الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 13 مايو 2019

التأجيل لإيداع أسباب الطعن بعدم الدستورية ثم المضي في نظر الموضوع لا يعني التصريح بإقامة الدعـوى الدستورية


الدعوى رقم 66 لسنة 37 ق "دستورية" جلسة 6 / 4 / 2019
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السادس من أبريل سنة 2019م، الموافق الثلاثين من رجب سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمــد خيرى طه النجار وسعيد مرعى عمرو ورجب عبدالحكيم سليم والدكتور حمدان حسن فهمى والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى:
 في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 66 لسنة 37 قضائية "دستورية".
المقامة من
مدير عام شركة ممنون للسياحة
ضــد
1- رئيس الجمهوريـة
2- رئيس مجلــس الوزراء
3- وزيــر العــدل
4- محمد على محمد يحيى
الإجراءات
بتاريخ السابع من أبريل 2015، أودعت الشركة المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبة الحكم بعــدم دستورية نصى المادتين (47) و(48) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003، المعدل بالقانون رقم 178 لسنة 2008.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمـة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصــل - حسبما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن المدعى عليه الرابع كان يعمل لدى الشركة المدعية وأُنهيت خدمته، فأقام الدعوى رقم 1824 لسنة 2009، أمام محكمة الأقصر الابتدائية، طالبًا الحكم بإلزام الشركة المدعية بأداء مبلغ (423823) جنيهًا مستحقات له قبلها، من بينها ما يستحقه كمقابل نقدى لرصيد إجازاته السنوية. وبجلسة 21 /5/2012، قضت تلك المحكمة بإلـزام الشركة المدعية بأن تؤدى للمدعى عليه الرابع مبلغ (140211,61) جنيهًا. لم ترتض الشركة المدعية هذا القضاء، فطعنت عليه أمام محكمة استئناف قنا - مأمورية استئناف الأقصر - بالاستئناف رقم 139 لسنة 31 قضائية، وتدوول بالجلسات، وبجلسة 20/1/2015، دفعت الشركة المدعية بعدم دستورية نصى المادتين (47، 48) من قانون العمل الصادر بالقانون 12 لسنة 2003، فأجلت المحكمة نظر الاستئناف إلى جلسة 21/4/2015، لإيداع أسباب الطعن بعدم الدستورية، إلا أن الشركة المدعية أقامت الدعوى المعروضة، بإيداع صحيفتها قلم كتاب هذه المحكمة بتاريخ 7/4/2015، الأمر الذى حدا بالمحكمة الاستئنافية للمضي في نظر الاستئناف، والقضاء بجلسة 16/6/2015، بتعديل الحكم المستأنف وإلزام الشركة المدعية بأن تؤدى للمدعى عليه الرابع مبلغ (125329,88) جنيهًا.
وحيث إن مؤدى نص البند (ب) من المادة (29) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن المشرع رسم طريقًا لرفع الدعوى الدستورية التي أتاح للخصوم مباشرتها، وربط بينه وبين الميعاد الذى حدده لرفعها، فدل بذلك على أنه اعتبر هذين الأمرين من مقومات الدعوى الدستورية، فلا تُرفع إلا بعد إبداء دفع بعدم الدستورية تقدر محكمة الموضوع جديته، ولا تُقبل إلا إذا رُفعت خلال الأجـل الذى ناط المشرع بمحكمة الموضـوع تحديــده، بحيث لا يجاوز ثلاثة أشهر، وهذه الأوضاع الإجرائية سواء ما اتصل منها بطريقة رفع الدعوى الدستورية، أم بميعاد رفعها، تتعلق بالنظام العام باعتبارها شكلاً جوهريًّا في التقاضي تغيا به المشرع مصلحة عامة، حتى ينتظم التداعي في المسائل الدستورية بالإجراءات التي رسمها، فمتى تنكب المدعى هذا السبيل وأقام الدعوى الدستورية بطريق مباشر دون تصريح من محكمة الموضوع تعين القضاء بعـدم قبولها، إذ لم يجز المشرع الدعوى الأصلية سبيلا لإقامة الدعوى الدستورية.
متى كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أن الشركة المدعية أبدت الدفع بعدم الدستورية أمام محكمة استئناف قنا (مأمورية استئناف الأقصر)، في الاستئناف رقم 139 لسنة 31 قضائية استئناف عالي عمال الأقصر، بجلسة 20/1/2015، إلا أن تلك المحكمة لم تقدر جديته، ولم تصرح بإقامة الدعوى الدستورية، وإنما أجلت نظر الاستئناف إلى جلسة 21/4/2015، وكلفت الشركة المدعية بإيداع أسباب الطعن بعدم الدستورية، ثم مضت في نظر الموضوع، مما مفاده عدم تصريح تلك المحكمة للشركة بإقامة الدعـوى الدستورية. لما كان ذلك، وكانت الشركة المدعية قد تعجلت وأقامت الدعوى المعروضة مباشرة دون تصريح، الأمر الذى تنحل معه هذه الدعوى إلى دعوى أصلية، أقيمت بالطريق المباشر، بالمخالفة لنص المادة (29/ب( من قانون هذه المحكمة، فإنه يتعين والحال كذلك القضاء بعدم قبول الدعوى .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعـدم قبول الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت الشركة المدعية المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

دستورية نظام التصالح لتصفية المنازعات القضائية بين مصلحة الضرائب والممولين


الدعوى رقم 148 لسنة 32 ق "دستورية" جلسة 6 / 4 / 2019
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السادس من أبريل سنة 2019م، الموافق الثلاثين من رجب سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمــد غنيم والدكتور عبدالعزيز محمــد سالمان وطارق عبدالعليم أبو العطا. نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى:
 في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 148 لسنة 32 قضائية "دستورية"
المقامة من
محمد السيد غريب سـرج
ضــد
1 - رئيس الجمهوريـة
2 - رئيس مجلس النـــواب
3 - رئيس مجلس الوزراء
4 - وزير الماليـة
الإجـراءات
 بتاريخ الرابع من أغسطس سنة 2010، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية الفقرة الأخيرة من المادة السادسة من القانون رقم 91 لسنة 2005 بإصدار قانون الضريبة على الدخل.
 وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
 وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
 ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
 بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
 حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعــوى وسائـر الأوراق – في أن مأمورية ضرائب الجيزة أول، أخطرت المدعى بتقدير الضريبة المستحقة عليه عن نشاط تشييد وشراء العقارات على وجه الاعتياد بقصد بيعها، عن عام 1994، مما يسرى عليه نص المادة (21) من قانون الضرائب على الدخل الصادر بالقانون رقم 157 لسنة 1981، فتظلم من ذلك التقدير، وقيد تظلمه برقم 291 لسنة 1996، وأحيل إلى لجنة الطعن الضريبي، فأصدرت قرارها بتاريخ 7/6/1998، بتحديد وعاء الضريبة بمبلغ مليون وخمسمائة ألف جنيه، يستحق عليه ضريبة مقدارها (598465) جنيهًا، سبق للمدعى أن سدد منها مبلغ خمسمائة ألف جنيه. لم يرتض المدعى ذلك القرار، فأقام الدعوى رقم 1835 لسنة 1998 ضرائب كلى، أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية، طالبًا الحكم بإلغاء قرار اللجنة المطعون فيه، وعدم استحقاق ضريبة على نشاطه، فقضت المحكمة بجلسة 31/3/2002، بخضوع نشاط المدعى لنص المادة (22) من القانون المشار إليه، التي تفرض ضريبة بنسبة 5% من قيمة التصرف العقاري الفردي. لم يرتض وزير المالية ومصلحة الضرائب ذلك الحكم، فطعنا عليه بالاستئناف رقم 1514 لسنة 119 قضائية، أمام محكمة استئناف القاهرة، بطلب إلغاء الحكم المطعون فيه وتأييد قرار لجنة الطعن الضريبي، بخضوع نشاط المدعى لنص المادة (21) من ذلك القانون . وأقام المدعى استئنافًا مقابلًا، ناعيًا على حكم محكمة أول درجة إعماله أحكام المادة (22) من قانون الضرائب على الدخل المشار إليه، التي كانت تفرض ضريبة بنسبة 5% من قيمة التصرف العقاري، حال أن هذا النص تم تعديله بالقانون رقم 226 لسنة 1996 بتعديل بعض أحكام قانون الضرائب على الدخل المشار إليه، وصارت الضريبة بنسبة 2,5%، فضلًا عن انتفاء الواقعة المنشئة للضريبة لعدم تسجيل التصرف العقاري محل فرض الضريبة، وحال نظر الاستئناف، صدر القانون رقم 91 لسنة 2005 بإصدار قانون الضريبة على الدخل، وإعمالًا للمادة السادسة منه، تقدم المدعى بتاريخ 8/3/2006، بطلب لمأمورية الضرائب، لإنهاء المنازعة المطروحة على محكمة الاستئناف، مقابل أداء نسبة من الضريبة والمبالغ الأخرى المستحقة على الوعاء السنوي للضريبة المتنازع عليه، وقدم لمحكمة الاستئناف ما يفيد ذلك، وبناءً على طلبه، أوقفت المحكمة نظر الاستئناف، لحين البت في طلب التصالح. وقد انتهت لجنة التصالحات في قرارها الصادر بتاريخ 18/6/2007، إلى تخفيض قيمة الضريبة المستحق سدادها عن سنة النزاع - وفقًا للنسب المنصوص عليها في المادة السادسة من القانون رقم 91 لسنة 2005 المشار إليه - لتصير مبلغ (149386) جنيهًا. وبناءً على ذلك حصل المدعى على شهادة مؤرخة 20/6/2007، من مأمورية ضرائب الجيزة أول، بسداده الضريبة المستحقة، وقدم تلك الشهادة للمحكمة، فقضت بجلسة 29/6/2009، بإلغاء الحكم المستأنف وبانتهاء الخصومة في الدعوى، مستندة في ذلك لنص المادة السادسة من القانون المشار إليه، وقد صار هذا الحكم باتًّا بعدم الطعن عليه بطريق النقض. وإذ ارتأى المدعى أنه يحق له استرداد الفارق بين ما قام بسداده تحت حساب الضريبة، وقدره خمسمائة ألف جنيه، وبين ما انتهت إليه لجنة التصالحات من تقدير الضريبة بمبلغ (149386) جنيهًا، فقد وجه عدة إنذارات لمصلحة الضرائب لاسترداد مبلغ (350614) جنيهًا، وإزاء عدم استجابتها، وصدور قرار من لجان التوفيق بعدم اختصاصها بنظر ذلك الطلب، أقام الدعوى رقم 685 لسنة 2009 مدنى كلى حكومة، أمام محكمة الجيزة الابتدائية، ضد وزير المالية وآخرين، بطلب الحكم بإلزامهم برد ذلك المبلغ. وحال نظر الدعوى، دفع بعـدم دستورية نص الفقـرة الأخيرة من المادة السادسة من القانون رقم 91 لسنة 2005 بإصدار قانون الضريبة على الدخل، وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية، أقام الدعوى المعروضة.
وحيث إن المادة السادسة من القانون رقم 91 لسنة 2005 بإصدار قانون الضريبة على الدخل - في ضوء الحكم الصادر من هذه المحكمة بجلسة 2/4/2016، في الدعوى رقم 123 لسنة 31 قضائية "دستورية" - تنص على أنه " في غير الدعاوى المنصوص عليها في المادة الخامسة من هذا القانون، يكون للممولين في المنازعات القائمة بينهم وبين مصلحة الضرائب، والمقيدة أو المنظورة أمام المحاكم على اختلاف درجاتها، طلب إنهاء تلك المنازعات خلال سنة من تاريخ العمل بهذا القانون مقابل أداء نسبة من الضريبة والمبالغ الأخرى المستحقة على الوعاء السنوي للضريبة المتنازع عليه وفقًا للشرائح الآتية:
1 - (10%) من قيمة الضريبة والمبالغ الأخرى المستحقة على الوعاء المتنازع عليه إذا لم تجاوز قيمته مائة ألف جنيه.
2 - (25%) من قيمة الضريبة والمبالغ الأخرى المستحقة على الوعاء المتنازع عليه، وذلك بالنسبة إلى ما تجاوز قيمته مائة ألف جنيه وحتى خمسمائة ألف جنيه من هذا الوعاء، وذلك بعد سداد النسبة المنصوص عليها في البند (1) بالنسبة إلى ما لا يجاوز مائة ألف جنيه من هذا الوعاء.
3 - (40%) من قيمة الضريبة والمبالغ الأخرى المستحقة على الوعاء المتنازع عليه وذلك بالنسبة إلى ما تجاوز قيمته خمسمائة ألف جنيه من هذا الوعاء، وذلك بعد سداد النسبتين المنصوص عليهما في البندين (1، 2) بالنسبة إلى ما لا يجاوز خمسمائة ألف جنيه من هذا الوعاء.
 ويترتب على وفاء الممول بالنسب المقررة وفقًا للبنود السابقة براءة ذمته من قيمة الضريبة والمبالغ الأخرى المتنازع عليها، ويحكم بانتهاء الخصومة في الدعوى إذا قدم الممول إلى المحكمة ما يفيد ذلك الوفاء.
 وفى جميع الأحوال، لا يترتب على انقضاء الخصومة حق للممول في استرداد ما سبق أن سدده تحت حساب الضريبة المتنازع عليها".
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية، وهى شرط لقبولها، مناطها - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكانت رحى النزاع المطروح على محكمة الموضوع تدور حول مدى أحقية المدعى في استرداد مبلغ (350614) جنيهًا، وفوائده القانونية، بمقولة إنه يمثل الفارق بين ما قام بسداده من مبالغ تحت حساب الضريبة عن نشاطه في سنة 1994، وقدره خمسمائة ألف جنيه، وبين ما انتهت إليه لجنة التصالحات الضريبية من احتساب الضريبة واجبة الأداء عن ذلك النشاط - بعد تخفيضها وفقًا للنسب الواردة في الفقرة الأولى من المادة السادسة من مواد إصدار قانون الضريبة على الدخل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 2005 - بمبلغ (149386) جنيهًا، وكان ما يحول دون إجابة المدعى لطلباته ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة السادسة المشـار إليها، من أنه "وفى جميع الأحوال، لا يترتب على انقضاء الخصومة حق للممول في استرداد ما سبق أن سدده تحت حساب الضريبة المتنازع عليها"، ومن ثم فإن الفصل في دستورية نص تلك الفقرة يرتب انعكاسًا أكيدًا ومباشرًا على الفصل في الطلبات المعروضة على محكمة الموضوع، وتتوافر للمدعى مصلحة شخصية ومباشرة في الطعن عليه.
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه - في النطاق السالف تحديده - إيجاده تمييزًا غير مبرر بين الممولين، وبين حق الدولة في تحصيل الضريبة، وحق الممول في استرداد ما سبق سداده زيادة عن الضريبة المستحقة، بما يخل بمبدأ المساواة، ويمثل اعتداءً على الملكية الخاصة، وخروجًا على مبدأ عدالة الضريبة، والعدل الذى أورده الدستور في العديد من مواده، وذلك بالمخالفة لنصوص المواد أرقام (4، 23، 34، 38، 40، 53، 57، 119) من دستور سنة 1971، الذى أقيمت الدعوى المعروضة في ظل العمل بأحكامه.
وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، تخضع للدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلًا - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - صون هذا الدستور، وحمايته من الخروج على أحكامه، لكون نصوصه تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها، ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من تشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكانت المناعي التي وجهها المدعى إلى النص المطعون فيه تندرج تحت المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعى لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي، ومن ثم فإن المحكمة تباشر رقابتها القضائية على دستورية النص المطعون عليه في ضوء أحكام الدستور القائم الصادر سنة 2014.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأصل في النصوص القانونية التي ينتظمها وحدة الموضوع، هو امتناع فصلها عن بعضها، باعتبار أنها تكون فيما بينها وحدة عضوية تتكامل أجزاؤها، وتتضافر معانيها، وتتحد توجهاتها لتكون نسيجًا متآلفًا. وعلى ذات النهج فإن إنفاذ أحد نصوص التشريع الواحد، وتطبيق أحكامه على المخاطبين به، يفترض - أيضًا - العمل به في مجموع أحكامه، دون اجتزاء جزء منه ليطبق دون الجزء الآخر، ذلك أن السياسة التشريعية لا يحققها إلا التطبيق المتكامل لتفاصيل أحكامها، وعدم الاقتصار على جزء منها دون الآخر، لما في ذلك من إهدار للغاية التي توخاها المشرع من ذلك التنظيم.



وحيث إن ما ينعاه المدعى من إخلال النص المطعون عليه- في النطاق السالف تحديده - بمبدأ العدالة الاجتماعية التي يهدف إليها النظام الضريبي، ويتأبى على مفهوم العدل الذى تردد في العديد من مواد الدستور. فمن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن النص في الفقرة الأولى من المادة (38) من الدستور على أنه "يهدف النظام الضريبي، وغيره من التكاليف العامة، إلى تنمية موارد الدولة، وتحقيق العدالة الاجتماعية" مؤداه: أن اتخاذ العدالة الاجتماعية مضمونًا وإطارًا للنظام الضريبي في البلاد، إنما يقتضى بالضرورة أن يقابل حق الدولة في اقتضاء الضريبة لتنمية مواردها لمواجهة أعباء الإنفاق العــــــام، ولإجــــــراء ما يتصل بالضريبة من آثار عرضية، بحق الملتزمين أصلاً بها، والمسؤلين عنها، في تحصيلها منهم وفق أسس موضوعية، لا تتبنى تمييزًا غير مسوغ بينهم، يكون إنصافها نائيًا لتحيفها، وحيدتها ضمانًا لاعتدالها، فذلك وحده ضمان خضوعها لشرط الحماية القانونية المتكافئة التي كفلها الدستور للمواطنين جميعًا في شأن الحقوق عينها، فلا تحكمها إلا مقاييس موحدة لا تتفرق بها ضوابطها.
وحيث إن من المقرر- كذلك - في قضاء هذه المحكمة، أن الدستور القائم وإن قرن العدل بالعديد من النصوص التي تضمنها، ومن ذلك المواد (4، 8، 27، 38، 78، 81، 91، 99) ، وخـلا في الوقت ذاته من تحـديد معناه، فإن مفهوم العدل يتغيا التعبير عن تلك القيم الاجتماعية التي لا تنفصل الجماعة في حركتها عنها، والتى تبلور مقاييسها في شأن ما يعتبر حقا لديها، فلا يكون العدل مفهومًا مطلقًا ثابتًا باطراد، بل مرنًا ومتغيرًا وفقًا لمعايير الضمير الاجتماعي ومستوياتها، وهو بذلك لا يعدو أن يكون نهجًا متواصلاً منبسطًا على أشكال من الحياة تتعدد ألوانها، وازنًا بالقسط تلك الأعباء التي يفرضها المشرع على المواطنين، فلا تكون وطأتها على بعضهم عدوانًا، بل تطبيقها فيما بينهم إنصافًا، وإلا صار القانون منهيًا للتوافق في مجال تنفيذه، وغدا القضاء بعدم دستوريته لازمًا.
وحيث إن المشرع رغبـةً منه في تصفية المنازعـات الضريبية المقيدة أو المنظورة أمام المحاكم على اختلاف درجاتها، ضمَّن نص المادة السادسة من القانون رقم 91 لسنة 2005 بإصدار قانون الضريبة على الدخل، الضوابط الحاكمة للتصالح بين الممولين ومصلحة الضرائب، وجعل المبادرة الشخصية من قبل الممولين هي أول إجراءات هذا التصالح، والتي تجد سندها في المادة (54) من الدستور، باعتبارها أحد عناصر حرية التعاقد، التي تُعد أحد روافد الحرية الشخصية، التي كفلها الدستور، واعتبرها حقًا طبيعيًّا، لا يجوز المساس به، ومن أجل ذلك استلزم المشرع أن يتقدم الممول بطلب للإدارة الضريبية المختصة لإنهاء المنازعة المرددة بينهما، وتسويتها على أساس سداد النسبة التي عينها القانون من الضريبة والمبالغ الأخرى محل النزاع، طبقًا للشرائح التي تضمنها النص المطعون فيه، ورتب على وفاء الممول بالنسب المقررة وفقًا لتلك الشرائح، وتقديمه ما يفيد ذلك إلى المحكمة المختصة، أثرًا قانونيًّا حتميًّا هو براءة ذمته من قيمة الضريبة والمبالغ الأخرى المتنازع عليها، وأوجب على المحكمة في هذه الحالة الحكم بانتهاء الخصومة في الدعوى، وعلى ألا يترتب على ذلك أحقية الممول في استرداد ما سبق أن سدده تحت حساب الضريبة المتنازع عليها، باعتبار أن ذلك هو أحد شروط التسوية التي حددها المشرع، وتضمن الإيجاب المقدم من الممول والمتمثل في الطلب المقدم منه لإنهاء النزاع قبولاً له، وليضحى ما سُدد تحت حساب الضريبة جزءًا من قيمتها المستحقة للخزانة العامة للدولة، وهو الحكم الذى استهدف به المشرع تحقيق التوازن بين أطراف العلاقة الضريبية الذى استوجبته المادة (27) من الدستور، وذلك باستفادة الممول من النسـب التي يقتصر عليه أداؤهـا مـن الضريبة والمبالغ الأخرى المستحقة على الوعاء السنوي للضريبة المتنازع عليه، ومن ثم، إعفاؤه من سداد ما يزيد على تلك النسب من مبالغ الضريبة، وذلك في مقابل عدم جواز استرداده لما سبق سداده من مبالغ تحت حساب الضريبة. واستفادة الإدارة الضريبية من تعجيل تحصيلها مبلغ الضريبة وما يرتبط بها وفقًا للنسب الواردة بذلك النص، وعدم رد ما سبق للممول سداده من مبالغ تحت حساب الضريبة، بما يوفر لخزانة الدولة الموارد المالية التي تعينها على مواجهة أعبائها وتكاليفها العامة، وذلك في مقابل سقوط حقها في تحصيل ما يزيد على النسب المشار إليها من قيمة الضريبة والمبالغ الأخرى المستحقة على الوعاء السنوي للضريبة المتنازع عليه. ومن ناحية أخرى، فإن الولوج إلى تفعيل أحكام التنظيم المتكامل الوارد بالمادة السادسة المشار إليها مرهون بإرادة الممول وحده، وفقًا لما يقدره محققًا لمصلحته، بعد أن يوازن بين ما يجنيه من مغانم، وما يتحمله من مغارم جراء الخضوع الطوعي لأحكامه، بما لا إخلال فيه بمبادئ العدالة الاجتماعية التي أقام عليها الدستور النظام الضريبي، وجعل تحقيقها هدفًا له، أو بما يمس بالحرية الشخصية التي كفلها الدستور، أو يخل بالتوازن بين أطراف العلاقة الضريبية، وبما لا مخالفة في ذلك لنصوص المواد (4، 8، 27، 38، 54) من الدستور.
وحيث إنه من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن مبدأ المساواة أمام القانون، إعمالاً للمادتين (4، 53) من الدستور القائم، يتعين تطبيقه على المواطنين كافةً، باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعي، وعلى تقدير أن الغاية التي يستهدفها تتمثل أصلاً في صون حقوق المواطنين وحرياتهم في مواجهة صور التمييز التي تنال منها أو تقيد ممارستها، وأضحى هذا المبدأ - في جوهره - وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة، التي لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور، بل يمتد مجال إعمالها كذلك إلى تلك التي كفلها المشرع للمواطنين في حدود سلطته التقديرية، وعلى ضوء ما يرتئيه محققًا للصالح العام. ومن المقرر- أيضًا- في قضاء هذه المحكمة أن صور التمييز المجافية للدستور، وإن تعذر حصــرها، فإن قوامهــــا كــــل تفرقــــة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق والحريات التي كفلها الدستور أو القانون، وذلك سواء بإنكار أصل وجودها أو تعطيل أو انتقاص آثارها بما يحول دون مباشرتهــــا على قدم المساواة الكاملة بين المؤهلين للانتفاع بهــــا. بما مؤداه: أن التمييز المنهى عنه دستوريًّا هو ما يكون تحكميًّا، ذلك أن كل تنظيم تشريعى لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها يعتبر هذا التنظيم ملبيًا لها، وتعكس مشروعية هذه الأغراض إطارًا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع لبلوغها، متخذًا من القواعد القانونية التي يقوم عليها هذا التنظيم سبيلاً إليها، إذ إن ما يصون مبدأ المساواة ولا ينقض محتواه، هو ذلك التنظيم الذى يقيم تقسيمًا تشريعيًّا ترتبط فيه النصوص القانونية التي يضمها بالأغراض المشروعة التي يتوخاها، فإذا قام الدليل على انفصال هذه النصوص عن أهدافها، أو كان اتصال الوسائل بالمقاصد واهيًا، كان التمييز انفلاتًا وعسفًا، فلا يكون مشروعًا دستوريًّا.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان ما ينعاه المدعى على نص الفقرة الأخيرة من المادة السادسة من القانون رقم 91 لسنة 2005 المشار إليه، إخلاله بمبدأ المساواة من وجهين، أولهما: تمييزه بغير مبرر موضوعي للإدارة الضريبية على حساب الممول، حال كونهما في ذات المركز القانوني، فكلاهما دائن للآخر، فالإدارة الضريبية تداين الممول بمبلغ الضريبة، والممول يداينها بقدر ما سبق له سداده بالزيادة تحت حساب الضريبة. وثانيهما: تمييز بين الممولين في تطبيق أحكامه، لاقتصار الاستفادة من أحكامه على كل من لم يسبق لهم سداد مبالغ تحت حساب الضريبة، دون غيرهم، فإن ذلك النعى مـردود في وجهـــه الأول بأن ما تغياه المشرع من أحكام التصالح الواردة في نص المادة السادسة المشار إليها، بما في ذلك فقرتها الأخيرة المطعون عليها، يتمثل في تصفية المنازعات القضائية الدائرة بين مصلحة الضرائب والممولين، من خلال تنازلات ومنافع متقابلة، ولا يتم تفعيل أحكام تلك المادة - كما تقدم البيان - إلا بالاختيار الحر وإرادة الممول وحده، وفقًا لما يقدره محققًا لمصلحته، ولا تملك الإدارة الضريبية إلا الانصياع لاختياره، إما بتطبيق أحكام كامل نص تلك المادة، أو الاستمرار في المنازعة القضائية المرددة بينهما. ومن ثم يختلف المركز القانوني للممول في هذا الشأن عن المركز القانوني للإدارة الضريبية، بمـا ليس فيه إخـلال بمبدأ المساواة. ومردود في وجهه الثاني بأن الخيار الذى ضمنه المشرع نص المادة السادسة سالفة الذكر، قد تقرر بقواعد عامة مجردة تنطبق على جميع الممولين في المنازعات الضريبية المرددة بينهم ومصلحة الضرائب أمام المحاكم على اختلاف درجاتها دون تمييز بينهم، ولكـل منهم أن يـوازن بين قدر ما تحققه أحكام ذلك النص له من منافع، وما يلقى على عاتقه من تبعات جراء الخضوع الطوعي لأحكامه، بما ليس فيه إخلال بمبدأ المساواة.
وحيث إنه عما نعى به المدعى من إخلال النص المطعون فيه بالحماية المقررة للملكية الخاصة، بحرمان الممول من استرداد ما سبق له سداده بالزيادة من مبالغ تحت حساب الضريبة، فإنه غير سديد، ذلك أن الإخلال بالحماية المقررة لحق الملكية الخاصة، وفقًا لنص المادتين (33، 35) من الدستور القائم، لا يتحقق – في الأعم من الأحـــــوال- إلا من خـلال نصوص قانونية تفقد ارتباطها عقلاً بمقدماتها، فلا يكون لها من أساس عادل، ولا سند مبرر لتقريرها. ولا كذلك النصوص القانونية التي تقوم على ترتيب تبعات مالية، تقابلها منافع، متى كانت هذه المنافع وتلك التبعـات المالية متقابلة، وكان زمام الأمر في الخضوع لها - بشقيها - بيد صاحب الشأن وحده، موازنًا بين هذه وتلك، لاختيار ما يحقق مصلحته. متى كان ذلك، وكان الأصل في الضريبة أنها فريضة مالية تجبى جبرًا، وتكون واجبة الأداء متى صار الربط نهائيًا، باستنفاد طرق التظلم منها أو بفواتها، ولو تم الطعن عليه أمام القضاء. ورغبة من المشرع في تصفية المنازعات القضائية الدائرة بين مصلحة الضرائب والممولين، فقد أفرد بنص المادة السادسة من مواد إصدار قانون الضريبة على الدخل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 2005، طريقًا للتصالح فيها، لقاء منافع وتبعات مالية متبادلة بين طرفى العلاقة الضريبية، فإن ما يتحمله الممول من تبعات مالية لإجراء تلك التسوية لا يمثل افتئاتًا على الحماية المقررة للملكية الخاصة، بمقتضى نص المادتين (33 و35) من الدستور.
وحيث كان ما تقدم جميعه، وكان النص المطعون فيه لا يخالف أى حكم آخر من أحكام الدستور، فمن ثم يتعين القضاء برفض الدعوى المعروضة.
فلهذه الأسباب
 حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

الطعن 11676 لسنة 4 ق جلسة 19 / 4 / 2014 مكتب فني 65 ق 33 ص 301

جلسة 19  من إبريل سنة 2014
برئاسة السيد القاضي / عاطف عبد السميع فرج نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / د. صلاح حسن البرعي ، علاء مدكور ، جمال حليس وكمال صقر نواب رئيس المحكمة .
----------
(33)
الطعن 11676 لسنة 4 ق
قانون " تفسيره " . طرق عامة . جريمة " أركانها " . نقض " حالات الطعن . الخطأ في تطبيق القانون " . محكمة النقض " نظرها الطعن والحكم فيه " .
وجوب التحرز في تفسير القوانين الجنائية وعدم تحميل عباراتها فوق ما تحتمل . القياس محظور في مجال التأثيم .
جريمة إقامة منشآت بدون إذن من الجهة المشرفة على الطرق . مناط تحققها . وقوع فعل التعدي على الطريق العام ذاته . عدم امتداد نطاق تطبيقها للمنشآت التي تقام على جانبي الطريق . أساس وعلة ذلك ؟
إدانة الحكم المطعون فيه الطاعن بجريمة التعدي على الطريق العام لإقامته بناء على جانبه بدون إذن من الجهة المشرفة على الطريق . خطأ في تطبيق القانون . يوجب نقضه والبراءة .
مثال .                              
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لما كان يبين من الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه أن النيابة العامة اتهمت الطاعن بأنه قام ببناء سور بجوار الطريق العام بغير ترخيص من الجهة المختصة وأصدرت الأمر الجنائي ضده بتغريمه مائة جنيه ورد الشيء لأصله فعارض في هذا الأمر ومحكمة أول درجة قضت بتاريخ .... وعملاً بالمواد 1 ، 2 ، 13 ، 15 ، 17 من القانون 84 لسنة 1968 حضورياً بتوكيل بتغريم المتهم مائة جنيه ورد الشيء لأصلـه على نفقته ، فاستأنف ومحكمة ثاني درجة قضت حضورياً بتوكيل بقبول الاستئناف شكلاً وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف . لما كان ذلك ، وكان قانون الطرق العامة الصـادر بالقانون رقم 84 لسنة 1968 والمعدل بالقانون رقم 146 لسنة 1984 وإن نص في مادته العاشرة على تحميل ملكية الأراضي الواقعة على جانبي الطرق العامة لمسافات معينة فصَّلها النص - لخدمة أغراض القانون - بأعباء نص عليها من بينها عدم جواز استغلال هذه الأراضي في أي غرض غير الزراعة واشترط عدم إقامة منشآت عليها ، ونص في المادة الثانية عشرة منه على أنه : " لا يجوز بغير موافقة الجهة المشرفة على الطريق إقامة أية منشآت على الأراضي الواقعة على جانبي الطريق العام ولمسافة توازي مثلاً واحداً للمسافة المشار إليها في المادة 10 منه " ، إلا أنه حين عرض لبيان الجرائم والعقوبات المقررة لكل منها فقد نص في المادة 13 الواردة بالباب الرابع تحت عنوان " العقوبات " على أن يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن شهر وبغرامة لا تجاوز مائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعدى على الطرق العامة بإحدى الأعمال الآتية 1- .... 2- .... 3– اغتصاب جزء منها . 4– إقامة منشآت عليها بدون إذن من الجهة المشرفة على الطرق . 5- .... 6– إتلاف الأشجار المغروسة على جانبيها أو العلامات المبينة للكيلو مترات . 7- .... 8- .... ، فقد دل بذلك على أن الشارع قصد تطبيق الفقرة الرابعة من المادة الثالثة عشرة المشار إليها على أعمال التعدي بإقامة بناء أو منشآت على الطرق العامة ذاتها متى وقعت بدون إذن من الجهة المشرفة على الطرق ، ولو أراد أن يبسط نطاق تطبيقها على المنشآت التي تقام على جانبي الطرق ، لما أعوزه النص على ذلك صراحة على غرار ما جرى عليه نص الفقرة السادسة من المادة ذاتها . لما كان ذلك ، وكان البين مما سلف أن القانون المذكور وإن حمَّل الأملاك الواقعة على جانبي الطرق العامة في الحدود التي قدرها ببعض القيود ، إلا أنه لم ينص على اعتبارها جزءاً منها ولم يلحقها بها بحيث يمكن أن تأخذ في مقام التجريم حكم الأعمال المخالفة التي تقع على الطرق العامة ذاتها ، وإذ كان من المقرر أن الأصل هو وجوب التحرز في تفسير القوانين الجنائية والتزام جانب الدقة في ذلك وعدم تحميل عباراتها فوق ما تحتمل ، وأن القياس محظور في مجال التأثيم ، وكان مفهوم دلالة نص الفقرة الرابعة من المادة الثالثة عشرة سالفة الذكر أن جريمة إقامة منشآت بدون إذن من الجهة المشرفة على الطرق لا تتحقق إلا إذا وقع فعل التعدي المذكور على الطريق العام ذاته . لما كان ذلك ، وكانت الواقعة التي دين الطاعن بارتكابها - حسبما يبين من وصف التهمة - تعد فعلاً غير مؤثم ، فإن الحكم المطعون فيه إذ دانه بارتكابها وعقابه بالعقوبة الواردة به يكون قد أخطأ في تطبيق القانون ، مما يتعين معـــه نقض الحكم المطعون فيه وإلغاء الحكم المستأنف والقضاء ببراءة الطاعن من التهمة المسندة إليه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائـع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بوصف أنه قام ببناء سور بجوار الطريق العام بغير ترخيص من الجهة المختصة .
والنيابة العامة أصدرت الأمر الجنائي بتغريم المتهم مائة جنيه ورد الشيء لأصله ، فاعترض المحكوم عليه على هذا الأمر .
ومحكمة جنح .... قضت حضورياً بتوكيل ، وبعد أن عدلت القيد والوصف بجعله أقام منشآت على الأرض الواقعة على جانبي الطريق العام دون ترك المسافة القانونية المقررة قانوناً ، وعملاً بالمواد 1 ، 2 ، 13 ، 15 ، 17 من القانون 84 لسنة 1968 ، بتغريم المتهم مائة جنيه ورد الشيء لأصله على نفقته ، واستأنف المحكوم عليه هذا الحكم .
ومحكمة .... الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بتوكيل بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف .
فطعن الأستاذ / .... المحامي بصفته وكيلاً عن الأستاذ / .... بصفته وكيلاً عن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة التعدي على الطريق العام بإقامة بناء على جانبه بدون إذن من الجهة المشرفة على الطريق قد أخطأ في تطبيق القانون ؛ ذلك بأن الواقعة تعد فعلاً غير مؤثم ، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
ومن حيث إنه يبين من الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه أن النيابة العامة اتهمت الطاعن بأنه قام ببناء سور بجوار الطريق العام بغير ترخيص من الجهة المختصة وأصدرت الأمر الجنائي ضده بتغريمه مائة جنيه ورد الشيء لأصله فعارض في هذا الأمر ومحكمة أول درجة قضت بتاريخ .... وعملاً بالمواد 1 ، 2 ، 13 ، 15 ، 17 من القانون 84 لسنة 1968 حضورياً بتوكيل بتغريم المتهم مائة جنيه ورد الشيء لأصلـه على نفقته ، فاستأنف ومحكمة ثاني درجة قضت حضورياً بتوكيل بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف . لما كان ذلك ، وكان قانون الطرق العامة الصـادر بالقانون رقم 84 لسنة 1968 والمعدل بالقانون رقم 146 لسنة 1984 وإن نص في مادته العاشرة على تحميل ملكية الأراضي الواقعة على جانبي الطرق العامة لمسافات معينة فصَّلها النص - لخدمة أغراض القانون - بأعباء نص عليها من بينها عدم جواز استغلال هذه الأراضي في أي غرض غير الزراعة واشترط عدم إقامة منشآت عليها ، ونص في المادة الثانية عشرة منه على أنه : " لا يجوز بغير موافقة الجهة المشرفة على الطريق إقامة أية منشآت على الأراضي الواقعة على جانبي الطريق العام ولمسافة توازي مثلاً واحداً للمسافة المشار إليها في المادة 10 منه " ، إلا أنه حين عرض لبيان الجرائم والعقوبات المقررة لكل منها فقد نص في المادة 13 الواردة بالباب الرابع تحت عنوان " العقوبات " على أن يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن شهر وبغرامة لا تجاوز مائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعدى على الطرق العامة بإحدى الأعمال الآتية 1- .... 2- .... 3– اغتصاب جزء منها . 4– إقامة منشآت عليها بدون إذن من الجهة المشرفة على الطرق . 5- .... 6– إتلاف الأشجار المغروسة على جانبيها أو العلامات المبينة للكيلو مترات . 7- .... 8- .... ، فقد دل بذلك على أن الشارع قصد تطبيق الفقرة الرابعة من المادة الثالثة عشرة المشار إليها على أعمال التعدي بإقامة بناء أو منشآت على الطرق العامة ذاتها متى وقعت بدون إذن من الجهة المشرفة على الطرق ، ولو أراد أن يبسط نطاق تطبيقها على المنشآت التي تقام على جانبي الطرق ، لما أعوزه النص على ذلك صراحة على غرار ما جرى عليه نص الفقرة السادسة من المادة ذاتها . لما كان ذلك ، وكان البين مما سلف أن القانون المذكور وإن حمَّل الأملاك الواقعة على جانبي الطرق العامة في الحدود التي قدرها ببعض القيود ، إلا أنه لم ينص على اعتبارها جزءاً منها ولم يلحقها بها بحيث يمكن أن تأخذ في مقام التجريم حكم الأعمال المخالفة التي تقع على الطرق العامة ذاتها ، وإذ كان من المقرر أن الأصل هو وجوب التحرز في تفسير القوانين الجنائية والتزام جانب الدقة في ذلك وعدم تحميل عباراتها فوق ما تحتمل ، وأن القياس محظور في مجال التأثيم ، وكان مفهوم دلالة نص الفقرة الرابعة من المادة الثالثة عشرة سالفة الذكر أن جريمة إقامة منشآت بدون إذن من الجهة المشرفة على الطرق لا تتحقق إلا إذا وقع فعل التعدي المذكور على الطريق العام ذاته . لما كان ذلك ، وكانت الواقعة التي دين الطاعن بارتكابها - حسبما يبين من وصف التهمة - تعد فعلاً غير مؤثم ، فإن الحكم المطعون فيه إذ دانه بارتكابها وعقابه بالعقوبة الواردة به يكون قد أخطأ في تطبيق القانون ، مما يتعين معـــه نقض الحكم المطعون فيه وإلغاء الحكم المستأنف والقضاء ببراءة الطاعن من التهمة المسندة إليه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الطعن 14380 لسنة 4 ق جلسة 17 / 4 / 2014 مكتب فني 65 ق 32 ص 299

جلسة 17  من إبريل سنة 2014
برئاسة السيد القاضي / أنور جبري نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / نافع فرغلي ، مصطفى الصادق ، محمد طاهر وهاني فهمي نواب رئيس المحكمة .
-----------
(32)
الطعن 14380 لسنة 4 ق
نقض " التقرير بالطعن وإيداع الأسباب . ميعاده " .
التقرير بالطعن وإيداع أسبابه بعد الميعاد . أثره : عدم قبول الطعن شكلاً .
السفر للخارج دون عذر أو ضرورة ملجئة . لا يعد عذراً مانعاً من حضور جلسة المحاكمة الصادر فيها الحكم المطعون فيه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لما كان الطاعن قد تجاوز في التقرير بالطعن وإيداع أسبابه الميعاد المقرر قانوناً معتذراً بسفره خارج البلاد يوم نظر الجلسة التي صدر فيها الحكم المطعون فيه . لما كان ذلك ، وكان المقرر أن السفر للخارج دون عذر ولا ضرورة ملجئة لا يعد عذراً مانعاً من حضور جلسة المحاكمة ، وكان الطاعن فضلاً عن أنه لم يدع أن سفره كان لضرورة ملجئة ، فإنه لم يقدم الدليل عليه ، ومن ثم فإن تخلفه عن حضور جلسة المحاكمة يكون بغير عذر ، الأمر الذي يكون معه الطعن قد أفصح عن عدم قبوله شكلاً ، بعد أن تم التقرير بالطعن وتقديم الأسباب بعد الميعاد المقرر في القانون .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 المحكمـة
حيث إن الطاعن تجاوز في التقرير بالطعن وإيداع أسبابه الميعاد المقرر قانوناً معتذراً بسفره خارج البلاد يوم نظر الجلسة التي صدر فيها الحكم المطعون فيه . لما كان ذلك ، وكان المقرر أن السفر للخارج دون عذر ولا ضرورة ملجئة لا يعد عذراً مانعاً من حضور جلسة المحاكمة ، وكان الطاعن فضلاً عن أنه لم يدع أن سفره كان لضرورة ملجئة ، فإنه لم يقدم الدليل عليه ، ومن ثم فإن تخلفه عن حضور جلسة المحاكمة يكون بغير عذر ، الأمر الذي يكون معه الطعن قد أفصح عن عدم قبوله شكلاً ، بعد أن تم التقرير بالطعن وتقديم الأسباب بعد الميعاد المقرر في القانون .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الأحد، 12 مايو 2019

القضية 19 لسنة 17 ق جلسة 7 / 7 / 2002 دستورية عليا مكتب فني 10 دستورية ق 70 ص 456

جلسة 7 يوليه سنة 2002

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ محمد فتحي نجيب - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: عبد الرحمن نصير وماهر البحيري ومحمد على سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله وأنور رشاد العاصي

وحضور السيد المستشار/ سعيد مرعي عمرو - رئيس هيئة المفوضين،

وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

-------------

قاعدة رقم (70)
القضية رقم 19 لسنة 17 قضائية "دستورية"

(1) دعوى دستورية "المصلحة فيها: مناطها: نطاقها".
مناط المصلحة في الدعوى الدستورية - وهي شرط لقبولها - ارتباطها بصلة منطقية بالمصلحة القائمة بالنزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازماًً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمبداه أمام محكمة الموضوع، تعلق النزاع الموضوعي بالاتهام بجريمتي قتل وجرح خطأ. مؤدى ذلك: تحديد نطاق الدعوى الماثلة بما ورد بنصوص الاتهام دون غيرها.
(2) دعوى دستورية "الحكم فيها: حجيته: عدم قبول الدعوى". تطبيق المادتان (238 و244) من قانون العقوبات.
قضاء المحكمة الدستورية العليا في الدعاوى الدستورية له حجية مطلقة في مواجهة الكافة وبالنسبة إلى سلطات الدولة. رفض الدعوى بعدم دستورية المادتين (238 و244) من قانون العقوبات. أثره: عدم قبول الدعوى اللاحقة المتعلقة بهذين النصين. علة ذلك الطبيعة العينية للأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية وانعدام المصلحة بالتالي في معاودة طرح تلك النصوص مرة أخرى على المحكمة.
(3) دستور "المادة الثانية: شريعة إسلامية: الأحكام القطعية والأحكام الظنية".
التزام المشرع منذ 22 مايو سنة 1980 - تاريخ تعديل المادة الثانية من الدستور - باتخاذ الشريعة الإسلامية مصدراً رئيسياً لما يصدره بعد ذلك من تشريعات. أثره: لا يجوز لأي نص تشريعي أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها أو دلالتها والتي لا تحمل اجتهاداً، اتساع الأحكام الظنية لدائرة الاجتهاد تنظيماً لشئون العباد. مؤدى ذلك: لا يساغ اعتبار أراء أحد الفقهاء شرعاً لا يقبل نقضه.
(4) تشريع "الفقرة الأولى من المادة (244) من قانون العقوبات".
خلو الشريعة الغراء من مبدأ قطعي الثبوت والدلالة يقرر حكماً فاصلاً في شأن امتناع التعزير في الجرائم التي تقع على ما دون النفس. فرض عقوبات تعزيرية على مقترف هذه الجريمة لا يخالف مبادئ الشريعة الإسلامية.

--------------------
1 - جرى قضاء المحكمة الدستورية العليا على أن المصلحة في الدعوى الدستورية - وهي شرط لقبولها - مناطها ارتباطها بصلة منطقية بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي. وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع. وكان النزاع الموضوعي يدور حول اتهام المدعي - وآخر - بارتكاب جريمتي قتل وجرح عن طريق الخطأ، وطلبت النيابة العامة عقابه بمقتضى الفقرتين الأولى والثالثة من كل من المادتين (238 و244) من قانون العقوبات، فإن نطاق الدعوى الماثلة يتحدد فيما ورد بهذه النصوص ولا يمتد إلى غيرها من أحكام حوتها النصوص الطعينة.
2 - سبق أن تناولت المحكمة الدستورية العليا بحث دستورية المادتين (238 و244) من قانون العقوبات من حيث مدى اتفاقهما وحكم المادة الثانية من الدستور، وذلك بحكمها الصادر في الدعوى رقم 150 لسنة 4 قضائية "دستورية"، والذي قضى برفض الدعوى تأسيساً على أن إلزام المشرع باتخاذ مبادئ الشريعة الإسلامية كمصدر رئيسي للتشريع - بعد تعديل المادة الثانية من الدستور في 22 مايو سنة 1980 - لا ينصرف سوى إلى التشريعات التي تصدر بعد التاريخ الذي فرض فيه هذا الإلزام، بحيث إذا انطوى أي منها على ما يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية، يكون قد وقع في حومة المخالفة الدستورية، أما التشريعات السابقة على ذلك التاريخ فلا يتأتى إنفاذ حكم الإلزام المشار إليه بالنسبة لها لصدورها فعلاً قبله. ونشر الحكم في الجريدة الرسمية بتاريخ 15/ 6/ 1989، وكان مقتضى نص المادتين (48 و49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن يكون لقضاء هذه المحكمة في الدعاوى الدستورية حجية مطلقة في مواجهة الكافة، وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة باعتباره قولاً فصلاً في المسألة التي فصل فيها، وهي حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيه أو إعادة طرحه عليها من جديد لمراجعته، لما كان ذلك، وكان نص الفقرتين الأولى والثالثة من المادة (238) وكذا نص الفقرة الثالثة من المادة (244) من قانون العقوبات لا زالت على وضعها كما كان معروضاً على المحكمة الدستورية العليا في الدعوى السابقة دون أن يطرأ على أي منها تعديل لاحق لتعديل المادة الثانية من الدستور، فإن قضاء هذه المحكمة في شأن تلك النصوص يحوز حجية مطلقة، بما يتعين معه الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة للطعن على تلك الفقرات.
3 - النعي بمخالفة النص الطعين لحكم المادة الثانية من الدستور مردود، ذلك أن المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن النص في المادة الثانية من الدستور - بعد تعديلها في 22 مايو سنة 1980 - على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، إنما يتجلى عن دعوة المشرع كي يتخذ من الشريعة الإسلامية مصدراً رئيسياً فيما يسنه من تشريعات تصدر بعد العمل بالتعديل الدستوري المشار إليه، فلا يجوز منذ ذلك التاريخ للنص التشريعي أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها ودلالتها، باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هي التي لا تحتمل اجتهاداً، ومن ثم لا يقبل إقرار أية قاعدة قانونية تخالفها، وليست كذلك الأحكام الظنية في ثبوتها أو دلالتها أو فيهما معاً، وهي التي تتسع لدائرة الاجتهاد يسطع فيها تنظيماً لشئون العباد، وضماناً لمصالحهم، وهو اجتهاد وإن كان حقاً لأهل الاجتهاد، فأولى أن يكون هذا الحق مقرراً لولي الأمر، يبذل جهده في استنباط الحكم الشرعي من الدليل التفصيلي، ويعمل حكم العقل فيما لا نص فيه توصلاً لتقرير قواعد عملية يقتضيها عدل الله ورحمته بعباده، وتسعها الشريعة الإسلامية التي لا تضفي قدسية على آراء أحد من الفقهاء في شأن من شئونها، ولا تحول دون مراجعتها وتقييمها وإبدال غيرها بها بمراعاة المصلحة الحقيقية التي لا تناقض المقاصد العليا للشريعة، فالآراء الاجتهادية لا تجاوز حجيتها قدر اقتناع أصحابها بها، ولا يساغ بالتالي اعتبارها شرعاً لا يجوز نقضه، وإلا كان ذلك نهياً عن التأمل والتبصر في دين الله تعالى وإنكاراً لحقيقة أن الخطأ محتمل في كل اجتهاد، ومن ثم صح القول بأن اجتهاد أحد الفقهاء ليس بالضرورة أحق بالإتباع من اجتهاد غيره، وربما كان أضعف الآراء أكثرها ملائمة للأوضاع المتغيرة، ولو كان مخالفاً لأقوال امتد العمل بها زمناً.
4 - إجماع الفقهاء منعقد على أنه إذا وقعت جريمة القتل غير العمدى، وجب على الجاني - أو عائلته - أن يؤدي لورثة القتيل مائة من الإبل، اختلف العلماء في نوعها، وأجاز البعض نقلاً عن الرسول صلي الله عليه وسلم أداؤها من الذهب أو الفضة، أما إذا وقعت الجريمة على ما دون النفس لزم الجاني أن يؤدي للمجني عليه أرش الجراح، وهو إما أن يكون دية كاملة أو جزء من الدية بحسب جسامة أو تفاهة الإصابات التي لحقت بالمجني عليه، وبصرف النظر عما وقع بين العلماء من خلاف في تكييف طبيعة الدية أو الأرش، وهل هي عقوبة أو تعويض للمجني عليه أو هي كلاهما، فقد أقر فريق من العلماء بحق ولي الأمر في تقرير عقوبات تعزيرية لبعض الجرائم - حتى لو كانت من جرائم الحدود - إذا كان القصد من ذلك الردع والزجر مع الإصلاح والتهذيب، خاصة إذا كان التعزيز للمصلحة العامة، فلا يحول وجود عقوبة شرعية لبعض الجرائم دون حق ولي الأمر في تقرير عقوبات تعزيرية كالوعظ والتهديد والتوبيخ والحبس والغرامة والنفي، ولا خلاف بين العلماء في أن العقوبات التعزيرية تتغير بحسب اقتضاء المصلحة زماناً أو مكاناً أو حالاً، كما تتغير مقادير التعزيرات وأجناسها وصفاتها بحسب جسامة الجناية وسن الجاني وغير ذلك من الظروف الملابسة لارتكابها.
وحيث إنه لما كان ما تقدم، وكانت الشريعة الغراء قد خلت من مبدأ قطعي الثبوت والدلالة يقرر حكماً فاصلاً في شأن امتناع التعزير في الجرائم التي تقع على ما دون النفس، فإن النص في الفقرة الأولى من المادة (244) من قانون العقوبات إذ تضمن عقوبات تعزيرية على مقترف هذه الجريمة ألا وهي الحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تجاوز مائتي جنيه أو بإحداهما، لا يكون مخالفاً في ذاته لمبادئ الشريعة الإسلامية.


الإجراءات

بتاريخ الثلاثين من مارس 1995، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالباً للحكم بعدم دستورية المادتين (238 و244) من قانون العقوبات.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم أصلياً: بعدم قبول الدعوى، واحتياطياً: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن النيابة العامة كانت قد اتهمت المدعي - وآخر - بأنهما بدائرة مركز أبو تيج أولاً: تسببا خطأ في وفاة كل من علي محمود علي، وحافظ نظير رملة، ومنير عبد الملاك جرجس وعبد الحكم مهران صديق وكان ذلك ناشئاً عن إهمالهما وعدم مراعاتهما القوانين واللوائح بأن قاد كل منهما سيارته بطريقة ينجم عنها الخطر...... ثانياً: تسببا خطأ في إصابة كل من فتحي سالم حامد ومحمود هاشم عبد العال وليلى يوسف عبد المجيد وفوزية بيومي محمد ومحمود رمضان زكي وسليم سلامة سليم..... ثالثاً: قاد كل منهما سيارته بحالة ينجم عنها الخطر. وقدمتهما للمحاكمة في الجنحة رقم 863 لسنة 1944 مركز أبو تيج لمعاقبتهما بالمادتين (283/ 1 - 3 و244/ 1 - 3) من قانون العقوبات والمنطبق من مواد القانون رقم 66 لسنة 1973 المعدل بالقانون رقم 210 لسنة 1980. وأثناء نظر الدعوى دفع المدعي بعدم دستورية المادتين (283 و244) من قانون العقوبات، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية دفعه وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن المادة (238) من قانون العقوبات تنص على أن: "من تسبب خطأ في موت شخص آخر بأن كان ذلك ناشئاً عن إهماله أو رعونته أو عدم احترازه أو عدم مراعاته للقوانين والقرارات واللوائح والأنظمة يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تجاوز مائتي جنية أو بإحدى هاتين العقوبتين.
وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنين وغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تجاوز خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا وقعت الجريمة نتيجة إخلال الجاني إخلالاً جسيماً بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته أو كان متعاطياً مسكراً أو مخدراً عند ارتكابه الخطأ الذي نجم عنه الحادث أو نكل وقت الحادث عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة أو عن طلب المساعدة له مع تمكنه من ذلك.
وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على سبع سنين إذا نشأ عن الفعل وفاة أكثر من ثلاثة أشخاص. فإذا توافر ظرف آخر من الظروف الواردة في الفقرة السابقة كانت العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على عشر سنين".
كما تنص المادة (244) من القانون ذاته على أن "من تسبب خطأ في جرح شخص أو إيذائه بأن كان ذلك ناشئاً عن إهماله أو رعونته أو عدم احترازه أو عدم مراعاته للقوانين والقرارات واللوائح والأنظمة يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تجاوز مائتي جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.
وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنتين وغرامة لا تجاوز ثلاثمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا نشأ عن الإصابة عاهة مستديمة أو إذا وقعت الجريمة نتيجة إخلال الجاني إخلالاً جسيماً بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته أو كان متعاطياً مسكراً أو مخدراً عند ارتكابه الخطأ الذي نجم عنه الحادث أو نكل وقت الحادث عن مساعدة وقعت عليه الجريمة أو عن طلب المساعدة له مع تمكنه من ذلك.
وتكون العقوبة الحبس إذا نشأ عن الجريمة إصابة أكثر من ثلاثة أشخاص فإذا توافر ظرف آخر من الظروف الواردة في الفقرة السابقة تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنوات".
وحيث إنه من المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن المصلحة في الدعوى الدستورية - وهي شرط لقبولها - مناطها ارتباطها بصلة منطقية بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي. وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع. وكان النزاع الموضوعي يدور حول اتهام المدعي - وآخر - بارتكاب جريمتي قتل وجرح عن طريق الخطأ، وطلبت النيابة العامة عقابه بمقتضى الفقرتين الأولى والثالثة من كل من المادتين (238 و244) من قانون العقوبات، فإن نطاق الدعوى الماثلة يتحدد فيما ورد بهذه النصوص ولا يمتد إلى غيرها من أحكام حوتها النصوص الطعينة.
وحيث إن المدعي على النصوص الطعينة - محددة نطاقاً على نحو ما سبق - مخالفتها أحكام الشريعة الإسلامية المعتبرة المصدر الرئيسي للتشريع، ذلك أن العقوبة الشرعية المقررة لجريمتي القتل والإصابة الخطأ هي الدية وليس الحبس كما جاء بالنصوص المطعون عليها، ومن ذلك تكون هذه النصوص مخالفة لحكم المادة الثانية من الدستور.
وحيث إن هذه المحكمة سبق أن تناولت بحث دستورية المادتين (238 و244) من قانون العقوبات من حيث مدى اتفاقهما وحكم المادة الثانية من الدستور، وذلك بحكمها الصادر في الدعوى رقم 150 لسنة 4 قضائية "دستورية"، والذي قضى برفض الدعوى تأسيساً على أن إلزام المشرع باتخاذ مبادئ الشريعة الإسلامية كمصدر رئيسي للتشريع - بعد تعديل المادة الثانية من الدستور في 22 مايو سنة 1980 - لا ينصرف سوى إلى التشريعات التي تصدر بعد التاريخ الذي فرض فيه هذه الإلزام، بحيث إذا انطوى أي منها على ما يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية، يكون قد وقع في حومة المخالفة الدستورية، أما التشريعات السابقة على ذلك التاريخ فلا يتأتى إنفاذ حكم الإلزام المشار إليه بالنسبة لها لصدورها فعلاً قبله. ونشر الحكم في الجريدة الرسمية بتاريخ 15/ 6/ 1989، وكان مقتضى نص المادتين (48 و49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن يكون لقضاء هذه المحكمة في الدعاوى الدستورية حجية مطلقة في مواجهة الكافة، وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة باعتباره قولاً فصلاً في المسألة التي فصل فيها، وهي حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيه أو إعادة طرحه عليها من جديد لمراجعته، لما كان ذلك وكان نص الفقرتين الأولى والثالثة من المادة (238) وكذا نص الفقرة الثالثة من المادة (244) من قانون العقوبات لا زالت على وضعها كما كان معروضاً على المحكمة الدستورية العليا في الدعوى السابقة دون أن يطرأ على أي منها تعديل لاحق لتعديل المادة الثانية من الدستور، فإن قضاء هذه المحكمة في شأن تلك النصوص يحوز حجية مطلقة، بما يتعين معه الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة للطعن على تلك الفقرات، أما نص الفقرة الأولى من المادة (244) من قانون العقوبات فقد تم تعديله بمقتضى القانون رقم 29 لسنة 1982، فلا يكون للحكم السابق الصادر في الدعوى 150 لسنة 4 قضائية "دستورية" المشار إليه ثمة حجية بالنسبة للدعوى الماثلة، والتي يتحدد نطاقها بما ورد بتلك الفقرة وحدها.
وحيث إن النعي بمخالفة النص الطعين لحكم المادة الثانية من الدستور مردود، ذلك أن المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن النص في المادة الثانية من الدستور - بعد تعديلها في 22 مايو سنة 1980 - على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، إنما يتجلى عن دعوة المشرع كي يتخذ من الشريعة الإسلامية مصدراً رئيسياً فيما يسنه من تشريعات تصدر بعد العمل بالتعديل الدستوري المشار إليه، فلا يجوز منذ ذلك التاريخ للنص التشريعي أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها ودلالتها، باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هي التي لا تحتمل اجتهاداً، ومن ثم لا يقبل إقرار أية قاعدة قانونية تخالفها، وليست كذلك الأحكام الظنية في ثبوتها أو دلالتها أو فيهما معاً، وهي التي تتسع لدائرة الاجتهاد يسطع فيها تنظيماً لشئون العباد، وضماناً لمصالحهم، وهو اجتهاد وإن كان حقاً لأهل الاجتهاد، فأولى أن يكون هذا الحق مقرراً لولي الأمر، يبذل جهده في استنباط الحكم الشرعي من الدليل التفصيلي، ويعمل حكم العقل فيما لا نص فيه توصلاً لتقرير قواعد عملية يقتضيها عدل الله ورحمته بعباده، وتسعها الشريعة الإسلامية التي لا تضفي قدسية على آراء أحد من الفقهاء في شأن من شئونها، ولا تحول دون مراجعتها وتقييمها وإبدال غيرها بها بمراعاة المصلحة الحقيقية التي لا تناقض المقاصد العليا للشريعة، فالآراء الاجتهادية لا تجاوز حجيتها قدر اقتناع أصحابها بها، ولا يساغ بالتالي اعتبارها شرعاً لا يجوز نقضه، وإلا كان ذلك نهياً عن التأمل والتبصر في دين الله تعالى وإنكاراً لحقيقة أن الخطأ محتمل في كل اجتهاد، ومن ثم صح القول بأن اجتهاد أحد الفقهاء ليس بالضرورة أحق بالإتباع من اجتهاد غيره، وربما كان أضعف الآراء أكثرها ملائمة للأوضاع المتغيرة، ولو كان مخالفاً لأقوال امتد العمل بها زمناً.
وحيث إن إجماع الفقهاء منعقد على أنه إذا وقعت جريمة القتل غير العمدى، وجب على الجاني - أو عائلته - أن يؤدي لورثة القتيل مائة من الإبل، اختلف العلماء في نوعها، وأجاز البعض نقلاً عن الرسول صلي الله عليه وسلم أداؤها من الذهب أو الفضة، أما إذا وقعت الجريمة على ما دون النفس لزم الجاني أن يؤدي للمجني عليه أرش الجراح، وهو إما أن يكون دية كاملة أو جزء من الدية بحسب جسامة أو تفاهة الإصابات التي لحقت بالمجني عليه، وبصرف النظر عما وقع بين العلماء من خلاف في تكييف طبيعة الدية أو الأرش، وهل هي عقوبة أو تعويض للمجني عليه أو هي كلاهما، فقد أقر فريق من العلماء بحق ولي الأمر في تقرير عقوبات تعزيرية لبعض الجرائم - حتى لو كانت من جرائم الحدود - إذا كان القصد من ذلك الردع والزجر مع الإصلاح والتهذيب، خاصة إذا كان التعزيز للمصلحة العامة، فلا يحول وجود عقوبة شرعية لبعض الجرائم دون حق ولي الأمر في تقرير عقوبات تعزيرية كالوعظ والتهديد والتوبيخ والحبس والغرامة والنفي، ولا خلاف بين العلماء في أن العقوبات التعزيرية تتغير بحسب اقتضاء المصلحة زماناً أو مكاناً أو حالاً كما تتغير مقادير التعزيرات وأجناسها وصفاتها بحسب جسامة الجناية وسن الجاني وغير ذلك من الظروف الملابسة لارتكابها.
وحيث إنه لما كان ما تقدم، وكانت الشريعة الغراء قد خلت من مبدأ قطعي الثبوت والدلالة يقرر حكماً فاصلاً في شأن امتناع التعزير في الجرائم التي تقع على ما دون النفس، فإن النص في الفقرة الأولى من المادة (244) من قانون العقوبات إذ تضمن عقوبات تعزيرية على مقترف هذه الجريمة ألا وهي الحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تجاوز مائتي جنيه أو بإحداهما، لا يكون مخالفاً في ذاته لمبادئ الشريعة الإسلامية.
وحيث إنه لما كان ما تقدم، فإنه يتعين رفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة:
أولاً: بعدم قبول الدعوى بالنسبة للطعن على الفقرتين الأولى والثالثة من المادة (238) والفقرة الثالثة من المادة (244) من قانون العقوبات.
ثانياً: برفض ما عدا ذلك من طلبات.
ثالثاً: بمصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة