الطعين لا يخالف نصوص المواد (27، 33، 35) من الدستور.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن استقلال السلطة القضائية يقوم في مضمونه على أن تفصل السلطة القضائية فيما يعرض عليها من دعاوى في موضوعية كاملة، وعلى ضوء الوقائع المطروحة عليها، ووفقًا للقواعد القانونية المعمول بها، ودون ما قيود تفرضها عليها أية جهة، أو تدخل من جانبها في شئون العدالة بما يؤثر في متطلباتها، لتكون لقضاتها الكلمة النهائية في كل مسألة من طبيعة قضائية، ولتصدر أحكامها وفقًا لقواعد إجرائية تكون منصفة في ذاتها، وبما يكفل الحماية الكاملة لحقوق المتقاضين.

لما كان ذلك، وكان التزام المحاكم بالقواعد الموضوعية التي ارتآها المشرع، وفقًا لسلطته التقديرية في تنظيم الحقوق، لدى فصلها فيما يعرض عليها من أنزعة لا يعتبر مساسًا باستقلالها أو انتقاصًا منه، ذلك أن هذا الاستقـلال يستهدف ألا يكون العمل القضائي وليد نزعة شخصية غير متجردة، حتى يحصل من يلوذون بالقضاء على الترضية القضائية المنصفة حال وقوع عدوان على حقوقهم وحرياتهم، وتبعًا لذلك فإن التزام المحاكم بالحد الأدنى للتعويض الوارد بالنص الطعين حال الإنهاء التعسفي لخدمة العامل الخاضع لقانون العمل المشار إليه، تحقيقًا للأهداف المشروعة التي ابتغاها المشرع، لا ينال من استقلال السلطة القضائية، ولا يهدر أيًّا من خصائص العمل القضائي، ومن ثم فإن النص المطعون فيه لا يخالف نص المادة (184) من الدستور.
وحيث إن النص المطعون فيه لا يخالف أيًّا من أحكام الدستور الأخرى، فمن ثم يتعين القضاء برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب
      حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت الشركة المدعية المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.