الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 23 أغسطس 2017

دستورية الزام المستفيدين (الورثة والموصى لهم) من جرائم المال العام برده المادة 208 اجراءات وما بعدها

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثلاثين من يوليو سنة 2017م، الموافق السابع من ذى القعدة سنة 1438 هـ.
برئاسة السيد المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق                 رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حنفى على جبالى ومحمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان نواب رئيس المحكمة
وحضور  السيد المستشار الدكتور / طارق عبد الجواد شبل         رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع                         أمين السر

أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 54 لسنة 29 قضائية " دستورية ".
المقامة من
1 - آسر محمد نور عبد الوهاب إمام
2 - ريم محمد نور عبد الوهاب إمام
3 - إلهام عبد الحميد مسلم صوان
ضد
1 - رئيس الجمهورية
2 - رئيس مجلس الشعب ( مجلس النواب حاليًا )
3 - رئيس مجلس الوزراء
4 - وزير العدل
5 - النائب العام
الإجراءات
بتاريخ الأول من مارس سنة 2007، أودع المدعون صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبين فيها الحكم بعدم دستورية نص المادة (208 مكرراً "د") من قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1950 المضافة بالقانون رقم 63 لسنة 1975.
    وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة بدفاعها، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
    وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
    ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
 بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - فى أن النيابة العامة كانت قد اتهمت محمد نور عبد الوهاب إمام (المتهم الأول) وآخرين فى قضية الجنايــة رقــم 29928 لسنة 2004 حدائق القبة - المُقيدة برقم 1320 لسنة 2004 كلي غرب - بأنه ارتكب مع بعضهم جرائم الرشوة وتربيح الغير وتزوير محررات رسمية وتقليد خاتم شعار الجمهورية واستعمالها فيما زوُر وقُلد من أجله مع علمهم بذلك, وأحالتهم إلى محكمة جنايات القاهرة لمعاقبتهم طبقًا للمواد (40/ثانيًا وثالثًا و41 و103 و104 و107 و115 و118 و118 مكررًا و119/أ و119 مكررًا "أ" و3/206،4 و211 و214) من قانون العقوبات، وأثناء نظر الدعوى أمام محكمة جنايات القاهرة توفى المتهم الأول؛ فأمرت المحكمـة بإدخال ورثته (المدعين) إعمالاً لنص المادة (208 مكررًا "د") من قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1950 المضافة بالقانون رقم 63 لسنة 1975، ليكون الحكم بالرد فى مواجهتهم؛ نافذًا فى أموال كل منهم بقدر ما استفاد، وبجلسة 2007/1/29 حضر وكيل عنهم، وطلب أصليًّا: الحكم برفض طلب إدخالهم شكلاً وموضوعًا،
ودفع احتياطيًّا: بعدم دستورية نص المادة (208 مكررًا "د") من قانون الإجراءات الجنائية المشار إليه، وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع وصرحت للمدعين بإقامة الدعوى الدستورية، أقاموا الدعوى المعروضة.
    وحيث إن المادة (208 مكررًا "د") من قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1950 المضافة بالقانون رقم 63 لسنة 1975 تنص على أنه "لا يحول انقضاء الدعوى الجنائية بالوفاة، قبل أو بعد إحالتها
إلى المحكمة, دون قضائها بالرد في الجرائم المنصوص عليها في المواد (112 و113 فقرة أولى وثانية ورابعة و113 مكررًا فقرة أولى و114 و115) من قانون العقوبات.
    وعلى المحكمة أن تأمر بالرد في مواجهة الورثة والموصي لهم وكل من أفاد فائدة جدية من الجريمـة ليكون الحكــم بالرد نافذًا في أموال كل منهم بقدر ما استفاد.
    ويجب أن تندب المحكمة محاميًا للدفاع عمن وجه إليهم طلب الرد إذا لم ينيبوا من يتولى الدفاع عنهم"
    وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية مؤثرًا فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. لما كان ذلك، وكانت رحى النزاع فى الدعوى الموضوعية تدور حول إدخال محكمة الموضوع المدعين، بوصفهم ورثة المتهم الأول، ليكون الحكم بالرد فى مواجهتهم نافذًا فى أموال كل منهم بقدر ما استفاد، وكان المركز القانوني لكل من الورثة والموصى لهم، فى شأن إعمال نص المادة (208 مكررًا "د") من قانون الإجراءات الجنائية المشار إليه، متساويًا لوحدة مصدر الأموال التى آلت إليهم جميعًا، متمثلاً فى تركة مورثهم، ومن ثم فإن مصلحة المدعين الشخصية المباشرة تكون متحققة فى الطعن على ما تنص عليه الفقرة الثانية من هذه المادة المطعون فيها من أنه "وعلى المحكمة أن تأمر بالرد فى مواجهة الورثة والموصى لهم ليكون الحكم بالرد نافذًا فى أموال كل منهم بقدر ما استفاد" وفيها ينحصر نطاق الدعوى المعروضة، ولا يمتد لغيرها من أجزاء النص المطعون عليه.
    وحيث إن المدعين ينعون على النص المطعون عليه، فى نطاقه المشار إليه، مخالفته لنصى المادتين (41) و(67) من دستور سنة 1971، على سند من أن هذا النص قد أعطى محكمة الموضوع مكنة القضاء بالرد فى مواجهتهم بالرغم من انقضاء الدعوى الجنائية بوفاة المتهم، ودون أن يكفل لهم حق الدفاع عنه أو دحض الأدلة الجنائية ضده؛ مما يهدر مبدأ أصل براءة المتهم ويخل بالحماية الدستورية للحرية الشخصية، فضلاً عن إخلاله بحق الملكية والحق فى الميراث، ومخالفته مبدأ المساواة فيما انطوى عليه ذلك النص من تمييز بين حقهم في الدفاع عنه في مواجهة مكنات كل من محكمة الموضوع وجهة الادعاء في إقامة أدلة الاتهام ضده.
    وحيث إن الرقابة الدستورية على القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة إنما تستهـدف أصلاً - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، وأن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى القواعد الآمرة.
    وحيث إنه بالبناء على ما تقدم، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النصوص المطعون عليها من خلال أحكام دستور سنة 2014 باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.
    وحيث إن النص المطعون فيه قد أضافه المشرع بالقانون رقم 63 لسنة 1975 بشأن تعديل بعض أحكام قانوني العقوبات والإجراءات الجنائية، مستهدفًا - وفقًا لما ورد بمذكرته الإيضاحية - استدراك ما تبين من قصور فى المواد (208 مكررًا "أ") و(208 مكررًا "ب") و(208 مكررًا "ج") التي عالجت أسلوب تتبع الأموال المتحصلة، حال حياة الجاني، من جرائم الاختلاس، والاستيلاء، وأخذ ما ليس مستحقًّا من رسوم أو غرامات أو عوائد أو ضرائب، أو التربح؛ المُعاقب عليها بالمواد (112 و113 فقرة أولى وثانية ورابعة و113 مكررًا فقرة أولى و114 و115) من قانون العقوبات، دون أن تعالج الفرض الذى فيه يُتوفى الجاني قبل أو بعد إحالة قضيته إلى المحكمة، فسدًّا لهذا النقص؛ رخصت المادة (208 مكررًا "د") للمحكمة الجنائية المختصة، فى حالة انقضاء الدعوى العمومية بالوفاة سواء قبل المحاكمة أو فى أثنائها، أن تنظر الدعوى أو تستمر فى نظرها بالإجراءات المُتبعة فيها للقضاء بالرد.
    وحيث إن ما ينعاه المدعون على النص المطعون فيه مردود أولاً: بأن افتراض براءة المتهم - كما جرى به قضاء هذه المحكمة - يمثل أصلاً ثابتًا يتعلق بالتهمة الجنائية، وينسحب إلى الدعوى الجنائية فى جميع مراحلها وعلى امتداد إجراءاتها، وقد غدا حتميًّا عدم جواز نقض البراءة بغير الأدلة الجازمة التى تخلص إليها المحكمة وتُكوّن من مجموعها عقيدتها؛ حتى تتمكن من دحض أصل البراءة المفروض فى الإنسان على ضوء الأدلة المطروحة أمامها، والتى تثبت كل ركن من أركان الجريمة، وكل واقعة ضرورية لقيامها، بما فى ذلك القصد الجنائى بنوعيه إذا كان متطلبًا فيها، وبغير ذلك لا ينهدم أصل البراءة، الذى يرتبط فى نطاق الاتهام الجنائى بالحرية الشخصية التى اعتبرها الدستور، في المادة (54) منه، من الحقوق الطبيعية التى لا يجوز الإخلال بها أو تقييدها بالمخالفة لأحكامه، إذ هى ضمان مبدئى لرد العدوان عن حقوق المواطن وحرياته الأساسية، وهى التى تكفل تمتعه بها فى إطار من الفرص المتكافئة، ولا يقتصر نطاقها على الاتهام الجنائى؛ وإنما يمتد إلى كل دعوى ولو كانت الحقوق المثارة فيها من طبيعة مدنية.
    لما كان ذلك، وكان النص المطعون فيه قد أوجب على محكمة الموضوع أن تأمر بالرد فى مواجهة الورثة والموصى لهم؛ ليكون الحكم بالرد نافذًا فى أموال كل منهم بقدر ما استفاد، بهدف إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل ارتكاب الفعل الذى يمثل الجريمة المنسوبة لمورثهم المتهم المتوفى، كما أوجب نص الفقرة الأخيرة من المادة (208 مكررًا "د") - على النحو السالف بيانه - أن تنتدب المحكمة محاميًا للدفاع عمن وجه إليهم طلب الرد إذا لم ينيبوا من يتولى الدفاع عنهم؛ تمكينًا لهم من دحض الأدلة المقدمة ضد مورثهم لنفى خطئه أو وجود مال فى تركته مصدره الجريمة المنسوبة إليه، أو أيلولته - فى حالة وجوده - إليهم، بالإضافة إلى حقهم فى الطعن على الحكم الذى قد يصدر بإلزامهم بالرد، وهى ضمانات تكفل لهم إبراء ذمتهم والدفاع عن سمعة مورثهم، ومن ثم ينتفى عن النص المطعون فيه إخلاله بأصل البراءة أو مساسه بالحرية الشخصية.
    ومردود ثانيًا: بأن الملكية - فى إطار النظم الوضعية التى تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة - لم تعد حقًّا مطلقًا، ولا هى عصية على التنظيم التشريعى، وليس لها من الحماية ما يجاوز الانتفاع المشروع بعناصرها،
ومن ثم ساغ تحميلها بالقيود التى تتطلبها وظيفتها الاجتماعية، وهى وظيفة لا يتحدد نطاقها من فراغ ولا تفرض نفسها تحكمًا، بل هى تمليها طبيعة الأموال محل الملكية والأغراض التى ينبغى رصدها عليها؛ وفى إطار هذه الدائرة وتقيدًا بتخومها يفاضل المشرع بين البدائل ويرجح على ضوء الموازنة التي يجريها ما يراه من المصالح أجدر بالحماية وأولى بالرعاية، وفقًا لأحكام الدستور، وبمراعاة أن القيود التى يفرضها على حق الملكية للحد من إطلاقها لا تُعتبر مقصودة لذاتها، بل غايتها خير الفرد والجماعة، وقد  قرن الدستور كفالة حق الإرث بصون الملكية الخاصة؛ متفقًا فى ذلك مع الشريعة الإسلامية فى مبادئها الكلية وأصولها الثابتة التى لا تبديل فيها؛ ومنها أن الأموال جميعها مردها إلى الله تعالى، أنشأها وبسطها مستخلفًا فيها عباده الذين عهد إليهم بعمارة الأرض وجعلهم مسئولين عما فى أيديهم من الأموال لا يبددونها أو يستخدمونها إضرارًا؛ إذ يقول تعالى "وأنفقوا مما جعلكم مُستخلفين فيه" وليس ذلك إلا نهيًا عن الولوغ بها في الباطل، وتكليفًا لولى الأمر بأن يعمل على تنظيمها بما يحقق المقاصد الشرعية المتوخاة منها، وهى مقاصد ينافيها أن يكون إنفاق الأموال وإدارتها عبثًا أو إسرافًا أو عدوانًا، وكان لولى الأمر بالتالى أن يعمل على دفع الضرر قدر الإمكان، فإذا تزاحم ضرران كان تحمل أهونهما اتقاءً لأعظمهما، ويندرج تحت ذلك القبول بالضرر الخاص لرد ضرر عام، وينبغي - من ثم - أن يكون لحق الملكية إطار محدد تتوازن فيه المصالح ولا تتنافر؛ ذلك أن الملكية خلافة، وهى باعتبارها كذلك تضبطها وظيفتها الاجتماعية التى تعكس، بالقيود التى تفرضها على الملكية، الحدود المشروعة لممارسة سلطاتها، وهى حدود يجب التزامها، لأن العدوان عليها يخرج الملكية عن دائرة الحماية التى كفلها الدستور لها.
    متى كان ما تقدم، وكان النص المطعون فيه - على ما سلف بيانه - قد أوجب على محكمة الموضوع أن تأمر بالرد في مواجهة الورثة والموصى لهم؛ ليكون حكمها الصادر بالرد نافذًا فى أموال كل منهم بقدر ما استفاد، وكانت تلك الأموال قد انتقلت إليهم من مورثهم، إلا أن انتقالها لا يكون إلا بعد سداد الديون المستحقة على تركته، أيًّا كان مصدر هذه الديون، ومن بينها الفعل الضار الذى يكون المورث قد ارتكبه، وهو التزام غير قابل للانقسام فى مواجهتهم، فيلزم كل منهم بأداء الديون كاملة إلى الدائنين طالما كان قد آل إليه من التركة ما يكفى للسداد، فإن كان دون ذلك؛ فلا يلزم إلا فى حدود ما آل إليه من التركة، لأنه لا يرث دين المورث، وله الرجوع على سائر الورثة والموصى لهم بما يخصهم فى الدين الذى وفاه، كل بقدر نصيبه، ومن ثم فلا يكون النص المطعون فيه قد انتقص من حق الملكية أو أخل بالحق فى الميراث.
    ومردود ثالثًا: بأن حق الدفاع أصالةً أو بالوكالة - وفقاً لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - قد كفله الدستور، باعتبار أن ضمانة الدفاع لا يمكن فصلها أو عزلها عن حق التقاضى، ذلك أنهما يتكاملان ويعملان معًا فى دائرة الترضية القضائية التى يُعتبر اجتناؤها غاية نهائية للخصومة القضائية، فلا قيمة لحق التقاضى ما لم يكن متساندًا لضمانة الدفاع، مؤكدًا لأبعادها، عاملاً من أجل إنفاذ مقتضاها. كذلك لا قيمة لضمانة الدفاع بعيدًا عن حق النفاذ إلى القضاء، وإلا كان القول بها وإعمالها واقعًا وراء جدران صامتة؛ يؤيد ذلك أن الحقوق التى يكفلها الدستور أو النظم المعمول بها تتجرد من قيمتها العملية إذا كان من يطلبها عاجزًا عن بلوغها من خلال حق التقاضى، أو كان الخصوم الذين تتعارض مصالحهم بشأنها لا يتماثلون فيما بينهم فى أسلحتهم التى يشرعونها لاقتضائها، إذ إن مبدأ المساواة أمام القانون يتعين تطبيقه على المواطنين كافةً؛ باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعى، وعلى تقدير أن الغاية التى يستهدفها تتمثل أصلاً فى صون حقوق المواطنين وحرياتهم فى مواجهة صور التمييز التى تنال منها أو تقيد ممارستها، ولا يعدو أن يكون إنكار ضمانة الدفاع أو انتقاصها إخلالاً بالحق المقرر دستوريًّا لكل مواطن فى مجال اللجوء إلى قاضيه الطبيعى، وليس النزول عليها إلا توكيدًا للحق فى الحياة والحرية، حائلاً دون اقتحام حدودهما، وذلك سواء أكان إنكار ضمانة الدفاع أو تقييدها متصلاً بحق كل شخص فى أن يعرض بنفسه وجهة نظره فى شأن الواقعة محل التداعى، وأن يبين حكم القانون بصددها، أم كان منسحبًا إلى الحق فى أن يقيم باختياره محاميًا يطمئن إليه لخبرته وملكاته، ويراه - لثقته فيه - أقدر على تأمين المصالح التى يتوخى حمايتها، ليكون الدفاع عنها فعالاً، محيطًا بالخصومة القضائية التى تتناولها، نائيًا عن الانحدار بمتطلباتها إلى ما دون مستوياتها الموضوعية التى يمليها التبصر وتفرضها العناية الواجبة.
    لما كان ما تقدم، وكان نص الفقـرة الأخيرة من المادة (208 مكررًا "د") من النص المطعون فيه - على النحو آنف الذكر - قد أوجب على محكمة الموضوع أن تنتدب محاميًا للدفاع عمن وُجه إليهم طلب الرد إذا لم ينيبوا من يتولى الدفاع عنهم، ولم يضع أى قيد عليهم فى مناقشة عناصر الدعوى والتحقيقات التى تجريها المحكمة، وتفنيد الأدلة المقدمة من النيابة العامة، من أجل التوصل إلى نفى الفعل المنسوب لمورثهم، ونفى واقعة إضافة أو استمرار المال فى ذمة مورثهم، وكذلك نفى أيلولته إليهم، إن ثبت وجوده فى تركته، وكان المشرع قد أعمل سلطته التقديرية فى شأن التنظيم الإجرائى للخصومة فى دعوى الرد، بأن وضع للحماية القضائية للمتقاضين فيها نظامًا للتداعى يقوم على أساس نوع المنازعة، مما مؤداه ربط هذا التنظيم الإجرائى للخصومة فى مجمله بالغايات التى استهدفها المشرع من هذا التنظيـم، والتى تتمثل فى تحقيــق التوازن بين طرفيها - على النحو السالف البيان - عن طريق تنظيم إجراءات تقديم النيابة العامة الأدلة من ناحية، وتفنيدها ممن وُجه إليهم طلب الرد من ناحية أخرى، وما يستلزمه ذلك من حسم المنازعة فيها على النحو الذى يتفق مع الطبيعة الخاصة لها، التى يعُتبر صون المال العام عنصرًا جوهريًّا فى حسمها، وعاملاً أساسيًّا لاستقرار المراكز القانونية المتعلقة بها، مع عدم الإخلال - فى الوقت ذاته - بكفالة الضمانات الأساسية لكل من حق التقاضى وحق الدفاع، ولا بأركانه التى كفلها الدستور، بما يكفل لأى من المتقاضين عرض منازعته ودفاعه ودفوعه على قاضيه الطبيعى، متمتعًا بفرص متكافئة فى ممارسة حقه فى الدفاع الذى كفله له الدستور بنص المادة (98) منه، بما يجعل للخصومة فى هذا النوع من المنازعات حلاًّ منصفًا يرد العدوان على الحقوق المدعى بها فيها، وفق أسس موضوعية لا تقيم فى مجال تطبيقها تمييزًا منهيًّا عنه بين المخاطبين بها، مما يتفق مع سلطة المشرع فى المفاضلة بين أكثر من نمط لتنظيم إجراءات التقاضى، دون التقيد بقالب جامد يحكم إطار هذا التنظيم، ومن ثم تكون المغايرة التى اتبعها المشرع فى تنظيمه لإجراءات التقاضى فى تلك الدعوى وفقًا للنص المطعون فيه، على أساس اختلاف المركز القانونى لكل من طرفيها وقصد المشرع فى إحداث التوازن بينهما على النحو الذى يتفق مع طبيعتها، قائمة على أسس مبررة تستند إلى واقع مختلف يرتبط بالأغراض المشروعة التي توخاها، وبالتالي تنتفى قالة الإخلال بمبدأ المساواة أو تقييد حق الدفاع.
    وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن النص المطعون فيه لا يُعد مخالفًا لأحكام المواد (35 و53 و54 و96 و97 و98) من الدستور،  كما لا يخالف أى أحكام أخرى فيه، مما يتعين معه القضاء برفض هذه الدعوى
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعين المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

دستورية التأمين الاجباري على مراكب الصيد الآلية

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثلاثين من يوليو سنة 2017م، الموافق السابع من ذى القعدة سنة 1438 هـ.
برئاسة السيد المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق                                  رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: سعيد مرعى عمرو وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمــد غنيـم وحاتم حمــد بجاتــو والدكتور محمد عماد النجار والدكتور عبد العزيز محمد سالمان  نواب رئيس المحكمة
وحضور  السيد المستشار الدكتور / طارق عبد الجواد شبل                      رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع                                               أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
 فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 180 لسنة 27 قضائية " دستورية ".
المقامة من
محمد سعيد محمود غازى
ضد
1- رئيس مجلس الشعب ( النواب حاليًا )
2- وزير الزراعـة
3- رئيس الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية
4- رئيس الاتحاد التعاوني للثروة المائيـة
5- رئيس المنطقة الغربية للثروة السمكية بالإسكندرية
الإجراءات
    بتاريخ السادس من سبتمبر سنة 2005، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طلبًا للحكم بعدم دستورية المادة (25) من قانون تعاونيات الثروة المائية الصادر بالقانون رقم 123 لسنة 1983 بعد تعديلها بالقانون رقم 158 لسنة 2002 فيما تضمنته من النص على أن " ويكون التأمين لدى الصندوق إجباريًّا بالنسبة لمراكب الصيد الآلية والعاملين عليها.... وتعتبر وثيقة التأمين من المستندات اللازمـة للترخيص لمراكب الصيد الآلية أو تجديد الترخيص".
    وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم: أولاً : بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى فيما يتعلق بمخالفة النص المطعون فيه للقانون. ثانيًا: برفض الدعوى .
    وقدمت الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
    وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم، مع التصريح بالاطلاع وتقديم مذكرات خلال عشرة أيام، ولم يقدم أى من الخصوم مذكرات في الأجل المشار إليه.
المحكمة
       بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - فى أن المدعى كان قد أقام الدعوى رقم 8216 لسنة 57 قضائية. أمام محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية، ضد المدعى عليهم، بطلب الحكم بوقف تنفيذ، ثم إلغاء القرار الصادر من الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية برفض استخراج وتجديد رخصة الصيد الخاصة به، وإحالة الطعن بعدم دستورية القانون رقم 158 لسنة 2002 بتعديل أحكام قانون تعاونيات الثروة المائية الصادر بالقانون رقم 123 لسنة 1983 - الذى استند إليه القـرار المطعون عليه - إلى المحكمة الدستورية العليا. على سند من القول بأنه شريك فى مركب صيد آلى مسجل لدى الإدارة المركزية للتفتيش البحري طبقًا للقانون، وعضو بالجمعية التعاونية لصائدي الأسماك التي تتبع إشرافيًّا الاتحاد التعاوني للثروة المائية، والهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية. وقد تقدم بطلب لاستخراج رخصة صيد من مكتب مصايد المعدية، إلا أنه فوجئ برفض المكتب تسليمه الرخصة إلا بعد سداد قسط التأمين التعاوني على مركب الصيد الآلي الخاص به إلى صندوق التأمين التعاوني على مراكب الصيد للجمعيات التعاونية للثروة المائية وأعضائها، إعمالاً لحكم المادة (25) من القانون رقــم 123 لسنة 1983 بعد تعديلهــا بالقانون رقـم 158 لسنة 2002، والذى جعل التأمين لدى الصندوق إجباريًّا، واعتبر وثيقة التأمين من المستندات اللازمة للترخيص، وذلك بالمخالفة لنص المادة (34) من الدستور الصادر سنة 1971، والمبادئ العامـة فى التأمين، فضلاً عن مخالفته للقانون، مما حدا به إلى إقامة دعواه المشار إليها، بالطلبات سالفة البيان. وأثناء نظر الدعوى وبجلسة 16/6/2005 دفع الحاضــر عن المدعى بعدم دستورية القانون رقم 158 لسنة 2002 المشار إليه، وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت للمدعى برفع الدعوى الدستورية، أقام دعواه المعروضة.
وحيث إن المادة (25) من قانون تعاونيات الثروة المائية الصادر بالقانون رقم 123 لسنة 1983 بعد تعديلهـا بالقانون رقم 158 لسنة 2002 تنص على أن "ينشأ بقرار من رئيس الجمهورية صندوق تأمين تعاونى تكون مهمته التأمين على مراكب الجمعيات وأعضائها وغير ذلك من أنواع التأمين التى تتفق وأوجه نشاط الجمعية، ويخضع هذا الصندوق لإشراف الهيئة العامة للرقابة على التأمين.
ويكون التأمين لدى الصندوق إجباريًّا بالنسبة لمراكب الصيد الآلية والعاملين عليها، وذلك فى الحدود التى تبينها اللائحة الداخلية للصندوق، ومع عدم الإخلال بأى مزايا تقررها قوانين التأمين الاجتماعى، وتعتبر وثيقة التأمين من المستندات اللازمة للترخيص لمراكب الصيد الآلية أو تجديد الترخيص.
وتبين اللائحة الداخلية للصندوق طريقة تمويله، وأغراضه وشروط صرف وسداد قيمة التأمين، ويصدر الوزير المختص بقرار منه اللائحة الداخلية للصندوق فى خلال ثلاثة أشهر من تاريخ العمل بهذا القانون".
وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى فيما يتعلق بما ينعاه المدعى على النص المطعون فيه من مخالفته لنصوص القانون المدنى، والقانون رقم 84 لسنة 1949 بشأن تسجيل السفن التجارية، وقانون صناديق التأمين الخاصة الصادر بالقانون رقم 54 لسنة 1975، وقانون فى شأن صيد الأسماء والأحياء المائية وتنظيم المزارع السمكية الصادر بالقانون رقم 124 لسنة 1983، والقانون رقم 232 لسنة 1989 بشأن سلامة السفن، وقانون التجارة البحرية الصادر بالقانون رقم 8 لسنة 1990. فهو دفع سديد، إذ إن قضــاء هذه المحكمة قد جرى على أن مناط اختصاصهــا بالفصل فى دستورية القوانين واللوائح هو مخالفـة النص التشريعى المطعــون فيه لنص فى الدستور، ولا تمتد رقابتها بالتالى إلى حالات التعارض بين القوانين واللوائح، ولا بين التشريعات ذات المرتبة الواحدة، إذ إنها لا تشكل مخالفة لأحكام الدستور مما تختص المحكمة الدستورية العليا بنظرها.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يتحقق ارتباط بينها وبين المصلحة التى تقوم عليها الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر فى المسائل الدستورية لازمًا للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان المدعى عضوًا بالجمعية التعاونية لصائدى الأسماك، وأقام النزاع الموضوعى بطلب القضاء بوقف تنفيذ ثم إلغاء القرار الصادر من الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية برفض استخراج وتجديــد رخصة الصيد الخاصـة بمركب الصيد الآلى التى يشارك فى ملكيتها، إلا بعد سداد قسط التأمين الإجبارى لدى صندوق التأمين التعاونى، وكان النص المطعون فيه - فيما نص عليه من جعل التأمين لدى الصندوق إجباريًّا بالنسبة لمراكب الصيد الآلى، واعتبار وثيقة التأمين من المستندات اللازمة لترخيص مركب الصيد الآلى أو تجديد الترخيص- يحول دون تحقيق مبتغى المدعى، فإن المصلحة الشخصية المباشرة فى الدعوى تكون متحققة فى الطعن على هذا النص، ويتحدد نطاقهــا فيما أوردته الفقــرة الثانية من هذه المادة من أنه "ويكون التأمين لدى الصندوق إجباريًّا بالنسبة لمراكب الصيد الآلية والعاملين عليها ..... وتعتبر وثيقة التأمين من المستندات اللازمة للترخيص لمراكب الصيد الآلية أو تجديد الترخيص...." وذلك فى مجال انطباقها على مراكب الصيد الآلية المملوكة لأعضاء الجمعيات التعاونية للثروة المائية والعاملين عليها، دون سائر ما أوردته هذه المادة من أحكام.
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه - وفقًا للنطاق المحدد سلفًا - مخالفة أحكام المواد (13، 17، 23، 28، 31، 34، 40) من دستور 1971 والتى تقابل أحكام المواد (12، 17، 27، 35، 37، 53) من الدستور الحالى الصادر سنة 2014، على سند من أن هذا النص قد ربط بين التأمين جبرًا وسداد أقساطه وبين العمل بمراكب الصيد الآلية، بما يشكل جبرًا على عدم العمل، كما أنه يشكل مخالفة لروح التعاون والتطوير الذى يقوم عليه البنيان التعاونى، ومخالفة لالتزام الدولة بكفالة خدمة التأمين الاجتماعى تجاه أصحاب المراكب الآلية، كما أنه خالف الحماية الدستورية المقـررة لحق الملكية الخاصة، وحجب عن هذه الملكية مكنتى الاستعمال والاستغلال دون مقتض، فضلاً عن انتهاك مبدأ المساواة بأن فرض هذا التأمين الإجبارى وسداد أقساطه بالنسبة لمراكب الصيد الآلية دون غيرها من مراكب النزهة والركاب.
وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى نظمها الدستور، إنما تخضـع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - صون الدستور القائــم، وحمايته من الخروج على أحكامــه، ذلك أن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتهـا وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. ومن ثم فإن هذه المحكمة تباشر رقابتهـا على النص المطعــون عليه - الذى مازال قائمًا ومعمولاً بأحكامـه - من خلال أحكام الدستور الحالى الصادر سنة 2014 باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.
وحيث إن الدساتير المصريـة على تعاقبها قد حرصـت على النص على التضامن الاجتماعــى باعتباره ركيزة أساسية لبناء المجتمع، وواحدًا من الضمانات الجوهريــة التى ينبغى أن ينعــم بها أفراده، وهو ما أكدت عليه المادة (8) من الدستور القائم، التى ألزمت الدولة بتوفير سبل التضامن والتكافل الاجتماعى، بما يضمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين، على النحو الذى ينظمه القانون. وفى سبيل تحقيق ذلك، ألزمت المادة (17) من الدستور الدولة بكفالة توفير خدمـات التأمين الاجتماعـى، وحق كل مواطن فى الضمان الاجتماعى، إذا لم يكن متمتعًا بنظام التأمين الاجتماعى، بما يضمن له ولأسرته الحياة الكريمة، وتأمينه ضد مخاطر حالات العجـز عن العمل والشيخوخة والبطالة، باعتبار أن مظلة التأمين الاجتماعى التى يحدد المشرع نطاقها - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - هى التى تكفل بمداها واقعًا أفضل يؤمن المواطن فى غده وينهض بموجبــات التضامن الاجتماعى التى يقوم عليها المجتمع، بما مؤداه أن المزايا التأمينية هى - فى حقيقتها - ضرورة اجتماعية بقدر ما هى ضرورة اقتصادية، وأن غايتها أن تؤمن المشمولين بها فى مستقبل أيامهـم عند تقاعدهم أو عجزهم أو مرضهـم، وأن تكفل الحقوق المتفرعة عنها لأسرهم بعد وفاتهم، وهى معان استلهمها الدستور القائم بربطه الرفاهية والنمو الاقتصادى بالعدالة الاجتماعية حين أكد فى المادة (27) منه أن النظام الاقتصادى يهدف إلى تحقيق الرخاء فى البلاد من خلال التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، بما يكفل رفع معدل النمو الحقيقى للاقتصاد القومى، ورفع مستوى المعيشة وزيادة فرص العمل وتقليل معدلات البطالة، والقضاء على الفقر.
وحيث إن الدستور وإن جعل بمقتضى نص المادة (17) منه توفير خدمات التأمين والضمان الاجتماعى التزامًا دستوريًّا على عاتق الدولة، ليكون الوفاء به بحسب الأصل من خلالها، بيد أن التزامها فى هذا الشأن بأن تكفل لمواطنيها ظروفًا أفضل فى مجال التأمين والضمان الاجتماعى، لا يعنى أن تنفرد وحدها بصون متطلباتها، ولا أن تتحمل دون غيرها بأعبائها، وإلا كان ذلك تقويضًا لركائز التضامن الاجتماعى التى يقوم عليها المجتمع.
وحيث إن من المقـرر فى قضاء المحكمة الدستورية العليا أن الدستور وإن قرن العدل بكثير من النصوص التى تضمنها، فنصت عليه المواد (4، 8، 27، 38، 177) منه، وخلا فى الوقت ذاته من كل تحديد لمعناه، إلا أن مفهوم العدل - سواء بمبناه أو أبعاده - يتعين أن يكون محددًا من منظور اجتماعى باعتبار أن العـدل يتغيا التعبير عن تلك القيــم الاجتماعية التى لا تنفصل عن الجماعة فى حركتها، والتى تتبلور مقاييسهـا فى شأن ما يعتبر حقًّا لديها، فلا يكون العدل مفهومًا مطلقًا باطراد بل مرنًا متغيرًا وفقًا لمعايير الضمير الاجتماعى ومستوياتها، وهو بذلك لا يعـدو أن يكون نهجًا متواصلاً منبسطًا على أشكال من الحياة تتعدد ألوانها وازنًا بالقسط تلك الأعباء التى يفرضها المشرع على المواطنين، فلا تكون وطأتها على بعضهم عدوانًا، بل تطبيقها بينهم إنصافًا، وإلا كان القانون منهيًا للتوافق فى مجال تنفيذه وغدا إلغاؤه لازمًا.
    وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الدستور حرص على صون الملكية الخاصة، وكفل عدم المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وفى الحدود وبالقيود التى أوردها باعتبارها مترتبة - فى الأصل - على الجهد الخاص الذى بذله الفرد بكده وعرقه، وبوصفها حافزًا إلى الانطلاق والتقدم، إذ يختص دون غيره بالأموال التى يرد عليها حق الملكية، والتى تعد كذلك من مصادر الثروة التى لا يجوز التفريط فيها، أو استخدامها على وجه يعوق التنمية، أو يعطل مصالح الجماعة، وكانت الملكية فى إطار النظم الوضعية
التى تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة، لم تعد حقًّا مطلقًا ولا هى عصية على التنظيم التشريعى، وإنما يجوز تحميلها بالقيود التى تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، وهى وظيفة يتحدد نطاقها ومرماها على ضوء طبيعة الأموال محل الملكية أو الأغراض التى ينبغى توجيهها إليها، وبمراعاة الموازنة التى يجريها المشرع من خلال ما يراه من المصالح أولى بالرعاية وأجدر بالحماية على ضوء أحكام الدستور، وفى ضوء ما تقدم يتعين أن ينظم القانون أداء هذه الوظيفة مهتديًا - بوجه خاص - بالقيم التى تنحاز إليها الجماعة فى مرحلة معينة من مراحل تطورها، وبمراعاة أن القيود التى تفرضها الوظيفة الاجتماعية على حق الملكية للحد من إطلاقها لا تعتبر مقصودة لذاتها، بل غايتها ضمير الفرد والجماعة.
وحيث إن من المقرر فى قضاء المحكمة الدستورية العليا كذلك أن الإخلال بالمساواة أمام القانون التى حرص الدستور الحالى على توكيدها فى المادتين (4، 53) منه، يتحقق بأى عمل يهدر الحماية القانونية المتكافئة تتخذه الدولة سواء من خلال سلطتها التشريعية أو عن طريق سلطتها التنفيذية، بما مؤداه أن أيًّا من هاتين السلطتين لا يجوز أن تفرض تغايرًا فى المعاملة ما لم يكن مبررًا بفروق منطقية يمكن ربطها عقلاً بالأغراض التى يتوخاها العمل التشريعى الصادر عنها، وليس بصحيح أن كل تقسيم تشريعى يعتبر تصنيفًا منافيًا لمبدأ المساواة، بل يتعين دومًا أن ينظر إلى النصوص القانونية باعتبارها وسائل حددها المشرع لتحقيق أغراض يبتغيها، فلا يستقيم إعمال مبدأ المساواة أمام القانون إلا على ضوء مشروعيتها، واتصال هذه الوسائل منطقيًّا بها، ولا يتصور بالتالى أن يكون تقييم التقسيم التشريعى منفصلاً عن الأغراض التى تغياها المشرع، وبوجود حد أدنى من التوافق بينها وبين طرائق تحقيقها، ويستحيل بالتالى أن يكون التقدير الموضوعى لمعقولية التقسيم التشريعى منفصلاً كليًّا عن الأغراض النهائية للتشريع.
وحيث إن الدساتير المصرية المتعاقبة قد حرصت على كفالة الملكية التعاونية باعتبارها إحدى صور الملكية الثلاث التى نصت عليها، وقد عرفتها المادة (13) من دستور سنة 1964 بأنها ملكية كل المشتركين فى الجمعية التعاونية، وحددت المادة (31) من دستور سنة 1971 مدلولها بأنها ملكية الجمعيات التعاونية، لتبقى الملكية التعاونية فى ظل الدستور الحالى، الذى سكت عن تعريفها، محددة فى ملكية التعاونيات بمختلف أشكالها، وهى بهذا المفهوم تتمايز عن كلا نوعى الملكية الأخـرى، وهما الملكية العامــة والملكية الخاصة، من حيث طبيعة عناصر كل منها، سواء شخص المالك، أو أهدافه المبتغاة، أو وسائل تسيير نشاطه، هذا وقد أوجب الدستور فى المادتين (33، 37) منه على الدولة حماية الملكية التعاونية وصونها، وتقديم الرعاية والدعم والحماية للتعاونيات وضمان استقلالها، ويشمل ذلك بحكم اللزوم الأعضاء المنتمين إليها بصفتهم هذه، كما ألزمت المواد (17، 30، 32، 45) من الدستور الدولة بحماية الثروة السمكية باعتبارها أحد الموارد الطبيعية المملوكة للشعب، وتنظيم استغلالها بما يكفل الحفاظ عليها، ويحقق الرخاء للبلاد، وكذا حماية ودعم الصيادين وتمكينهم من مزاولة أعمالهم، وتوفير معاش مناسب لهم عند تقاعدهم، وأضحى ضمان كل ذلك التزامًا دستوريًّا على عاتق الدولة لا تستطيع منه فكاكًا.
    وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان المشرع بقانون تعاونيات الثروة المائية الصادر بالقانون رقم 123 لسنة 1983 - بعد تعديله بالقانون رقم 158 لسنة 2002 قد ضمن المواد (1، 3، 15) منه تنظيمًا للجمعيات التعاونية للثروة المائية فجعلها وحدات اقتصادية اجتماعية تهدف إلى تطوير وتنمية الثروة المائية فى مجالاتها المختلفة وتقديم الخدمات المختلفة لأعضائها، وتسهم فى التنمية الاجتماعية فى نطاق عملها، وذلك بهدف رفع مستوى أعضائها وغيرهم اقتصاديًّا واجتماعيًّا فى إطار الخطة العامة للدولة، كما قرر المشرع فى الباب السابع من القانون المشار إليه للجمعيات التعاونية الخاضعة لأحكامه العديد من الإعفاءات الضريبية والمزايا الأخرى التى أوردتها أحكام المادتين (57، 58) منه، وبذلك أحاط المشرع هذا الكيان التعاونى بكثير من الحماية بالنسبة لأمواله وخصه بالكثير من المزايا والإعفاءات الضريبية، سواء بالنسبة للجمعيات ذاتها أو أعضائها، وهذه المزايا والإعفاءات المقررة خدمة لأغراض الجمعيات ولصالح أعضائها الذين ينتمون إليها، والذين يحصلون على معداتهم ومهماتهم عن طريقها، وذلك كله لخدمة الإنتاج والعمل على زيادته، حتى يمكن تقليل الدعم الذى تتحمله الدولة نتيجة لفروق الأسعار، كما ورد بالأعمال التحضيرية لقانون تعاونيات الثروة المائية الصادر بالقانون رقم 123 لسنة 1983.
    وحيث إن المشرع بعد أن نظم الجمعيات التعاونية للثروة المائية، وجعلها كيانًا مستقلاًّ، حرص تحقيقًا لمقتضيات التضامن الاجتماعى، على النص فى المادة (25) من قانون تعاونيات الثروة المائية المشار إليه قبل تعديله بالقانون رقم 158 لسنة 2002 على إنشـاء صندوق تأمين تعاونــى على مراكب الجمعيات وأعضائها، مبتغيًا - على نحو ما أبانت عنه الأعمـال التحضيرية لمشروع القانون - الحفاظ على أسطول الصيد ومعداته باعتبارهما يمثلان ثروة قومية، وباعتبار وجود هذا الصندوق ضرورة ملحة لتغطية كافة وحدات أسطول الصيد ومعداته. وإذ تعدل نص المادة (25) سالفة الذكر بموجب النص المطعون فيه ليجعل التأمين لدى هذا الصندوق إجباريًّا بالنسبة لمراكب الصيد الآلية والعاملين عليها، وذلك فى الحدود التى تبينها اللائحة الداخلية للصندوق، ومع عدم الإخلال بأية مزايا تقررها قوانين التأمين الاجتماعى، واعتبر وثيقة التأمين من المستندات اللازمة للترخيص لمراكب الصيد الآلية أو تجديد الترخيص، وكان رائده فى هذا التعديل - على نحو ما جاء بالأعمال التحضيرية للقانون-
أنه فى ظل التأمين الاختيارى أحجم أصحاب مراكب الصيد عن التأمين عليها لدى الصندوق إلا قليلاً، رغم تكرار حوادث غرق مراكب الصيد الآلية، وكان أسطول الصيد ومعداته يمثلان ثروة قومية لابد من الحفاظ عليها، وقد طالب كل من الاتحاد العام للتعاونيات، والهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية، أن يكون التأمين على مراكب الصيد الآلية لدى الصندوق إجباريًّا، فى الحدود التى يصدر بها قرار من وزير الزراعة، وأن تعتبر وثيقة التأمين لدى الصندوق إحدى المستندات اللازمة للترخيص لمراكب الصيد الآلية أو تجديد الترخيص، وذلك نظرًا لتكرار الحوادث التى تتعرض لها مراكب الصيد والتى يترتب عليها فقد المراكب، وإلحاق خسائر كبيرة بأصحابها، فى ظل ارتفاع تكلفة بناء هذه السفن فى السنوات الأخيرة.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان اختيار المشرع بالنص المطعون فيه للتأمين الإجبارى على مراكب الصيد الآلية المملوكة لأعضاء الجمعيات التعاونية للثروة المائية والعاملين عليها، يندرج ضمن خدمات التأمين الاجتماعى التى أوجبت المادة (17) من الدستور على الدولة كفالتها، كما يعد من بين وسائل الدولة للوفاء بالتزامها الدستورى المقرر بالمواد (27، 33، 35، 37) من الدستور فى كفالة الملكية الخاصة، وصيانتها، وتحقيق الحماية لها ضد المخاطر التى قد تتعرض لها، بما يمكنها من أداء دورها فى خدمة المجتمع والاقتصاد الوطنى، وبما يكفل أداءها لوظيفتها الاجتماعية فى هذا الشأن، وكذا رعاية التعاونيات بمختلف أشكالها وحمايتها ودعمها، والأعضاء المنتمين لها، كما يمثل هذا التنظيم أحد أوجه تحسين ظروف عمل الصيادين، التى سعى المشرع من خلالها إلى تقديم الدعم والحماية لهم، وتأمينهم ضد مخاطر العمل على مراكب الصيد الآلية، بما يحقق صالحهم ويمكنهم من مزاولة أعمالهم آمنين وأسرهم على حاضرهم ومستقبلهم، فوق كونه يعد أحد الوسائل التى اختارها المشرع وقدر مناسبتها للحفاظ على أسطول الصيد والعاملين عليه، والتى ترتبط بالهدف من تقريرها برابطة منطقية وعقلية، يكون معها ما تضمنه النص المطعون فيه من أحكام مستندًا لأسس موضوعية تبرره، ومن ثم فإن قالة مخالفته لمبدأى العدل والمساواة التى حرص الدستور على توكيدهما بالمواد (4، 8، 27، 53) منه فى غير محله، وغير قائم على أساس سليم، خاصة مع الوضع فى الاعتبار أن مراكـب النزهة ومراكب الركاب لا تخضع - بحسب الأصل - لأحكام قانون تعاونيات الثروة المائية المشار إليه، ولا تسرى عليها الأحكام المتعلقة بصندوق التأمين التعاونى على مراكب الصيد للجمعيات التعاونية للثروة المائية، ولا تسعى لتحقيق أهدافه التى أُنشئ من أجلها، ولا علاقة لهذا النوع من المراكب بالثروة السمكية،
كما لا يتصادم التنظيم الذى أتى به هذا النص مع نصوص المواد (12، 17، 33، 35، 37) من الدستور، ولا يخالف أحكامه من أى وجه آخر، الأمر الذى يتعين معه القضاء برفض الدعوى
فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات، ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

الثلاثاء، 22 أغسطس 2017

الطعن 2604 لسنة 67 ق جلسة 1 / 2 / 2010 مكتب فني 61 ق 24 ص 143

برئاسة السيد القاضى / حسـن حســن منصــور نائب رئيس المحكمــة وعضوية السادة القضاة / د. محمـد فرغلى ، محمد عبد الراضى عياد ، عبد الفتاح أحمد أبوزيد وعرفة أحمـد دريـع نواب رئيس المحكمــة .
------------
(1 ، 2) نقض " الخصوم فى الطعن بالنقض " .
(1) الخصومة فى الطعن بالنقض . عدم قيامها إلا ممن كانوا خصوماً فى النزاع الذى فصل فيه الحكم المطعون فيه . الخصم المطلوب الحكم فى مواجهته ولم يقض له أو عليه بشئ . عدم اعتباره خصماً حقيقياً . أثره . عدم قبول اختصامه فى الطعن .
(2) ثبوت عدم القضاء للمطعون ضده الرابع أو عليه بشئ . مؤداه . عدم اعتباره خصماً حقيقــياً . أثره . عدم قبول اختصامه فى الطعن .
(3) هبة " الهبة مع الاحتفاظ بحق الانتفاع بالمال الموهوب " .
هبة الأموال والحقوق العينية . احتفاظ الواهب بحقه فى الانتفاع بها . لا أثر له فى صحة الهبة ما دام التصرف بها قد تم منجزاً .
(4) عقد " بعض أنواع العقود : عقد الهبة " . هبة " هبة الأموال المستقبلة : حق الانتفاع " .
تنازل الطاعن عن الشقة عين النزاع للمطعون ضدها الأولى وقبولها إياه وإقرارهما أمام الجهة المالكة بتضامنهما فى سداد قيمة القرض التعاونى الخاص بالشقة وفقاً للتعليمات واللوائح وتحرير عقد بيع بين المطعون ضدها الأولى والمطعون ضده الرابع بصفته مع احتفاظ الأخير بحق ملكية العين حتى تمام سداد الثمن . مؤداه . حق الطاعن على العين حق انتفاع وجواز أن يكون محلاً لعقد الهــــــبة . استخلاص الحكم المطعون فيه أن تصرف الطاعن للمطعون ضدها الأولى هو هــبة مباشــــرة . صحيح .
(5) هبة " هبة الأموال المستقبلة " .
صحة الهبة . لازمها . وجود الشئ الموهوب وقت العقد . مؤداه . بطلان هبة الأموال المستقبلية . كفاية وجود الشئ الموهوب وقت العقد لصحة الهبة ولو كان محملاً بأقساط ثمن لم يحل أجل الوفاء بها .
(6) هبة " هبة الأموال المستقبلة : حق الانتفاع " .
تخصيص الجهة المالكة شقة التداعى للطاعن بموجب عقد . استلامه إياها وإقامته بها مع زوجته المطعون ضدها الأولى حتى تنازله لها عنها . مؤداه . نشأة حقه فى الانتفاع بشقة التداعى من تاريخ استلامها وقابلية ذلك الحق أن يكون محلاً للهبة . انتهاء الحكم المطعون فيه إلى صحة تصرف الطاعن للمطعون ضدها الأولى الوارد على ذلك الحق . صحيح .
(7) محكمة الموضوع " سلطتها فى تحصيل فهم الواقع فى الدعوى وتقدير الأدلة " .
محكمة الموضوع . سلطتها فى تحصيل فهم الواقع فى الدعوى وتقدير القرائن والأدلة ومنها أقوال الشهود والمستندات المقدمة فيها وترجيح ما تطمئن إليه منها . شرطه . بيانها الحقيقة التى اقتنعت بها وأقامتها قضاءها على أسباب سائغة . عدم التزامها بتتبع الخصوم فى كافة مناحى دفاعهم ما دام فى الحقيقة التى اقتنعت بها وأوردت دليلها الرد الضمنى المسقط لكل حجة مخالفة .
(8) نقض " أسباب الطعن بالنقض : الأسباب الموضوعية " .
استناد الحكم المطعون فيه فى ثبوت واقعة تسليم الطاعن عين النزاع للمطعون ضدها الأولى وأنها مالكة العين بما اطمأن إليه من أقوال شهود الطرفين . والمستندات المقدمة بأسباب سائغة لها أصلها الثابت فى الأوراق . النعى عليه بالقصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال . جدل فيما لمحكمة الموضوع من سلطة تقدير الأدلة . تنحسر عنه رقابة محكمة النقض .
(9 ، 10) نقض " أسباب الطعن بالنقض : السبب الذى لا يحقق سوى مصلحة نظرية " .
(9) النعى الذى لا يحقق للطاعن سوى مصلحة نظرية بحتة . غير مقبول .
(10) قضاء الحكم المطعون فيه برفض طلب بطلان عقد البيع المبرم بين المطعون ضدها الأولى والمطعون ضده الرابع بصفته الجهة المالكة لعين النزاع استناداً إلى صحة التنازل الصادر من الطاعن للمطعون ضدها الأولى عن ذات العين وأحقية المطعون ضده الرابع فى التعاقد عليها وفق أنظمة ولوائح الجهة المالكة . النعى عليه بالخطأ فى تطبيق القانون لإبرام الأخيرة عقد بيع لذات العين للمطعون ضدها الأولى لا يحقق سوى مصلحة نظرية . نعى غير منتج .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- المقرر - فى قضاء محكمة النقض - أن الخصومة فى الطعن أمام محكمة النقض ، لا تكون إلا ممن كانوا خصوماً فى النزاع الذى فصل فيه الحكم المطعون فيه ، وأن الخصم الذى لم يطلب سوى الحكم فى مواجهتـه ، ولم يقض له أو عليه بشئ ، لا يكون خصماً حقيقياً ولا يقبل اختصامه فى الطعن .
2- إذ كان الثابت من الأوراق أن المطعون ضده الرابع بصفته لم يكن خصماً حقيقياً فى الدعـوى إذ لم يقض له أو عليه بشئ ومن ثم يكون اختصامه فى الطعن غير مقبول .
3- المقرر - فى قضاء محكمة النقض - أن إعمال القواعد العامة للعقود المنصوص عليها فى الفصل الأول من الباب الأول مـن الكـــتاب الأول من التقنين المدنى ، يقضى بأن تصح هبة جميع أنواع الأموال والحقوق العينية التى عليها ، كحق الانتفاع ، وحق الرقبة ، وحق الارتفاق ، ولا يقدح فى ذلك احتفـاظ الواهب بحقه فى الانتفاع ما دام التصرف بالهبة قد تم منجزاً .
4- إذ كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بتأييد الحكم الابتدائى ( القاضى برفـض دعوى طلب الحكم بالعدول عن الرغبة فى التنازل الصادر منه والمـؤرخ 30/7/1990 ) على سند من أن الثابت بالأوراق أن الطاعن قد أقر بتنازله للمطعون ضدها الأولى عـن الشقة عين النـزاع وفقاً للتعليمـات واللوائـح الصـادرة من الجهة المالكة وقد قبلت المطعون ضدها الأولى هذا التنازل وأقر الطرفان أمام الجهة المالكة أنهمـا متضامنـان فى سـداد قيمة القرض التعاونى الخاص بهذه الشقـة ، وبناء على ذلك تحرر عقد البيـع الابتدائى المؤرخ 30/7/1990 بين المطعـون ضدهـا الأولى والمطعـون ضـده الرابـع بصفته مع الاحتفاظ بحق ملكية العين للأخير بصفته حتى تمـام سداد كامل الثمن ، ومن ثم فإن حق الطاعن على العين محل النزاع يكون هو حق انتفاع فقـط يجوز أن يكون محلاً لعقد الهبة ، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد خلص فى مدوناته إلــى أن تصرف الطاعن للمطعون ضدها الأولى عن هذا الحق هو هبة مباشرة منه إليها ، فإنه يكـون قد انتهى إلى قضـاء صحيح .
5- المقرر - فى قضاء محكمة النقض - وعلى ما أفصحت عنه المذكرة الايضاحية للقانون المدنى ، أن الشريعة تستلزم لصحة الهبة ، أن يكون الشئ الموهوب موجوداً وقت العقد ، ومن ثم تعتبر هبة المعدوم غير صحيحة ، ومثل المعدوم ، وما هو فى حكمه ، ومنها الأموال المستقبلة ، فتقع الهبة الواردة عليها باطلة ، ومفاد ذلك أن وجود الشئ الموهوب وقت العقد ، يكفى لصحة الهبة ، ولو كان محملاً بدين لـم يتم الوفاء به كأقساط ثمن لم يحل أجل الوفاء بها بعد .
6- إذ كان الثابت بالأوراق أنه تم تخصيص شقة التداعى للطاعن من الجهة المالكــة لها بموجب العقد المبرم بينه وبين المطعون ضده الرابع بصفته بتاريخ 28/6/1988 ، والثابت به أنه تسلمها ، وأقام بها مع زوجته المطعون ضدها الأولى ، فيكون حق انتفاعه بهذه الشقة موجوداً ، حتى وقت إبرام تنازله عنها بتاريخ 30/7/1990 ، وبالتالى يصح أن يكون هذا الحق محلاً للهبة ، وإذ خلص الحكم المطعون فيه إلى صحة تصرف الطاعن للمطعون ضدها الأولى الوارد على هذا الحق فإن قضاءه فى هذا الخصوص ، يكون قد صادف صحيح القانون .
7- المقرر - فى قضاء محكمة النقض - أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة فى تحصيل فهم الواقع فى الدعوى ، وتقدير القرائن والأدلة ومنها أقوال الشهود والمستندات المقدمة فيها ، والموازنة بينها وترجيح ما تطمئن إليه منها وما تراه متفقاً مع واقع الحال فى الدعوى ، وحسبها أن تبين الحقيقة التى اقتنعت بها ، وأن تقيم قضاءها على أسباب سائغة تكفى لحمله ، ولا عليها من بعد تتبع الخصوم فى كافـة مناحى دفاعهم ، ما دام فى قيام الحقيقة التى اقتنعت بها وأوردت دليلها الرد الضمنى المسقـط لكل حجة مخالفة .
8- إذ كان الحكم المطعون فيه قد عّول فى ثبوت واقعة تسليم الطاعن عين النزاع للمطعون ضدها الأولى راضياً مختاراً على ما استخلصه واطمأن إليه من أقوال شهود الطرفين فى المحضر رقم .... ومـن الكشف الرسمى المستخرج من الضرائب العقاريـة جرد .... وكذا فواتير الكهرباء عن العين من أن مالك هذه الشقة هى المطعون ضدها الأولى ، وهذه أسباب سائغة لهـا أصلها الثابت فى الأوراق تكفى لحمل قضـاء الحكم ، وفيها الرد الضمنى المسقط لكل حجة مخالفة ، فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الشأن لا يعدو أن يكون جدلاً فيما لمحكمة الموضوع من سلطة تقدير الأدلة مما تنحسر عنه رقابة محكمة النقض .
9- المقرر - فى قضاء محكمة النقض - أنه إذا كان النعى على الحكم المطعون فيـه لا يحقق سوى مصلحة نظرية بحتة ، ولا يعود على الطاعن منه أية فائدة ، فإنه يكون غيـر مقبول .
10- إذ كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برفض طلب بطلان عقد البيع المبرم بين المطعون ضدها الأولى والمطعون ضده الرابع بصفته بتاريخ 30/7/1990 ، على سند مما انتهى إليه من صحة التنازل الصادر من الطاعن بذات التاريخ للمطعون ضدها الأولى عن ذات عين التداعى ، وأصبح للمطعون ضده الرابع بصفته حرية التعاقد عليها ، حسبمـا تقضى أنظمة ولوائح الجهة المالكة ، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد انتهى إلى قضاء صحيح فى هذا الخصوص ، ومن ثم فإن النعى عليه ( بالخطأ فى تطبيق القانون لإبرام الجهة المالكة عقد بيع لذات العين للمطعون ضدها الأولى ) لا يحقق ثمة فائدة للطاعن ، ويضحى غير منتج .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقريـر الـذى تـلاه السيـد القاضى المقـرر والمرافعة وبعد المداولــة .
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائـر الأوراق - تتحصل فى أن الطاعن أقام على المطعون ضدهما الأولى والرابع بصفته الدعوى رقم .... لسنة 1992 مدنى كلى شمال القاهرة ، بطلـب الحكم بالعدول عن الرغبة فى التنازل الصـادر منه المؤرخ 30/7/1990 وإلغاء العقد المبرم بين المطعون ضدهما المذكورين ، بذات التاريخ ، واعتباره كأن لم يكن ، وقال بياناً لذلك إنه تم تخصيص الشقة رقم .... بالعمارة .... بمدينة التوفيق له منذ عام 1984 وتسلمها بالفعل ، ولا زال يقــوم بسداد الأقسـاط المستحقة عليها خصماً من معاشه وطبقاً لتعليمات إدارية تنازل عن هذه الشقة لزوجته المطعون ضدها الأولى بدون مقابل وتحرر عن ذلك التنازل عقد البيع الابتدائى سالف الذكر ، ولخلافات نشبت بينه وبينها طلب من المطعون ضده الرابع بصفته إلغاء هذا التنـازل وعدم الاعتداد بهذا العقد ، إلا أنه رفض طلبه بحجة صحة التنازل الصادر منه عن تلك الشقة ومن ثم فقد أقـام الدعوى ، فتدخل المطعون ضده الثانى فى الدعوى طالباً رفضها ، وإلزام المطعون ضدهما الأولى والثالث بصفته بتسليمه الشقة محل التداعى باعتباره مالكاً لها بالشراء من المطعون ضدها الأولى بموجب عقد البيع المؤرخ 21/12/1992 ، وبتاريخ 30/3/1994 حكمت المحكمة برفض الدعوى ، وفى موضوع التدخل بإلزام المطعون ضدها الأولى بتسليـم شقة النزاع للمطعون ضده الثانى ، استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقـم .... لسنـة 111 ق القاهرة ، كما أستأنفه المطعون ضده الثالث بصفته بالاستئناف رقم ..... لسنة 111 ق القاهرة ، وبعد أن ضمت المحكمة الاستئنافين قضت بتاريخ 26/3/1997 فى الاستئناف الأول برفضه ، وفى الثانى بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من تسليـم شقة النزاع للمطعون ضده الثانى ، وفى موضوع التدخل برفضه ، وببطلان عقد البيع العرفى المؤرخ 21/12/1992 المبرم بين المطعون ضدهما الأولى والثانى . طعن الطاعـن فى هذا الحكم بطريق النقض ، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأى بعدم قبول الطعن بالنسبة للمطعون ضده الرابع بصفته وفيما عدا ذلك ترى رفض الطعن ، وإذ عُرِض الطعـن على هذه المحكمة فى غـرفة مشورة حددت جلسـة لنظره ، وفيها التزمت النيابة رأيها .
وحيث إن مبنى الدفع المبدى من النيابة ، بعدم قبول الطعن بالنسبة للمطعون ضده الرابع بصفته كونه لم يكن خصماً حقيقياً فى النزاع ، فلم توجه منه أو إليه ثمة طلبات فى الدعوى .
وحيث إن هذا الدفع فى محله ، ذلك بأنه من المقرر - فى قضاء هذه المحكمة -  أن الخصومة فى الطعن أمام محكمة النقض ، لا تكون إلا ممن كانوا خصوماً فى النزاع الذى فصل فيه الحكم المطعون فيه ، وأن الخصم الذى لم يطلب سوى الحكم فى مواجهتـه ، ولم يقض له أو عليه بشئ ، لا يكون خصماً حقيقياً ولا يقبل اختصامه فى الطعن . لما كان ذلك ، وكان الثابت من الأوراق أن المطعون ضده الرابع بصفته لم يكن خصماً حقيقياً فى الدعـوى إذ لم يقض له أو عليه بشئ ومن ثم يكون اختصامه فى الطعن غير مقبول .
وحيث إنه وفيما عدا ذلك ، يكون الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية .
وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب ، ينعى الطاعن بالوجه الأول من السبب الأول والسبب الرابع على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون والتناقض ، وفى بيان ذلـك يقول إن الحكم أيد الحكم الابتدائى القاضى برفض دعواه على سند من التصرف الصادر منه للمطعون ضدها الأولى هو هبة مباشرة دون عوض ، لا يجوز الرجوع فيها نظراً لعلاقة الزوجية بينهما رغم أن الشقة محل التداعى لا زالت مملوكة للمطعون ضده الثالث بصفته طبقاً لشروط عقد البيع الابتدائى المؤرخ 28/6/1988 بينه وبين المطعون ضده الرابع بصفته لعدم سداد كامل ثمنها المستحق حتى عام 2015 وهذا ما اعتنقه الحكـم الصادر فى الاستئناف رقم .... لسنه 111 ق القاهرة المنضم للارتباط ، الذى قضى ببطلان عقد البيع العرفى المؤرخ 21/12/1992 المبرم بين المطعون ضدها الأولى والمطعون ضده الثانى لعدم انتقال ملكية هذه الشقة إليها لعدم سداد كامل ثمنها ، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر ، واعتد بتنازله عن هذه الشقة للمطعون ضدها الأولى ، وقضى بصحة الهبة لها ، فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه .
وحيث إن هذا النعى فى غير محله ، ذلك بأن من المقرر - فى قضاء هذه المحكمة - أن إعمال القواعد العامة للعقود المنصوص عليها فى الفصل الأول من الباب الأول مـن الكتاب الأول من التقنين المدنى يقضى بأن تصح هبة جميع أنواع الأموال والحقوق العينية التى عليها كحق الانتفاع ، وحق الرقبة ، وحق الارتفاق ، ولا يقدح فى ذلك احتفـاظ الواهب بحقه فى الانتفاع ما دام التصرف بالهبة قد تم منجزاً . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بتأييد الحكم الابتدائى على سند من أن الثابت بالأوراق أن الطاعن قد أقر بتنازله للمطعون ضدها الأولى عن الشقة عين النزاع وفقاً للتعليمات واللوائـح الصادرة من الجهة المالكة لها ، وقد قبلت المطعون ضدها الأولى هذا التنازل وأقر الطرفان أمام الجهة المالكة أنهما متضامنان فى سداد قيمة القرض التعاونى الخاص بهذه الشقـة ، وبناء على ذلك تحرر عقد البيع الابتدائى المؤرخ 30/7/1990 بين المطعون ضدهـا الأولى والمطعون ضده الرابع بصفته مع الاحتفاظ بحق ملكية العين للأخير بصفته حتى تمـام سداد كامل الثمن ، ومن ثم فإن حق الطاعن على العين محل النزاع يكون هو حق انتفاع فقـط يجوز أن يكون محلاً لعقد الهبة ، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد خلص فى مدوناته إلى أن تصرف الطاعن للمطعون ضدها الأولى عن هذا الحق هو هبة مباشرة منه إليها ، فإنه يكـون قد انتهى إلى قضاء صحيح فى هذا الشأن ، ومن ثم فإن النعى يكون على غير أساس .
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجه الثانى من السبب الأول ، والوجه الثانى من السبب الثالث على الحكم المطعون فيه القصور فى التسبيب والخطأ فى تطبيق القانون ، وفى بيان ذلك يقول إنه تمسك أمام محكمة الاستئناف أن ثمن الشقة عين التداعى مُقّسط على ثلاثين عاماً تنتهى عام 2015 وما زال يخصم من معاشه لصالح الجهة المالكـة لها ، ومـن ثم تعتبر قيمة الأقساط اللاحقة على التنازل المؤرخ 30/7/1990 مالاً مستقبلاً لا تجوز أن ترد عليه الهبة وإلا كانت باطله ، إلا أن الحكم المطعون فيه أعـــرض عن هذا الدفــاع ، وانتهى إلى صحة الهبة المباشرة دون عوض الصادرة من الطاعن للمطعون ضدها الأولى ، وقضى بتأييد الحكم الابتدائى القاضى برفض الدعوى ، فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه .
وحيث إن هذا النعى مردود ، ذلك بأن من المقرر - فى قضاء هذه المحكمة – وعلى ما أفصحت عنه المذكرة الايضاحية للقانون المدنى ، أن الشريعة تستلزم لصحة الهبة أن يكون الشئ الموهوب موجوداً وقت العقد ، ومن ثم تعتبر هبة المعدوم غير صحيحة ، ومثل المعدوم ، ما هو فى حكمه ، ومنها الأموال المستقبلة ، فتقع الهبـة الواردة عليها باطلة ، ومفاد ذلك أن وجود الشئ الموهوب وقت العقد ، يكفى لصحة  الهـبة ، ولو كان محملاً بدين لـم يتم الوفاء به ، كأقســــاط ثمن لم يحل أجل الوفاء بها بعد . لما كان ذلك ، وكان الثابت بالأوراق أنه تم تخصيص شقة التداعى للطاعن من الجهة المالكة لها بموجب العقد المبرم بينه وبين المطعون ضده الرابع بصفته بتاريخ 28/6/1988 ، والثابت به أنه تسلمها ، وأقام بها مع زوجته المطعون ضدها الأولى ، فيكون حق انتفاعه بهذه الشقة موجوداً ، حتى وقت إبرام تنازله عنها بتاريخ 30/7/1990 ، وبالتالى يصح أن يكون هذا الحق محلاً للهبة ، وإذ خلص الحكم المطعون فيه إلى صحة تصرف الطاعن للمطعون ضدها الأولى الوارد على هذا الحق ، فإن قضاءه فى هذا الخصوص يكون قد صادف صحيح القانون ، ويضحى النعى على غيـر أساس .
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثانى ، والوجه الأول من السبب الثالث على الحكم المطعون فيه القصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال ، وفى بيان ذلك يقول إن الحكم قضى بتأييد الحكم الابتدائى القاضى برفض الدعوى لصحة عقد الهبة على سند من أنه سلم الشقة محل النزاع للمطعون ضدها الأولى راضياً مختاراً أخذاً بأقوال الشهود فى المحضـر رقم .... لسنة 1992 إدارى مدينة نصر ، وصورة الكشف الرسمى المستخرج من مصلحة الضرائب العقارية جرد 91/92 بأن العين مربوطة باسم المطعون ضدها الأولى ، وكذا صور فواتير الكهرباء باسمها ، فى حين أنه التفت عن دلالة الدعوى رقم ... لسنـة 1991 مــــدنى مستعجل القاهـرة المرفوعـة من المطعــون ضدهـا الأولى على الطاعـن بطلـب تسليمها الشقة عين النزاع ، وحكم فى هذه الدعوى بعدم الاختصاص ، لأن النزاع فيها ينصب على الملكية بين الطرفين بما يستفاد منه قيام قرينة قضائية تنفى واقعة تسليمه هذه العين للمطعون ضدها الأولى ، الأمر الذى يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه .
وحيث إن هذا النعى مردود ، ذلك بأن من المقرر - فى قضاء هذه المحكمة - أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة فى تحصيل فهم الواقع فى الدعوى ، وتقدير القرائن والأدلة ومنها أقوال الشهود والمستندات المقدمة فيها ، والموازنة بينها وترجيح ما تطمئن إليه منها وما تراه متفقاً مع واقع الحال فى الدعوى ، وحسبها أن تبين الحقيقة التى اقتنعت بها ، وأن تقيم قضاءها على أسباب سائغة تكفى لحمله ، ولا عليها من بعد تتبع الخصوم فى كافـة مناحى دفاعهم ، ما دام فى قيام الحقيقة التى اقتنعت بها وأوردت دليلها الرد الضمنى المسقـط لكل حجة مخالفة . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد عّول فى ثبوت واقعة تسليم الطاعن عين النزاع للمطعون ضدها الأولى راضياً مختاراً على ما استخلصه واطمأن إليه من أقوال شهود الطرفين فى المحضر رقم .... لسنة 1992 إدارى مدينة نصر ، ومـن الكشف الرسمى المستخرج من الضرائب العقارية جرد 91/1992 ، وكذا فواتير الكهرباء عن العين من أن مالك هذه الشقة هى المطعون ضدها الأولى ، وهذه أسباب سائغة لهـا أصلها الثابت فى الأوراق ، تكفى لحمل قضاء الحكم ، وفيها الرد الضمنى المسقط لكل حجة مخالفة ، فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الشأن لا يعدو أن يكون جدلاً فيما لمحكمة الموضوع من سلطة تقدير الأدلة مما تنحسر عنه رقابة محكمة النقض.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجه الثالث من السبب الأول ، على الحكــم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون ، وفى بيان ذلك يقول إن عقد بيع الشقة عين التداعى الأصلى المبرم بينه وبين المطعون ضده الرابع بصفته بتاريخ 28/6/1988 ، مازال قائماً بينهمـا ولم يصدر منه ثمة تنازل عنها أو توكيل بالتصرف فيها ، بما يبطل عقد البيع المبـرم بيـن هذا الأخير ، والمطعـــــون ضــــــدها الأولـــــــى بتاريخ 30/7/1990 ، وإذ خـــــالف الحكم المطعون فيه هذا النظر ، وقضى برفض طلبه بهذا البطلان ، فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه .
وحيث إن هذا النعى مردود ، ذلك بأن من المقرر - فى قضاء هذه المحكمة – أنه إذا كان النعى على الحكم المطعون فيه لا يحقق سوى مصلحة نظرية بحتة ، ولا يعود على الطاعن منه أية فائدة ، فإنه يكون غير مقبول ؛ لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برفض طلب بطلان عقد البيع المبرم بين المطعون ضدها الأولى والمطعون ضده الرابع بصفته بتاريخ 30/7/1990 ، على سند مما انتهى إليه من صحة التنازل الصادر من الطاعن بذات التاريخ للمطعون ضدها الأولى عن ذات عين التداعى ، وأصبح للمطعون ضده الرابع بصفته حرية التعاقد عليها ، حسبما تقضى أنظمة ولوائح الجهة المالكة ، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد انتهى إلى قضاء صحيح فى هذا الخصوص ، ومن ثم فإن النعى عليه لا يحقق ثمة فائدة للطاعن ، ويضحى - أياً كان وجه الرأى فيه - غير منتج .
ولما تقدم ، يتعين رفض الطعن .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الطعن 9502 لسنة 77 ق جلسة 26 / 1 / 2010 مكتب فني 61 ق 23 ص 137

برئاسة السيد القاضى / مصطفـى عــزب نائـب رئيس المحكمة وعضوية السـادة القضاة / عبد المنعم دسوقى ، أحمــد الحسينى ، ناصـر مشالى نواب رئيس المحكمة ووائـل رفاعـى .
-----------
(1) دعوى " شروط قبول الدعوى : الصفة : صاحب الصفة فى تمثيل مصلحة الجمارك " .
وزير المالية الممثل لمصلحة الجمارك فى التقاضى . أثره . اختصام مدير عام الجمارك فى الطعن بالنقض . غير مقبول .
(2) جمارك " المناطق الحرة " .
تحديد الطبيعة القانونية للمستودع العام والخاص والأماكن التى يتم شغلها بالمناطق الحرة . مناطه . الترخيص الصادر بإنشائها . المواد من 70 حتى 96 من القرار بق 66 لسنة 1963 .
(3) عقــد " تحديد موضوع العقد : تكييف العقد " . نقض " الحكم فى الطعن : سلطة محكمة النقض " .
تكييف العقود وإنزال حكم القانون عليها . خضوعه لرقابة محكمة النقض .
(4) محكمة الموضوع " سلطة محكمة الموضوع بالنسبة للمنازعات الناشئة عن العقود : سلطتها فى تكييف العقد " .
استخلاص نية المتعاقدين وما انعقد عليه اتفاقهما . من سلطة محكمة الموضوع . شرطه .
(5) قانون " تفسير القانون : قواعد التفسير " .
النص الواضح والقاطع فى الدلالة . لا يجوز الخروج عليه أو تأويله .
(6) جمارك " الإعفاءات الجمركية " .
الترخيص الصادر من مصلحة الجمارك إلى الشـركة الطاعنة بخضوع المخزن الذي تشغله لأحكام المناطق الحرة الواردة بقانون الجمارك . مؤاده . عدم خضوع البضائع المسـتوردة إلـى تلك المناطق للإجراءات الجمركية العادية أو للضرائب والرسوم الجمركية أو لأية قيود من حيث مدة بقائهــــا . المادتان 89 ، 90 من القرار بق 66 لسنة 1963 . مخالفة الحكم المطعــــون فيه هذا النظر . خطأ ومخالفة للقانون .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- المقرر - فى قضاء محكمة النقض - أن وزير المالية بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الجمارك هو الذى يمثلها فى التقاضى ، ومن ثم فلا يكون للمطعون ضده الثانى ( مدير عام الجمارك ) صفة فى الطعن .
2- يبين من استقراء نصوص المواد 70 حتى 96 من القرار بقانون 66 لسنة 1963 بإصدار قانون الجمارك - المنطبق على الواقعة - أن المشرع أفرد أحكاماً خاصة لكل من المستودع العام والمستودع الخاص والأماكن التى يتم شغلها بالمناطق الحرة وجعل المناط فى تحديد الطبيعة القانونية لكل منها هو الترخيص الصادر بإنشائها والذى يتضمن الشروط والأوضاع الخاصة بها والأغراض التى يمنح من أجلها الترخيص والضمان المالى الذى يؤديه المرخص له .
3- المقرر - فى قضاء محكمة النقض - أن تكييف العقود وإنزال حكم القانون عليها يخضع لرقابة محكمة النقض .
4- وإن كان لمحكمة الموضوع استخلاص نية المتعاقدين وما انعقد اتفاقهما عليه إلا أن ذلك مشروط بأن يكون هذا الاستخلاص سائغاً ولا يخالف الثابت بالأوراق ولا خروج فيه على المعنى الظاهر لعبارات العقد .
5- المقرر أنه متى كان النص واضحاً وقاطعاً فى الدلالة على المراد منه فإنه لا يجوز الخروج عليه أو تأويله .
6- إذ كان البين من الترخيص الصادر من مصلحة الجمارك للطاعنة والمعتمد مـن وزير الخزانة (المالية) فى 10 مارس 1965 أن البند (1) منه نص على أن " ترخص مصلحة الجمارك للطرف الثانى فى شغل مساحة 130 متر مربع بالمنطقـة الحـرة بمينـاء بورسعيد " ، كما نص البند (2) على أن الغرض من إشغال تلك المساحة هو مخزن لتموين السفن ونص البند (9) على أن البضائع التى تستورد من الخارج برسم إيداعها المنطقة الحرة أو التى تنقل إليها أو التى يعاد تصديرها منها وكذلك جميع العمليات التى تتم على تلك البضائع تخضع للإجراءات المنصوص عليها بالقانون رقم 66 لسنة 1963 كما أنها تتمتع بجميع المزايا الواردة فيه ، والنص فى البند (19) على أنه " يلتزم المرخص له بتنفيذ كافة الأحكام التى نص عليها القانون فيما يتعلق بنظام المناطـق الحرة .... " . لما كان ذلك ، وكانت نصوص الترخيص سالفة البيان قد جاءت واضحة الدلالة لا غموض فيها ولا لبس وجلية المعنى فى المراد منها وهو أن المكان المرخص للطاعنة بشغله كمخزن لتموين السفن العابرة يخضع لأحكام المناطق الحرة المنصوص عليها فى القانون سالـف البيان ومنها عدم خضوع البضائع المستوردة إلى المناطق الحرة للإجراءات الجمركية العادية أو للضرائب والرســــوم الجمركية أو لأية قيود من حيث مدة بقائهـــا وفقاً لنص المادتين 89 ، 91 منه ، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر ، واعتبر مخزن الطاعنة المرخص لها بشغله بالمنطقة الحرة مستودعاً خاصاً وأنها خالفت أحكامه من حيث مدة بقاء البضاعة فيه ورتب على ذلك أحقية مصلحة الجمارك فيما تطالب به الطاعنة ، فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد القاضى المقـرر والمرافعة وبعد المداولة .
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل فى أن الشركة الطاعنة أقامت الدعوى رقم .... لسنة 2003 بورسعيد الابتدائية بطلب الحكم بعدم أحقية المطعون ضدهما بصفتيهما فى مطالبتها بمبلغ 472687,50 جنيه ، وقالت بياناً للدعــوى إنها شــــركة مساهمـة مصرية تمـارس نشاطها فى تموين السفن بنظام المنطقـة الحـرة - ترانزيت – من خـلال مخازنهـا المقامة بالمنطقة الحرة داخل الدائرة الجمركية لميناء بورسعيد بموجب الترخيص الصادر لها من مصلحــة الجمــارك والمعتمد من وزير الخزانة ( المالية ) وإذ قدرت مصلحة الجمارك المبلغ سالف البيان كضرائب ورسوم جمركية وغرامة 50 % على بعض البضائع المستوردة المودعة مخازنها - سجائر ومشروبات روحية لا تحمل تاريخ صلاحية - بزعم أنها أخلت بالالتزامات المنصوص عليها فى قانون الجمارك الخاصة بتنظيم المستودعات رغم عدم أحقيتها فى ذلك لذا أقامت الدعوى . ندبت المحكمة خبيراً ، ثم لجنة ثلاثية من خبراء وزارة العدل ، وبعد أن أودعت تقريرها قضت بتاريخ 27 ديسمبر سنة 2005 بعدم أحقية المطعون ضدهما فى مطالبة الطاعنة بالمبلغ سالف البيان . استأنف المطعون ضدهما هذا الحكم لدى محكمة استئناف الإسماعيلية " مأمورية بورسعيد " بالاستئناف رقم .... لسنة 47 ق ، وبتاريخ 6 مارس سنة 2007 حكمت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض الدعوى . طعنت الطاعنة فى هذا الحكم بطريق النقض ، وأودعت النيابة العامة مذكرة دفعت فيها بعدم قبول الطعن بالنسبة للمطعون ضده الثانى لرفعه على غير ذى صفة ، وأبدت الرأى فى موضوع الطعن بنقض الحكم المطعون فيه ، وإذ عُرِض الطعن على هذه المحكمة فى غرفة مشورة حددت جلسة لنظره ، وفيها التزمت النيابة رأيها .
وحيث إن الدفع المبدى من النيابة العامة فى محله ، ذلك أن المقرر - فى قضاء هذه المحكمة - أن وزير المالية بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الجمارك هو الذى يمثلها فى التقاضى ، ومن ثم فلا يكون للمطعون ضده الثانى صفة فى الطعن .
وحيث إن الطعن بالنسبة للمطعون ضده الأول قد استوفى أوضاعه الشكلية فهو مقبول شكلاً .
وحيث إن مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه والفساد فى الاستدلال ومخالفة الثابت بالأوراق ، ذلك أنه أقام قضاءه بإلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعـوى على سند من فهمه الخاطئ لطبيعة المخازن التى تمارس من خلالها الشركة الطاعنة نشاطها إذ اعتبرها من قبيل المســتودعات الخاصة التى يلتزم أصحابها بمدة محددة قانوناً لبقاء البضاعة المستوردة فيها وبأداء الضرائب والرسوم الجمركية والغرامات فى حالة وجود عجز أو تغيير بها وفقاً لاحكام المواد 81 حتى 85 من قانون الجمارك 66 لسنة 1963 فى حين أن بنود العقد المحرر بين الطاعنة ومصلحة الجمارك بتاريخ 10 من مارس سنة 1965 واضحة الدلالة على أن ترخيص شغلها لتلك المخازن هو تخزين البضائع التى تستوردها برسم إيداعها المنطقة الحرة الجمركية أو الترانزيت بقصد خدمة تموين السفن العابرة وليست للتصدير أو للسوق المحلية فتسرى عليها أحكام الفصل الرابع من القانون سالف البيان الخاصة بالمناطق الحرة وتتمتع بالإعفاء المقرر بالنسبة لمدة بقاء البضائع بها وكذلك الرسوم والضرائب والغرامات مما يعيبه ويوجب نقضه .
وحيث إن هذا النعى سديد ، ذلك أنه يبين من استقراء نصوص المواد 70 حتى 96 من القرار بقانون 66 لسنة 1963 بإصدار قانون الجمارك - المنطبق على الواقعة - أن المشرع أفرد أحكاماً خاصة لكل من المستودع العام والمستودع الخاص والأماكن التى يتم شغلها بالمناطق الحرة وجعل المناط فى تحديد الطبيعة القانونية لكل منها هو الترخيص الصادر بإنشائها والذى يتضمن الشروط والأوضاع الخاصة بها والأغراض التى يمنح من أجلها الترخيص والضمان المالى الذى يؤديه المرخص له . لما كان ذلك ، وكان المقرر - فى قضاء هذه المحكمة - أن تكييف العقود وإنزال حكم القانون عليها يخضع لرقابة محكمة النقض ، وأنه وإن كان لمحكمة الموضوع استخلاص نية المتعاقدين وما انعقد اتفاقهما عليه إلا أن ذلك مشروط بأن يكون هذا الاستخلاص سائغاً ولا يخالف الثابت بالأوراق ولا خروج فيه على المعنى الظاهر لعبارات العقد ، وأنه متى كان النص واضحاً وقاطعاً فى الدلالة على المراد منه فإنه لا يجوز الخروج عليه أو تأويله ، وكان البين من الترخيص الصادر من مصلحة الجمارك للطاعنة والمعتمد مـن وزير الخزانة ( المالية ) فى 10 مارس 1965 أن البند (1) منه نص على أن " ترخص مصلحة الجمارك للطرف الثانى فى شغل مساحة 130 متر مربع بالمنطقـة الحــرة بمينـاء بورسعيد " ، كما نص البند (2) على أن الغــرض من إشغـال تلك المسـاحة هو مخـزن لتموين السفن ونص البند (9) على أن البضائع التى تستورد من الخارج برسم إيداعها المنطقة الحرة أو التى تنقل إليها أو التى يعاد تصديرها منها وكذلك جميع العمليات التى تتم على تلك البضائع تخضع للإجراءات المنصوص عليها بالقانون رقم 66 لسنة 1963 كما أنها تتمتع بجميع المزايا الواردة فيه ، والنص فى البند (19) على أنه " يلتزم المرخص له بتنفيذ كافة الأحكام التى نص عليها القانون فيما يتعلق بنظام المناطـق الحرة .... " . لما كان ذلك ، وكانت نصوص الترخيص سالفة البيان قد جاءت واضحة الدلالة لا غموض فيها ولا لبس وجلية المعنى فى المراد منها وهو أن المكان المرخص للطاعنة بشغله كمخزن لتموين السفن العابرة يخضع لأحكام المناطق الحرة المنصوص عليها فى القانون سالف البيان ومنها عدم خضوع البضائع المستوردة إلى المناطق الحرة للإجراءات الجمركية العادية أو للضرائب والرسوم الجمركية أو لأية قيود من حيث مدة بقائها وفقاً لنص المادتين 89 ، 91 منه ، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر ، واعتبر مخزن الطاعنة المرخص لها بشغله بالمنطقة الحرة مستودعاً خاصاً وأنها خالفت أحكامه من حيث مدة بقاء البضاعة فيه ورتب على ذلك أحقية مصلحة الجمارك فيما تطالب به الطاعنة ، فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه بما يوجب نقضه .
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه ، ولما تقدم ، وكان الحكم المستأنف قد انتهى صائباً إلى النتيجة الصحيحة ، ومن ثم يتعين تأييده .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ