جلسة 25 من ديسمبر سنة 2012
برئاسة السيد القاضي/ عبد المنعم دسوقي نائب رئيس المحكمة وعضوية
السادة القضاة/ د. خالد عبد الحميد, عبد الرحيم الشاهد، الريدي عدلي نواب رئيس
المحكمة وشحاته إبراهيم.
-----------
(195)
الطعن 253 لسنة 74 ق
- 1 تعويض "التعويض عن الخطأ
الشخصي: التعويض عن إساءة استعمال الحق".
نظرية التعسف في استعمال الحق. أساسها القانوني المسئولية التقصيرية.
علة ذلك. التعسف في استعمال الحق. خطأ يستوجب التعويض.
- 2 تعويض "التعويض عن الخطأ
الشخصي: التعويض عن إساءة استعمال الحق".
استعمال الحق استعمالا مشروعا. لا يرتب المسئولية عما ينشأ عنه من
ضرر. الاستعمال غير المشروع للحق. مناطه. ألا يقصد به سوى الإضرار بالغير.
المادتان 4، 5 مدني.
- 3 تعويض "التعويض عن الخطأ
الشخصي: التعويض عن إساءة استعمال الحق".
حقا التقاضي والدفاع. من الحقوق المباحة. عدم مسئولية من يلج أبواب
القضاء تمسكا بحق أو ذودا عنه. الاستثناء. ثبوت انحرافه عنه إلى اللدد في الخصومة
والعنت ابتغاء الإضرار بالخصم.
- 4 تعويض "التعويض عن الفعل
غير المشروع: الخطأ الموجب للتعويض".
العمل غير المشروع. المصدر المباشر للالتزام بالتعويض. الحكم الصادر
في دعوى التعويض. مقرر للحق وليس منشئاً له.
- 5 مسئولية
"من صور المسئولية التقصيرية: مسئولية الأشخاص الاعتبارية العامة عن خطأ أحد
تابعيها".
مساءلة الأشخاص المعنوية العامة أمام القضاء العادي. مناطه. وقوع
الخطأ منها مباشرة أو من أحد تابعيها. خضوعها إلى حكم القانون المدني في شأن
مسئولية الأفراد والهيئات الخاصة. دعاوى المسئولية عن القرارات الصادرة من هذه
الأشخاص. اختصاص القضاء الإداري بها. اقتصار مسئوليته على الخطأ المرفقي. علة ذلك.
- 6 تعويض
"صور التعويض: التعويض عن إساءة استعمال الحق".
سوء استعمال السلطة. نوع من سوء استعمال الحق. ماهيته. تعمد مخالفة
القانون مع التظاهر باحترامه.
- 7 جمارك "الإفراج المؤقت عن
البضائع".
الإعفاء المؤقت للمواد الأولية المستوردة بقصد تصنيعها في البلاد من
الضرائب الجمركية. شرطه. إيداع المستورد بمصلحة الجمارك ضماناً مصرفياً بقيمتها مع
إعادة تصديرها خلال سنة من تاريخ الاستيراد. م 98 ق 66 لسنة 1963 المستبدلة بق رقم
157 لسنة 2002. انقضاء المدة دون إتمام ذلك. أثره. أداء الضرائب والرسوم المستحقة.
لوزير الخزانة إطالة تلك المدة لأسباب مبررة.
- 8 جمارك "الإفراج المؤقت عن
البضائع".
الإفراج عن البضاعة المستوردة بنظام السماح المؤقت بعد تقديم المستورد
خطاب ضمان إلى مصلحة الجمارك. التفات مصلحة الجمارك عن طلب تجديد مدة السماح سالفة
الذكر وترتيبها على ذلك إلزام المستورد بالضرائب والرسوم المستحقة على رسالة
التداعي بعد إعادة تصديرها هو استعمال لحق خوله القانون. عدم ثبوت انحرافها عن هذا
الحق. مؤداه انتفاء الخطأ الموجب للمسئولية التقصيرية. قضاء الحكم المطعون فيه
للمطعون ضدها بالتعويض. مخالفة للثابت بالأوراق وقصور في التسبيب وخطأ. علة ذلك.
-----------
1 - إذ كان المشرع – وعلى ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون المدني - قد أحل النص الخاص بتقرير نظرية التعسف في استعمال الحق مكاناً بارزاً بين النصوص التمهيدية لأن لها من العموم ما يجعلها تنبسط على جميع نواحي القانون دون أن تكون مجرد تطبيق لفكرة العمل غير المشروع، إلا أن الأساس القانوني لهذه النظرية ليس هو إلا المسئولية التقصيرية، إذ التعسف في استعمال الحق خطأ – يتمثل في صورة الانحراف عن حدود الرخصة – يوجب التعويض.
2 - المقرر – في قضاء محكمة النقض – أنه لا جناح على من يستعمل حقاً استعمالاً مشروعاً، فلا يكون مسئولاً عما ينشأ عن ذلك من ضرر بغيره – وعلى ما أفصحت عنه المادة الرابعة من القانون المدني – وما أورده نص المادة التالي لها من قيد على هذا الأصل – إعمالاً لنظرية إساءة استعمال الحق متمثلا في أحد معايير ثلاثة يجمع بينها ضابط مشترك هو نية الإضرار، سواء في صورة تعمد الإساءة إلى الغير دون نفع يعود على صاحب الحق في استعماله، أو في صورة استهانة بما يحيق بذلك الغير من ضرر جسيم تحقيقاً لنفع يسير يجنيه صاحب الحق بحيث لا يكاد يلحقه ضرر من الاستغناء عنه، ومن المقرر أن معيار المصلحة المبتغاة في هذه الصورة الأخيرة ومن الضرر الواقع هو معيار مادي قوامه الموازنة المجردة بين النفع والضرر إعمالاً لاعتبارات العدالة القائمة على التوازن بين الحق والواجب.
3 - إذ كان حقا التقاضي والدفاع من الحقوق المباحة التي تثبت للكافة، فلا يسأل من يلج أبواب القضاء تمسكاً أو ذوداً عن حق يدعيه لنفسه، إلا أن يثبت انحرافه عن الحق المباح إلى اللدد في الخصومة والعنت مع وضوح الحق ابتغاء الإضرار بالخصم، فإنه يحق مساءلته بتعويض الأضرار التي تلحق بهذا الخصم بسبب إساءة استعمال هذا الحق.
4 - إذ كان المصدر المباشر للالتزام بالتعويض هو العمل غير المشروع فإن القانون هو مصدره غير المباشر، فمصدر الحق في التعويض ليس هو الحكم الصادر في دعوى المسئولية، فالحكم ليس إلا مقرراً لهذا الحق لا منشأ له، إلا أن له منذ صدوره أثراً محسوساً في هذا الحق الذي أصبح مقوماً.
5 - الأصل في القانون المدني أن الأشخاص المعنوية العامة يمكن مساءلتها مسئولية مدنية عن أعمالها المادية أمام القضاء العادي، كلما أمكن نسبة الخطأ مباشرة إليها أو أمكن إثبات خطأ وقع من أحد تابعيها، وأن تطبق في مساءلتها هذه أحكام القانون المدني على النحو الذي تتحقق به مسئولية الأفراد والهيئات الخاصة، فقواعد المسئولية التقصيرية واحدة للفريقين، أما الاختصاص بنظر دعاوى المسئولية عن القرارات الإدارية الصادرة من هذه الأشخاص المعنوية العامة فما زال مقصوراً على محاكم القضاء الإداري، غير أن هذه الأشخاص تسأل وحدها عن الخطأ المرفقي، فجهة الإدارة مسئولة عن تسيير المرفق الذي تتولاه بمجرد ثبوت خطأ من جانبها سبب ضرراً للغير متى كان راجعاً إلى إهمالها وتقصيرها في تنظيم شئونه أو الإشراف عليه، ويجب أن يبين الحكم الخطأ المعين الذي يمكن نسبته إليها، لأنه إذا لم يكن الاحتياط المنسوب إليها عدم اتخاذه واجباً عليها قانوناً، فلا يكون ثمة محل لمؤاخذتها أو لإلزامها بالتعويض، وتقع على عامل الإدارة الذي ارتكب العمل الموجب للمسئولية تبعة العمل غير المرفقي وحده – وهو الذي يوصف بالخطأ الشخصي – وذلك سواء كان الفعل الضار الخاطئ قراراً إدارياً أو عملاً مادياً، وسواء كانت دعوى التعويض مما يختص به المقرر القضاء الإداري أو مما يختص به القضاء العادي.
6 - المقرر أن الانحراف عن السلطة أو إساءة استعمالها إنما كله يدخل في مدلول ما يعني بالتعسف في استعمال الحق فالموظف يسيء استعمال سلطته كلما استعمل نصوص القانون ونفذها بقصد الخروج على أغراض القانون وأهدافه، وبهذه المثابة تكون إساءة استعمال السلطة ضرباً من تعمد مخالفة القانون مع التظاهر باحترامه.
7 - النص في المادة 98 من القانون 66 لسنة 1963، في شأن الجمارك وقبل تعديلها بالقانونين رقمي 158 لسنة 1997، 157 لسنة 2002 - المنطبق على الواقع في الدعوى – يدل على أن الإعفاء المؤقت للمواد الأولية المستوردة بقصد تصنيعها في البلاد من الضرائب الجمركية وغيرها من الرسوم، مشروط بأن يودع المستورد بمصلحة الجمارك ضماناً مصرفياً بقيمتها وأن يعيد تصديرها خلال سنة من تاريخ الاستيراد، فإذا انقضت المدة دون إتمام ذلك أصبحت تلك الضرائب والرسوم واجبة الأداء على أنه يجوز إطالة هذه المدة بقرار من وزير الخزانة، وقد أصدر وزير المالية القرار رقم 274 لسنة 1986 بشأن تعديل القواعد الخاصة بنظام السماح المؤقت – المنطبق على الواقع في الدعوى - وقبل إلغاؤه بقرار وزير المالية رقم 894 لسنة 1996، ونص في مادته الثانية على أنه "يفوض رئيس مصلحة الجمارك في 1- ..... 2- إطالة مدة السنة المحددة بالمادة 98 من قانون الجمارك التي يتم فيها إعادة التصدير لأسباب مبررة".
8 - إذ كان البين من أوراق الدعوى والمستندات المقدمة من الشركة المطعون ضدها وتقرير الخبير المنتدب في الدعوى أن رسالة التداعي قد أفرج عنها بنظام السماح المؤقت بإذن الوارد رقم 267 في 8 من مارس سنة 1992 وأن المستورد - الشركة المطعون ضدها - قد قدمت إلى مصلحة الجمارك خطاب الضمان رقم 156486 بتاريخ 9 من مارس سنة 1992 صادر من بنك ...... بمبلغ 85475 جنيه قيمة الرسوم الجمركية عن إذن الوارد سالف البيان ولمدة تنتهي في 15 من أكتوبر سنة 1992 وتم مده حتى 15 من أكتوبر سنة 1993 وأن الشركة المطعون ضدها تقدمت بتاريخ 13 من سبتمبر سنة 1993 بطلب إلى رئيس قطاع جمارك الإسكندرية والمنطقة الغربية، للموافقة على إطالة مدة سريان مفعول التصدير على قوة إذن الوارد موضوع التداعي إلى 15 من أكتوبر سنة 1993 وهو تاريخ انتهاء خطاب الضمان حتى يتسنى لها تصدير الرسالة. وقد تأشر على هذا الكتاب بتاريخ 18 من سبتمبر سنة 93 "يقدم أصل إذن الإفراج وصورة تجديد الضمان لإجراء المد" – مستند رقم 9 من حافظة مستندات الشركة المطعون ضدها المقدمة أمام محكمة أول درجة – إلا أن المستندات وتقرير الخبير قد خلت مما يفيد صدور قرار رئيس مصلحة الجمارك بإطالة مدة السنة المحددة في المادة 98 من قانون الجمارك، وأنه قد تم إعادة التصدير بموجب شهادة الصادر رقم 3057 بتاريخ 14 من سبتمبر سنة 1993 بعد مرور أكثر من سنة على تاريخ الاستيراد، فمن ثم تكون الضرائب والرسوم المستحقة على رسالة التداعي واجبة الأداء، ومن ثم يتعين مطالبة المستورد – الشركة المطعون ضدها – بأدائها وإذ قامت مصلحة الجمارك باستعمال حقها الذي خولها القانون إياه باتخاذ الإجراءات القضائية ضدها حفاظاً على أموال الدولة، وقد خلت الأوراق مما ينبئ عن انحرافها عن هذا الحق إلى ابتغاء الإضرار بها والكيد أو مجرد الإساءة إليها أو الاستهانة بما قد يحيق بها من ضرر جسيم تحقيقاً لنفع يسير تجنيه تلك المصلحة بحيث لا يكاد يلحقها ضرر من الاستغناء عنه ولم يكن استعمالها نصوص القانون وحقها في التقاضي والدفاع بقصد الخروج على أغراضه وأهدافه ومن ثم لا تكون قد خالفت القانون بما ينتفي معه ركن الخطأ الموجب للمسئولية التقصيرية في جانبها والذي جزاؤه التعويض المقضي به، مما يعيب الحكم المطعون فيه الذي خالف هذا النظر وذهب إلى أن الشركة المطعون ضدها قد قامت بإعادة تصدير الرسالة موضوع التداعي دون أن يفطن إلى تاريخ إعادة التصدير وتجاوزه المدة المنصوص عليها في المادة 98 من قانون الجمارك سالف البيان، فإنه يكون قد خالف الثابت في الأوراق فضلاً عن قصوره في التسبيب الأمر الذي جره إلى الخطأ في تطبيق القانون.
-----------
الوقائع
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق -
تتحصل في أن الشرکة المطعون ضدها أقامت الدعوي رقم ... لسنة 1998 تجاري جنوب
القاهرة الابتدائية على الطاعنين بصفاتهم وبنك ... - الغير مختصم في الطعن - بطلب
الحكم وفقاً لطلباتها الختامية بإلزام الطاعنين برد وتسليم خطاب الضمان رقم ....
الصادر بتاريخ 9 من مارس سنة 1992 من بنك مصر الدولي لانتفاء المبرر من بقائه تحت
يدهم وبإلزامهم بأن يؤدوا لها مبلغ 307710 جنيه تعويضاً عما لحقها من خسائر
والفائدة القانونية 5% من تاريخ المطالبة. وقالت بياناً لها أنها استوردت رسالة
"خيوط أكليرك" أفرج عنها جمركياً بموجب إذن الوارد رقم ... "سماح
مؤقت" بتاريخ 8 من مارس سنة 1992 بنظام السماح المؤقت لغرض تصنيعها وإعادة
تصديرها بعد التصنيع بالمواصفات والنسب التي تحددها مصلحة الرقابة الصناعية بوزارة
الصناعة، وأنها قدمت لمصلحة الجمارك إعمالاً لتعليماتها خطاب الضمان سالف البيان
بمبلغ 85475 جنيه كضمان مالي للرسوم الجمركية عن الوارد وضريبة الأرباح التجارية
والصناعية وضريبة المبيعات على الرسالة، وأنها أعادت تصديرها بعد تصنيعها بموجب
شهادة الصادر رقم ... "سماح مؤقت" بتاريخ 14 من سبتمبر سنة 1993 إلا أن
الإدارة العامة للسماح المؤقت بمصلحة الجمارك رفضت رد خطاب الضمان دون مبرر بما يؤكد
سوء نيتها مما ألحق بها أضراراً فأقامت الدعوى. ندبت المحكمة خبيراً فيها وبعد أن
أودع تقريره حكمت بتاريخ 30 من يناير سنة 2003 بإلزام الطاعنين برد خطاب الضمان
آنف البيان لانتفاء الغرض من بقائه تحت يدهم، وبإلزامهم بأن يؤدوا للمطعون ضدها
مبلغ 80 ألف جنيه تعويضا. استأنفت الشركة المطعون ضدها هذا الحكم بالاستئناف رقم
.... لسنة 120 لدى محكمة استئناف القاهرة، كما أستأنفه الطاعنون بالاستئناف رقم
.... لسنة 120 ق لدى ذات المحكمة، وبعد أن ضمته إلى الأول قضت بتاريخ 31 من ديسمبر
سنة 2003 بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت
النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة - في
غرفة مشورة - حددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها .
-----------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي
المقرر، والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن مما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب
والخطأ في تطبيق القانون وفي بيانهم ذلك قالوا أنهم تمسكوا أمام محكمة الاستئناف
بدفاع مؤداه أن قيامهم بمطالبة الشركة المطعون ضدها بالرسوم المستحقة عن مشمول
الرسالة محل التداعي أو التقدم بطلب لتحريك الدعوى الجنائية ضدها للتهرب من سدادها
كان حفاظاً على أموال الدولة وممارسة لحق خولهم القانون إياه (نظام السماح المؤقت
الذي خالفته الشركة المطعون ضدها فلم تقم بإعادة تصدير رسالة التداعي بعد تصنيعها
إلا بعد مرور أكثر من سنة) ولم يثبت انحرافهم أو قصدهم الكيد لها بما ينتفي معه
ركن الخطأ أساس المسئولية التقصيرية التي جزاؤها التعويض في جانبهم، وإذ التفت
الحكم المطعون فيه عن هذا الدفاع رغم جوهريته وأثره في تغيير وجه الرأي فإنه يكون
قد شابه القصور الذي جره إلى مخالفة القانون بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي سديد، ذلك بأنه ولئن كان المشرع - وعلى ما أفصحت
عنه المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون المدني - قد أحل النص الخاص بتقرير نظرية
التعسف في استعمال الحق مكاناً بارزاً بين النصوص التمهيدية لأن لها من العموم ما
يجعلها تنبسط على جميع نواحي القانون دون أن تكون مجرد تطبيق لفكرة العمل غير
المشروع، إلا أن الأساس القانوني لهذه النظرية ليس هو إلا المسئولية التقصيرية، إذ
التعسف في استعمال الحق خطأ - يتمثل في صورة الانحراف عن حدود الرخصة - يوجب
التعويض، وكان المقرر في قضاء هذه المحكمة، أنه لا جناح على من يستعمل حقاً
استعمالاً مشروعاً، فلا يكون مسئولاً عما ينشأ عن ذلك من ضرر بغيره - وعلى ما
أفصحت عنه المادة الرابعة من القانون المدني - وما أورده نص المادة التالي لها من
قيد على هذا الأصل إعمالاً لنظرية إساءة استعمال الحق متمثلاً في أحد معايير ثلاثة
يجمع بينها ضابط مشترك هو نية الإضرار، سواء في صورة تعمد الإساءة إلى الغير دون
نفع يعود على صاحب الحق في استعماله، أو في صورة استهانة بما يحيق بذلك الغير من
ضرر جسيم تحقيقاً لنفع يسير يجنيه صاحب الحق بحيث لا يكاد يلحقه ضرر من الاستغناء
عنه، ومن المقرر أن معيار المصلحة المبتغاة في هذه الصورة الأخيرة ومن الضرر
الواقع هو معيار مادي قوامه الموازنة المجردة بين النفع والضرر إعمالا لاعتبارات
العدالة القائمة على التوازن بين الحق والواجب، وكان حقا التقاضي والدفاع من
الحقوق المباحة التي تثبت للكافة، فلا يسأل من يلج أبواب القضاء تمسكاً أو ذوداً
عن حق يدعيه لنفسه، إلا أن يثبت انحرافه عن الحق المباح إلى اللدد في الخصومة
والعنت مع وضوح الحق ابتغاء الإضرار بالخصم، فإنه يحق مساءلته بتعويض الأضرار التي
تلحق بهذا الخصم بسبب إساءة استعمال هذا الحق، وإذ كان المصدر المباشر للالتزام
بالتعويض هو العمل غير المشروع فإن القانون هو مصدره غير المباشر، فمصدر الحق في
التعويض ليس هو الحكم الصادر في دعوى المسئولية، فالحكم ليس إلا مقرراً لهذا الحق
لا منشأ له، إلا أن له منذ صدوره أثراً محسوساً في هذا الحق الذي أصبح مقوما. وكان
الأصل في القانون المدني أن الأشخاص المعنوية العامة يمكن مساءلتها مسئولية مدنية
عن أعمالها المادية أمام القضاء العادي، كلما أمكن نسبة الخطأ مباشرة إليها أو
أمكن إثبات خطأ وقع من أحد تابعيها، وأن تطبق في مساءلتها هذه أحكام القانون
المدني على النحو الذي تتحقق به مسئولية الأفراد والهيئات الخاصة، فقواعد
المسئولية التقصيرية واحدة للفريقين، أما الاختصاص بنظر دعاوى المسئولية عن
القرارات الإدارية الصادرة من هذه الأشخاص المعنوية العامة فما زال مقصوراً على
محاكم القضاء الإداري، غير أن هذه الأشخاص تسأل وحدها عن الخطأ المرفقي، فجهة
الإدارة مسئولة عن تسيير المرفق الذي تتولاه بمجرد ثبوت خطأ من جانبها سبب ضرراً
للغير متى كان راجعاً إلى إهمالها وتقصيرها في تنظيم شئونه أو الإشراف عليه، ويجب
أن يبين الحكم الخطأ المعين الذي يمكن نسبته إليها، لأنه إذا لم يكن الاحتياط
المنسوب إليها عدم اتخاذه واجباً عليها قانوناً، فلا يكون ثمة محل لمؤاخذتها أو
لإلزامها بالتعويض، وتقع على عامل الإدارة الذي ارتكب العمل الموجب للمسئولية تبعة
العمل غير المرفقي وحده - وهو الذي يوصف بالخطأ الشخصي – وذلك سواء كان الفعل
الضار الخاطئ قراراً إدارياً أو عملاً مادياً، وسواء كانت دعوى التعويض مما يختص
به القضاء الإداري أو مما يختص به القضاء العادي. ومن المقرر أن الانحراف عن
السلطة أو إساءة استعمالها إنما كله يدخل في مدلول ما يعني بالتعسف في استعمال
الحق فالموظف يسيء استعمال سلطته كلما استعمل نصوص القانون ونفذها بقصد الخروج على
أغراض القانون وأهدافه، وبهذه المثابة تكون إساءة استعمال السلطة ضرباً من تعمد
مخالفة القانون مع التظاهر باحترامه.
وحيث إن النص في المادة 98 من القانون 66 لسنة 1963، في شأن الجمارك
وقبل تعديلها بالقانونين رقمي 158 لسنة 1997، 157 لسنة 2002 - المنطبق علي الواقع
في الدعوى - يدل على أن الإعفاء المؤقت للمواد الأولية المستوردة بقصد تصنيعها في
البلاد من الضرائب الجمركية وغيرها من الرسوم، مشروط بأن يودع المستورد بمصلحة
الجمارك ضماناً مصرفياً بقيمتها وأن يعيد تصديرها خلال سنة من تاريخ الاستيراد،
فإذا انقضت المدة دون إتمام ذلك أصبحت تلك الضرائب والرسوم واجبة الأداء على أنه
يجوز إطالة هذه المدة بقرار من وزير الخزانة، وقد أصدر وزير المالية القرار رقم
274 لسنة 1986 بشأن تعديل القواعد الخاصة بنظام السماح المؤقت - المنطبق على
الواقع في الدعوى - وقبل إلغاؤه بقرار وزير المالية رقم 894 لسنة 1996، ونص في
مادته الثانية على أنه "يفوض رئيس مصلحة الجمارك في:- .... 2- إطالة مدة
السنة المحددة بالمادة 98 من قانون الجمارك التي يتم فيها إعادة التصدير لأسباب
مبررة". لما كان ذلك، وكان البين من أوراق الدعوى والمستندات المقدمة من الشركة
المطعون ضدها وتقرير الخبير المنتدب في الدعوى أن رسالة التداعي قد أفرج عنها
بنظام السماح المؤقت بإذن الوارد رقم .... في 8 من مارس سنة 1992 وأن المستورد -
الشركة المطعون ضدها – قد قدمت إلى مصلحة الجمارك خطاب الضمان رقم ..... بتاريخ 9
من مارس سنة 1992 صادر من بنك ..... بمبلغ 85475 جنيه قيمة الرسوم الجمركية عن إذن
الوارد سالف البيان ولمدة تنتهي في 15 من أکتوبر سنة 1992 وتم مده حتى 15 من
أکتوبر سنة 1993 وأن الشرکة المطعون ضدها تقدمت بتاريخ 13 من سبتمبر سنة 1993 بطلب
إلى رئيس قطاع جمارك الإسكندرية والمنطقة الغربية، للموافقة على إطالة مدة سريان
مفعول التصدير على قوة إذن الوارد موضوع التداعي إلى 15 من أكتوبر سنة 1993 وهو
تاريخ انتهاء خطاب الضمان حتى يتسنى لها تصدير الرسالة. وقد تأشر على هذا الكتاب
بتاريخ 18 من سبتمبر سنة 1993" يقدم أصل إذن الإفراج وصورة تجديد الضمان
لإجراء المد" - مستند رقم 9 من حافظة مستندات الشركة المطعون ضدها المقدمة
أمام محكمة أول درجة - إلا أن المستندات وتقرير الخبير قد خلت مما يفيد صدور قرار
رئيس مصلحة الجمارك بإطالة مدة السنة المحددة في المادة 98 من قانون الجمارك، وأنه
قد تم إعادة التصدير بموجب شهادة الصادر رقم ... بتاريخ 14 من سبتمبر سنة 1993 بعد
مرور أكثر من سنة على تاريخ الاستيراد، فمن ثم تكون الضرائب والرسوم المستحقة على
رسالة التداعي واجبة الأداء، ومن ثم يتعين مطالبة المستورد - الشركة المطعون ضدها
- بأدائها وإذ قامت مصلحة الجمارك باستعمال حقها الذي خولها القانون إياه باتخاذ
الإجراءات القضائية ضدها حفاظاً على أموال الدولة، وقد خلت الأوراق مما ينبئ عن
انحرافها عن هذا الحق إلى ابتغاء الإضرار بها والكيد أو مجرد الإساءة إليها أو
الاستهانة بما قد يحيق بها من ضرر جسيم تحقيقاً لنفع يسير تجنيه تلك المصلحة بحيث
لا يكاد يلحقها ضرر من الاستغناء عنه ولم يكن استعمالها نصوص القانون وحقها في
التقاضي والدفاع بقصد الخروج على أغراضه وأهدافه ومن ثم لا تكون قد خالفت القانون
بما ينتفي معه ركن الخطأ الموجب للمسئولية التقصيرية في جانبها والذي جزاؤه
التعويض المقضي به، مما يعيب الحكم المطعون فيه الذي خالف هذا النظر وذهب إلى أن
الشركة المطعون ضدها قد قامت بإعادة تصدير الرسالة موضوع التداعي دون أن يفطن إلى
تاريخ إعادة التصدير وتجاوزه المدة المنصوص عليها في المادة 98 من قانون الجمارك
سالف البيان، فإنه يكون قد خالف الثابت في الأوراق فضلاً عن قصوره في التسبيب
الأمر الذي جره إلى الخطأ في تطبيق القانون مما يوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة
لبحث باقي أسباب الطعن.
وحيث إن موضوع الاستئنافين رقمي .... ، ... لسنة 120 ق القاهرة صالح
للفصل فيه، ولما تقدم، وكان الحكم المستأنف قد خالف النظر سالف البيان فيتعين
إلغاؤه والقضاء برفض الدعوى مع إلزام الشركة المستأنفة في الاستئناف رقم .... لسنة
120 ق المصروفات عن درجتي التقاضي.