وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى الماثلة، على سند من
سبق حسم المحكمة الدستورية العليا للمسألة الدستورية المحالة من محكمة القضاء
الإداري وذلك بحكمها الصادر بجلسة الرابع من يناير سنة 2009 في القضية رقم 146
لسنة 25 قضائية "دستورية".
وحيث إن هذا الدفع مردود، ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن
الحجية المطلقة للأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية يقتصر نطاقها على النصوص
التشريعية التي كانت مثارا للمنازعة حول دستوريتها، وفصلت فيها المحكمة فصلاً
حاسمًا بقضائها، أما ما لم يكن مطروحًا على المحكمة، ولم تفصل فيه بالفعل، فلا
تمتد إليه تلك الحجية، لما كان ذلك؛ وكان الحكم الصادر في القضية رقم 146 لسنة 25
قضائية "دستورية"، قد قضى: أولاً: بعدم دستورية نص المادة الأولى من
قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 3086 لسنة 1996، ونص البند ثانيًا من المادة الثالثة
من أمر رئيس مجلس الوزراء ونائب الحاكم العسكري العام رقم 2 لسنة 1998، ونص المادة
السابعة من قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 963 لسنة 2003، وذلك فيما تضمنته من حظر
الموافقة على طلب الترخيص في التعلية، صراحة أو ضمنًا, بالنسبة للمباني التي بُدئ
في إنشائها قبل تاريخ العمل بالقانون رقم 101 لسنة 1996 المعدِّل لبعض أحكام
القانون رقم 106 لسنة 1976، إلا في الحدود التي كان مسموحًا بها قبل هذا التاريخ،
ثانيًا: بسقوط ما يقابل هذا الحظر من أحكام وردت بكل من نص الفقرة الثانية من
المادة الثانية من قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 3086 لسنة 1996 والمادة الثالثة من
أمر رئيس مجلس الوزراء ونائب الحاكم العسكري العام رقم 2 لسنة 1998. وكان الحكم
الصادر من المحكمة بجلستها المعقودة بتاريخ 15 من يناير سنة 2006 في القضية رقم 74
لسنة 23 قضائية "دستورية"، قد قضى: أولاً: بعدم دستورية نص المادة
الأولى من قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 3086 لسنة 1996 فيما تضمنه من حظر الموافقة
على هدم القصور والفيلات بمدينة الإسكندرية، ثانيًا: بعدم دستورية نص المادة
الثانية من أمر رئيس مجلس الوزراء ونائب الحاكم العسكري العام رقم 2 لسنة 1998
فيما تضمنه من حظر هدم أو التصريح بهدم القصور والفيلات في جميع أنحاء جمهورية مصر
العربية، ثالثًا: بعدم دستورية نص المادة 11 مكررا (5) من اللائحة التنفيذية
للقانون رقم 106 لسنة 1976 المضاف بقرار وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات
العمرانية رقم 180 لسنة 1998 فيما تضمنه من حظر الموافقة على هدم القصور والفيلات
في جميع أنحاء جمهورية مصر العربية، رابعًا: بسقوط ما يقابل هذا الحظر من أحكام
وردت بكل من المادة الثانية من قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 3086 لسنة 1996،
والمادة الثالثة من أمر رئيس مجلس الوزراء ونائب الحاكم العسكري العام رقم 2 لسنة
1998 المشار إليهما، فإن هذين الحكمين تقتصر حجيتهما على هذا النطاق وحده، ولا
تتجاوزها إلى ما سواها من بقية أجزاء المواد الواردة بقرار الإحالة، مما يتعين معه
رفض هذا الدفع.
وحيث إن قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 3086 لسنة 1996 بشأن حدود الترخيص
في تعلية المباني وقيود الارتفاع بمدينة الإسكندرية ينص في مادته الأولى على أن:
"يحظر الموافقة على طلب الترخيص في التعلية في مدينة الإسكندرية، ...............
كما يحظر في ذات المدينة الموافقة .........، أو على إقامة بناء في
أرض عقار سبق هدمه أو يُشرع في هدمه بغير ترخيص، إلا في حدود ارتفاعه الذي كان
عليه من قبل دون أي تجاوز".
كما تنص المادة الثامنة من قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 963 لسنة 2003
بشأن تحديد ارتفاعات المباني لبعض المناطق بمحافظات جمهورية مصر العربية على أن:
"يحظر الموافقة على إقامة بناء في أرض عقار سبق هدمه أو يشرع في هدمه
بغير ترخيص، إلا في حدود ارتفاعه الذي كان عليه من قبل دون أي تجاوز ما لم توجد
اشتراطات بنائية معتمدة لموقع العقار تنص على ارتفاعات أقل فيطبق الارتفاع الأقل،
وذلك في جميع أنحاء جمهورية مصر العربية".
كما ينص أمر رئيس مجلس الوزراء ونائب الحاكم العسكري العام رقم 2 لسنة
1998 في مادته الثانية على أن "يحظر في جميع أنحاء جمهورية مصر العربية
ارتكاب أي فعل من الأفعال الآتية:
أولاً: ................
ثانيًا: .................
ثالثًا: إقامة، وكذا الموافقة صراحة أو ضمنًا على طلب الترخيص بإقامة
بناء في أرض عقار سبق هدمه أو يُشرع في هدمه بغير ترخيص، إلا في حدود ارتفاعه الذي
كان عليه من قبل دون أي تجاوز".
وتنص مادته الثالثة على أن: "مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص
عليها قانون العقوبات أو أي قانون آخر، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة كل من
ارتكب أو شرع في ارتكاب أي فعل من الأفعال المنصوص عليها في المادة السابقة.
وتسري العقوبة كذلك بحسب الأحوال على كل ممثل لشخص اعتباري عام أو خاص
أو لجهاز أو جهة حكومية أو غير حكومية وقع الفعل أو الشروع بتكليف منه، وعلى
المقاول والمهندس المشرف على التنفيذ.
كما يعاقب بذات العقوبة كل من ساهم أو اشترك في الجريمة، أو لم يقم
بواجبه في منعها واتخاذ الإجراءات القانونية حيالها، من العاملين المختصين بشئون
التنظيم وغير ذلك من الجهات الإدارية المختصة.
................".
وتنص المادة (11) مكررا (5) من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 106
لسنة 1976 في شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء المضافة بقرار وزير الإسكان والمرافق
رقم 180 لسنة 1998 على أن:
"يحظر الموافقة على ........ إقامة بناء في أرض عقار سبق هدمه أو يشرع
في هدمه بغير ترخيص، إلا في حدود ارتفاعه الذي كان عليه من قبل دون أي تجاوز، وذلك
في جميع أنحاء جمهورية مصر العربية".
وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأوضاع الشكلية للنصوص
التشريعية المتصلة باقتراحها أو إقرارها أو إصدارها، إنما تتحدد على ضوء ما قررته
في شأنها أحكام الدستور المعمول به حين صدورها، ومن ثم فإن هذه المحكمة سوف تبسط
رقابتها في شأن استيفاء النصوص التشريعية المحالة من محكمة الموضوع للأوضاع
الشكلية في ضوء أحكام الدستور الصادر عام 1971.
وحيث إن الأصل أن السلطة التنفيذية لا تتولى التشريع، وإنما يقوم
اختصاصها أساسًا على تنفيذ القوانين وإعمال أحكامها، غير أن الدستور - استثناءً من
هذا الأصل، وتحقيقًا لتعاون السلطات وتساندها - عهد إليها في حالات محددة أعمالاً
تدخل في نطاق الأعمال التشريعية، ومن ذلك إصدار اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين
فنصت المادة (144) من دستور سنة 1971 على أن "يصدر رئيس الجمهورية اللوائح
اللازمة لتنفيذ القوانين، بما ليس فيه تعديل أو تعطيل لها أو إعفاء من تنفيذها،
وله أن يفوض غيره في إصدارها. ويجوز أن يعين القانون من يصدر القوانين اللازمة لتنفيذه".
ومؤدى هذا النص، أن الدستور حدد على سبيل الحصر الجهات التي تختص
بإصدار اللوائح التنفيذية فقصرها على رئيس الجمهورية أو من يفوضه في ذلك أو من
يعينه القانون لإصدارها، بحيث يمتنع على من عداهم ممارسة هذا الاختصاص الدستوري،
والا وقع عمله اللائحي مخالفًا لنص المادة (144) المشار إليها، كما أن القانون متى
عهد إلى جهة معينة بإصدار القرارات اللازمة لتنفيذه استقل من عيَّنه القانون دون
غيره بإصدارها.
وحيث إن البين من استعراض أحكام قرار وزير الإسكان والمرافق
والمجتمعات العمرانية رقم 180 لسنة 1998 بتعديل بعض أحكام اللائحة التنفيذية
للقانون رقم 106 لسنة 1976 في شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء أنه ينص في مادته
الأولى على إضافة فصل ثان مكرر للائحة التنفيذية لقانون توجيه وتنظيم أعمال البناء
الصادرة بقرار وزير الإسكان والمرافق رقم 268 لسنة 1996 ورد به نص المادة (11)
مكررا (5) الذي يقضي بحظر الموافقة على إقامة بناء في أرض عقار سبق هدمه أو يشرع
في هدمه بغير ترخيص، إلا في حدود ارتفاعه الذي كان عليه من قبل دون أي تجاوز في
جميع أنحاء جمهورية مصر العربية، وكانت نصوص القانون رقم 106 لسنة 1976 قد خلت من
أية أحكام تنظم فرض قيود الارتفاع على المباني، أيا كانت, باستثناء ما نصت عليه
الفقرة الأخيرة من المادة (13) المضافة بالقانون رقم 101 لسنة 1996 من أنه
"ولا يجوز زيادة الارتفاع الكلي للبناء على مرة ونصف عرض الشارع بحد أقصى 36
متراً، ولرئيس مجلس الوزراء في حالة الضرورة القصوى تحقيقًا لغرض قومي أو مصلحة
اقتصادية أو مراعاة لظروف العمران تقييد أو إعفاء منطقة أو جزء منها أو مبنى بذاته
من الحد الأقصى للارتفاع"، بما مؤداه أن القانون خول رئيس مجلس الوزراء وحده،
وبضوابط محددة، سلطة تقييد الارتفاع للمباني أو الإعفاء منه، ومن ثم فإن ما ورد
بنص المادة (11) مكررا (5) من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 106 لسنة 1976 في شأن
توجيه وتنظيم أعمال البناء المضافة بقرار وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات
العمرانية رقم 180 لسنة 1998، من حظر الموافقة على إقامة بناء في أرض عقار سبق
هدمه أو يشرع في هدمه بغير ترخيص إلا في حدود ارتفاعه الذي كان عليه من قبل، يكون
قد صدر مجاوزا حدود الاختصاص المعقود لوزير الإسكان، عدوانًا على اختصاص حجزه
القانون استئثاراً لرئيس مجلس الوزراء، الأمر الذي يخالف حكم المادة (144) من
دستور سنة 1971.
وحيث إن البين من استعراض أحكام قانون الطوارئ الصادر بقرار رئيس
الجمهورية بالقانون رقم 162 لسنة 1958 معدلاً بالقانون رقم 37 لسنة 1972 أنه قضى
في المادة (1) منه بأنه "يجوز إعلان حالة الطوارئ كلما تعرض الأمن أو النظام
العام في أراضي الجمهورية أو في منطقة منها للخطر سواء أكان ذلك بسبب وقوع حرب أو
قيام حالة تهدد بوقوعها أو حدوث اضطرابات في الداخل أو كوارث عامة أو انتشار وباء".
كما نصت المادة (3) منه على أن "لرئيس الجمهورية متى أعلنت حالة
الطوارئ أن يتخذ التدابير المناسبة للمحافظة على الأمن والنظام العام وله على وجه
الخصوص:
1- وضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والانتقال والإقامة والمرور في
أماكن أو أوقات معينة والقبض على المشتبه فيهم أو الخطرين على الأمن والنظام العام
واعتقالهم والترخيص في تفتيش الأشخاص والأماكن دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات
الجنائية.
2- الأمر بمراقبة الرسائل أيا كان نوعها ومراقبة الصحف والنشرات
والمطبوعات والمحررات والرسوم وكافة وسائل التعبير والدعاية والإعلان قبل نشرها
وضبطها ومصادرتها وتعطيلها وإغلاق أماكن طبعها، على أن تكون الرقابة على الصحف
والمطبوعات ووسائل الإعلان مقصورة على الأمور التي تتصل بالسلامة العامة أو أغراض
الأمن القومي.
3- تحديد مواعيد فتح المحال العامة وإغلاقها وكذلك الأمر بإغلاق هذه
المحال كلها أو بعضها.
4- تكليف أي شخص بتأدية أي عمل من الأعمال والاستيلاء على أي منقول أو
عقار ويتبع في ذلك الأحكام المنصوص عليها في قانون التعبئة العامة فيما يتعلق
بالتظلم وتقدير التعويض.
5- سحب التراخيص بالأسلحة أو الذخائر أو المواد القابلة للانفجار أو
المفرقعات على اختلاف أنواعها والأمر بتسليمها وضبطها وإغلاق مخازن الأسلحة.
6- إخلاء بعض المناطق أو عزلها وتنظيم وسائل النقل وحصر المواصلات
وتحديدها بين المناطق المختلفة.
ويجوز بقرار من رئيس الجمهورية توسيع دائرة الحقوق المبينة في الفقرة
السابقة، على أن يُعرض هذا القرار على مجلس الشعب في المواعيد وطبقًا للأحكام
المنصوص عليها في المادة السابقة".
وتنص المادة (17) من ذات القانون على أن "لرئيس الجمهورية أن
ينيب عنه من يقوم مقامه في اختصاصاته المنصوص عليها في هذا القانون كلها أو بعضها
وفي كل أراضي الجمهورية أو في منطقة أو مناطق معينة منها".
وحيث إن التدابير التي ناطت المادة (3) من القانون رقم 162 لسنة 1958
برئيس الجمهورية اتخاذها متى أعلنت حالة الطوارئ مردها تعرض الأمن والنظام العام
في أراضي الجمهورية أو في منطقة منها للخطر، والغاية من تقريرها المحافظة على أمن
الوطن والمواطنين معًا، وكل تدبير أو إجراء يتخذ في هذا الشأن ينبغي أن يرتبط بهذه
الغاية دون سواها، وقد خلت تلك التدابير، من إعطاء رئيس الجمهورية سلطة إصدار
تشريع لتنظيم أمر معين حتى ولو كان يدور حول تحقيق تلك الغاية، وله - إن شاء ذلك -
أن يلجأ إلى السلطة التي حددها المشرع الدستوري لإصدار هذا التشريع، وإذ كان هذا
هو حال الأصيل عند ممارسة سلطة الطوارئ، فإن من ينيبه ذلك الأصيل للقيام ببعض
اختصاصاته ليس له أن يباشر اختصاصًا لا يمنحه قانون حالة الطوارئ للأصيل، بل إن
هذا الأخير لا يملك إضافة تدابير أخرى إلى تلك المحددة بنص المادة (3) من ذلك
القانون، يؤيد ذلك أن قانون الطوارئ ما هو إلا نظام خاص قُصد به دعم السلطة
التنفيذية وتزويدها بمكنات معينة تحد بها من الحقوق والحريات العامة بهدف مواجهة
ظروف طارئة تهدد السلامة العامة أو الأمن القومي للبلاد مثل الحرب وأخطار التهديد
الخارجي والاضطرابات التي تهدد الأمن الداخلي، أو حدوث وباء أو ما شابه ذلك من
أمور وثيقة الصلة بالسلامة العامة والأمن القومي، وهو بهذه المثابة محض نظام
استثنائي يستهدف غاية محددة فلا يجوز التوسع في تطبيقه، ويتعين التزام التفسير
الضيق لأحكامه. ولتأكيد الطبيعة الاستثنائية لهذا النظام نصت المادة (48) من دستور
سنة 1971 على أن "حرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام مكفولة،
والرقابة على الصحف محظورة وانذارها أو وقفها أو إلغاؤها بالطريق الإداري محظور،
ويجوز - استثناءً في حالة إعلان الطوارئ أو زمن الحرب – أن يُفرض على الصحف
والمطبوعات ووسائل الإعلام رقابة محددة في الأمور التي تتصل بالسلامة العامة أو
أغراض الأمن القومي، وذلك كله وفقًا للقانون "فعبارات هذا النص صريحة وواضحة
الدلالة على أن الرقابة المحددة على الصحف والمطبوعات ووسائل الإعلام إنما تكون في
الأمور ذات الصلة بالسلامة العامة أو أغراض الأمن القومي، وهو ما يتعين التقيد به
أيضًا بالنسبة للأوامر أو التدابير التي تصدر من السلطة التي حددها قانون حالة
الطوارئ والتي تتمثل في رئيس الجمهورية أو من ينيبه عند إصدارها أيا من التدابير
المنصوص عليها في المادة (3) من ذلك القانون.
وحيث إن أمر رئيس مجلس الوزراء ونائب الحاكم العسكري العام رقم 2 لسنة
1998 ينص في مادته الثانية بند ثالثًا على "حظر إقامة، وكذا الموافقة صراحة
أو ضمنًا على طلب الترخيص بإقامة بناء في أرض عقار سبق هدمه أو يُشرع في هدمه بغير
ترخيص، إلا في حدود ارتفاعه الذي كان عليه من قبل دون أي تجاوز"، كما قررت
المادة الثالثة منه عقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة لكل من خالف حكم المادة الثانية
أو شرع في ذلك، وتسري العقوبة المشار إليها على كل ممثل لجهة حكومية وقع الفعل أو
الشروع بتكليف منه، كما يعاقب بذات العقوبة كل من ساهم أو اشترك في الجريمة أو لم
يقم بواجبه في منعها واتخاذ الإجراءات القانونية حيالها من العاملين المختصين
بشئون التنظيم وغير ذلك من الجهات الإدارية المختصة، وإذ كان تنظيم الأمر المتقدم
يتصل بالمصلحة العامة ومقتضياتها إلا أنه لا يعد من قبيل التدابير المناسبة
للمحافظة على الأمن والنظام العام والتي تعلن من أجلها حالة الطوارئ، ومن ثم فليس
للسلطة التي حددها قانون الطوارئ من سبيل إلا ولوج أسلوب التشريع العادي بضوابطه وإجراءاته
من أجل وضع تنظيم تشريعي يقيم توازنًا دقيقًا بين حقوق أصحاب تلك العقارات في
استغلالها على النحو الذي يكفل لهم مصالحهم، وبين مقتضيات الحفاظ على تلك الثروة
العقارية وما تمثله من تراث قومي، وإذ تنكب أمر نائب الحاكم العسكري رقم 2 لسنة
1998 هذا الطريق فإنه يكون قد وقع في حومة مخالفة نص المادة (86) من دستور 1971
الذي عهد بسلطة التشريع إلى مجلس الشعب، مما يتعين معه القضاء بعدم دستورية نص
المادة الثانية من هذا الأمر فيما تضمنه من حظر إقامة، وكذا الموافقة صراحةً أو
ضمنًا على طلب الترخيص بإقامة بناء في أرض عقار سبق هدمه أو يُشرع في هدمه بغير
ترخيص، إلا في حدود ارتفاعه الذي كان عليه من قبل دون أي تجاوز.
وحيث إن المادة الثالثة من أمر رئيس مجلس الوزراء ونائب الحاكم
العسكري العام رقم 2 لسنة 1998 رصدت عقوبة جنائية لمن يخالف الحظر المنصوص عليه في
المادة الثانية منه، فإن القضاء بسقوط أحكامها تبعًا للقضاء بعدم دستورية النص
المتعلق بها يكون لازمًا.
وحيث إن قرار الإحالة ينعي على الفقرة الثانية من المادة الأولى من
قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 3086 لسنة 1996 بشأن حدود الترخيص في تعلية المباني
وقيود الارتفاع بمدينة الإسكندرية، والمادة الثامنة من قرار رئيس مجلس الوزراء رقم
963 لسنة 2003 بشأن تحديد ارتفاعات المباني لبعض المناطق بمحافظات جمهورية مصر
العربية، مخالفتها لحكم المادة (144) من دستور سنة 1971، والاعتداء على حق
الملكية، بحرمان صاحب العقار المهدوم بغير ترخيص من الانتفاع بماله.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أن الفقرة الأخيرة من المادة (13) من
القانون رقم 106 لسنة 1976 في شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء، المضافة بالقانون
رقم 101 لسنة 1996، بعد أن بينت الحدود القصوى للارتفاعات التي يحظر مخالفتها،
ناطت برئيس مجلس الوزراء تقييد الحد الأقصى للارتفاع في منطقة أو جزء منها لأسباب
عددتها حصرا، ومن بينها تحقيق مصلحة اقتصادية أو مراعاة لظروف العمران، بما مؤداه
أن القانون قد خول رئيس مجلس الوزراء، إصدار القرارات التنظيمية بضوابط تقييد
ارتفاعات المباني أو الإعفاء منها، ومن ثم فإن قراري رئيس مجلس الوزراء، سالفي
البيان، يكونان قد صدرا في حدود التفويض التشريعي، منضبطين بأحكام المادة (144) من
دستور سنة 1971, ويغدو ما أورده حكم الإحالة، في هذا الشأن، لا محل له.
وحيث إن الملكية، في إطار النظم الوضعية التي تزاوج بين الفردية وتدخل
الدولة, لم تعد حقا مطلقًا، ولا هي عصية على التنظيم التشريعي، وليس لها من
الحماية ما يجاوز الانتفاع المشروع بعناصرها، ومن ثم ساغ تحميلها بالقيود التي
تتطلبها وظيفتها الاجتماعية، وهي وظيفة لا يتحدد نطاقها من فراغ، ولا تفرض نفسها
تحكمًا، بل تمليها طبيعة الأموال محل الملكية، والأغراض التي ينبغي رصدها عليها،
محددة على ضوء واقع اجتماعي معين، في بيئة بذاتها، لها مقوماتها وتوجهاتها.
وحيث إن الدستور قد حرص على النص على صون الملكية الخاصة، وكفل عدم
المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وفي الحدود وبالقيود التي أوردها باعتبار أنها
في الأصل ثمرة مترتبة على الجهد الخاص الذي بذله الفرد بكَدِّه وعرقه، وبوصفها
حافز كل شخص إلى الانطلاق والتقدم؛ إذ يختص دون غيره بالأموال التي يملكها. وكانت
الملكية في إطار النظم الوضعية التي تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة, لم تعد حقا
مطلقًا، ولا هي عصية على التنظيم التشريعي وانما يجوز تحميلها بالقيود التي
تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، وهي وظيفة يتحدد نطاقها ومرماها على ضوء طبيعة
الأموال محل الملكية، والأغراض التي ينبغي توجيهها إليها، وبمراعاة الموازنة التي
يجريها المشرع، ويرجح من خلالها ما يراه من المصالح أولى بالرعاية وأجدر بالحماية،
ومن ثم كان مقبولاً دستوريا أن ينظم القانون أداء هذه الوظيفة مستهديًا بوجه خاص
بالقيم التي تنحاز إليها الجماعة في مرحلة من مراحل تطورها، وبمراعاة أن القيود
التي تفرضها الوظيفة الاجتماعية على حق الملكية للحد من إطلاقها، لا تعتبر مقصودة
لذاتها بل غايتها خير الفرد والجماعة.
وحيث إنه متى كان ذلك؛ وكان تقييد الحد الأقصى لارتفاع المباني
المقامة على أرض عقار سبق هدمه دون ترخيص بحدود الارتفاع الذي كان عليه المبنى قبل
هدمه دون أي تجاوز، قد تغيا مراعاة ضوابط واشتراطات التخطيط العمراني، والأوضاع
الاقتصادية للبلاد، واعلاء سيادة القانون، فلا يظفر مُخالف القانون بثمار مخالفته،
دونما مراعاة للطابع العمراني للمنطقة التي رام إقامة بنائه فيها، ملتفتًا عما قد
يُكبده للدولة من أضرار تتمثل في تكلفة توفير الخدمات والمرافق لبنائه، وانعكاس
ذلك على كفاءة وكفاية الخدمات التي تقدمها لسائر المواطنين ممن التزموا أحكام
القانون، ومن ثم فإن الفقرة الثانية من المادة الأولى من قرار رئيس مجلس الوزراء
رقم 3086 لسنة 1996 والمادة الثامنة من قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 963 لسنة 2003
فيما تضمناه من تقييد الحد الأقصى لارتفاع المباني المقامة على أرض عقار سبق هدمه
بحدود الارتفاع الذي كان عليه قبل هدمه تكونان قد صدرتا في إطار السلطة التقديرية
للمشرع لتنظيم حق الملكية، متوائمتين مع متطلبات الواقع والظروف الاقتصادية
والاجتماعية، وما تتطلبه من القضاء على تنامي ظاهرة البناء العشوائي المخالف للقوانين
واللوائح، وهو ما يتفق مع الوظيفة الاجتماعية لحق الملكية، الأمر الذي يضحى معه
النعي عليهما بمخالفة أحكام المواد (33 و35 و36) من الدستور لا أساس له متعينًا
رفضه.
وحيث إن هذين النصين لا يتعارضان مع أي نص آخر من الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة:
أولاً: بعدم دستورية نص المادة الثانية من أمر رئيس مجلس الوزراء
ونائب الحاكم العسكري العام رقم 2 لسنة 1998 فيما تضمنه من حظر إقامة بناء أو
الترخيص بإقامة بناء على أرض عقار سبق هدمه دون ترخيص إلا في حدود الارتفاع الذي
كان عليه دون أي تجاوز.
ثانياً: بعدم دستورية نص المادة (11) مكررا (5) من اللائحة التنفيذية
للقانون رقم 106 لسنة 1976 المضاف بقرار وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات
العمرانية رقم 180 لسنة 1998 فيما تضمنه من حظر إقامة بناء أو الترخيص بإقامة بناء
على أرض عقار سبق هدمه دون ترخيص إلا في حدود الارتفاع الذي كان عليه دون أي تجاوز.
ثالثاً: بسقوط نص الفقرة الأولى من المادة الثالثة من أمر رئيس مجلس
الوزراء ونائب الحاكم العسكري العام رقم 2 لسنة 1998 في مجال تطبيقه على الأفعال
المنصوص عليها في المادة الثانية من الأمر ذاته.
رابعاً: رفض ما عدا ذلك من طلبات.